إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/04/24

اسطورة التغيير الفوقي -القسم العشرون

الحرب مع الغرب:
من اشهر صفات القذافي ونظامه هي الحرب ولو اعلاميا على الغرب،وهو في نفس الوقت كان يودع الاموال الليبية في البنوك الغربية مما يعني انه يدعم الاقتصاد الغربي من جهة ويحارب الغرب من جهة اخرى!رغم حالة الخطورة في المصادرة او التجميد كما حدث للارصدة الايرانية بعد الثورة عام 1979 وهو درس لم يستوعبه بعد غالبية الانظمة العربية،واستغل حالة التوازن في الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي في ان يكون في صدارة انظمة العرب (الثورية)،واخذ العداء بعدا عسكريا من خلال ضرب المصالح الغربية عن طريق دعم الاعمال الارهابية مثل التفجيرات ضد الاماكن العامة،او دعم بعض الحركات المسلحة مثل الجيش الجمهوري الايرلندي السري في صراعه ضد بريطانيا والتي انتهت به الى خيانة حليفه الثوري من خلال تسليم كل وثائق واماكن تواجد ذلك الجيش بعد فترة الحصار على ليبيا في محاولة تنعدم فيها مبادئ الفروسية للتقرب من الغرب عن طريق بيع حلفاء الامس!.
ولكن الرد الغربي لم يكن متساهلا معه فقد قصفت ليبيا بشدة بعد التفجيرات في المانيا عام 1986،ولم يكن الغرب مستعدا لحرب اقصى من الحصار الاقتصادي بسبب وجود الاتحاد السوفييتي السابق،ولكن الامر تطور بعد مشاركة اجهزة النظام المخابراتية في تفجير الطائرات المدنية سواء في لوكربي عام 1988 او الطائرة الفرنسية في عام 1989،مما ادى الى اتهام اجهزة النظام المباشرة بتلك العمليات الارهابية،فتطور الامر الى فرض حصار دولي شبه شامل عام 1992 ولم يقبل النظام تسليم اعوانه المتهمين الا في عام 1999 وبعد دفع تعويضات هائلة تقدر بالمليارات من خزينة الشعب الليبي المسكين لتصرفات طائشة واجرامية لاذنب له فيها،هذا بالاضافة الى خسائره من الحصار الطويل والذي لا يعرف لحد الان حجم الاضرار الناتجة منه.
وبعد عملية بيع المبادئ والتحول الى الجهة الغربية التي تميل الى المصالح الاقتصادية،اصبح القذافي الان رغم مشاكساته الكلامية المضحكة وخاصة في القمم العربية التي اصبحت تنقل على الهواء مباشرة بعد ان كان الجميع محرمون منها بسبب عدم وجود البث الفضائي،ولكن الان يشاهدها الناس بمئات الملايين في نفس اللحظة حتى يستمتعوا بكلماته وحركاته وتصرفاته الشاذة وكذلك بالاخرين المشابهين له والذين يستهزأ القذافي بهم الى ابعد حدود،وينتظرها الجميع كل عام في مسرحية فكاهية احد ابرز ابطالها القذافي الذي هو الان حليف جديد للغرب جرى تأديبه بعد عداء طويل الامد،الا ان ذلك التحول لم ينهي حالة ليبيا الشاذة بذلك النظام،فمازال القمع الوحشي وانتهاك حقوق الانسان يتم بصورة منظمة وعلى وتيرة مستمرة،ومازال الفساد ينخر بأجهزة الدولة والتي يتحول من موقف الى آخر حسب رغبة القذافي ونظرياته المختلفة!.
ولكن قمة الفساد والاستبداد قد وصل مع تقدم عمر ابناء القذافي الذين ولدوا بعد انقلابه الذي ازال الملكية الدستورية ليقيم ملكية غير دستورية!.
استغلت عائلة القذافي والعوائل الموالية له،سيطرة القذافي على الحكم بقوة،في ممارسة طغيانها على الشعب من خلال تسلمها المناصب الرسمية وترشيح الابناء لخلافة الديكتاتور واستغلال السلطة اسوأ استغلال من خلال الانفاق الضخم والاستمتاع بملذات الحياة الاخرى بصورة تدعوا الى اليأس من عودة هؤلاء الى رشدهم،وما الفضيحة الكبرى التي حصلت لاحد ابنائه وزوجته في سويسرا الا ادانة دولية لتصرف هؤلاء الرعاع حتى في خارج بلدانهم دون ادنى اكتراث لقوانين البلدان الاخرى وانظمتها المتشددة في معاملة الناس بسواسية.
الادهى في المشكلة هي اقحام الدولة الليبية في المشاكل التي تخلقها تلك الاسرة العبثية في اراضي الدول الاخرى في نادرة مخزية،فقد عوقبت سويسرا بسحب الاموال الليبية وفرض عقوبات اقتصادية عليها وكل ذلك لتطبيقها القانون السويسري على سوء سلوك ابناء القذافي داخل اراضيها والخاضعة لسيادتها(فكيف الاحوال تكون اذا داخل ليبيا نفسها!)،وبدون ادنى خجل او حياء امام الشعب الليبي الذي اقحمت دولته الشاذة في مسالة قضائية لاينبغي ان تتدخل اجهزة الحكومة الليبية فيها الا في حالات ضيقة جدا حتى تحافظ على الاقل امام العالم حتى في مظهر ولو مزيف يتسم بالعصرية واحترام القانون الدولي،بل واحترام الشعب الليبي نفسه الذي يعرف الحقائق.
لم تنتهي مشكلات عائلة القذافي عند هذا الحد،بل هي مستمرة على نفس المنوال في سلوكها المشين،ولكن الاكثر اشمئزاز وحسرة هو ان اولاده على نفس طبيعة الاب في التقلب في المواقف المختلفة في حياتهم او في سوء استخدامهم للسلطة،مما يعني انه اذا تولى الحكم احد ابنائه فأن الدولة سوف تسير بنفس المنهاج الشاذ الذي اوصلها الوالد الى هذا المستوى الوضيع بين الامم الى درجة ان يقوم الديكتاتور بسب شعبه علنيا ونعته بكلمات او اوصاف سيئة!.
الاكثر غرابة ان انقلاب 1969 هو بالاصل جرى لازالة نظام الملكية الدستورية،ولكن ما الذي جاء به القذافي؟!...الجواب بالطبع هو تحويل البلاد الى ملكية مستبدة ذات صبغة شمولية ومتخلفة،فقد استولت عائلته على الحكم،واولاده الذين ولدوا بعد انقلابه الهمجي،استولوا على مراكز الدولة الرئيسية واصبح لكل واحد منهم منصب هام ونفوذ قوي يقوم من خلاله بأدارة جزء من الدولة وبطريقة غير رسمية وتحت سمع وبصر الشعب الليبي الذي لايقوى على التغيير،مما يعني ان البلاد قد تحولت بالفعل الى ملكية قبلية وفي غاية التخلف! وهي نتيجة بائسة للتغيير الفوقي الذي كان للاسف الشديد نحو الاتجاه المعاكس(وهو الشائع من انقلابات التغيير الفوقي) اي الاكثر سوءا واستبدادا وتخلفا في عالم يتطور بسرعة نحو الامام ولا يرحم من يبقى في ذيل قائمة التطور والحضارة.
مظاهر الديكتاتورية والحل:
ديكتاتورية القذافي هي وحشية بلا شك،وتسلطه تلك العقود الطويلة من الزمن هو دليل على شدة تمسكه بالحكم واستخدامه لاسوأ الطرق والاساليب في المحافظة عليه،والبلاد تنتهك فيها حقوق الانسان على ابسط المستويات واعلاها،حتى ان العمل الرأسمالي المتراكم هو ممنوع في القانون بحج واهية!،ولا وجود للاعلام الحر نهائيا،والبلاد هي في اسفل قائمة الدول التي تقيد الحريات الصحفية والاعلامية من خلال جميع وسائلها المعروفة،والقمع الوحشي للمعارضين يتم بصورة مبرمجة منذ بداية انقلاب سبتمبر1969 الذي كانت من اهدافه هي الحرية نفسها!،واسوأ مظاهرها هي الاعدامات الوحشية والمقابر الجماعية التي ينتظر الكشف عنها بعد سقوط النظام بالطبع،واستغلاله المال العام أسوأ استغلال وتبذيره واقامة مشاريع وهمية سواء اقتصادية او سياسية في داخل وخارج البلاد،كلف ليبيا الكثير من الاموال والجهود الضائعة،هذا بالاضافة الى الكثير من مظاهر الديكتاتوريات الشمولية الفاسدة والمروعة،وخاصة اشاعة الخوف والرعب والفساد في البلاد،والتي تحتاج البلاد الى جهود مضنية وطويلة الامد لازالتها،الاقتصاد لا احد يعرف اتجاهه هل هو اشتراكي ام رأسمالي،ورغم ذلك فهو في اسفل التطور اذا استثنينا النفط ،بالاضافة الى امور كثيرة اخرى...
اذن ماهو الحل:
من الصعب الاعتماد على طاقات الشعب الذاتية لازالة نظام في غاية الاستبداد الوحشي والتخلف مثل نظام القذافي،وبالتالي فأن اي محاولة في ظل حالة الخوف واليأس هي محكوم عليها بالفشل،وتبقى حالات شاذة وهي الانقلاب العسكري او الاغتيال امور من الممكن ان تنجح ولكن فرصها ضئيلة بسبب الاحتياط الحكومي لها،واذا نجحت ممكن ان تمنح البلاد فرصة اخرى للانطلاق نحو الحرية...
اما العامل الخارجي،فهو الاهم والاكثر قدرة على التغيير،وليس عيبا في ذلك كون عدد كبير من البلدان احتاجت اليه،بل قارة بأكملها مثل اوروبا احتاجت اليه خلال الحرب العالمية الثانية،وبالتالي هو عامل مهم تضاءلت اهميته مع الاسف الشديد بعد ان وصل الى القمة اثناء الحصار خلال فترة التسعينات،ولم تحشد المعارضة الليبية جهودها وتوحدها للاستفادة منه،مما ادى الى استغلال القذافي لصالحه نظرا لطول الفترة وتقديم التنازلات المتتابعة والتي ادت في النهاية الى شراء ذمم الكثير من الحكومات الغربية وخاصة في مجال النفط والاستثمارات،وادى ذلك الى عودة العلاقات الطبيعية مع القذافي ولكن ليست بأسس قوية وثابتة بل تخضع دوما لمزاجه المتقلب الدال على ضحالة التفكير والثقافة،وفي النهاية اصبح العامل الخارجي في التغيير من الضعف الى درجة يصعب على المتتابعين للمشهد السياسي الليبي التنبوء بحدوثه ولو في المستقبل القريب،فالنظام قد استفاد كثيرا من تجربته الطويلة في الحكم وهو متغلغل داخل صفوف الشعب من خلال اجهزته القمعية اليقظة لكل من تسول له نفسه في التعبير عن معارضته للنظام،ويبقى الامل حتى لو كان ضئيلا في كوادر الشعب الليبي العليا لاحداث التغيير المنشود والذي طال انتظاره..........

ليست هناك تعليقات: