إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/03/27

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس عشر

الامثلة المنتخبة:
هذه بعض الامثلة التي تم انتخابها وهي نماذج مثالية حية لاسطورة التغيير الفوقي التي وقعت خلال تاريخها السياسي الحديث.وعلينا التذكر دوما انه:
كلما يمر علينا يوما من الديكتاتورية فهو خسارة لاتعوض لحاضرنا ومستقبلنا والتقهقر الى ماضينا المخزي الاليم.
1-البحرين:
وهو البلد الذي تم اختياره كنموذج مثالي للحديث عن اسطورة التغيير الفوقي،في بداية مقدمة البحث،وهو مناسب للاستدلال والمقارنة.
البحرين هو بلد صغير جدا وسكانه لايتجاوزون800 الف نسمة يشكل المواطنون نسبة 51%، ولكن تاريخه عريق وتسكن ارضه مختلف الاعراق والاقوام ولكن يغلب عليهم العرب الشيعة الذين تتجاوز نسبتهم 75% الان بعد ان كانوا اكثر من ذلك بسبب الهجرة من الخارج وبتشجيع السلطات الحاكمة التي تنتسب الى الاقلية السنية،بغية تخفيض تلك النسبة حتى يتسنى لها السيطرة على فئات المجتمع البحريني والعمل على خلق توازن من خلال طبقات موالية له تقف ضد الاغلبية المضطهدة.
يحكم البحرين الان اسرة آل خليفة وهم من اصول نجدية،استولوا على حكم البلاد منذ عام 1783،وكانت قبل ذلك تحت السيطرة الفارسية الى ان احتلتها بريطانيا.
خلال قرنين من حكم تلك الاسرة،انشغلت البلاد بالحروب الاقليمية التي يغلب عليها الطابع العشائري من خلال الغزوات التي تقوم بها القبائل فيما بينها،بالاضافة الى حكمها الداخلي المستبد والقائم على حكم الاسرة الواحدة ذات الطابع القبلي،ولذلك لم يخلو تاريخ البلاد من الثورات والقلاقل المستمرة.
بعد استقلال البلاد من بريطانيا عام 1971 لم يختلف طريقة حكم تلك الامارة الصغيرة عن السابق،فليس من السهولة تغيير تقاليد وعادات واعراف يغلب عليها الطابع البدوي والعادات الشرقية في الحكم خلال سنوات قليلة ولذلك جاءت الامال مخيبة للجميع،لان الاستفتاء الذي اجري عام 1970 حول استقلالها او الانضمام الى ايران،والذي كانت تحوم حوله الشبهات الكثيرة حول نزاهته،جاءت نتيجته هي الرغبة في الاستقلال خاصة بعد وعود طرحتها الاسرة الحاكمة حول سن دستور جديد للبلاد يؤدي بدوره الى تشكيل نظام برلماني جديد وحكومة تستند على حكم الشعب لنفسه والمساهمة في بناء الوطن،وبالطبع ان ذلك خرافة كما بينا ذلك من البحث الطويل،حيث انه من الصعب بل من شبه المستحيل على طبقة حاكمة لفترة طويلة من الزمن،جاءت الى الحكم بحد السيف والقوة ولديها تاريخ طويل في القمع الداخلي والحروب الخارجية لاجل البقاء في السلطة،تقوم من تلقاء نفسها بالتنازل على كل او جزء كبير من سلطاتها لشعب يختلف عنها في تركيبته القبلية والمذهبية!.
ولذلك فأن الانتخابات التي اجريت عام 1973 والتي انتجت دستورا وبرلمانا رغم انه كان غير متكامل،الا انه يحمل بذرة الديمقراطية الحقيقية والتي اجهضت من خلال حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور والعمل بقوانين الطوارئ في ردة حقيقة كانت متوقعة من النظام الحاكم الذي استند في قراراته العبثية الى اعذار مضحكة وسخيفة بغية السيطرة الكاملة على الحكم وحرمان كل مشاركة شعبية فيه.
وماذا كانت النتيجة؟!...تخلف سياسي واقتصادي واجتماعي،وسيطرة نخبة قبلية حاكمة مدعومة ببعض الاسر الموالية،مع قمع وارهاب لكل من يدعو الى التغيير.
وكان على رأس اجهزة الدولة الامنية الارهابية ضباط بريطانيون مع دعم كامل من السعودية بغية المحافظة على حكم الاقلية الذي يحتاج على الدوام الى دعم خارجي كبير لكبح جماح الاغلبية المقهورة.
من الدعاوى الفارغة لحل البرلمان انه يؤخر عمل الحكومة ولا يجعل قوانينها تسير بيسر لان البلاد في حاجة الى نمو سريع في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية!...لا يحتاج تعليق على هذا الكلام الفارغ والخالي من كل قيمة او صحة والا لحاول الغرب ان يعمل به قبل النظام البحريني لحاجته الماسة الى التطوير السريع،ولكن يعلم الغرب قبل غيره ان التنازل عن الديمقراطية هو بمثابة الانتحار والرجوع الى عهود الديكتاتورية والتخلف!ولذلك جاءت النتيجة متوقعة كما نراها اليوم هي تطور الغرب وتأخر العرب الذي يطبق تلك النظريات الفارغة والتافهة...
حاولت البحرين ان تصبح مركزا ماليا واقتصاديا في الخليج،والادهى من ذلك ان دول الخليج الاخرى قبلت بذلك الدور نظرا لمحدودية الموارد النفطية للبحرين والتي يصل حجمها الى حجم بئر نفطي في العراق او السعودية!،ولكن الفساد والقمع الداخلي والاضطرابات المستمرة والخلافات الحدودية مع قطر،اثرت بشكل كبير مما جعل بقية الامارات الاخرى في الخليج تعيد النظر وتحاول العمل جاهدة لنقل كل مصادر الاستثمار والاعمال الى اراضيها،وبرزت من جراء ذلك دبي وقطر وتأخرت البحرين كثيرا،هذا بالاضافة الى مشاكل التجنيس المستمرة والتي تقوم بها الحكومة وفق برنامج استيطاني خبيث للتقليل من نسبة الاغلبية الشيعية في البلاد. كل ذلك ومشاكل اخرى كثيرة ادت الى حدوث ثورة 1994 والتي سقط فيها عدد كبير من الشهداء وادت الى اعتقال رموز العمل الديني والسياسي وانتهاك كرامتهم الشخصية وحقوقهم المدنية بشكل سافر ومشين.
وبعد وفاة امير البحرين الشيخ عيسى في مارس(آذار)1999م،تولى الحكم بعده ابنه حمد الذي كان وليا للعهد فترة طويلة،وبعد مرور فترة عام ونيف،بدأ بالدعوة الى انتشال البلاد من حالتها الراكدة من خلال دعوته الى بناء بلد يحكمه دستور يحترم الجميع ويؤسس الى ديمقراطية برلمانية...
وكما توقعت فشل ذلك من البداية والتي خالفني في ذلك عدد من البحارنة ذوي النية الحسنة والذين ايدوا مع غالبية البحارنة الميثاق الوطني الذي يدعو اليه الامير كونهم تواقون للتغيير،وكانت النتيجة المتوقعة هي ان الغالبية العظمى مؤيدة للتغيير وقبلت بالميثاق الذي ولد ميتا كونه ناتجا من طبقة جديدة تنتسب الى السلطة الحاكمة منذ فترة طويلة لم يتغير سوى جلدها وايضا لفترة قصيرة!.
من الخطأ الاعتقاد ان مجرد وفاة امير وحلول ابنه خلفا له ان يكون هنالك تغييرا حقيقيا في البلد بمجرد الدعوة اليه،فالامير الجديد هو ولي العهد السابق فترة طويلة وبالتالي هو مشترك في الحكم الاستبدادي المقيت وتثبيت اركانه هذا بالاضافة الى دراسته في الغرب لم تنفعه في تغيير سلوكه والتي اكدنا عليها من خلال البحث في ان ابناء واعوان مسؤولي السلطة لن تؤثر في سلوكياتهم كثيرا الدراسة والعيش في دول تحكمه نظم ديمقراطية،فهم في حالة رجوعهم الى بلادهم لن يطبقوا سوى ما ينفع تثبيت حكمهم الاستبدادي من خلال افكار ورؤى جديدة،اما الافكار والاراء التي تدعو الى الحرية والديمقراطية فتلك مرفوضة جملة وتفصيلا لانها خطرا كبيرا على الحكم،بينما في الحقيقة ان الحكم لن يدوم سوى بالعدل وليس بالظلم والطغيان!.
كذلك ان الرجل الثاني في الدولة وهو عم الامير الجديد،الشيخ خليفة وكان شريكا بارزا لاخيه الراحل في الحكم،كان له دور كبير في قمع كافة الاضطرابات بقسوة،وهو باق في منصبه،فمن اين يأتي التغيير اذا كان الاشخاص الحاكمون باقون او حتى لم يعاقب مسؤولي القمع الوحشي!! فالتغيير لن يأتي من خلال وفاة شخص واحد وحلول شخص جديد مكانه...
ولذلك فأن النتيجة الحتمية للتغيير الحقيقي اذا حدثت فسوف يكون صعود كافة الاتجاهات السياسية المعارضة للحكم وبالتالي هو خطر على صلاحية وحكم الاقلية التي تقودها اسرة آل خليفة.
ونتائج التغيير الشكلي كانت هي تغيير اسم الدولة من امارة الى مملكة!وكأن ذلك يحل مشاكل دول وشعوب تعاني من ازمات عميقة رغم ان الامارة اقرب للصحة كونها صغيرة جدا وقريبة لبقية الامارات الاخرى في الخليج...والاعمال السابقة للحكومة مثل التجنيس للغرباء بقيت على حالها رغم الاحتجاجات المستمرة عليه،كذلك فأن اطلاق سراح المعتقلين السياسيين لم يكن سوى واجهة اعلامية للدعاية الحكومية،فلم يجري الاعتذار لهم او تعويضهم وتحقيق رغباتهم بل وبقيت الاقامة الجبرية على عددا منهم،كما ان احد ابرز قادة المعارضة وهو الشيخ الجمري الذي رحل اواخر 2006م،لم اقرأ في وسائل اعلام النظام وخاصة وكالة الانباء او صحفه الرئيسية مجرد خبر رحيله في يوم وفاته! بينما قرأت الخبر في وكالات الانباء الاخرى وغالبية المواقع الاخبارية في الانترنت مما يدل على ان ذلك النظام بطبيعته الديكتاتورية وتركيبته الاسرية لم ولن يتغير نحو الافضل،فرحيل احد ابرز الرموز الدينية والسياسية وبما يمثله الشيخ الجمري من ثقل كبير وواضح كان الاجدر بالنظام من خلال وسائل اعلامه التي احتفت قبلها بمايكل جاكسون،ان تراعي مشاعر الشعب و تترفع عن الخلافات السياسية الجانبية وان تنشر خبر رحيله الذي تناقلته وكالات الانباء الاجنبية او اعادة الاعتبار اليه وهو ميت!،ولكن للحقد الاعمى والطبيعة الاستبدادية المستديمة دور كبير في تسيير امور تلك الامارة الصغيرة التي تحولت الى مملكةّ!...
بعد اقرار الميثاق الوطني المزعوم في عام 2001 لم يتأخر النظام في اصدار دستور على مقاييسه بالطبع عام 2002،فمنح الملك صلاحيات واسعة وكذلك الحكومة التي يشرف عليها ابناء الاسرة الحاكمة ويشكلون الاغلبية فيها،وكذلك
جاءت عملية التلاعب بمواد الدستور وطريقة الانتخابات لتكمل ما اراده النظام في حدوث تغيير شكلي يمحو الصورة السيئة للنظام امام العالم الخارجي،فقد خالف ما اراده ابناء الشعب في انتخاب مايرونه مناسبا،من خلال تأسيس مجلسين احدهما منتخب والاخر معين من قبل الملك!يقتسم السلطة مع المجلس المنتخب ويحد من صلاحياته التي هي بالاساس محدودة،فتصور اي مدى ممكن ان تنجح ديمقراطية بهذا الشكل المشوه والمفضوح،وكما هو معروف فأن المجلس المعين يضم اعوان النظام الرئيسيين الذي لاينبغي تركهم بدون عمل يخدم النظام!.
المجلس الاول الذي تمت مقاطعته من قبل بعض التيارات السياسية الرئيسية في الدورات المختلفة،هو ايضا غير معبر عن الصورة الواقعية للحالة الديمغرافية في البحرين،فالطبيعي في دول العالم الحر،هنالك مراعاة لحجم السكان لدى كل دائرة انتخابية بحيث تكون جميع المناطق متساوية في هذا الحق الطبيعي والمشروع،ولكن الحالة في البحرين كما هي في بلاد العالم الثالث الاخرى،غير طبيعية!لان الطبيعي هي الديكتاتورية وديمومتها!! اما ان تكون هنالك مساواة بجانب الحرية فتلك قيم بعيدة عن مجتمعاتنا كما تدعي وسائل اعلامنا الغير محترمة!...فالدوائر في البحرين وتقسيماتها جاءت بشكل مفضوح لممارسات النظام الحاكم،فبعض الدوائر والتي تضم مناطق شعبية تعارض النظام او لاتمثل توجهاته المذهبية والفكرية تضم احيانا اكثر من 12 الف ناخب للعضو الواحد بينما هنالك دوائر اخرى تضم فقط 500 ناخب للعضو الواحد الذي لايحتاج الى تأكيد بشأن انتمائه الى المنظومة الحاكمة المذهبية والفكرية،وبالتالي هي احدى الوسائل الهامة لترشيح اعضاء يشكلون نسبة لابأس بها للوقوف بكل وقاحة امام الاغلبية المضطهدة التي تصورت بحسن نية ان نظام الاسرة الحاكمة في البحرين محتمل ان يتغير بصورة جذرية!...
وبالرغم من ان صلاحيات المجلس المنتخب محدودة الا ان دوره شبه مشلول في مراقبة الاسرة الحاكمة واجهزتها المختلفة وخاصة القمعية،بل حتى لايستطيع مجرد الضغط على الحكومة لتخفيف اجراءاتها القمعية بحق المتظاهرين!فكيف في ادارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية،وبالتالي فأن النتيجة المتوقعة لذلك التغيير الفوقي الوهمي هو البقاء في مربع الديكتاتورية المحسن .
ويمكن الاشارة بصورة سريعة الى ان النظام مستمر في عملية التجنيس السياسي ذات الطابع المذهبي وبصورة تدعو الى الشك والريبة في كل اعمال النظام الاخرى التي يدعي فيها صدق النية،فالتجنيس شمل اناس من القارة الهندية والهاربين البعثيين من العراق او بقية العرب الاخرين ولكن الجامع المشترك بينهم هو القالب المذهبي والرغبة في خدمة مثل هكذا نظام يعادي شعبه ويتلاعب بمصيره بشكل سافر مع منحهم كل المنح المادية والمعنوية التي لايجدونها في بلادهم الاخرى! وخاصة في مجال العمل ضمن الاجهزة الامنية رغم ان بعضهم لا يجيد التحدث باللغة العربية جيدا وهذا نتيجة لسياسة التمييز الطائفي وعدم الثقة المتبادلة بين الاسرة الحاكمة واتباعها من جهة وبين غالبية افراد الشعب،وقد ادانت عدد كبير من منظمات حقوق الانسان ذلك بما فيها تقارير حليف البحرين الرئيسي،امريكا من خلال وزارة الخارجية وتقاريرها السنوية التي تشمل البلدان المنتهكة لحقوق الانسان في العالم،والتي من ابرزها الحريات المقيدة وعدم فصل السلطات الثلاث والقيود المفروضة على الحريات المدنية ومنها الصحافة وتأسيس الاحزاب والجمعيات بل وصل الامر لحد اغلاق ومراقبة المواقع الالكترونية والاستخدام المفرط للقوة مع انتشار الفساد وعدم مقدرة الجهاز القضائي لمحاربته كونه غير مستقل وامور اخرى كثيرة تحدث في هذا البلد كما تحدث في بقية بلدان العالم العربي.
في النهاية تكون نتيجة التغيير الفوقي في هذا البلد اسطورية لاينبغي التعويل عليها حتى في المستقبل البعيد،وسوف تبقى حالة الشك والريبة بين الشعب والاسرة الحاكمة مستمرة وكذلك حالة عدم الاستقرار الا اذا حصل تغيير داخلي راديكالي من القاعدة الشعبية او تغيير من الخارج لاتستطيع معه حليفة الاسرة الرئيسية،السعودية فعل شيء رادع له،وبالتالي فأن الاستمرار في المعارضة بمختلف اتجاهاتها هي الوسيلة الوحيدة لمنع كافة توجهات الحكومة التسلطية على اقل تقديراو تليغها من الاساس على ابعد تقدير اذا كانوا محظوظين...

