إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/04/30

الذات المنتهكة

الذات المنتهكة:
حكمت محكمة كويتية بسجن امرأة عربية من فئة البدون وتحمل الجنسية الاسترالية لمدة عامين بالسجن بتهمة المس بالذات الاميرية!...
وفي تفاصيل الخبر انها كانت في زيارة للكويت وفي المطار منعت مع عائلتها من الدخول،وحسب قول من يعرفها انها امرأة ملتزمة جدا مع بقية افراد عائلتها وان احد رجال الامن اساء اليها وردت عليه دون ان تمس الامير!...

في الحقيقة ان رجال الامن في اغلبية المطارات العربية وكذلك في اغلبية مراكز الحدود،هم على درجة عالية من سوء الاخلاق والوقاحة الى درجة تجعل المسافر يندم كثيرا على زيارة البلد!...والغريب في الامر ان هؤلاء يمثلون البلد وفي الواجهة والمفروض ان يكونوا على اعلى درجات الادب واللياقة والدبلوماسية في التعامل كما هو موجود في اغلبية مطارات الدول الغربية على سبيل المثال،وكذلك يجب ان يكونوا على درجة عالية من الثقافة والمهنية حتى يسهل عليهم التعامل مع الزوار وخاصة مساعدتهم في ظروف يحتاجون الى من يخفف عنهم المعاناة والتعب الناتج من السفر...والاكثر غرابة ان هؤلاء الرجال حتى وان تمت مراقبتهم فأنهم لايعاقبون على سوء تصرفاتهم او لا يجدون من يحد من تلك التصرفات الخاطئة!،وبذلك تتحمل السلطات العليا مسؤولية سوء تصرفات هؤلاء وايضا منع الزوار من زيارة البلد مرة اخرى،مما يعني حرمان الاقتصاد من مورد هام.
وتشتهر دول عربية كثيرة في سوء تصرف رجال الامن وتقف مصر والاردن في المقدمة،بينما تقف سوريا في مقدمة الدول التي يأخذ العاملين في المطارات ومراكز الحدود، رشاوى من المسافرين.
في هذه الحال ينبغي عدم تطبيق اي قوانين ما عدا التي تخل بالامن بحق المسافرين الذين يكونوا في حالة متعبة بعد سفر طويل وشاق مما يجعل اعصابهم تثور من تلك التصرفات الهوجاء لرجال ينبغي ان يساعدوهم في اكمال الاجراءات ،لا ان يخلقوا المتاعب والمشاكل لهم وبالتالي يتحملون المسؤولية كاملة في اي تصرف خاطيء من قبل المسافرين اذا كانت زيارتهم وما يحملون معهم من مواد،قانونية.
الشيء الاخر في حالة تلك السيدة وافراد عائلتها انها عاشت فترة طويلة في الكويت ولم تحمل جنسيتها مثل مئات الالاف من فئة البدون واجبرتها الظروف على الرحيل،بينما حصلت على الجنسية الاسترالية خلال فترة سنتين من الاقامة الدائمية،وبذلك تكون استراليا وبقية الدول الغربية قد ضربت لنا مثلا نموذجيا في الالتزام الاخلاقي والانساني تجاه اللاجئين والمهاجرين،مع العلم ان الجنسية الغربية هي اكثر قيمة بصورة مطلقة من جميع الجنسيات العربية!...
وفي المقابل لم تلتزم لادينيا ولا اخلاقيا ولا انسانيا ولا حتى جانب رابطة العروبة والقرابة العائلية،كل الدول العربية التي يتواجد فيها فئة البدون على اراضيها ،والذين يعيشون في تلك البلاد منذ عقود طويلة من الزمن.
ليست مشكلة البدون فقط هي التي تنتهك فيها كل الاعراف والمبادئ،بل هناك المجموعات الدينية والعرقية الكثيرة التي تعرضت ومازالت تتعرض لكل الانتهاكات المشينة لحقوقها،ولا ادري كيف يمكن ان تنزل الرحمة الالهية اذا كانت تلك الدول لا ترحم من في الارض!....وهنا الامثلة عديدة ليست فقط فئة البدون في دول الخليج ،بل فئات اخرى كثيرة تعيش حياة من الدرجة الثانية بالقياس الى حياة المجموعات الحاكمة وبصورة مشابهة لحياة البدون،مثل العراق قبل 2003 عندما طرد وقتل مئات الالاف من الشيعة والاكراد بحجج واهية ومختلفة،رغم انهم يعيشون في البلد منذ قرون طويلة!!...وسوريا حيث تنتهك حقوق الاكراد فيها،ومصر تنتهك حقوق الاقباط،والسودان الذي ينتهك حقوق الجنوبيين وسكان دارفور،ودول المغرب العربي التي تنتهك حقوق الاقلية الامازيغية...
الذات الالهية وذات الشعوب تنتهك وبالتالي ليس هنالك معنى من تطبيق هكذا قانون يميز الحاكم عن غيره ويشترك حتى الغرباء في التطبيق عليهم،ورغم ذلك تبقى الكويت افضل من بلاد عربية اخرى تطبق عقوبة الاعدام لمن ينتهك ذات الحاكم ولو بكلمة سيئة في حالة فقدان وعي،وحالاتهم مجهولة لا احد يعلم شيئا عنها....

لوحة الفنان مجيد اروري


في رحاب الشعر

في رحاب الشعر:
الشعر،وما الشعر؟...هي كلمات لاتختلف عن الكلمات المستخدمة في حياتنا اليومية،ولكن في تجميعها يكمن السحر...تصنع منه موسيقى تطرب النفوس والعقول وتمنح لها ولنا عالما يختلف عن عالمنا الذي نحياه...عالما خاليا من كل ما يعيق سعادتنا وبهجتنا وديمومة حياتنا...
ولكن هل منتجات هذه الصناعة الادبية بنفس الجودة؟وبنفس الديمومة؟...
الجواب ...كلا!...فهي صناعة أنسية لاتختلف عن بقية الصناعات الاخرى التي ينتجها الانسان،والتي تختلف جودتها بأختلاف المصدر...وهذا المصدر تكمن قوته في جودة ما ينتجه سواء من صناعات مادية أومعنوية،وهو سر اتقانه لها ،وكذلك في حجم المستهلكين لتلك المنتجات....هنا القراء والمتذوقين منهم....
والشعر كبقية العلوم والفنون والاداب...لايختلف عن البقية،سوى في كونه عالما يختلف عن العوالم الاخرى...
تذوق الشعر يختلف بأختلاف الاذواق،وكلما ازدادت قيمة الشعر،ازدادت بالنتيجة القيمة المعنوية للشاعر....
ومن المزايا التي يختلف بها الشعر عن بقية الاجناس الادبية ولو بدرجة اعلى احيانا،هو ان القصيدة الشعرية تبقى حية في النفوس ولاجيال عديدة ...بل تمتد الى عصور زمنية مختلفة،لا يجمع بينها سوى الانسان،بمشاعره واحاسيسه وتطلعاته واهدافه ورغباته والتي هي ثابته،والزمن مهما طال،فالاختلاف يكمن في النوعية ويبقى الاساس واحد،ثابت لايتغير...
قد نجد قصائد مر عليها الاف السنين،هي حية ومازال يتذوقها الكثيرون منا،لان معانيها وجودة كلماتها وماترمي اليه هي مستمرة رغم تعاقب الاجيال...
وفي المقابل نجد هنالك الكثير من النتاج الادبي ومنه الشعر حتى لو كان حديثا،ذو قيمة ضعيفة سرعان ما يبقى في بطون الموسوعات والكتب اذا كان محظوظا،دون ان يلتفت اليه احد من متذوقي الادب...
يبقى عالقا في الذاكرة،كنوز ادبية لاتقدر بقيمة مادية ابدا،ومنها قصائد شعرية يجود بها شعراء من مختلف العصور والبلدان...
وهنا احاول ذكر قصيدة باقية الاثر في الذاكرة ومجهولة ايضا،مع نبذة بسيطة عن الشاعر وابيه تعميما للفائدة...
قصيدة وشاعر واكبر معتقل سياسي في العالم:
في 8\4\1980 اعتقل نظام صدام،العلامة الفقيه السيد محمد صادق القزويني(1900-؟) في مدينة كربلاء المقدسة،وكان عمره آنذاك 80 عاما،حيث اقتيد ليلا بواسطة رجال الامن،حافيا وحاسر الرأس وبطريقة مهينة الى سجون البعث الفاشي الرهيبة،ولم يحترم النظام البائد كعادته،لا سنه ولا مكانته الدينية والعلمية،وبقي في السجون،ولغاية سقوط النظام عام 2003 لم يعرف عنه خلال تلك الفترة شيئا! ولحد الان يبقى مجهولا،وقد رآه بعض السجناء بعد مرور عدة سنوات على اعتقاله،اطلقت عليه منظمة العفو الدولية(اكبر سجين سياسي في العالم).
من ابرز انجاله العلامة السيد مرتضى القزويني(مواليد 1930)وهو عالم واديب مشهور،سكن في العراق والكويت وايران وامريكا،حتى عودته الى مدينته كربلاء بعد سقوط النظام عام 2003 بعد غياب 33 عاما،حيث يلقي محاضراته في الصحن الحسيني الشريف حول تفسير القرآن بأسلوب بسيط وسلس للعامة،وتنقل على قناة الانوار الفضائية،وله الكثير من المؤلفات القيمة....
قرأت قصيدته تلك في مجلة الموسم العدد(23-24)الصادرة عام 1995 في هولندا،وهي عبارة عن ابيات شعرية في غاية العذوبة،موجهة على شكل رسالة الى والده وبقية المعتقلين في سجون البعث المجرم،وهي في الحقيقة ابيات لكل المظلومين في العالم، وتتضمن مشاعر انسانية رقيقة من ابن فقد ابيه،وقد تأكدت من عدم وجود تلك الابيات التي تدخل ضمن ادب الفراق والحزن ، في شبكة الانترنت،فقررت اضافتها هنا حتى يقرأها ويتذوقها الجميع لعذوبتها...
أبي قد مضت فيك السنون طوالا- وانت تعاني قوة ونكالا
أبي يا سجينا ليس يوجد مثله – بأكبر سنا أو بأسوأ حالا
أبي لست ادري أنت حي فنرتجي – وهل أنت ميت لا تجيب سؤالا
وياغائبا عنا أهل لك عودة – فتسعد مكروبا وتنعم بالا
ففي اي سجن يا أبي أنت قابع – وفي أي ذنب حملوك وبالا؟
ومالك ذنب غير أنك مسلم – ترى طاعة الحزب العميل محالا
أبى الحكم الا أن يفوق بجرمه – وتنكيله أقسى الطغاة فعالا
فلم يرحموا الشبان والشيب لحظة – ولا نسوة راعوا ولا اطفالا
قد اضطهدوا شعب العراق وسددوا – اليهم بأنواع البلاء نصالا
فكم سفكوا منهم دماءا وعذبوا – نساءا وزجوا في السجون رجالا
وكم هتكوا الاعراض قسرا فأصبحت – بنات عذارى بالسفاح حبالى
فقتل وتعذيب وهدم منازل – وسجن وتنكيل بهم تتوالى
فهم بين مقتول وبين مشرد – وما بين أيتام وبين ثكالى
وطاغوتهم شر الطواغيت معدنا – وأقساهم قلبا وشر مثالا
وصدام شر الخلق لم يأتي مثله – ظلوم غشوم قد أساء فعالا
به عطش لم يرو الا من الدما – وحقد دفين فيه صال وجالا
فاي عميل دمر الشعب مثله – وأسرف قتلا فيهم وقتالا
اباد بلادا زاهرت بأهلها – وأحرق الآف القرى وأزالا
وعاث فسادا في البلاد فتارة – لايران قد شن القتال ضلالا
ويوما على ارض الكويت جيوشه – تشن حروبا داميات ثقالا
وقد خسر الحربين حتى تمزق ال – عراق فصالا كان قبل وصالا
وعادت بلاد الرافدين حصيدة – تفرق أهلوها جوى وهزالا
أغار عليه الخوف والجوع والعنا – وكانت لتزهو بهجة وجمالا
وفيها من الويلات ما لو توزعت – على الارض افنت ابحرا وجبالا
فيا أبي المظلوم قد شاب مفرقي – لحزنك حتى لا يروم زوالا
فأن كنت حيا كم تذوق مرارة – وتحمل الاما سنين طوالا
وأن كنت ميتا أن في الموت راحة – ولكن حزني في عزائك طالا
فكم من سجين بين اهلي وأسرتي – وكم من فقيد في السجون اطالا
الى الله أشكو حسرتي وتفجعي – وأستلهم السلوان منه تعالى
وأساله ان يأخذ الثأر عاجلا – ويترك بيت الظالمين تلالا
وأطلب منه أن يفرج همنا – ويبدل عن هذا الفراق وصالا



2009/04/25

الحرب التكفيرية

الحرب التكفيرية:
بمزيد من الحزن والالم الشديد، انعى وبدموع يوميا سقوط المئات من الشهداء والجرحى الابرياء في العراق وافغانستان وباكستان وبقية الدول الاخرى،بواسطة الحرب التكفيرية الارهابية التي تشنها العصابات التكفيرية الاجرامية والتي ثبت للجميع مدى جبنها ونذالتها في خوفها من اسرائيل والانظمة العربية الفاسدة التي تصدر اقذارها الى البلدان الثلاثة السالفة الذكر لتنظيف بلادهم من هؤلاء المعتوهين الذين وجدوا فرصتهم في تدهور الامن في تلك البلاد المنكوبة....
لم تبقى وسيلة قذرة تنم عن مدى انحطاط ووحشية هؤلاء،الا واستخدموها ضد الابرياء،فمن استخدام الحيوانات الى استخدام المجانين والمتخلفين عقليا،الى استخدام النساء وخاصة المراهقات،ثم وسيلتهم الاخيرة والمتمثلة بأستخدام الاطفال والمراهقين وبوسائل غاية في الخسة والنذالة من قبيل تخديرهم بحيث لايشعرون بما يقومون به،الى غسيل المخ والمستمر منذ ايام وعاظ السلاطين السلف امثال ابن حزم وابن تيمية وابن قيم الجوزية ومرورا بمحمد بن عبد الوهاب وذريته الى ابن باز والقرضاوي وابن جبرين وتابعهم الجاهل ابن لادن والاعور عمر الدجال والبقية الذين يواصلون عملية غسيل الادمغة بقذارتهم الفكرية،ومنتجين من الرعاع اجيال لايحصى عددهم لتدمير ما تبقى من الامة الاسلامية المنكوبة اساسا بسادة هؤلاء الوعاظ الجبناء الذين لم نرى منهم من يقول قول حق بوجه ظالم مستبد....
لقد اشتدت تلك الحرب في العقدين الاخرين مع ظهور وسائل الاعلام الحديثة التي اخرجت تلك الجراثيم البشرية من المستنقعات الآسنة بعد ان كانت في جحورها وكهوفها المتخلفة تنتظر الفرص المواتية للانقضاض على الضحايا الابرياء وبوسائل لم تخطر على شياطين الانس والجن....
ويمكرون ويمكر الله،والله خير الماكرين...
الخلود والمجد في الدنيا والاخرة لكل الضحايا الابرياء....
والخزي والعار في الدنيا والاخرة لكل الرعاع القتلة وشيوخهم التكفيريين .....

