إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/03/30

اسس البنية التحليلية:السياسة نموذجا -الحلقة الثامنة

اسس البنية التحليلية
اسس البنية التحليلية:السياسة نموذجا -الحلقة الثامنة
وايضا في حالة الثورات والتي تكون حالة الهيجان في اعلى مراحلها مما يجعل السيطرة على المشاعر والاحاسيس والتي تطبق على ارض الواقع،من خلال مقارنة الاحداث التي جرت اثناء وبعد الثورات الكبرى في التاريخ من قبيل الثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الروسية عام 1917.
انه امر صعب امام العقلاء واصحاب الرأي والقرار ان يخالفوا الشارع الثائر والناجح في ثورته التي تخرج غالبا عن طريقها المرسوم،ولذلك نرى ان عملية التحليل من جانب جهات بعيدة عن مراكز النزاعات للاحداث الجارية في بلاد اخرى تخضع لظروف قاسية من قبيل الحروب والثورات هي اكثر صوابية ودقة من اصحاب المشكلة او المتأثرين بها،وهنا يجب الابتعاد عن حالة الاستهانة بالاخرين لكون تحليلهم ضعيفا او قاصرا عن حل المشكلات العالقة لان حالة الانسان في اوقات الازمات خاصة التي يتم تحجيم الحريات فيها تختلف كثيرا عن اوقات الراحة والحرية والهدوء التي يعيشها والتي تساعده على ابداء الرأي لتحليل الاوضاع وطرح الحلول...
ليس شرطا ان يكون الزمن دائما في جانب المتأخر الزمني! بمعنى ان ليس من الضروري ان تكون جودة التحليل اقوى في زماننا من الماضي بسبب كون الماضي ايضا حاويا لعقول جبارة قيمت الامور وفق اطر ابداعية ولكن قد تكون الظروف غير ملائمة لها في طرح الاسباب والحلول الممكنة او انهم سابقين لزمانهم! ولذلك نرى ان الكثيرين من الكتاب والمفكرين كانت لهم آراء في غاية العمق والقوة والدقة في زمانهم بينما نرى الكثيرين في الوقت الحاضر تكون ارائهم في غاية الضعف والضحالة بل سخافة لامبرر لها والناتجة من اسباب شتى بحيث يكون انعدام استفادتهم من العامل الزمني واضحا وبمثابة اطلاق صفة الجهل والتخلف عليهم لان هذا العامل مهم جدا في حالة الاثارة والتقييم!...
اما العنصر الثاني،وهو المكان...ولا نقصد به المكان الجغرافي الخارج عن سيادة الحدود الدولية،بل هو المكان في داخل البلد نفسه من خلال الاماكن العامة والخاصة وتأثيرهما على الحالة العامة للتحليل...
لا شك في ان المراكز الاكاديمية العالية تكون بمثابة الخزانات البشرية القادرة على التحليل من مصادره الرئيسية المعروفة لان المستوى التعليمي والمعرفي يكون اعلى عندهم من غيرهم وبالتالي يكون الاعتماد الرئيسي عليهم من خلال استشارتهم في مختلف القضايا او منحهم الحق بالتحليل وفق ما توصلوا اليه من خلال امتلاكهم لقدرات معرفية كاملة ...ولكن مع الاسف الشديد فأن النمو الكمي في اعداد المنتسبين للدراسات الاكاديمية رافقه نمو سلبي في الكيف،بمعنى ان القدرات المعرفية للفرد الحالي اصبحت اضعف بكثير من الماضي! بينما المفروض ان يكون الواجب العلمي هو ان القدرات المعرفية المتراكمة يجب ان تكون عامل ايجابي وليس سلبي في بناء القدرات الفردية والتي استفادت احيانا من التطور التكنولوجي في خلق مجال افضل من الرفاهية والفراغ لدى الفرد...ويعود السبب الرئيسي الى الاهمال الشديد من كلا الطرفين سواء من قبل تلك المؤسسات او الافراد ولاسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا! ولذلك نرى المستوى الهزيل في البناء المعرفي وخاصة من ناحية الثقافة الخارجية التي تعطي للفرد قدرات اضافية بلا شك وتساعد على بناء الشخصية وتطويرها بما يخدم اغراضها النظرية والعملية لان المعرفة الاكاديمية تبقى قاصرة عن منح الفرد القدرة الكاملة للتطور والتحليل لان الدوافع الذاتية تبقى اكثر فعالية وتأثير على الفرد من الدوافع الخارجية عليه والمتمثلة بالواجب التعليمي الذي هو اشبه بحالة التجنيد العسكري الاجباري الذي يشمل جميع الشبان القادرين على حمل السلاح مما يعني وجود اعداد كبيرة بينهم غير قادرة او راضية عن العمل العسكري! بينما تكون الحالة اكثر ايجابية وانفتاح في حالة التطوع التي يتم اختيار الشخص الراغب من خلال توفر الصفات والرغبات المطلوبة مما يعني وجود عنصر قوي قادر على الدفاع افضل بكثير من العنصر المجند! ولذلك نرى ان غالبية الدول الان قد الغت عملية التجنيد الاجباري ولا ترجع اليها الا في حالة الضرورة القصوى لانعدام الكفاءة فيها!...
اذا فأن المستوى الفكري والتعليمي للكوادر القديمة هي افضل بكثير من الكوادر الحالية الا في حالة العلوم والتكنولوجيا التقنية والتي تطورت من خلال التراكم العلمي نفسه!...
المستويات التعليمية والثقافية لطبقات المجتمع تظهر نتائجها من رؤية طرق التفكيروالتحليل،وهي تختلف بالطبع بأختلاف الطبقات والمستوى الثقافي للفرد نفسه،وقد نرى احيانا اناس بسطاء في المعيشة او لم يحصلوا على قدر كاف من التعليم ولكن لديهم القدرة التحليلية الهائلة والتي يكون مصدرها اما وراثيا او من خلال البيئة او الموهبة الفطرية او المكتسبة!...وعموما فأن امثال هؤلاء هو اقلية تثير الانتباه ولكن منسية وغير قادرة على اثبات نفسها في المجتمع...
مراكز ومؤسسات المجتمع هي احدى الاماكن الهامة التي ترفد الانسان بالقدرات الضرورية لعملية التحليل،من قبيل الاشتراك في المنتديات الثقافية والالتزام في الحضور او المشاركة في الجمعيات الثقافية او الدينية او السياسية او الانتماء الى الاحزاب والمنظمات السياسية التي تقوم بعملية تثقيف كبير لمنتسبيها بغية توعيتهم وتعبئتهم فكريا لمواجهة الخصوم مما يعني ان لها تأثيرا ايجابيا بالرغم من سلبيات الاتباع الذي يدافعون بشدة عن فئاتهم بدون وعي او نقد ذاتي!...
من ابرز الاماكن الشعبية والتي تكون محل اهتمام الجميع،هي المقاهي بكافة انواعها وان كانت الاهمية بالطبع تعطى للمقاهي الثقافية التي يتواجد المثقفون فيها للتسلية والترفيه او لتدارس الامور،وحينها يمكن للانسان البسيط الحضور والاستفادة بدون تعصب من خلال وجود اصحاب الرأي والخبرة والذين يقومون بأبداء آرائهم المختلفة حول كافة القضايا خاصة التي تتعلق بأختصاصاتهم العلمية او الادبية...لقد لعبت المقاهي دورا كبيرا في بناء القدرات الفردية من خلال الاحتكاك المباشر مع اصحاب الفكر والرأي والذين هم في الغالب يكونوا منشغلين في معاركهم الادبية مثلا مع آخرين من الخصوم في ساحات النزاع وهي المقاهي الشعبية! وقد استطاعت بعض المقاهي ان تبني لنفسها شهرة محلية او عالمية من خلال بروز العديدين فيها من الزوار واصبح من النادر ان نجد بلدا ما بدون المقاهي التي تنتشر فيها الافكار والاراء والطروحات الميدانية ولذلك نرى عن بعض الاحزاب قد نشأ من داخل بعض المقاهي! ...وفي الحقيقة ان اللجوء للمقاهي الثقافية كان بسبب عدم وجود مؤسسات آخرى تقوم بتجميع الناس وبخاصة الطبقة المثقفة فيها مع منحهم الحرية الكاملة في التعبير لذلك أخذت المقاهي دور تلك المؤسسات وان كان من سلبياتها انها تضم العاطلين عن العمل والكسولين الغير جادين في بناء حياتهم من جديد!...ومع هذا فأن الدور الايجابي واضحا بلا شك بل ان بعض الثورات بدأت شرارتها من خلال تواجد الثوار في بعض المقاهي او وجود اجتماعاتهم فيها!... وكذلك فأن ابداع الكثيرين من الكتاب والمفكرين والادباء كان يبدأ من المقاهي وقد تجلى ذلك في عدد كبير من النتاجات الادبية المشهورة، فحالة التلاقح بين ادمغة البشر في تلك الاماكن يساعد كثيرا على ولادة ابداعات رائعة الجمال ...
وهنالك اماكن اقل اهمية تدعى الدواوين او المضايف وهي تنتشر في شبه الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام،وقد اشتهر لبعض الادباء او السياسيين بل وحتى رجال الدين بأن لهم تلك الاماكن التي هي اماكن لانتاج الافكار من خلال المناقشات الحرة الناتجة من مزج عقول الداخلين فيها مع استبعاد كامل لمجالس اللهو والطرب المنتشرة والتي تفوق في عددها الاماكن الثقافية!...
المكان الاخير الذي يمكن الاشارة اليه والغريب بالطبع!...هي السجون والمعتقلات الجنائية والسياسية! لانها تجمعات من بشر ناقمين على الدولة والمجتمع ومن مختلف الطبقات ومعبرين عن ذلك السخط احيانا بأعمال جنائية او تمرد سياسي! ولذلك وصفت السجون والمعتقلات وخاصة في الدول الاستبدادية والتي تعتقل الكثير من الابرياء من اصحاب الفكر والرأي،بأنها جامعات لتخريج الثوريين!...فليس غريبا ان نرى ان هنالك الكثيرين من القادة والساسة هم من خريجي تلك المراكز التأديبية الوحشية! والتي اصبحت مراكز للتثقيف والتعليم لكونها اماكن لمراجعة الذات ومحاسبتها او اعادة بناء الذات لمواجهة الدولة والمجتمع من جديد!،ولذلك فأن بعض الطغاة ومن خريجي السجون قد انتبهوا لتلك الظاهرة وخطورتها عليهم من خلال توليد اشخاص جدد قادرين على تهديدهم فاستفادوا من تجاربهم معها كثيرا مما ادى الى قيامهم بأعمال اجرامية من خلال قتل اكبر عدد ممكن او تدمير شخصية السجناء ومسخها من خلال ممارسة اقصى انواع التعذيب النفسي او الجسدي!...وكان من ابرز الطغاة الذين استفادوا من تلك التجربة هو ستالين ثم تلاميذه النجباء في العالم العربي !...فمن خلال توفر الفراغ هناك مع وجود اشخاص يمتازون بأمتلاكهم لثقافة عالية او روحا ثورية ناضجة،تكون الاستفادة في اعلى مراحلها من خلال المناقشات الحادة التي تحدث بين المجموعات المعتقلة بشرط تجاهل الدولة للامر وتوفيرها المواد الخام(المواد المطبوعة والمرئية) لبناء العقول الجديدة القادرة على التمييز من خلال الاستعانة بقدرات المدرسين المعتقلين!...
اذا للمكان والزمان تاثيران كبيران على بناء القدرة الفردية للتحليل السياسي ويظهر التأثير من خلال النتائج العملية الصادرة والتي تتكون من مجموعة من العوامل والمصادر المختلفة التي لا ينبغي اهمالها!...

اسس البنية التحليلية:السياسة نموذجا -الحلقة السابعة

اسس البنية التحليلية
اسس البنية التحليلية:السياسة نموذجا -الحلقة السابعة
الزمان والمكان واثرهما:
كما هو معروف فأن للزمان والمكان اثرهما الفعال في تكوين البنية التحليلية بصورة عامة وهي ناتجة من التراكم الموجود بفعل التطور الحضاري الانساني المستمر،وايضا بسبب تاثيرات المكان من خلال المكونات الثقافية والموروثات البيئية والتي لها تأثيرا بارزا في العملية التحليلية برمتها وخاصة في المجال السياسي...
ولكن كيف يكون للزمان تاثيره في العملية التحليلية؟!...
في الحقيقة ان الزمن عامل مهم في بناء البنية التحليلية وليس فقط في حالة الماضي بل ايضا في الوقت الحاضر للبنية التحليلية...ففي الحالة الاولى فأن التحليل السياسي سوف يناسب عقول الناس في وقت حدوثه،بمعنى ان عملية التحليل السياسي في السابق هي اقل مستوى بكثير من الوقت الحاضر والذي سوف يكون اقل مستوى بالتأكيد من المستقبل!...اذا نحن في داخل عملية تراكم معرفي سوف تؤثر في البنية التحليلية وتساهم في تطورها بفعل الخبرات الزمنية والافكار العلمية الجديدة...ولذلك نرى ان عملية التقييم للاحداث التاريخية هي تتجدد بأستمرار وتصبح اكثر ثراءا من خلال التقدم المستمر في العلوم المختلفة،بحيث نرى ان قراءة الحدث التاريخي تختلف بأختلاف الازمنة وتأثيراتها الجانبية وللتبسيط اكثر نقرأ الاحداث التاريخية بطريقة اكثر موضوعية وعمقا من السابق الذي يقرأها ايضا وحسب المستوى العلمي الموجود آنذاك،فعلى سبيل المثال الثورات التي حدثت في العالم الاسلامي او في اوروبا،فأن القراءة الحالية لها تكون مختلفة الى حد كبير من القراءة السابقة والتي تكون في اضعف حالاتها عند وقوع الحدث نفسه! لان الحالة النفسية للانسان مع خضوع اللاوعي للاحداث والبيئة وغيرها من العوامل الاخرى،تجعل من الصعوبة عليه ان يقوم بعملية تحليل منطقية وموضوعية لاستحالة الحياد او انعدام التأثر التي لها تأثير بارز على عملية التكوين التحليلي،ولذلك فأن القراءة للماضي من وجهة نظر حالية هو افضل بكثير من القراءة السابقة خاصة مع وجود قراءات متعددة خلال الفترة الواصلة بين الحدث نفسه وبين الزمن الحالي،والتي تفيد قراءة الحدث من وجهة نظر جديدة،ولكن يبرز امامنا سؤال محرج وهو هل يمكن الاستهانة بعقول الماضيين او من عاش الحدث نفسه؟!! لكوننا اكثر تطورا منهم ...وللجواب يمكن القول ان الانسان في المستقبل سوف تكون له نفس التساؤل والاجابة الحالية عنا سواء سلبية او ايجابية!...ولذلك فأن الاستهانة خطأ كبير لا يمكن تبريره ولكن يمكن القول ان القراءة الهادئة ومن خلال استخدام ارقى واعمق الوسائل النظرية المتاحة هي تكون في المستقبل لكون عملية الاستفادة اكثر وايضا الخروج من دائرة التأثير الكلي الى دائرة التأثير الجزئي والمتمثلة بالموروثات والتي يخضع لها الانسان الحالي بدون مناقشة لها او تمحيص لمصادرها ونتائجها ولكنها تضعف بمرور الزمن!...
لكن مع التأثير المهم للزمن فهل يمكن رؤية مخاطر على العملية التحليلية من المؤثرات الناتجة منه؟!...
الجواب:نعم ايضا للزمن الحالي سلبيات وبالرغم من وجود كافة الوسائل المتقدمة من خلال وجود مؤثرات قوية عليه تتمثل في الحالة الجمعية للشعوب،بمعنى ابسط هو ان الحالة النفسية والمادية للشعب يجب ان تكون في اعلى درجة من الهدوء والراحة! لان في الانعدام او الضعف تظهر تأثيراتهما السلبية على التحليل السياسي برمته...فمثلا ان حالة الحروب والنزاعات والتي تخضع فيها المجتمعات الى اجراءات تحد من حرية الفرد والمجتمع وخضوع الجميع الى عملية قذرة تسمى بغسيل الادمغة والتي هي خضوع الفرد مع مسخ شخصيته الاستقلالية الحرة من خلال الاعلام الموجه سواء اكان حكومي او معارض ! مع وصول عملية التأثر السلبي المزدوج من الحروب والعنف الى داخل النفوس مما يؤثر على نفسية الفرد بل يدمر كل انسانيتها سواء كليا او جزئيا والتي تظهر في تحليلاته المنطقية الفاقدة لجوهر الموضوعية المستندة غالبا على شرط الهدوء بغية البحث عن حلول جذرية للمسائل المتنازع عليها والتي لا تأتي من خلال البحث في ظروف العصبية والتعب النفسي وانعدام التوازن ولذلك نرى ان الانظمة والشعوب التي تخوض نزاعات كبرى مع الاخرين تكون النتائج السلبية ظاهرة للعيان من خلال ردود الفعل في حالة الوعي او بدونه من خلال صدور القرارات او البحث في مصادر المشكلة او تحليلها بغية الوصول الى نتائج عملية لحلها وتجنب الاخطاء مستقبلا في حالة حدوث نفس المشكلة ووفق ظروف مماثلة...
مثال محرج: هنالك بالتأكيد امثلة عديدة اذا تم استعراض التاريخ،ولكن نذكر هنا مثالا محرجا دالا على فقدان الوعي الجمعي لشعوب بأكملها الا لزمرة قليلة تكون مع الاسف الشديد شاذة في وقتها بالرغم من قوة ادلتها العقلية والنقدية! ولكن تتعاظم بطريقة مثيرة مع تطور الزمن لتصبح الفئة الشاذة هي الغالبة والفئة السابقة الغالبة هي شاذة في المستقبل مما يضعنا امام حقيقة مثالية وهي انه لا ثبات للمواقف والافكار والرؤى في حالة السيادة على الساحة فقد تتغير مع تغير الظروف وقد تثبت ايضا! وحسب الموقف والظرف.
المثال هو: اثناء حرب 1967 بين الدول العربية واسرائيل،نلاحظ ان شعوب الدول المهزومة عسكريا وهي مصر وسوريا والاردن لم تطالب بمحاكمة المسؤولين المباشرين عن تلك الهزيمة العسكرية المخزية من دولة صغيرة الحجم لثلاث بلاد اكبر منها ومدعومة من قبل بلاد عربية اخرى ايضا!... بينما عادة في الدول ذات الحكم الديمقراطي والتي تتعرض الى اي مآساة قومية مثل الحروب او حتى النكبات الطبيعية فأن اللجان التحقيقية والمحاسبة تأخذ دورها وتعطى لها الصلاحيات الواسعة ويكون جميع المسؤولين خاضعين لاجراءاتها وولذلك نرى ان اخطاء صغيرة قد تسقط حكومات قوية في دلالة واضحة على مدى قوة الوعي والثقافة والشجاعة لدى القوى الشعبية بالاضافة الى توفر الشجاعة الادبية في الخضوع للقانون واحترامه مما يدل على وجود بقايا وطنية لمن يتعرض الى اتهام فقدانها من لدى مرتكبي تلك الاخطاء!...ومن الامثلة على ذلك اسرائيل نفسها فبعد حرب 1973 وهزيمتها الجزئية فيها،فقد تبعها اجراء محاكمات ولجان تحقيقية للمسؤولين عن تلك الحرب وظروف اندلاعها وهي تسببت في نهاية مداولاتها في سقوط الكثيرين مما يعني ان الوعي في تحمل المسؤولية سوف يزداد امام الحكام الجدد بسبب عدم الرغبة في الوقوع في نفس الاخطاء والاثبات بالتمسك بالثوابت الوطنية وهذا ادى الى تحسن كبير في اداء الحكومات الاسرائيلية بعد تلك الحرب بغض النظر عن الرأي في ذلك الاداء...بينما في المقابل العربي تطور الامر الى شيء فريد من نوعه وهو قيام الرئيس المصري عبد الناصر بتقديم استقالته اثناء الحرب واعلانه تحمله المسؤولية المباشرة للهزيمة النكراء ولا ندري مدى صدقية ذلك فهي خاضعة لتأويلات عديدة اغلبها يبعد الصدقية!،وفي المقابل فأن رد الشعب المنهوك خرج بطريقة اثارت انتباه الكثيرين من البلاد المحكومة بنظم حرة، الى الشوارع بطريقة تهيج جمعي فظيعة ودالة على فقدان القدرة على التوازن والعمل وفق المنهج النقدي المعروف في ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن تلك الهزيمة المنكرة وتقديمهم لمحاكمات عادلة تخلص البلاد منهم وممن سوف يتبعهم في المستقبل ويحاول العمل بنفس الطريقة والاسلوب في الحكم!...ولذلك عندما رأينا اعداد غفيرة من الناس تخرج مطالبة الرئيس بالعدول على الاستقالة وكأن البلاد ليس فيها من هو قادر على تحمل المسؤولية مما يعني ان الهزيمة الداخلية كانت موجودة قبل ان تكون هنالك هزيمة خارجية!ثم راينا بطريقة المسرحية الهزلية كيف عاد عبد الناصر عن استقالته فورا وبدئه بمحاسبة رفاقه بعد تحميلهم المسؤولية المباشرة للهزيمة!...لقد كان الخروج عن رأي اغلبية الشارع بمثابة الخيانة الوطنية حينذاك! ولكن مع ذلك فأن عدد كبير من الطبقة المثقفة الحرة جاهرت برأيها بضرورة التغيير والمحاسبة ثم اخذت اعداد اضافية تعبر عن آرائها الحقيقية ولكن بعد وفاة عبد الناصر عام 1970! مما يعني ان الخوف بقي بالرغم من شدة الهزيمة كامنا في النفوس التي فضلت البقاء على قيد الحياة ذليلة على ان تجاهر برفض الهزيمة والخيانة!...كان من الصعب جدا ان يخرج العقلاء واصحاب الفكر من دائرة التأثير والهيجان الزماني والمكاني حينذاك ولكن الان الظروف تغيرت بالرغم من التمسك غير المنطقي والعقلاني لدى البعض في دعم سلوك الرافضين للتغيير والمحاسبة! اما الان فأن الظرف الزمني تخلص من تأثيرات تلك المرحلة واصبح النقد اكبر للحالة الواقعية بحيث اصبح مقاربا للنقد الغربي في مفاجأته من ان شعب منكوب يطالب بعودة زعيمه الديكتاتور المهزوم والمتسبب ليس فقط للهزيمة العسكرية بل لاغلبية المشاكل التي حاصرت البلاد قبلها وخاصة من الناحية الاقتصادية او من ناحية الرعب الامني!.
ان عدم وجود محاسبة نقدية ادى الى تكرار نفس الاخطاء في مصر لان انعدام المحاسبة معناه ليس فقط تكرار للاخطاء بل تشجيعا عليها دون الخوف من المستقبل والعقاب لان كارثة بحجم نكبة 1967 لم تستطع تنبيه الشعب من الغفلة فكيف تكون النكبات الصغيرة التالية لها؟!...انه لامر مرعب بلا شك ولا يخص مصر وحدها بل اغلبية شعوب العالم العربي،بل وبعض بلاد العالم الثالث!...

2010/03/25

موسوعة المختار من الاخبار:7

موسوعة المختار من الاخبار
موسوعة المختار من الاخبار:7
7- الازهر بين الاستقلالية والتبعية:موسوعة المختار من الاخبار
موسوعة المختار من الاخبار:7
7- الازهر بين الاستقلالية والتبعية:
بعد رحيل شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي في 10 آذار(مارس)2010 ،انتظر الجميع قرار الرئيس المصري لتعيين شيخنا جديدا خلفا له !...وبعد بضعة ايام اختير الدكتور احمد الطيب شيخا جديدا وهو احد اعضاء الحزب الوطني الحاكم ويلبس اللباس المدني الذي بدله فورا بعد التعيين! دون ان ينزع موالاته للحزب الحاكم فبقي مصرا في الانتماء اليه وكونه لا يتعارض مع منصب شيخ الازهر وكأن للتغيير الشكلي اهمية اعلى من التغيير الجذري ولقبه الجديد الان هو الامام الاكبر!!...
في الحقيقة ان ذلك يمثل مهزلة من المهازل التي وصل اليها الانحطاط الحضاري العربي في كل مكان،لان الازهر مازال يمثل اعلى مرجعية دينية لدى السنة في العالم برغم منافسة المؤسسة الدينية السعودية له،بالاضافة الى شهرته العلمية وتاريخه العريق،يتم اختصاره بتلك الطريقة والاستهانة به وسلب كل حرية واستقلالية من خلال تعيين شخص ينتمي لحزب الرئيس ثم يمنح له اعلى المناصب مع لقب الامام الاكبر والذي هو بدون كلمة الاكبر يمثل الهدف الاسمى والاصعب للفقهاء للوصول اليه بجدارة عن طريق حيازة الاعلمية والتقوى ورغم ذلك لا يصل اليه احد الا نادرا فكيف بتلك الزائدة الغريبة الدالة على زعامة كل الائمة الحاليين! ...وهل يمكن منح تلك الالقاب اذا تنازلنا قليلا عن منح المناصب الدينية من اشخاص هم بعيدون كل البعد عن صفات الدين والتقوى والنزاهة كمثل الحكام المسلمين الذين لا يصلون الى مناصبهم الا بالوسائل الغير شرعية؟!...حتى الفاتيكان مستقل عن الحكومات في اختيار الحبر الاعظم! فلماذا لا يتم الاختيار بحسب الاعلمية والتقوى والزهد كما هو متعارف لدى الشيعة او بالانتخاب السري المستقل كما هو يحدث لدى مؤسسة الفاتيكان الكاثوليكية؟!...
سلب الاستقلالية عن كل مؤسسة دينية هو معناه تابعيتها المذلة الى الحكومات المتغيرة وبالتالي سلب لشرعيتها ولدورها المطلوب الذي يتعارض غالبا مع سياسات الحكومات!ولذلك اعترف الجميع بضعف دور الازهر منذ عقود طويلة بعد ان كان له تأثيرا بارزا في العالم الاسلامي...
منذ ان اسس الفاطميون مدينة القاهرة وجامعتها الدينية المسماة بالازهر قبل الف عام، وهو يمارس وظيفته العلمية والدينية من خلال تدريس مختلف العلوم وفق مختلف المذاهب الاسلامية،الا ان اول سلب لاستقلاليته وتقييده وتحويله الى مؤسسة تابعة كان في عهد صلاح الدين الايوبي الذي قضى على دولة الفاطميين وجعل الدراسة في الازهر محصورة في المذاهب السنية الاربعة وبالخصوص المذهبين الحنفي والشافعي!...كان هذا التدخل هو بداية تحويل الازهر الى مؤسسة حكومية توجه وتدار وبالتالي سلب لحرية التفكير والتطوير الذاتي وهو ما اضعف دورها نتيجة لضعف مستواها،وبالرغم من ذلك فأن الازهر واصل رسالته الدينية لقرون عديدة خصوصا ايام العهود المظلمة وحاول منتسبوه ان تكون لهم درجة ولو محدودة من الاستقلالية والتي تمنحهم الحرية في الاختيار وقوة الارادة والتي كان ابرز مصاديقها الوقوف بحزم ضد بعض الحكام المنحرفين وضد الغزو الاستعماري للدول الاسلامية وبخاصة مصر والمحافظة على اللغة العربية وآدابها...
نهاية الاستقلالية المحدودة:
 بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر عام 1952 صدرت قوانين تقيد حركة المجتمع ومؤسساته المختلفة وتجعلها تحت رعاية وتحكم الدولة!... ففي عام 1961 صدرت قرارات التأميم وقرارات اعادة تنظيم الازهر والتي من بينها تعيين شيخ الازهر وبقية مسؤولي تلك المؤسسة الدينية من خلال حصرها ضمن صلاحية الرئيس! مما يعني ألغاء كل استقلالية والتي هي المصدر الرئيسي للشرعية وتحويل الجميع الى موظفين عاديين بالرغم من بعض الشكليات مثل اطلاق الالقاب الدينية الرنانة والتي تطلق جزافا وكأنها مكرمات من الحاكم المستبد! على الرغم من انها اصبحت بلا قيمة حقيقية مادام الجميع موظفون ينتظرون معاشاتهم الشهرية وعلاواتهم السنوية!...
واذا القينا نظرة سريعة على القيادة الدينية للازهر منذ عام 1961 لوجدنا سلوكها المخزي في تابعيتها العمياء لكل حاكم مهما اختلفت آيديولوجيته! مما يعني ان مصطلح وعاظ السلاطين ينطبق اكثر عليهم!...فالحكم الدموي المرعب لعبد الناصر وحروبه المتكررة واعدامه وتعذيبه لعشرات الالوف من التيارات الاسلامية وغير الاسلامية وخاصة اعدام بعض المفكرين مثل سيد قطب!لم نجد موقفا قويا للازهر ضده بالرغم من ان الواجب الديني والاخلاقي والانساني والوطني يستوجب التحرك حتى لاجل تسجيل موقف مشرف يحفظ لهم بقايا ماء الوجه وقد يحافظ على بعض الارواح البريئة!...
وبعد رحيل عبد الناصر ومجي السادات الذي كان حكمه على النقيض من سلفه،فأن الازهر بقية تابعا له الى درجة تبرير كافة مشاريعه السياسية ومنها معاهدة كامب ديفيد وبطريقة مخجلة!...ثم بعد اغتيال السادات عام 1981 ومجيء نائبه حسني مبارك فأن درجة التبعية ازدادت حدتها،فبالرغم من طول الفترة الزمنية وكثرة تبدل وجوه القيادات الدينية للازهر الا انه بقي تابعا الى درجة اصبح دوره ضعيفا في داخل مصر وخارجها بل واصبح محل انتقاد للكثيرين حتى من الناس البسطاء خاصة في سلوك شيخ الازهر السابق الذي اتقن دوره في تبرير افعال الحكومة الى ابعد ما يكون حتى وصل الامر الى قضايا تكون فيه التبعية العمياء عارا مابعده عار!...
الان مع مجيء هذا الشيخ الجديد العضو في الحزب الحاكم! فأن الطريق اصبح ممهدا أكثر لابن الرئيس لكي يرث الحكم بمباركة المؤسسة الدينية الفاقدة للشرعية والاستقلالية ! كما ان حالة التناقض العجيبة في كون الامام الاكبر رجلا دينيا وحزبيا في نفس الوقت فأنه يكمل طريق اسلافه في التبعية للحاكم بغض النظر عن سلوكه المشين ولكن بأسلوب جديد! مما يعني سلب روح الدين الاسلامي وتعاليمه السامية في التقوى والزهد والاخلاص للدين واستقلاليته التي تجعله يحافظ على حرية وكرامة الانسان المسلم.
اذا انحدر سلوك المؤسسات الدينية وقياداتها فأن سلوك المجتمع سوف ينحدر الى مستوى وضيع ويكون الطريق ممهدا لكافة التيارات المتطرفة او المنحرفة لكي تعبث بالمجتمع بعد ان ضعفت مناعته الذاتية والمكتسبة المتمثلة بالمؤسسات الدينية التي لا تخاف في الله لومة لائم...فأي تابعية معناه ضعف في الشرعية وتدهور القيم وتحويل الدين الى اداة طيعة بيد الحكام الذين لا يتورعون عن ارتكاب المعاصي في سبيل البقاء لاطول فترة في الحكم!...
كما انه سلب لدين وعلم وكرامة عالم الدين الذي ينبغي ان يقف بشجاعة مع الحق في اي مكان وزمان لا ان يكون دوره محصورا في تبرير الناحية الشرعية لاعمال الاخرين!... تلك هي رسالة الدين الحقيقية حتى لا يحصل لنا ما حصل للغرب من ابعاد قسري لرجال الدين ومؤسساتهم عن الدولة والمجتمع بعد ان سلبوا جوهرها الحقيقي لخدمة الانسانية وتقويم سلوكها وفق المبادئ والقيم السماوية الرفيعة مما ادى الى تفريغ الحضارة الغربية من اية روح وجعلها مادية بحتة تنحدر الى مستويات فظيعة من الانحلال والتفكك بالرغم من حلول بعض القيم الانسانية الجديدة ولكن تبقى خاضعة لتربية الفرد وثقافته ومزاجيته!...لا ادري متى يكون الاعتبار من التاريخ ومن تجارب الاخرين!...   

بعد رحيل شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي في 10 آذار(مارس)2010 ،انتظر الجميع قرار الرئيس المصري لتعيين شيخنا جديدا خلفا له !...وبعد بضعة ايام اختير الدكتور احمد الطيب شيخا جديدا وهو احد اعضاء الحزب الوطني الحاكم ويلبس اللباس المدني الذي بدله فورا بعد التعيين! دون ان ينزع موالاته للحزب الحاكم فبقي مصرا في الانتماء اليه وكونه لا يتعارض مع منصب شيخ الازهر وكأن للتغيير الشكلي اهمية اعلى من التغيير الجذري ولقبه الجديد الان هو الامام الاكبر!!...
في الحقيقة ان ذلك يمثل مهزلة من المهازل التي وصل اليها الانحطاط الحضاري العربي في كل مكان،لان الازهر مازال يمثل اعلى مرجعية دينية لدى السنة في العالم برغم منافسة المؤسسة الدينية السعودية له،بالاضافة الى شهرته العلمية وتاريخه العريق،يتم اختصاره بتلك الطريقة والاستهانة به وسلب كل حرية واستقلالية من خلال تعيين شخص ينتمي لحزب الرئيس ثم يمنح له اعلى المناصب مع لقب الامام الاكبر والذي هو بدون كلمة الاكبر يمثل الهدف الاسمى والاصعب للفقهاء للوصول اليه بجدارة عن طريق حيازة الاعلمية والتقوى ورغم ذلك لا يصل اليه احد الا نادرا فكيف بتلك الزائدة الغريبة الدالة على زعامة كل الائمة الحاليين! ...وهل يمكن منح تلك الالقاب اذا تنازلنا قليلا عن منح المناصب الدينية من اشخاص هم بعيدون كل البعد عن صفات الدين والتقوى والنزاهة كمثل الحكام المسلمين الذين لا يصلون الى مناصبهم الا بالوسائل الغير شرعية؟!...حتى الفاتيكان مستقل عن الحكومات في اختيار الحبر الاعظم! فلماذا لا يتم الاختيار بحسب الاعلمية والتقوى والزهد كما هو متعارف لدى الشيعة او بالانتخاب السري المستقل كما هو يحدث لدى مؤسسة الفاتيكان الكاثوليكية؟!...
سلب الاستقلالية عن كل مؤسسة دينية هو معناه تابعيتها المذلة الى الحكومات المتغيرة وبالتالي سلب لشرعيتها ولدورها المطلوب الذي يتعارض غالبا مع سياسات الحكومات!ولذلك اعترف الجميع بضعف دور الازهر منذ عقود طويلة بعد ان كان له تأثيرا بارزا في العالم الاسلامي...
منذ ان اسس الفاطميون مدينة القاهرة وجامعتها الدينية المسماة بالازهر قبل الف عام، وهو يمارس وظيفته العلمية والدينية من خلال تدريس مختلف العلوم وفق مختلف المذاهب الاسلامية،الا ان اول سلب لاستقلاليته وتقييده وتحويله الى مؤسسة تابعة كان في عهد صلاح الدين الايوبي الذي قضى على دولة الفاطميين وجعل الدراسة في الازهر محصورة في المذاهب السنية الاربعة وبالخصوص المذهبين الحنفي والشافعي!...كان هذا التدخل هو بداية تحويل الازهر الى مؤسسة حكومية توجه وتدار وبالتالي سلب لحرية التفكير والتطوير الذاتي وهو ما اضعف دورها نتيجة لضعف مستواها،وبالرغم من ذلك فأن الازهر واصل رسالته الدينية لقرون عديدة خصوصا ايام العهود المظلمة وحاول منتسبوه ان تكون لهم درجة ولو محدودة من الاستقلالية والتي تمنحهم الحرية في الاختيار وقوة الارادة والتي كان ابرز مصاديقها الوقوف بحزم ضد بعض الحكام المنحرفين وضد الغزو الاستعماري للدول الاسلامية وبخاصة مصر والمحافظة على اللغة العربية وآدابها...
نهاية الاستقلالية المحدودة:
 بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر عام 1952 صدرت قوانين تقيد حركة المجتمع ومؤسساته المختلفة وتجعلها تحت رعاية وتحكم الدولة!... ففي عام 1961 صدرت قرارات التأميم وقرارات اعادة تنظيم الازهر والتي من بينها تعيين شيخ الازهر وبقية مسؤولي تلك المؤسسة الدينية من خلال حصرها ضمن صلاحية الرئيس! مما يعني ألغاء كل استقلالية والتي هي المصدر الرئيسي للشرعية وتحويل الجميع الى موظفين عاديين بالرغم من بعض الشكليات مثل اطلاق الالقاب الدينية الرنانة والتي تطلق جزافا وكأنها مكرمات من الحاكم المستبد! على الرغم من انها اصبحت بلا قيمة حقيقية مادام الجميع موظفون ينتظرون معاشاتهم الشهرية وعلاواتهم السنوية!...
واذا القينا نظرة سريعة على القيادة الدينية للازهر منذ عام 1961 لوجدنا سلوكها المخزي في تابعيتها العمياء لكل حاكم مهما اختلفت آيديولوجيته! مما يعني ان مصطلح وعاظ السلاطين ينطبق اكثر عليهم!...فالحكم الدموي المرعب لعبد الناصر وحروبه المتكررة واعدامه وتعذيبه لعشرات الالوف من التيارات الاسلامية وغير الاسلامية وخاصة اعدام بعض المفكرين مثل سيد قطب!لم نجد موقفا قويا للازهر ضده بالرغم من ان الواجب الديني والاخلاقي والانساني والوطني يستوجب التحرك حتى لاجل تسجيل موقف مشرف يحفظ لهم بقايا ماء الوجه وقد يحافظ على بعض الارواح البريئة!...
وبعد رحيل عبد الناصر ومجي السادات الذي كان حكمه على النقيض من سلفه،فأن الازهر بقية تابعا له الى درجة تبرير كافة مشاريعه السياسية ومنها معاهدة كامب ديفيد وبطريقة مخجلة!...ثم بعد اغتيال السادات عام 1981 ومجيء نائبه حسني مبارك فأن درجة التبعية ازدادت حدتها،فبالرغم من طول الفترة الزمنية وكثرة تبدل وجوه القيادات الدينية للازهر الا انه بقي تابعا الى درجة اصبح دوره ضعيفا في داخل مصر وخارجها بل واصبح محل انتقاد للكثيرين حتى من الناس البسطاء خاصة في سلوك شيخ الازهر السابق الذي اتقن دوره في تبرير افعال الحكومة الى ابعد ما يكون حتى وصل الامر الى قضايا تكون فيه التبعية العمياء عارا مابعده عار!...
الان مع مجيء هذا الشيخ الجديد العضو في الحزب الحاكم! فأن الطريق اصبح ممهدا أكثر لابن الرئيس لكي يرث الحكم بمباركة المؤسسة الدينية الفاقدة للشرعية والاستقلالية ! كما ان حالة التناقض العجيبة في كون الامام الاكبر رجلا دينيا وحزبيا في نفس الوقت فأنه يكمل طريق اسلافه في التبعية للحاكم بغض النظر عن سلوكه المشين ولكن بأسلوب جديد! مما يعني سلب روح الدين الاسلامي وتعاليمه السامية في التقوى والزهد والاخلاص للدين واستقلاليته التي تجعله يحافظ على حرية وكرامة الانسان المسلم.
اذا انحدر سلوك المؤسسات الدينية وقياداتها فأن سلوك المجتمع سوف ينحدر الى مستوى وضيع ويكون الطريق ممهدا لكافة التيارات المتطرفة او المنحرفة لكي تعبث بالمجتمع بعد ان ضعفت مناعته الذاتية والمكتسبة المتمثلة بالمؤسسات الدينية التي لا تخاف في الله لومة لائم...فأي تابعية معناه ضعف في الشرعية وتدهور القيم وتحويل الدين الى اداة طيعة بيد الحكام الذين لا يتورعون عن ارتكاب المعاصي في سبيل البقاء لاطول فترة في الحكم!...
كما انه سلب لدين وعلم وكرامة عالم الدين الذي ينبغي ان يقف بشجاعة مع الحق في اي مكان وزمان لا ان يكون دوره محصورا في تبرير الناحية الشرعية لاعمال الاخرين!... تلك هي رسالة الدين الحقيقية حتى لا يحصل لنا ما حصل للغرب من ابعاد قسري لرجال الدين ومؤسساتهم عن الدولة والمجتمع بعد ان سلبوا جوهرها الحقيقي لخدمة الانسانية وتقويم سلوكها وفق المبادئ والقيم السماوية الرفيعة مما ادى الى تفريغ الحضارة الغربية من اية روح وجعلها مادية بحتة تنحدر الى مستويات فظيعة من الانحلال والتفكك بالرغم من حلول بعض القيم الانسانية الجديدة ولكن تبقى خاضعة لتربية الفرد وثقافته ومزاجيته!...لا ادري متى يكون الاعتبار من التاريخ ومن تجارب الاخرين!...   
موسوعة المختار من الاخبار
موسوعة المختار من الاخبار:7
7- الازهر بين الاستقلالية والتبعية:
بعد رحيل شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي في 10 آذار(مارس)2010 ،انتظر الجميع قرار الرئيس المصري لتعيين شيخنا جديدا خلفا له !...وبعد بضعة ايام اختير الدكتور احمد الطيب شيخا جديدا وهو احد اعضاء الحزب الوطني الحاكم ويلبس اللباس المدني الذي بدله فورا بعد التعيين! دون ان ينزع موالاته للحزب الحاكم فبقي مصرا في الانتماء اليه وكونه لا يتعارض مع منصب شيخ الازهر وكأن للتغيير الشكلي اهمية اعلى من التغيير الجذري ولقبه الجديد الان هو الامام الاكبر!!...
في الحقيقة ان ذلك يمثل مهزلة من المهازل التي وصل اليها الانحطاط الحضاري العربي في كل مكان،لان الازهر مازال يمثل اعلى مرجعية دينية لدى السنة في العالم برغم منافسة المؤسسة الدينية السعودية له،بالاضافة الى شهرته العلمية وتاريخه العريق،يتم اختصاره بتلك الطريقة والاستهانة به وسلب كل حرية واستقلالية من خلال تعيين شخص ينتمي لحزب الرئيس ثم يمنح له اعلى المناصب مع لقب الامام الاكبر والذي هو بدون كلمة الاكبر يمثل الهدف الاسمى والاصعب للفقهاء للوصول اليه بجدارة عن طريق حيازة الاعلمية والتقوى ورغم ذلك لا يصل اليه احد الا نادرا فكيف بتلك الزائدة الغريبة الدالة على زعامة كل الائمة الحاليين! ...وهل يمكن منح تلك الالقاب اذا تنازلنا قليلا عن منح المناصب الدينية من اشخاص هم بعيدون كل البعد عن صفات الدين والتقوى والنزاهة كمثل الحكام المسلمين الذين لا يصلون الى مناصبهم الا بالوسائل الغير شرعية؟!...حتى الفاتيكان مستقل عن الحكومات في اختيار الحبر الاعظم! فلماذا لا يتم الاختيار بحسب الاعلمية والتقوى والزهد كما هو متعارف لدى الشيعة او بالانتخاب السري المستقل كما هو يحدث لدى مؤسسة الفاتيكان الكاثوليكية؟!...
سلب الاستقلالية عن كل مؤسسة دينية هو معناه تابعيتها المذلة الى الحكومات المتغيرة وبالتالي سلب لشرعيتها ولدورها المطلوب الذي يتعارض غالبا مع سياسات الحكومات!ولذلك اعترف الجميع بضعف دور الازهر منذ عقود طويلة بعد ان كان له تأثيرا بارزا في العالم الاسلامي...
منذ ان اسس الفاطميون مدينة القاهرة وجامعتها الدينية المسماة بالازهر قبل الف عام، وهو يمارس وظيفته العلمية والدينية من خلال تدريس مختلف العلوم وفق مختلف المذاهب الاسلامية،الا ان اول سلب لاستقلاليته وتقييده وتحويله الى مؤسسة تابعة كان في عهد صلاح الدين الايوبي الذي قضى على دولة الفاطميين وجعل الدراسة في الازهر محصورة في المذاهب السنية الاربعة وبالخصوص المذهبين الحنفي والشافعي!...كان هذا التدخل هو بداية تحويل الازهر الى مؤسسة حكومية توجه وتدار وبالتالي سلب لحرية التفكير والتطوير الذاتي وهو ما اضعف دورها نتيجة لضعف مستواها،وبالرغم من ذلك فأن الازهر واصل رسالته الدينية لقرون عديدة خصوصا ايام العهود المظلمة وحاول منتسبوه ان تكون لهم درجة ولو محدودة من الاستقلالية والتي تمنحهم الحرية في الاختيار وقوة الارادة والتي كان ابرز مصاديقها الوقوف بحزم ضد بعض الحكام المنحرفين وضد الغزو الاستعماري للدول الاسلامية وبخاصة مصر والمحافظة على اللغة العربية وآدابها...
نهاية الاستقلالية المحدودة:
 بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر عام 1952 صدرت قوانين تقيد حركة المجتمع ومؤسساته المختلفة وتجعلها تحت رعاية وتحكم الدولة!... ففي عام 1961 صدرت قرارات التأميم وقرارات اعادة تنظيم الازهر والتي من بينها تعيين شيخ الازهر وبقية مسؤولي تلك المؤسسة الدينية من خلال حصرها ضمن صلاحية الرئيس! مما يعني ألغاء كل استقلالية والتي هي المصدر الرئيسي للشرعية وتحويل الجميع الى موظفين عاديين بالرغم من بعض الشكليات مثل اطلاق الالقاب الدينية الرنانة والتي تطلق جزافا وكأنها مكرمات من الحاكم المستبد! على الرغم من انها اصبحت بلا قيمة حقيقية مادام الجميع موظفون ينتظرون معاشاتهم الشهرية وعلاواتهم السنوية!...
واذا القينا نظرة سريعة على القيادة الدينية للازهر منذ عام 1961 لوجدنا سلوكها المخزي في تابعيتها العمياء لكل حاكم مهما اختلفت آيديولوجيته! مما يعني ان مصطلح وعاظ السلاطين ينطبق اكثر عليهم!...فالحكم الدموي المرعب لعبد الناصر وحروبه المتكررة واعدامه وتعذيبه لعشرات الالوف من التيارات الاسلامية وغير الاسلامية وخاصة اعدام بعض المفكرين مثل سيد قطب!لم نجد موقفا قويا للازهر ضده بالرغم من ان الواجب الديني والاخلاقي والانساني والوطني يستوجب التحرك حتى لاجل تسجيل موقف مشرف يحفظ لهم بقايا ماء الوجه وقد يحافظ على بعض الارواح البريئة!...
وبعد رحيل عبد الناصر ومجي السادات الذي كان حكمه على النقيض من سلفه،فأن الازهر بقية تابعا له الى درجة تبرير كافة مشاريعه السياسية ومنها معاهدة كامب ديفيد وبطريقة مخجلة!...ثم بعد اغتيال السادات عام 1981 ومجيء نائبه حسني مبارك فأن درجة التبعية ازدادت حدتها،فبالرغم من طول الفترة الزمنية وكثرة تبدل وجوه القيادات الدينية للازهر الا انه بقي تابعا الى درجة اصبح دوره ضعيفا في داخل مصر وخارجها بل واصبح محل انتقاد للكثيرين حتى من الناس البسطاء خاصة في سلوك شيخ الازهر السابق الذي اتقن دوره في تبرير افعال الحكومة الى ابعد ما يكون حتى وصل الامر الى قضايا تكون فيه التبعية العمياء عارا مابعده عار!...
الان مع مجيء هذا الشيخ الجديد العضو في الحزب الحاكم! فأن الطريق اصبح ممهدا أكثر لابن الرئيس لكي يرث الحكم بمباركة المؤسسة الدينية الفاقدة للشرعية والاستقلالية ! كما ان حالة التناقض العجيبة في كون الامام الاكبر رجلا دينيا وحزبيا في نفس الوقت فأنه يكمل طريق اسلافه في التبعية للحاكم بغض النظر عن سلوكه المشين ولكن بأسلوب جديد! مما يعني سلب روح الدين الاسلامي وتعاليمه السامية في التقوى والزهد والاخلاص للدين واستقلاليته التي تجعله يحافظ على حرية وكرامة الانسان المسلم.
اذا انحدر سلوك المؤسسات الدينية وقياداتها فأن سلوك المجتمع سوف ينحدر الى مستوى وضيع ويكون الطريق ممهدا لكافة التيارات المتطرفة او المنحرفة لكي تعبث بالمجتمع بعد ان ضعفت مناعته الذاتية والمكتسبة المتمثلة بالمؤسسات الدينية التي لا تخاف في الله لومة لائم...فأي تابعية معناه ضعف في الشرعية وتدهور القيم وتحويل الدين الى اداة طيعة بيد الحكام الذين لا يتورعون عن ارتكاب المعاصي في سبيل البقاء لاطول فترة في الحكم!...
كما انه سلب لدين وعلم وكرامة عالم الدين الذي ينبغي ان يقف بشجاعة مع الحق في اي مكان وزمان لا ان يكون دوره محصورا في تبرير الناحية الشرعية لاعمال الاخرين!... تلك هي رسالة الدين الحقيقية حتى لا يحصل لنا ما حصل للغرب من ابعاد قسري لرجال الدين ومؤسساتهم عن الدولة والمجتمع بعد ان سلبوا جوهرها الحقيقي لخدمة الانسانية وتقويم سلوكها وفق المبادئ والقيم السماوية الرفيعة مما ادى الى تفريغ الحضارة الغربية من اية روح وجعلها مادية بحتة تنحدر الى مستويات فظيعة من الانحلال والتفكك بالرغم من حلول بعض القيم الانسانية الجديدة ولكن تبقى خاضعة لتربية الفرد وثقافته ومزاجيته!...لا ادري متى يكون الاعتبار من التاريخ ومن تجارب الاخرين!...   

برنامج جديد لتنزيل وتخزين المدونات والمواقع

برنامج جديد لتنزيل وتخزين المدونات والمواقع:
 برنامج جديد يضاف الى البرامج التي انزلتها لتخزين محتويات المدونات وصفحات المواقع خوفا عليها من الفقدان لمختلف الاسباب...
لا استطيع تنزيل البرنامج هنا بسبب الموقع يمنع ذلك ولكن اسمه:

WebCopier_Pro_4.6
وحجمه فقط 2 ميغا بايت  ويمكن تنزيله من الانترنت بالبحث عنه في محركات البحث...اما رقم السيريال فهو:633646576
وبرنامج اخر:


BlogCollector v2.0
وعنوان الشركة
http://asprise.com/product/blogcollector/index.php
اما الشرح الكافي حول البرنامج فهو:


اما موقع التنزيل فهو:

http://asprise.com/product/blogcollector/download.php

2010/03/23

اسس البنية التحليلية: السياسة نموذجا-الحلقة السادسة

اسس البنية التحليلية
اسس البنية التحليلية:السياسة نموذجا -الحلقة السادسة
البيئة والتحليل:
للبيئة تأثيرا هائلا على اسس البنية التحليلية،فهي شمولية بكل معنى الكلمة،لانها تتضمن التأثيرات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والعرقية واللغوية والتاريخية والجغرافية الخ من التصنيفات العديدة التي تدخل في نطاق تلك الكلمة...
يدخل تأثير البيئة في كل فروع ومناهج ونتائج العملية التحليلية ولذلك من الصعب جدا ليس فقط التمييز بل استحالة الفصل!...
ومن هذا المدخل يمكن القول ان البيئة تدخل وبشكل يهدد من سلامة العملية التحليلية برمتها! ومن ضمنها عملية التحليل السياسي والتي هي مكون معرفي تتداخل فيه مختلف العلوم وخاصة الانسانية منها...
للبيئة تأثيرين ايجابي وسلبي على عملية التحليل السياسي،ولكن الاثر السلبي هو اكثر طغيانا وشيوعا بسبب قوة التأثير البيئي على الشخصية الفردية لانه احد ابرز مرتكزاتها بكافة اسسها المعروفة وخاصة الدينية والعرقية والاجتماعية...
من المستحيل ان يتم انتزاع الاثر البيئي من مكونات الشخصية الفردية! ولكن في نفس الوقت يمكن تحجيم هذا الاثر او الاستسلام له!...وفي الحالتين يكمن الخطأ!..لان التطرف غالبا ما يبعد الفرد عن الحقائق المتعددة الاراء!.
عموما يمكن الاستدلال من القول السابق ان
كلما كان الفرد مبتعدا عن تأثيرات بيئته في التحليل كلما اقترب من الموضوعية ولكن بشرط ان لا يعوض الابتعاد بالعداء الصريح لبيئته الاصلية كما يفعل بعض دعاة التغريب والحداثة!...والعكس صحيحا ايضا وهو كلما استسلم الفرد الى تأثيرات بيئته فأن عملية التحليل سوف تضعف بشكل يدعو الى اهمالها لفقدانها الاصول الموضوعية في البحث والتقييم!...
اذا كان ذلك صعبا فمن هو المحظوظ في التقييم والتحليل؟!...
الجواب:هو الشخص المحايد الذي يكون غير خاضع لتأثيرات البيئة في القضايا التي تحدث بين فرقاء متعددين!...ولذلك نرى انه اذا امتلكنا الوسائل المعرفية الكافية لعملية التحليل السياسي،فأن صفة الحياد تجعلنا اكثر موضوعية ودقة في استخدامنا للوسائل المعرفية،فعلى سبيل المثال بالنسبة لمواطني الشرق الاوسط يكون تحليلهم للاوضاع في امريكا اللاتينية هو قوي لان فرص الخروج من الحياد ضعيفة الا اذا كان الصراع بين اليساريين واليمينيين والمراقب كان يميل الى احدهما!...ولذلك نرى انه حتى في هذا المثال الواقعي الدال على ابعاد كاملة متعددة الجوانب فأن للبيئة تأثيرا ولو بسيطا كأن يكون الاعتقاد السياسي مثلا!...
في مثال اخر اكثر واقعية بالنسبة لمواطني العالم العربي او الاسلامي،وهو الرؤية والتحليل للصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين،فمن جانب مواطني العالم الغربي فأن اغلبية التحاليل سوف تكون في صالح الطرف الاسرائيلي بسبب البيئة،بينما اغلبية التحاليل من جانب طرف العالمين العربي والاسلامي سوف تكون كفة الميل في صالح الفلسطينيين! حتى ولو كان التحليل خاطئا الى حد ما،لان الاثر البيئي سوف يشل المقدرة الفردية على الاستقلالية والموضوعية في التقييم!...نعم قد نرى في الطرفين شواذ الا ان اغلبية الشواذ سوف يكونوا في حالة من العداء مع الموروثات البيئة وصراعاتها مع القيم والمبادئ الانسانية المختلفة التي قد تتآلف او تتخالف مع القيم والمبادئ الموروثة والمكتسبة بفعل الاثر البيئي مما يجعل تلك العملية ايضا غير واقعية!...
التحليل المقارن:
للوصول الى اقرب التحاليل موضوعية في تلك الاجواء المرعبة،يكون في حالتي التحليل الحيادي او التحليل المقارن!...
عرفنا حالة التحليل الحيادي من خلال البعد بكافة انواعه عن حالات الصراع او المشاكل الواقعة في بقعة جغرافية بعيدة ومعينة...
ولكن ماهو التحليل المقارن؟!...
عملية التحليل المقارن هي طرح جميع الاراء على طاولة واحدة والبحث فيها يكون على جوانب القوة والضعف المستندة على الحجج والبراهين وطرق الاستدلال والنتائج الظاهرة منها...
اذا عملية التحليل المقارن ليس متعلقة فقط بالمقارنة بين بنية العملية التحليلية فحسب بل ايضا في نتائجها،وعن طريق تلك العلمية نستمد القوة الحقيقية للعملية التحليلية عن طريق الاستفادة من كافة نقاط القوة في البنية والابتعاد بقدر الامكان عن جوانب الضعف فيه مع وجود شرط الشجاعة الادبية في مجاهدة الاثر البيئي السيء على العملية برمتها في حالة كون الاثر البيئي بعيدا عن جادة الصواب!...
للسهولة اكثر يمكن تطبيقه على المثال السابق(الصراع في فلسطين) من خلال عرض كل الاراء والنظريات التحليلية سواء في حالة الطرفين او حالة الطرف المحايد والمزج بينها،وهذا مفيد للطرفين بمعنى انه يكون عامل قوة لاي طرف يحاول الاستفادة من قوة خصمه او القوة الحيادية...وبالرغم من ان الطرفين في الواقع هما بعيدان عن تلك العلمية العلمية الصحيحة الا ان الطرف العربي بصورة عامة هو الاكثر بعدا بسبب كون مجال الحريات الفكرية والسياسية المتاحة هي محدودة بينما في حالة الوضع الاسرائيلي فأن المجال اكثر انفتاحا برغم شدة التأثيرات البيئية الدينية والاجتماعية والعرقية عليهم!،ولذلك كان العرب يجهلون آراء الاسرائيليين او اوضاعهم بصورة شبه مأساوية من الناحية المعرفية بسبب الحظر الحكومي،ولذلك اذكر في بداية السبعينات من القرن العشرين كيف واجه مؤلف كتاب(ممنوع من التداول)وهو الصحفي المصري محمود عوض عندما نشر فيه مختصر لبضعة كتب اسرائيلية تتناول حالة الصراع من وجهة نظرهم ثم قام بالتحليل المعقب لها في كتابه والذي كان موضوعيا ومن باب اعرف عدوك! وبالرغم من هذا فقد كان قاب قوسين او ادنى من الاعتقال!.
الابتعاد المكاني والزماني لا يؤثران بصورة كافية للتحرر من التاثيرات البيئية! لان تلك التأثيرات متأصلة في النفوس بصورة عجيبة خاصة في آثارها السلبية الواضحة المعالم!...ومن هنا نرى ان عملية الهجرة والاغتراب في الحالتين القسرية والاختيارية لا تؤثران بدرجة تدعو الى الاستفادة من الطروحات الجديدة...نعم في حالة الناقمين على الاوضاع في الوطن الام او الهاربين من جورها فأن اثر الهروب والنقمة سوف يكونا مانعين بصورة شبه كاملة للموضوعية في التحليل ولذلك يرفض الكثيرون ما يقوم به امثال هؤلاء والذين يملئون الدنيا ضجيجا بصراخهم ويشغلون وسائل الاعلام بظهورهم المتكرر الذي يمنع الاخرون منه!...وهنالك الكثير من الامثلة من قبيل سلمان رشدي في بريطانيا والصومالية آيان هيرسي في هولندا سابقا وحاليا في امريكا!وغيرهم كثيرون وبخاصة الذين يظهرون في القنوات الفضائية العربية الباحثة عن عن كل وسائل الاثارة ونتائجها الخطيرة لاسباب شتى وبدون اي منهج علمي واقعي ورصين يميز بين اصحاب المعارف الحقيقيين من المدعين لها!.
حالة هؤلاء تثير الحزن والشفقة من عدة جوانب،فهم يتصورون انفسهم قيميين على تراث وقيم وسلوك شعوبهم الاصلية وانهم اصحاب معرفة عالية جديدة لا يمتلكها آخرون خاصة في حالة الادعاء بأستيعاب التراث الغربي وثقافاته المتنوعة!بالاضافة الى الرغبة في الشهرة والمال الزائفتين!... ويمكن وبجهد معرفي بسيط ايجاد مقياس تقييمي محكم لهؤلاء الشواذ! من خلال دراسة سيرتهم الذاتية ومستواهم العلمي والمعرفي والاسس والادعاءات الفارغة في طروحاتهم الهزلية البعيدة عن كل مواقع القوة المعرفية المحايدة مع الدوافع الذاتية.
وفي الاتجاه الاخر يكون اثر البيئة واضحا لدى مغتربي الهجرة القسرية والاختيارية،من خلال رؤية افراد عديدين يمثلون الاتجاهات نفسها في بلدانهم دون ان نرى اثرا حقيقيا في التغيير على سلوكياتهم ولو على درجة معينة يمكن الاستفادة منها في تغيير الاراء والتحليلات،اللهم الا في حالة الاستفادة من المناخ التحرري او الرخاء المادي،وبالطبع يكون اسوأ هؤلاء هم الانتهازيون واصحاب المواقف المتأرجحة!...ويمكن رؤية امثال هذا الاتجاه والذين يكون اثر البيئة المتوارث واضحا لديهم في كتاب الصحف العربية الصادرة في دول الغرب مثل الشرق الاوسط السعودية او القدس العربي ذات الاتجاه القومي! وغيرها .
ليس الهدف في الوصول الى اعلى درجات السمو في التحليل هو التخلص من كافة التاثيرات البيئية بل هو استخدام كافة الوسائل النقدية والعلمية بغية الوصول الى اقرب نقطة واقعية من عملية التحليل،وهذا القول لا ينطبق على بيئة دون اخرى بل على الجميع،ولكن في ظل العولمة الجديدة وتحول العالم الى قرية صغيرة يمكن القول ان أثر البيئة قد خفت حدته بصورة نسبية الا في حالات الانغماس الكلي في مستنقعات الجهل والتخلف كما يحدث في صراعات الانظمة المستبدة وتحول نسبة كبيرة من شعوبها برغم عدائها لها الى قطيع من الاتباع الغير واعين اومدركين لعواقب الامور وخطورتها، وحالة العالم العربي مثالا بارزا .
لذلك من الصعب جدا فرض التحليل السياسي الموضوعي والمنطقي في ظل تلك الاجواء وبخاصة من قبل المتعصبين من الطبقة المثقفة او السائرين في طريق الجاهلية الثقافية! والحالتين خطرتين الى درجة تبعث على اليأس والقنوط ،لان سيادة المنطق الخاطيء لا يمكن زحزحتها بسهولة بدون قبول صاحبها الذي هو حامل لصفات الجهل المركب!.
الاثر البيئي يكون ظاهرا بشكل مثير من خلال الادعاء بخطأ الاخر او تقييمه من خلال امتلاك وسائل اعلامية اكثر وفق الموروثات القبلية او العرقية او غيرها! ولذلك نرى سيادة عنصر ما على المستوى الاقليمي والدولي على عنصر آخر يفتقر لمكونات القوة بالرغم من امتلاكه للقوة الاستدلالية لان العالم في طبيعته التكوينية الازلية مثل الغابة! الاقوى هو الذي يسود والضعيف دائما يكون جهولا! وعليه بالتالي الخضوع للقوي الذي يكون زائفا احيانا بالرغم من ان القوة ليست هي الحق بل الفارق بينهما كبيرا!.
التحليل السياسي اذا كان متعلقا او قريبا من مكون ثقافي بارز في الشخصية،فمعنى ذلك ان الخضوع للاثر سوف يظهر بلا وعي من خلال عملية التحليل والتقييم! فمثلا في حالة الصراع الديني او المذهبي فأن الميل يظهر واضحا لدى الشخص المنتسب الا اذا كان متحررا من ذلك الانتماء واذا كان الحق ظاهرا بشكل يكون البعد عنه نفاقا ولذلك فأن عملية التقييم العدائية تكون ضعيفة المستند خاصة في ظل عدم امتلاكها للحجج الكافية...وعموما تكون حالة الدفاع اقوى من حالة الهجوم لان المدافع غالبا ما يحوز على عطف المحايدين فضلا عن العقلانيين في الاتجاه المعادي خاصة مع امتلاك الاخير لمتناقضات عديدة ومن هنا نرى ان عملية التحليل في مواضيع كالديمقراطية والحرية والعدالة من جانب دعاة الاستبداد او وسائل اعلام الانظمة المستبدة تكون مضحكة بل في غاية السذاجة خاصة في ظل اتهام آخرون يملكونها فعلا او حتى جزء بسيط منها وامامنا كم هائل من الصحف العربية وتحليلاتها التي تتطابق مع رؤى ومناهج مالكيها ويكون الاكثر مرعبا من ناحية الهزالة العلمية اذا كانت الصحف هي حكومية والنوعين يكونان متطرفان في العداء !...
الاستفادة من الاثر البيئي هو يكون من خلال الاستفادة من طرقها ومناهجها الاستدلالية الجيدة والموصلة للمعرفة والحقيقة،ولذلك لا يسعنا جميعا رفض العوامل البيئية او قبولها،ولكن الموازنة الدقيقة هي الحل الامثل للخروج بتقييم اكثر دقة للمسائل المراد تحليلها!مع استخدام الطرق العلمية في التحليل والتي قد تتعارض مع الموروثات البيئية...

2010/03/22

من روائع الشعر:1


من روائع الشعر1:

نزار قباني
جريمة شرف أمام المحاكم العربية
1
... وفقدتَ يا وطني البكارهْ
لم يكترثْ أحدٌ ..
وسُجّلتِ الجريمةُ ضدَّ مجهولٍ ،
وأُرخيتِ السّتارهْ
نسيتْ قبائلُنا أظافرَها ،
تشابهتِ الأنوثةُ والذكورةُ في وظائفِها ،
تحوّلتِ الخيولُ إلى حجارهْ ..
لم تبقَ للأمواسِ فائدةٌ ..
ولا للقتلِ فائدةٌ ..
فإنَّ اللحمَ قد فقدَ الإثارهْ ..

2
دخلوا علينا ..
كانَ عنترةُ يبيعُ حصانهُ بلفافتَيْ تبغٍ ،
وقمصانٍ مشجَّرةٍ ،
ومعجونٍ جديدٍ للحلاقةِ ،
كانَ عنترةُ يبيعُ الجاهليّهْ ..
دخلوا علينا ..
كانَ إخوانُ القتيلةِ يشربونَ (الجِنَّ) بالليمونِ ،
يصطافونَ في لُبنانَ ،
يرتاحونَ في أسوانَ ،
يبتاعونَ من (خانِ الخليليِّ) الخواتمَ ..
والأساورَ ..
والعيونَ الفاطميّهْ ..

3
ما زالَ يكتبُ شعرهُ العُذريَّ ، قَيسٌ
واليهودُ تسرّبوا لفراشِ ليلى العامريّهْ
حتى كلابُ الحيِّ لم تنبحْ ..
ولم تُطلَقْ على الزاني رصاصةُ بندقيّهْ
" لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ " !
ونحنُ ضاجعنا الغزاةَ ثلاثَ مرّاتٍ ..
وضيّعنا العفافَ ثلاثَ مرّاتٍ ..
وشيّعنا المروءةَ بالمراسمِ ، والطقوسِ العسكريّهْ
" لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ " !
ونحنُ غيّرنا شهادَتنا ..
وأنكرنا علاقَتنا ..
وأحرقنا ملفّاتِ القضيّهْ ..

4
الشمسُ تشرقُ مرّةً أخرى ..
وعُمّالُ النظافةِ يجمعونَ أصابعَ الموتى ،
وألعابَ الصّغارْ
الشمسُ تشرقُ مرّةً أخرى ..
وذاكرةُ المدائنِ ،
مثلُ ذاكرةِ البغايا والبحارْ
الشمسُ تشرقُ مرّةً أخرى ،
وتمتلئُ المقاهي مرّةً أخرى ،
ويحتدمُ الحوارْ
- إنَّ الجريمةَ عاطفيّهْ
- إنَّ النساءَ جميعهنَّ مغامِراتٌ ، والشريعةُ
  عندنا ضدَّ الضحيّهْ ..
- يا سادتي : إنَّ المخطّطَ كلَّهُ من صنعِ أمريكا،
  وبترولُ الخليجِ هو الأساسُ ، وكلُّ ما يبقى
  أمورٌ جانبيّهْ
- ملعونةٌ أمُّ السياسةِ .. نحنُ نحبُّ أزنافورَ ،
  والوسكيَّ بالثلجِ المكسّرِ ، والعطورَ الأجنبيّهْ
- إنَّ النساءَ بنصفِ عقلٍ ، والشريعةُ عندَنا ضدَّ الضحيّهْ

5
العالمُ العربيُّ ، يبلعُ حبّةَ (البثِّ المباشرْ) ..
(يا عيني عالصبر يا عيني عليهْ)
والعالمُ العربيُّ يضحكُ لليهودِ القادمينَ إليه
من تحتِ الأظافرْ ..

6
يأتي حزيرانُ ويذهبُ ..
والفرزدقُ يغرزُ السكّينَ في رئتَيْ جريرْ
والعالمُ العربيُّ شطرنجٌ ..
وأحجارٌ مبعثرةٌ ..
وأوراقٌ تطيرْ ..
والخيلُ عطشى ،
والقبائلُ تُستجارُ ، فلا تُجيرْ ..
(الناطقُ الرسميُّ يعلنُ أنهُ في السّاعةَ الأولى وخمس دقائق ،
شربَ اليهودُ الشايَ في بيروتَ ، وارتاحوا قليلاً في فنادقها ،
وعادوا للمراكبِ سالمينْ)

- لا شيءَ مثلَ (الجنِّ) بالليمونِ .. في زمنِ الحروبِ
- وأجملُ الأثداءِ ، في اللمسِ ، المليءُ المستديرْ ..

(الناطقُ الرسميُّ يعلنُ أنّهم طافوا بأسواقِ المدينة ،
واشتروا صُحفاً وتفّاحاً ، وكانوا يرقصونَ الجيركَ في حقدٍ ،
ويغتالونَ كلَّ الراقصينْ)

- إنَّ السّويدياتِ أحسنُ من يمارسنَ الهوى
- والجنسُ في استوكهولمَ يُشربُ كالنبيذِ على الموائدْ ..
- الجنسُ يُقرأُ في السّويدِ مع الجرائدْ

(الناطقُ الرسميُّ يعلنُ في بلاغٍ لاحقٍ ،
أنَّ اليهودَ تزوّجوا زوجاتِنا ، ومضوا بهنَّ .. فبالرفاهِ وبالبنينْ)

7
العالمُ العربيُّ غانيةٌ ..
تنامُ على وسادةِ ياسمينْ
فالحربُ من تقديرِ ربِّ العالمينْ
والسّلمُ من تقديرِ ربِّ العالمين ْ

8
قرّرتُ يا وطني اغتيالَكَ بالسفَرْ
وحجزتُ تذكرتي ،
وودّعتُ السّنابلَ ، والجداولَ ، والشَّجرْ
وأخذتُ في جيبي تصاويرَ الحقولِ ،
أخذتُ إمضاءَ القمرْ
وأخذتُ وجهَ حبيبتي
وأخذتُ رائحةَ المطرْ ..
قلبي عليكَ .. وأنتَ يا وطني تنامُ على حَجَرْ

9
يا أيّها الوطنُ المسافرُ ..
في الخطابةِ ، والقصائدِ ، والنصوصِ المسرحيّهْ
يا أيّها الوطنُ المصوَّرُ ..
في بطاقاتِ السّياحةِ ، والخرائطِ ، والأغاني المدرسيّهْ
يا أيّها الوطنُ المحاصَرُ ..
بينَ أسنانِ الخلافةِ ، والوراثةِ ، والأمارهْ
وجميعِ أسماءِ التعجّبِ والإشارهْ
يا أيّها الوطنُ ، الذي شعراؤهُ
يضَعونَ - كي يُرضوا السّلاطينَ -
الرموشَ المستعارهْ ..

10
يا سيّدي الجمهورَ .. إنّي مستقيلْ
إنَّ الروايةَ لا تُناسبني ، وأثوابي مرقّعةٌ ،
ودَوري مستحيلْ ..
لم يبقَ للإخراجِ فائدةٌ ..
ولا لمكبّراتِ الصوتِ فائدةٌ ..
ولا للشّعرِ فائدةٌ ، وأوزانِ الخليلْ
يا سيّدي الجمهورَ .. سامحني ..
إذا ضيّعتُ ذاكرتي ، وضيّعتُ الكتابةَ والأصابعْ
ونسيتُ أسماءَ الشوارعْ ..
إني قتلتُكَ ، أيّها الوطنُ الممدّدُ ..
فوقَ أختامِ البريدِ .. وفوقَ أوراقِ الطوابعْ ..
وذبحتُ خيلي المُضرباتِ عن الصهيلْ
إنّي قتلتُكَ .. واكتشفتُ بأنني كنتُ القتيلْ
يا سيّدي الجمهورَ .. سامحني
فدَورُ مهرّجِ السّلطانِ .. دَورٌ مستحيلْ