من اسفار المكتبة

من اسفار المكتبة:
الكثير من الكتب المؤلفة والمصنفة في التاريخ الاسلامي هي غير نقدية او هي تنقل الوقائع والاحداث بصورة غير صحيحة وتخالف العقل والمنطق بل وتخالف حتى اوراق كتاب المؤلف نفسه! بالاضافة الى سهولة تأليفها او تجميعها،ولذلك يكون نادرا الوصول الى تأليف كتب نقدية وتحليلية للتاريخ كونها بالاضافة الى الجهد الاضافي العقلي والنقلي المبذول فيها،فأن مجاهدة النفس للخروج من مستنقع التقليد الوراثي الى تقليد العقل والمنطق والسير خلفهما اينما ذهبا هو خروج في بعض الاحيان على المحيط الديني والاجتماعي وبالتالي سوف ينشأ منها مخالفة عنيدة تسبب مصاعب جمة لكل من يحمل افكار وآراء تخالف ما هو موجود من سيرة تاريخية ثابتة يرفض المتزمتون الخوض فيها وكأنها نصوص مقدسة!...
ومن الكتب الاخيرة التي اطلعت عليها والتي يخالف المؤلف فيها المدرسة الفكرية التي تخرج منها او التي ينتمي اليها،هو كتاب: الا..أمير المؤمنين علي بن ابي طالب تأليف،خليل عبد الكريم(1930-2002) وهو شيخ ازهري سابق،انتمى لجماعة الاخوان المسلمين وتعرض للسجن والتعذيب،ثم تحول الى الفكر اليساري وانضم الى احد الاحزاب اليسارية الصغيرة في مصر...بدأت شهرة الشيخ خليل وهو محامي ايضا،بعد عام 1990 واصدر حوالي 13 كتاب اثارت ضجة قوية في المجتمع العلمي نظرا لما تحتويه على جرأة قوية في عرض الاراء التاريخية التي تخالف المجتمع المعرفي في الوسط الديني في مصر والعالم العربي ولذلك اتهم من قبل مخالفيه بمختلف التهم التحريضية...
الكتاب يتألف من 174 صفحة من القطع المتوسط وطبعة 2006 في بيروت ونوعية الورق خشن اقرب لورق الجرائد...
هو كتاب تحليلي ونقدي للكثير من النصوص التاريخية التي تتناول حياة وسيرة بعض الصحابة وموقفهم من الامام علي (ع) وخاصة في بيعته وحروبه المتتالية ضد المارقين والناكثين...
الكتاب يعرض لسيرة بعض الصحابة والمارقين من الطلقاء في طريقة نقدية وتحليلية لاتخلو من اثارة وتمتاز بالدقة العلمية والعرض الشيق الموازي له،وفي نهاية كل فصل او مقطع يكتب نتيجة يتوصل الكاتب،يعرضها وبمنتهى الصراحة الشديدة التي تكسر حاجر الكثير من المقدسات التاريخية والتي تمتاز بالسخرية احيانا من هؤلاء الذين يتم تقديسهم دون ادنى اعتبار لاعمالهم التي تخالف الدين والعقل او حتى الذين يتبعونهم بدون ادنى حرية في الاختيار...
يبدأ كتابه بنقد لاذع لمحقق كتابي سيرة ابن هشام وابن اسحاق،حيث عارض محقق الكتابين ان يكون ابو طالب هو حامي الرسول الاعظم(ص)،وجاء بعد ذلك رده المنطقي المستند على اساس عقلية ومنطقية تدل على ان للكاتب باع طويل في مجال الدراسات التاريخية...
ثم بعد ذلك يحلل سيرة الثلاث المناوئ للامام علي(ع) في حرب الجمل والتي يصدر فيهم احكاما قاسية في الادانة على ما اقترفوه سواء في تلك الفتنة او قبلها...
من بين البحوث القيمة التي تناولها الكاتب هي حول ايهما اصح تسمية المصحف الامام ام مصحف عثمان،ومن خلال تحليله يتوصل الى نتيجة هي مصحف الامام اصح من التسمية السائدة حاليا لابل يسخر وبشدة من قبل الباحثين المخضرمين الذين يتمسكون بتلك التسمية التي اطلقها خلفاء بني امية انفسهم...
ينهي الكتاب ببعض الملاحق التاريخية حول النص المؤسس وتاريخيته في آراء و مواقف حول المجتمع القبلي المحيط وخاصة مجتمع المدينة...
قد يخالف البعض المؤلف فيما توصل اليه من افكار وآراء جاهر بها كثيرا،الا ان كتابه هو جدير بالقراءة والاقتناء ...بل قد يعجب كل باحث عن الحقيقة خاصة في معارضته للكثير من المسلمات التي اثبت التاريخ والعقل خرافتها وعدم صحتها.
احتج المؤلف على الكثير من القضايا والتي يعيب بعضنا على اليهود فيها من خلال
اقامة الحد على الفقير والمسكين وترك الشريف القوي اذا عمل نفس الخطأ لابل يكرم في كثير من الاحيان!ومن ابرز ما ذكره هو حادثة زنا المغيرة بن شعبة والتي رأه فيها اربعة شهود،ثلاثة منهم اصر على شهادته والرابع تمت رشوته او اخافته وهو زياد بن ابيه!فتراجع عن شهادته وكرم بعد ذلك مثل الزاني اما الشهود الثلاثة فتمت معاقبتهم بشدة ومن قبل الخليفة الثاني!..كذلك يطرح قضايا هامة ولكن بصورة مختصرة من قبيل التفاسير الحديثة التي ألفها الكثير من المفسرون والتي هي توضيحات وشروحات على القديمة والتي يخضع مؤلفوها للبيئة والزمن المكتوب والتي من خلالها نرى آثارها عليه...وكذلك يطرح لفته لطيفة حول مدونة المذهب المالكي التي املاها احد طلابه على فقيه آخر ثم نقلها الى افريقيا ومن بعدها جاءت كل الشروحات والتفسيرات والتعليقات،واصبحت مثل المرجعية التي لاتقبل النقاش والجدل،بحيث وصفها انها محتمل ان تكون مالكية مبتدعة لان البعدين الزماني والمكاني عن صاحب المذهب المقيم في الحجاز لهما اثر كبير في البناء الفكري والعقائدي للمذهب.
ينصح المؤلف المفسرون الاخرون وهي يمكن تعميمها الى بقية المؤلفين الاخرين،في ضرورة ان لايجهل احد ان المفسرون السابقون هم عاشوا في بيئة تختلف عن بيئتنا وفي زمن يختلف عن زماننا،وتسلح بثقافة تختلف عن ثقافتنا،وتزود بمعارف غير معارفنا،بل لا وجه للمقارنة بيننا وبين السلف الصالح،وكما قيل ان الانسان هو ابن عصره....
والتحذير هنا من تصديق الخرافات وخاصة الاسرائيليات التي دخلت التفاسير المختلفة،وهي الطبع بالعشرات ولكن المؤلف ذكر مثالا عليها،ولكنه يشدد على ضرورة الا يكون المحقق وخاصة حملة الشهادات العلمية العليا ان يكون متفرجين في نقلهم دون ان يحققوا ما ينقلونه وهو ذكر عدة امثلة في الكتاب.
يخلص الكاتب الى ان:الكسل العقلي والاسترخاء الفكري والبلادة الذهنية هي متوافقة تماما مع حالة التردي الراهنة التي تضرب الشعوب الاسلامية،فباستقراء تاريخ الفكر الاسلامي نتوصل الى حقيقة ان في عصور الانحطاط يختفي او يكاد الابداع والاختراع والابتكار ويشيع فيه التكرار والاجترار والاتباع.
ينهي الؤلف كتابه بعد ذكره نموذج من المرويات في التفاسير،ويعلق بسخرية لماذا ايها المسلم تشغل فكرك وعقلك وكله مذكور في القرآن من علوم واختراعات وهو يقصد بذلك الكثير من الباحثين الذين ينسبون للقرآن الكريم كل الاختراعات والعلوم ونسوا انه كتاب هداية ومواعظ واخلاق بالاضافة الى ذكره الكثير من المعجزات العلمية وغير العلمية...ويقرر في النهاية ان الانظمة الحاكمة الفاقدة للشرعية هي تتنافس للمراهنة على الدين لغرض الحصول على الشرعية المفقودة،بينما يستغل الوعاظ المهيجون ذلك لغرض الوثوب على السلطة....
كتاب فيه الكثير من الفوائد المعرفية وبصورة مختصرة تصلح قرائته بعقل منفتح لايخضع بسهولة للخزعبلات ومتحرر من المحيط الذي يفرض عليه قيما تخالف العقل والمنطق وتدعوه الى الاتباع والانقياد مثل ملايين العامة من البشر.

2009/03/21

لا حدود للانحطاط البشري

لاحدود للانحطاط البشري:
واخيرا اسدل الستار على قضية المجرم النمساوي الذي احتجز ابنته في قبو تحت الارض لمدة 24 عاما(1984-2008)والتي اكتشفت بطريق الصدفة،وكانت نتيجة تلك الجريمة سبعة اطفال احدهم توفي وهو رضيع،بالاضافة الى الاف المرات من الاغتصاب والرعب وسلب الحرية والكرامة الانسانية!...
ونتيجة العقوبة معروفة،هي السجن مدى الحياة،وهذا يعني بضع سنوات من عمره في السجن نظرا لكبر سنه(74سنة)،حيث لاوجود لعقوبة اكثر من ذلك في النمسا.
يوم بعد آخر يثبت لنا الانسان انه قادر على انحطاط لاحدود له...بل يبدع في اجرامه بحيث يعجز الانسان السوي ان يتوقع حدوث تلك الجرائم الوحشية من انسان آخر لايختلف عنه في شيء سوى ان تفكيره يختلف عنه!...
لاتقف امام الانسان اي حدود امام اجرامه...فلا دين ولا انسانية ولارحمة ولا ضمير،بل ولا حتى مجرد اشمئزاز من عمل تلك الجرائم التي تستحق البشرية عليها اقصى العقوبات الالهية...ويخطأ من يظن ان الظالمين بمختلف طبقاتهم واعمارهم هم اقلية في العالم...بل ان الظلم حقيقة هو من شيمة النفس البشرية...وجل من لا يظلم حتى لو كان مجرد اساءة للغير!...
تترفع احط المخلوقات عن افعال البشر المشينة والتي لاحدود لها...نكتشف المزيد منها كل يوم وبطريقة تدل على عظيم العقل البشري وما يحتوية من قدرات خلاقة ولكن مع الاسف الشديد لانتاج الجرائم بطريقة في منتهى الوحشية والهمجية وتدل على انحطاط بشري لاحدود له يستحق معه اقصى انتقام الهي سواء عاجلا ام آجلا...
من حسن حظ النمسا ان هذا المجرم الوحشي لايحكمها...وحتى لو حكمها فأن حكمه يكون محدودا نظرا لتجذر التقاليد الديمقراطية فيه...ولكن شعوبنا في العالم الثالث نكبت بمجرمين على نفس شاكلة هذا المجرم وبسلطات لاحدود لها!،وكانت النتيجة ملايين عديدة من الضحايا....
اذكر في ثورة 1991 في العراق عندما تحررت معظم مناطق البلاد من قبضة النظام الوحشية لمدة بضع اسابيع،فخرجت من السجون المرعبة اعداد كبيرة من البشر،وكان بعضهم محجوز منذ عهد سلف صدام،وهو المقبور البكر بحيث هتفوا ضده دون ان يعلموا انه رحل منذ سنين طويلة...وكان من بين المطلق سراحهم نساء كانت حالتهن اكثر مأساوية من الفتاة النمساوية بكثير،حيث كان يتم اغتصابهم في السجون بواسطة رجال امن النظام المجرمين،وكانت نتيجة ذلك ولادة عدد كبير من الاطفال المجهولي الاب في السجون!...وبالتأكيد ان عدد كبير من هؤلاء المجرمين مازالوا يعيشون في داخل البلاد وخارجها دون ان تجري حتى محاكمات لهم! مما يجعل خذلان العدالة والحق من نصيب من حكموا بعد ذلك دون ان يهتموا لتلك القضايا المهمة التي تردع المجرمين في المستقبل...
العدالة الارضية والعدالة السماوية:
لم يبقى لنا سوى العدالة السماوية والتي هي قادرة على انزال اشد العقوبات على الظالمين في العالم الاخر...اما عالمنا الارضي فعليه السلام!...
مهما كانت العقوبات فأنها لا تكون بحجم الجريمة المرتكبة!...هذا اذا كنا محظوظين وتمت محاكمة المجرم في حياته...انظر للمجرم النمساوي الذي سوف يقضي عقوبته في سجن يكون افضل من غالبية البيوت في العالم الثالث!وبالتالي لانرجوا سواء الانتقام الالهي في الاخرة على جرائمه البشعة بحق ابنته واطفالها...
اما بالنسبة للمجرمين الذين حكموا بلاد بأكملها بسلطات غير محدود ومارسوا خلالها ساديتهم البشعة،فأن محاكمتهم لن تطفئ غضب ضحية واحدة فكيف بملايين الضحايا...انظر لمن تمت محاكمتهم على جزء من جرائهم البشعة وابسط مثال صدام في العراق وبول بوت في كمبوديا الذي اباد ثلث شعبه خلال ثلاث اعوام فقط!...لم تكن محاكمتهم او عقوبتهم بمقدار واحدة من جرائمهم البشعة...مما يدل ان العدالة الارضية مهما كانت قوية فلن تستطيع ان تحقق رغبة الضحايا...بل حتى لا تستطيع ان تمنع من حدوث جرائم اخرى في المستقبل ...اما في حالة رحيل المجرم عن الحياة قبل ان يعاقب على فعلته فهي الغالبة!..ولذلك املنا الوحيد في العدالة السماوية في الاخرة وهي الوحيدة القادرة على تحقيق كل احلامنا في الانتقام وبنفس حجم الجريمة من الفاعل...
عالمنا المعاصر مليء بقصص واقعية عن ابشع الجرائم ولكن اشدها قسوة هي المقننة والتي يرتكبها ازلام النظام وبغطاء قانوني دون ان تتم محاسبتهم...
العدالة السماوية لن تكون مخففة او يستطيع المجرمون ان يستغلوا الاعلام وسذاجة المحكمة او غفلتها،بل انها بالمرصاد لكل من تسول نفسه ظلم اخيه الانسان وخيانة الامانة الالهية في عمران الارض ونشر العدل والحرية فيها....

2009/03/15

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الرابع عشر

التغيير من الداخل هو امل الجميع ولكن لايكون التغيير حقيقيا اذا كان يتزعمه قاتل او لص او فاسد،فهؤلاء لايرجى منهم ادنى فائدة ومن اصلاحهم شيء،وانما من كل لديه قدرة على الابداع والتغيير ولكن مع شروط النزاهة والتاريخ المستقيم والعيش خارج الاوساط الملوثة التي قد تلوث الانسان بصورة خارج ارادته مما يجعل من الصعب عليه الخروج من تلك الدائرة القاتلة والمميتة.
العالم يتطور بسرعة كبيرة في ظل التطور العلمي الهائل وخاصة في مجال الاتصالات،والبلاد التي تعيش في داخل انظمة مستبدة هي خارج ذلك العالم وخارج التطور،ولذلك وجب عليها الخروج من ذلك الكهف المظلم حتى لو كلفها الكثير في سبيل رفعتها،ولا يتم ذلك الا بالتغيير الجذري الشامل الذي لا يعطي حلول وقتية تزول بمجرد انتهاء وقتها،بل في حلول دائمية من خلال فرض القانون والديمقراطية واحترام الحرية الفردية والتي تؤدي بالضرورة القصوى الى حلول طبقات قيادية للمجتمع تكون مهمتها خدمة المجتمع،لا ان تجعل المجتمع يخدمها،وهذا لايتم الا بأزالة كل المعوقات الخطيرة التي تمنع حصول ذلك،وهو ينتج من الاطراف المتضررة،والتي كانت قابعة في قمة المجتمع والتي بدلا من ان تكون صورته الجميلة،نراها تكون الصورة القبيحة للشعب والتي تفعل اقبح الاعمال وتنسبها بالتالي لغيرها حتى يكون لها الديمومة في بقائها واستمراريتها.
احيانا يحتاج تغيير الشرائح الفوقية الى عنف وقسوة،ولكن يمكن التخلص من اخطاء التغيير في فرض الامن والقانون على الجميع مما يبعد العناصر المشاغبة عن مقاومة التغيير والرجوع الى الوراء،ويحطم كل المظاهر الفاسدة للشرائح الفوقية السابقة،ويتم ذلك من خلال آلية معينة تمنع حدوث الانفلات الامني وحالات الانتقام الجماهيري،وزرع الوعي وخاصة عن طريق التوجيه بترك الامور تجري بصورة طبيعية ولكن من خلال القانون الذي يساوي بين الجميع،وكذلك حراسة المكتسبات الجديدة والتي تحتاج الى حقبة زمنية ليست بالقصيرة حتى يتم تثبيت اسسها في المجتمع بحيث تكون مانعا قويا لخلق كل حالة استبداد جديدة تولد معها طبقات فوقية لاتهتم الا بسيطرتها على المكونات الاخرى وبشتى الوسائل...
البداية الحقيقية للتغير تكون انطلاقتها من الاطفال،سواء في حالة حدوث التغيير وهو متيسر للقيادات الجديدة التي تبغي التغيير الحقيقي،او قبل حدوث التغيير وهو صعب ولكن يمكن العمل سواء الفردي او الجماعي بقدر تيسر الامور بغرض انقاذ اكبر عدد ممكن من الاجيال الجديدة من مستنقع المسخ الاستبدادي الذي يحول الانسان الى عبد مطيع بأرادته او بدون ارادته لاهداف النظام وقياداته الفوقية،في الحالة الاولى يتم البدء من خلال مناهج التعليم وتحريرها من قوالب التلقين التي تحشو الادمغة الصغيرة بثوابت واسس غي اغلبه زائف او ماسخ للشخصية البشرية،وقد يكون ذلك في اطار ديني او مذهبي او فكري كأن يكون قومي او ماركسي او ليبرالي،وقد يسأل سائل هذه هي اغلب التيارات المعاصرة فما هو الذي بقي سليما وملائما للاطفال؟!...الجواب في الحقيقة ان تلك التيارات ليست بالضرورة هي خاطئة بل قد تكون في الكثير من اسسها سليمة وملائمة للفطرة الانسانية،ولكن المقصود هنا هو تحرير الفكر من القيود وتعليم النشء الجديد كيفية الاختيار الحر والعمل على بناء شخصياتهم السليمة الحرة وفق مناهج التعليم السليمة،بمعنى عدم العمل بمناهج التلقين دون تحريك عقول التلاميذ وجعلهم يناقشون الامور بكل حرية وشفافية،وتعليمهم حرية ابداء الرأي بدون خوف او نفاق وبالتالي يمكن لنا خلق جيل حر يراقب سلطاته العليا ويعمل على تغييرها اذا اساءت استخدام الصلاحيات الموكلة اليها،وهنا سوف تكون لدى هؤلاء بداية سليمة تكون الانطلاقة الحقيقية نحو النهضة الحضارية السليمة،وبغير ذلك فأن مشروع التغيير الحقيقي سوف يفشل من خلال استمرار حالة فقدان الوعي في الاختيار وانتشار ظواهر النفاق والكذب والسير كالاغنام وراء كل ناعق ينعق!.
لايتنافى تعليم الاطفال تلك المبادئ السليمة في التربية مع الاديان السماوية،بل هو تطبيق لاروع مبادئها وقيمها المغيبة وخاصة في احترام الانسان وخصوصياته والعمل على بناء القيم الفاضلة في المجتمع لغرض بناء اعظم حضارة يمكن للمرء ان يفتخر بها في ظل صراع الحضارات المستتر تحت مسميات مختلفة.
في الحالة الثانية وهي العمل على التغيير الحقيقي في ظل انظمة قمعية او شمولية،ففي الحقيقة العمل صعب بل ومحارب من قبل الجميع سواء الدولة او المجتمع الخائف من سطوتها او من خلال اللاوعي المسؤول عن افعاله،وهنا يمكن العمل على بناء نخب نموذجية من النشء الجديد وكل حسب قدراته،وكل حسب وظيفته،وطبعا الوظيفة الهامة هنا هي التعليم،من خلال تحرير الاطفال من كل القيود المفروضة عي تفكيرهم وتطلعاتهم المستقبلية نحو الحرية واحترام حقوق الانسان الاساسية،فعن طريق تلك النخب الحرة يمكن بناء قواعد شعبية حولها في المستقبل والذي سوف يؤدي ومن خلال العولمة ايضا الى تحرير قطاعات واسعة من الشعب من الخوف والنفاق والاستلاب الذاتي والعيش في كهوف الجهل والتخلف،وبالتأكيد سوف يؤدي ذلك الى حدوث تغيير فعلي قد ينهي سيطرة تلك النظم ومن يمثلها،او على الاقل يحجم مسؤولياتها الواسعة والغير محدودة.
من هنا تكمن اهمية الانطلاق من الاجيال الجديدة التي تعتبر ارض خصبة لكل الافكار والنظريات المختلفة،فلا ندع العابثون والمتخلفون وارباب السوابق الفكرية من الاستحواذ على تلك المناجم التي تنتج ذهبا لايقدر بثمن والذي يسمى بالانسان!...ان تعليم النشء الجديد على احترام الرأي والرأي الاخر، ونبذ التكفير والانغلاق الفكري واحكام العقل والمنطق في الاختيار،هي الوسيلة المثلى للقضاء على كل بؤر الفساد والانحراف في المجتمع سواء في الطبقات العليا او قاع المجتمع مرورا بطبقته الوسطى.
من خلال تلك النخب الجديدة يمكن لها من خلال امتلاكها الشجاعة الادبية والاخلاقية،من ان تقول للمستبد واعوانه في الطبقة العليا...قف! فقد حان وقوفك،ولامجال للسير في طريق وعر بنا!...تستطيع هذه النخب ان تقود ملايين المحطمين نحو الحرية والعدالة والمساواة،وان تقدم وبمنتهى الشجاعة قوافل الشهداء،ولاخوف من انقراضهم فالشعب الذي ينجب امثال هؤلاء لهو قادر بالفعل ان ينجب المزيد والمزيد،ولاحدود لذلك...
متى ما حصل التغيير فهو السبيل الوحيد نحو الانطلاقة الحقيقية لبناء حضارة انسانية حقيقية،وبغير ذلك فأن كل الاقوال والادعاءات تكون زائفة اذا ادعت ان البناء يمكن ان يقوم على نفس البناء الموجود سواء النظم الحاكمة الحالية،او حالة اللامبالاة وفقدان الوعي والعيش في الهامش الموجودة في شعوب العالم الثالث ومن ضمنها الشعوب العربية...ليست الحضارة الحقيقية في تخريج اكبر عدد ممكن من الخريجين او العمل على نشر الحرية الزائفة المبنية على التحرر من القيود الاخلاقية،او بناء اكبرعدد ممكن من المصانع ومصادر الانتاج الاخرى،فمعنى ذلك ان الانسان سوف يبقى كالعبد الذليل ولكن بياقة بيضاء تسر الناظرين ولكن في داخلها فراغ هائل من الجهل والتخلف والتعصب لافكار احيانا تكون في منتهى السخافة والضحالة ومخالفة لادنى قواعد العقل والمنطق،كلا! ليس ذلك هو التطور الحقيقي بل هو تطور زائف ويكاد يكون سهلا على ابسط الناس ان يراه ويلمسه من خلال وجود اعداد كبيرة من المتعلمين الذين لم يتجاوزوا سوى حاجز الامية الابجدية،بينما بقوا متقوقعين وخائفين من اجتياز حواجز الامية الثقافية والتقنية!!،والحضارة الحقيقية ليست في بناء كتل اسمنتية خالية من الروح الانسانية،بل الحضارة الحقيقية هى كتل روحية تنتج بصدق وتعمل من اجل غد افضل،ويمكن لنا مقياس بعض الدول العربية التي يكون دخل الفرد مرتفعا فيها من خلال انتاج النفط،ولكن رغم انتاجه منذ عقود طويلة من الزمن فأنها في حالة اعتماد عليه بدرجة انها سوف تنهار اقتصاديا اذا توقف الانتاج نهائيا!،بل يمكن رؤية الاتكال في العيش على الامم الاخرى!.
يمكن استعارة نماذج حية من الحضارة الانسانية المعاصرة في الدول الاخرى ولكن العمل يكون في تحويرها لكي تلائم البيئة الانسانية والطبيعية،والفروقات الانسانية بين الشعوب المختلفة ليست بدرجة كبيرة في مجال حقوق الانسان واحترام الحريات وسلوك الطريق الديمقراطي،بل العكس ان تلك المبادئ والقيم هي اساس مشترك وعظيم بين كافة الملل والنحل.
وفي الختام سوف نستعرض عدد من الامثلة الحية والتي وقعت في البلاد المختلفة،للاستدلال عن ان اكبر خرافة تسيطر على عقولنا فيما يتعلق بالرغبة في التغيير الحقيقي للمجتمعات الراكدة،في الاعتماد او تبني التغيير من خلال شرائح الطبقة الفوقية للمجتمع،فتلك هي خرافة قديمة يجب العمل على ازالتها من عقولنا المتعبة من معاناة قرون طويلة من الاستبداد ونتاجه القيم:الفساد! فاللص هو لص والمجرم هو مجرم والفاسد هو فاسد مهما لبس من ملابس جميلة ونظيفة مع تلميع للوجه القبيح وتزيين للاعمال الهمجية !...
من خلال تلك الامثلة والتي هي براهين كبرى،يمكن لكل اصحاب الرأي الحر والعقول النيرة،ان يعملوا بجد لانقاذ شعوبهم من خرافات واساطير كثيرة تعشعش في عقولهم وضمائرهم الميتة،ومن ابرز تلك الاساطير هي اسطورة التغيير الفوقي!...

زوبعة المستبدين الفارغة

زوبعة المستبدين الفارغة:
من الطبائع البشرية هو الاختلاف في الرأي،وهو ناتج من اختلاف كلي في التكوين البشري بالاضافة الى الوراثة والعادات والتقاليد والبيئة والمكان والزمان،وهي تؤثر كليا او جزئيا في تكوين الرأي الخاص بكل شيء لدى كل انسان.
ومن هذا المنطلق يتبين لنا انه من المستحيل بمكان ان تجتمع الاراء حول موضوع واحد مهما كان بسيطا،ورغم وجود اغلبية احيانا تتفق بوعي او بدونه الا انه يمكن ملاحظة الاراء المعارضة والتي يمكن وضع بعضا منها في خانة الاراء الشاذة والتي قد تكون احيانا صحيحة ويظهر ذلك بمرور الزمن الذي يجعل المراجعة التاريخية للمواقف اكثر صحة وصدق منها اثناء وقوعها بفضل التخلص من شباك التأثير المكاني والزماني الذي يؤثر بصورة هامة في تكوين الرأي الشخصي والذي بمجموعه يمكن ان نطلق عليه الرأي العام.
الاراء المختلفة حول موضوع معين يمكن ان نلاحظها في الكثير من القضايا وخاصة السياسية منها،الا ان الرأي المستند على دراسات وبحوث وبراهين موثقة هو الذي يكون الاكثر صوابا بغض النظر عن قبوله من عدمه.
ولذلك فأن الاراء المستندة الى رأي شخصي بدون براهين وادلة،يمكن وصفها بالضعيفة والغير مؤثرة،مهما كان حجم الشخص المتبني لها،وفي الغالب يكون لها تأثير كبير في صدورها من قبل اشخاص يتسلمون مسؤوليات واسعة في الدولة،ولكن من الناحية الواقعية لاقيمة لها امام البحث العلمي المحايد المستند الى قواعد واصول فكرية منطقية متشددة في قبول الفكرة،ومن ابرز تلك الامثلة التصريحين للملك الاردني عبد الله الثاني حول خطورة الهلال الشيعي على بلاده والمنطقة او تصريح الرئيس المصري حول تبعية وولاء الشيعة العرب الى ايران!..فهذين المثالين بارزين لنا في التأكيد على ان رأييهما لاقيمة لهما امام الواقع والمنطق والعقل المحايد،ولكن صدورهما من حاكمين عربيين يتمتعان بصلاحيات واسعة في بلديهما يمكن ان تثير الاعلام والذي يلعب بدوره في تكوين الرأي العام وخاصة في العالم العربي،وفي النهاية يمكن ان تتأثر بها اصحاب العقول الفارغة التي لا تستطيع التمييز بين الكلام الصحيح من عدمه،ولكن يبقى هناك نقطة هامة في ان صدور مثل تلك الاراء من اناس يستبعد منهم قول الحق واتباع العدل والمنطق هو حجة قوية لكل من يريد ان يرفض تلك الاراء الشاذة جملة وتفصيلا!...ومع ذلك لايمكن قبول تلك الاراء رغم صدورها من اعلى المستويات في البلدين،لانها لاتمثل الموقف الرسمي للبلدين.
الاراء المختلفة والتي تتعارض في الغالب مع الموقف الرسمي،لا تستمر طويلا بل هي في الغالب زوبعة في فنجان من خلال اثارة الرأي العام بواسطة وسائل الاعلام المختلفة،والسبب في كونها مؤقتة،لانها تعبير عن وجهة نظر شخصية او وجهة نظر مجموعة معينة ولها بالطبع الحرية في التعبير بالرغم من كونها تخرج في الكثير من الاحيان عن سياقاتها المعهودة،تختلف عن وجهة النظر الرسمية التي تمثل الحكومة،وبالتالي مهما كان الرأي الخارج من الشخص او المجموعة يبقى ضمن الصادر عنهم ولا يعبر عن وجهة النظر الرسمية التي تراعي في الغالب القواعد الدبلوماسية وحماية المصالح في الخارج،وبالتالي تحافظ على مستوى مقبول من العلاقات الجيدة مع دول العالم المختلفة.
وظاهرة التعبير عن الاراء والتي تخالف وجهة نظر الحكومة هي موجودة حتى في الدول الغربية التي تحكمها نظم ديمقراطية،بل وفي احيانا كثيرة يكون المصرح بها هو احد اعضاء الحكومة نفسها،ولكن يبقى الموقف الرسمي هو الغالب ولايـتأثر بذلك،ويمكن مراجعة الكثير من المواقف المتطرفة للمسؤولين الحكوميين سواء في الغرب او حتى في الانظمة الشيوعية السابقة خلال فترة الحقبة الباردة،والتي تنتهي في الغالب بالتصريح ان الموقف الرسمي يختلف،ومن ابرز الامثلة الدعوات بشن الحرب بين الطرفين بالضربة الاستباقية،او محاصرة الطرف الاخر اقتصاديا وغير ذلك.
ومن ابرز الدعوات الخارجة عن الموقف الرسمي مؤخرا هو تصريح ليفني وزيرة خارجية اسرائيل،حول ضرورة ترك فلسطينيي 1948 ارض اسرائيل الى الضفة والقطاع لانهم خطر مستقبلي على اسرائيل وانها دولة يهودية خالصة،وبالرغم من كونها عضوا في الحكومة الا انها لاتمثل وجهة النظر الرسمية التي بقيت بعيدة عن ذلك التصريح المتطرف،وهو نموذج من تصريحات الكثير من قادة اسرائيل التي تدعو الى محاربة العرب او طرد من تبقى منهم في ارض فلسطين او حتى الدعوة لبناء الدولة العبرية من الفرات الى النيل!.
زوبعة البحرين:
جائت تصريحات احد المسؤولين الايرانيين(الشيخ ناطق نوري)في محاضرة تاريخية ذكر فيها عائدية البحرين الى ايران في بداية شباط 2009،وبالرغم ان الموضوع هو محاضرة تاريخية ذكر فيها حقيقة ان البحرين كانت تابعة الى ايران بضعة قرون من الزمن الى ان سيطر عليها ال خليفة الحكام الحاليون ثم الاستعمار البريطاني،وظلت ايران خلالها تطالب بها،وجعلت في البرلمان الايراني نواب يمثلون البحرين،حتى اجراء الاستفتاء عام 1970 والذي قيل فيه ان الشعب اختار الاستقلال رغم التشكيك بنزاهة ذلك الاستفتاء،حيث توقفت ايران الشاه من المطالبة بجزر البحرين،وفي العام التالي استقلت البحرين عن بريطانيا.
منذ ذلك الحين بقي الموقف الرسمي الايراني ثابتا في الاعتراف بأستقلال البحرين واحترام سيادتها والتمثيل الدبلوماسي معها رغم فترات من سوء العلاقات بينهما وهو امر طبيعي بين دولتين متجاورتين.
الملفت للنظر هو بعد احداث غزة الاليمة،وانحدار المستوى الرسمي العربي لحد التواطئ في الهجوم او المشاركة في حصار الشعب الفلسطيني،والذي وصلت سمعة دول الاعتدال العربية وخاصة الرئيسية الثلاث مصر والسعودية والاردن الى الحضيض،واصبح رفض مواقف تلك الدول وخاصة في الازمة الاخيرة في غزة،مستوى غير مسبوق من جانب الشعوب العربية والرأي العام العالمي،
جاءت اراء الشيخ النوري الاخيرة بخصوص البحرين رغم انها تمثل رأيه الشخصي المستند على وقائع تاريخية،وقد تراجع ايضا عنها لاحقا،جاءت تلك الزوبعة بمثابة قارب نجاة لتلك الدول حسب ما تتمناه هي للخروج من تدهور شعبيتها الى تلك المستويات الغير مسبوقة رغم ان الموقف الرسمي الايراني هو مصرح عنه مسبقا في احترام سيادة البحرين والاستمرار في ذلك،وبالرغم من ان آراء غالبية البحارنة كما اطلعت عليها في الانترنت وبخاصة في موقع البي بي سي والذي يكاد يكون جامعا للاغلبية في ان اراء المسؤول الايراني هي فردية ولا اهمية لها،وبالتالي لايستدعي تلك الجعجعة الاعلامية الفارغة والتي اثارتها تلك الدول ووسائل اعلامها الرسمية،بل الغالبية العظمى رفضت تلك الطريقة الاقرب الى السخرية في ركض حكام ومسؤولي تلك الدول في زيارة البحرين وهم قبل شهر فقط رفضوا حضور قمة عربية طارئة لاجل غزة وتعرضها الى عدوان اسرائيلي مدمر!!...
لقد اصبح موقف تلك الانظمة مخزيا بعد تلك الزوبعة الفارغة في عقولهم الاستبدادية والتي حاولوا نقلها الى الرأي العام الذي هو بعيدا عنها في امور اكثر اهمية وخاصة في الواقع المعيشي او القضية الفلسطينية. بل جاء الرد الرسمي البحريني مع زيارة وزير خارجيتها الى ايران في الاعلان المشترك بأن دول مجاورة وسعت من المشكلة لغرض استغلالها بدلا من حلها او تجاهل رأي شخصي وحولتها الى زوبعة فارغة اثارت الجميع حول مدى ما وصلت اليه تلك الانظمة من انحدار اخلاقي مرفوض.
المهزلة المغربية:
وبعد ان هدأت العاصفة جاءت المهزلة المغربية في قطع العلاقات مع ايران لتبين ان النظام المغربي قد وصل الى مستويات اكبر من الانحدار نحو هاوية الحماقة الناشئة من استبداد فاسد لم يتغير برحيل الحسن الثاني قبل عقد من الزمن.
واسباب قطع العلاقات من التفاهة الى درجة تثير الضحك والبكاء في آن واحد!!
وذلك ان الاسباب حول البحرين هي واهية وهي بعيدة عن المغرب سواء جغرافيا او حتى في امور اخرى كثيرة!،بينما دول كثيرة اخرى اقرب للبحرين لم تفعل الخطوة المغربية الدالة على سفاهة لاحدود لها!!،بينما يتعامل المغرب مع عدد كبير من الدول التي تتقاطع مصالحها معه مثل اسبانيا وامريكا وبريطانيا وغيرها.
والسبب الاخر الاكثر غرابة ولا علاقة له بالسبب الاول! هو الادعاء بأن التبشير الشيعي بواسطة ايران يعمل على زعزعة ايمان المغاربة بالمذهب السني المالكي!! مع العلم ان ايران ليست لديها وسائل تبشيرية الا بحدود ثقافية محدودة جدا كما شاهدنا ذلك في الغرب،ونفقاتها لا توازي اقل من معشار ميزانية التبشير السعودية!وهي مخصصة في الغالب لدعم موقفها السياسي دون المذهبي كما لاحظنا علاقاتها مع الاسلاميين العرب الذين ينتمون في الغالب للمذهب الاخر،بل ان هنالك دول كثيرة ليست لديها علاقات مع ايران او لاتسمح لها بتاتا بالتبشير كون العلاقات محدودة!،ولكن الخوف من تشيع بضعة الاف وتجاهل اعتناق اعداد مضاعفة للدين المسيحي والمذاهب الوضعية الاخرى هو يجعل الغرابة من تلك الخطوة المشينة بادية في وجوه الجميع،خاصة ان تلك الخطوة تجعل افراد المذهب المالكي انفسهم امام تساؤل في كيف ان مذهبهم ضعيف وغير قادر على الصمود امام مذاهب اخرى حسب طريقة تعامل الحكومة او ادعائها،ولكن فات الحكومة المغربية ان ذلك سوف يثير الانتباه للمذهب الشيعي مما يؤدي الى دعاية مجانية له تعكس حالة الرغبة الانسانية في طلب ماهو ممنوع او محارب!.
ان الخطوة المغربية ليس لها اي تبرير منطقي سوى التأكيد ان النظام قد وصل الى مرحلة من الضعف والسفاهة حتى في التشكيك في سلامة عقيدة ابناء شعبه،ناهيك عن المواقف الرسمية المخجلة من غزة او اراضيها المحتلة من قبل اسبانيا!!...
والخلاصة ان تلك الزوابع الفارغة هي نتيجة لما قد وصل اليه عقول وتفكير هؤلاء المعتوهين الذين يحكمون عالمنا العربي...بل هو دليل قاطع على ان هؤلاء لايستطيعون ادارة شعوبهم حتى في توافه الامور من خلال محاولتهم الوضيعة المكشوفة في اشغالهم بزوابع لاقيمة لها سوى في عقولهم القاصرة!! فكيف الادارة اثناء فترات الازمات والنكبات الكبرى المختلفة!....

2009/03/09

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الثالث عشر

تكون الطبقات الفوقية للمجتمع والتي تتحكم بكافة قدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية،لن يتم خلال فترة زمنية قصيرة،بل خلال فترات زمنية تمتد لاجيال عديدة،كما ان دخول موجات بشرية جديدة ضمن تلك الشرائح لن يكون سهلا ابدا،فالباب ليس مفتوحا لكل من هب ودب! الا اذا كانت هنالك قوة جبارة تمتلك من القسوة والتدمير تدخل على خط المواجهة لتكسر ذلك الباب المقفل للولوج داخل مخابئه السرية العتيقة.
القوة الجبارة لن تأتي بالتأكيد بصورة ديمقراطية،بل عن طريق الثورات والانقلابات والاستيلاء على الحكم بكل الطرق السرية والعلنية،وعن طريق ذلك تدخل موجات بشرية جديدة تستولي على مقدرات الدولة وتصبح رغم انف ابناء الطبقات العليا الاخرى من زمرة اعضائها،وتبقى هنالك فترة طويلة من حالة الشك والريبة والعداء بين الاعضاء القدامى والجدد،ينتهي بتكون طبقي جديد قد يزيد عدد افراده وايضا قد يقل من خلال عملية طرد كبرى للقدامى الذين يفقدون مكانتهم من خلال التجديد القسري او من خلال الهروب بالاموال والانفس الى خارج البنية الجسدية للدولة من خلال الهجرة او النفي،وهذا يؤدي في النهاية الى الوصول الى نتيجة حتمية جديدة يمكن الاستدلال عليها وجعل نصب اعيننا حولها وهي:
ان الطبقة الفوقية هي تشكيل بشري غير متجانس يتغير بمرور الزمن ولكن يحتفظ بغالبية ملامحه وصفاته التي تميزه عن بقية طبقات المجتمع الاخرى.
عملية قبول الاعضاء الجدد تكون فيها ممانعة كبيرة اذا كان الاعضاء الجدد من وسط وضيع من قبيل الفقر والجهل والتخلف،وتخف درجة الرفض والممانعة اذا كانوا على درجة اعلى من التحضر والثقافة.
وتبقى صفات الكره والاهانة والتحقير حتى لو من خلال الهمسات السرية،توجه الى الاعضاء الجدد القادمين من الوسط الوضيع وبالخصوص الذين يمارسون استبدادهم بقسوة ووحشية،ويبقى الرفض سريا حتى تتغير الظروف الى موجات بشرية جديدة.
في حالة المجتمعات الاكثر انفتاحا وديمقراطية،تخف كثيرا تلك الحالات ولكن يبقى للمال والجاه سطوته العليا في توجيه الطبقات العليا ولو من خلال عملية سلمية تكون بطيئة جدا.
الترابط المشترك بين الطبقات الفوقية يتجلى في شغور وظائف الدولة العليا فيما بينهم،وخاصة للذين يمتلكون من المؤهلات التي تجعلهم يحصلون عليها بدون مشقة او معوقات روتينية تذكر،كما تواجه الافراد العاديون.
هذا التعاون المصيري المشترك يساعد على تحقيقه وجود الروابط الاسرية القوية من خلال شبكاتها المعقدة اومن خلال المصالح المادية المشتركة،وهو ايضا يقوي التحالفات الموجودة اصلا ولكن تبقى اسسها مهزوزة بفعل العوامل السياسية والاقتصادية المتغيرة بالدرجة الاولى،والعوامل الشخصية المبنية احيانا على الرغبة الشخصية الطامعة والطامحة والتي لا يكبح جماحها احد الا الموت!.
الدخول الى تلك الطبقات من خلال العلاقات الشخصية او العمل ليس سهلا بقدر النفوذ من خلال رأس المال المتجبر الجبان الذي يلين اكبر الرؤوس ويجعلها مطيعة ومرنة!.
الروابط بين الطبقات الفوقية احيانا يكون عرقي من خلال مجموعة بشرية بحد ذاتها او من خلال الانتساب الى مجموعة دينية معينة تنتسب الى دين بحد ذاته تجد من الصعب التنازل عن امتيازاتها المادية والروحية التي تتعارض مع المجموعات الدينية الاخرى،وايضا هنالك الانتساب الى طائفة معينة بحد ذاتها وبنفس الصفات السابقة تبذل الجهود في ضرورة الاستمرار في تفوقها النوعي على بقية مكونات المجتمع،كذلك هنالك الانتساب الى الاكثرية في المجتمع وبغض النظر عن ماهيتها،او الانتساب الى الاقلية وهو الاخطر لكونها دائما محتاجة الى الدعم الخارجي الذي يساعدها على الاستمرار في الحكم وبغض النظر عن مصلحة الوطن واستقلاليته التي تحاول ربطها بها،وتخوين كل من يحاول الخروج من وصايتها.
من خلال العرض السابق نستنتج ان الامم المحكومة بنظم مستبدة وبمختلف الالوان والاشكال،تنتظر شعوبها التغيير الجذري للتخلص من تراكمات ذلك الاستبداد المقيد للتطور والمعيق للمسيرة الانسانية وخلاصة عملها المتمثل في الحضارة الانسانية،والتغيير كما نعرف يأتي احيانا من الخارج والذي قد يصطدم مع المكونات المختلفة للشعوب وخاصة المتضررة من عملية التغيير،وتحدث معها عمليات عنف منظمة قد تتطور الى حرب اهلية،وبالتالي ليست هنالك قوى خارجية بما فيها القوى الكبرى الاستمرار في دعم جهود التغيير الجذري نظرا للكلفة الهائلة وخاصة في الارواح والنفقات العسكرية،مما يضطرها الى الانسحاب القسري تاركا البلاد التي تستعصي عليهم الى حال سبيلها،وتقع الكارثة هنا اذا لم يكن بديل قوي يسيطر على الاوضاع وينظم الامن ويخضع المتمردين والخارجين على القانون،وفي تلك الحالة سوف تكون الفوضى هي الصورة النهائية للبلد وسوف تغرق في حرب اهلية لا يعلم مداها الا الله سبحانه،كما هو موجود لدينا في افضل مثال على تلك الحالة،في الصومال التي انسحب التدخل الخارجي منها بعد ان دخل البلاد تحت ضغط دولي لتخليصها من الحرب الاهلية والمجاعة،فأنسحب منها عام 1993 تحت ضغط بعض الجماعات المسلحة وقد استمرت منذ ذلك الحين الحرب الاهلية والفوضى والمجاعة! وهنا يكمن الحل في ضرورة استمرار التدخل الخارجي حتى بناء قوة داخلية منضبطة تستطيع فرض الامن والاستقرار في البلاد كما حصل بعد ذلك في افغانستان والعراق،ورغم الثمن الباهظ للتدخل الخارجي والذي يكون مكروه في الغالب لدى عدد كبير من خلال النظرة اليه على انه انتهاك للسيادة والقانون الدولي وطريقة جديدة للاستعمار.
في الحقيقة احيانا يكون التدخل الخارجي ضرورة تحتمها الظروف الموضوعية للبلاد التي تعاني من فوضى ومجاعة،ولكن للتخلص من التدخل الخارجي ،ينبغي حدوث تغيير داخلي جذري،اما القول ان العيش في كنف الطغاة خير من التدخل الخارجي،فتلك خرافة لامعنى لها،فالتدخل الخارجي عاجلا ام آجلا سوف يخرج سواء منتصرا او مدحورا،بينما السكون المميت تحت النظم المستبدة،هو في الحقيقة ضياع البلاد والاجيال في متاهات الخوف والجهل والاستغلال والفساد،ومع الاستبداد ينتشر الكره والحقد والعنف الذي يحتاج الى جهود مضنية وزمن طويل للتخلص منه حتى يمكن زرع المبادئ الانسانية من جديد.
وللجميع وخاصة انصار التغيير الداخلي،يتحتم البحث عن صيغة لتخليص البلاد والعباد من تراكم الاستبداد،وفي هذه الحالة يتم عقد الامال على وجود الاحرار المنقذين من تلك الازمات،ولكن من اي جهة او طرف او طبقة من المجتمع؟!..هل من الطبقات العليا وهي التي استمرت حقب زمنية طويلة تسير على منهاج ثابت!،منهاج الاستئثار بالسلطة ولكن بأشكال متعددة،بل يمكن القول هنا انه احد اهم الازمات في البلاد والتي يتم عن طريقها تزويد النظام بما يحتاج من قيادات وكوادر رئيسية؟.
ام من خلال المتضررين والمنعزلين عن التلوث الحكومي والذين يكونوا في الغالب من الطبقات الوسطى والفقيرة،وخاصة اصحاب الكفاءات العليا سواء المعرفية او المهنية والذين حافظوا على نزاهتم وتعففهم في زمن الفساد المستشري؟.
الجواب بكل تأكيد هو الثاني ...بعد ان استعرضنا في تحليل مطول عن شرائح الطبقات الفوقية،والطبيعة الاجتماعية والتكوينية لها،وتوصلنا من خلال طرح امثلة مختصرة كما سوف نطرح امثلة تفصيلية ايضا،الى نتيجة انه هناك اسطورة في الحديث المتداول تسمى ...اسطورة التغييرالفوقي...وخرافة ناتجة من ضياع فترات زمنية من التطبيقات الخاطئة،والتي سببت حصول كوارث هائلة على مدار التاريخ الانساني،وبالتالي ضرورة التخلص من تراكمات تلك الاخطاء في المستقبل من خلال تنظيف العقول من ترسبات الافكار المنحرفة والتي اثبت الزمن والواقع مدى خطأها ومدى الانهيارات الكبرى التي حدثت لشعوب بأكملها وتستدعي الوقوف طويلا وبدراسة عميقة لاستنتاج افضل الافكار والنظريات الجديدة حتى يمكن ان نطبقها في المستقبل،ويخطيء من يقول انه ليس هنالك افكار ونظريات جديدة لحل المشاكل البشرية،بالعكس ان العقل البشري قادر على ابداع المزيد والمزيد من الافكار والنظريات الجديدة وخاصة اذا ظهرت مشاكل جديدة تواجه المجتمع البشري،فهل من المعقول ان تتولد مشاكل جديدة ولا يولد معها حلول جديدة؟!..وهل يقف العقل البشري فقط عند توليد المشاكل ولايقف عن توليد الحلول ؟!...الجواب بكل تأكيد كلا...

قرأت لك - الكتاب السادس

قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(6)
الاغتيال في التاريخ الاسلامي:
لم يمنع ظهور الاسلام في الحياة العامة لدى العرب من ممارسة كل مايخالف الفطرة الانسانية من شر ورذائل،رغم الدعوة الصريحة والتشدد في التحريم،فقد عاد العرب الى سيرتهم الاولية كبقية الشعوب الاخرى بعد رحيل النبي الاعظم(ص)،واختف من المسرح السياسي تأثير التعاليم الاسلامية بفضل الصراع الدموي على الحكم والذي انتهى بسيطرة الطلقاء عليه،مما ادى الى عودة العصبية القبلية وكل المفاسد الى الحياة الاجتماعية،بالرغم من وجود الفقهاء والصلحاء الا ان دورهم كان بعيدا عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب قوة السلطة الغاشمة التي تسير وفق مصالحها بدون ادنى اهتمام لمصالح الامة.
من اكثر الوسائل دموية هي عمليات الاغتيال السياسي ضد المعارضين والثائرين،وكانت احد اشد الصفحات دموية في التاريخ الاسلامي المليء بالثورات والمعارضين لنظم الاستبداد المتسترة برداء الدين والحق الالهي الكاذب في الحكم.
الكتاب السادس
الاغتيالات في الاسلام
اغتيال الصحابة والتابعين
تأليف:حسن عبد الله
الكتاب:يتألف من 147ص من القطع الصغير،في طبعة 2006 في بيروت\لبنان،والورق من النوع الخشن.
الكتاب يسرد محاولات اغتيال الرسول محمد(ص)بالاضافة الى 25 شخصية من الصحابة والتابعين،ولكن بصورة مختصرة جدا دون ان يشرح دوافع الاغتيال او الحكم على الطرفين،بل يتجنب ذكر ذلك،ويقتصر على تجميع المعلومات من المصادر التاريخية،ولكن دون ذكر لتلك المصادر،كما لايوجد اي تعريف بالمؤلف وسيرته الذاتية،والكثير من الكتب على نفس هذا النمط من التجاهل او الاختصار الشديد الذي يجعل المتن مجرد تجميع معلوماتي خالص وخال من التحليل والنقد والشرح،والذي يحتاج الى جهد فكري وصبر وتأمل حتى يمكن ان يخرج الى النور،وهو ليس يسيرا لكل من يحاول كتابة كتاب تاريخي يستعرض فيه مواضيع ذات اهمية بالغة قد تكون موجودة في وقتنا الحاضر ولكن بتغيير الوجوده فقط!.
اسم الكتاب،كبير وغير دال على المتن!،فالاغتيالات في الاسلام يعني شرح وتعليق وذكر للاغتيال في المنهج الاسلامي وقد يكون التاريخ من ضمنها،ولكن على الاكثر هو لايتضمنها،لسبب ان التاريخ شيء بما فيه من مساوئ ومحاسن والدين شيء آخر والذي يتضمن العلوم والاداب الناشئة منه،والتي يجعل الشعوب متأثرة بها وخاصة في تكوين شخصيتها الدالة على تمسكها به،اما التاريخ ومنه الاسلامي فهو سيرة اقوام وامم يكون الاسلام دينهم،ولكن قد تقترب سيرتهم او تبتعد عنه،ولذلك كان الاجدر بالكاتب ان يجعل اسم الكتاب هو الاغتيالات في التاريخ الاسلامي وليس في الاسلام الذي يحارب كل شر ورذيلة بما فيها الاغتيال.
موضوع الكتاب هو قيم بلا شك ولكن حجم الكتاب والسرد المذكور فيه لايجعله كافيا لاشباع نهم المعرفة التاريخية.
وعندما يذكر وفاة الخليفة الاول ابا بكر والمشهور انه وفاة طبيعية،ينسبها لمصادر اخرى الى الاغتيال عن طريق السم مع صديقه الطبيب الحارث بن كلدة،ولكن لايذكر من المتسبب بهكذا عملية خطيرة،بل ولا يذكر ماذا فعل الناس بالقاتل الذي كان قد دعاهما الى وليمة لتناول الطعام معه!! وكان عليه البحث والاستقصاء لذكر الحقيقة،حتى يخرج كتابه بشيء هام لنا على الاقل يمكن ان يشار اليه فيما بعد!.
وعند ذكر اغتيال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على يد ابو لؤلؤة المجوسي،يذكر بصورة مختصرة الدافع دون ان يشرحه لنا،وهو حسب قوله انه لم ينصفه من دفع المال الى المغيرة بن شعبة الذي كان مولاه،وهذه احد اهم الاعمال الغير اخلاقية التي كان يمارسها العرب رغم معارضة الاسلام لها،وهي ان يتولى احد العرب حماية الموالي وهم من الشعوب الغير عربية والتي يكون اغلبها قد دخل الاسلام اقتناعا او طمعا،وفي الحالتين يجب ان يكون لهم نفس حقوق المسلم العربي،ولكن طبائع الجاهلية شيء والاسلام شيء آخر،وفي النهاية نجد لحد الان من يصنف المغيرة بن شعبة وهو نموذج بارز للانحراف عن كل المبادئ والقيم الاسلامية والاخلاقية،يصنفه كصحابي ويترحم عليه وهو الذي يسرق جهود الاخرين ويزني ويقتل ويخون ويسير بغير هداية الاسلام وتعاليمه!...
لقد كان الدافع لقتل الخليفة الثاني هو قويا رغم ان الاغتيال كعمل هو مناف لكل الاديان والاخلاق،ولكن هنالك عملية الانتقام الرهيبة التي مارسها ابنه عبيد الله الذي قتل ابنة ابي لؤلؤة الصغيرة بدون ذنب!كما قتل كل من وقع بيده في الطريق من الموالين الابرياء وهم مسلمون،ولم يعاقبه الخليفة الثالث عثمان!وبقي حرا رغم مطالبة الامام علي(ع) بالقصاص منه،مما ادى الى هروبه الى معاوية والقتال الى جانبه!.
يذكر لنا الكثير من اعمال اغتيال معاوية للصحابة والتابعين،حتى وصفها ذات مرة عمرو بن العاص بأن لله جنودا من عسل!!ومازال الكثيرين لحد الان يترحمون عليهما رغم ان لهما من الموبقات ما يشيب لها الرأس!!..وقد قتل الفقيه والمحدث النسائي من جراء تندره على طلب اتباع الامويين في دمشق رغم سقوط دولتهم منذ قرن على يد العباسيين،حول وضع كتاب عن فضائل معاوية الاموي!.
بأعتقادي ان غالبية المسلمين يحتاجون الى ثورة عقلية تنفض الكثير من الرواسب التي تجعل العقل مقيداومتناقض في داخله حتى في ابسط الامور العقلية والنقلية،ومن ضمن الرواسب هي التقديس لاناس لايستحقون سوى وضعهم في زنازين التاريخ المظلمة،فكل انسان عاقل ومحايد اذا رأى عملا مشينا من انسان بسيط الان،سوف يلعنه ويزجره ويطرده ويذله ويعمل كل ما في وسعه لانزال اشد العقوبات عليه،ولكن عندما نأتي الى تاريخنا الاسلامي والمليئ بالصفحات السوداء،فأن الوضع يختلف،فالتقديس الفارغ يفرض على الجميع وضع لاصق اسود على العين حتى لاترى او تسمع الحقيقة مهما كانت مرة،بينما نذكر وبشيء من الفخر قول الرسول(ص)حول اسباب تدهور اليهود الاخلاقي ان الشريف اذا زنا او سرق لا يقيمون الحد عليه،بينما هو مقام على البسطاء،ثم يكمل الرسول حديثه ان فاطمة بنت محمد وهي اقرب الناس اليه لو سرقت لقطع يدها،وهو حكم صريح وواضح ان صاحب الخطأ يجب ان يعاقب مهما كانت دوافعه او نسبه او تاريخه،والدعوة عامة لكل صاحب فكر حر او يدعي ذلك ان يجعل عقله حرا ولا يكبله بقيود التاريخ السوداء.
يذكر المؤلف عددا من المغدورين البعيدين عن صفة الصحابة والتابعية،ولكن شهرة اغتيالهم هي التي تفرض عليه ذكرهم هنا.
نسبة كبيرة من المغدورين قد جرى اغتيالهم عن طريق وضع السم في الطعام وقد اشتهر منهم الامام الحسن(ع) ومالك الاشتر(رض)والامام ابو حنيفة،وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وغيرهم،ولكنه اهمل ذكر مشاهير آخرين استشهدوا على يد السلطتين الاموية والعباسية واذكر من المشاهير الامامين الكاظم وابنه الامام الرضا(ع)وكذلك اغتيال عدد من الخلفاء الامويين والعباسيين امثال الهادي العباسي ومروان الجعدي وغيرهم.
عمليات الاغتيال مستمرة منذ بدء الخليقة وهي تعبير منحط للنزاع والتخاصم حول الكثير من الموارد سواء المادية وبخاصة الحكم،او المعنوية كأختلاف بالرأي مثل اغتيال تروتسكي على يد ستالين عام 1940.ومن اشهر الحكام العرب المستبدين الذين مارسوا الاغتيال كوسيلة للقضاء على الخصوم في الداخل والخارج،هو الديكتاتور المقبور صدام الذي لم يترك زميلا او خصما الا واغتاله او حاول اغتياله،ومن كثرة عددهم لاتوجد احصائية لهم!...
اذكر حادثة مروية في الستينات من القرن الماضي قرأتها منذ زمن بعيد،حدثت في باريس حيث زار احد زعماء المعارضة في البرلمان البريطاني،فرنسا فما كان من السفير البريطاني الا ان دعاه الى وليمة في فندق مشهور في باريس،وصادف اثناء تناولهما الطعام معا وهما يتضاحكان،ان نزل من المصعد احد زعماء المعارضة في احد البلدان العربية وهو محاط بعدد من المسلحين لحمايته من محاولات الاغتيال التي قد يمارسها ضده نظام بلده،ومع الاسف الشديد فقط نجحت مخابرات بلده الارهابية في قتله بعد بضع سنين رغم الحماية المشددة عليه!!...تأمل بين المثالين المثيرين للحزن والالم على تاريخنا الاسود!.
في الختام الكتاب مختصر جدا ومعلوماته مستمدة من كتب التاريخ ولكن دون ذكر مصدرها،ودون ان تكون هنالك تحليلات او تعليقات او حتى هوامش يمكن ان تفيد القارئ،بالرغم من ان الموضوع من الاتساع والوفرة في وجود المصادر ما يشيب لها الرأس من الاهوال والاحزان المذكورة فيها.....

2009/03/06

حصانة زائفة

حصانة زائفة:
بعد اصدارالمحكمة الجنائية الدولية في 4\3\2009 مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير،بعد طلب المدعي العام اوكامبو ذلك في 14\7\2008م،تكون العدالة الانسانية قد حققت جزءا يسيرا منها على ظهر هذا الكوكب،وسوف يصبح مستقبلا، كل انسان مهما كان منصبه معرضا للمسائلة القانونية اذا اتهم بأي تهمة كانت ومن قبل اي جهة سواء كان داخل الحكم او خارجه...
لاحصانة زائفة للملوك والرؤساء والوزراء والمسؤولين....
فهم من نفس طينتنا،ويجب ان يكون الديكتاتور البشير هو البداية في اعتقال كل المجرمين المتسترين بلباس الحكم الزائف....
نرى بأشمئزاز رؤية الحكام والمسؤولين العرب وكيف يدافعون وبمختلف الاعذار الواهية عن نسخة منهم يطالب الضحايا والاحرار بمحاكمته!!...
ونرى بعض الجماهير المغفلة تدافع عنه....
ونرى وسائل الاعلام تطبل له....
والجميع ينسى ملايين الضحايا الابرياء!!...
قبل يومنا هذا كان كل حاكم بمنئى عن المسائلة والمحاسبة في النظم المختلفة ماعدا الانظمة الديمقراطية الحرة بالطبع...ولكن بعد هذا اليوم يمكن ان نستبشر بلا!....
وكم من الجرائم ارتكبت بحق ملايين البشر،ولم نشاهد من ارتكبوها،يتم اعتقاله او محاكمته الا نادرا،بل مازال البعض منهم مقدس ومحترم رغم رحيله عن العالم منذ فترة طويلة جدا!!!!.....
الكثير من الطواغيت المستبدين قتلوا وعذبوا ملايين البشر ورحلوا عن العالم دون ان يحاكموا على جرائمهم مثل ستالين وماوتسي تونغ وبول بوت وجنكيزخان وهولاكو...
وفي تاريخنا الاسلامي الكثير من هذه النماذج واذكر منهم يزيد وعبد الملك بن مروان والحجاج والمنصور والرشيد والمتوكل وغيرهم...
ومازال البعض يقدس طواغيت مثل معاوية واتاتورك وعبد الناصر وتيتو!!...
لا ادري بأي مشاعر انسانية يمكن ان نصافح او نزور او نؤيد انسان مهما كان منصبه او فكره وهو بيده او بيد اعوانه يقتل ويعذب البشر وبأعداد كبيرة دون ان يرف له جفن او يهتز له ضميره الانساني....
في عالمنا هذا تهمل القيم والمبادئ وكل معاني الانسانية في سبيل مجموعة من الجهلة المتحكمين في واقعنا....ولو كان انسان بسيط يعمل ادنى خطأ لقامت القيامة عليه...ولكن للمال والجاه سطوة لاحدود لها!!..
تحيا العدالة الانسانية....وليسقط الظالمين المجرمين...ايا كان!....

2009/03/02

جلسة بحثية

جلسة بحثية:مشكلة اجتماعية كبرى
دعيت اليوم 1\3\2009 لحضور ندوة بحثية،قام بها باحث يتبع منظمة غير حكومية تعنى بالمجتمع وصحته،وكانت عن موضوع المقامرة ومخاطره،وكانت موثقة ببحوث ميدانية واحصائيات شاملة تدعم الافكار والنظريات الواردة فيه.
تلك الندوات والملتقيات تدعمها الحكومة،وتقيمها مختلف منظمات المجتمع المدني،ويصاحبها عادة توزيع منشورات بحثية واشياء اخرى من قبيل وجبات الطعام،بغية جلب اكبر عدد من المشاهدين للاشتراك في تلك الندوات والملتقيات لرفع المستوى الثقافي في المجتمع الاسترالي.
المقامرة بأنواعها المختلفة،هو خطر كبير على المجتمع،ورغم فسح المجال له الا ان الحكومات تسعى جاهدة للتحذير منه،وتخفيف معاناة المدمنين وخاصة الذين يصل بهم الحال الى تدمير اسرهم،او قد يودي بهم الحال الى الانتحار.
المطبوعات الموزعة في حقيبة ورقية انيقة،باللغة العربية وفيها معلومات تفصيلية بالاضافة الى خط تلفوني مجاني لطلب المساعدة،او الاستشارة.
والمشاكل التي تأتي من وراء المقامرة كثيرة جدا،ولا تدمر صاحبها فقط،وانما كل المحيطين به،وفي البحث يقرر المشاكل هي:
عاطفيا:عندما ينتشر الكذب والشعور بالعزلة والوحدة.
ماليا:تؤدي الى صعوبات مالية جمة.
العمل:يتدهور الاداء في العمل.
الاسرة:تؤثر كثيرا على العلاقة مع الشريك والاطفال.
الحياة الاجتماعية:لايكون لديهم الوقت للمخالطة الاجتماعية،ويكونوا خاسرين للاصدقاء.
المشاكل القانونية:تؤدي الى السرقة والاختلاس وغيرها.
والمقامرة قد تكون بألعاب الماكينات الالكترونية،او اليانصيب،او المراهنات،او اللعب بالورق،او المراهنات العقارية والمالية،وغيرها...
ورغم محاولات العديد من الحكومات منع وحاربة المقامرة،الا ان الفشل يكون في النهاية مصير جهدها بسبب كون الرغبة الذاتية لدى الكثيرين تولد حافز قوي للمشاركة حتى لو في اماكن بعيدة او بصورة غير قانونية.
ومن خلال استخدام منهج البحث العلمي في نتائج الربح والخسارة من خلال استخدام علم الاحتمالات الرياضي،تكون النتائج مروعة لان احتمالية الربح جدا ضئيلة،وقد تصل الى 1\10000000،وبالتالي حتى بعد ذلك يأتي برمجة الماكينات مثلا فتكون النسبة ادنى بكثير!! ومع هذا يشترك الناس في اللعب ولاغراض مختلفة،ومنها محاولة التمتع بالوقت! حيث يشعر البعض بالسعادة من جراء ذلك،او الرغبة بالمشاركة الاجتماعية للاخرين،او لتمضية وقت الفراغ،او البعض يتمنى ان تدر عليه اموالا كثيرة!!... ويساعد على فعل ذلك وجود كل وسائل الترفيه والترغيب للمشاركة في المقامرة.
ومن خلال البحث تم التوصل الى نتائج مروعة!...ومنها ان 70-90%من البالغين يقامرون بالوسائل السابقة مرة واحدة على الاقل فما فوق في العام!!.
40% من البالغين يقامرون مرة في الاسبوع!.
60% من البالغين يقامرون ببطاقات اليانصيب مرة في العام على الاقل!.
35% من البالغين يقامرون في مكائن القمار الالكترونية.
ومن ادخال منهج البحث الاحتمالي يمكن الاستنتاج الى ان 1 الى 13 مليون من الحظ يمكن الربح الكبير!...بينما 1 الى 52 الف من الحظ يمكن للربح الصغير.
الحلول المقترحة:
الدعوة الى فهم المشكلة بصورة موضوعية واعتبار الشخص المدمن هو مريض يحتاج الى عناية.
دعم الشخص وعائلته والوقوف معهم من خلال السيطرة على المقامر،وهي حالة ليست سهلة كما شخصتها بنفسي عند رعايتي لمصابين،وتحتاج الى صبر شديد وتحمل اذى في سبيل الانقاذ.
العمل على تأسيس منظمات مدنية تعنى بهم.
كذلك بناء الكثير من المراكز المختلفة لشغل فراغ الشباب وكبار السن ايضا.
وعدم عزل المقامرين عن المجتمع او رفضهم،فهو مسبب للكثير من المشاكل التي تؤدي الى انعزالهم بعد توقفهم عن فعل ذلك.
البحث كان تفصيليا وقد قدمت هنا زبدة الافكار الواردة فيه،وعموما نتمنى ان لايقع الجميع في تلك المشكلة العالمية والتي سببت كوارث كبرى على كافة الصعد للعديد من الناس،كذلك نتمنى ان يخرج منها كل مشترك فيها وان يبذل اقصى جهده لمنع ذاته من الانزلاق مرة اخرى،والوقوف على قدميه مرة اخرى،واشغال النفس بكل ماهو مفيد.
هذا بالاضافة الى رفض الاديان السماوية الى هذا الفعل المشين،ومحاربتها له بكافة الوسائل نظرا الى كوارثها الاتية منها،وهو فعل يدل على عظمة الخالق جل وعلى ورغبته ان يكون البشر في افضل حال دوما،ولكن هل يستجيب معظمنا للنداءات الربانية؟!....