2009/04/24

اسطورة التغيير الفوقي -القسم العشرون

الحرب مع الغرب:
من اشهر صفات القذافي ونظامه هي الحرب ولو اعلاميا على الغرب،وهو في نفس الوقت كان يودع الاموال الليبية في البنوك الغربية مما يعني انه يدعم الاقتصاد الغربي من جهة ويحارب الغرب من جهة اخرى!رغم حالة الخطورة في المصادرة او التجميد كما حدث للارصدة الايرانية بعد الثورة عام 1979 وهو درس لم يستوعبه بعد غالبية الانظمة العربية،واستغل حالة التوازن في الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي في ان يكون في صدارة انظمة العرب (الثورية)،واخذ العداء بعدا عسكريا من خلال ضرب المصالح الغربية عن طريق دعم الاعمال الارهابية مثل التفجيرات ضد الاماكن العامة،او دعم بعض الحركات المسلحة مثل الجيش الجمهوري الايرلندي السري في صراعه ضد بريطانيا والتي انتهت به الى خيانة حليفه الثوري من خلال تسليم كل وثائق واماكن تواجد ذلك الجيش بعد فترة الحصار على ليبيا في محاولة تنعدم فيها مبادئ الفروسية للتقرب من الغرب عن طريق بيع حلفاء الامس!.
ولكن الرد الغربي لم يكن متساهلا معه فقد قصفت ليبيا بشدة بعد التفجيرات في المانيا عام 1986،ولم يكن الغرب مستعدا لحرب اقصى من الحصار الاقتصادي بسبب وجود الاتحاد السوفييتي السابق،ولكن الامر تطور بعد مشاركة اجهزة النظام المخابراتية في تفجير الطائرات المدنية سواء في لوكربي عام 1988 او الطائرة الفرنسية في عام 1989،مما ادى الى اتهام اجهزة النظام المباشرة بتلك العمليات الارهابية،فتطور الامر الى فرض حصار دولي شبه شامل عام 1992 ولم يقبل النظام تسليم اعوانه المتهمين الا في عام 1999 وبعد دفع تعويضات هائلة تقدر بالمليارات من خزينة الشعب الليبي المسكين لتصرفات طائشة واجرامية لاذنب له فيها،هذا بالاضافة الى خسائره من الحصار الطويل والذي لا يعرف لحد الان حجم الاضرار الناتجة منه.
وبعد عملية بيع المبادئ والتحول الى الجهة الغربية التي تميل الى المصالح الاقتصادية،اصبح القذافي الان رغم مشاكساته الكلامية المضحكة وخاصة في القمم العربية التي اصبحت تنقل على الهواء مباشرة بعد ان كان الجميع محرمون منها بسبب عدم وجود البث الفضائي،ولكن الان يشاهدها الناس بمئات الملايين في نفس اللحظة حتى يستمتعوا بكلماته وحركاته وتصرفاته الشاذة وكذلك بالاخرين المشابهين له والذين يستهزأ القذافي بهم الى ابعد حدود،وينتظرها الجميع كل عام في مسرحية فكاهية احد ابرز ابطالها القذافي الذي هو الان حليف جديد للغرب جرى تأديبه بعد عداء طويل الامد،الا ان ذلك التحول لم ينهي حالة ليبيا الشاذة بذلك النظام،فمازال القمع الوحشي وانتهاك حقوق الانسان يتم بصورة منظمة وعلى وتيرة مستمرة،ومازال الفساد ينخر بأجهزة الدولة والتي يتحول من موقف الى آخر حسب رغبة القذافي ونظرياته المختلفة!.
ولكن قمة الفساد والاستبداد قد وصل مع تقدم عمر ابناء القذافي الذين ولدوا بعد انقلابه الذي ازال الملكية الدستورية ليقيم ملكية غير دستورية!.
استغلت عائلة القذافي والعوائل الموالية له،سيطرة القذافي على الحكم بقوة،في ممارسة طغيانها على الشعب من خلال تسلمها المناصب الرسمية وترشيح الابناء لخلافة الديكتاتور واستغلال السلطة اسوأ استغلال من خلال الانفاق الضخم والاستمتاع بملذات الحياة الاخرى بصورة تدعوا الى اليأس من عودة هؤلاء الى رشدهم،وما الفضيحة الكبرى التي حصلت لاحد ابنائه وزوجته في سويسرا الا ادانة دولية لتصرف هؤلاء الرعاع حتى في خارج بلدانهم دون ادنى اكتراث لقوانين البلدان الاخرى وانظمتها المتشددة في معاملة الناس بسواسية.
الادهى في المشكلة هي اقحام الدولة الليبية في المشاكل التي تخلقها تلك الاسرة العبثية في اراضي الدول الاخرى في نادرة مخزية،فقد عوقبت سويسرا بسحب الاموال الليبية وفرض عقوبات اقتصادية عليها وكل ذلك لتطبيقها القانون السويسري على سوء سلوك ابناء القذافي داخل اراضيها والخاضعة لسيادتها(فكيف الاحوال تكون اذا داخل ليبيا نفسها!)،وبدون ادنى خجل او حياء امام الشعب الليبي الذي اقحمت دولته الشاذة في مسالة قضائية لاينبغي ان تتدخل اجهزة الحكومة الليبية فيها الا في حالات ضيقة جدا حتى تحافظ على الاقل امام العالم حتى في مظهر ولو مزيف يتسم بالعصرية واحترام القانون الدولي،بل واحترام الشعب الليبي نفسه الذي يعرف الحقائق.
لم تنتهي مشكلات عائلة القذافي عند هذا الحد،بل هي مستمرة على نفس المنوال في سلوكها المشين،ولكن الاكثر اشمئزاز وحسرة هو ان اولاده على نفس طبيعة الاب في التقلب في المواقف المختلفة في حياتهم او في سوء استخدامهم للسلطة،مما يعني انه اذا تولى الحكم احد ابنائه فأن الدولة سوف تسير بنفس المنهاج الشاذ الذي اوصلها الوالد الى هذا المستوى الوضيع بين الامم الى درجة ان يقوم الديكتاتور بسب شعبه علنيا ونعته بكلمات او اوصاف سيئة!.
الاكثر غرابة ان انقلاب 1969 هو بالاصل جرى لازالة نظام الملكية الدستورية،ولكن ما الذي جاء به القذافي؟!...الجواب بالطبع هو تحويل البلاد الى ملكية مستبدة ذات صبغة شمولية ومتخلفة،فقد استولت عائلته على الحكم،واولاده الذين ولدوا بعد انقلابه الهمجي،استولوا على مراكز الدولة الرئيسية واصبح لكل واحد منهم منصب هام ونفوذ قوي يقوم من خلاله بأدارة جزء من الدولة وبطريقة غير رسمية وتحت سمع وبصر الشعب الليبي الذي لايقوى على التغيير،مما يعني ان البلاد قد تحولت بالفعل الى ملكية قبلية وفي غاية التخلف! وهي نتيجة بائسة للتغيير الفوقي الذي كان للاسف الشديد نحو الاتجاه المعاكس(وهو الشائع من انقلابات التغيير الفوقي) اي الاكثر سوءا واستبدادا وتخلفا في عالم يتطور بسرعة نحو الامام ولا يرحم من يبقى في ذيل قائمة التطور والحضارة.
مظاهر الديكتاتورية والحل:
ديكتاتورية القذافي هي وحشية بلا شك،وتسلطه تلك العقود الطويلة من الزمن هو دليل على شدة تمسكه بالحكم واستخدامه لاسوأ الطرق والاساليب في المحافظة عليه،والبلاد تنتهك فيها حقوق الانسان على ابسط المستويات واعلاها،حتى ان العمل الرأسمالي المتراكم هو ممنوع في القانون بحج واهية!،ولا وجود للاعلام الحر نهائيا،والبلاد هي في اسفل قائمة الدول التي تقيد الحريات الصحفية والاعلامية من خلال جميع وسائلها المعروفة،والقمع الوحشي للمعارضين يتم بصورة مبرمجة منذ بداية انقلاب سبتمبر1969 الذي كانت من اهدافه هي الحرية نفسها!،واسوأ مظاهرها هي الاعدامات الوحشية والمقابر الجماعية التي ينتظر الكشف عنها بعد سقوط النظام بالطبع،واستغلاله المال العام أسوأ استغلال وتبذيره واقامة مشاريع وهمية سواء اقتصادية او سياسية في داخل وخارج البلاد،كلف ليبيا الكثير من الاموال والجهود الضائعة،هذا بالاضافة الى الكثير من مظاهر الديكتاتوريات الشمولية الفاسدة والمروعة،وخاصة اشاعة الخوف والرعب والفساد في البلاد،والتي تحتاج البلاد الى جهود مضنية وطويلة الامد لازالتها،الاقتصاد لا احد يعرف اتجاهه هل هو اشتراكي ام رأسمالي،ورغم ذلك فهو في اسفل التطور اذا استثنينا النفط ،بالاضافة الى امور كثيرة اخرى...
اذن ماهو الحل:
من الصعب الاعتماد على طاقات الشعب الذاتية لازالة نظام في غاية الاستبداد الوحشي والتخلف مثل نظام القذافي،وبالتالي فأن اي محاولة في ظل حالة الخوف واليأس هي محكوم عليها بالفشل،وتبقى حالات شاذة وهي الانقلاب العسكري او الاغتيال امور من الممكن ان تنجح ولكن فرصها ضئيلة بسبب الاحتياط الحكومي لها،واذا نجحت ممكن ان تمنح البلاد فرصة اخرى للانطلاق نحو الحرية...
اما العامل الخارجي،فهو الاهم والاكثر قدرة على التغيير،وليس عيبا في ذلك كون عدد كبير من البلدان احتاجت اليه،بل قارة بأكملها مثل اوروبا احتاجت اليه خلال الحرب العالمية الثانية،وبالتالي هو عامل مهم تضاءلت اهميته مع الاسف الشديد بعد ان وصل الى القمة اثناء الحصار خلال فترة التسعينات،ولم تحشد المعارضة الليبية جهودها وتوحدها للاستفادة منه،مما ادى الى استغلال القذافي لصالحه نظرا لطول الفترة وتقديم التنازلات المتتابعة والتي ادت في النهاية الى شراء ذمم الكثير من الحكومات الغربية وخاصة في مجال النفط والاستثمارات،وادى ذلك الى عودة العلاقات الطبيعية مع القذافي ولكن ليست بأسس قوية وثابتة بل تخضع دوما لمزاجه المتقلب الدال على ضحالة التفكير والثقافة،وفي النهاية اصبح العامل الخارجي في التغيير من الضعف الى درجة يصعب على المتتابعين للمشهد السياسي الليبي التنبوء بحدوثه ولو في المستقبل القريب،فالنظام قد استفاد كثيرا من تجربته الطويلة في الحكم وهو متغلغل داخل صفوف الشعب من خلال اجهزته القمعية اليقظة لكل من تسول له نفسه في التعبير عن معارضته للنظام،ويبقى الامل حتى لو كان ضئيلا في كوادر الشعب الليبي العليا لاحداث التغيير المنشود والذي طال انتظاره..........

2009/04/23

اسطورة التغيير الفوقي -القسم التاسع عشر

وجاء ادخال البلاد في مغامرات عسكرية،نتيجة طبيعية للحكم الفردي الذي يخضع لرغبات حاكم يرغب في خلق امبراطورية يتزعمها،ولولا القدرات السكانية المحدودة لليبيا لادخل البلاد في مغامرات عديدة مثل صدام،ومن ضمن المغامرات العسكرية،حالة الاصطدام العسكري مع مصر التي تتفوق عليه بشكل واضح ولاشك فيه عام 1977 والتي سقط فيها بضع مئات من القتلى،ثم اتجه الى تشاد الجارة الجنوبية الفقيرة،وحاول انتزاع المنطقة الحدودية المتنازع عليها والمسماة خط اوزو،والتي نشبت حرب بين البلدين بين عامي 1980- 1987 والتي انتهت بأنتصار تشاد وهو البلد الفقير الضعيف!،وكانت الخسائر الليبية مروعة من حيث فقدان الاف القتلى والاسرى وكميات هائلة من الاسلحة المستولى عليها بالاضافة الى مليارات الدولارات،ثم في النهاية قبل النظام بالاحتكام الى محكمة العدل الدولية التي حكمت لصالح تشاد عام 1994!،وبالتالي فشلت اكبر مغامرة عسكرية للقذافي خارج البلاد وكان يأمل منها السيطرة على تشاد ثم ضمها الى ليبيا،فجاءت النتائج عكس توقعاته ولم ينفعه الانفاق العسكري الضخم في ردع جار ضعيف ممزق!.
اما الاجهزة الامنية فقد كانت بالدرجة الاولى موجهة ضد معارضيه في الداخل،ولحماية نظامه من الخارج،وهي من القوة والقسوة بحيث استطاعت حفظ نظامه خلال تلك الفترة الطويلة من التمزق والسقوط،وهي متماسكة نظرا لمراقبة القيادة لها ومواجهتها لعدو ضعيف وبصورة دائمة لايقوى حتى ان يطالب بتحديد صلاحياتها واعني به الشعب الليبي.
لم يكن نطاق عمل الاجهزة الامنية الليبية محصورا في الداخل الليبي بل تعداه الى خارج البلاد،من خلال تصفية المعارضين التي وصلت الى حد تسليح السفارات الليبية حتى تمارس المهام المناطة بها،ووصلت الذروة في اطلاق النار على المظاهرات من داخل السفارات في البلدان الغربية،وخاصة في بريطانيا عام 1984 وقتل خلالها شرطية بريطانية مما ادى الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لفترة طويلة،ولكن تبقى اشهر صفات النظام القمعية هي في طريقته الشهيرة في خطف المعارضين وخاصة من البلاد العربية المجاورة المتحالفة معه في تلك الجرائم البشعة،ثم نقلهم بعد ذلك الى داخل ليبيا حيث المجهول الابدي!واشهر مثال على ذلك هو خطف المعارض الشهير منصور الكيخيا عام 1993 من داخل مصر وبعلم رأس النظام حسني مبارك!.
وخطف المعارضين توسع ليشمل المخالفين في الرأي من البلاد الاخرى،والتي لا سلطة ليبية على مواطنيها،وتبقى الحادثة الاشهر على ادانة هذا النظام الفاشي،هو خطف الامام موسى الصدر وزميليه الذين زاروا ليبيا بدعوة من رأس النظام نفسه بمناسبة ذكرى الانقلاب عام 1978 ! مما يعني انه حتى لم يحترم الضيافة للغرباء والذين يلبون دعوة زيارة البلاد،ولغاية الان لا احد يعلم مصير الامام وصاحبيه،سواء قتلهم بطرقه الوحشية المعروفة او مازالوا هم في السجون،وهي القضية الجنائية البارزة في ادانة القذافي على جرائمه البشعة.
خضعت السياسة الليبية الى توجهات القذافي المتقلبة منذ تسلمه السلطة عام 1969،وكان في البداية ناصري الهوى ولذلك كان يدعم عبد الناصر الذي رحل بعد العام الاول للانقلاب في عام 1970،مما ادى الى مجيء السادات الذي يختلف عن عبد الناصر في نهجه،مما ادى الى العداء الشديد مع القذافي وصل الى حد المناوشات الدموية الحدودية عام 1977.
ومن ابرز صفات القذافي هي رغبته العارمة في عمل وحدة اندماجية مع اي بلد عربي وطبعا بطريقة الوحدة الاستبدادية غير المدروسة والتي تكون بين رؤوس الانظمة دون ان يكون هنالك حظ للمشاركة الشعبية وممارساتها الديمقراطية والليبرالية،مما يعني فشلها المؤكد والحتمي في النهاية لان كل وحدة خارج نطاق الشعوب وتقبلها النفسي لها حتى يكون قبولها يستند على اسس متينة لا تهزها التغييرات في الحكم لدى مسؤولي القيادات الحاكمة،هي فاشلة بالتأكيد وفي حكم المنتحرة ولو بعد حين،ولذلك جاءت جميع محاولات القذافي للوحدة فاشلة وبطريقة مضحكة ايضا،فالوحدة الاولى كانت عام 1971 مع مصر وسوريا في ثلاثي فاشل لم يصمد طويلا،تبعه عام 1974 وحدة اسلامية مع نظام علماني يقوده بورقيبة يحارب الاسلام السياسي في تونس!وكانت النتيجة ان الوحدة لم تصمد سوى يوم واحد!.
والوحدة الاخرى مع بلد مجاور وممزق في افريقيا عام 1981 والتي عارضها الغرب لان تشاد كانت في حرب اهلية داخلية يدعم فريق منه ضد الفريق الاخر الموالي للقذافي،مما ادى الى سحب مشروعه بسرعة خوفا من الغرب!.
الوحدة الرابعة كانت مشروع دول الاتحاد المغاربي عام 1989 والذي كان يتوقع له الفشل الذريع بسبب الخلافات الحادة بين بلدانه وخاصة بين المغرب والجزائر،ثم جاء رد فعل دوله البارد تجاه دعم ليبيا اثناء فترة حصاره بعد ازمة لوكربي لتضغط على اطلاق رصاصة النهاية الحقيقية له.
اما المشروع الاخير وهو خرافي بأمتياز هو الوحدة الافريقية،وهو الاتجاه الاخير له بعد تجاهل العالم العربي له ولمشاريعه المختلفة،فتوجه منذ عام 1999 الى افريقيا في محاولة لخلق نظام اتحادي على غرار الاتحاد الاوروبي ولكن تحت قيادته الحكيمة!،ولكن نظرا لاختلاف الدول الافريقية وصراعاتها الداخلية والخارجية وسيطرة الاستبداد والفساد والتخلف على معظم دوله،لا احد يتوقع نجاح ذلك المشروع الخيالي حتى لو بعد قرن من الزمان فكيف الان والقذافي ينفق من الاموال الضخمة لانجاحه،وهو دليل ليس فقط على سذاجته وتخلفه وتهوره،بل على انعدام المسؤولية وضحالة التفكير.
يمكن ملاحظة سياسة النظام المتقلبة من خلال تحالفه مع دول اليسار العربي وهي سوريا والجزائر واليمن في فترة السبعينات،ثم محاولة تقربه من الثورة الايرانية بعد نجاحها المدوي في عام 1979 للاستفادة من وجودها الثوري الكاسح في محاولة لتجديد صورة نظامه واعطائها صفة الثورية!،ولكن بقيت قضية الامام الصدر وصاحبيه المخطوفين،عائقا رئيسيا امام تقدم العلاقات التي ضعفت الى درجة تحوله عام 1987 الى اعادة علاقاته مع الشبيه في العالم العربي،اي صدام ونظامه الذي كان في حرب شرسة ضد ايران حينها.
ومن المفارقات هي تدخله المباشر في الحرب الاهلية اللبنانية خلال عقد السبعينات ضد الاحزاب اليمينية المسيحية ثم دعواته المتطرفة لتصفية الوجود المسيحي في لبنان ككل،وكان التدخل قد وصل الى حد الدعم بالمال والسلاح الذي لم ينفع سواء في انهاء الحرب او في حرب اسرائيل بعد ذلك وقد انتهى نفوذ القذافي الى ادنى مستوى منذ خطف الامام الصدر وصاحبيه عام 1978 ومنذ ذلك الحين والمسؤولون الليبيون يمتنعون عن زيارة لبنان بل ان القذافي نفسه لا يتجرأ على زيارة لبنان والقمة العربية التي عقدت عام 2002 كانت شاهدة على ذلك،كذلك استمر في تدخله في نزاعات الدول الافريقية الداخلية والتي لاتنتهي ابدا.
وخلال العقدين الاوليين للانقلاب حارب القذافي،الغرب وخاصة في المجال الاعلامي وتحالف مع الانظمة الشيوعية واليسارية في العالم ودعم الحركات السياسية اليسارية،ولكن من ايجابيات نظام القذافي هو مساندته للاقليات المسلمة في الفلبين وكمبوديا اثناء فترات الابادة والحرب ضدهما خلال فترة السبعينات،ودعم محادثات السلام مع حكومة الفلبين،كذلك ساند اقليات اخرى في بلاد يتعرض ابنائها للحصار والقمع،ولكن هذه المساعي الحميدة ضعفت منذ الحصار على ليبيا والتي قلصت نفوذها الخارجي بشكل كبير للغاية جعلها تتوقف في الدعم.
وكما هو معروف عن شذوذ القذافي في كل شيء،فقد خرج للعالم عام 1977 بنظريته الجديدة المخالفة للاتجاهين الرئيسيين الشيوعي والرأسمالي،وتضمن كتاب القذافي الاخضر خلاصة فكره والذي لم يعترف اي بلد في العالم به او حتى يقوم بتطبيقه ماعدا ليبيا الخاضعة لسيطرته والتي كانت مكانا مثاليا للتجارب عليه،وفي هذا النظام الغريب والعجيب،يدعو الى الغاء الدولة بصيغتها الجمهورية،واقامة سلطة المجالس الشعبية وتحت اسم الجماهيرية التي اصبح اسمها اطول اسم يعرف به بلد في العالم وينتهي بكلمة العظمى!،ومن مهازل النظام وفكره الشمولي انه الغى منصب رئيس الدولة مما يعني ان القذافي ليس رئيسا بعد ان تنازل عام 1979! بل حتى منصب الوزير انيطت مهامه بمجالس شعبية مفوضة،وهي بالحقيقة نفس الشكل السابق ولكن الاسم يختلف،اما انه ليس رئيسا فذلك لا يعتقد به اي انسان عاقل والا لنسي العالم اسمه منذ عام 1979 اذا كان لا يختلف عن اي مواطن آخر،ولكن تبقى حالة القذافي من المهازل العربية المستمرة منذ قرون عديدة والتي لم نشاهد اي محاولة جادة للخروج من المأزق العربي منها.
وقد تتابعت الحالات الشاذة للقذافي في الكثير من اعماله ومنها الغاءه التقويم الهجري وانشاء تقويم جديد يستند على وفاة الرسول الاعظم(ص)ثم الخروج على المسلمين في الكثير من القضايا الفقهية،بأراء شاذة لاحصر لها ومن السهولة الحصول على بعضا منها من وسائل الاعلام من قبيل زيارة القدس بدلا من مكة المكرمة،ولكن اهملتها جميع الدول الاسلامية وشعوبها المنضوية تحت لوائها لمعرفتهم المسبقة بحجم ثقافته الضحلة .
ولم ينحصر الشذوذ والخروج عن المألوف في تلك القضايا بل تعداه الى تعامله مع الشعوب الاخرى،فكلما جاءت رغبته المخالفة لبلد ما قام بطرد مئات الالوف من المقيمين الذين لا ذنب لهم في المشاكل السياسية بلحظة مزاجية تنم عن فقدان لوازع ديني وانساني واخلاقي،بل وصل الامر الى طرد الفلسطينيين في عقد التسعينيات وهم بلا وطن او حتى حكومة في محاولة للضغط على العالم وخاصة الدول الاقليمية في دعاواه التنظيرية الفارغة لحل المشاكل الدولية من خلال طرد اناس ابرياء لاهم لهم سوى العمل البسيط في سبيل البقاء على قيد الحياة.

2009/04/22

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الثامن عشر

3 - ليبيا:
من الدول العربية الواقعة في الشمال الافريقي،ذات حجم سكاني صغير(6.5مليون) ومساحة كبيرة اغلبها صحراء قاحلة،ولكنها تحتوى على ثروات طبيعية ضخمة.
محكومة بنظام استبدادي شمولي منذ عام 1969 وهو من اكثر الانظمة السياسية شذوذا في العالم ومن اكثرها تقلبا في المواقف السياسية التي تخضع لمزاج حاكم محدود الثقافة والفكر عصبي المزاج لايعرف له مذهب سياسي محدد،قضى اغلب عمره في الحكم وله قدره عالية على المرونة تجاه ما يهدد بقاءه في السلطة وتتمثل بقابلية عجيبة على التنازل عن المبادئ والقيم التي يدعيها ويحمل لوائها لفترة طويلة وبدون حياء او خجل ويعطي لتبرير ذلك حجج واهية يريد ان يقنع بها الاخرين على الاقل لتفسير تقلباته وخياراته .
لا احد يعرف نظاما مثل هذا النظام الغريب،الذي يختزن بداخله من التناقضات العجيبة ولايحميه منها الا القبضة الحديدية على الحكم،والتي تثير الاسى والحزن لنكبة ذلك الشعب به تلك الفترة الطويلة من الزمن والتي هي في الحقيقة خسارة زمنية لاتعوض نشأت بها اجيال خضعت لنظام محكم من الجهل والتجهيل وتحتاج الى فترة نقاهة طويلة ورعاية واهتمام اطول،كي تستعيد بعد ذلك وعيها لتمارس دورها الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة.
استقلت ليبيا عام 1951،واصبحت ملكية دستورية يقودها الملك المسن ادريس السنوسي(1890-1983)وهو كبير ووريث الحركة الاصلاحية السنوسية ذات الطابع الديني الصوفي،وكان مؤمنا تقيا بعيدا عن المظاهر المعروفة عن الملوك العرب في الثراء والانغماس في الملذات الحياتية،بل بقي على طبيعته البسيطة قبل وخلال وبعد الحكم حتى وفاته.
كانت المملكة تنمو بطريقة هادئة نتيجة لاستقرارها السياسي وساعد اكتشاف النفط فيها عام 1959 في تطورها الاقتصادي السريع حيث كانت قبلها في حالة اقتصادية يرثى لها جراء الدمار الناتج من الحرب العالمية الثانية والتي وقعت على اراضيها،وكان تغيير الوزارات والمسؤولين يتم بصورة سلمية،وكانت متفوقة سياسيا حينها على العديد من الانظمة العربية الحالية من حيث نسبة المشاركة الشعبية وسلمية تداول السلطة ومحدودية الصلاحيات للملك.
ورغم القواعد الغربية على اراضيها والتي كانت تؤجر لهم في اتفاقيات سابقة على اكتشاف النفط لحماية البلاد من الاخطار،الا ان الدعم المادي الليبي الى المجهود الحربي العربي والقضية الفلسطينية كان في صدارة الدول العربية ولم يؤثر وجود القواعد الغربية على اراضيها على ذلك او في قراراتها السياسية.
في تلك الفترة كانت دول العالم الثالث وخاصة المستقلة حديثا،تمر بفترات من القلاقل السياسية والاجتماعية وساعد انتشار الافكار الثورية على شيوع الانقلابات والثورات والتمردات المختلفة في ظل بنى امنية وعسكرية ضعيفة،ولم تشذ ليبيا عن ذلك التي كان يوجد لديها جيش صغير لم يكن كافيا للدفاع عن البلاد المترامية الاطراف او فضلا عن النظام والامن في الداخل،مما جعل الاعتماد يكون على الحماية الغربية فضلا عن المال الاتي من تأجير القواعد العسكرية والتي يفيد الميزانية الصغيرة للبلاد،ولذلك وقع الانقلاب العسكري في الاول من سبتمبر(ايلول)1969 عن طريق مجموعة من الضباط الصغار في الرتبة والسن وكان الملازم اول معمر القذافي احدهم وعمره حينذاك 27! وكان بالطبع قليل الثقافة والدراية والحكمة كبقية زملائه وهي صفات ادت الى كوارث على البلاد فيما بعد!.
استغل الانقلابيون وجود الملك المسن في الخارج في رحلة علاج طويلة،وهي من الفرص النادرة التي تحدث للانقلابيين في شتى البقاع للقيام بمؤامراتهم للسيطرة على الحكم،كذلك ساعدت حظوظهم في عدم وجود مقاومة ذات شأن من قبل السلطات وعدم تدخل القوات الاجنبية،مما ادى الى شيوع الكثير من الشبهات والظنون على ذلك الانقلاب المريب وطريقة التخطيط والتنفيذ،ترقى الى جهة الاتهامات والتي فضحها عدد من المشاركين الذين اما هربوا من التصفيات الداخلية او من جراء تأنيب الضمير،فهذا الانقلاب حاول ان يمنح لنفسه صفة الوطنية من خلال انهاء وجود القواعد الاجنبية والتي كان من المقدر ان تنتهي عقود التأجير بعد اقل من سنة ونصف!مما يعني عدم وجود اي داع لانهاء عملها او لعمل ضجة اعلامية مكثفة حول اخراجها من البلاد!.
سيطر الملازم اول القذافي بعد فترة قصيرة على الحكم،ومنح نفسه رتبة العقيد التي يحتاج لها سنين طويلة من الدراسة والتدريب والعمل لكي يصل اليها،كما منح مساعديه واعوانه رتب عالية وبالطبع اقل منه حتى يضمن له السيطرة على البلاد من خلالهم وهي وسيلة يعتاد عليها الحكام الجدد في كل مكان وزمان.
بدأ نظام الحكم الجديد عمله كما هو معروف في الانقلابات التي تنجح في تسلم الحكم،في تنفيذ مراحل تثبيت سلطتها التي تكون دموية في الغالب من خلال البدء في المرحلة الاولى المتمثلة بتصفية اركان النظام السابق،ثم تتحول الى المرحلة الثانية وهي التصفيات الداخلية بين القائمين على نجاح الانقلاب نفسه! والتي تنتهي عادة بسيطرة العنصر الاكثر والاسرع استخدما لعناصر القوة والخبث والسرعة في الغدر والخيانة واستمالة الموالين والمترددين.
ولذلك لم يتأخر القذافي وزمرته في دمج المرحلتين بسرعة كبيرة،مما جعل تصفيات اركان النظام السابق تتزامن مع تصفية المنافسين له من الانقلابيين،وكانت التصفيات من القسوة جعل البلاد بعد ذلك تخضع للارهاب الحكومي المنظم ومازال الارهاب على شدته بنفس القسوة التي بدأ بها والتي يستحيل تصور نجاح ثورة شعبية او انقلاب مادام الخوف يسيطر على الاغلبية الصامتة،وطريقة الارهاب ليست سرية،بل علنية ويعرفها الجميع ان تكون رادع للذين يحاولون تغيير الاوضاع،او تجعل المستضعفين يسيرون بطريق حياتهم وعيونهم الى الاسفل دون الالتفات الى الوراء او النظر الى الامام لرؤية من يقودهم!.
خلال اربعة عقود من حكم القذافي والتي وصلت ايرادات البلاد النفطية الى ارقام فلكية تزيد في تقديري على 600 مليار دولار لشعب وصل تعداده الى مايزيد عن 6 ملايين،كان من المفروض لو انفقت بطريقة علمية مسؤولة ان تجعل البلاد متقدمة اقتصاديا ويكون لديها فائض مالي هائل،وهذا امامنا نموذج النرويج التي يصل عدد سكانه الى 4.8 مليون والذي بدأ انتاجه النفطي من بحر الشمال،منتصف السبعينات من القرن الماضي،ولكن نظرا لوجود حكومات ديمقراطية منتخبة،تحرص على مصالح شعبها وتنفق بعقلانية،ومع محدودية مواردها النفطية بالمقارنة مع ليبيا التي تمتلك من الاحتياطي الضخم(42 مليار برميل بالمقارنة 10 مليار للنرويج) وانتاج قليل الكلفة وجودة عالية لنوعية النفط ومنذ فترة اطول،نرى ان النرويج وصل دخل الفرد فيها الى حوالي 102 الف دولار عام 2008 وفق تقديرات التقرير السنوي لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية والمنظمات الدولية الاخرى،بينما وصل في ليبيا ولنفس العام الى 14 الف دولار دون نسيان ارتفاع اسعار النفط بشكل جنوني،ولولا ذلك لكان دخل الفرد اقل بكثير!،ومن هذه المقارنة البسيطة يمكن ملاحظة نتائج النظامين الديمقراطي والاستبدادي في البلدين واستبيان الافضل للشعبين،مع ملاحظة وجود الملكية الدستورية في النرويج.
مازالت ليبيا لحد الان تعتمد على الشركات الاجنبية في التنقيب والانتاج والتكرير،وبذلك تسقط دعاوى التأميم الفارغة والاعتماد على الذات،وكان من الممكن بناء قاعدة صناعية وعلمية متينة خلال تلك العقود تكون قادرة على ادارة مثلى للصناعة النفطية في البلاد،ومع ان الانتاج النفطي الليبي الحالي يفوق الحاجة المحلية بشكل كبير،الا انها خفضت الانتاج بشكل كبير بعد الوصول الى قمته في عام 1970،هذا بالاضافة الى عدم وجود تصنيع للنفط الخام والغاز الطبيعي الا بنسبة ضئيلة للغاية لاتتناسب مع ضخامة الانتاج وحاجة السوق العالمية،ولو وجدت لوفرت فوائض مالية للبلاد.
انشغل النظام الليبي الحالي في بناء اجهزة عسكرية وامنية منذ تسلمه الحكم،وانفق بسخاء كبير يصل حد التبذير على انشائها وتطويرها ولكن لم يصل بها الى حد القدرة الكاملة عن الدفاع عن البلاد!،نظرا لمحدودية عددها رغم امتلاكها لمعدات حديثة يفوق حاجتها البلاد الطبيعية او القدرة على الاستخدام،واذكر هنا الجنون في حمى شراء الاسلحة بعد ارتفاع اسعار النفط عام 1973 ومنها الطائرات التي لم تصل القدرة الليبية على تشغيل سوى ثلثها فقط!مما جعل المعدات بمرور الزمن تنتهي قدرتها وفعاليتها وتصبح خردة قديمة،وكان الاتجاه الاخر نحو اسلحة التدمير الشامل مثل الاسلحة الكيمياوية والبايولوجية والنووية والصواريخ بعيدة المدى،ولكن الامكانيات الليبية التقنية بقيت حائلا دون الاستفادة منها سواء في التشغيل او ردع الاخرين،وجاءت الرغبة في الخروج من الحصار الغربي عليها والخوف من تعرضها الى غزو مشابه للعراق، فقررالقذافي تدميرها بشكل كامل والغاء كافة البرامج الدفاعية بعد القبض على صدام ببضعة ايام فقط بل حتى تسليم كافة الوثائق وتدمير الصواريخ التي لاتخضع للمطالبة الغربية!،وكان يتوقع مكافئة كبيرة من الغرب على ذلك حتى انه دعا بطريقة مضحكة بلاد اخرى مثل ايران وكوريا الشمالية الى اقتفاء اثره،ولكن الاحباط له جاء سريعا نظرا لتجاهل الغرب مكافئته وقد اعترف بذلك!.

لوحة


الفنان الايراني مجيد اروري

2009/04/17

في الحالتين:تقهقر

في الحالتين:تقهقر
كلما ظهر بصيص من الامل يعيد البهجة والفرحة الى ابناء العالم العربي الذين اكلهم اليأس والقنوط من تغير الواقع المزري في الحياة السياسية،كلما خرجت خفافيش الليل مسلحة بأنياب قاتلة ومخيفة لترجع الامل الى بطون الكتب ودواخل القلوب والعقول.
اعادة انتخاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في ابريل(نيسان)2009 وبنسبة 90%يضعنا امام تقهقر حقيقي في الحياة السياسية الجزائرية،وبالتالي ينعكس للحالة السياسية العربية ككل عندما اريد لها الخروج من المأزق الراهن ولو من بعض البوابات الايلة للسقوط.
وفي الحالتين،سواء اكانت الانتخابات نزيهة والنتيجة حقيقية ومقاربة للواقع،فهي دليل على ضعف الوعي الشعبي في اهمية الانتخابات والاختيار الحر،وبالتالي الاستهانة بخرق الدستور عندما اتيح اعادة ترشيح الرئيس للمرة الثالثة،مما يعني ان الشعب الجزائري لم يكن بمستوى المسؤولية عندما وافق ليس فقط على ترشيح شخص خرق الدستور ومواده التي تؤكد على عدم التدخل الحكومي فيه الا بعد طرحه للاستفتاء الشعبي،بالاضافة الى الفقرات التي تؤكد كبقية الدساتير في دول العالم المختلفة على حق الرئيس الترشح ثانية للمنصب ولمرة واحدة فقط،بل وانتخابه من جديد وهو الذي لم يحقق للبلاد ما تصبو اليه من تطلعات مشروعة.
والنسبة العالية للمتخلفين عن المشاركة في الانتخابات هو دليل على ضعف الوعي والمسؤولية في اختيار من الاصلح والاكثر كفاءة لتحمل المسؤولية الوطنية،وهذا يضعنا امام واقع عربي راهن في اليأس من التغيير وبالتالي تكون عدم المشاركة في الانتخابات هي الوسيلة الصامتة للاحتجاج على تردي الاوضاع وشيوع الفساد والانحطاط في المجتمع.
وفي الحالة الثانية ،وهي الاكثر قربا للحقيقة في حصول عمليات التلاعب والتزوير على نطاق واسع بحيث انسحب غالبية المرشحين من الترشح لمنصب الرئاسة! والتي سهلت على الرئيس الفوز بمنصب الرئاسة للمرة الثالثة،وهي نتيجة مروعة في هذا القرن الذي دخلت بوابته الكثير من البلدان المتخلفة الى عالم الديمقراطية والحرية واحترام الدستور،مما يعني ان الحاكم العربي وبأي وسيلة كانت في وصوله الى سدة الحكم،هو قادر على البقاء وخرق القانون والدستور،من خلال كل الوسائل المتاحة والغير شرعية بالطبع وهو قادر برعاية طبقة التصفيق الحاد وحلفاء المافيا العرب من البقاء في منصبه حتى وان كانت رجليه على حافة القبر!.
ما حصل في الجزائر هو تردي حقيقي للواقع السياسي العربي وتخلفه المثير للدهشة،وبالتالي خيبة امل للكثيرين الذين تمنوا ان تكون الجزائر احدى بوابات العرب لولوج القرن الحادي والعشرون،من خلال الخروج عن القواعد السياسية العربية الرئيسية المتمثلة بالاستبداد والفساد والتخلف،واحلال محلها مبادئ الامم الحرة في الحرية والعدالة والمساواة.
حتى في حالة فرض كون الرئيس الجزائري هو الافضل بين المرشحين او انه خلال فترته الرئاسية قد حقق الكثير من المنجزات(وهي خرافة واقعية)،فلم يكن هنالك اي داع الى اعادة انتخابه بهذه الطريقة المخجلة في اعادة كتابة الدستور لتحقيق رغبة رئيس في البقاء لاكثر من فترتين وهو بهذه السن المتقدمة الدالة على تمسك عجيب بكرسي زائل ومبادئ متهرئة لايدل على رجاحة عقل ووطنية تحترم الوطن واختيارات شعبه،كذلك حرمان الكثيرين ممن يصلحوا لهذا المنصب في البلد،هي بالتأكيد نتيجة محزنة كون ان البلاد العربية تحتاج الى اجيال عديدة للخروج من محنة التخلف وآفاته السامة .
الرئيس بوتفليقة هو احد نتاج الحكم الشمولي الاستبدادي الذي ساد في الجزائر بعد الاستقلال،وهو احد اركانه الرئيسيين،وخلال فترة حكمه التي دامت عشر سنين لحد الان،ورغم الوارادات المالية الضخمة التي جاءت من ارتفاع اسعار النفط والغاز في السوق العالمية،فمازالت الجزائر متخلفة كثيرا عن الكثير من البلدان التي تمتلك امكانيات اقتصادية اقل،ومن ملاحظة الواقع الاقتصادي المتردي والمتمثل في نسبة البطالة العالية جدا(12%)والاعتماد الكبير على النفط والغاز دون ايجاد بدائل حقيقية لهما(96%من الصادرات)والتخلف الكبير في كافة الميادين المرافقة رغم ان الاحتياطي النقدي فاق 140 مليار دولار والتي لا تنفقها الحكومة على تحسين الواقع الاقتصادي والخدمي وتنميتهما،نتوصل الى نتيجة مؤلمة هي ان الجزائر مازالت تشكل البلد العربي الثالث الذي لم تظهر عليه آثار نعم النفط والغاز،والبلدان الاخران هما العراق وليبيا.
كذلك مازال الفساد مستشري في البلاد والذي ينخر في جميع افرع الاقتصاد ويجعله نهبا لطبقة تعيش بدون وازع وطني او ديني او اخلاقي،تحميها طغمة عسكرية واجهزة امنية ارهابية تمارس اعمالا خارجة عن نطاق عملها المرسوم له في حماية البلاد وامنها من التحديات الداخلية والخارجية رغم الانفاق المالي الضخم عليهما.
الاحباط مستمر وفقدان الوعي بقيمة الزمن الضائع سمة العصر العربي الراهن الذي يغوص باعماق من الوحول المجهولة...

لوحة- مهرداد جمشيدي


اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع عشر

وقد برز التناقض في اقصى مداه بعد حرب الخليج الثالثة عام 2003م والتي اطاحت بنظام البعث في العراق،فقد هاجمت وسائل الاعلام القطرية ومنها الجزيرة التدخل الغربي في العراق والمعارضة العراقية في المنفى ودعت الى مقاومة الغزو،وفي نفس الوقت كان هجوم القوات الامريكية على العراق من خلال قاعدتيها الرئيسيتين في قطر!،في العيديد والسيلية، بل كان مركز القيادة الامريكية فيهما!نظرا لضخامتهما وتركز الاسلحة واجهزة القيادة فيهما ومن يدري فقد تستخدمهما امريكا ضد ايران التي تربطها مع قطر علاقات وثيقة(تناقض عجيب!).
واستمر التناقض بعد سقوط صدام في 9 نيسان 2003 من خلال الدعوة الى المقاومة،بل وتدخلت بشكل سافر في الشأن العراقي الداخلي من خلال دعم المتطرفين التكفيرين والبعثيين وخاصة عملياتهم الارهابية ضد ابناء الشعب العراقي الذي تنفس الصعداء برحيل عميد الطغاة الذي جثم على صدره لمايقارب الاربع عقود،ومنحت الجنسية واللجوء لعدد كبير من الارهابيين البعثيين في وقت كانت تمنع قبل ذلك من منح مجرد فيزا للعراقي البسيط!، وشنت حملة شعواء استهدفت بالدرجة الرئيسية الاغلبية الشيعية ثم الاقلية الكردية واتهامهما بشتى النعوت الفارغة الكاذبة وكان لوعاظ سلاطينها وعلى رأسهم القرضاوي نصيب كبيرفي تلك الحملات الاعلامية،بينما كان بالقرب منهم مراكز القوات الامريكية التي يتم عن طريقها ارسال الجنود والاسلحة الى العراق ومن السهل جدا مهاجمتها حتى لو كلاميا مما يؤدي الى احراج كبير لامريكا!!.
كان التعامل مع الغرب في السر ومهاجمته في العلن هي السياسة الوحيدة التي جمعت الانظمة الثورية العربية المزعومة مع الانظمة التقليدية المحافظة ومنها قطر،ولكن الخروج عن تلك القاعدة بشكل علني من خلال التعامل مع الغرب بصفة الحليف القوي والاستمرار في التهجم الاعلامي والدعوة الى المقاومة والمقاطعة والتحالف مع اليسار!،كانت من نصيب السياسة القطرية الجديدة المليئة بالمتناقضات المضحكة والمحرجة ايضا،فليس الشارع العربي من الغباء ان يكون اسيرا لاعلام كاذب وهو يرى وقائع بأم عينيه لاتحتاج الى ادلة مادامت موجودة في العلن وهي تناقض تلك الاكاذيب.
مازال العمل في سياسة التناقضات مستمرا وليس فقط على الواقع الاعلامي،فقطر تهاجم الاخرين في مجال حقوق الانسان،والداخل القطري مليئ بالانتهاكات السافرة لحقوق الانسان،فهي من جهة تبني اول كنيسة للمسيحيين في شبه الجزيرة العربية،الى المقيمين الاجانب على ارضها،وفي المقابل تحرم على الطائفة الشيعية الذين يشكلون نسبة 15% من سكانها ان يبنوا مراكزهم الدينية او حتى على الاقل يمارسوا طقوسهم الدينية البسيطة بحرية،ولذلك نجد ان عدد كبير يمارس الشعائر الدينية مثل الصلاة والطقوس الاخرى وفق المذهب الوهابي خوفا من الملاحقة او الاضطهاد او الحرمان من العمل وغيره وهي حالة شبيه في الدولة الوهابية الاولى المجاورة،السعودية!،وهذا ايضا يشمل حال المقيمين ايضا من الذين ينتسبون الى نفس المذهب،مما يجعلهم يمارسون التقية خوفا على مصادر رزقهم او حياتهم! ولكن لايترددون في انتاج اكاذيب حول الوضع الديني والمذهبي في البلاد المجاورة لهم،واذكر هنا تقرير الخارجية الامريكية حول ممارسة الحرية الدينية في الشرق الاوسط وجاءت فيه لبنان وسوريا والكويت متصدرة في الحرية الممنوحة ولم يتم ذكر قطر فيه او حتى حلفاء اخرين مثل مصر،بل وضعوا في خانة سوداء!.
كذلك سحبت الجنسية القطرية قبل سنوات من اكثر من 6 الاف مواطن بحجة انهم يحملون الجنسية السعودية او من اصول سعودية وهي سياسة بين الحين والاخر نسمع عنها في قطر او في دول الشرق الاوسط،بينما المعروف ان دول الخليج كبقية دول الشرق الاوسط تنتشر فيها نفس الاسر والقبائل نتيجة للتنقل والهجرة بين تلك البلاد وحتى البلاد الكبيرة المجاورة مثل العراق وبلاد الشام ومصر،ولكن توقفت الهجرة الى ادنى مستوياتها منذ بضعة عقود من الزمن ولذلك ليس غريبا عندما نرى وجود جنسيتين او عدم وجود جنسية في العائلة الواحدة فذلك شيء طبيعي وكل بلاد الدنيا تكونت من الهجرات البشرية الضخمة التي سوف تبقى مستمرة الى نهاية الدهر نتيجة للرغبة والفطرة الانسانية في النزوع نحو الافضل في كل شيء ومنها العيش والامان!...وهذه الحالة تمثل ايضا انتهاك صارخ لحقوق الانسان وخاصة نزع صفة المواطنة من مجموعات بشرية بهذا العدد الكبير في دولة عدد سكانها قليل جدا ،ولم نرى في قناتها الاعلامية الرئيسية مناقشة حول تلك القضية او قضايا اخرى مشابهة.
بينما في المقابل استمرت وسائل الاعلام فيها في مهاجمة الاخرين خاصة الذين يضطهدون الاقليات او التي تمارس الانتهاك السافر لحقوق الانسان وخاصة في حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية بصورة طبيعية،او التي تكون مصدر رئيسي لطرد مواطنيها الى خارج حدودها الدولية! ولا ادري تفسير لتلك الظاهرة الجديدة المتناقضة بشكل علني بين السياسة الداخلية والخارجية.
ومن تناقضات السياسة القطرية ان لديها تعامل مع اسرائيل وتقيم افضل العلاقات مع امريكا والغرب والزوار السياسيين الاسرائيليين بعضهم لديه تاريخ دموي صارخ مثل بيريز صاحب مجزرة قانا اللبنانية واستقبالهم الكريم استقبل بنفور لدى اغلبية الشعوب العربية،وفي المقابل تقيم علاقات جيدة مع ايران وسوريا وبقية المنظمات اللبنانية والفلسطينية الموالية لهما!،هذا مع وجود معارضة لدور مصر والسعودية بصورة رئيسية واللذان يقيمان علاقات جيدة ايضا مع الغرب! ولذلك نلاحظ استمرار الحرب الاعلامية بين الطرفين،ومن الغرائب ان تتفوق عليهما قطر في تلك الحرب،واعتقد ذلك ناتج من من شدة الاخطاء والسياسات الفاشلة للدولتين بالاضافة الى تدخلهما المستمر في البلاد الاخرى من خلال دعم مؤيديهما.
اما من ناحية السياسة الاقتصادية فقد بقيت على نفس المنوال ولكن بأنفتاحية اكثر من خلال دعم الاستثمار الخارجي ومحاولة منافسة موقع دبي في تصدرها في التجارة والاستثمار في الشرق الاوسط،ولكن تبقى السياسة النفطية والغازية دون تغيير من خلال الانتاج غير العقلاني لثروة وحيدة وناضبة وفوق احتياجات قطر الطبيعية بكثير. فالمعروف ان الاحتياطي النفطي القطري صغير الحجم(15 مليار برميل)ولكنها تمتلك ثالث اكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم(حوالي 900 تريليون قدم مكعب)،من خلال تقاسمها اضخم حقل للغاز في العالم مع ايران وهو حقل الشمال،وفي نفس الوقت تحاول الاستمرار في انتاج اكبر كمية ممكنة من النفط والغاز دون مراعاة وضع البلاد في المستقبل حيث لا وجود لموارد اخرى!،كذلك ان الفائض المالي الناتج منهما والذي يستثمر في الخارج وبالخصوص في الغرب،قد تعرض الى خسائر لم يكشف النقاب عنها كبقية الدول العربية خلال الازمة المالية العالمية الاخيرة،مما يجعل من الضروري الاعتماد على مصادر اخرى للدخل القومي والتخلي عن سياسة الانتاج الكارثية التي تناسب حجم دولة اكبر منها بكثير في عدد السكان.
لم اطلع على حجم المعارضة القطرية لتلك السياسات الخاطئة او المتناقضة خاصة الانتاج الغير واقعي للنفط والغاز،وهذا جزء من حالة انعدام الحريات في البلاد والتي تشكل حالة فريدة من نوعها لدولة صغيرة تحاول لعب دور رئيسي في المنطقة والعالم،وطرح نفسها كنموذج مثالي يمكن للاخرين الاقتداء به! ولكن تبقى تظهر بعض الهوامش الصغيرة من المعارضة التي لايمكن من خلال استخدام سياسة المال من اسكاتها خاصة في ظل ازدهار اقتصادي يعتمد في الاساس على الانتاج الهائل للثروة الهايدروكاربونية المقدر نضوبها خلال قرن من الزمن على ابعد تقدير!ولذلك فأن المعارضة هي قريبة للمعارضة في الدول الخليجية المجاورة التي يمكن اسكاتها بسياسة العصا والجزرة،ولكن الجزرة هنا تكون بكمية كبيرة تكفي لتمييع مواقف المعارضة وجعلها في حالة هامشية اقصى امكانياتها الحديث الهامس المتداول في الديوانيات البيتية! كما ان التقاليد البدوية والمحلية والانفاق المالي الضخم في شراء غضب الاخرين او تحسين حالتهم الاقتصادية في الخليج تحدد من امكانيات وتطلعات القوى المعارضة التي تبقى تنادي باصلاحات غالبا ما تكون شكلية او جزئية وبالتالي من النادر ان تجد معارضة خليجية تدعو الى تغيير جذري في الحكم ويكون لها برنامج حديث لبناء دولة عصرية تستند على قدرات شعبها بدلا من استدعاء العمالة الاجنبية واستغلالها بأوضاع مشينة.
وتبقى الاشارة الى بعض الايجابيات في السياسة القطرية والتي لايمكن للمرء نكراتها وهي طرح نفسها على شكل حكم محايد لحل النزاعات الاقليمية والدولية،وهو عمل تثنى عليه الدولة القطرية التي تساعد صفتها في كونها بلد صغير ليس له مصلحة في التدخل لصالح فئة دون آخرى وهي غير متوفرة لدى الدول الاقليمية الكبيرة في الشرق الاوسط،وقد ساعدها ذلك على حل المشكلة اللبنانية من خلال جمع الفرقاء فيها عام 2008 ومحاولتها حل ازمة دارفور بنفس الطريقة،هذا بالاضافة الى مشاكل اقليمية اخرى وحتى لو فشلت في ايجاد الحلول فذلك لايعود لها بل للاخرين المتحاورين على ارضها وتبقى محاولتها جهدا يشكر عليه بالطبع،وقد ادى كل ذلك الى تزايد النفوذ القطري وسحب البساط من الحليفين العجوزين(السعودية ومصر) اللذان غاضهما الدور القطري الذي اثبت هشاشة سياسة البلدين وضعفهما الواضح في رغم كونهما بلدين كبيرين لانها مرتكزة على اسس فوقية لايخضع النظام الاجتماعي في البلدين لها او حتى يستطيع ابداء الرأي حول جدواها،ولكن من ناحية اخرى اثبت ان للدول الصغيرة دور او نفوذ قد يتجاوز الكبار خاصة الذين يتمتعون بسياسة تخضع لمزاج الحاكم ورغبته المتغيرة،وليس كما هو حاصل في سياسة الدول الحرة التي تخضع لمؤسسات مختلفة ومن الصعب تغيير السياسة برغبة ومزاج ديكتاتور مستبد! بل تكون خاضعة لاجراءات طويلة.
التغيير الفوقي في قطر لايختلف عن الكثير من البلاد الاخرى،والتغيير الشكلي لايحل المشاكل الداخلية،ولا توفر الفوائض المالية اللجوء الآمن او ممكن ان تجلب افضل النظم السياسية والاجتماعية لانها ليست سلعة تباع وتشترى،بل انها قيم ومبادئ واسس انسانية تخضع لقوانين التطور الاجتماعي المعروف ببطئه وبخضوعه للرغبات الانسانية المتمثلة في الحرية والديمقراطية واحترام حق الانسان في الاختيار،وكل التفاف على ذلك مهما كانت طريقته محكوم عليها بالفشل سواء عاجلا ام آجلا،والتجارب الاخرى للدول المتقدمة يمكن الاستفادة منها في تطوير الاوضاع الداخلية لكل بلد والهامش الصغير في التغيير بين طرق النظم السياسية المختلفة هو يكون العادات والتقاليد الاجتماعية والتكوين الديني والمذهبي والعرقي لكل شعب واحترام الخصوصيات في ذلك بما يشترط عليها عدم التصادم مع الاخر ولكن الاساس يبقى هو العدالة واحترام حقوق الانسان والمساواة،ومنح الصلاحيات الواسعة لممثلي الشعب.

2009/04/13

اسطورة التغيير الفوقي -القسم السادس عشر

2- قطر:
من اكثر بلاد العرب أثارة وجدلا...وجدت فيها المتناقضات بشكل غير مسبوق خلال العقدين الاخيرين من الزمن!...
هو بلد صغير الحجم واقل بلاد العرب سكانا،لكنه يتعامل مع الاخرين بمنطق الدولة الكبرى التي لها مصالح في كل مكان تريد المحافظة عليها!...
تخالف وتصادق الاخرين في عدد كبير من القضايا المتناقضة في نفس الوقت!..
تدعو الاخرين الى توجهات حضارية وتمارس الضد منها في داخل سور بلادها!...
المكان الجغرافي لقطر هو على شكل شبه جزيرة صغيرة بشكل يشبه الاصبع الخارج من شبه الجزيرة العربية التي لا يختلف عن طبيعتها الجغرافية والديمغرافية من خلال الطبيعة الصحراوية القاسية ذات الصفة الحارة والشديدة الجفاف،وغالبية سكانها اصولهم من البدو الرحل الذين يتبعون المذهب الوهابي المتشدد المنتشر في بلاد نجد المجاورة.
كان عدد سكانها لايتجاوزون المائة الف نسمة عند الاستقلال عن بريطانيا عام 1971،ولكنهم كبقية الدول المجاورة ارتفع عدد سكانها بشكل كبير يفوق المعدلات الطبيعية جراء الهجرة من الخارج اليها فوصل عدد السكان الى الضعف بعد عقد من الزمن! مما يعني ان المعدل كان يزيد عن 7% بينما اقصى المعدلات الطبيعية المسجلة هو 3.5%،وهو ناتج من الطفرة النفطية التي غمرت منطقة الشرق الاوسط. تجاوز عدد سكانها حاجز 700 الف عام 2004،الا انه نتيجة للطفرة النفطية الهائلة بعد ذلك العام تضاعف عدد السكان الى 1.6مليون عام 2009 ! نتيجة للهجرة الخارجية وتبع ذلك انخفاض نسبة القطريين من 29% الى 15% وكل ذلك موجود في الاحصائيات الرسمية،والتي تشكل مشكلة بالغة الخطورة خاصة على صعيد الامن الوطني فيها،وهي لها فوائد واضرار جانبية ايضا...
يحكم قطر اسرة آل ثاني منذ منتصف القرن التاسع عشر،وكانت من المقرر ان تكون الامارة التاسعة في دولة الامارات الا ان المطالبة الايرانية بالبحرين ومحاولة قطر تزعم دولة الامارات التي جوبهت بالرفض من البقية،جعل في النهاية دولة الامارات تتشكل من سبع أمارات،واصبحت قطر دولة مستقلة.
منذ استقلالها عام 1971 جرى في قطر انقلابين ناجحين من قبل افراد الطبقة الفوقية الحاكمة،وكانت المحاولة الاولى عام 1972 من قبل الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني والد الامير الحالي وولي العهد حينها،ضد ابن عمه الامير الشيخ احمد بن علي الذي تنازل مجبرا له.
لم تجري تغييرات جذرية في السياسة الداخلية والخارجية بعد ذلك الانقلاب،وسارت البلاد في نموها الطبيعي كبقية دول الخليج الاخرى،ولكن بدون تحديث النظام السياسي الى مبادئ تستند الى الديمقراطية واحترام الحريات الفردية.
اما الانقلاب الثاني وهو الاكثر اثارة للجدل فقد كان في حزيران عام 1995 من قبل ابن الامير وولي عهده الشيخ حمد الذي استغل فترة وجود والده في خارج البلاد،فقام بأنقلابه مدعوما ببعض اجنحة الاسرة الحاكمة،والحجج كانت بالطبع هي لاغراض التجديد والتحديث،ولكن الاب المعزول بقي رافضا امارة ابنه وبقي في خارج البلاد،مدعوما ببعض المؤيدين الذين حاولوا ارجاع الامير المعزول من خلال محاولة انقلابية فاشلة جرى قمعها بقسوة.
في حالة قطر،جرت التغييرات الفوقية بمعزل عن القاعدة الشعبية ومشاركتها وبذلك فأن التغيير الجذري في الحكم لم يشعر به المواطن،وانما بقيت الامور على حالها ماعدا بعض التغييرات الشكلية التي عرفت بها عادة الانقلابات الفوقية.
تحسن الحالة الاقتصادية في البلاد يعود بالدرجة الاولى الى الانتاج الكبير للنفط والغاز الذي يفوق حاجة البلاد الفعلية نظرا لمحدودية عدد السكان،وبالتالي يؤدي الى عوائد نفطية ضخمة يستثمر الجزء الاكبر في خارج البلاد لان البيئة الاستثمارية في الداخل محدودة جدا،بالاضافة الى الانفاق الضخم على الخدمات ومشاريع البناء،مما يجعل البلاد باقية في اسر اقتصاد النفط والغاز لفترة طويلة قادمة رغم ان الانتاج بدأ منذ نصف قرن وهي فترة كافية للتنمية والخروج من قيود الاعتماد على مصدر واحد للدخل لايعرف احدا مدى استمراريته.
خلال الفترة بين 1972-1995 وهي التي حكمها الامير السابق بعد الانقلاب الاول،بقيت حالة الركود السياسي قائمة في سيطرة واضحة للامير واسرته الى درجة ان غالبية الاستثمارات الخارجية بأسمه وليست بأسم الحكومة القطرية او شعبها،وهي حالة مرعبة كشف الانقلاب الثاني عنها كأحد اسباب التغيير،خاصة في ظل هذا العصر الذي قيدت فيه مصاريف واملاك الاسر الحاكمة الى ادنى حد،كما انه رفض اجراء الانتخابات ومنح المزيد من الحريات السياسية كما نقل عنه ذلك (حسن العلوي) في احد مؤلفاته وكانت حجته الواهية له هي ان سكان البلاد قليلون فمن اين يأتي بالناخبين!! وهو منطق غريب ولا ادري كيف لم تأخذ به البلاد الديمقراطية الصغيرة الاخرى في العالم والتي بعضها اصغر كثيرا من دولة قطر! ،كذلك لم يخبرنا ايضا الامير السابق لماذا تطورت سياسيا البلاد الصغيرة التي خالفت رأيه الحكيم!،او من اين استمد تلك الفلسفة العجيبة في الحكم؟!.
بدأت حالة التمرد القطري على الواقع السياسي العربي في عهد الامير السابق خليفة وخاصة بعد خلاف قطر الحدودي مع البحرين والذي بقي الموقف العربي الرسمي الذي تتزعمه السعودية يميل اكثر نحو البحرين الاكثر موالاة لها،كذلك حدوث حالات النزاع الحدودي المسلح مع السعودية عام 1992 مما جعل الموقف القطري اكثر صلابة بوجه الطموحات السعودية في التمدد والهيمنة وتزعم دول الخليج الاخرى،وهو موقف اشتدت قوته بعد الانقلاب الثاني.
لم تجري خلال فترة حكمه تغييرات في التحالفات السياسية سواء مع الدول المجاورة او مع الدول الغربية،وكانت ايضا داعمة للمواقف الرسمية العربية اليمينية خاصة في الموقف المعارض للثورة الايرانية او التدخل السوفييتي في افغانستان بعد عام 1979،مع بقاء نفوذ المؤسسة الدينية الوهابية على اشده والتي تمثل في محاصرة التيار الليبرالي والقومي(حالة رجاء النقاش مثالا).
بعد انقلاب 1995 ضد الامير الوالد والذي اخذ حالة الاستغراب والاستهجان في تمرد الابن الاكبر ضد ابيه الذي بقي في الخارج مدعوم بالاموال الحكومية التي كانت في اغلبيتها مسجلة بأسمه والذي عارض طريقة العزل وحاول مع مؤيديه استرجاع الحكم حتى لو بنفس الطريقة الانقلابية،ولكن المحاولات فشلت جميعها،واصبحت البلاد تعيش حالة من الانفتاح على العالم الخارجي ولكن بنفس وسائل الاستبداد القديمة بأسلوب عصري جديد يتمثل في التغيير الشكلي!.
اخذت قطر تأخذ مكان في السياسة الاقليمية بأكبر من حجمها الطبيعي مما سبب لها وللاخرين الكثير من المشاكل كان من الممكن تجاوزها بأعتبارها دولة صغيرة الحجم ومن الضروري لها الاستمرار في البقاء على سياسة الحياد والابتعاد عن التدخل في صراعات الكبار والتي قد تأخذ اشكالا متطرفة في الحرب الباردة والساخنة في منطقة حساسة جدا مثل منطقة الشرق الاوسط ،ولكي تحافظ على حدودها في الخريطة السياسية واروع مثالين على ذلك سويسرا والنمسا ،ولكن الظاهر ان اللعب مع الكبار هي سياسة جديدة تمارسها قطر وعلى مختلف الاصعدة،مستغلة الحماية الغربية لها والتي لاتدوم الى الابد،بالنظر الى استحالة الثبات في المواقف السياسية كذلك ان جميع النظم في الشرق الاوسط جرى تكوينها من خلال التقسيم الاستعماري الغربي ولا يوجد اساس قوي متين لكل بلد يمكن ان يحميه من الزوال،لان النظم ديكتاتورية مستبدة تستغل اي فرصة للانقضاض على الجوار مادام الكل جرى تكوينه بنفس الطريقة فما المانع اذن من البقاء في حدود وهمية ثابتة لايعتقد بأحقيتها سوى المستفيدين منها وضعاف الوعي وجهاله.
التناقضات اخذت طابعا مثيرا خاصة بالنسبة للذين تهاجمهم السياسة القطرية،فبعد الحديث عن الانفتاح في كافة المجالات جرى اهمال الحديث عن الانفتاح السياسي الداخلي الذي بقي على ماهو عليه وبالتالي لم نرى حصول تغييرات جذرية في النظام السياسي الذي بقي قائما على نفس الاسس والاساليب القديمة،من حيث عدم وجود انتخابات عامة او وجود فصل للسلطات الثلاث او وجود السلطة الرابعة التي اخذت تشكل بعدا جديدا وصل الى قمة التناقضات القطرية من خلال تأسيس قناة الجزيرة الاخبارية عام 1996 وقنوات فضائية تابعة لها بالاضافة الى بقية وسائل الاعلام الاخرى من صحافة ومؤتمرات ومنتديات سياسية مختلفة يخصص اغلبها لمناقشة التطورات السياسية الخارجية وتحظى بدعاية اعلامية صاخبة،بينما في الواقع المحلي فمازالت قطر من اكثر تخلفا في الترتيب السنوي حول حرية الصحافة فيها،فقد جاءت قطر في ترتيب قائمة منظمة مراسلون بلا حدود المكونة من 169 بلدا في المرتبة 79 ! وهي مرتبة متأخرة تجعل المراقب يسخر من الدعاوى الفارغة لقناة الجزيرة حول وضع الاعلام والحريات في الدول الاخرى وهي مركزها في دولة مثل قطر مستوى الحرية الاعلامية متدن الى حدود مخزية،وهذا الامر ينطبق على السياسات الاخرى المتناقضة،فلطالما فاجئت وسائل الاعلام القطرية ومنها بالخصوص قناة الجزيرة الرأي العام العربي والعالمي في برامجها التي تهاجم الاخرين وسياساتهم المعادية لحقوق الانسان،وهم في نفس الوقت يتغافلون او يبتعدون عن الحديث عن الداخل القطري،وهذا التناقض اثير ولكن ليس بنفس حجم الهجمة الاعلامية القطرية على الاخرين.

2009/04/10

9 نيسان...ولادة ضحية ونهاية طاغية

9 نيسان ...ولادة ضحية ونهاية طاغية
في الذكريات الجميلة التي تخص الفرد،ينبعث احساس رائع من داخل النفس التواقة لكل ما يعيد لها بهجتها خاصة اذا مرت بظروف زمنية تعيسة وتريد تجاوز احزانها...اما اذا خصت تلك الذكريات الجميلة مجموعة بشرية بأكملها،فالاحساس المشترك يزيد من البهجة والسعادة اضعافا بما يثري النفس الواحدة ويجعلها في حالة من الانسجام الروحي من اخريات لها صفات مشتركة معها...
ليست الذكريات المشتركة تخص مجموعة بشرية معينة قد تكون شعبا من الشعوب،بل يمكن ان تتجاوز كل الحدود المعروفة لتأخذ طابع انساني راقي يمثل المجموع الانساني بكافة مكوناته...
من اعظم المساوئ التي صاحبت المسيرة البشرية هي حالة الظلم والطغيان وتحت كافة المسميات والدعاوى الفارغة،وتكون في أسوأ حالة عندما يشترك في المظلومية عدد كبير من الناس بكافة الفئات العمرية بما فيها تلك التي ليس لها ادنى علاقة بما يقوم به الظالم وأعوانه من اعمال شيطانية وتحت مختلف الذرائع الواهية والتي قد تجد من يؤيدها من فئات اخرى مظللة من قبل الظالمين وفي حالة من فقدان الوعي والعقل لتبيان الحقائق.
لايوجد شيء في العالم اعظم من نهاية الظالمين لدى الفئات المظلومة،ففي يوم الانتقام الالهي الموعود،تفتح ابواب الحرية من جديد على مصراعيها،وتغلق ابواب السجون هذه المرة على الظالمين واعوانهم،وكما قيل يوم المظلوم على الظالم اشد واقسى.
وهنا تكون الولادة الحقيقية من جديد للمظلومين الذين حالفهم الحظ بالاستمرار في الحياة،وتكون مصاحبة لها الحرية والكرامة الانسانية التي من الشروط الرئيسية للعيش في هذا العالم والتي عادت الى كل انسان مقهور.
تفنن الطغاة على مر التاريخ في تعذيب واذلال شعوبهم او الشعوب الاخرى التي ساء حظها ان تكون قريبة منه،ولكنهم ابدا لم يحسبوا لليوم الذي يسقطون فيه سواء هذا اليوم هو السقوط الحتمي او بالموت الطبيعي الذي هو هادم اللذات ومفرق الطواغيت والجماعات.
خلال العقود الثلاث الاخيرة(1979-2009) كنموذج مثالي،رأينا كيف سقط العديد من الطغاة،وبعضهم كانت نهايته بشعة تتناسب مع قسوة اعماله،والبعض الاخر كان محظوظا في الهرب الى اماكن اخرى يتواجد فيها اخوانه الطواغيت الاخرون الذين يحسبون ان الزمن لن يكون ضدهم ايضا،والاخوة في الطغيان واهية وتافهة ولاتوجد لها ادنى مقومات البقاء ،بينما الاخوة في المظلومية من اروع وامتن الاخوة المشهودة وتستند على اسس انسانية بالدرجة الاولى ثم تتبعها الاسس الاخرى سواء كانت دينية او عرقية او قومية الخ....
لذلك فأن الفرحة في سقوط الطواغيت لا تقف عند حدود ظلم الطاغية بل تعبر الحدود السياسية المرسومة،وتصبح من اروع الامثلة على العولمة الانسانية التي تتخذ من الاخوة الانسانية عنوان ومنهج لها....
ومن صميم الاخوة الانسانية ودليل على قوتها وحيويتها،ان نفرح جميعا بنهاية كل طاغية على وجه الارض لان في ذلك خلاص لاخواننا في الانسانية الذي لايعلم مدى مظلوميتهم الا الله تعالى وهم...ومن هذا المنطلق كانت الفرحة عارمة برحيل شاه ايران المقبور بداية 1979 بعد ثورة عارمة ضده استشهد فيها عشرات الالاف من الضحايا الذين لم يجدوا من الدعم الخارجي اي شيء بل العكس وجدوا ان ابواب طواغيت آخرون تفتح لطاغيتهم الهارب من العدالة،مثل طاغيتي مصر والمغرب واللذان مازال الكثيرون يمجدون اعمالهم الخسيسة ويبررونها اذا كانت مشينة!.
وبعد شهور(تموز1979) سقطت طاغية آخر ولكن في بلد بعيد هذه المرة،في نيكاراغوا وهو من اسرة ال سوموزا المستبدة التي حطمت بطغيانها بلدها،واذكر مقولة شهيرة كتبت آنذاك على حائط في مدينة ليون في نيكاراغوا تقول:لاتبكوا على الشهداء،بل اتبعوهم الى قلب المعركة....
ومن الذين حالفنا الحظ في رؤية يوم سقوطهم المشهور،الطاغية السادات الذي صرع برصاص ظلمه في ذكرى حرب 6 تشرين في عام 1981 وكانت الفرحة عارمة في كل مكان كون هذا الطاغية قد اشتد طغيانه في الشهور الاخيرة من حكمه،وسط لامبالاة نسبة كبيرة من القاعدة الشعبية الرئيسية التي تلهث وراء لقمة عيشها التي لو لهثت وراء حريتها لوجدت حياة كريمة مصحوبة بالكرامة الانسانية والحرية العظيمة...وفي السودان المجاور لمصر سقط الديكتاتور النميري في ثورة شعبية عام 1985 وهرب على اثرها نحو مصر المجاورة التي اصبحت محطة الطغاة الهاربين من بلدانهم.
وفي عام 1986 سقط طاغيتين مكروهين من شعبيهما،وهما فرديناند ماركوس في الفلبين الذي حكم طويلا بلاده بأستبداد ممزوج بالفساد المفضوح،وكذلك في هايتي عندما سقطت اسرة دوفاليه والذي كان آخرهم جان كلود،وهي اسرة الرئيس مثل نيكارغوا والتي توارثت الحكم بالرغم من انه جمهوري،وهو نفس الطريق في العالم العربي.
وفي عام 1989 سقطت النظم الشيوعية المستبدة في اوروبا الشرقية والتي حكمها طغاة فترة طويلة،وكان اسوأهم هو ديكتاتور رومانيا شاوشيسكو الذي اعدم مع زوجته في نهاية الثورة الشعبية وهي نتيجة طبيعية لجرائمهم البشعة بحق وطنهم.
وخلال عقد التسعينات سقط طغاة آخرون من قبيل ديكتاتور ليبيريا العريف صمويل دو الذي اعدم بطريقة بشعة على ايدي معارضيه عام 1990 وطاغية زائير موبوتو عام 1997 والذي حول بلده الغني الى بلد فقير يسوده الفساد والاجرام،وكذلك سوهارتو ديكتاتور اندونيسيا الذي بدأ حكمه بقتل حوالي ثلاثة ارباع المليون معارض من اتباع الشيوعية واليسار،وكان حكمه نموذجا للطغيان والفساد،ولم يجد حرجا من الحج الى مكة عام 1991 واستقباله بصورة تليق بالزعماء الوطنيين!!.
وهناك في اوروبا سقط ميلوسوفيتش وتابعه كاراديتش من صربيا عامي 1996 وعام 2000 ثم سيقا بعد ذلك الى المحكمة الدولية ليحاكما على جرائمهما البشعة.
ولايسع المجال لذكر جميع الطغاة سواء في عصرنا الحديث او العصور الماضية،ولكن يمكن الاشارة الى ان التاريخ يحفظ انجازاتهم الاجرامية.
9 نيسان:
في 9 نيسان 2003 سقط نظام عميد الطغاة بلا منازع،صدام التكريتي الذي كان ابرز نماذج الشمولية الستالينية في العقود الاخيرة،واكثرهم وحشية وجبنا وهمجية،والذي حول بلده الثري في كل شيء الى بلد محطم تمزقه النزاعات والكراهية التي اشعل فتيلها نتائج اعمال نظامه الارهابية ومن بعد السقوط استمرت بقايا البعث المنبوذ ومجرمي القاعدة التكفيريين المنحرفين في ذات طريق الاجرام. اما السقوط الثاني له فكان في يوم 13\12\2003 عندما وجد الهارب الجبان في حفرة حقيرة نشرت صورها الفاضحة في وسائل الاعلام المختلفة حتى يتبين لكل مغفل مقدار جبنه ونذالته وقباحة شكله....
من اروع الامثلة على العدالة الالهية وحكمتها كانت في يوم سقوط نظام صدام في نفس تاريخ قتله وبوحشية نادرة لاكثر ضحاياه الشهداء نبوغا وشجاعة وعبقرية والمتمثلة في الامام الشهيد محمد باقر الصدر(1935-1980)واخته الاديبة المظلومة الشهيدة بنت الهدى(1937-1980) اللذان استشهدا على يد صدام في يوم 9\4...
فكان مقتلهما خسارة للفكر الانساني والعلم والادب ونصرا للهمجية المتخلفة،ولكن ابت العدالة الالهية الا ان تزيل حكمه في نفس التاريخ ولو بعد حين،في حكمة بارعة مؤدها ان دماء الشهداء ما هي الا معاول في كراسي الطغاة،مهما كانت درجة تجبرهم والتي وصلت مع صدام الى اقصى مداها دون ادنى درجة في الاعتبار والتذكر الى مصير الطغاة قبله،في دلالة عظيمة الرمزية في كون ان الطاغية لايعتبر بمن سبقه،فالحاضر والمستقبل لديه يمثل كل شيء ومحصور في الاستمرار اطول فترة ممكنة في الحكم.
لقد كان سقوط هذا الطاغية المجرم هو نهاية لكابوس جثم على ارض العراق منذ 9 شباط 1963 ولغاية 9 نيسان 2003 اي استمر لمدة اربعين عاما من الطغيان اللامحدود وكانت جرائم صدام من البشاعة انه قتل الاطفال وبالجملة في السجون والمقابر الجماعية في صور مرعبة لمدى الوحشية اللامحدودة لهذا المعتوه واتباعه الذين وجدوا الرعاية والعناية من الدول العربية المجاورة بعد هروبهم من العدالة في العراق وكأنهم مجموعة من العباقرة والمفكرين الباحثين عن الحرية!! ،بالاضافة الى انتهاك الاعراض وقتل النساء وكبار السن،واشاعة الفساد والكراهية في المجتمع والتعدي على جيران العراق وخاصة مواطني الدول المجاورة الابرياء الذين ساء حظهم كونهم بالقرب من هذا الطاغية.
في مثل هذا اليوم ولد العراق الجريح من جديد بعد ان ازيلت اعتى ديكتاتورية في تاريخه المعاصر،ورغم انه مازال يعاني من بقايا النظام البائد وحلفائهم وبدعم من طغاة البلاد المجاورة،الا ان الامل باق في ولادة الضحايا من جديد وتحت شمس الحرية،حتى يعاد بناء ذلك البلد الذي كان مستودع الحضارات ومنبع الرسالات ليأخذ مكانه المعروف بين الامم...
يوم سقوط الطاغية هو يوم اسود لدى الطغاة واتباعهم في كل بلاد الدنيا...ويوم نصر عظيم لكل الضحايا والمظلومين....

2009/04/07

موسيقار عالمي ENNIO MORRICONE

















موسيقار عالمي:مجهول الاسم ومعروف الموسيقى في العالم العربي
من خلال تصفح موقع محرك البحث غوغل ...بالنسختين العربية والانكليزية...
حول الموسيقار الايطالي العالمي اينو موريكوني وجدت فارق شاسع وهو دليل ناصع على الفارق الكبير بين المخزون المعرفي العربي والانكليزي في الانترنت ،ففي النسخة الانكليزية عندما وضعت اسم ENNIO MORRICONE وجدت في البحث حصيلة هائلة من الصفحات تقدر ب
2,820,000 اما النسخة العربية عندما وضعت اسمه باللغة العربية فلم اجد سوى 63 صفحة موجودة!!!...
وليس هذا الفارق الهائل في هذا الاسم المعروف بل في كل شيء معرفي في الانترنت
هذا الموسيقي هو من مواليد 1928في روما بأيطاليا....وضع لاكثر من 500 فلم او مسلسل تلفزيوني مقطوعة موسيقية رائعة....وخاصة لافلام الويسترن المعروفة بالكابوي في الستينات مثل من اجل حفنة من الدولارات ،الجيد والسيء والقبيح،الصمت العظيم،وغيرها كثيرة...
حصل على عدد كبير من الجوائز العالمية،كما ان الافلام التي يضع موسيقاها غالبا ما تكون عالية الايرادات نظرا لقيمتها الفنية الرفيعة...
تمتاز موسيقاه بالكلاسيكية السحرية التي تكون مزيج من القديم والحديث في موسيقى سحرية عذبة هادئة...
له موقع خاص بأسمه باللغتين الانكليزية والايطالية وعنوانه هو:
http://www.enniomorricone.com/

وله ترجمة في موقع وكبيديا باللغة الانكليزية عنوانه هو
http://en.wikipedia.org/wiki/Ennio_Morricone

كما له ترجمة وصور عديدة له في موقع IMDB العالمي الخاص بالسينما والفنانيين وعنوان الصفحة هو:
http://www.imdb.com/name/nm0001553/

اذا وضعتم اسمه في اليوتوب سوف تجدون اكثر من 6000 مقطع فيديو لموسيقاه وبصيغ مختلفة !!
ومن اروع مقاطعه الموسيقية والتي سمعها الكثيرون...مقطوعة بأسم
CHI MAI وهي موجودة في اليوتوب وعنوانها
http://www.youtube.com/watch?v=b-CRONA_XUI

او مقطوعة الفلم الشهيرThe Mission وهو انتاج 1986 وعنوانها:
http://www.youtube.com/watch?v=pmSjbnbR_pQ

وغيرها من المعزوفات الموسيقية الرائعة الخالية من الكلمات ...فقط كلمات الروح الصامتة...

2009/04/05

لوحة للفنان الايراني مهرداد جمشيدي


المسرحية العربية السنوية

المسرحية العربية السنوية:
قبل وجود الاعلام المرئي وخاصة الفضائي والالكتروني،كان صعبا علينا ان نعرف ماذا يجري في القمم العربية السنوية من مناقشات وكلمات ومداخلات بين الحكام العرب،ولذلك حرمنا فترة طويلة من الاستمتاع بما يجري بينهم.
اما الان فاعتقد اننا سوف ننتظر بفارغ الصبر مجي مسرحية الموسم القادم،وهي تنافس مسرحيات عادل امام وعبد الحسين عبد الرضا ودريد لحام،وهو اقوى ثلاثي عربي على المسرح الفكاهي في العالم العربي!!...
من خلال الرؤية الكاملة لوقائع القمم العربية يمكن التحقق من مستوى حكام العرب الثقافي والاخلاقي الذي وصل الى مستوى وضيع لايكاد يتصوره المرء ابدا في ان تلك الزمرة ممكن ان تقود شعوب وامة كبيرة بحجم امة العرب!!.
التناقض الحاد الموجود بينهم وهو على نفس شاكلة زعماء عصابات المافيا،يمكن ان يصل بالقمة الى الفشل الذريع المؤكد،ولذلك لا يوجد عاقل عربي واحد ممكن ان ينظر الى القمة السنوية العربية،نظرة امل بل وحتى الهيكل المشوه الذي يجمعهم بينهم والذي يسمى بجامعة الدول العربية هو لايقل انحرافا عنهم فكيف يقودهم!،ولكن الملفت للنظر ان امين عام الامم المتحدة اخذ يحضر الى تلك القمم في السنوات الاخيرة،وبالتأكيد هو محظوظ حتى يرى بأم عينيه من مهزلة مضحكة قد تبقيه عاما كاملا يتذكرها خاصة اثناء فترات همومه فتثير في نفسه الضحك الممزوج بالحزن على شعوب بأكملها منكوبة تخضع لامثال هؤلاء الرعاع الذي لولا ملابسهم الانيقة لما صعب علينا ان نميزهم عن شقاوات ومنحرفي المحلات الشعبية ولكن الاختلاف الرئيسي فيما بينهما هو اننا نجد احيانا النخوة لدى منحرفي الاحياء الشعبية اما لدى الحكام العرب فتلك بعيده عن شيمهم الاصيلة .
اصبح هؤلاء الحكام مثل الاطفال اثناء خصوماتهم الصبيانية،والتي تبدأ بهذا يحضر والاخر لا لانه يختلف مع الاخر،!! والادهى هو اننا نجد قطاعات شعبية واسعة تسير خلف هؤلاء المعتوهين في صراعاتهم الجانبية،فحين الخلاف والنزاع بين اثنين وهو في الغالب شخصي او خلاف النظرة والرأي الى موضوع ما،فأن اجهزة الدولة تنقل النزاع الى كافة القطاعات الشعبية بحيث يحصل لدى المواطن البسيط حالة من الخصام والكره لديه تجاه مواطني البلد الاخر،وهي تحصل في الغالب بدون وعي وادراك كاملين بخطورة الامر،ولكن الاكثر مرارة وحزن ان الحكام غالبا ما تزول خلافاتهم بسهولة اكبر بكثير من خصومات مواطني البلدين الذين يجدون صعوبة في العودة الى حالة الوئام والمحبة نتيجة لانه في الاساس خضع لحالة من غسيل الدماغ لا يستطيع معها ان يرفضها او حتى ان يكون محايدا او محصنا منها،وبالتالي تكون نزاعات العالم العربي من العمق ليس من السهولة بمكان حلها خاصة وان غالبية شعوبنا غير متعلمة او خاضعة لتقاليد متخلفة تمنع من تحضرها ومن ابرزها الطائفية والطبقية والقبلية وتعجز ان تقرر وفق قواعد العقل والمنطق سير سلوكها السوي.
ولكن الغريب ان يبرر غياب بعضهم بأعذار في منتهى السخف،اوغيابهم يكون مكشوف ودال على درجة الخلاف فيما بينهم،ومنها غياب الديكتاتور المصري حسني مبارك وهو قبل شهر ركض مهرولا الى البحرين لكي يدعمها بوجه محاضر ايراني ذكر في محاضرته ان البحرين كانت جزءا من ايران! قبل قرون مضت،او لكي يثبت شجاعته الملوثة بوحل قذر امام البحارنة حتى يقولوا انه يقف بوجه ايران!!او بالاحرى ضد المحاضر الايراني،اما امام اسرائيل صديقته الاولى بأمتياز فالوضع يختلف والمقارنة متروكة للقارئ!...
كلنا استمعنا بلذة لمداخلة المعتوه الليبي ضد العاهل السعودي،وبنفس طريقة خصمه كال له الاتهامات والتي هي صحيحة للطرفين في كون الغرب حاميهم وهو الذي أتى بهم،والتي بقيت في صدر المعتوه الليبي مدة ست سنوات ينتظر اللحظة الحاسمة لكي يعيد بها كرامته المهدورة!.
اثناء تلك المناوشات الكلامية تظهر امامنا وبطريقة ساخرة جدا المستوى الحقيقي للحكام العرب،وخاصة عندما يعير احدهما الاخر بالعمالة للغرب.
لكن الديكتاتور الليبي هذه المرة تجاوز كثيرا في تصوير نفسه وهو رئيس وليس ملك،على انه ملك الملوك في افريقيا وامام المسلمين وعميد الحكام العرب!!(لانحتاج للتعليق والسخرية من تلك الكلمات!)...ولكن المثير للضحك ايضا انه يريد مصالحة الملك السعودي!!يعني بشتائم وعبارات تدل على نرجسية مخرفة يبدأ المصالحة!والتي لن تكون عميقة وسليمة بالتاكيد.
تبقى فقط من خلال مذكرات بعض الزعماء والمسؤولين العرب،شذرات من المسرحيات العربية السابقة،وهي مادة دسمة للتسلية والضحك عليهم او جعلها مصدرا مهما لاقامة مسرحيات هزلية للجمهور المحبط تعيد له على الاقل جزءا من كرامته المجروحة على يد هؤلاء،حتى لو كان القبر يضم رفات بعضا منهم.
الاتفاق العربي:
اذا اتفق حكام العرب على شيء فمعناه ان ذلك الشيء ليس بصالح الشعوب العربية وفقط بصالح بقاء كراسيهم مصونة،فهم في حالة تشبه الى حد كبير حالة قادة عصابات المافيا الذين يتصارعون فيما بينهم الى حد الاقتتال الداخلي،ولكن اذا تعرض اي واحد منهم الى خطر كبير يهدد مكانته او حياته من قبل قوة خارج العصابات وغالبا ما تكون قانونية،فأن الجميع يهب لانقاذه بشتى الوسائل الممكنة بل حتى يتناسون الخلافات العميقة فيما بينهم!! والسبب معروف انه يمكن تحمل وجود عدو على نفس الشاكلة من الانحراف والسلوك الاجرامي،ولكن لايتحملون وجود عدو شريف ونزيه وذو اخلاق حسنة لانه من خلال الصفات السابقة يكون قد سحب البساط من تحت ارجلهم،ولذلك رأينا ان الحكام العرب يهبون في القمة الاخيرة لمساندة الديكتاتور السوداني الذي يقبع في حكمه اللاشرعي منذ عقدين من الزمن وتصرف خلالها بهمجية ورعونة لاحدود لها.
من هنا نجد ان التأييد الرسمي العربي للديكتاتور البشير ليس حرصا على السودان كوطن وشعب كما اذيع من خلال كلماتهم الرعناء،فتلك الاسباب من التفاهة والسخف تجعل الغير بالغ يسخر منها ولايقيم لها وزنا او احتراما لقائلها!..
اما الاسباب الحقيقة فهي الخوف من المصير المجهول لان الحكام على نفس الشاكلة فقد ارتكبوا من الجرائم ما يندى لها جبين الانسانية ويكفي مجرد استحواذهم على الحكم بصورة غير شرعية انه جريمة لا يمكن غفرانها لانها اساس البلايا في عالمنا العربي...ولذلك من يمنع غدا ان تقدم الى المحكمة الجنائية الدولية شكاوى ضد زعماء عرب آخرين؟!...بالتأكيد لا احد يمنع ذلك،والمصير الاسود لديكتاتور السودان هو نهاية كل طاغية لا يحترم شعبه ولا المجتمع الدولي بالاضافة الى عدم احترام مبادئ الانسانية وشرعيتها المستمدة من شعبها.
اما بالنسبة للاتفاق حول قضايا هامة ومصيرية فتلك بعيدة كل البعد عن تفكير هؤلاء لانها لاتهم سوى من يكتوي بنارها اما اذا اقتربت النار الى كراسي الحكام فأن الدنيا تجيش وتصبح سيادة الكرسي هي سيادة الوطن التي لايعلوا سيادتها شيء اخر!!...
اما بالنسبة لضحايا ذلك الديكتاتور المخبول سواء في دارفور او جنوب السودان وشرقه او المعارضة في شمال البلاد،فهؤلاء مجرد ارقام لاقيمة لها لدى هؤلاء المعتوهين الذين يحكمون عالمنا العربي سواء ارتفعت او انخفظت فالمهم هو الزعيم الذي يفدى لاجله الارواح والبلدان!،من هنا يمكن القول ان من وقف مع البشير هو مجرم يشترك معه في جرائمه كما تدل على ذلك كل الشرائع السماوية والاخلاق الارضية ورابطة الانسانية والقياس من خلالها يمكن اصدار ذلك الحكم.
وليست تلك هي المرة الاولى،فقبل بضع سنوات فقط وقفوا مع ديكتاتور العراق المقبور صدام قبل سقوطه وبعده،وتناسوا في لحظات وبكل وقاحة ورعونة كل خلافاتهم معه،لان الخلافات وهي ليست جذرية بل في اسلوب وطريقة الحكم المستبد لهم،مع معتوه على نفس طينتهم اخف بكثير من وجود نظم ديمقراطية حرة تحكم شعوب متحررة على حدود بلادهم،ولذلك فأن من لايقف مع ضحايا الشعب السوداني ويقف مع جلاده هو بالتأكيد كان قد وقف مع جلاد العراق السابق ضد ضحاياه الذين تجاوزوا الحدود الوطنية الى الشعوب المجاورة وخاصة ايران والكويت،ولذلك فأن رابطة الضحايا دائما تكون اقوى واشد من رابطة الجلادين لانها تستند على اسس انسانية بحتة من ضمنها رابطة الدين والدم والجوار والتاريخ،بينما رابطة الجلادين تستند على اسس هشة وواهية لانها مخالفة للفطرة الانسانية السليمة،ولذلك تزول بسرعة امام ادنى عاصفة.
من هذا المنطلق يمكن القول ان الوقوف مع طاغية السودان البشير،سوف يتكرر مع كل طاغية آخر،وبدلا من احكام العقل والمنطق والشرعية في دعوته ترك الحكم والوقوف امام المحكمة للدفاع عن نفسه والتي يعلم جيدا انها لاتفيده بشيء مادام عدد ضحاياه بذلك الكم الكبير سوف يجعل من مهمة دفاعه هزيلة وبالتالي سوف تكون نهايته الحتمية خلف القضبان جراء ما اقترفت يداه من جرائم...والعدالة في النهاية سوف تقام على الجميع ولا حصانة لاي انسان امام اتهامه بأرتكاب جرائم.

اعتذار زعيم

اعتذار زعيم:
قدم رئيس الوزراء الاسترالي(كيفن راد) اعتذاره العلني الى مضيفة طيران في رحلة محلية كان قد تكلم بخشونة معها وذلك لتقديمها طعام غير الذي طلبه هو،وبالتالي انفجرت باكية واشتكت منه لرئيسها في العمل،مما اصاب رئيس الوزراء بالاحراج الشديد وخاصة امام الصحافة والرأي العام،فأضطر للاعتذار العلني المصحوب بكلمات ذات دلالة عميقة وخاصة وصفه اننا جميعا بشر وخطاؤون،وبالتالي هو لايختلف عن غيره في عمل خطأ ما قد يكون متعمدا ام لا!،والظاهر ان الرجل كان متعبا من شيئا ما قد جعله لايحسن الكلام مع المضيفة حينها...
وهذا الاعتذار هو الثاني له خلال شهرين،حيث الاول كان موجه للمشردين من موجة الحرائق التي اجتاحت مدينة ملبورن وسقط على اثرها اكثر من 200 ضحية،والاعتذار كان نيابة عن دائرة الضمان الاجتماعي التي كانت تسأل المشردين عن ابراز اي وثيقة قانونية لمنح المساعدات العاجلة لهم،ونظرا لحالتهم النفسية السيئة من جراء فقدان الارواح والممتلكات فقد جرى اعفائهم من ذلك وقدم لهم اعتذار من رئيس الوزراء شخصيا بالاضافة الى الحكومة ككل ودائرة الضمان الاجتماعي،مواساة لهم على تلك المأساة!.
تلك الاعتذارات ليست من اخطاء ذات حجم كبير اذا قارناها بأخطاء الحكام في العالم الثالث،ولكن ذات دلالة عميقة بالغة الاهمية،وهي تؤكد ليس فقط على المغزى الحضاري للاعتذار،بل انها من صميم تعاليم الاديان السماوية الثلاث وخاصة الدين الاسلامي الذي يعتنقه السواد الاعظم من شعوب العالم العربي،وكل المذاهب الاخلاقية والضمير الانساني الحي.
زعماء العالم العربي:
لم اسمع من قبل ان زعيما عربيا قد اعتذاره عن شيء كهذا في التاريخ المعاصر للعالم العربي،بل هذه اشياء تافهة في عرف هؤلاء العباقرة التي تخرج الحكم والابداعات من السنتهم مما يستدعي الانتباه في ان هؤلاء من المستحيل ان يقدموا على خطأ ولو صغير مع الاخر حتى يقوموا بواجب الاعتذار الرسمي والعلني!!..
احيانا من المحزن ان نجري مجرد مقارنة بين تصرف رئيس الوزراء الاسترالي واخطاء الحكام العرب،فهؤلاء اخطائهم ليست بسيطة او ضد فرد واحد،بل قاتلة وضد شعوب بأكملها،والمثير للاشمئزاز انهم حتى لو كانوا خارج الحكم لايقدموا اي اعتذار بل اعذار واهية وفي منتهى السخافة والحمق،وكأن المقابل معتوه لايفهم شيئا!...
اخطاء الحكام العرب تصل حد الابادة الجماعية لشعوبهم او ادخالهم في مهالك من الحروب الداخلية والخارجية بحيث تجعل بلادهم في حالة من البؤس والشقاء المصحوب بقمع وحشي وهمجي لكل من يعارضهم او يخالف توجهاتهم.
نحتاج الى موسوعات ضخمة جدا لتبيان اخطاء كل حاكم عربي خلال القرون الماضية،ولا يعلم حجم الظلم والطغيان وعدد الضحايا الا الله سبحانه وتعالى،ويستحيل على كل ذي علم مهما اوتي من صبر وقوة على ان يسرد ويفصل حجم الجرائم،لا ان يعبر عن احاسيس ومعاناة الضحايا.
في نظرة سريعة حول حكم المعتوهين الذين حكمونا حقب زمنية طويلة وجلبوا الكوارث لشعوبهم المنكوبة،لم نشاهد اي مراجعة لتصرفاتهم الهوجاء في الحكم ولا تقديم مجرد تبرير حول اخطائهم او الدعوى لاستخدام السياسة المهلكة التي اثبت الواقع فشلها الذريع...اما ان يقدموا اعتذار فتلك سخافة ومن المستحيل مجرد حدوثها،ولذلك يثبت لنا العقل والمنطق والتاريخ مع المقارنة في شعوب اخرى يحكمها حكام اختيروا لخدمة شعوبهم لفترة زمنية محدودة،انه قد حكمنا اناس معتوهين رعاع ليست لديهم قيم دينية او اخلاقية او انسانية وبالتالي يكون الانسان مثلهم في الهمجية ان قدم مجرد تبرير لاعمالهم الاجرامية حتى لوكانت من وجهة نظر منطقية،فالغاية لاتبرر الوسيلة ابدا...ابدا!!
بالمقارنة مع درجة الوحشية والهمجية فأن صدام التكريتي كان الابرز في ابشع صورة ممكنة ممن يقوم بأعمالها الشيطانية انسان على وجه الارض،ولم يقدم اعتذاره حتى وهو في قفص الاتهام،وقبيل زوال حكمه الاسود قدم اعتذاره الى شعب الكويت عن غزوه بغية فصله عن حكومة ال الصباح الحاكمة،وهو دافع معروف وخبيث،بينما كان الاولى به تقديم الاعتذار للشعب العراقي ثم الشعب الايراني اللذين نكبا به لفترات زمنية اكبر وبظلم افدح.
عندما يتم تذكيره بجرائمه،يقوم بتبريرها بكل وقاحة،ويقوم بتمثيل دور الضحية امام وسائل الاعلام التي استغلها ابشع استغلال،مما جعل الاغبياء يصدقونها في ابرازها لحالته،ولو تذكرنا جريمة واحدة من السلسلة الطويلة،لرفضناه مع نظامه البشع كل الرفض،وهي قتل الاطفال الابرياء بأعداد كبيرة سواء في المقابر الجماعية او المعتقلات الوحشية،ناهيك عن هتك الاعراض وابادة الجنس البشري،مما يجعل المقارنة مع خطأ السيد راد الاسترالي،لا محل ولا وجه لها،الا الضحك المثير للالم!.
المثال الاخر والذي يطبل له المطبلون،وهو الديكتاتور عبد الناصر والذي كان اخف من سابقه في حجم ونوعية الجرائم،ولكن اذكر منها معاناة الضحايا في سجونه الارهابية والتي فقد الاف حياتهم ومستقبلهم وكرامتهم فيها،وبالتأكيد من الغباء ان نتصور انه لايعلم ذلك!...وبالتالي هل اعتذر؟!،الجواب للمطبلين،كلا!...
ومن المضحك المبكي ان يصف البعض قراره بعد هزيمة 1967 الشنيعة القاتلة،بالاستقالة والتراجع عنها بالعمل البطولي!،وهو الذي يستحق عليه الاعدام بتهمة الخيانة العظمى للوطن،ولكن شعوبنا بدلا من محاكمته،نراها تخرج بالملايين لكي تبقي جلادها الغبي في حكمها،لكي تثبت للشعوب الاخرى وللتاريخ اننا شعوب لا نستحق الا جلادين لحكمنا،لاننا (شعوب ماشوسية)،نحب تعذيب انفسنا بأيدينا!...
وهذا الاخير الموجود الان،والمسمى قائد الثورة الليبية،الذي اثبت للعالم انه يستحق بجدارة نحسد عليها انه المعتوه الاول،نراه بعد مرور اربعة عقود من حكمه الاجرامي البشع،يستمر بوقاحته اللامحدودة،اما ان ننتظر ان يعتذر لشعبه ولبقية الشعوب الاخرى التي اكتوت بناره الهمجية وخاصة لبنان وتشاد،فتلك مسألة فيها نظر!!...
ذكر الحكام جميعا يطول المقام بهم هنا،ولكن يمكن الاشارة الى الحكام السابقين والذي رحلوا مع جرائمهم الى ربهم العادل،وتركوا لنا مزيجا فريدا من نسخهم الممسوخة التي تحكمنا الان ...ومن ابرزهم بورقيبة التونسي والحسن الثاني المغربي،والنميري السوداني،ومعاوية الموريتاني،وحسين الاردني،لا بل هنالك من تزعم منظمات تحررية وكان طاغية صغير في تصرفاته نظرا لعدم وصوله مرحلة الحكم المباشر للدولة،وكانت له اخطائه الجسيمة القاتلة على بقية ابناء شعبه والتي لم نسمع منه انه اعتذر عنها او يريد تقديم الاعتذار،ومنهم عرفات الفلسطيني الذي مازال يجله الكثيرون! او خليفته محمود عباس النسخة المحسنة منه...
ايهما افضل؟!
هنالك قصة مشهورة ومؤثرة جدا في التاريخ الاسلامي،ولكن عدد كبير ان لم يسمعوا بها،فهم يمرون عليها مرور الكرام بدون اخذ العبرة والحكمة منها،والاستفادة من مدلولاتها الغنية التي تعبر عن واقع انساني ثابت لامتغير.
القصة بأختصار انه بعد احتلال هولاكو لمدينة بغداد عام 1258م وقتله لمايزيد عن مليون نفس فيها،توجه الى الجنوب فأحتل مدينة الحلة التي كانت ذات حاضرة علمية مشهورة،فجمع في حضرته علمائها من كل الملل والنحل،وقيل ان الحدث كان في بغداد،المهم فسئلهم السؤال التالي:ايهما افضل الحاكم المسلم الجائر،ام الحاكم الكافر العادل؟.
وهنا احتار العلماء في الاجابة،ولا ادري سبب الحيرة هل من ان السؤال جديد عليهم ام من شيء آخر!،فمن غير المعقول ان العلماء الذين بحثوا في ادق المسائل واصعبها،ان يفوتهم هذا السؤال الهام او لايعيرون له اهمية.
عموما بقوا في حيرة من امرهم،حتى تقدم الصفوف عالم جليل واحد كبار علماء الحلة وبغداد،وهو العلامة السيد ابن طاووس العلوي،فقال الحاكم الكافر العادل هو افضل من المسلم الجائر،وعندما سئل عن الدليل،فكانت اجابته عقلية،بأن لنا عدل الكافر العادل عندما يحكم وعليه وزر كفره لوحده،بينما لنا ظلم المسلم الجائر اذا حكم،وله لوحده اسلامه الذي يثاب عليه،وهو شكلي بالطبع...فكانت اجابته العقلانية العميقة سببا في توقيعه على الوثيقة المذكورة والتي عن طريقها تم حفظ دماء ماتبقى من الناس وعلى رأسهم العلماء الذين اخذوا يتسارعون في التوقيع وتأييد ما جاء بها.
ذلك الحكم مازال الكثيرون يخالفونه ويحشدون لمعاكسته مختلف الذرائع والحجج الشرعية والنقلية،وهم بذلك فتحوا علينا بابا في تسلط الظالمين لا نعلم مداه،ومتى يخرج من حياتنا الى الابد رغم انه من الحكمة والمنطق القول ان العدل هو اساس الحكم وهو سبب تقدم الامم لا الظلم الذي يسبب الكوارث المهلكة للشعوب المبتلية به. ولذلك نرى ان هنالك الكثيرون بمباركة وعاظ السلاطين،ساروا في تأييد الدولة العثمانية التي كانت بالاسم فقط دولة اسلامية ولكن في افعالها تخالف الاسلام وتحارب الكثير من احكامه،وخاصة نشرها للظلم والطغيان على الشعوب المنضوية تحت سلطانها الجائر،ولذلك فوجىء الغربيون عندما قاومهم وبشدة بعض الشعوب المسلمة التي حاربت لاجل سلطانها رغم ان بعضهم حارب لاجل دينه ووطنه ولكن تحت جناح السلطان الجائر وبالتالي كانت النتيجة هي عودة الحكم الاستبدادي بصورة جديدة تلائم العصر في الشكل ولكن تختلف عنه في المضمون!.
ولهذا نرى ان هنالك الكثيرون يفضلون حكم الظالمين المسلمين وهم في الحقيقة اعداء الاسلام والانسانية،على حكم غير المسلم حتى لوكان عادلا،ويثير وعاظ السلاطين جزاء كبيرا من تلك الحملات لحمل الناس على الطاعة للحاكم مهما كان قاسيا في حكمه!.
الكثيرون من ابناء العالم العربي عندما يواجهون حياة قاسية او يتعرضون لتعذيب الظالمين،فأنهم يتمنون ان تحررهم اسوأ الدول والشعوب،ولكن حال تحريرهم فأنهم بعضهم يود ان يرجع الى حكم من ظلمه او من يريد السير بنفس طريق السلف الظالم،وتلك مفارقة غريبة الا اذا كان المحرر سيء لدرجة عالية تبرر عدائه ومقاتلته.
عدالة الغربيين في حكم بلادهم هي الاقرب لجوهر الحكم الاسلامي الذي يدعو الى العدالة والمساواة،بينما ظلم حكامنا المسلمين،هو الذي جعلنا نكون بهذه الصورة القبيحة في عالم اليوم.
ونرى حياة الجاليات العربية والمسلمة في الغرب تعيش كبقية الجاليات بحرية وأمان،ومحفوظة الكرامة والحقوق،والتي من ابرزها ممارسة الشعائر الدينية بحرية وممارسة الحق السياسي في التعبير وغيرها من الحقوق المتفق عليها.
لقد اصبحنا خارج نطاق المنافسة الدولية في شتى علوم وفنون الحياة،واصبحنا نفضل ظلم المسلم حتى في حالة سماعنا تصرفات الحاكم الغربي في ممارسة العدالة والمساواة في طريقة الحكم والتي من بينها الاعتذار لابسط انسان عن خطأ قد يكون احيانا غير مقصود،ولكن الساسة يسارعون للاعتذار ليس فقط للواجب الوطني والاخلاقي،بل لكسب المزيد من الناس بتصرفاتهم الطيبة حتى يجدد لهم الاختيار في الانتخابات القادمة والتي محرومة غالبية شعوبنا من ممارسة حقها الطبيعي في اختيار الاصلح فالاصلح.
بلغ اليأس اقصى مداه في شعوب العالم العربي من حدوث تغيير جذري،وقد يكون اوله هو اعتذار الحكام الى شعوبهم عن ممارساتهم الاجرامية او الخاطئة بحق ابناء امتهم في قممهم السنوية التي يعقدونها لغرض اللقاء السنوي والذي تحدث فيه المناوشات،فيا حبذى ان نؤسس لمقهى يضم فقط الحكام واعوانهم الرئيسيين حتى يخففوا عن شعوبهم الضغوط النفسية التي تحدث لدى الجانبين،ويمارسوا حقهم الطبيعي في الشتائم واللعن فيما بينهم،ويتركوا القمم العربية الى الخبراء لكي يحددوا لنا التخطيط السليم لبناء الامة وتكون لهم الكلمة العليا في كل شيء......

