إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/08/31

في سياحة الكتب:9


في سياحة الكتب:9
التنوع في القراءات هو احد الشروط الضرورية ليس فقط لتنشيط العقل وجعله متابعا لكافة التطورات المعرفية المتراكمة في العالم،بل هو ايضا ادامة ذاتية دورية له وجعله قادرا على مواصلة عمله بجدارة تتناسب وامكانياته الهائلة التي وهبها الله تعالى له والتحكم بكافة الاحداث والتحديات التي تواجه الانسان المعاصر في حياته المعتادة اليومية حتى لا يتحول الى آلة صماء تردد ما يقوله الاخرون له!.
استعرض هنا كتابين مختلفين في المضمون مع اختلاف في طريقة العرض لأيصال الفكرة والمعلومة للقارئ،وقد يكون احدهما سردي قديم لا يمكن مقارنته بالكتب التي تحتوي على افكار مبدعة وتحتاج الى جهد عقلي ونفسي كبير بقدر ماهو حشو مستعار من مصادر اخرى دون اضافة تجديدية له!...وقد يتبادر في الاذهان سؤالا شائعا هو لماذا القراءة في هكذا نوعية من الكتب الضعيفة؟!اليست هي مضيعة للوقت والجهد!...وطبيعي ان الاجابة تستند الى اسباب عديدة قد تكون مبررة في حد ذاتها ومنها قد يكون حب المعرفة والاستطلاع التي ليس لها وقت للفرز والابعاد من خلال العنوان الذي قد يختلف عن المتن! او مصادفة الوقوع في اليد  وليس هنالك غيره، او لعل بين سطوره فكرة مخفية قد تنفع!...الخ من الاسباب المبررة!.
الكتاب الاول:
وراء كل عبقري قصة معاناة!!...تأليف سلمى مجدي،طبعة 2009القاهرة – دمشق.
الكتاب مؤلف من 310صفحة ورق خشن عادي ولكن الغلاف جيد!.
مذكورين في البداية اسماء اربعة اشخاص عاملين في دار النشر ومن ضمنهم مختص بالمراجعة اللغوية والتدقيق!...ولكن بعد الاطلاع على بضع صفحات من الكتاب يتبين ان الكتاب ليس فيه لا مراجعة لغوية او حتى تدقيقا في معلوماته بل هو سرد لسيرة مشاهير مأخوذة في الغالب من شبكة الانترنت كما هو موجود في نهاية الكتاب ضمن قائمة المصادر! والغريب انه احيانا ضمن الصفحة الواحدة او ضمن السيرة الواحدة تذكر عبارات متكررة مما يعني ان المؤلفة قد عملت نسخ ولصق من مصادر عدة دون ادنى مراجعة للتهذيب والترتيب كي يطبع الكتاب بسرعة خاصة وان مضمونه ليس ثقيلا على الفهم والادراك بل يفهمه حتى البسطاء! ولكن ذلك يعتبر امرا مخجلا اذا اريد تأليف كتاب ما يبتغى منه الفائدة،وقد يكون الخطأ المتكرر عدة مرات له تبريرا معقولا ولكن كل فصول السيرة (17 سيرة مذكورة) الامر اذا سوف يكون غير مبرر على الاطلاق،ولذلك لم يضف الكتاب شيئا جديدا.
قصص معاناة العباقرة في التاريخ هي قصص متداولة بكثرة لان الغالب على هؤلاء انهم يعانون اكثر من غيرهم لاسباب عديدة قد يكون من بينها ان المجتمع اساسا غير فاهم لمقدرتهم الفائقة او متفهم لاوضاعهم وبالتالي انهم مخلوقون لزمان غير زمانهم كما هو شائع هذا التعبير!والمجتمعات عادة مليئة بالامراض الاجتماعية النفسية التي يستحيل ليس فقط ازالتها بل تصحيحها! والتي من بينها الحسد والحقد والخوف من كل مبدع او عبقري! ولذلك تنشأ الكثير من المعوقات المصطنعة في طريق هؤلاء العباقرة والتي هي اساسا من صنع اشخاص اخرون يتملكهم الحقد والحسد ورفض كل ما يصدر من هؤلاء او قد يكونوا من المتعصبين ضد اي فكرة تجديدية في مختلف العلوم والفنون والاداب،وبالتالي يعتقدون ان من واجبهم الوقوف في الاتجاه المعاكس لكل حركة او عملية تغييرية حتى لو كانت في صالح خدمة الانسان وتطويره!...
لا ننسى ان الحياة ليست بالسهولة التي يعيشها البعض،بل هي جحيم او عبارة عن واقع بائس من الصعب تغييره،وهذا الواقع هو احد ابرز سمات الحياة!والغالبية الساحقة تستسلم امام الامر الواقع! ولا يقف ضده الا نسبة ضئيلة قد تضحي بحياتها او متعها كي تفرض متغيرات جديدة،وغالبية العباقرة او المبدعين هم ابناء واقع صعب للغاية ولذلك يبذلون جهدا كبيرا يتناسب مع قابلياتهم الذهنية والجسدية كي يحسنوا من حياتهم وحياة مجتمعاتهم،وليس شرطا ان ينجحوا فقد يفشل الكثيرين!وليس النجاح هو صفة العباقرة والمبدعين فقط بل احيانا الفشل ايضا لان النجاح والفشل ليسا مرتبطان بالقدرات فوق الطبيعية بل هي نتاج بيئة في الغالب!.
في سيرة غالبية المبدعين قصص رهيبة من الحزن والالم،لانه دافع قوي للمقاومة الذاتية التي هي خير محفز للابداع،ولذلك نرى ان غالبية الخاملين هم من لم يتعرضوا الى الحوافز البيئية المحزنة بل هم من وسط بيئة مريحة لا تشجع على الابداع والتغيير مادام كل شيء متاح!.
الكتاب الثاني:
عصر الجماهير الغفيرة1952-2002...تأليف:د.جلال امين.
الكتاب مؤلف من 204 ص حسب الطبعة الاولى2003.
المؤلف هو احد المفكرين المصريين الذين يمتازون بدقة ورصانة في الطرح والتحليل وبأسلوب مبسط وهادئ واقرب في استخدام المناهج الغربية في التحليل،وهو في اغلب مؤلفاته يستعرض الواقع المصري وبخاصة خلال العقود الستة الماضية.
الكتاب يتألف من 17 مبحث لظاهرة يستعرض فيها حالة التغيير التي اصابت مصر خلال العقود الخمسة المنصرمة فيها،وبالرغم من ان الحالة عالمية الا ان تركيزه على الحالة المحلية(مصر تحديدا) في هذا الكتاب او في بقية كتبه والتي من بينها كتابه ماذا حدث للمصريين؟... يجعل من الصعب اعتبارها مراجع عالميا في امثال تلك القضايا المشتركة والتي يتداولها المفكرون عادة وهذا لايقلل من القيمة العالية لكتبه ولكن تفقد جاذبيتها العالمية وتجعلها محصورة ضمن دائرة اهتمامات المهتمين بالشأن المصري وقد يكون ذلك ناتجا عن التخصص فيه خاصة من خلال المعايشة الذاتية مما يجعل التحليل في درجة عالية من الدقة والحيادية، ولكن المشتركات بين المجتمعات هي كثيرة والان بعد التداخل الذي حصل في زمن العولمة اصبحت الاستفادة من المناهج التحليلية لمجتمع ما هي فائدة مشتركة لوجود الارضيات المشتركة مما يعني ان كثيرا من طروحاته واستنتاجاته هي ملائمة بدرجة نسبية معينة للمجتمعات الاخرى وخاصة المجاورة لمصر.
يقصد جلال امين بعصر الجماهير الغفيرة،هو الآثار الحاصلة للحراك الاجتماعي من خلال الحجم السكاني،لان العصر الحالي هو عصر الكل او الاغلبية الساحقة وليس كما هو سائد في القرون السابقة في كونها عصورا لاقليات حاكمة او ثرية متحكمة في التاريخ بينما الغالبية الساحقة تعيش خارجه في فقر ومرض وجهل ولا يستطيع الا المحظوظون لاسباب مختلفة من القفز على واقعهم من خلال مشاركة الطبقات العليا لثمار الارض وملذاتها!.
اذا العصر الحالي هو عصرا جماهيريا بأمتياز كون المتغيرات الاجتماعية قد اصابت الغالبية الساحقة لأي مجتمع بشكل مدهش،وهو يطابق ما يشاع بأنه العصر الامريكي الذي هو عصرا هدفه الاستمتاع من ملذات الحياة بأقصى مجالات الربحية والتحرر من القيود المفروضة وهذا لا يتم الا من خلال استغلال الطاقات المعطلة للغالبية الساحقة عن طريق مشاركتها في هذه الاهداف مما يعني ان الفائدة سوف تكون للجميع...وفي الحقيقة ان المدرسة الاشتراكية هي قريبة لذلك المعنى ولكن لم يطرحه المؤلف!وقد يكون ذلك من خلال شيوع طابع الحياة الامريكية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي.
تناول المؤلف تأثير انقلاب 1952 على المجتمع المصري من خلال انتزاع الامتيازات الطبقية للفئات المتحكمة،ولكن هذا لم يستمر طويلا فمنذ الانفتاح  الاقتصادي عام 1974 تقهقر المجتمع وارتد الى وضع اسوأ بكثير من الوضع قبل عام 1952، فقد نشأت طبقات جديدة على نفس نمط التقسيمات السابقة ولكن بعناصر بشرية مختلفة استغلت الواقع المضطرب في القفز على السلطة والنفوذ واستغلال الفرص المتاحة لقلة طبعا بوسائل غير مشروعة لا يقوم النظام بمحاربتها بل العكس الاشتراك في تغذيتها من خلال غض النظر او حتى مشاركة اطرافه فيها! مما يعني ان الحالة هي مأساوية ونموذج مثالي للفساد المستشري في العالم الثالث.
تناول المؤلف قضايا قد يتجاهلها الكثيرون مثل قضية تاثير التلفاز والتليفون والسياحة واستغلال الاعياد لاغراض اقتصادية بحتة وافراغها من مفاهيمها الروحية العالية كما ذكر طرق التسويق التي تسلب الزبون عقله!،كما  تناول قضايا مؤقتة او هامشية ولكن درسها بأسلوبه الدقيق والممتع من قبيل حادثة قطار الصعيد المآساوية عام 2002 او حالة السيرك المصري او الازياء،وتناول قضية يهملها الكثيرون وهي الانتشار الرهيب للالقاب الاكاديمية(الدكتوراه تحديدا) بحيث اصبحت ظاهرة مرتبطة بمصر اكثر من غيرها دون ان يكون لذلك تاثيرات ايجابية ملموسة مما يعني ان الغالبية يكون مستواهم الاكاديمي او المعرفي دون مستوى امتلاك اللقب ذاته(تناولها من قبل عبد الرحمن البدوي في مذكراته) اذا صحت طريقة حصولهم عليها! بالمقارنة مع المستوى الرفيع الذي حمله اصحاب تلك الالقاب في السابق والذين كانوا مثالا للعلم والمعرفة والنتاج الغزير بل ان غالبيتهم في السابق كما هو الحال الان في الغرب لا يعيرون لمسالة اللقب اية اهمية تذكر بعكس الحال العربي!كما قارن بمن لم يحمل تلك الالقاب ولكنهم كانوا عمالقة في العلم والمعرفة والصبر على كل المشقات وتجاوزها...كما وتناول المؤلف ايضا قضايا متعددة يستحسن مراجعة الكتاب للاطلاع عليها.

2010/08/27

رمضان في بلاد الاغتراب:2

رمضان في بلاد الاغتراب
رمضان في بلاد الاغتراب:2
لا يخلو وضع الجاليات في بلاد المهجر من سلبيات ايضا،وقد يكون اهمها الناتجة من انتقالها من الاوطان الاصلية والمتمثلة في الصراعات السياسية والدينية والمذهبية والعرقية الى بلاد المهجر بسبب تواجد ابناء كافة الاطراف فيها والانتقال والاحتكاك المستمر،ولكن صيغة وطبيعة النزاعات هي اخف وطئة بالتأكيد من الوطن الام بسبب الحجم الضئيل لاعداد المتواجدين مع شدة وصرامة القوانين الوقائية التي تضبط سلوك المتطرفين لكيلا يؤثروا في مجتمعاتهم المحلية  لانها جزءا لا يتجزء من المجتمعات المتعددة الثقافات السائدة! وهذا يعني ان الحرص في الدرجة الاولى يتمثل بعامل الامن القومي والحفاظ على السلم الاهلي...
رمضان في استراليا:
اذا اخذنا استراليا كمثال نموذجي،كونه بلدا متعدد الثقافات وحاويا لحوالي 200 فئة عرقية من شتى بقاع الارض ومن ضمنها الجاليات العربية والاسلامية فيها،يكون لشهر رمضان المبارك فيه ايضا وضعه الخاص الى حد ما في اختلافه عن باقي الشهور فيما يتعلق بحالة المسلمين بالطبع.
من 22 مليون نسمة(2010) هم عدد سكان البلاد يتواجد ضمنهم حوالي مليون مسلم(وفي احصائيات اخرى اقل) من شتى الاقوام والاعراق مما يعني انهم جالية كبيرة وسريعة النمو ايضا بسبب عاملي الهجرة والزيادة السكانية الطبيعية العالية، وهذا يعني ان نسبتهم في تزايد مستمر اذا تمت المقارنة مع العقود الماضية.
ينتشر المسلمون في كافة انحاء البلاد الواسعة والمترامية الاطراف بما في ذلك الريف،ولكن تركيزهم يبقى بالدرجة الرئيسية في عواصم الولايات،وبخاصة سيدني وملبورن وبيرث وادلايد وكانبيرا وبرزبين حسب درجة الاهمية،ولوحظ ان تعرف بقية السكان على شهر رمضان عند المسلمين بما يمثله من صيام جسدي ومعنوي قد انتشر بسبب انتشار وسائل الاعلام المختلفة وايضا المسلمين في كل مكان حتى اصبح من النادر ان نجد من لا يعرف رمضان ولو معرفة بسيطة...وفي كل الاماكن تنتشر المراكز الاسلامية المتمثلة بالمساجد ومراكز العبادة حتى ان الجامعات توفر اماكن خاصة للعبادة والاجتماع بين المسلمين خاصة بعد ازدياد عدد الطلاب والطالبات القادمين من بلاد اسلامية،ولكن تنتشر ايضا مساجد خاصة بجالية معينة،اي كأن يكون هنالك المسجد التركي او الالباني او الباكستاني وغيرها الا انها تبقى مفتوحة للجميع،ولكن لم نسمع بمسجد خاص ببلد عربي معين مما يعني ان الوحدة الرمزية موجودة فقط في هذا الجانب الصغير! ولكن تبقى مسألة اختلاف الكثافة النوعية في التواجد في بعض تلك المساجد كأن تكون الاغلبية لبنانية او عراقية الخ...وكذلك تنقسم مراكز العبادة بين اتباع مختلف المذاهب الاسلامية في مختلف الاماكن وان كانت ايضا مفتوحة عادة للجميع.
ممارسة شعائر العبادة وعقد الاجتماعات المختلفة التي تتناول مختلف جوانب العقيدة والحياة وايضا مناقشة الاوضاع التي تخص الوطن الام،هي تنعقد بحرية تامة دون ادنى تدخل من الدولة اذا لم يمس الامن القومي من عنف متوقع بالطبع،ودرجة الحرية المتاحة هي بالتأكيد تفوق بكثير ما متاح وموجود في كافة البلاد العربية لمختلف الاسباب المعلنة،بل ان عدد كبير من اللقاءات والاجتماعات التي تعقد عادة لما يسمى بفعاليات المجتمع المحلي المصغر كأن يكون لقاءات دورية بين مختلف افراد الجاليات هي تعقد بدعم ورعاية مادية ومعنوية من قبل المؤسسات الرسمية وبخاصة دوائر البلديات المحلية التي لها صلاحيات واسعة تختلف من منطقة لاخرى في وسائل الدعم والرعاية كأن يكون توفير مكان اسبوعي او دوري،ومن ضمن النشاطات هي تعليم اللغة الام في مدارس اهلية او الاحتفالات الدينية والوطنية او الاجتماعات التداولية لمناقشة مختلف القضايا بين الافراد.
في فترة شهر رمضان تزدحم مراكز العبادة وبخاصة في اوقات الليل بالزائرين كما تنتشر عادة الفطور الجماعية اليومية او الاسبوعية او لمناسبات دينية معينة، وتمارس طقوس العبادة والتثقيف الديني كما هو موجود عادة في الاوطان الاصلية وبخاصة قراءة القرآن الكريم واحياء الصلوات...الخ وليس غريبا هنا من يمارس الصوم من التلاميذ المسلمين بل ان ذلك بالطبع يتبع درجة الالتزام الديني لدى كل عائلة ولكن ليس هنالك من عوائق تواجه التلاميذ الصائمين حسب ماهو معروف، كما ويأتي ايضا عدد من رجال الدين في امثال تلك المناسبات للتثقيف والوعظ بالرغم من وجود عددا منهم في غالبية المراكز الرئيسية.
لاحظت وبخاصة في السنوات الاخيرة ظاهرة انتشار الطعام المستورد من البلاد المسلمة او المستخدم بكثافة في المائدة الرمضانية وبأسعار ارخص من باقي ايام السنة! وهذا عكس ما موجود في غالبية البلاد العربية من خلال التعرف على الشكاوى الجماعية المنتشرة في وسائل الاعلام من اجماع على ارتفاع الاسعار لمختلف الاسباب او ندرة بعض المواد!...ليس هذا فحسب بل ان المحلات العربية التي يمتلكها غير المسلمين والاسواق الكبيرة اصبحت توفر تلك المواد التي يقل الطلب عليها عادة في الاوقات الاخرى وايضا بكثافة اكبر وبتخفيضات اعلى من بقية الايام وقد يكون ذلك لعلمهم بمدى حاجة الجاليات المسلمة لبعض المواد دون غيرها في مثل تلك المناسبات وايضا لشدة المنافسة الموجودة على كسب الزبائن ايا كانت ديانتهم!وهذا ايضا ناتج من بعض اساسيات علم التسويق الذي يجهله عدد كبير والذي اصبح علما وفنا لا يستطيع الانسان العادي ان يصمد امام اغراءاته المثيرة التي تسلب الارادة الى درجة عجيبة!...
هذا الوضع الاقتصادي يكون اكثر مثالية اذا قيس بمجتمعات مسلمة تعاني من الجشع الظاهر بالرغم من ان بعضها مفتوح تجاريا مما يعني ان ثقافة كسب الزبائن واحترام خياراتهم مع توفير ما يحتاجونه حسب ما يتطلبه العمل التجاري البحت،هي ثقافة ضعيفة لم تتأثر بالمتغيرات الحاصلة في العالم في العقود الاخيرة!...نعم قد تكون الازمات والاوضاع الاقتصادية المتحكمة في السوق لها آليات اجبارية متحكمة في السلوك الاقتصادي ولكن اذا لم تكن تلك العوامل موجودة فعلام انتشار تلك الحالات السلبية في هذا الشهر الكريم بالذات والتي تخالف روح الدين والسلوك السوي الى درجة قد تكون وباءا اجتماعيا لا يمكن احيانا معالجته حتى بقوانين وانظمة رادعة ما دامت ثقافة التنافس الشريف والتي من بينها احترام سلوكيات ورغبات الزبون المتذبذبة غير سائدة اساسا؟!...
حالة الطقس الموجود في استراليا عادة عكس العالم العربي لكونها في النصف الجنوبي من الكرة الارضية مما يعني ان الشتاء البارد فيها هو صيف حار في العالم العربي والعكس صحيح، وهذا يعني اختلاف درجة الصعوبة في الصوم التي تكون سهلة عادة في فصل الشتاء وبخاصة للعاملين.
مواقيت الصوم والافطار هي مثل اوقات الصلاة والاحكام الشرعية الخاصة به هي في متناول يد الجميع وليس هنالك اية صعوبة الا في المناطق النائية التي قد يحتاج الشخص المقيم فيها الى الانترنت للاستعانة بما يرغب معرفته.
وعادة عندما ينتهي شهر رمضان المبارك تكون هنالك في اغلب المراكز الرئيسية صلاة العيد الجماعية والتي يتم تقديم التهاني وتقديم الصدقات واقامة السفرات الجماعية... الخ من النشاطات الاجتماعية المعتادة في تلك المناسبات،ويحرص بعض المسؤولين في مشاركة الجاليات لافراحهم في العيد من خلال تقديم التهاني او الزيارة او تقديم الدعم لما يحتاجون اليه.
قد يكون هنالك اختلاف في تفاصيل العادات والتقاليد بين الاوطان الاصلية وبلاد المهجر الا ان المشترك هو في الاصول المتعارف عليها،وممارسة العادات والتقاليد المتوارثة هي في ازدياد وليست في تناقص الا اذا كانت هناك اماكن وبلاد مختلفة عن المثال المستعرض هنا وهو استراليا،وعندها لكل حادث حديث!.   

2010/08/24

رمضان في بلاد الاغتراب:1


رمضان في بلاد الاغتراب:
تختلف العادات والتقاليد وطبيعة الحياة خلال شهر رمضان المبارك من بلد الى اخر،ولكن يبقى الجامع الاكبر هو صوم الشهر المبارك والتقيد بأحكامه الشرعية والتي تدخل في تكوين عادات وتقاليد متوارثة تنتقل عادة بين الاجيال كافة.
من هذا المنطلق تتكون لدينا بديهية معروفة وهي ان ظروف عادات وتقاليد شهر رمضان المبارك في بلاد الاغتراب او حتى البلاد التي تتواجد فيها اقليات مسلمة كبرى مثل الهند او روسيا او الصين الخ،تختلف بدرجة معينة من الاختلاف مع البلاد الاسلامية،ويعود ذلك الى اسباب عديدة اهمها ان العيش في بلاد الاغتراب يكون ضمن مجتمعات اما متعددة الثقافات والديانات مثل امريكا الشمالية واستراليا او تكون فيها ديانة محددة سائدة على شعب ما مثل المسيحية في اوروبا والهندوسية في الهند،مما يعني ان الاختلافات تكون بدرجة معينة لا تتساوى بين جميع بلاد الاغتراب ولكن جاءت متكيفة مع الوضع الجديد او من خلال الاختلاط والتلاقح بين ثقافات الشعوب التي تدخل وتخرج ضمن عادات وتقاليد لايمكن السيطرة عليها او ضبطها بايقاع متوارث من الوطن الام قد لا تتوفر له الارضية المناسبة للنمو او الاستمرارية في بيئة يكون عامل التعايش السلمي هو الغالب عليها.
لا يوجد مانع محدد في صوم شهر رمضان المبارك في اي بلد،ولكن تختلف الظروف المحددة للصوم من بلد لاخر،او من منطقة لاخرى ضمن البلد نفسه،وبالتالي فأن الحديث عن اي عادات وتقاليد في شهر رمضان المبارك بما في ذلك طبيعة الظروف المحيطة بتطبيق الصوم ضمن الضوابط الشرعية غير شاملة ولا يمكن تعميمها وتطبيقها على كل البلاد،وانما لكل منطقة او بلد بذاته له ظروفه المؤثرة في الحياة اثناء حلول الشهر الفضيل والعيش ضمن اجوائه الرحبة.
هذا يعني ان العادات والتقاليد الرمضانية في بلاد اوروبا تختلف عن امريكا الشمالية او استراليا،بسبب الاختلاف في طبيعة تلك المجتمعات التي يتواجد بها المسلمون، وكلما كان حجم الجالية اكبر كلما كان لشهر رمضان تأثيره الاقوى والعكس صحيح من خلال وجود كافة المستلزمات الضرورية للصيام او الطعام الحلال او الجماعي والعبادة والتزاور بين العائلات الخ من العادات المتوارثة في العالم الاسلامي...
 وبالرغم من ان للحريات الدينية دورا كبيرا كذلك لدرجة التعصب والعنصرية دورها المؤثر ايضا،الا ان الغالب هو توفر الارضية المناسبة للصوم،وتكون الحالة اكثر سهولة من خلال تواجد المراكز الاسلامية المختلفة والقائمين عليها وسهولة الوصول اليها بسبب اتساع حجم بعض المدن الى درجة قد يكون الانتقال او الزيارة يحتاج الى وقت طويل يحدد مسبقا.
من الظروف الاخرى المؤثرة جدا هي العمل ذاته! لانه سوف يكون طبيعيا لان الغالبية تعمل مع غير المسلمين ضمن مكان العمل ذاته،وبالتالي فأن الظروف سوف تختلف حسب نوعية ومكان العمل خاصة اذا كان العمل ضمن فترة يحين فيها الافطار!وهذا يعني انه سوف يكون لكل مكان ظروفه المختلفة وان كانت الاغلبية لاتعاني من ذلك خاصة في البلاد التي فيها نسبة بطالة عالية او يكون طبيعة العمل اكثر تيسرا من غيره.
عامل الطقس له اهميته البالغة فبعض الدول وخاصة الواقعة قرب الدائرة القطبية الشمالية هي تفرض ان تكون فترة الافطار قصيرة جدا لا تتجاوز بضع ساعات وحوالي 15-20 ساعة هي صوم! وهذا مشابه اذا كان هنالك فصل الصيف ايضا في مناطق اخرى،وقد يحدث العكس ايضا اي ان فترة الصوم قصيرة جدا وفترة الافطار تكون اكثر وبخاصة اثناء فصل الشتاء.
وجود الطعام المناسب وخاصة نوعية الطعام المتوارث وبخاصة الحلال منه له اهميته البالغة،فبعض المدن وخاصة الصغيرة منها والتي لا يتواجد فيها سوى عدد قليل من المسلمين هو اكثر صعوبة من خلال قلة تواجد المحلات العربية(بعضها مسيحي عربي ولكن يحافظ على توفير كافة المواد والاطعمة الموجودة في الوطن الام) اوالاسلامية او حتى صعوبة معرفة اوقات الصلاة والافطار وبقية التعاليم مما يعني ان القرب من تواجد الجاليات والمراكز الاسلامية يكون اكثر سهولة ليس فقط في شهر رمضان بل ايضا من خلال المحافظة على العادات والتقاليد ولغة الام ايضا.
بعد ثورة الاتصالات الحديثة وانتشار الانترنت والقنوات الفضائية العربية او الاسلامية،اصبحت الامور اكثر يسرا بكثير من السابق بحيث اصبحت معرفة اوقات الصيام او اتجاه القبلة او انتشار التعاليم الدينية وبخاصة المتعلقة بأحكام الصوم مع انتشار الوسائل الاعلامية الاخرى مثل الصحف والمجلات والكتب موجودة في كل مكان والتي دخلت البيوت حتى استطاعت ان تقرب البعيد او تزيل حواجز وعوائق قد يكون اغلبها نفسي من نفوس ابناء الكثير من الجاليات المنتشرة في بلاد المهجر والتي اصبحت كثيفة العدد بسبب عاملي الهجرة التي ازدادت في العقود الاخيرة او نسبة الانجاب العالية! وهذا من ثمرات وايجابيات الثورة التكنولوجية الحديثة والتي يسرت الكثير وان كانت لها مساوئ اخرى ولكن في غير محل حديثنا عن الصوم،وفي الحقيقة ان انتشار التعاليم الدينية وبخاصة ضمن صفوف الاقدم سكنا قد ازداد بمجيء الافواج الجديدة من المهاجرين او بسبب انتشار المراكز الاسلامية والقنوات الفضائية وغيرها...

2010/08/22

الانتخابات الاسترالية


الانتخابات الاسترالية:
من تجارب الشعوب ونظمها المتنوعة نستلهم الدروس والعبر ولكي تكون خير مثال لنا في البحث عن افضل السبل لخياراتنا في حياة حرة كريمة مماثلة.
جرت يوم 21-8-2010 الانتخابات الاسترالية المبكرة لاختيار رئيسا للوزراء واعضاء البرلمان،وهي عادة تقع كل ثلاث سنوات،ولكن هذه المرة جائت مبكرة بسبب التغيير المفاجئ لرئيس الوزراء السابق كيفين راد في شهر حزيران (يونيو) الماضي من قبل اعضاء حزبه الذي يتزعمه بسبب انخفاض مؤقت لشعبيته في بعض استطلاعات الرأي! الا ان الخوف المزمن من انخفاض شعبية اي حزب او قيادي بالرغم من كونه طبيعيا ومرحليا مؤقتا لاختلاف الاراء والامزجة حسب طبيعة المشاكل والازمات التي تواجه ادارة اي بلد،قد فرض نفسه وجعله الشغل الشاغل للاحزاب كي ترضي الناخبين من خلال تقديم وجوه جديدة بأدارة وخدمات جديدة للبلاد مع اقل خسائر ممكنة كي تعيد انتخابها ! وهو درس قوي ليس فقط للاحزاب والمنظمات السياسية في العالم العربي بل وايضا للحكومات العربية لكون الاثنان لا يعترفان لا بأستطلاعات الرأي ولا بقبول التغيير! بل وايضا عدم وجود اعتراف ظاهري او باطني بأن الحكم هو وسيلة لخدمة الناس وليس استعبادهم!.
التغيير المفاجئ قوبل بردود فعل غاضبة من بعض افراد الشعب ولذلك لم تقبل الرئيسة الجديدة غيلارد وهي اول امرأة تتسلم المنصب في تاريخ استراليا ان تبقى بدون انتخاب مباشر من الشعب حتى لو اختارها حزبها الحاكم! فقررت الانتخابات المبكرة والتي جاءت النتائج غريبة لتساوي الكفة بين الحزبين الرئيسيين:العمال وهو ممثل ليسار الوسط واليمين المحافظ:الليبرالي مع وجود بعض الاحزاب الصغيرة الاخرى.
الغريب في هذه الانتخابات ان زعيمي الحزبين الرئيسيين المتنافسين هما مولودان في خارج استراليا وتحديدا بريطانيا والاكثر غرابة ان رئيسة الوزراء تدعو لتأسيس الجمهورية المستقلة عن بريطانيا!...وهذه الحالة من علامات العولمة الجديدة كما رأينا في قبول ان يكون المهاجرون او ابنائهم من القادة او المسؤولين، وهي تتفق مع كافة الشرائع السماوية وحقوق الانسان والمذاهب الوضعية الداعية للمساواة! بينما نرى ان الجدل مازال في دولنا العربية والاسلامية في هل يقبل لمنصب حكومي او يمنح الجنسية من يولد في خارج البلاد،او من احد الابوين المنتسبين لجنسية اجنبية،او من كان من اصول غير حاكمة منذ قرون؟!! وهو ما يتنافى مع الادعاء البغيض بتطبيق دقائق الشريعة الاسلامية او مبادئ العروبة الغريبة! او الفلسفات العجيبة المستحدثة للقبيلة العربية الحاكمة!...وهذا يعني ان العالم تجاوز الان تلك المهاترات الدالة على ضعف حضاري او تخلف فظيع لرفض قبول ليس فقط مهاجرين بل لذرياتهم التي تعيش منذ مئات السنين! بل وحتى لطوائف واقليات تعيش منذ الاف السنين! ونحن مازلنا نتمسك بل ونتبجح بها ليس فقط على نطاق رسمي فحسب بل وايضا على نطاق شعبي! بل والادهى ان بعض الفئات الاكاديمية او المثقفة تناقش تلك المسائل بحرارة من جوانب متعددة هي اقرب في وضعها للهزل منه للجد والحل العادل الجذري!مما يعني ان لتلك الحالة المتردية جذورا ضاربة في المجتمعات العربية، وبالرغم من وجود علامات كثيرة مثالية على انفتاح شعوب اخرى مثل امريكا التي يرأسها الزنجي الكيني اوباما بتعابيرنا العنصرية! او فرنسا التي يحكمها المجري ساركوزي المتزوج من ايطالية مع وزيرات من اصول مغاربية! او الهند التي تتزعم حزبها الحاكم سونيا غاندي الايطالية الاصل !...الخ من الامثلة العديدة، بينما كان في السابق لا تجد شعوب العالم العربي او الاسلامي من ضرر او عيب عندما ينتسب شخصا ما لقومية او عرق مهاجر ويتصدى لمسؤولية هامة ولذلك نرى الجامعات الدينية الكبرى او الاحزاب الوطنية او المؤسسات الرسمية مثلا يتزعمها غرباء مهاجرون ولكنهم اكفاء ومخلصون للاوطان التي احتضنتهم مما يعني انها ظاهرة مستحدثة ولكنها متخلفة وتتقبلها الغالبية بدون استنكار الان!.
الاختلاف في وعود الاحزاب الاسترالية يختصر بتوفير افضل الخدمات والامان للمجتمع ولكن من جوانب مختلفة،مما يعني ان رغبة الناخب هي التي تقرر الاسلوب الملائم للبلد من وجهة نظره،واذا تذكرنا ان الناخبين ينتمون لمجتمع متعدد الثقافات، امكن لنا معرفة حجم الصعوبات التي يحاول السياسيون الجمع بينهم لقبولها!... النتائج تظهر بسرعة دالة على استخدام ارفع وسائل التكنولوجيا بالرغم من اتساع حجم البلاد بحيث ما ان تنتهي الانتخابات حتى تظهر النتائج بعد بضعة ساعات وليس بأسابيع او شهور كما راينا في دولا عديدة!.
الانتخابات عادة تكون في مراكز انتخابية تحكمها مفوضية مستقلة ويتواجد عند البوابات الخارجية بعض الافراد المنتمين لاحزاب متعددة يعطون الناخبين منشورات للاختيار مشفعة بأبتسامة أوعبارات التحية الطبيعية لكون ان هنالك نسبة كبيرة تجهل ليس فقط اسماء السياسيين بل وحتى اسماء الاحزاب او مناهجها ووعودها الانتخابية!...واشكالهم وهيئتهم توحي بأنهم اصدقاء ظرفاء من شتى الاعمار وليس اعضاء احزاب متنافسة في انتخابات مصيرية،مما يدعو للاسى حال الاحزاب واتباعها في العالم العربي التي لا تهتم كثيرا بتربية وسلوك اتباعها على احترام حقوق الاخرين من الاحزاب المتنافسة،وكم شاهدنا من التصفيات الدموية المروعة والانشغال بالخلافات الكلامية الوضيعة التي استهلكت اوقات الشعوب الثمينة وضيعت عليها فرص الازدهار والتقدم!.
ايا كان المنتصر في الانتخابات الاسترالية،فهي تأتي بالفائز لفترة محددة ولخدمة المواطن،وأي خلل منه سوف يستدعي أجراء انتخابات مبكرة!.  

2010/08/18

موسوعة المختار من الاخبار:9


موسوعة المختار من الاخبار:9
الصعود الى القمة:
عندما تحل النكبات والازمات على امة من الامم وخاصة ذات التاريخ العريق، فأن خطوات النهضة الثانية لها سوف تكون اسرع من نهضة الامم الاخرى التي لم تتعرض لنفس الظروف!...
هناك دوافع عديدة تسرع في ظهور النهضة الثانية وايضا في استمرارية النمو ضمن معدلات عالية وقد يكون من ضمنها:ان النكبات والازمات التي تمر بها الامة هي دافع قوي لابنائها للنهوض مرة اخرى وتعويض ما فاتهم من فقدان لثرواتهم وابنائهم واعتداء على حرمات بلادهم التي تعرضت للهزيمة او فقدان كرامتها وحريتها في حرب او سلم او قد يكون خروجها من حقبة زمنية طويلة ومظلمة لعدة اسباب قد يكون الاحتلال والاستبداد اهمها...الخ من الاسباب الكامنة وراء تأخر الامم عن ركب الحضارة الانسانية.
الارقام الاخيرة التي اذيعت يوم (16-8-2010)حول تجاوز حجم الاقتصاد الصيني للاقتصاد الياباني وبالتالي انتزاع المرتبة الثانية ضمن تسلسل اكبر الاقتصاديات في العالم من اليابان بعد ان تربعت في هذه المرتبة الخطيرة لمدة اربعة عقود من الزمن هي من اكثر الاخبار اثارة الان،وهي تحمل ضمن طياتها ليس فقط دروسا وعبر بل وايضا علامات استفهام حول تفصيلات بنية المستقبل المجهول الدائم التغير والذي يظن عدد كبير من البشر انه ثابتا لكون التغير لم يحدث ضمن فترة حياتهم القصيرة! وبالتالي يصعب عليهم التنبؤ بحدوثه مرة اخرى خاصة وانهم تربوا ضمن مناهج تحث على الثبات دون التغيروعلى الركود العقلي دون تحفيز نموه من جديد! بينما كان يكفي سقوط دولة عظمى مثل الاتحاد السوفييتي السابق كافيا لرجوع الوعي او على الاقل اثارة لمكنونات العقل الراكد!...الا انه لم يحصل ذلك مع شديد الاسف!...
غالبية المراقبين في العالم العربي للوضع الدولي الراهن،لم يقيسوا حالة التغيير الهائل في الصين منذ انفتاحها على العالم نهاية عام 1978،وبالتالي فأن فرص المقارنة واستنباط  النتائج والدروس والعبر هي ضعيفة سواء في حالة التحليلات او الدراسات بل حتى في حالة المقالات الصغيرة التي تكتب بالعربية عن حوادث صغيرة غالبا ما يجري تضخيمها ضمن مناهج متخلفة موضوعة مسبقا او قد تحصل بدون ادنى وعي او حتى تجاهل الاحداث الحقيقية الهامة حتى لا يؤثر على هدوء سبات العقل النائم!.
لقد كان حال الصين مأساويا حتى عام الانفتاح 1978 ويكفي للمقارنة ان دخل الفرد السوداني آنذاك(360$) اي كان ثلاثة اضعاف دخل الفرد الصيني(120$) بينما كان الفرد الهندي حوالي(180$)! وفي مقارنات اخرى محزنة، كان المصري اربعة اضعاف(480$) والسوري سبعة اضعاف ونصف!(910$) والان اي في عام 2010 تجاوز دخل الفرد الصيني(اكثرمن 4000$) كل هذه البلدان وبلاد اخرى عديدة مثل تونس والمغرب واليمن وغيرها!...هذه الارقام تعطينا دلالة واضحة على مقدار التخلف والفقر والجوع الموجود في الصين ابان فترة تشدد النظام الشيوعي الذي رأى كيف ان البلاد قد سقطت في مستنقع رهيب من التخلف من خلال سياساته الخاطئة وبالتالي عليه واجب التغيير دون فقدان السلطة!وهذا القرار الجذري يحتاج الى قيادة عليا تتصف بالشجاعة ومدركة لعواقب الامور لكون التراث المأساوي للحكم قد خلف عشرات الملايين من ضحايا القمع الرهيب والجوع خلال الفترة 1949-1978 وبخاصة اثناء الثورة الثقافية(1966-1976) سيئة الصيت، فكان من حسن حظ الصين ان القيادة الجديدة التي خلفت ماو عام 1976 وضع على رأسها رجل منفتح مثل دنغ هسياو بنغ الذي قاد البلاد نحو الانفتاح على العالم مع الاحتفاظ بالسلطة وبعض مظاهر الاشتراكية الشيوعية البسيطة!.
ان النهضة الصينية مشابهة لنهضة اليابان والمانيا من خلال العمل الجاد ضمن ظروف قاسية في محاولة لجذب الاستثمارات الاجنبية والاستفادة منها في بناء البلاد،هذا يعني ان نهضة الصين الحديثة مقاربة لنهضة الامم المهزومة في الحروب او التي تعرضت لنكبات قومية عديدة وخرجت بعد ذلك قوية الارادة واستطاعت كسر الحواجز واعادة بناء الذات ضمن الحدود المسموح لها دوليا حتى يحين الوقت لانتزاع مراتب الصدارة ضمن اقوى الامم اقتصاديا وسياسيا وفرض الامر الواقع على الجميع! والاختلاف اليسير بين الصين من جهة واليابان والمانيا كون الاخيرتين بالرغم من اتساع حجم الاقتصاد الا انهما لم يستفادا منه في اعادة بناء قدراتهما السياسية والعسكرية على العكس من الصين التي هي في حالة نمو متواصل في كافة الاصعدة يساعدها في ذلك ضخامة عدد سكانها حتى اصبح النفوذ الصيني منافسا قويا للنفوذ الامريكي في بلدان العالم الثالث بالخصوص!.
ان ازاحة الصين لليابان كان امرا متوقعا بسبب حالة النمو الاقتصادي المذهل، حيث استطاعت خلال العقد الاول من الالفية الجديدة ان تزيح كافة الدول الصناعية السبع الكبرى ماعدا الولايات المتحدة والتي يتوقع ان تزيحها الصين عام 2025! عن مرتبتها التي تربعت عليها اكثر من قرن ونصف! ومن يدري فقد يحدث ذلك قبل هذا التاريخ المتوقع اذا حدثت مفاجئات اخرى!...
في الحقيقة ان الارقام الصينية عن الاقتصاد الداخلي ليست بدقة الاحصائيات الغربية او اليابان بل دائما اقل بحوالي 20% من الرقم الحقيقي كما قيل لاسباب عديدة مما يعني ان ضخامة الاقتصاد الصيني الحقيقية قد تجاوزت اليابان قبل عام او عامين والتي تعيش حالة ركود مستديمة منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، والازمة الاقتصادية الاخيرة التي اصابت الاقتصاد العالمي عام 2008 قد اسرعت في حصول الصين ليس فقط على المرتبة الثانية بل وايضا المصدر الاول في العالم عام 2009 عندما ازاحت المانيا عن مرتبتها الاولى التي تربعت عليها لفترة طويلة!...
كان اثر النمو الاقتصادي المذهل في الصين قد انعكس ايجابيا على كافة الاصعدة الحياتية في البلاد الا ان الامر لا يخلو من سلبيات عديدة تحاول الحكومة الصينية حلها خاصة حالة اتساع دائرة الفوارق بين الطبقات الغنية والفقيرة في البلاد مع شيوع حالة البطالة والفقر والفساد ايضا! وبالرغم من التطور الكبير والذي ادى الى وصول حجم الاحتياطيات النقدية للحكومة الصينية الى نسبة 30% من كافة الاحتياطيات المالية العالمية اي حوالي 3 تريليونات دولار الا ان مستوى دخل الفرد مازال يقدر بحوالي 10% من دخل الفرد الياباني او الغربي! وبالتالي فأن قاطرة النمو الصينية الرهيبة اذا ما استمرت على هذا النحو من النمو الذي يصل الى 10% فأن الفارق مع دخل الفرد الغربي سوف يتقلص مثلما قلصت اليابان ذلك الفارق معه في عقد الستينيات من القرن الماضي! اي ان التاريخ دائما يعيد نفسه ولكن بشخوص وجموع وصور مختلفة!.
ان الحالة الصينية الجديدة هي مثال بارز على نهضة الامم بعد طول فترة سبات وهي دليل على ان الشرق لا يقل ابداعا وتطورا واستيعابا للعلوم والتكنولوجيا من الغرب ايضا،وبالتالي فأن ذلك هو مدعاة لتحفيز الامم والشعوب الخاملة كي تنهض من جديد والتي مازالت تعيش ضمن حالة سبات فرضتها عليها ظروف خارجية وداخلية والتي حالتها تستدعي اليأس من التغيير على الاقل ضمن الامد المتوسط مثل حالة العالم العربي الذي يمتلك الامكانيات البشرية والجغرافية والمادية التي تساعده على الوصول الى اعلى المراتب الا انه مازال مقتنعا في البقاء ضمن حالة شبه دائمية من المساواة مع دولة متوسطة الحال مثل اسبانيا!...
يخطأ من يظن ان حالة الامم تبقى ضمن مستوى واحد شبه ثابت او ان الظروف لا تتغير واذا تغيرت فأنها تأتي ضمن سياق بطيء، بل ان الحالة الطبيعية هي دائمة التغيير حتى ضمن فترة زمنية قصيرة قد يعيشها الفرد الواحد،وبالتالي فأن الدروس الحالية هي لجيل واحد وليست لاجيال عديدة مما يعني استنفاذ كافة الحجج التي تدعو الى التجاهل والتي من بينها ان التطور يحتاج الى فترة زمنية طويلة!...

2010/08/16

مختارات


مختارات
سئل أحد الفلاسفة: كيف تختار امرأتك  
فأجاب: لا اريدها جميلة .. فيطمع فيها غيري .
ولا قبيحة ... فتشمئز منها نفسي .
ولاطويلة  .. فأرفع لها هامتي .
ولاقصيرة .. فأطأطئ لها رأسي .
ولا سمينة .. فتسد علي منافذ النسيم .
ولاهزيلة .. فاحسبها خيالي ..
ولابيضاء .. مثل الشمع  ..
ولاسوداء .. مثل الشبح ..
ولاجاهلة .. فلا تفهمني ..
ولامتعلمة .. فتجادلني ..
ولاغنية .. فتقول هذا مالي ..
ولافقيرة .. فيشقى من بعدها ولدي .
رأي في النساء  
سئل دون جوان: من هي أجمل النساء في نظرك ؟؟
قال: حبيبتي
فقيل له: ومن غيرها ؟
قال: زوجة جاري..
فقيل له: ثم من ؟؟
قال: خادمتي .
فقيل له: ثم من ؟؟
قال: زوجتي .  
كان ياما كان  
قالت الزوجة المريضة لزوجها: إذا أنا مت فأكتب على قبري هذه الجملة: ( في السماء راحة وسلام ).
فقال لها زوجها: بل سأكتب ( كان في السماء راحة وسلام ).
حكاية غرام  
سألت امرأة صديقتها: كيف عرفت زوجك الثاني ؟
فأجابتها: ان لذلك قصة طريفة .. فقد كنت اجتاز الشارع مع زوجي الأول حين أقبل زوجي الثاني بسيارته، فصدم زوجي الأول وقتله ... وهكذا بدأت قصة غرامنا..  
وصية امرأة  
عندما أحست إحدى الزوجات بدنو أجلها .. قالت لزوجها: يا زوجي الحبيب .. لقد أخلصت لي طوال حياتك .. ولم تفكر يوماً في خيانتي .. لذلك أوصيت لك بكل ثروتي.. ولكن أريد منك وعداً بأنك إذا تزوجت بعد وفاتي .. فلا تسمح لزوجتك أن ترتدي ملابسي .
فقال لها زوجها: كوني مطمئنة أيتها الحبيبة .. فملابسك ليست على مقاسها ..  
ثمار الفيلسوف  
حكى عن فيلسوف رأى إمرأة شنقت نفسها في شجرة .
فقال: ياليت كل الأشجار تحمل مثل هذه الثمار .  
في النساء قالوا 
قال سقراط لأحد تلاميذه: تزوج يابني  .. فإنك إن رزقت بإمرأة صالحة .. أصبحت أسعد مخلوق على وجه الأرض .. وإذا كانت شريرة.. صرت فيلسوفآ
 
 
 


2010/08/15

نهج الحكمة

نهج الحكمة
نهج الحكمة:4
الغيرة والعلماء:
الغيرة هي غريزة بشرية توجد في داخل كل انسان وتولد معه،وهي مشاعر واحاسيس نابعة من الحرص على كل ما يحبه الانسان ويحاول قدر الامكان المحافظة عليه او ابعاد الاخطار عنه حسب ما يراه هو!.
الغيرة قد تكون ايجابية وقد تكون سلبية وهي ليست مختصة بنوع معين من البشر خاصة اذا اخرجناها من حالة العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة والتي تنتشر على اوسع نطاق بين البشر ويتم تداول قصصها بين الجميع، بل الغيرة تكون واردة في جميع العلاقات الانسانية الاخرى او بين الانسان وحرصه على حفظ ما يعتقد به ايضا من عقائد وافكار واعمال،مما يعني ان الغيرة الواردة في الاحاديث المروية من قبيل قول الرسول(ص):ان الغيرة من الايمان،هي تختص بالحرص على كل ما يحض الدين عليه من ايجابيات من قبيل الحرص على تطبيق تعاليم الاسلام او التصدي لاعداء الاسلام وغيرها وليست معناه هي عمومية الغيرة.
والغيرة لا تختص بالمسلمين فحسب بل هي موجودة عند كل الاديان والمذاهب السماوية والوضعية وايضا في التجمعات البشرية المختلفة، ونلاحظها على سبيل المثال في حالات التنازع من قبيل تخوين الاخر اذا لوحظ عنه انحراف ما عن عقيدته او منهجه الفكري بل وقد يحدث احيانا اثناء مناقشة امرا ما قد تم التعارف عليه سابقا وجعله من واجبات الاعتقاد وهو قد يكون ناتج من الاجتهاد الزمني المتوارث،ويصل التصادم حدا قد يخرج من المعقول الى الجنون من خلال تدمير الاخر ماديا او معنويا حتى ولو كانت هنالك مشتركات ضمن قاعدة فكرية عريضة! كما لاحظنا ذلك في الصراع الدموي بين اصحاب واتباع المدارس الشيوعية المختلفة والتي وصلت حد ابادة الاخر وسلب كل حق وكرامة له!...هذا يعني ان جعل تهمة الغيرة سواء الايجابية او السلبية ضمن فئة او دين معين هي خاطئة، ولكن ذكرها في تعاليم الاسلام هي للدلالة على حث الانسان المؤمن ان يكون خير حافظ لتعاليم الدين وان يكون حريصا عليها سواء من التشويه او التدليس.
وهناك ذم واضح للتغاير في غير موضعها الطبيعي،فقد ورد في الحديث عن النبي محمد(ص) قوله:من الغيرة مايحب الله،ومنها ما يكره...وفي حديث للامام علي(ع) قوله في وصيته لابنه الحسن(ع):اياك والتغاير في غير موضع الغيرة...وهذا يعني ان الغيرة السلبية هي مضرة لا يجوز التقرب لها او الدعوة لها،وعلى الانسان المؤمن او المسالم المحب للخير الابتعاد عنها سواء في شعوره او في عمله...
مع كل هذا الذم الواضح للغيرة،فأنها توجد بين العلماء بدرجة مثيرة للاهتمام وتصل الى درجة مخيفة من المساوئ كالحسد او الكذب والنفاق، وطبيعي ان ذلك لا ينحصر ضمن نطاق علماء الدين بل حتى علماء المدنية بعلومها وآدابها وكم لاحظنا من صراع ظاهر او باطن بينهم في ابسط الامور حتى نجد مثلا الغيرة بين الروائيين او بين الادباء والشعراء الى درجة مسيئة للجميع! وقد ينشأ ذلك من اسباب عديدة يعود اغلبها الى الحسد من بروز الاخر وتفوقه وزعامته التي يحرص الجميع على الوصول اليها او الى الحرص على الثوابت المعلنة من المتغيرات بطريقة واقعية او غير عقلانية ناتجة من تعصب واضح!.
ومع استبعاد الغيرة بين علماء علوم المدنية في بحثنا كون ان تاثير المبادئ الدينية الاخلاقية فيهم ليست بالدرجة التي تمنعهم من ابعاد شرور النفس وانما يعتمد الابعاد عندهم خاصة عند غير المتدينين على المبادئ الاخلاقية العامة النابعة من ضمير الانسان وتفكيره،ونركز هنا على حالة رجال الدين المسلمين السالكين لنهج الحكمة التي تحاول السمو بالانسان وترفعه الى اعلى المراتب واخراجه من كل ما يحط من قيمته ناتجة من اقوال وافعال منافية للخلق السليم،فهي موجودة عند كافة المذاهب الاسلامية دون استثناء، وخطورتها انها تصل احيانا الى درجة تكفير الاخرين واستغلال تلك التهمة بطريقة بشعة للغاية مما يعني ان تهمة العداء قد تصل الى هذا المدى الخطير والذي يتجاوز حالات التحقير او الحط من منزلة وكرامة الاخر وهي موجودة عند العلمانيين ولكن بمسميات اخرى غير دينية!...
وشيوع تلك الحالات هو ناتج من طبائع البشر المختلفة المتوارثة والتي تعجز تعاليم الاسلام عن استئصال ماهو سلبي وسيء! بالرغم من ان دعاة الدين عليهم واجبات التطبيق على انفسهم قبل غيرهم كونهم عارفين بحقيقة تلك التعاليم وبخاصة نوعية الغيرة المباحة من الغيرة السلبية المحرمة! ولأنهم حاملي علوم الدين وحماة فرض واجباته وحدوده ونواهيه،فأذا كانت الاستباحة منهم فمعنى ذلك ان حالة القدسية المستمدة من التعمق في دراسة الدين وتطبيقه على الذات والاخر وايضا المكانة الاجتماعية الهامة والعلمية الرفيعة سوف تتزعزع وسوف ينتج عنها استهانة واضحة ليس فقط بالاخر بل ايضا في مصدر الغيرة السلبية والداعي لها وسوف يزيد من حالة الفوضى والتشرذم!.
فكثير من العلماء المخلصين قد فقدوا ارواحهم او مكانتهم الدينية والاجتماعية او تمت محاربة افكارهم وازيلت آثارهم! نتيجة للغيرة الناتجة من زملاء اخرين لدى السلطة او الطبقات الشعبية التابعة والتي يحرص الجميع على استمالتها الى جانبه،ويمكن لنا استعارة تذكر حالة محنة ابن رشد او السهروردي قبل الف عام تقريبا او حالة حالة محنة ائمة ال البيت(ع) ومحنة ائمة المذاهب الاربعة مع الدولتين الاموية والعباسية والناتجة من التحريض المستمر من قبل علماء اخرين! وفي العصر الحديث حالات عديدة من قبيل محنة سيد قطب والشيخ كشك في مصر او الامام محمد باقر الصدر وبقية العلماء في العراق،وكل ذلك لاجل المنافسة الغير شريفة والناتجة من الغيرة القاتلة التي لا تمت للدين بصلة ويمارسها بوعي او بدون وعي كل راغب بالسلطة والزعامة الفارغة!.
ان مجاهدة النفس هي ليست بالمهمة السهلة كما يتصورها البعض،بل هي سلوك منهج قاسي مخالف للواقع ولكن يسمو بالانسان حتى ولو كان مجهولا وفاقدا للزعامة والشهرة الفانية،ولو كانت سهلة لما رأينا كيف يسقط في طريقها من لا يقوى على الصمود من ادعياء الدين وقد يكون بعضهم مخلصا ولكن غرائزه الذاتية تفوق مجاهدته لها في رغبته بترويضها وتقويمها،وبالتالي فأن الطريق صعب على الاقل في حالة الغيرة في الموارد السلبية.