إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/06/26

مصر الحرة من جديد!


مصر الحرة من جديد!
بعد مد وجزر،استطاعت مصر ان تخرج ولو مؤقتا من المرحلة الخطرة التي اريد لها ارجاع الامور الى سابق عهدها!...يعود سبب النجاح الجزئي في نتائج الانتخابات المصرية،لانه اخرج البلاد من شرك العسكر وبقايا رموز النظام البائد،الا ان تلك المرحلة ينبغي الاستفادة منها لاعادة بناء البلاد وفق المبادئ والاسس التي جرى الاتفاق عليها بعد الثورة الشعبية التي لم تنجح في فرض الوعي بمجمله على الجميع!.
بالمقارنة مع الدول المتقدمة والتي لها تاريخ عريق في الديمقراطية وارساء مبادئ الحرية والعدالة، فأن مصر مازالت في بداية الطريق او ان ديمقراطيتها بدائية،فالفوضى العارمة التي حلت بالبلاد بعد الثورة كان امرا طبيعيا ولكن بقاء سيطرة العسكر على الحكم وتحكمهم الفظ بمفاصل الدولة والحد من سيطرة الثوار والقوى السياسية على الحكم المؤقت كان عاملا غير طبيعي وقد ساهم فعلا في تأخير البلاد للوصول الى النتائج المثلى من الانتخابات الحرة مع ترسيخ حكم القانون على الجميع.
لم يسمح العسكر لرئيس مدني مؤقت او حتى هيئة مستقلة ان يساهما في التأسيس لمرحلة جديدة وبالتالي فقد ادى ذلك الى حدوث خروقات كبرى في دفع العملية السياسية في البلاد الى الامام،فقد كان وضع قيود وشروط هي بداية المنع والحجر من قبيل ابعاد المرشحين الذين يمتلكون جنسية ثانية التي هي بمثابة الابقاء ضمن قيود الماضي وعدم التواصل والتفاعل مع التطورات العالمية الحديثة التي اصبحت تنظر الى مسألة وضع القيود على الحقوق الفردية مثل منع التجنس بجنسية اخرى او حرية الفكر وغيرها امورا مخالفة لحقوق الانسان المعاصر،فالدول اصبحت تنظر لمسألة الاختيار من باب المقدرة والاستيعاب بدلا من الخوض في تلك المسائل التي عفى عليها الزمن،وامام الجميع تجارب عالمية ناجحة ومثيرة للاهتمام ،كما ان الابعاد لاسباب اخرى اكثر ضحالة والتي اصبحت امرا هزليا لا يطاق، سمحت في ابعاد الكثيرين من المستحقين وتشجيع بعض من عمل مع النظام البائد في الترشح والواجب كان يفرض منعهم لضعف الوعي السياسي الجماهيري وانتشار الجهل بين قطاعات شعبية واسعة مما يؤدي الى ابقاء نفوذهم ضمن الساحة السياسية التي تخضع لعوامل التنظيم والمال والاعلام والتي ليست بمتناول الجميع الا القلة ممن كانوا ضمن صفوف النظام البائد!.
ضعف المشاركة الشعبية مازالت دليلا واضحا على ضعف الوعي السياسي وشيوع الجهل واللامبالاة والتي يفترض انها قد ضعفت بسبب مناخ الحرية النسبية في الاختيار كما ان معارضة البعض للبعض الاخر قد جرت وفق مصالح شخصية او خوف غير مبرر او الخضوع لمنطق العصبية او حتى تعارض آيديولوجي قديم،كل ذلك ادى الى حصول بعض المرشحين الغير مناسبين لمرحلة مابعد الثورة على ملايين الاصوات التي كان يفترض بها ان تذهب الى مرشحين جدد يمتلكون مواصفات النزاهة والكفاءة والاخلاص الوطني!.
النضج والوعي السياسي وبخاصة في اختيار الاكفأ لا يحتاجان الى ملكة ثقافية مميزة،بل احيانا مجرد موروث ثقافي قديم،فمن الشائع في مصر سؤال الشخص من انتخبت بينما الواقع يفرض على الجميع ابقاء حرية الاختيار سرية لانها من المسائل الشخصية التي لا ينبغي على الاخر الاطلاع عليها فضلا عن منع حدوث جدل ومشاكسات ونزاعات تصل الى حد العنف السياسي والحقد!.
نجاح الدكتور مرسي لم يكن سهلا فقد كانت قيود الزمرة العسكرية واضحة ومعالم الانقلاب الدستوري انجزت وفرض على الجميع تحكم رموز السلطة القضائية الفاسدة التي ادت الى حصول هذا الالتفاف المتوقع مع هزلية الاحكام الصادرة ضد رموز السلطة البائدة،هذا يعني ان امام الرئيس الجديد ومن معه مهام صعبة تضاف الى الحقول الاخرى،فعملية تطهير السلطة القضائية يجب ان تتصدر عملية التطهير الكلي لاجهزة الدولة برمتها وفق اسس وطنية بحتة بالطبع،وابعاد العسكر عن السياسة نهائيا وحصرهم ضمن ثكناتهم كما هو الحال في بقية الدول المتحضرة،سوف يؤدي الى تأسيس دولة مدنية راسخة الجذور مع البدء في عملية اعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من المهام المستعجلة التي سوف تجعل المهمة صعبة للغاية ولكن الارادة الحرة والنزاهة والاستناد الى القواعد الشعبية وتقريب التكنوقراط كل ذلك سوف يذلل الصعاب او يقلل من خطورتها الى ادنى مستوى.
لقد تأخرت مصر كثيرا خلال حكم العسكر منذ عام 1952 واصبحت من اكثر البلاد تخلفا وتبعية وفسادا بالرغم من الواقع الديمغرافي والجغرافي المميز،ولكن ذلك الحال كان موجودا في بلاد اخرى خرجت منه بتجارب ناجحة من الواجب دراستها وتقييم ظروفها ونتائجها...ودائما بداية الطريق صعبة ولكن السير فيه الى النهاية سوف يكون ايسر وسوف يعوض كل الخسائر والمتاعب!.

2012/06/14

مذكرات من بيت الاغتراب 14

مذكرات من بيت الاغتراب 14:
قوانين العنف العائلي الموسعة والجديدة!:
كان لصدور المزيد من القوانين الجديدة حول الاسرة والعنف المنزلي وتوسعة دائرتها،اثرا كبيرا في الشارع والاوساط من خلال الحوارات الدائرة في صفوف المراقبين وافراد الجاليات والمجتمع ككل والتي تناقش آثارها الجانبية والاسباب الموجبة اليها لان اصدار القوانين يتم عادة بعد حدوث بعض المشاكل والحالات المستحدثة في المجتمع والتي لا يوجد لها نص قانوني معين لغرض الاعتماد لحلها، ومن هنا فأن اصدار المزيد من قوانين الاحوال الشخصية يتم بسرعة كبيرة بالقياس الى المتغيرات في القوانين في العالم العربي والتي تستمر لعقود طويلة دون ان تتم حتى مراجعتها كي تلائم العصر واحتياجات الناس المتغيرة بأستمرار حسب رأي العديد من المتحاورين ومن ضمنهم مجموعة مختارة في الاذاعة العربية لراديو اس بي اس المتعدد الثقافات في استراليا!.
من هذا المنطلق يجب ان يكون القانون ملائما لاحوال المجتمع المعاصر ومشاكله حتى لا تترك فراغا او ثغرة ممكن ان تجعل الاحكام خاطئة او بعيدة عن الاجتهادات المتعددة،وعليه فأن استحداث القوانين بعد المرور بفترة طويلة من المناقشات والدراسات المستفيضة هو امرا لا بد منه لادارة المجتمع خاصة في ظل التطورات السريعة في بنيته الفوقية والتحتية!وبالمقارنة مع العالم العربي ظهر ان استحداث القوانين بطيئ بصورة تبعث على الاسى كما انها لا تخضع الى حرية تامة من المناقشة والدراسة لكافة الظروف،بل تخضع احيانا لمزاج ورغبات السلطة الحاكمة وحاشيتها المتنفذة!.
اتفق اغلب المتحاورين ان قوانين الاحوال الشخصية والعنف العائلي هي تحمي الجميع لكن تركز في الاساس على الفئتين الاكثر ضعفا في المجتمع وهما الاطفال والنساء،ولكن الاغلبية ساندت الاراء التي ذكرت ان نسبة كبيرة من النساء استغلت تلك القوانين بصورة غير صحيحة وجعلت الاستحواذ المادي او حيازة الاطفال وتحقيق الرغبات المحرمة والممنوعة الهدف النهائي دون مراعاة العشرة الزوجية او المبادئ والقيم الدينية والاخلاقية!وقد ذكر البعض حالات عديدة في هذا الشأن والتي انتهت لصالح المرأة واستملاكها لحوالي70% من ثروة الرجل وهي مشكلة مستعصية لحد الان خاصة وان القوانين وهي عمياء وجامدة ليست لها روح تتناسق مع الاهداف السامية للحياة والعدالة المرجوة منها،وهي وضعت في الاساس لجعل المساواة امرا مشروعا وثابتا ولكن عملية التفضيل للنساء اصبحت امرا مستفرغا منه والتي ادت الى حدوث المزيد من المشكلات والتي لولا تلك القوانين لما حدثت اصلا!.
المشكلة الوليدة الاخرى هي القيود على استخدام اي وسيلة للضغط على الاطفال او المراهقين بالخصوص والتي ادت الى حدوث مشكلات عديدة في المجتمع بسبب عدم قدرة الاسرة على ضبط سلوك ابنائها المراهقين لان القوانين تحميهم كما ان الدولة تساعدهم ماديا بعد بلوغهم السادسة عشر مما يحقق لهم الاستقلال المادي بصورة نسبية!وقد اعترض الكثيرون على ذلك بسبب مطالبة اجهزة الشرطة الاسر بضبط السلوك الشاذ والعنيف والذي مرده بالاساس الى القوانين التي تحرس على تطبيق الحرية الفردية لمن لا يفهمها اصلا كونه قاصرا وغير مدرك لعواقب الامور!.
نعم ان تحرير الاطفال من الخوف والعنف العائلي وتعليمهم منذ الصغر على احترام القوانين والاستقلال الذاتي الا ان تجاوز ذلك في الامور التي تعتبر بداية للانحراف في السلوك بسبب ادعاء الحرية الفردية هو امرا خاطئا اثبتته الاحصائيات المتداولة والتي تسبب عادة خسائر مادية ومعنوية كبيرة من الممكن تلافيها بقليل من القيود المدروسة بعمق والتي تراعي حاجات الجميع الاساسية!.
التطرف غير مرغوب ومكروه في جميع الحالات وبضمنها قوانين الاحوال الشخصية سواء في الغرب او في العالم العربي!...ففي الاولى تمنح المرأة والاطفال حقوقا تفوق حقوق الرجل بكثير،بينما العكس من ذلك تماما في الثانية حيث تسحق المرأة والطفل بشكل مروع ومثير للشفقة دون ادنى مراجعة من الدولة واجهزتها القمعية وافراد وفعاليات المجتمع وتحت غطاء كثيف من القيود الاجتماعية الموروثة!.
دائما يكون وجود النشطاء ومؤسسات المجتمع المدني هو الافضل في خلق حالة من التوازن بين جميع الاطراف او على الاقل التقليل من حالات التحيز والتمايز بين مختلف الفئات والافراد...فالمجتمع يسمو بالعدالة والحرية ولا يقبل ان يتم استغلال القوانين لمختلف الاغراض والرغبات الشخصية!.

2012/06/05

في سياحة الكتب 14


في سياحة الكتب 14:
تتنوع كتب السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية بسبب الاختلاف في التكوين والبناء لكل فرد،ومن هذا التنوع تظهر الفوارق بين المستوى التقييمي لكل كتاب ومدى الفائدة المرجوة منه،وحسب تقبل القارئ ورفضه المستمدة من الخبرة والميول المختلفة.
قصص ومذكرات الاطفال الشخصية لها طعم خاص،فهي وعلى الرغم من ان اغلب كتابها من الصحفيين ومحترفي الكتابة من البالغين،الا ان البراءة والصدق وعمق المشاعر والاحاسيس التي تجتاح الاطفال وتسود في عالمهم الطفولي العجيب هي السائدة في محتوى النص وايضا امداده بقوى معنوية تختلف شدتها عن الكتب الاخرى مع الاحلام الوردية لتلك الفئة التي تتصدر الفئات البريئة من بشرية العالم الاسود!...وفي المقابل تكون اغلب مذكرات او انطباعات المنتمين الى نظم وحركات سياسية فاشية،خالية من البراءة والاخلاق والاعتبار من الماضي ونقد الذات واعادة الاعتبار الى الضحايا والاوطان الجريحة،ولولا تلك الوقاحة العلنية لما انتمى هؤلاء الى تلك التنظيمات التي مسخت عقولهم وقلوبهم وجعلتهم عبرة لمن يعتبر!...المقارنة فريدة من نوعها بين الصنفين والفائدة المرجوة منهما مختلفة بلا شك وبالنسبة للنوع الثاني هي استخلاص المعلومات لتقديم اصحابها الى العدالة وتجريم المتهمون ضمن سياق الكلمات والعبارات التي لا يخلو بعضها من كذب فاضح!.
الكتاب الاول: حلم فتاة الازقة
تأليف روبينا علي...الكتاب حسب الطبعة الاولى عام 2010 يتألف من 195ص من القطع المتوسط ومطبوع في لبنان ومترجم عن النسخة الاصلية لعام 2009 ومؤلفة السيرة بواسطة صحفيتان من فرنسا والهند.
الكتاب يتضمن السيرة الشخصية لبطلة الفيلم الشهير(المليونير المتشرد)الذي فاز بجوائز الاوسكار العالمية بالاضافة الى جوائز دولية اخرى بين عامي2008-2009.
روبينا علي هي طفلة هندية مسلمة تعيش ضمن الفئات المسحوقة في القارة الهندية،فقد ولدت وترعرعت في مدن الصفيح العشوائية التي توسعت بجانب المدن الكبرى حتى تجاوز عدد افرادها في ذلك البلد-القارة الى عشرات الملايين بسبب عجز الحكومات الهندية الفاسدة في الباطن والديمقراطية في الظاهر في تلبية احتياجات تلك الفئات المهمشة والعمل على انتشالها من الاوضاع المزرية التي ميزت البلاد وجعلتها احد رموز الفقر والفساد والغرائب في العالم الثالث بالرغم من النهضة الاقتصادية للبلاد منذ العقد الاخير للقرن العشرين والذي جعلها ضمن المراتب المتقدمة في العالم بسبب ضخامة عدد سكان البلاد الا ان خروجها من الفقر يحتاج الى جهود جبارة لعقود طويلة!.
لا تختلف احلام وآمال روبينا عن جميع الاطفال الاخرين في ان يكون لها مستقبل مشرق يخلصها من الفقر والجوع والالم،وقد عبرت عن ذلك بصراحة الاطفال في الكتاب وكان من جملة الامنيات ان تكون ممثلة سينمائية في بوليود(عاصمة السينما الهندية في مدينة بومباي)ولكن القدر جعلها تصل الى هوليود والشهرة العالمية خلال اقل من عام ونصف بسبب دورها المميز في هذا الفيلم المؤثر!.
من غرائب تلك الطبعة التجارية للكتاب هو كثرة العبارات الهندية والمكتوبة بلغة عربية مع ترجمتها الحرفية! فكان بجانب العبارات الحوارية،الجملة الهندية وما يقابلها بالعربية وهو ما وسع في حجم الكتاب!...لكن روعة القصة والتعابير الصادقة والمؤثرة والتي جاءت على لسان روبينا يجعل القارئ يتفاعل بصورة لا ارادية مع الاحداث المتسارعة ويتناسى كل هفوات الطباعة والترجمة والتعليق!.
عانت روبينا بالاضافة الى قسوة الحياة والبيئة،الى ظروف استثنائية من قبيل هجر والدتها ذات السمعة السيئة لاسرتها لتتزوج من رجل آخر يختلف عنها حتى بالديانة! وتركت بالتالي كل اطفالها الثلاثة الصغار برفقة والدهم وجدتهم وعمامهم والذين لم يتعرفوا على ملامحها او تكون في ذاكرتهم شيئا من عطفها او رعايتها!...وهذه القصص تتكرر بأستمرار في الحياة الانسانية وكأنها صفات متلازمة بسبب بشاعة الطبائع البشرية ووصول نسبة كبيرة من افرادها الى مستويات تأبى الحيوانات ان تصل اليها!...ولكن في النهاية وبعد ذيوع شهرة روبينا في العالم،جاءت امها البايلوجية وبدون ادنى حرج كي تحاول استرجاعها حتى تستفيد ماديا منها!ولكن الرد العنيف من قبل روبينا وعائلتها ورفضهم الحاسم لها قد جعلها تتراجع بالرغم من المحاولات المستمرة وبخاصة اثناء فترة حجز الاب في الاتهام الباطل انه حاول بيع ابنته الى عائلة عربية من الخليج والذي اثبتت روبينا والوقائع المذكورة بطلانه.
ظهرت في شبكة الانترنت العديد من مقاطع الفيديو التي تصور الوضع المأساوي في مدن الصفيح والحالة المزرية التي تعيشها روبينا وكذلك الاستقبال الحافل لها بعد عودتها من احتفال الاوسكار في امريكا عام 2009،وغيرها من المقاطع التي تعطي صور اضافية للكتاب والقصص المتداولة.
اختيرت روبينا مع طفل مسلم هندي آخر(ازهار الدين محمد)الذي كان مشاكسا معها ويسكن ايضا مدن الصفيح من ضمن 1500 طفل ضمن اختبارات عديدة للتمثيل في فلم بريطاني ورواية هندية،يخرجه اللامع داني بويل والذي بر بوعده لروبينا وازهار الدين عندما منحهما شقتين مع تسديد نفقات دراستهم في مدرسة لامعة تعلمهم بالاضافة الى المواد الدراسية،اللغة الانكليزية التي لا يتحدثونها والتي تعتبر مفتاح دخولهم للسينما العالمية والعمل!.
تحدثت بالتفصيل عن رحلتها الاسطورية الى امريكا ضمن فريق الفيلم الذي فاز بالجوائز العالمية وكانت الرحلة محفوفة بالمخاطر والغرائب بدءا من عدم وجود تاريخ دقيق للميلاد والمقابلات لمشاهير الفنانين الى العودة الشهيرة التي نقلتها الكاميرات التلفزيونية!.
القصة الواقعية بتفاصيلها الدقيقة هي من الروعة بمكان انها تجذب القارئ لها كي يلتهمها بسرعة! وهي تستحق القراءة والاقتناء وتكمل المتعة عند مشاهدة الفيلم المذكور والذي توجد له عدة نسخ في الانترنت ومنها في يوتوب،بالاضافة الى المقاطع الاخرى.
الكتاب الثاني:بعثيون من العراق...كما عرفتهم
تأليف:جهاد كرم...الكتاب مؤلف من 294ص حسب ط1-لبنان لعام 2010 وهو من القطع المتوسط والورق الخشن.
وحسب المعلومات الضئيلة في الانترنت عن المؤلف الغير معلوم،ظهر انه لبناني مسيحي ارثوذكسي،انتسب الى حزب البعث- جناح العراق منذ اواخر الخمسينيات من القرن الماضي واستفاد منه كثيرا حتى اصبح وبخطوة معتادة من حكومة البعث في العراق في منح العطايا لاتباعها العرب المخلصين في الوصول الى مناصب عالية في الدولة واهمها تعيينه سفيرا في البرازيل وشيلي والهند وغيرها في فترة صودرت المواطنة الحقة لصالح فكرة مواطنة القومية العربية ذات المواصفات المحددة سلفا وبدون ادنى مراعاة لمشاعر الشعب العراقي وفئاته المختلفة وحقها في الحياة الكريمة! او حسب تعبير المؤلف ذاته ان احد اهم اسباب انهيار الحكم البعثي ان قاعدة الولاء قبل الكفاءة هي السائدة!.
عندما قرأت العنوان الثانوي للكتاب(كما عرفتهم)،تذكرت حينها موسوعة الاديب العراقي الشهير جعفر الخليلي المسماة(هكذا عرفتهم)والمختصة بالادباء والفقهاء البارزين في عصره،فتوقعت انها على نفس النسق في الطريقة دون القيمة!ولكن خيبتي جاءت مضاعفة وبسرعة، فشتان بين الثرى والثريا!...فعندما اطلعت على متن الكتاب وجدته من اغرب الكتب المنشورة واكثرها تناقضا وضحالة وهو نفس الرأي السائد عنه لدى جملة من الكتاب الذين أبدوا آرائهم فيه عند صدوره مباشرة في بعض المقالات المنشورة،واخذ بعض اصدقاء المؤلف بالذات! في نقده بصورة تبعث على الاسى بحيث تعطينا تصورا واضحا عن امثال تلك الشخصيات المنحرفة والتي تمتاز بضحالة في الثقافة كتميزها في انعدام الروح الانسانية البسيطة وبدون تفصيل او تدقيق او حتى نقد ذاتي بناء!.
الكتاب في مجمله عبارة عن اشارات مختصرة للمؤلف حول الكثير من الشخصيات البعثية التي عاصرها منذ نهاية الخمسينيات الى سقوط النظام البعثي العراقي عام 2003،وهي جاءت على شكل تعريف معجمي بسيط بحيث لا نرى معلومات جديدة او ممكن ان تفيد في كتابة تاريخ ذلك الحزب الفاشي والشخصيات التي خلقته من العدم ثم ارجعته الى ذات العدم!...فالمعلومات المنشورة حول اغلب الشخصيات تمتاز بغرابة لا مثيل لها،فمن بين تعريفه الذي يبدأه في كلمات مثل طيب القلب والمعشر وامتيازه بالكرم والشجاعة والادب وصاحب مبادئ ثورية الخ...ينقلب فجأة الى قاسي المعاملة،دموي النزعة،عشائري التفكير والميول،غامض وغريب الاطوار الخ من الصفات التي يعجز القلم عن جمعها في مكان واحد!...
اختصر جهاد كرم منذ البداية القول المفيد في ان البعثيين العراقيين نقلوا عشائريتهم الى الحزب والدولة وتعاملوا مع بعضهم البعض بنفس الاسلوب وبالخصوص قياداتهم من البؤر الوضيعة،لكن لا يتورع عن وصف كل فرد منهم بالرغم من التاريخ الدموي والانحراف المعروف ببعض الكلمات المادحة لهم!.
لم يعتذر جهاد كرم كبقية بعثيي العراق عما وصلت اليه الامور المآساوية من جراء سياساتهم الدموية الارهابية الفاشية الناتجة من مناهجهم وسلوكياتهم المنحرفة،بل اصروا على تبرئة انفسهم من كل الجرائم التي ارتكبوها خلال تاريخهم الدموي سواء بحق انفسهم او بحق الشعب الجريح!لا بل وينتقد بشدة من ندم او اصدر كتابا ينتقد الحزب وقياداته مثل محمد المشاط او الفكيكي وغيرهم وكأن تلك الاخطاء الكارثية لا تحتاج الى اصدار ولو بضعة كلمات من الندم السطحي!... وهذه صفة نادرة قلما نجدها في بقية الاحزاب الاخرى التي تمارس النقد الذاتي عادة بعد خروجهم من الحكم لدراسة الاسباب والنتائج وفق معايير متعارف عليه في النقد والتقييم،ويعود ذلك الى اسباب عديدة اهمها ان حزب البعث انقلابي وصولي يمتاز بفقر فكري وادبي واضح جعله من اضعف الاحزاب وهذا ما ناسب وضع اكثر الجهلاء والمتخلفين واصحاب السوابق الراغبين في عمل ويجعلهم في ذات الوقت متسلطين على مجتمع يرفضهم! بينما قلة من المثقفين تجرأت لاسباب مختلفة في الانتساب واكثرها لاجل المنفعة الذاتية من السلطة وسرعان ما ذاقت الامرين من قياداتهم الدموية التي ليس لديها اي اعتراف بقيم عالية تقيد قدرتها على انتهاك الكرامة الانسانية او حق النضال المزعوم!...وكانت من ابرز علامات ذلك الزمان اذا اريد التعذيب النفسي للمثقف اللامنتمي هو ان يتحكم البعثي به سواء اكان علمانيا او اسلاميا ضمن تيارات اليسار واليمين،فالسخرية منهم شائعة الى درجة لا يمكن تجاهلها كونهم زمر من الجهلة والفاشلين والفاسدين لهم بطون متدلية خارج الحزام وادمغة ضخمة متحجرة تلبس ملابس زيتونية مكروهة ولا تستطيع ان ترى اكثر من ان تكون مستعبدة لفرد احمق يعتبروه صنما!.
خلال المراحل الاولى لحكم بعث العراق،سحقت الالة الجهنمية لسلطة الحزب الامنية اغلب منتسبيه الاوائل والذين امنوا لاجل اهداف قومية بحتة ولم يبقى في النهاية سوى شخصيات ضعيفة،ضحلة القيمة ومنحرفة السلوك وخائفة على مصيرها من التصفية الدموية التي لم ترحم احدا! ومن هنا تكمن الاسباب الرئيسية في عدم ندم اغلبهم بعد سقوط نظامهم الارهابي!...ومن الغريب حقا ان اغلب المذكورين في الكتاب،انتهت حياتهم بالقتل والتعذيب والسجن والنفي بيد زملائهم وليس بيد الاحزاب الاخرى او القدر الحتمي!.
يعترف المؤلف المشارك في هذا الحزب الدموي بالرعب الحاصل وبالخوف من المصير المجهول،وبالقسوة والعفوية والجهل الذي امتاز به الحكم،الا انه لم ينقده! بل برره بضرورة انتظار المستقبل ليقول كلمته!ولا احد يعلم من لديه القدرة والشجاعة على كتابة وتحليل تاريخ حزب مافيا دولية وفاشي كحزب البعث مارس البغاء السياسي بحرفية شديدة الغموض؟!...
يظهر من الكتاب ان مؤلفه مناقض لنفسه في ابسط المواقف والقضايا،فهو لا يتورع عن ذكر من قتل وهم اغلب المنشورة اسمائهم في الكتاب ولكن في النهاية يصف القتلة والضحايا بالشهداء والكرماء واصحاب الغيرة والشجاعة وكأننا امام نظرية عدالة صحابة جديدة الخ!!...هذا التناقض يعطينا صورة تفصيلية عن النموذج المثالي للمنتسبين والذين بقوا الى النهاية وبدون تصفية خلال عقود من الارهاب والقمع...
اغلب المعلومات البسيطة في الكتاب اما غير صحيحة او غير دقيقة بالاضافة الى الاكاذيب المروعة والتي من ابرزها ذكر الكاتب ان حزب البعث حشد عام 1962 حوالي 600 الف بعثي لاستقبال بن بلا في وقت اتفق البعثيون ان حزبهم لم يضم ايامها سوى بضعة مئات(تحديدا 740)!! كما ان بعض التواريخ المذكورة غير صحيحة مثل اتفاقية 11 آذار 1970 او تواريخ تصفية الاشخاص او بعض اماكن عملهم الخ من الامور البديهية في تاريخ هذا الحزب،وبمعنى ادق ان الكتاب كتب على عجل ولم يتحقق منه الكاتب سوى اسداء الجميل لمن منحه تلك المناصب او الاموال او تعويض عن نقص حاصل في سيرة حزبه وزملائه!.
الراغب في دراسة حزب البعث عليه الذهاب الى كتب نقد تجربته بمنظار موضوعي صارم من الذين تبرأوا منه في بداية سلطته او من خلال الكتب السياسية الاخرى التي تناولت الحدث والوقائع والاشخاص بالنقد والتحليل الموضوعي،اما كتب على نمط كتب الاجهزة الامنية البعثية فذلك من زمن مظلم انتهى عهده الى الابد!...