من اسفار المكتبة - السفر الثاني

من اسفار المكتبة:السفر الثاني
الكتب التراثية هي تراث الامم والشعوب،وهي خلاصة التجربة البشرية في كل ميادين الحياة والمعرفة...ولاتنتهي قيمة تلك الكنوز بمرور الزمن بل على العكس يوجد هنالك الكثير من النفائس كالذهب الخالص لا يتأثر بأي حال من الاحوال بالتغيرات التي تحصل،خاصة تلك الكتب التي فيها من المعارف القيمة التي اثبتت صحتها وجدارتها في الفحص والتدقيق...وليس معنى ذلك ان كل كتب التراث هي ذات قيمة عالية،بل ايضا يوجد الكثير ممن قيمته لاتتجاوز قيمة الورق او الحبر المكتوب عليه،ولكن تكمن اهمية التراث وآثاره انه من حقب زمنية ليست في نفس تطورنا الحالي وبالتالي هي نادرة وتغطي فترات زمنية كبيرة،بينما في ازماننا المعاصرة يجرى حفظ المعارف والعلوم المختلفة بطرق لامثيل لها من التقنيات الحديثة هذا بالاضافة الى انتشاره الواسع وعلى شرائح شعبية كان يصعب الوصول اليها خلال القرون الماضية التي بقيت محصورة على النخب المختلفة من الشعب والتي تدير كل اموره ...
من الكتب التي انتهيت من استهلاك محتواها المعرفي والاستمتاع بما لذ وطاب للروح من مكنونها الخزين،هو كتاب... رشف الزلال من السحر الحلال...للعلامة جلال الدين السيوطي(1445-1505)...وهو احد مشاهير العلماء والمفكرين في عصره،والمولود في اسيوط في مصر،والمتوفى في المدينة التي قضى اغلبية عمره فيها وهي القاهرة...وهو مثال يحتذى به للعصامية وفي اعلى درجاتها العلمية فقد كان يتيم الاب وتولى عنايته صديق ابيه،الان نبوغه كان بارزا مما اثار انتباه الاخرين له،فقد كان موسوعة معرفية ضخمة،الا ان تبحره اختص في سبعة علوم وهي التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع،الا ان المثير في قصة حياته هو ان عدد مؤلفاته جاوزت ال 500 مؤلف وفي بعض الروايات جاوزت ال 900 مؤلف!...الا اننا يجب التذكر ان عدد كبير من تلك المؤلفات هي بحجم صغير والتي يطلق عليها في الغالب الرسائل،ومن ضمنها الكتاب الذي نحن بصدد استعراضه السريع وهو مطبوع في عام 1997 في لبنان وحجم صفحاته 144 ص من القطع المتوسط،والورق نوع خشن ورخيص،هذا بالاضافة الى كتبه المشهورة الاخرى الضخمة في التفسير والحديث.
ومؤلفات السيوطي الجنسية كثيرة،وفي مختلف فروع المعرفة فيها،وهذا النوع من الكتب وان كان في الغالب على الطراز الادبي يعني غير علمية وبالخصوص غير طبية،فهي كانت طبيعية في تلك العصور بحيث لايتحرج العرب او المسلمون من ذكرها او لم يتورعوا حتى عن ذكر الاعضاء الجنسية بأسمائها وصفاتها،ولم يتهمهم احد بالفسق او الفجور لانها نابعة من علماء وادباء متخصصين في مختلف العلوم والاداب والتي يندرج من ضمنها الامور الجنسية التي هي احد ابرز المسائل الانسانية والتي يتناولها العلماء من مختلف الزوايا والوجوه.
وقد ذكر الناشر له اكثر من 10 كتب تدور حول الجنس ومشكلاته ونوادره،ومن ضمنهن هذا الكتاب الذي قد يصفه البعض انه ضمن الادب الماجن،الا انه اقرب الى المزاح والترويح عن النفس من الاثارة الرخيصة،وقد تجنب السيوطي ذكر الشذوذ رغم وجوده في عصره والتي اشار اليها.
الكتاب في غاية اللطف والجمال،خاصة في كونه على شكل مقامة للنساء،وهي عشرون مقامة بين الطويلة والقصيرة،والتي كتبها السيوطي على لسان عشرين عالما يتخصصون في مختلف العلوم والاداب،ولكن موضوعها واحد وهو حديث العالم المتخصص وبلغة علمه،وحسب ما شاهده وفعله ليلة الزفاف،مستخدما في الحديث مختلف المصطلحات التي يستخدمها عادة في علمه او تعابيره .
وطريقة الكتابة هي اسلوب المقامة،والتي يقص فيها قصصه على لسان راوية يخرج يعظ الناس ويدعوهم لغرض الزواج ويحببهم اليه،فأستجاب لندائه عشرون عالما يتخصصون في مختلف فنون الاداب والعلوم.
التزم السيوطي في كتابه النهج البديعي،من سجع وجناس وطباق الى توريات لطيفة،ويجملها في النهاية بأبيات شعرية،ولكن كل ذلك يحتاج الى هوامش وتعليقات كثيرة جدا بحيث توازي حجم المتن وقد تسبب ازعاج كبير للقارئ،نظرا لان غالبية الكلمات غير معروفة لاصحاب تلك العلوم او انتهى استخدامها في الوقت الحاضر،وخاصة تلك التي تحتاج الى معرفة عميقة بها مثل اسماء الكتب او رجالات كل علم او الاشارة الى آية قرأنية او حديث نبوي شريف.
للتوضيح اكثر حول الموضوع،ارى احيانا بعض النكت اللطيفة في وسائل الاعلام ومنها في الانترنت حول موضوع ما، ويستخدم في لغة الحوار كلمات تعبر عن حرفة ومكانة المتحدث،مثلا صاحب حرفة كالصيدلي بأستخدامه اسماء الادوية والعقاقير الطبية،او الرياضي بأسماء الالعاب او النجوم،والرياضي بأسماء رياضية مثل المعادلات والمثلثات والمجسمات،والطبيب وغيره،ولا يشترط هنا نوعية للموضوع وشكله وحجمه،المهم الوصف بأستخدام الكلمات والعبارات المشهورة عن كل صاحب حرفة او فكر في وصف دقائق ذلك الموضوع.
الكثير من الكلمات الجنسية المستخدمة تدخل في نطاق الفحش والفسق ولكن الظاهر في زمان السيوطي وماقبله ان لغة تلك الكلمات اكثر شيوعا واكثر تعبيرا وتهذبا من الوقت الحاضر وهذا دليل على تبدل استخدام المعاني بمرور الزمن رغم انها نفس الكلمات،او على الاقل تقبل المجتمع المحلي.
اول المتحدثين في المقامة الاولى كان المقرئ،وبالتالي استخدامه يكون اكثر للايات القرآنية واسماء التفاسير والمفسرين،من قبيل واستوينا على العرش وجلسنا على الفرش،او قوله:عزمت على رقيا محاسن وجهها.....بأيات انوار الضحى متهللا .
المتحدث الثاني كان المفسر للقرآن،وكانت بداية حديثه:لما كشفت الملائم،ولاحت لي المعالم،رأيت اوصافا تعجز وصفا،وتروق كشافا،ثم كشفت عن ذيلها،لابلغ ماارومه من نيلها...الى اخر حديثه الممتع،وهنا يقصد بالمعالم هو كناية عن كتاب البغوي المعروف بالفراء،وهو فقيه شافعي توفي 1122م واسم كتابه معالم التنزيل،وكلمة تعجز،وهي من الالفاظ التي يكثر البلاغيين والمفسرين من استعمالها لمشتقات فعل أعجز،واعجاز القران من الامور التي شغلتهم كثيرا،اما كلمة الكشاف فيقصد به تفسير الزمخشري المشهور بأسم الكشاف.
اما صاحب المقامة الثالث فهو المحدث،اي من اختص بعلم الحديث،والذي بدأ حديثه بقوله لما كشفت القناع،رق الحديث،وراق السماع،ورأيت منظرا ابهى من البدر السني،وحديثا احلى من الرطب الجني،فأنشدت قول من عنى:
من حاز مثلك لم تبرح جوارحه.....تروي احاديث ما اوليت من منن.
وهو نموذج لاستخدامه الكلمات والالفاظ الدالة على علمه وخاصة اسماء الموسوعات الحديثية الكبرى،واسماء مؤلفيها.
المتحدث الرابع كان الفقيه،وهو العالم بالاحكام الشرعية العملية من ادلتها التفصيلية،والذي بدأ حديثه بقوله لما فرغت الجلوة،وحصلت الخلوة،رأيت ما سرني،فقلت:نضت البراقع عن محاسن روضة.....ربضت بمحتفل الحيا انوارها،
الى اخرى حديثه المليء بالمصطلحات الفقهية واسماء كتبها ومؤلفيها،مع استخدام كثيف للمصطلحات الجنسية الفاضحة من مفردات اللغة العربية القديمة.
المتحدث الخامس كان الاصولي،وهو العالم المختص بعلم اصول الفقه الذي يشمل القواعد التي يتوصل بها الى الفقه،وكانت بداية حديثه:لما وقع النظر،طاب السهر،وحلا السمر،وراق ضوء القمر،ورأيت جمالا ليس في كماله نزاع،وحسنا انعقد على تمامه الاجماع،ووجها لمعته منيرة،وضياؤه ساطع كالشمس في الظهيرة،ثم كشفت الاستار،ورفعت الازار....الى اخر حديثه المشوق.
ومعنى كلماته السالفة هي النظر:البصر والتدبر،نزاع:جدال،الاجماع:هو اتفاق بين الاصوليين على حكم شرعي،لمعته:يقصد تورية بأسم كتاب في الاصول اسمه اللمع في اصول الفقه،لابي اسحاق الشيرازي الشافعي المتوفى 1083م،وكشف الاستار اسم لاكثر من كتاب احدها في التفسير لعلي البزدوي المتوفى 1089،بالاضافة الى قائمة طويلة من المصطلحات الاصولية او التي ترمز الى رموزها.
اما صاحب المقامة السادسة فهو الجدلي،اي صاحب الجدال والغرض منه الزام الخصم واقحام من هو قاصر عن ادراك مقدمات البرهان.
يبدأ حديثه الممتع بقوله:لما حصلت المسامرة،وجلت المناظرة،اذا خلق ارق من النسيم،ومنطق ابهج من الدر النظيم،فقلت:يادرة قرة العين،ويازين كل زين،اني اكره غصب نصب المستدل،وانفر من الاقدام على نقض الازار كالمستقل،واني ابدأ بالسؤال،ليكون منك الاستدلال،فبحق من امدك بالمعونة الا ابرزت الدرة المكنونة،الى اخر حديثه حسب منطق علمه وطريقة حواره به.
يقصد بالمسامرة:المحادثة ليلا،جلت:سمت،المناظرة:المشاهدة او الحوار بين طرفين،الدر النظيم:الجوهر المنظوم المنسق،والدر النظيم في احوال العلوم والتعليم هوكتاب لابن سينا،قرة العين:ما تسر به العين،الغصب:الاخذ قهرا،وفي آداب البحث(الجدل)هو منع مقدمة الدليل واقامة الدليل على نفيها قبل اقامة المعلل الدليل على ثبوتها لالزام اثبات الحكم للتنازع فيه.
المتحدث السابع هو اللغوي،اي المختص باللغة وعلومها،والذي بدأ حديثه بالقول:لما خلصنا من عباب بحة القاموس،وخلونا بالعروس،في ضياء الفانوس،رأيت طلعة أزهرية،وثغرا صحاح ثناياه جوهرية،وفطنة ألمعية،ومنطقا لايروي عن ابي زيد...الى اخر الحديث المحلى بالمفردات اللغوية القديمة.
يقصد بالعباب:معظم السيل وارتفاعه وكثرته،اللجة:معظم الماء،القاموس:البحر،والعباب هو كتاب للصغاني ت1252م يسمى معجم العباب،اما القاموس فهو اشهر المعاجم العربية واسمه القاموس المحيط للفيروزآبادي المتوفي 1414م،اما ازهرية:يعني منيرة ومشرقة وهي تورية بأسم احد ائمة اللغة الازهري المتوفي 984م،اما الثنايا فهي الاسنان الاربع التي في مقدمة الفم،وقد وارى بأسم الصحاح في اللغة للجوهري المتوفي 1003م،اما الفطنة:فهي الحذق والمهارة،والالمعي المتوقد الفراسة،اما المقصود ابي زيد فهو سعيد بن اوس ت 831م.
ويستمر السيوطي على نفس النمط والصيغة في البقية وهم:النحوي وصاحب التصريف وصاحب المعاني وصاحب البيان وصاحب البديع وصاحب العروض والكاتب وصاحب الحساب اي الرياضيات وصاحب الهيئة اي علم الفلك وصاحب الميقات اي صاحب العلم بالمواقيت يعني الازمان،والطبيب وصاحب المنطق والصوفي والذي اختم العرض به حيث قال:نحن وان كنا أهل كشف،والوقوف على كل وصف،فأنا مأمور بالسكوت،ولزوم البيوت،وارخاء الازار،وعدم كشف الاسرار،غير ان لنا رموزا واشارات،هي مفاتح الكنوز،انه لما حصل التجلي والكشف،رأيت محاسنا تجل عن الوصف،فطاب المقام وراق المدام وكشف اللثام،ووقع الالتزام وأنتجت المودة،وصرنا شيئا واحدا من غير حلول ولا حدة...الى اخر الحديث.
ونأتي الى تفسير الكلمات بالبدء في معنى الصوفي:وهو الذي يتبع طريق التصوف،وهي طريقة سلوكية قوامها التقشف والتخلي عن الرذائل،والتحلي بالفضائل،لتزكو النفس وتسمو الروح والوصول الى اعلى المراتب في الفناء.
الكشف:هو رفع الحجاب وفي اصطلاح الصوفيين الاطلاع على ماوراء الحجاب من المعاني الغيبية والامور الحقيقية وجودا وشهودا.
الوقوف:يعني التعرف،عبارة عما دل الذات بأعتبار معنى هو المقصود من جوهر الحروف،ارخاء الازار:كناية عن الستر والتعفف.
السر:عند الصوفية بعد القلب وقبل الروح،وقد اختلفوا في تعريفه وتحديده،وهناك اسرار كثيرة:كسر العلم،وسر الحال،وسر الحقيقة وسر التجليات.
الرموز والاشارات:علامات واشياء غامضة وأيماءات وأيحاءات لايعرفها الا الصوفي.
الكنز:عند الصوفية هو الهوية الاحدية المكنونة في الغيب وهو باطن كل شيء.
التجلي:عند الصوفية ما ينكشف للقلوب من انوار الغيوب.
المدام:يعني الخمرة ويقصد بها الخمرة الالهية.
اللثام مايغطي الفم،والالتزام يعني الاعتناق،والمودة يعني المحبة وهي من مراتب الحب والوجد عند الصوفية.
الحلول:هو اختصاص شيء بشيء بحيث تكون الاشارة الى احدهما عين الاشارة للاخر،والحلولية احد مذاهب الصوفية،وامامها الحلاج المتوفى 922م.
الحدة:يعني الفصل بينك وبين مولاك،كتعبدك في المكان والزمان.
تبقى الكتب التراثية مرجعا هاما لاغلب المعارف المتعارف عليها،وهنا يكون الاعتماد على الانسانيات اكثر لان العلوم الطبيعية والمتفرعة منها اصبحت من التطور بحيث لاتحتاج الى الكتب القديمة الا نادرا.
تبقى هنا الاشارة الى ان العالم العربي هو اكثر الامم تخلفا في الوقت الحاضر في طباعة التراث الموجود في الخزائن والرفوف،بمعنى ان غالبية التراث المكتوب والموجود هو في الحقيقة غير مطبوع للقراء،بل ان المطبوع هو يسير جدا والكثير من طبعات الكتب التراثية هي تجارية بمعنى انها غير محققة او غير مطبوعة بأناقة،وتوجد الكثير من الكنوز المطمورة التي تنتظر انتشالها من الكهوف المجهولة الى عالمنا الذي يعيش تحت الشمس حتى يمكن ان ينتفع بعلومها الجميع او على الاقل ان لانجعل جهود مؤلفيها تذهب سدى....