إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/03/15

زوبعة المستبدين الفارغة

زوبعة المستبدين الفارغة:
من الطبائع البشرية هو الاختلاف في الرأي،وهو ناتج من اختلاف كلي في التكوين البشري بالاضافة الى الوراثة والعادات والتقاليد والبيئة والمكان والزمان،وهي تؤثر كليا او جزئيا في تكوين الرأي الخاص بكل شيء لدى كل انسان.
ومن هذا المنطلق يتبين لنا انه من المستحيل بمكان ان تجتمع الاراء حول موضوع واحد مهما كان بسيطا،ورغم وجود اغلبية احيانا تتفق بوعي او بدونه الا انه يمكن ملاحظة الاراء المعارضة والتي يمكن وضع بعضا منها في خانة الاراء الشاذة والتي قد تكون احيانا صحيحة ويظهر ذلك بمرور الزمن الذي يجعل المراجعة التاريخية للمواقف اكثر صحة وصدق منها اثناء وقوعها بفضل التخلص من شباك التأثير المكاني والزماني الذي يؤثر بصورة هامة في تكوين الرأي الشخصي والذي بمجموعه يمكن ان نطلق عليه الرأي العام.
الاراء المختلفة حول موضوع معين يمكن ان نلاحظها في الكثير من القضايا وخاصة السياسية منها،الا ان الرأي المستند على دراسات وبحوث وبراهين موثقة هو الذي يكون الاكثر صوابا بغض النظر عن قبوله من عدمه.
ولذلك فأن الاراء المستندة الى رأي شخصي بدون براهين وادلة،يمكن وصفها بالضعيفة والغير مؤثرة،مهما كان حجم الشخص المتبني لها،وفي الغالب يكون لها تأثير كبير في صدورها من قبل اشخاص يتسلمون مسؤوليات واسعة في الدولة،ولكن من الناحية الواقعية لاقيمة لها امام البحث العلمي المحايد المستند الى قواعد واصول فكرية منطقية متشددة في قبول الفكرة،ومن ابرز تلك الامثلة التصريحين للملك الاردني عبد الله الثاني حول خطورة الهلال الشيعي على بلاده والمنطقة او تصريح الرئيس المصري حول تبعية وولاء الشيعة العرب الى ايران!..فهذين المثالين بارزين لنا في التأكيد على ان رأييهما لاقيمة لهما امام الواقع والمنطق والعقل المحايد،ولكن صدورهما من حاكمين عربيين يتمتعان بصلاحيات واسعة في بلديهما يمكن ان تثير الاعلام والذي يلعب بدوره في تكوين الرأي العام وخاصة في العالم العربي،وفي النهاية يمكن ان تتأثر بها اصحاب العقول الفارغة التي لا تستطيع التمييز بين الكلام الصحيح من عدمه،ولكن يبقى هناك نقطة هامة في ان صدور مثل تلك الاراء من اناس يستبعد منهم قول الحق واتباع العدل والمنطق هو حجة قوية لكل من يريد ان يرفض تلك الاراء الشاذة جملة وتفصيلا!...ومع ذلك لايمكن قبول تلك الاراء رغم صدورها من اعلى المستويات في البلدين،لانها لاتمثل الموقف الرسمي للبلدين.
الاراء المختلفة والتي تتعارض في الغالب مع الموقف الرسمي،لا تستمر طويلا بل هي في الغالب زوبعة في فنجان من خلال اثارة الرأي العام بواسطة وسائل الاعلام المختلفة،والسبب في كونها مؤقتة،لانها تعبير عن وجهة نظر شخصية او وجهة نظر مجموعة معينة ولها بالطبع الحرية في التعبير بالرغم من كونها تخرج في الكثير من الاحيان عن سياقاتها المعهودة،تختلف عن وجهة النظر الرسمية التي تمثل الحكومة،وبالتالي مهما كان الرأي الخارج من الشخص او المجموعة يبقى ضمن الصادر عنهم ولا يعبر عن وجهة النظر الرسمية التي تراعي في الغالب القواعد الدبلوماسية وحماية المصالح في الخارج،وبالتالي تحافظ على مستوى مقبول من العلاقات الجيدة مع دول العالم المختلفة.
وظاهرة التعبير عن الاراء والتي تخالف وجهة نظر الحكومة هي موجودة حتى في الدول الغربية التي تحكمها نظم ديمقراطية،بل وفي احيانا كثيرة يكون المصرح بها هو احد اعضاء الحكومة نفسها،ولكن يبقى الموقف الرسمي هو الغالب ولايـتأثر بذلك،ويمكن مراجعة الكثير من المواقف المتطرفة للمسؤولين الحكوميين سواء في الغرب او حتى في الانظمة الشيوعية السابقة خلال فترة الحقبة الباردة،والتي تنتهي في الغالب بالتصريح ان الموقف الرسمي يختلف،ومن ابرز الامثلة الدعوات بشن الحرب بين الطرفين بالضربة الاستباقية،او محاصرة الطرف الاخر اقتصاديا وغير ذلك.
ومن ابرز الدعوات الخارجة عن الموقف الرسمي مؤخرا هو تصريح ليفني وزيرة خارجية اسرائيل،حول ضرورة ترك فلسطينيي 1948 ارض اسرائيل الى الضفة والقطاع لانهم خطر مستقبلي على اسرائيل وانها دولة يهودية خالصة،وبالرغم من كونها عضوا في الحكومة الا انها لاتمثل وجهة النظر الرسمية التي بقيت بعيدة عن ذلك التصريح المتطرف،وهو نموذج من تصريحات الكثير من قادة اسرائيل التي تدعو الى محاربة العرب او طرد من تبقى منهم في ارض فلسطين او حتى الدعوة لبناء الدولة العبرية من الفرات الى النيل!.
زوبعة البحرين:
جائت تصريحات احد المسؤولين الايرانيين(الشيخ ناطق نوري)في محاضرة تاريخية ذكر فيها عائدية البحرين الى ايران في بداية شباط 2009،وبالرغم ان الموضوع هو محاضرة تاريخية ذكر فيها حقيقة ان البحرين كانت تابعة الى ايران بضعة قرون من الزمن الى ان سيطر عليها ال خليفة الحكام الحاليون ثم الاستعمار البريطاني،وظلت ايران خلالها تطالب بها،وجعلت في البرلمان الايراني نواب يمثلون البحرين،حتى اجراء الاستفتاء عام 1970 والذي قيل فيه ان الشعب اختار الاستقلال رغم التشكيك بنزاهة ذلك الاستفتاء،حيث توقفت ايران الشاه من المطالبة بجزر البحرين،وفي العام التالي استقلت البحرين عن بريطانيا.
منذ ذلك الحين بقي الموقف الرسمي الايراني ثابتا في الاعتراف بأستقلال البحرين واحترام سيادتها والتمثيل الدبلوماسي معها رغم فترات من سوء العلاقات بينهما وهو امر طبيعي بين دولتين متجاورتين.
الملفت للنظر هو بعد احداث غزة الاليمة،وانحدار المستوى الرسمي العربي لحد التواطئ في الهجوم او المشاركة في حصار الشعب الفلسطيني،والذي وصلت سمعة دول الاعتدال العربية وخاصة الرئيسية الثلاث مصر والسعودية والاردن الى الحضيض،واصبح رفض مواقف تلك الدول وخاصة في الازمة الاخيرة في غزة،مستوى غير مسبوق من جانب الشعوب العربية والرأي العام العالمي،
جاءت اراء الشيخ النوري الاخيرة بخصوص البحرين رغم انها تمثل رأيه الشخصي المستند على وقائع تاريخية،وقد تراجع ايضا عنها لاحقا،جاءت تلك الزوبعة بمثابة قارب نجاة لتلك الدول حسب ما تتمناه هي للخروج من تدهور شعبيتها الى تلك المستويات الغير مسبوقة رغم ان الموقف الرسمي الايراني هو مصرح عنه مسبقا في احترام سيادة البحرين والاستمرار في ذلك،وبالرغم من ان آراء غالبية البحارنة كما اطلعت عليها في الانترنت وبخاصة في موقع البي بي سي والذي يكاد يكون جامعا للاغلبية في ان اراء المسؤول الايراني هي فردية ولا اهمية لها،وبالتالي لايستدعي تلك الجعجعة الاعلامية الفارغة والتي اثارتها تلك الدول ووسائل اعلامها الرسمية،بل الغالبية العظمى رفضت تلك الطريقة الاقرب الى السخرية في ركض حكام ومسؤولي تلك الدول في زيارة البحرين وهم قبل شهر فقط رفضوا حضور قمة عربية طارئة لاجل غزة وتعرضها الى عدوان اسرائيلي مدمر!!...
