إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/02/27

اسس البنية التحليلية: السياسة نموذجا-الحلقة الاولى


اسس البنية التحليلية:
السياسة نموذجا
التحليل هو علم بحد ذاته ويدخل ضمن جميع العلوم والفنون والاداب وهو ليس فقط تفسير النتائج والوقائع بحسب اصولها وقواعدها التي تستند على بنيتها المعرفية،بل ايضا يعطي مقدمة لتلك الاصول ويعطي تفسيرات واستنتاجات مستقبلية لما يحتمل ان يكون عليه او يتوقع حصوله.
اذا التحليل هو علم وفن بحد ذاته وعليه يمكن الاستدلال على جملة من الوقائع والاحداث والنتائج التي تقع يوميا ،وبدون التحليل يبقى العقل البشري عاجزا عن تفسير كافة الاحداث التي تحصل وبالتالي سوف يبقى بدون ادراك حسي وعقلي لها مما يعني انه سوف يقع في نفس الاخطاء التي تحدث عادة عند وقوع تلك الاحداث! لانه عاجزا عن تفسيرها هذا بالاضافة الى ان العجز في التحليل الى الاسباب المؤدية الى تلك النتائج هو بحد ذاته عجز عن الحياة الطبيعية التي من اسباب ديمومتها هو التطور والذي لا يحدث بدون تحليل لكل ما يجري حولنا مما يعني ان قوة التحليل المنطقي هو بحد ذاته قوة علمية تساعد الانسان على البقاء والتطور والتكيف مع كافة مشاكل الطبيعة والتي تحتاج الى دراية تامة بكافة مكوناتها بغية الوصول الى الهدف الاسمى في استغلالها وفق الحاجات الانسانية المتعارف عليها والتي هي في تطور مستمر لذلك نرى ان الحاجات الانسانية الحالية هي تختلف عن الحاجات الانسانية السابقة واكيد ايضا سوف تختلف عن الحاجات في المستقبل والذي نجهل ما سوف يكون عليه بالرغم من التطور الكبير في علوم الاحتمالات والمستقبليات الذي تبقى قدراته نسبية وهو دلالة واضحة على محدودية العقل الانساني وقدرته بالرغم من سعته الضخمة والقادرة على التكيف والمعالجة.
تحليل النتائج الدقيقة في العلوم كافة تترك للمتخصصين وكلا حسب اختصاصه ولكن لا بأس في امتلاك القدرة العامة للتحليل والتي تجعل للفرد العادي معرفة ولو بسيطة في مجال كل علم من العلوم او على الاقل اكبر عدد منها! لان للقدرة الفردية والاجل القصير للحياة تجعل من شبه المستحيل الاحاطة بكافة العلوم والفنون وبالتالي استحالة امتلاك المعارف في موسوعة متكاملة،ولكن ذلك لا يمنع من الاحاطة بأكبر كمية معرفية مع امتلاك القدرة الكاملة على تحليل اكبر عدد منها لكي يتسنى فهمها على اكمل وجه.
قد تكون نتائج التحليل خاطئة وقد تكون صائبة! وقد تكون صعبة على الفهم والادراك وقد تكون سهلة وكل ذلك يعود الى اختلاف في نسبية امتلاك في نوعية وكمية القيم المعرفية التي تساعد على التحليل مع اختلاف الاختصاصات المراد تحليلها،ولكن لنوعية المعارف واتساعها وشموليتها اثرا كبيرا في بناء القدرة وبالتالي كلما ازدادت تلك المحصلة من شتى المعارف مع فهم واستيعاب كاملين لها وبخاصة للاسباب المؤدية لها،كلما ازدادت دقة التحليل لانه في النهاية يبقى نسبي وليس مطلقا الا في حالات نادرة،وبذلك يكون الهدف الاسمى في تلك النسبية هو امتلاك الدرجة العالية فيها لانها الاقرب للواقع والحقيقة بينما يكون العكس من ذلك هو ضعف في مدى صدقية وواقعية التحليل وبالتالي سوف يكون من الجهل الاعتقاد به فضلا عن الدفاع عنه وهو يحصل كثيرا في مشاهداتنا اليومية وبحسب اختلافاتها.
كلما كانت الاحاطة شاملة كلما كانت نتيجة التحليل وجودته عالية لان القضايا المراد تحليلها هي ليست متعلقة بنوع واحد من العلوم والاداب بل هي مشتركة بين جملة منها لان تداخل العلوم اصبح واضحا للجميع بحيث يستحيل فصلها عن بعضها البعض فبعد ان كانت جميعها في بوتقة واحدة ثم تفرقت بفعل النمو الكبير فيها ولكن هذا النمو والتوسع اصبح يشترك في مساحة معينة مع العلوم الاخرى كما نلاحظ مثلا في الاقتصاد السياسي او التاريخ الاجتماعي وغيرها...وبذلك يصعب التحليل في هكذا فروع اذا لم يكن لدى المحلل او الدارس اية معرفة بالعلوم ذات العلاقة لانها تساعد على التفسير وفق ما تقتضيه المصلحة العلمية المجردة...اذا الواجب العلمي يقتضي الاحاطة بكل ما يتعلق بالموضوع المراد البحث فيه وتحليله وذلك من خلال رؤية كافة العلوم ذات العلاقة لانها تساعد على الفهم الذي يسهل على الباحثين التعرف على المشكلة من كافة جوانبها وبالتالي يجعل رؤية الحلول المختلفة امرا يسيرا.
تحييد الموروثات التي تؤثر على التحليل هو بالتأكيد يعطي له صفة علمية مجردة ويكون اقرب للواقع ولكن يستحيل التخلص من الموروثات او تحييدها بصورة مطلقة ولكن نسبيتها هو امرا اقرب للواقع لان الموروثات هو جزء من الشخصية الانسانية والتي تنمو معها منذ الصغر وحتى لو اقتلع الانسان كل الموروثات لديه فأنه بالتأكيد سوف تحل محلها موروثات اخرى لمجتمعات جديدة عليه بوعي او بدونه!...قد تضيف الموروثات تفسيرات جديدة للتحليل ولكنها لا تساعد على الحيادية والدقة العلمية الا اذا امتلكت من البراهين والادلة التي تساعد على اعطاء نتائج مثالية وبالرغم من ذلك فأن الاخرين لا يرون دقة تلك النتائج وصوابيتها حتى لو كانت بالمعيار العلمي المجرد صحيحة لان أثر مخالفة موروثات الاخرين قوية جدا وتظهر الى السطح حتى لو بدون وعي ولذلك نرى رفض جماعي للكثير من التحليلات الصادر من الطرف الاخر حتى لو كانت ذات دقة عالية!.

2010/02/23

المصادر الخارجية للرأي


المصادر الخارجية للرأي:
تبنى الكثير من الاراء والقرارات على المستوى الفردي والجماعي على رأي فرد او رأي مجموعة معينة وقد يكون بعضها خطيرا،وقد يتحول هذا التبني في المستقبل الى رأي مقدس او ثابت والاخطر انه يتم توريثه لاحقا الى الاجيال القادمة دون التأكد من نسبية الدقة فيه!.
المصدر الفردي:
لكل فرد بالطبع رأيه في مسألة ما او يكون له تصور معين حول وضع ما كأن يكون وجهة نظر حول وضع سياسي او اقتصادي او اجتماعي من قبيل استطلاع بلد ما من خلال زيارته او رؤية حادثة معينة مثلا،وبالتأكيد سوف تكون الاراء الواردة من الطبقات المثقفة لها الاسبقية على غيرها من الاراء لان مصدرها ناشئ من فرد له القدرة الكاملة على اصدار الرأي وطرحه للعلن مستغلا امكانياته الثقافية او الاكاديمية التي تساعده في قراءة الاحداث واستنباط الرأي من خلال الاستعانة بالادوات العلمية التي تعطي عادة لصاحبها قدرة وتميز عن غيره مما يعني ان الاراء المتولدة لها الامكانية على النمو والصمود وبالتالي سوف يكون لها جمهورها الذي يعتقد بصحتها المتولدة من العجز عن الاتيان بنفس الرأي او الاعتقاد بسلامة سريرة صاحبها او التسليم بقيادته مما يعني ان الكثير من الاراء او المتبنيات الصادرة من قبل افراد الزمرة الثقافية هي ليست بالضرورة صائبة مادام هنالك انعدام فرص تبيان الحقيقة او فحص الرأي والتأكد من صدقية النتيجة،وبالتالي سوف تكون نسبة كبيرة من آراءنا هي صادرة من مصدر فرد واحد طرحها للعلن وقد يكون بعضا منها قد ورثناه دون ان نتبين حقيقته!...
كلما كان مصدر الخبر او الرأي على دراية كافية بجملة من المؤشرات الحامية له من الزلل كانت نتيجة آرائه هي اكثر صدقية وصوابية من غيرها والعكس صحيحا وهذا يكون في الرؤية الملموسة او التحليل النقدي...بمعنى ان رؤية الانسان الضعيف الامكانية الثقافية سوف يكون اقل صدقية للتعبير من غيره لانه سوف يعتمد على المشاهدة التي تستند على فطرته التي لا تستطيع التحليل والنقد(لان الحصول عليها يحتاج الى جهد وبذل) والاستناد فقط على الرؤية والمعايشة لا يكون كافيا ولكن يمكن قبول البعض بشرط الصدقية والاخلاص في القول ،وبذلك سوف يستبعد رأيه او يتم تجاهله ولكن للاستفادة من هكذا آراء من خلال استخلاص اقصى فائدة منها هي تكون بجمع عدد كبير من تلك الاراء الصادرة من هكذا اناس تجمعهم البساطة وبالتالي يكون المقياس الرئيسي هو ان يكون اتفاقهم على فقرات معينة من الرأي يتم تبنيه بصورة شبه اجمالية ثم الاستعانة بأسس التحليل والنقد حتى يكون مطروحا على الساحة الثقافية...
المصدر الجماعي:
اذا كان مصدر الخبر اكثر من شخص واحد فأذن سوف يكون مصدره جماعيا،والاتفاق العشوائي في الرأي هو اكثر صدقية من غيره وكلما كان عدد افراد المجموعة كبيرا كلما ازدادت نسبية الصدق والصواب في متن الرأي او الخبر والعكس صحيح ايضا..
ايضا يكون للمستوى الثقافي او الرادع النفسي الاخلاقي دورا مهما كسابقه في المجموعة فقد تكون المجموعة على اتفاق متعمد او مصادف ان لا اهمية للاعتبارات الدينية او الاخلاقية في التعبير وبذلك يكون من الخطأ الاتكال على امثال تلك المجموعة التي لا تراعي او تهتم بمدى صدقيتها لان الرادع معدوم!...
مصادر الرأي والخبر هي من الاهمية بمكان حتى ان احد ابرز مصادر الثقافة الاسلامية وعلومها الرئيسية تستند على علم يطلق عليه علم الرجال والذي يبحث في تاريخ والتزام ناقلي الحديث النبوي الشريف او بقية العلوم الاخرى والتأكد من سلامة عقيدتهم وسيرتهم الاخلاقية ورغم ذلك التشدد في القبول فأن الكثير من الوضاعون قد فلتوا من الرقابة،لا بل اصبحوا على مرتبة عالية من الاحترام والتقدير والقدسية!...
الكثير من المصادر الخبرية والتي تنقلها مختلف وكالات الانباء هي ناتجة من رؤية او تحليل فردي! وبالتالي نكون تحت رحمة اصحاب تلك الاراء وبالتالي علينا التأكد منها ومن ثم قبولها بعد ذلك...هذا كما هو موجود في حياتنا اليومية والخبر او الرأي يكون من وكالة انباء مشهورة، فكيف هو حالنا نحن اذا قبلنا خبرا او تحليلا ما صادرا من شخص قد يكون احيانا قريب الينا؟! ثم الاكثر صعوبة هو كيف يتم تداول وتوارث هذا الخبر او الرأي؟!... بالتأكيد حالنا سوف يكون ضعيفا ومأساويا خاصة في ظل انعدام وسائل النقد والتحليل التي غالبا ما نهملها لاسباب شتى...
اذا كانت المصادر الجماعية هي ضعيفة وخاطئة احيانا فكيف يمكن تقبل رأي فرد ما وخاصة مشاهداته او تصوره حول وضع معين؟!. لا شك ان الامر هو غاية في الصعوبة!...
عندنا الكثير من الامثلة التي تبين لنا ان المجموعة تخطأ في مجالات كثيرة، ففي البرنامج الشهير(من سيربح المليون) شاهدنا وبشكل يثير الاسى والحزن كيف يتم الاستعانة بالجمهور المشاهد والذي يختلف غالبا في اجوبة الكثير من الاسئلة البسيطة حتى انه يعطي اجوبة خاطئة مضحكة يرفضها المشارك الواعي !.. مما يعني ان الاعتماد الكلي على الجمهور هو خطأ كبير حتى ولو كان الظاهر يدل على امتلاكهم امكانية ثقافية لا بأس بها،ولذلك نرى ان العينات العشوائية البسيطة والتي يتم الاستعانة بها بغية معرفة راي الشارع حول مسالة ما،نراها تختلف في الدقة ولكن كلما كان حجم المجموعة كبيرا ونوعيتها اكثر انتشارا في المجتمع كان حجم الدقة اعلى وبالتالي يمكن لنا الاخذ بصدقيتها النسبية وليست المطلقة لاستحالة الاخيرة!...
اذا علينا التأكد من الخبر او الرأي من خلال الاستعانة بكل مصادر التحليل والنقد ووضعها تحت منظار موضوعي لا يحتمل الشك حتى ولو بجانب من جوانبه،كما ينبغي لنا جميعا فحص ما سبق وعدم ترك عقولنا تتقبل المتوارث من الاخبار والاراء دون الفحص والمقارنة مع المتعارض منها خاصة اذا كان الاخير يمتلك امكانيات عالية في البرهان والتقييم...الشجاعة الادبية يجب ان تكون وسيلتنا الرئيسية لمعرفة الحقائق الكاملة،فلولاها لبقينا على استحياء في رفض الخطأ لان مصدره يمت لنا بصلة مثلا! وهنا يكون هدفنا الرئيسي هو الحقيقية الموضوعية في تقبل مصادر الرأي سواء فردية او جماعية،ولا بأس الاستعانة بمن نختلف معهم في كل شيء اذا كان الاخر يمتلك جزءا من الحقيقة ...

2010/02/21

موسوعة المختار من الاخبار:6


موسوعة المختار من الاخبار:6
6-انهيار القيم المعرفية!:
التقرير الذي نشر في موقع بي بي سي(18-2-2010)حول تحول المكتبات الشهيرة في مدينة حلب السورية الى محلات لبيع الحلويات والالبسة،يشير بوضوح الى حدوث كارثة معرفية في بلد اشتهر بالثقافة وبمختلف اتجاهاتها حتى انجب عددا كبيرا من المثقفين في شتى فروع المعرفة واصبح له مجال واسع ضمن الخارطة الثقافية في الشرق الاوسط...
اشار التقرير الى ارتفاع عدد سكان مدينة حلب وهي ثاني اكبر مدينة في سوريا من نصف مليون منتصف القرن الماضي الى اربعة ملايين حاليا مما يعني تضاعف عدد السكان ثماني مرات وبقاء عدد المكتبات على حاله! ورغم المقياس واضح الا ان التقرير يقع في خطأ كبير عندما يصف نسبة الانخفاض في عدد المكتبات بحوالي ثلاثة اضعاف لثبات عدد المكتبات وبذلك يكون الانخفاض في المستوى التعليمي والثقافي بحدود ثلاثة اضعاف!بينما حسب نسبة الزيادة السكانية يكون الانخفاض بحدود ثمانية اضعاف!!وليست ثلاث!...ولكن رغم الاختلاف فالحالة كارثية بلا شك في حجم مدينة اشتهرت بالعلم والعلماء كحلب! ،فكيف يكون الوضع مع المدن الصغيرة الاخرى؟!... اكيد الوضع اكثر كارثية وبذلك نكون امام واقع جديد في زمن يوصف بعصر المعلوماتية وانتشار التعليم بمختلف انواعه!...
قد يكون السبب المطروح بأنه اقتصادي كما جاء في التقرير ولكن اصحاب المكتبات يقولون انهم خفضوا اسعار الكتب بنسبة 70% مما يعني ان ذلك التفسير ليس هو سببا معقولا وحتى لو صح فأن على الحكومة توفير الدعم الضروري لتيسير مصادر المعرفة للجميع كما تفعل غالبية دول العالم...
ثم ان تحول الاتجاه نحو كتب الطبخ والتنجيم والاحلام يعني انحدار فظيع في المستوى النوعي وليس الكمي فقط بل ويشير الى عدم وجود مكتبة واحدة في الاحياء الجديدة مما يعني تحول في اتجاه رغبات السكان نحو اشياء اخرى ...بل ان زينة البيوت وهي تقليديا المكتبات(60%) ايضا ضعفت تلك الرغبة لدى الجميع مما يعني شبه اندثار لتلك العادة الحميدة...
هذا التقرير رغم انه يشير الى مدينة حلب والى سوريا الا انه يشير بطريقة غير مباشرة الى كل مدينة عربية والى كل بلد عربي،وهذا يدل على انتشار الامية الثقافية التي هي اخطر بكثير من الامية الابجدية،واذا تفاؤل البعض بأنتشار المعلوماتية من خلال الانترنت وبقية الوسائل الاخرى ففي الحقيقة انتشار اخر للامية التقنية لكون ان انتشار الوسائل الجديدة كالانترنت لا يدل على استخدامها كوسيلة جديدة لاكتساب المهارات الثقافية برغم وجود مجال اوسع للتحرر من الرقابة القاتلة للابداع والعقول!...بل هو دليل على انتشار استخدام تلك المصادر الجديدة للهو وقضاء الوقت واستفراغ الهمة في متع جديدة كما يحصل في مشاهدة القنوات الفضائية التي لا يحصى عددها بينما في السابق كان تأثير قناة تلفزيونية واحدة اكبر بكثير من خلال برامجها الثقافية المتنوعة وارتفاع نسبة المتابعة لها فضلا عن نوعيتها!...
اول نتائج انتشار الامية الثقافية في العالم العربي ما نلاحظه في انخفاض اعداد العلماء والادباء وكل المثقفين في شتى فروع العلم والمعرفة...بل وانخفاض فظيع في المستوى الكيفي مما يعني اننا امام كارثة يشترك الجميع في صنعها دون ادنى اهتمام لخطورتها وما تشكله من بروز ظاهرة التخلف في مجتمعاتنا بحيث اصبح المثقف الببغائي وهو الملقن الذي يلقن الاخرين اشهر من نار على علم لانعدام فرص المنافسة بل ايضا لانعدام فرصة ظهور المثقفين المبدعين!!...ويمكن رؤية مظاهر انتشار الجهلاء المتعصبين والذين يملئون الفراغات الثقافية ووسائل الاعلام كنتيجة طبيعية لذلك الانحدار الثقافي الدال على انحدار حضاري لكون الثقافة هي مصدر كل حضارة بل واساسها الذي لولاه لانهارت بلا شك...
قد يقول قائل ان العالم الغربي يعاني نفس المشكلة ولكن في الحقيقة انه لا يعاني نفس حجم المشكلة بل مازال التشجيع على القراءة كبيرا ومنذ الصغر بحيث يتم ترغيب الاطفال في المكتبات العامة والخاصة بشكل مثير مع انتشار كافة الوسائل الحديثة وتوفر اعداد كبيرة من المختصين المخلصين الذين يعملون بأخلاص ووفاء في مجال عملهم لا كما نلاحظه كسجناء ومجبرين في البلاد العربية...
بالرغم من وضوح المسؤولية الحكومية في هذا التردي الذي يحتاج الى مجلدات كثيرة لشرحه من كافة الاتجاهات وتوضيح ابعاده الا ان المساهمة الشعبية واضحة الى درجة عجيبة وكأنها شركة مساهمة تعطي ارباحا للمشتركين فيها من حكومات وشعوب!!...اكيد للحديث بقية ولكن نختصر هنا بغية توفير المشاعر المؤلمة الى اتجاهات آخرى!!...

2010/02/19

زيت اوميغا 3


زيت اوميغا 3:
اثارت انتباهي فصلا من كتاب د.شرايبر حول العلاج من القلق والاكتئاب والصدمات العاطفية بدون ادوية ومركبات كيمياوية التي تؤثر سلبيا على جسم الانسان وتكون نتائجها ضعيفة وعلى فترات زمنية طويلة،والفصل المذكور من الكتاب يتحدث عن اوميغا 3...وهي احماض دهنية يحتاجها الانسان وتتواجد بكثرة في الاسماك وبعض المنتجات الحيوانية والنباتية وتوجد هناك ايضا اوميغا 6 و 9 ولكن الافضل هو 3...ويمكن لمن يريد المزيد من المعلومات عنه مراجعة شبكة الانترنت او الكتب العلمية... ولكن المثير في فوائد هذا النوع من الزيوت هو القضاء على الاكتئاب والقلق وانعدام الرغبة في الحياة خاصة في الحالات المرضية التي تواجه الانسان احيانا بدون سبب معقول!...ورغم التطور الطبي الا انه يبقى دون المستوى المطلوب خاصة بالمقارنة مع تقدم الاتصالات والتكنولوجيا الصناعية، والسبب الرئيسي يعود الى انخفاض حجم الانفاق في العالم اجمع على البحوث الطبية بالاضافة الى عزوف عدد كبير من الاطباء عن البحث العلمي لكونه اقل ايرادات مالية من العمل في العيادات!...
يعني خلال السنوات القليلة الماضية يتم اكتشاف الكثير من الحلول البسيطة من خلال التجارب ومنها اكتشاف فائدة اوميغا 3 في حالة النساء الحوامل، فمعروف ان النساء بعد الولادة يواجهن مشكلة الاكتئاب والتي تكون صعبة جدا في بعض الحالات وتؤثر على صحة الاطفال بصورة مباشرة،ولكن عند منح المرأة قبل وبعد الولادة دهون اوميغا 3 وحسب الحجم الطبيعي لحاجة الجسم اكتشفوا ليس فقط زوال الاكتئاب وتحسن حالة المرأة الصحية بل حتى زيادة في قدرات الذكاء لدى الطفل...هذا يعني ان هذا النوع من الدهون والتي اكدت نتائج التجارب عليه ان له تاثيرات ايجابية كبيرة على الدماغ من خلال زيادة قوة الذاكرة وتحسن المستوى الذكائي مع زوال حالات الاكتئاب والمرض النفسي التي تنتشر في العصر الحديث كأحد سلبيات الحضارة !...
وكان من نتائج الدراسات الاحصائية انهم وجدوا ان الامراض النفسية اقل مستوى بكثير في دول الشرق الاقصى منها في الغرب ويعود السبب الى كثرة تناول الاسماك الحاوية لزيت اوميغا 3...
ورغم انني لا اتناوله الا انني بعد الانتهاء من قراءة الفصل المختصر سألت صديقا يتناوله يوميا على شكل حبوب تباع عادة في الصيدليات فأكد انه وابنائه يشعرون كثيرا بفوائده من خلال زوال حالات الامراض النفسية او على الاقل ضعف الاحساس بها كما يشعرون بقوة في الذاكرة وتحسن في الاستيعاب مما يعني آثاره تظهر في الدماغ الذي هو مركز قيادة الانسان...
الا ان التحذير يبقى من بعض الاسماك التي تربى في احواض كبيرة لان مستوى الدهون لديها اقل من التي لا تربى لان نوعية غذائها هو غير الموجود في البحار كالطحالب والاعشاب البحرية!...
غالبا ما نهمل نوعية طعامنا حتى لو اطلعنا على تفاصيل الدراسات الطبية التي تدعوننا الى زيادة تناول البعض وتقليل البعض الاخر وقد يعود ذلك الى اسباب عديدة ولكن يبقى الكسل والشهية السببان الرئيسيان في ذلك وعموما يمكن للتجربة ان تجعل الانسان يغير شيئا ما من سلوكه الغذائي على الاقل للحصول على فوائد تجنبه الشكوى الدائمة!!...  

2010/02/18

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع والخمسون

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الساسطورة التغيير الفوقي -القسم السابع والخمسون
المبحث الثامن:
العداء المتبادل بين الشعوب!
التعبير الصادق عن سوء العلاقات بين الانظمة الفوقية يتمثل بأسوأ حصيلة ثقيلة وهو الكره المتبادل بين الشعوب!...انه من السفاهة ان يتم اتباع انظمة فاسدة تتحكم بها طبقات فوقية سائدة في علاقاتها مع انظمة وشعوب اخرى! بينما يتم رفضها في بقية الاجراءات الاخرى...الرفض اما  ان يكون شاملا او لا!اما كيف تنجر شعوب بأكملها الى السقوط في مستنقع الكراهية والحقد ومتبعة طريق اولياء الامر المعصومين؟! فتلك هي من نتائج فقدان الوعي الجمعي واتباع الغرائز التي تتحكم في بعضا منها،غرائز التملك والتحكم والعيش برفاهية مفرطة ولو على حساب الاخرين الى اخره من الغرائز المتحكمة بالسلوك الفردي الذي يصبح جماعيا في ظل فقدان سيطرة اصحاب الحل والعقد من العقلاء على مقاليد الامور...
لقد سبب الصراع بين الدول مشاكل كارثية على المستوى العالمي منذ بدء الخليقة! فقد اصبح الشر يعم دون ان يجد من يوقفه لكون الالة المتحكمة فيه جهنمية لا تعرف للرحمة والشفقة معنى يمكن ان يحد من عملها،ولذلك كان اعظم أثر جانبي يتمثل في استمرار حالات الكره والحقد والعداء المتبادل الى فترات زمنية طويلة تتغذى على التاريخ الاسود في العلاقات الدولية...
خلال فترات الصراع بين الدول المتحكمة بها فئات فوقية يشترك في النزاع غالبية فئات المجتمع لكون فئاته الفوقية تجبره بطريقة او بأخرى على المشاركة او تحفز فيه الرغبة فيه من خلال الحصول على جزء من الغنائم! او ارهابه بأن فقدان النصر معناه فقدان املاك الوطن وانتهاك حرماته،ويكون ذلك كله خاضع لعملية غسيل دماغي شعبي يصبح المعارض لها بمرتبة الخائن او العاصي الذي يجب اقتلاعه او في اقل الاحوال منعزلا عن الجميع وبالتالي تكون الحالة اكثر سوءا من خلال شمول فئات بعيدة كل البعد عن كل مجريات الصراع وقذارته وخاصة الفئات الثلاث التي تنتهك حرماتها بأستمرار ومتسببه بكوارث وجرائم لا حدود لها!...
لا تحترم قواعد السلوك الانساني خلال النزاعات والحروب وبالتالي سوف تكون نتيجة ذلك خلق حالة رد فعل من الطرف الاخر تستمر فترة طويلة من الزمن يحاول خلالها السير على نفس المنهج الدموي وبالتالي فأن الاطراف جميعها تصبح خاضعة لمنطق العداء والرغبة في الانتقام تستمر في الذاكرة الجمعية لفترة طويلة ويستثنى من تلك الحالة اذا كان احد جانبي الصراع متوحشا ضد ابنائه الى درجة يتمنون فيه خسارته على يد الخصم الاخر الذي يكون في حالة ارفع سموا منه وبالتالي فأن للقاعدة ايضا شواذ تتم الاشادة بها دائما في التاريخ...
تتكون الالة العسكرية والامنية من افراد الشعب ويشكلون احيانا جزءا مهما منه اذا اضفنا اليه افراد اسرهم،وهؤلاء هم وقود الحروب والصراعات وعندما يمارسون الفضائع والتي تكون عملية طبيعية في الصراع المسلح لان اساسه هو ابادة الاخر او أذلاله ! مما يعني ان صفة المشاركة سوف تنتقل الى غالبية افراد الامة والذين يكونون مهيئين لتلك العملية المشينة دون ان يشتركوا فيها او يحصلوا على فوائدها وبالتالي حصاد العداء من قبل الاخر الذي يكون في نفس الحالة من السوء.
العداء المتبادل بين الشعوب ليس حديثا بل هو قديم ولكن الاكثر اثارة للسخرية انه يستمر رغم نهاية الدول المتحكمة بمصائر شعوب متعددة وزوالها من الوجود!.
وعند قراءة استعراضية للتاريخ يتبين لنا ان أثر الصراعات مازال موجودا لحد الان ويظهر بين الحين والاخر على شكل نتاج ادبي يحاول البروز من خلال العيش على الذكريات المريرة والذاكرة التي تكون غالبا مزيفة واستخدامها كمجالات متاحة للابداع المتهافت! برغم ان الاجيال قد تبدلت ومعها تغيرت المصالح المشتركة الا ان توارث العداء والاحقاد اصبح سمة سائدة للبشر الذين يوصفون انفسهم بسادة الكون لكونهم عقلاء فيه ويختلفون عن الكائنات الاخرى!...
ومن بين تلك الصراعات الدموية التي ولدت حقدا وكرها متبادلا هو بين العالم الاسلامي والغرب المسيحي! برغم ان الاثنان يدينان بدينين سماويين يحثان على الحب والسلام والتعايش السلمي!...وقد جاء ذلك من جراء التوسع الاسلامي ضد الحضارات التي كانت سائدة خارج شبه الجزيرة العربية والتي تحكمها نظم مستبدة يحاول المسلمون تحرير شعوبها ومنها الحضارة الرومانية المسيحية التي استمر الصراع معها قرون طويلة بعكس انهيار الامبراطوريات الاخرى الوثنية بسرعة ! ولكن اغلبية الفتوحات قد وقع اثناء الخلافتين الاموية والعباسية واللتان كانتا بالاسم مسلمتان والعثمانية الى حد ما، بينما هي في الحقيقة ممالك لاتختلف في وحشيتها وفسادها عن وحشية وفساد امم الغرب في حينها،وساعدت الالة الاعلامية المزيفة التي يمدها المغرضون وكتاب كل حكومة زائلة!(لا تزول آثارهم المكتوبة برغم زوال دولهم!)، بالاخبار المبالغ فيها والكاذبة في اشعال نار الفتنة بين الطرفين ظهرت في الحروب الصليبية والتي كانت بشعة الى ابعد الحدود ومثال بارز على قوة العداء في نفوس الشعوب دون ان تعي حقيقة ذلك العداء والحقد والريبة المتبادلة،ولم تنتهي حالات العداء والكره المتبادل بعد انتهاء الحروب الصليبية بل استمرت طويلا من خلال ظهور الاستعمار الاوروبي وتحكمه بغالبية شعوب العالم الاسلامي! مما ساعد على ادامة ذلك الصراع بطريقة مثيرة للاشمئزاز بحيث لم تنتهي بأنتهاء الاستعمار بل استمرت لحد الان بالرغم من انعدام حالات الصراع المسلح بين الطرفين الا انه عودة العداء المتبادل قد ظهرت بصورة نظريات عديدة وكان اخرها صدام الحضارات ثم تطورت الى تطبيق عملي جديد من خلال احداث سبتمبر 2001 ! وما تلاها مما ادى الى شيوع حالة الهياج الجماهيري الغير منضبطة في العداء ورفض الاخر عادة متسببة بكارثة انسانية اصبحت متحكمة في السلوك الرسمي والشعبي!...وبالرغم من ظهور نظريات ودعاوي التعايش السلمي من قبيل حوار الحضارات الا انها فشلت في تحقيق ما تصبو اليه من آمال مشرقة(غالبا ماتنجح دعاوي العداء والتفرقة بين البشر وتفشل دعاوي السلام والاخاء!!)...
من المثير ملاحظة ان مساحة العداء بين شعوب العالمين الاسلامي والغربي هي اكبر منها مع الشعوب الاسيوية غير المسلمة مما يعني ان الاديان السماوية لم تؤثر بطبيعة وسلوك تلك الشعوب الى درجة تحكمها بغرائزها !بينما بقيت الشعوب البدائية او التي تدين بالوثنية بعيدة الى حد ما من المشاركة في هكذا عداء!وقد يعود ذلك الى ان تلك الشعوب تحكمها عقيدة ضعيفة التاثير على الاخرين وليست لها القدرة على الصمود والتصدي لكافة الاشكالات النظرية مما يضعها دائما في موقع الدفاع المستمر الذي يخلو في حالة تمكنه من الهجوم على الاخر!...
ليس العداء والحقد والكره المتبادل منحصرا بين حضارتين تجمعان شعوبا بأكملها، بل هو ايضا يقع في داخل شعوب كل حضارة بل ايضا ويقع داخل فئات الامة الواحدة مما يعني انه ليس هنالك حدود للعداء والكره،من قبيل الاكراد في البلاد التي يتواجدون فيها او السيخ في الهند او قبائل الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي.... ومن الخطأ وصف حضارة ما بأمتلاكها لصفات الانقسام الحاد بين مختلف شعوبها دون غيرها وانما ذلك يخضع لدرجة القمع الحكومي ومدى التأييد الشعبي الجزئي له! هذا يعني انها صفة عامة يمكن رؤيتها مع شديد الاسف في كل بقاع الارض ولكن تختلف درجة درجات العداء والكره بأختلاف درجات وحالات الصراع ومدى شموليتها!...
امثلة منتخبة:
يمكن رؤية حالات العداء والحقد ظاهرة لحد الان بين الانكليز والايرلنديين نتيجة لحالات الاستعباد والاستعمار الطويلة من جانب انكلترا لايرلندا ولم تشفع حالة الديمقراطية في البلدين الا في تقليل مستواها الى ابعد حد رغم ان الذاكرة الجمعية  للشعبين والتي تتمثل بتراث ادبي واجتماعي بشع، مازالت محتفظة ببعض آثار تلك الصراعات الدموية المخزية...
ويمكن ملاحظة شعوب عديدة اخرى ايضا مازالت تحتفظ بعدائها للانكليز سواء في اوروبا او في العالم الثالث وهذا ناتج من التاريخ الاستعماري الطويل مما يعني ان بناء امبراطوريات استعمارية تتحكم فيها فئات عليا متحكمة هي مسبب رئيسي لحالات العداء والصراع المتبادل بين الشعوب بينما تكون حالة التعايش السلمي بين الامم الحرة سببا رئيسيا في ازدهار الحضارات ورقيها فضلا عن سيادة مشاعر الاخوة المتبادلة التي تحفظ للجميع حقوقهم وتجعل حالات النزاع منحصرة في اطرها الرسمية السلمية دون ان تصل الى المستوى الشعبي الذي يغلب عليه عدم الانضباط والقدرة في التحكم بالمشاعر الداخلية...
او في مثال آخر في عداء الكثير من الشعوب التي خضعت للامبراطورية الروسية في زمن القياصرة ثم الاتحاد السوفييتي السابق بما في ذلك شعوب اوروبا الشرقية بعد ذلك...
اما في العالم الاسلامي فمازال العداء والكره منتشرا بين شعوبه الى درجة توصف بالكارثية لانها سببا رئيسيا لاستنزاف الموارد والجهود التي كان من المفروض ان تكون للبناء والتعمير وترقية النفوس!...
ان التيارات القومية لا بد لها في النهاية ان تصل الى درجة التعصب(مع اختلاف درجة الشدة)! من خلال صراعها الحتمي مع القوميات الاخرى وهي بذلك تكون احد اهم الاسباب في ديمومة الصراعات والاحقاد ويمكن ملاحظة ذلك في بعض حالات العداء القومي بين العرب وبين الطرفين الفارسي والتركي اللذان تحكما بجزء كبير من العالم العربي او بالعكس وبرغم ان حالات الوفاق تضعف درجة العداء الا انها تظهر بسهولة من جديد وتستشري الى درجة عجيبة أثر اي صراع سياسي متجدد مما يعني ان مرتكزات التفكير مازالت تعتمد في سلوكها على ذاكرة جمعية قديمة لا تزول بسهولة اي جمر تحت الرماد!...
اما داخل شعوب العالم العربي فالحالة وصلت الى درجة مثيرة اصبحت معها مباراة رياضية او جريمة قتل فردية تثير العداء والاحقاد ليشمل فئات اخرى عديدة من المجتمع والاكثر غرابة هو مساهمة الفئات المثقفة وبعض الرموز الدينية في الصراع بل وقيادته بدلا من الوقوف بحزم امامه خاصة اذا عرفنا ان من يقف ضد مواطنيه في عدائهم وحقدهم سوف يكسب الاحترام والتقدير من الجانب الاخر ويكون خير رسول للسلام والمحبة ،ولكن درجات الانحطاط والتردي الحضاري اصبحت مرعبة لدرجة اليأس الشامل من توقع اي تغيير يمكن ان يحرر الجميع من ذلك السلوك الهمجي المخالف لكل الفضائل الانسانية...
من اسباب العداء الواهية هي تحميل شعب ما بذنب نظامه القهري او جيشه لكون ان النظام واجهزته العسكرية والامنية نفسها لا تتردد في قمع شعبها بنفس قسوتها تجاه الاخر ان لم يكن اكثر! ثم ان الاخر هو نفسه يمارس نفس القسوة مع شعبه ولكن تختلف درجات الحدة بأختلاف حجم الدولة وقسوة نظامها ونوعية الايديولوجية السائدة ،فهل يمكن القول ان شعوب الاتحاد السوفييتي السابق مسؤولة عن حروب وجرائم ستالين او الشعب الفرنسي عن حروب نابليون او الالماني عن حروب هتلر كأمثلة نموذجية من التاريخ المليء بأمثال لا تعد ولا تحصى هذا يعني براءة الشعوب المستضعفة حتى في حالة الدول التي تتبع الديمقراطية منهجا ثابتا للحكم من تبعات وآثار انظمتها !وهذا يعطي تأكيد على ان براءة نظام ما من عداء وحقد تجاه الاخر هي معدومة في عالم يعيش منذ بدايته في غابة يسود فيها القوي ويذل ويحطم الضعيف!...
يبقى المثال الاروع في تجاوز حالة العداء والحقد والريبة الى حالة التحالف الرسمي المرتكز على قاعدة شعبية متينة هو في حالة المانيا وفرنسا المتجاوران واللذان خرجا من حروب مدمرة بينهما سببت مآسي كثيرة الا ان ابتعاد البلدين عن حالة الحكم الاستبدادي الذي تتحكم به فئات فوقية الى حالة الحكم الديمقراطي المستند على قواعد الليبرالية والارادة الشعبية برغم اختلافهما اللغوي والتاريخي الكبير جعل منهما نموذجين مثاليين للتعايش السلمي الفريد حتى انهما تفوقا في درجة تحالفهما في مرات عديدة ضد من قام بتحريرهما من النظام النازي ونقصد به امريكا!! مما يعني ان لنوعية النظام السياسي والاجتماعي تأثيرا كبيرا في ازالة حالات العداء والاحقاد المتبادلة وبناء حياة جديدة خالية من اي اثر او على الاقل جعله محصورا ضمن نطاق ضيق لا يسمح له بالنمو والسيطرة...

2010/02/16

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس والخمسون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم ال
اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس والخمسون
من اخطر انواع الارهاب هو الارهاب المتلبس بلباس ديني او مذهبي لان الاديان بصورة عامة هي ضد العنف والارهاب ولكن التفسير الشخصي الضيق والتعصب له هو الذي يلبس الارهاب بلباس ديني مزيف،وتكمن خطورته انه يمكن تبريره بشتى الطرق الشرعية ثم جعل فاعله بمرتبة المجاهد او القديس او الفدائي! خاصة في قتله الابرياء بطريقة وحشية او التلذذ بتعذيبهم او اغتصابهم الى اخره من الاعمال الوحشية التي خرجت من الوصف الادبي لها الى المجال المرئي! بفضل انتشار التكنولوجيا الحديثة التي اصبحت تستخدم في نشر الارهاب بدلا من نشر العلم والوعي بين الاخرين! والقاتل هنا اذا اخطأ فأنه اخطأ في الاجتهاد وبالتالي له اجر واحد! وكأن ذلك الخطأ ليس جريمة كأي فعل جرمي الذي هو ايضا اجتهاد شخصي من القاتل وحسب ظروفه الشخصية!...
استخدام احدث الوسائل التكنولوجية وخاصة في مجال الاتصالات هو وسيلة مفضلة لزرع الرعب والخوف بين الاخرين وكذلك عملية تضخيم الاحداث خاصة بالنسبة لاخرين يعيشون بعيدا عنها مما يجعلهم يتلقون المعلومة دون التأكد من صحتها ثم تأخذ الكثير من الصور المرئية لتؤكد المعلومة وقد تعجز الوسائل الاخرى في الغالب من الحد من ذلك التضخيم خاصة بين من يؤيد تلك الاعمال الوحشية لسبب او آخر مما يعني مضاعفة المآساة الانسانية من خلال انتشار الارهاب ثم انتشار الدعم المعنوي له ... والصراع المستمر بين الارهاب الحكومي والارهاب المضاد هو حرب علنية ولكن غير تقليدية وتأخذ وسائل مختلفة ولفترات زمنية طويلة حتى يعجز اصحاب الحل والعقد من انهائها وبالتالي تتسبب في خسائر مادية او معنوية لاحدود لها...
الارهاب مارسته العديد من الحركات السياسية المتطرفة كوسيلة لاجبار الرأي العام على الخضوع لارائها وايضا لارهاب العاملين في الدولة للتنازل والمساومة...وفي الحقيقة انتشر ارهاب الرأي العام في العقود الاخيرة ويعود السبب الرئيسي الى قوة الاجهزة الامنية وخاصة حمايتها لافرادها بينما تهمل حماية المجتمع من آثار اعمالها! لان القدرات الامنية تبقى محدودة وليست شاملة للجميع وكذلك كون افراد المجتمع هم اهداف سهلة على المهاجمين فضلا عن كونهم سلاح اعلامي!...
لوحظ ان الارهاب يقل كثيرا في داخل الدول التي تمتلك اجهزة قمعية مرعبة بينما يزداد قوة في الدول التي خرجت من عباءة الديكتاتورية حديثا او التي تخف القسوة الامنية فيها! ويعود ذلك الى الرعب والخوف على الحياة وسلامتها من انتهاك الاجهزة الامنية لها في الحالة الاولى والتي تمارس رعبا مبرمجا للقضاء على اي بذور للتمرد في داخل كل شخص! مع علمها اليقيني انها لا تستطيع اقتلاعه وانما مجرد اخماده الى اجل غير مسمى!...
الارهاب لا يستطيع تغيير الافكار والاراء التي يعتقد بها اصحابها!...نعم قد يجعل افرادها يخضعون ظاهريا او يمارسون التقية للخوف على ديمومة الحياة ولكن معتقداتهم سوف تبقى حبيسة الصدور الى ان تحين الفرصة لاخراجها الى ارض الواقع، بالرغم من ان الكثير من الاراء والافكار والمعتقدات قد قضي عليها بفعل الارهاب الحكومي كما هو الحال في اسبانيا بعد سقوط غرناطة عام 1492 الا انه سرعان ما تحل محلها اراء ايضا لها صفة المعارضة! ولكن يبقى للارهاب الفكري اثره الظاهر وخاصة من خلال تخوين الاخرين او اتهامهم بالعمالة كما حصل مع الانظمة الشيوعية واليسارية ضد خصومها او اتهام الاخرين بالكفر او الشرك كما يحصل للتيارات السلفية او الجهادية ضد خصومها او من يختلف معها بالرأي والعقيدة!! والنوع الاخير اخذ في الانتشار في العالم الاسلامي منذ مطلع القرن الخامس عشر الهجري الى درجة اصبح يعتبر حربا داخلية تثيرها اطراف عديدة وخاصة من حكومات عرف عنها البعد عن الدين فضلا عن الاعتقاد به! لتحقيق مآربها الانية دون الاهتمام بخطورة تلك الاعمال التي تصل الى حد ابادة مجموعات بشرية كاملة وهي جريمة تعاقب عليها كل القوانين السماوية والارضية!...الا ان تعميم الارهاب على المسلمين فقط هو خطأ كبير لكون الارهاب عالمي ينتشر في كل مكان،ولنا مثال على الارهاب الصربي الذي تجلت وحشيته المفرطة في حربي البوسنة وكوسوفو في عقد التسعينيات من القرن العشرين...
امثلة مختارة:
لنبدأ بأختيار امثلة غير شرقية حتى يمكن اثبات ان التطرف والارهاب لا يختص بطرف دون اخر او بزمن دون آخر!...
1-الارهاب الشيوعي:
الارهاب الشيوعي الذي تحكم بروسيا وبشعوب اخرى كثيرة في داخل الاتحاد السوفييتي السابق وايضا في الدول التي خضعت له في اوروبا الشرقية لفترة طويلة هو نتيجة طبيعية لحالات التطرف في الفساد والديكتاتورية للحكم القيصري وفئاته الفوقية التي استمرت في تعصبها الاعمى لفترة طويلة دون ان تعي ان ذلك سوف يؤدي الى نشوء تطرف مضاد سوف يقضي لاحقا عليها بمجرد توفر الظروف المناسبة له! وقد كان امام الحكم القيصري فرص عديدة للاصلاح الجذري بغية المحافظة على استمرارية الحكم ولكن التعصب والاستبداد الفوقي الغبي هو الذي اعمى بصيرتهم في ضرورة اتخاذ الوسائل الكفيلة بتفريغ شحنات الغضب المخزونة في صدور المعارضين!... فقد تأسست في المنفى الكثير من الاحزاب الاشتراكية المتطرفة وبخاصة الشيوعية منها ويمكن القول ان ثورة عام 1905 ضد الهزيمة امام اليابان هي جرس انذار مبكر ولكن قمع الثورة والاصرار على عدم منح الاصلاح طريقه ليصلح البلاد هو الذي وفر الظروف المناسبة لنمو التطرف وبأقصى حالاته الدموية التي وصلت حد ابادة الملايين من البشر من غير المشاركين للطبقات الفوقية في الحكم القيصري لان التطرف اعمى لا يميز بين البريء والمذنب الا في نطاق ضيق يكون غالبا بعد فوات الاوان!...فقد بدأ الارهاب الحكومي المنظم والرهيب بعد انتصار ثورة 1917 والتي خرجت من مسارها الطبيعي الى مسار الاستبداد الذي مثله ستالين ابشع تمثيل وهو المعروف عنه انه من اقسى الطغاة وأكثرهم اجراما ورعبا في التاريخ،فكانت البداية ضد المعارضين السياسيين ومجموعاتهم المسلحة ثم تطور الامر الى كل من يعارض اجراءاتهم القمعية حتى وصل الامر الى ابادة شعوب بأكملها وتحويل اكبر بلد في المساحة في العالم الى سجن مرعب لا يتصور بشاعته الا من عاش في ظله،وبرغم وفاة ستالين(اصبح نموذجا مثاليا للطغاة الجدد) عام 1953 ورغم ان خلفاءه خففوا من اجراءاته القمعية الوحشية فأن الاستبداد الشيوعي استمر حتى سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 ! مما يعني ان التطرف الشيوعي وارهابه المعروف كان من اهم اسباب الانهيار للمنظومة الشيوعية في اوروبا،مما مهد السبيل الى ظهور الحركات القومية العنصرية والتي ارهبت خصومها مما سببت بظهور ارهاب عالمي جديد تمثل في الحروب والنزاعات في البلدان الشيوعية السابقة مثل روسيا في الشيشان او في يوغسلافيا السابقة او الحرب بين آذربيجان وارمينيا الخ...
تمثل الارهاب الشيوعي في بناء اجهزة حكومية امنية عديدة تساعدها في عملها الاحزاب الشيوعية الحاكمة ومنظماتها المتعددة وساهمت جميعها في تأسيس سلطة ديكتاتورية مرعبة مارست الارهاب الداخلي واحيانا الخارجي ايضا في تمويل حركات متطرفة او انظمة قمعية اخرى موالية وخاصة في العالم الثالث،وكانت نتيجة الارهاب الشيوعي سقوط عشرات الملايين من الضحايا الابرياء! مما يعني انه كان الارهاب الاكبر في القرن العشرين.
وكان التطرف والارهاب الشيوعي حاضرا بقوة في آسيا من خلال الانظمة الشيوعية مثل الصين وفيتنام ومازالت كوريا الشمالية نموذجا مثاليا حاضرا للارهاب الحكومي الشيوعي المنظم الذي حول البلاد الى سجن مرعب!.
2- الارهاب في العالم الثالث:
كما هو معروف فأن الغالبية الساحقة من دول العالم الثالث هي انظمة قمعية فاسدة ومتخلفة الى ابعد الحدود المتعارف عليها! وهي استفادت كثيرا من الصراع بين العالمين الرأسمالي والشيوعي اثناء فترة الحرب الباردة في بناء انظمة ارهابية متطرفة في داخل وخارج بلدانها حتى اصبح التطرف والارهاب والتمرد هو من سمات العالم الثالث التقليدية!... فقد وصلت انظمة الى قمة الوحشية الارهابية من قبيل نظام بول بوت في كمبوديا الذي اباد ثلث الشعب خلال اربعة اعوام فقط!! او ارهاب الانظمة الموالية للغرب في جنوب شرق اسيا من قبيل نظام سوهارتو في اندونيسيا الذي قتل مئات الالاف من المعارضين في عام 1966 فقط، ونظام ماركوس في الفلبين ونظام بورما العسكري الذي مازال يمارس الارهاب الحكومي منذ نصف قرن!...
اما في افريقيا فالحديث يطول لانه من النادر ان تجد نظاما لم يمارس الارهاب ضد مواطنيه! مما يعني انها خير منتج لحركات ارهابية معارضة ويمكن ملاحظة بعض الامثلة النموذجية مثل اثيوبيا التي عاشت مرحلة ديكتاتورية الملك هيلا سيلاسي الارهابية والتي اخرجت لنا نظاما ارهابيا اخر حل محله بفعل حالة التطرف المضاد وهو نظام منغيستو الشيوعي الذي انهار هو الاخر بعد ان نشر الخراب والدمار في البلاد التي تمزقت بفعل تلك الاحداث المؤلمة...
وهناك النموذج الانغولي التي جعلت البلاد في حالة حرب اهلية بين الارهاب الشيوعي الحكومي والارهاب المعارض الموالي للغرب حتى توقف مؤقتا بمقتل زعيم المعارضة عام 2002!...
اما في روديسيا الجنوبية والتي يطلق عليها الان زيمبابوي فقد كان الصراع بين النظام العنصري ومعارضيه يخضع لقاعدة الارهاب الحكومي والارهاب المضاد الذي انتهى الى الحالة المأساوية الان في سيطرة الارهاب المضاد وتحكمه في البلاد مما يعني خروج البلاد من تطرف وارهاب الى تطرف وارهاب آخر برغم اختلاف الشكل فأن المضمون واحد بلا شك!!.
3- الارهاب في العالم العربي:
لا تختلف دول العالم العربي عن بقية دول العالم الثالث في كون الارهاب الحكومي سمة بارزة من سماته المستمرة منذ قرون طويلة دون ان تجد الحرية والديمقراطية والعدالة مكانا لها في تلك البقعة الكبيرة والمهمة من العالم! مما يعني ان ظهور الحركات المتطرفة هي نتيجة طبيعة بل رد فعل واقعي للتطرف الحكومي الذي لم يختلف في تصرفاته برغم اختلاف النظم الشكلي وتطورها البطيء!.
ان الارهاب الحكومي في مصر هو الذي ولد الارهاب المضاد سواء في اواخر ايام الحكم الملكي والذي عجل بسقوطه الحتمي عام 1952 او في ولادة نظام جمهوري عسكري متطرف اصبح الارهاب الحكومي صفة مميزة له مما ادى الى ضعف واضح في ظهور الحركات السياسية المعتدلة لان النظام قمعها هي الاخرى او لا يسمح في تواجدها بقوة مرة اخرى مما يعني ظهور التطرف المضاد في التوجهات السياسية والذي تطور لاحقا الى ارهاب ممزوج بالتكفير استمر لفترة طويلة برغم قوة وشدة القمع الحكومي له!...
والارهاب الحكومي تجلى في دول اخرى عديدة مثل الاردن واليمن والسعودية وليبيا وتونس وغيرها بنفس الاساليب المنتشرة في بلاد اخرى الا ان نظام البعث في العراق تفوق عليهم في قسوة اساليب الارهاب التي تماثل الاساليب الستالينية مما عجل بسقوطه ثم منعه من العمل السياسي الذي حرم الاخرون منه!... والنتيجة الطبيعية في العالم العربي هي ظهور حركات مسلحة تمارس الارهاب العلني وبتأييد من قطاع جماهيري واسع ناقم على الاوضاع او نتيجة لانتشار حالة الجهل والتخلف والفقر والحرمان لدى شعوب تلك البلدان!...
ويمكن تصنيف منظمة القاعدة على انها نموذج مثالي امتص طاقات المتطرفين التكفيريين المنتشرة في العالم العربي وحولها بفضل الامكانات المادية وتوفر الظروف المثالية له في افغانستان وباكستان ومن ثم العراق بعد عام 2003 في بناء قوة ارهابية عالمية وبمعونة نظام طالبان الارهابي المتخلف قبل سقوطه المحتوم عام 2001 لتمارس ابشع الجرائم وبغطاء شرعي مزيف خرج من نطاق الحرب ضد اجهزة الامن المتعددة الى الحرب ضد الجماهير الضعيفة لمحاولة السيطرة عليها وتوجيهها بالقوة المفرطة المدعومة بمنهج فكري متطرف له جذور تاريخية ومستند على دعم قيادات دينية متعددة تحاول استخدامه في صراعها ضد انظمتها القمعية!...
لقد تغافلت الكثير من الانظمة العربية في خروج ابنائها للقتال مع القاعدة وبقية الحركات الارهابية المشابه لها كوسيلة مثالية للتخلص من شرهم داخل حدود بلدانها ! او نقل ذلك الشر الى بلاد اخرى معادية فكريا او مذهبيا كأحدى وسائل الحرب الباردة! ولكنها كانت مخطئة تماما في ذلك التوجه لانه لاحقا سوف ينتقل ذلك الارهاب الى داخل اراضيها كما حصل لامريكا التي دعمت الكثير منها لفترات زمنية سابقة!ومهما كانت الاجراءات القمعية فأن ذلك الارهاب سوف يبقى يترصد الفرص المناسبة للتوجه الى اي بلد يجد فيه فرصة ملائمة لتطبيق افكاره المتطرفة المستمدة من تراث طويل من الارهاب الفكري والحكومي الذي ساد العالم الاسلامي لحقب زمنية تكاد تغطي معظم تاريخه الطويل المليء بالمأسي والمحن!...
مهما كانت الاجراءات القمعية المتخذة فأنها لن تقضي على الارهاب لكون المولدة له مازالت مستمرة في التشغيل!...نعم ان تدمير الحصاد الفاسد لا يكون وسيلة ناجحة مادامت زراعته مستمرة من خلال ممارسات القمع والارهاب والتطرف الحكومي.!..

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس والخمسون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم ال
اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس والخمسون
المبحث السابع:
الارهاب والتطرف: علامات فارقة للحكم الفوقي
التعامل البيني بين الطبقات الفوقية الحاكمة نفسها وبينها وبين الطبقات السفلية للمجتمع يكون على قاعدة انعدام الثقة والريبة لانهما ناتجان من الاستغلال والتسلط الغير مقبولان ولكن للامر الواقع والغلبة قدرة خفية متوحشة للقهر واخضاع الاخر لفترة طويلة وتنشأ خلالها لدى الحاكمين قدرات نفسية متوارثة للحكم والتسلط وللمحكومين قدرات نفسية متوارثة للخضوع والاذلال مع الحقد الدفين الذي لا يظهر الى ارض الواقع الا مع زوال اسباب الخوف والرعب! وبين الطرفين تنشأ علاقة كره متبادلة وتمتد الى مختلف طبائعهما المتوارثة وبخاصة صيغ التعامل اليومي مع شيوع ثقافة متميزة لكل منهما تختلف كثيرا ولا تتفق الا في مواضع محدودة،وفي النهاية يكون الارهاب والتطرف هو الحصيلة الطبيعية للتعامل بين الطرفين وعلامته الطبيعية هي العنف والعنف المضاد...
يجب التفريق بين الارهابين:الاول هو ارهاب الحاكمين وهو الفعل بينما ارهاب المحكومين هو رد الفعل!والفارق كبير جدا بينهما ولكن يشاع فقط هو ارهاب رد الفعل وعليه دائما يقع اللوم والتجريم! بينما تتناسى الغالبية العظمى من الذين يتسبب لهم الارهاب والتطرف من ألم وظلم من ان الارهاب الاول هو المسبب للارهاب الثاني وبالتالي اللوم يقع اولا واخيرا على النوع الاول بدون تبرئة الثاني!...
كلا النوعين يتسبب بهما تطرف وايضا كالارهاب هو تطرف حاكمين وهو الفعل وتطرف مضاد وهو رد الفعل من جانب المحكومين!...ولكن الفارق بينهما هو ان التطرف العملي صادر من قبل الحاكمين وهو اقوى بينما التطرف النظري هو صادر من قبل النخب المعارضة للمحكومين وهو اضعف! بينما تصور الدعايات الحكومية العكس وكأنها حمل بريء لاذنب له سوى مقاومة التطرف والارهاب بينما هو مسبب لهما من خلال السيطرة الغير شرعية على الحكم والتحكم بموارد الامة المادية والبشرية دون ادنى مراعاة للطبقات الاخرى التي تتعرض لمنهج ثابت من الرعب والخوف والذي تزرعه الاجهزة المتعددة للدولة بغية ابعادها عن المحاسبة او الذهاب الى ابعد من ذلك وهو التطلع للمشاركة في الحكم والذي هو حق طبيعي من حقوقها الشرعية والذي لا يحتاج الى ادلة في قانونيته او عدالته وانما العكس صحيح في ان الطبقات العليا المتحكمة تحتاج الى اثبات شرعي وقانوني في تحكمها بموارد وسلطات البلاد!...
ان التحكم الطويل الامد سوف يولد شعورا بالظلم والاهانة من قبل الطبقات الشعبية المسحوقة وسوف يقتل في نفس الوقت كل التيارات الوسطية التي تعتمد الحوار واللاعنف والمنطق والدعوات الصادقة كأساليب للتعامل مع الاعلى بغية الوصول الى حلول وسطية لتجنيب البلاد والعباد الدمار وسقوط الضحايا ثم الوصول الى الهدف الاسمى وهو التغيير الجذري السلمي على المدى البعيد!...هذا يعني ان كل انواع المعارضة السلمية الغير متطرفة سوف تختفي من الساحة بفعل الضربات الاستباقية للطبقات الفوقية الحاكمة او حتى تنحصر ثم تنعزل في مواقعها بعد ان يدب اليأس والقنوط من الاصلاح والانفتاح!... يؤدي ذلك وبشكل طبيعي الى ظهور تيارات التطرف بمختلف اشكالها كرد فعل طبيعي على التطرف الحكومي واحيانا تكون البداية هي ظهور نظريات وآراء تأخذ بمرور الزمن طريقها نحو التطبيق العملي بفعل النمو في تربة خصبة! فهي اي الافكار المتطرفة كالبذور المزروعة ولكنها تحتاج الى وقت طويل كي تنبت وتعطي ثمارها بفعل العوامل المساعدة لها...سوف تنشأ من جراء ذلك تيارات سياسية واجتماعية ترى في تعصبها لافكارها وتطرفها في تطبيقها ورفض الاخر هو نتيجة طبيعية لتعصب الحاكمين وتطرفهم في رفض قبول الاخرين فيسبب ذلك وجود حالة غير طبيعية وشاذة متحكمة بالبلاد بالمقارنة مع بلاد اخرى حققت قفزات عالية في التنمية والتحضر من خلال الاختلاف في طبيعة النظام وتركيبته التي تختلف جذريا عن البلد.
نلاحظ انه في الامم المتحررة من قيود الاستبداد ان التطرف موجود كظاهرة طبيعية لاختلاف الرأي بين البشر ولكنه محصور في نطاق ضيق لا يسمح القانون والغالبية العظمى من الرأي العام بأنتشاره فضلا عن سيطرته اللاحقة على الحكم،لان وجود العدالة والحرية والديمقراطية مع التربية المعتمدة على المبادئ الوسطية واحترام الاخر،هي موانع حقيقة ولا تحتاج الى قمع وعنف كما تعمل الانظمة الاستبدادية بل وتفشل في عملها!...اذا توفير الحقوق الاساسية للبشر وتيسيرها للجميع بمستوى واحد فهي كفيلة بأخماد اي تطرف لان الوسائل متوفرة للتعبير والمشاركة في الحكم وفق الاليات المتاحة،وتبقى حالات التطرف الشاذة موجودة ولكن على نطاق ضيق جدا وتكون محصورة في مسائل بعيدة عن التطرف في الانظمة المتحكمة بها طبقات فوقية،من قبيل معادة الاجانب او التطرف القومي او في مجالات الحريات الشخصية والاقتصادية الخ...
التطرف في البلاد الاخرى الغير متحررة هي تظهر في كل شيء بما فيها اشكال التعامل اليومي بين البسطاء،وقد يعزو البعض ذلك الى تراث طويل من التعصب الاعمى الا انهم يتجاهلون بطريقة مباشرة او غير مباشرة الاسباب الناشئة من هذا التعصب لان البشر اذا عاشوا في بيئة خالية من الاستبداد والظلم فأن مشاعر التعصب سوف تضعف لديهم وبالتالي سوف تضعف حالة نقل التطرف الى الاجيال اللاحقة... بينما تفسير التطرف لوجود حالات جينية متوارثة عند الشرقيين هي من السخافة التي يجب ان لا يعتنى بها مهما كانت البراهين الهزيلة التي تظهر وكأنها قوية في الدلالة والسند!.
التطرف لا يختص بمجموعة بشرية دون اخرى! رغم ان ينتشر بين صغار السن اكثر من غيرهم بسبب قلة الخبرة والرغبة الحامية في التغيير دون مراعاة الظروف الخ ...او يختص بتربة دون اخرى في حالة التفسير المضحك التي تفسره وفقا للبيئة الجغرافية وتحكمها بالبشر!...بل هو حالة عامة طبيعية من وضع غير طبيعي وليست غير طبيعية من وضع طبيعي ولنا في التاريخ امثلة عديدة!...
التطرف لا يمارس عمله الا من خلال طريق العنف لان التطرف هو حالة مرفوضة لكونها شاذة ولكن الواقع السيء يفرض وجودها كرد فعل ولذلك تجد في العنف الوسيلة المفضلة للتطبيق لاستحالة التغيير وفق الاساليب السلمية التي تنتشر فيها تقسيم السلطات والذي يتعارض بطبيعة الحال مع السيطرة الغاشمة التي يحاول التطرف الوصول اليها مما يعني ان السبيل الوحيد له هو العنف بمختلف اشكاله!.
اما الارهاب والذي يكون موجودا بعدة اساليب كالعنف والقهر وتخويف الاخرين فهو ملازم للتطرف ولا ينفصل عنه الا نادرا وهو رد فعل طبيعي على ارهاب الطبقات الفوقية ولكن الفارق بينهما ان ارهاب السلطات العليا هو قانوني وطبعا حسب تفسيرهم بينما الاخر هو غير قانوني رغم انه رد فعل! ولكن في الحالتين يكون الارهاب مرفوضا جملة وتفصيلا الا في حالات نادرة للقصاص من عتاة المجرمين عند الطرفين اذا استعصت الوسائل القانونية للقصاص منهم!...
ان الارهاب هو فعل قديم وليس حديث الظهور ولكن شاع الحديث عنه منذ انتهاء الحرب الباردة لكون انه اصبح منظما واصبحت عدد كبيرا من الدول من جميع الاتجاهات تحاربه بطريقة غبية! لانها تتجاهل اسباب ظهوره لكون بعض تلك الاسباب ناشئة من الدعم للمتسببين بظهوره!... فدول عديدة تزرعه بأجراءاتها الخاطئة ثم تشن الحرب عليه باليد الاخرى!...
لقد مارست الغالبية الساحقة من الانظمة في التاريخ الارهاب بطريقة او بأخرى وبأختلاف الوسائل ايضا وذلك لكونها طريقة مفضلة لاخضاع الخصوم دون نسيان ان ذلك سوف يحول الخصوم المسالمين الى ارهابيين كرد فعل مباشر وطبيعي،ولذلك فأن اللوم الرئيسي يخضع على المتسببين بذلك الارهاب من الطبقات الفوقية المتحكمة...
الشيء الجديد في الارهاب الحديث انه اصبح عابرا للقارات ومستخدم احدث الوسائل وله امكانيات مادية وبشرية ضخمة ومن المثير للسخرية ان بعضها يأتي من انظمة تعلن العداء الرسمي للارهاب! ولكنها تستخدمه كوسيلة للضغط على الخصوم من الانظمة الاخرى حتى لو اختلف اصول الارهابيين عن داعميهم!...
الارهاب المضاد خرج عن نطاق رد فعله الطبيعي ليصل الى فئات هي بعيدة عن الصراع والانتقام مما ادى الى ان الغالبية الساحقة من ضحايا الارهاب المضاد هم ابرياء لا دخل لهم بالصرعات وانما جاء وجود حظهم العاثر من خلال تواجدهم بالقرب من خلايا الارهابيين ليتسبب في نهايتهم المأساوية!..
الاسس الفكرية للارهابيين بمختلف اتجاهاتها هي هزيلة ولا تقاوم امام العقل والمنطق السليم ولذلك فأن الفئات الاكثر تخلفا وقهرا في المجتمع هي الاكثر تقبلا للارهاب لانها الغير قادرة على الوقوف امام الغزو الفكري الداعي له مع توفر البيئة الملائمة لهؤلاء مما يجعلهم جنودا بواسل له تصل الى حد افناء الروح بغية الانتقام والتعبير عن حالات رفضهم للواقع السيء! ومدعومين بعدد هائل من وعاظ السلاطين ودعاة الكره ونفي الاخر الذين يستخدمون الادلة الدينية لشحن الاتباع ضد الاطراف الاخرى دون ان يكون الوعي والتثقيف موجه ضد سراق السلطة والقوت! وليس خافيا ان الكثيرين ايضا من الكوادر المثقفة قد سارت على نفس المنهج الارهابي النظري بل وشاركت فيه ايضا في نواح عديدة!...

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الرابع والخمسون

اسطورة التغيير الفوقي-القسم الرا
اسطورة التغيير الفوقي-القسم الرابع والخمسون
المبحث السادس:
جيوش القمع المتعددة!:
تلعب الجيوش في حالات حكم الطبقات الفوقية ،اعمالا مزدوجة ومشوهة في نفس الوقت!فهي بالاضافة الى عملها المعروف في الدفاع عن الوطن والذي هو مشوه بطبيعة الحال! فأن العمل الرئيسي في الحقيقة هو الدفاع عن الحكم للطبقات الفوقية ورجالاتها المعروفين الذين قد يختصرون انفسهم في شخص واحد يدعى الطاغية!... هذا يعني ان العمل الرئيسي المعروف للجيش يتحول الى عمل ثانوي وهو الدفاع عن الوطن وسيادته لخدمة سياسات الحكم سواء تستدعي الدفاع عن الوطن او الهجوم على الاخرين وحسب الرغبات المتغيرة! ولكن المهمة الرئيسية هي الدفاع عن الطبقات الفوقية بشتى السبل والاساليب التي تتجاوز الخطوط الحمراء لتصل الى حد ابادة اي مجموعة بشرية فضلا عن المعارضين وخاصة الابرياء الذين يكونوا على قاعدة مشتركة مع المعارضين بصيغ مختلفة كالرابطة الدينية والمذهبية والاسرية الخ...
عملية بناء القوات المسلحة في النظم الطبيعية وخاصة الفرع الرئيسي فيها:الجيش تتم وفق اساليب وطنية وانسانية تراعى فيها حقوق الانسان وحقوق الشعب مع المبادئ الدينية والاخلاقية،وهذه الطريقة هي التي تبعد الجيش عن التدخل في السياسة وكذلك تبعد السياسيين عن التدخل في شؤون القوات المسلحة وتبقي المهمة الوحيدة وهي الدفاع عن الوطن مع اعمالا اخرى تقتضيها الظروف الموضوعية من قبيل التدخل في حالات الطوارئ للكوارث الطبيعية او للحفاظ على الامن في حدود ضيقة لدعم الشرطة الوطنية...هذه الطريقة تؤدي الى بناء نفسي متين للمنتسبين بحيث يحافظون على وطنيتهم وانسانيتهم بالاضافة الى اخلاقيات المهنة العظيمة،ولذلك نرى ان المستوى الفكري والتقني في عمل افراد الجيوش التقليدية في النظم الديمقراطية هو في قمة الحرفية والاستقلالية مما يؤدي الى نتائج عظيمة تكمل عملية البناء الحضاري من خلال حراستها من اعدائها المتربصين بها...
في النظم الفوقية بمختلف انواعها تكون العملية مختلفة تماما الى درجة تجعل نتيجة العملية مختلفة عن نتائج النظم الطبيعية من خلال بناء جيوش تكون مهمتها الرئيسية هي حماية النظام وطبقاته العليا ويكون الجيش هو السيف الاقوى بيد الطبقات الفوقية والتي تهدد به كل الاعداد والمعارضين في الداخل والخارج،وبذلك تتحول البنية الهيكلية للجيوش الى بنية امنية بحتة ولكن بشكل مغاير للاجهزة الامنية...
الجيوش الموازية:
حتى ذلك البناء الجوهري المقارب شكلا ومضمونا للاجهزة الامنية هو في الحقيقة غير كاف للطبقات الفوقية! التي تبقى في حالة من التوجس والريبة من الجيوش بحيث لاتنفع معها حتى مراقبتها بشكل دقيق فتقوم بعمل جديد لا يوجد في النظم الديمقراطية وهو بناء جيوش اخرى موازية لها في كل شيء وتقوم بنفس عمل الجيوش مع مراقبة تامة لها وتكون اكثر اخلاصا ووفاءا من الجيوش التقليدية وجناحيها الاخرين:القوات الجوية والبحرية!...ولكن طريقة بناء الجيوش الموازية وهيكليتها تكون مختلفة عن الاجهزة الاولى في كون افرادها يتم اختيارهم بعناية ودقة من نفس مناطق واسر الطبقات الفوقية للحكم،بالاضافة الى تدريبهم بعناية وتركيز وتجهيزهم بأفضل التجهيزات مع توفير افضل سبل الرعاية وخاصة من ناحية الاجور والامتيازات التي تجعلهم في حالة مميزة عن بقية افراد القوات المسلحة مع غسيل مخ يحولهم الى مجرد اتباع مخلصين بلا عقل يسأل او حتى ادراك لطبيعة اعمالهم المنافية للوطنية والاخلاق برغم الشعارات التي تغسل ادمغتهم المتحجرة والتي تربط عادة الحكم وقياداته الحكيمة بالوطنية والاخلاق وتتهم الاخر بالتخريب والخيانة!...هذا يعني ان وجود امثال هؤلاء هو بمثابة تدمير للبنية الاجتماعية والعسكرية السليمة وتطلعاتها في ضرورة التغيير لكونهم طبقة مثالية للتدمير والسحق وعلى درجة عالية من الولاء الاعمى للطبقات العليا...
فكرة تشكيل الجيوش الموازية هي قديمة وليست وليدة العصر الحديث ،وهي تشكلت بفعل الخوف من انقلاب الجيوش على اصحابها لان تربية الجيوش في النظم الفوقية لا تكون وفق اسس وطنية وانسانية تقوم على احترام القانون وانما على اساس الحاجة والخوف والرعب من تعرضها الى خطر التغيير الخارجي او الداخلي، ولذلك نرى انه في العصور القديمة والتي غالبا ما تكون نظم ملكية،قد  قامت بتأسيس قوات اكثر موالاة واكثر خصوصية وتسمى احيانا بالحرس او تحت مسميات اخرى كثيرة ولكن مضمون عملها الرئيسي هو ان تكون حارسة للنظام من الجيوش التقليدية التي رغم تربيتها المشوهة فهي تبقى خطرا كبيرا على بقاء الحكم وديمومته مما يستدعي بناء عسكري يحد من خطورته وايضا مع المساهمة في الاعمال العسكرية المشتركة والتي تتطلب جهودا كبيرة وخاصة من قبل الاعوان الاكثر ولاءا !...
تختلف اعداد وامكانيات الجيوش الموازية بحسب حالات الدولة التابعة لها ولكن عددها غالبا ما يكون اقل بكثير من الجيش التقليدي الذي يكون منقسما في ولائه في العادة بينما جيوش الامن الموازية تكون متماسكة الى ابعد حد بفعل التركيبة القريبة لتركيبة الحكم الفوقي بالاضافة الى اعتمادها على التطوع بينما يغلب على الاولى عملية التجنيد الاجباري العشوائي...واذا كان النظم شمولية فأن الحزب الحاكم وآيديولوجيته هي التي تتحكم بالبناء الداخلي للجيوش الموازية وتكون في الحقيقة جيوشا حزبية موازية تقترب بصيغة او بأخرى من عمل المليشيات الشعبية،ولكنها تقوم بأعمال اكثر حدة وقسوة من عمل الجيوش الموازية الاخرى لان العقيدة الحزبية تقوم في الغالب بشحن نفسي لاتباعها تفوق ما لدى بقية النظم الفوقية من طرق للتحكم بالجيوش الموازية ويكون اساسه هو النظر الى الاخر على انه عدو وحشي يجب ابادته وسحقه مع قاعدته الشعبية حتى لو كان غير مسلح! ولنا في التاريخ العديد من التجارب على تلك التشكيلات العسكرية للجيوش الحزبية الموازية من قبيل فرق ال SS وفرق ال SA في النظام النازي الالماني ومليشيات الحزب الفاشيستي في ايطاليا اصحاب القمصان السوداء ! والجيش الاحمر في الاتحاد السوفييتي وقوات الفيتكونغ في فييتنام والحرس القومي لحزب البعث في العراق عام 1963 والجيش الشعبي بعد عام 1970 والجيش الشعبي الصيني وغيرها...
اما الجيوش الموازية الغير حزبية والتي تقوم بحماية النظام فهي اخف وطئة من المليشيا الحزبية ولكن تحتفظ بمواصفاتها المثالية في شدة الولاء مع انتماء اغلب افرادها للطبقة الحاكمة ومناطقها الجغرافية او يتم اختيارهم بعناية من صفوف الجيش ولنا الكثير من الامثلة النموذجية مثل الحرس الملكي في النظم الملكية والحرس الجمهوري في العراق قبل عام 2003 والحرس الوطني في السعودية والامن المركزي في مصر وقوات الدفاع  الشعبي في السودان الخ...
بالرغم من ان عملية بناء وهيكلية الجيوش في النظم الفوقية تخضع لاشرافها ووفق منهج ثابت يتلخص بضرورة الدفاع عن النظام والامن بالدرجة الاولى...الا ان نتائج عملية البناء تكون سيئة لانها ليست مبنية وفق الطرق التقليدية لمهنة العسكرية الاحترافية بل خارجة عن القواعد القانونية السليمة وبالتالي سوف نرى شيوع حالات الفساد تستشري بين صفوف افرادها وخاصة حالات المحسوبية واختيار غير الاصلح للمكان الحساس والذي يخضع دائما لقاعدة الولاء وهو يؤدي الى بروز ظواهر فرعية من قبيل القفزات في الرتب العسكرية والبقاء في المنصب العالي مدة طويلة ثم التنافس غير الشريف بين القادة بغية الحصول على مكاسب مادية!وانتشار ظاهرة اللامبالاة تجاه الكثير من القضايا وخاصة الاجتماعية والسياسية،مع بروز ظاهرة الرعب والخوف والتملق نتيجة للمراقبة الشديدة كون ان النظم الفوقية لا تثق بالجيوش التقليدية التي تتبع الاقوى في الغالب مما يعني سهولة تغيير الموالاة وخاصة لدى القوى الجديدة المتحكمة،بل قد يتم التحول بأتجاه الخصم وخاصة اثناء الحروب التي تتطلب قدرا كبيرا من الصمود!...ولنا مثالا مثاليا في الجيش العثماني اثناء الحرب العالمية الاولى عندما بدل الكثير من الضباط ولاءاتهم الى اعدائهم الانكليز خلال فترة قياسية برغم ان ذلك يعتبر خيانة لقسم الولاء للدولة والوطن!...ومن الطريف ذكره ان بعض هؤلاء المتحولون اصبحوا خلال سنوات عدة قادة سياسيون وعسكريون يشار اليهم بالبنان!...
لقد اصبح معروفا ان الداخل الى تلك الجيوش هو انسان مسلوب الارادة والكرامة ولذلك يقال للداخلين الجدد اتركوا كرامتكم خارج المعسكرات!حيث تبدأ سلسلة اجراءات قاسية للاذلال لا مبرر لها سوى سلب اي قدرة على مقاومة الاوامر بغض النظر عن نوعيتها ولذلك نرى اعمال همجية شائعة لتلك الجيوش والتي يقوم بها افراده دون ادنى خجل او حتى رفض صامت لها مما يعني وجود سجل اسود حافل بتلك الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية في تاريخ تلك الجيوش التي توصف بالباسلة والوطنية وصاحبة الشجاعة الفائقة!!...
لا يعارض قادة الجيوش في تلك النظم في الغالب اوامر السلطات العليا بقمع التمردات التي تحصل نتيجة لشدة القمع الاتي من الطبقات الفوقية،بالرغم من ان تنفيذ تلك الاوامر يتنافى مع الوطنية ومصلحتها الرئيسية بضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وشدة التماسك الاجتماعي فيه،الا ان الخوف والولاء للسلطة يتفوق على اية اعتبارات اخرى!وقد نلاحظ حصول بعض التمردات الصغيرة وخاصة من جانب الافراد البسطاء والذين يحاولون الفرار لكون عملية التمرد المسلح بحكم المنتحر! الا ان تلك الحوادث غالبا ما تكون تحت السيطرة ويتم قمعها بسرية ووحشية بالغتين حتى يكونوا عبرة للجميع في ضرورة الالتزام بالاوامر مهما كانت درجة مخالفتها للمصلحة الوطنية لان الاوامر بنظر مصدريها هي الوطنية بحد ذاتها وماعداها هو تخريب وخيانة!...
ولا تراعى المبادئ والاخلاق في قمع التمردات الداخلية بل على العكس تكون على درجة فظيعة من الوحشية الغير مبررة بل هي استمرار لمسلسل تاريخي رهيب في قمع الثورات الشعبية التي تتلخص مطالبها بتحسين الظروف او احقاق العدالة والحرية! وهو سلوك متوارث منذ بدء الخليقة! ويمكن لنا مراجعة التاريخ الاسلامي كمثال على الحالة المخزية في العالم الاسلامي منذ تأسيس الدولة الاموية الى بروز النظم السياسية المعاصرة بصيغتها المحدثة!،فأن هذا السلوك المدان من كافة الشرائع السماوية والارضية هو لم يتوقف بل اصبح مستمرا ولكن بطرق مستحدثة! ويمكن لنا مراجعة الاحوال السياسية والاجتماعية لكثير من الثورات الشعبية ثم مراجعة درجة القمع الوحشي لجيوش تلك النظم،نستنتج ببساطة شديدة ان الغالبية الساحقة من جيوش العالم الاسلامي في الوقت الحاضر لا تتردد في سحق التمردات وبأعلى من المتوقع ايضا اذا ما صدرت اليها الاوامر العليا مع اهمال كافة المحاولات السلمية لحل النزاعات!...
ونتائج التابعية المطلقة للحكم الفوقي هي سلسلة طويلة من الهزائم المنكرة سواء في ساحات المعارك الوطنية الخارجية او في قمع التمردات الداخلية،وتكون ادارة الصراع عادة من التسلسل الهرمي في الدولة والذي هو ينفذ الرغبات الفئوية والشخصية دون مراعاة المصالح الوطنية ولذلك تكون تلك الادارة فاشلة لكونها لا تراعي فنون ادارة الصراعات الدولية وبخاصة حجم القدرات الذاتية ولذلك نرى الكوارث المتتابعة على البلدان الخاضعة لحكم الفئات الفوقية!...
مشكلة الجيوش القمعية هي باقية مع بقاء النظم الفوقية وتزول بزوالها ولا سبيل لتغيير تلك الصورة مادامت القوى المتحكمة هي باقية في مواقعها بعد استحالة اصلاحها داخليا!...