لقد اصبح موقف تلك الانظمة مخزيا بعد تلك الزوبعة الفارغة في عقولهم الاستبدادية والتي حاولوا نقلها الى الرأي العام الذي هو بعيدا عنها في امور اكثر اهمية وخاصة في الواقع المعيشي او القضية الفلسطينية. بل جاء الرد الرسمي البحريني مع زيارة وزير خارجيتها الى ايران في الاعلان المشترك بأن دول مجاورة وسعت من المشكلة لغرض استغلالها بدلا من حلها او تجاهل رأي شخصي وحولتها الى زوبعة فارغة اثارت الجميع حول مدى ما وصلت اليه تلك الانظمة من انحدار اخلاقي مرفوض.
المهزلة المغربية:
وبعد ان هدأت العاصفة جاءت المهزلة المغربية في قطع العلاقات مع ايران لتبين ان النظام المغربي قد وصل الى مستويات اكبر من الانحدار نحو هاوية الحماقة الناشئة من استبداد فاسد لم يتغير برحيل الحسن الثاني قبل عقد من الزمن.
واسباب قطع العلاقات من التفاهة الى درجة تثير الضحك والبكاء في آن واحد!!
وذلك ان الاسباب حول البحرين هي واهية وهي بعيدة عن المغرب سواء جغرافيا او حتى في امور اخرى كثيرة!،بينما دول كثيرة اخرى اقرب للبحرين لم تفعل الخطوة المغربية الدالة على سفاهة لاحدود لها!!،بينما يتعامل المغرب مع عدد كبير من الدول التي تتقاطع مصالحها معه مثل اسبانيا وامريكا وبريطانيا وغيرها.
والسبب الاخر الاكثر غرابة ولا علاقة له بالسبب الاول! هو الادعاء بأن التبشير الشيعي بواسطة ايران يعمل على زعزعة ايمان المغاربة بالمذهب السني المالكي!! مع العلم ان ايران ليست لديها وسائل تبشيرية الا بحدود ثقافية محدودة جدا كما شاهدنا ذلك في الغرب،ونفقاتها لا توازي اقل من معشار ميزانية التبشير السعودية!وهي مخصصة في الغالب لدعم موقفها السياسي دون المذهبي كما لاحظنا علاقاتها مع الاسلاميين العرب الذين ينتمون في الغالب للمذهب الاخر،بل ان هنالك دول كثيرة ليست لديها علاقات مع ايران او لاتسمح لها بتاتا بالتبشير كون العلاقات محدودة!،ولكن الخوف من تشيع بضعة الاف وتجاهل اعتناق اعداد مضاعفة للدين المسيحي والمذاهب الوضعية الاخرى هو يجعل الغرابة من تلك الخطوة المشينة بادية في وجوه الجميع،خاصة ان تلك الخطوة تجعل افراد المذهب المالكي انفسهم امام تساؤل في كيف ان مذهبهم ضعيف وغير قادر على الصمود امام مذاهب اخرى حسب طريقة تعامل الحكومة او ادعائها،ولكن فات الحكومة المغربية ان ذلك سوف يثير الانتباه للمذهب الشيعي مما يؤدي الى دعاية مجانية له تعكس حالة الرغبة الانسانية في طلب ماهو ممنوع او محارب!.
ان الخطوة المغربية ليس لها اي تبرير منطقي سوى التأكيد ان النظام قد وصل الى مرحلة من الضعف والسفاهة حتى في التشكيك في سلامة عقيدة ابناء شعبه،ناهيك عن المواقف الرسمية المخجلة من غزة او اراضيها المحتلة من قبل اسبانيا!!...
والخلاصة ان تلك الزوابع الفارغة هي نتيجة لما قد وصل اليه عقول وتفكير هؤلاء المعتوهين الذين يحكمون عالمنا العربي...بل هو دليل قاطع على ان هؤلاء لايستطيعون ادارة شعوبهم حتى في توافه الامور من خلال محاولتهم الوضيعة المكشوفة في اشغالهم بزوابع لاقيمة لها سوى في عقولهم القاصرة!! فكيف الادارة اثناء فترات الازمات والنكبات الكبرى المختلفة!....

ليست هناك تعليقات: