إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/05/29

تقييم التدوين


تقييم التدوين:
اتاحت التكنولوجيا الحديثة ومن ضمنها الانترنت،الكثير من المستحدثات في حياتنا المعاصرة والتي من اهمها التدوين...
تقييم العملية التدوينية لا يكون الا من خلال المدونين انفسهم،لانهم الاقدر على تقييمه من خلال ممارسته وهي اتاحت فضاءا جديدا يمارسون فيه جزءا من حريتهم الشخصية التي كانت مقيدة الى حد كبير في السابق بالاضافة الى عامل فقدان المحتوى وضعف التفاعل مع الاخرين حوله!...
الزمن الان يسير بسرعة كبيرة لا نشعر به،فكأن هذا اليوم هو الذي بدأت فيه بالتدوين وليس مثل هذا اليوم قبل سنتين اي في 28-5-2008 .
بعض المدونين انشأ مدونة قبل هذا التاريخ ومازال مستمرا واكيد شعوره اقوى تجاهها،ولكن مع الاسف الشديد ان الغالبية الساحقة تركته بعد فترة وجيزة والبعض كان ناجحا بالتأكيد،هذا اذا لم تبقى في دائرة النسخ واللصق!.
ان العملية التدوينية هي استفراغ لكل طاقات الانسان الابداعية في بوتقة جديدة تدعى المدونة...وبالتالي فأن اهمال او الغاء هذه المدونة هو الغاء للطاقة الابداعية لدى الغالبية الساحقة التي هي عادة محرومة من التعبير عنها لانعدام الظروف المناسبة التي تمنح لاصحاب الحظ والقرار!...
فأذا كانت الظروف السابقة غير ملائمة للتعبير عن تلك الطاقات المكبوتة، فعلام قبرها في مهدها وهي جنين او طفلا صغيرا اذا سنحت الفرصة للتوليد والرعاية؟!...
التدوين دخل كل المجالات،فلا يتصور احد ان مجالاته هي العلوم الانسانية والاداب فقط! بل ايضا حتى العلوم التطبيقية وان كان ذلك شائعا اكثر في مدونات الشعوب الاخرى السباقة في كل شيء!...
الاحاسيس تختلف بالتأكيد بين المدونين حول العملية التدوينية ولكن الثابت ان من لديه الطاقة المخفية والصبر لا يهمه انعدام الفراغ او تواجده!ولذلك يجد نفسه مضطرا لمواصلة عمله بدون اي دافع خارجي سوى الرغبة الذاتية المجهولة التي تدفعه لتفريغ طاقاته الكامنة فيه.
تبقى في النهاية وسائل الطرد المعروفة من قبيل المشاكل التقنية التي يتعرض لها موقع المدونة او الاهمال من قبل القائمين عليه،هي مشكلة مستعصية،وبالرغم من ان المجال مفتوح في المواقع الاخرى الا ان الحصول على تقنية كاملة بدون مشاكل مع توفر الظروف المساعدة يكاد ان يكون مستحيلا ان لم يكن نادرا! كذلك ان الانتقال ليس هينا فهو كالهجرة خارج الوطن اذا كانت ظروفه سيئة!...نعم قد يكون افضل حل هو فتح اكثر من مدونة في موقعين لحفظ المحتوى وايضا لتأسيس بداية اخرى مع شرائح جديدة من المدونين...
المهمة التالية بالنسبة للمدونات هي نقل المحتوى الابداعي الى الواقع العملي من خلال طبعه او نشره في وسائل اخرى...وهي مهمة صعبة لا يقدر عليها كل مدون!...

في سياحة الكتب 8

في سياحة الكتب
في سياحة الكتب:8
لكتب السيرة الذاتية فوائد كثيرة يشعر بها القارئ،فهي بالاضافة الى المتعة العقلية والوجدانية فيها،فأن فيها الكثير من الدروس والعبر من خلال سيرة الاخرين خاصة اذا عاشوا في فترات زمنية سابقة حيث تمنحنا فرصة العيش في تلك الازمان الاقل تعقيدا بالمقارنة مع الزمن الحالي،بالرغم من الاختلاف الكبير في طبيعة المعيشة ظروفها ولكن يبقى الانسان هو ذاته الذي يعيش مختلف الازمان بعقل وقلب واحاسيس ومشاعر واحدة تجمعه مع بني جنسه من الاجيال القادمة...
المصادفة فقط كانت وراء قراءة كتابين في نفس الصنف وتناولا فترات زمنية متقاربة،ولكن ضمن بيئتين مختلفين وبتفاصيل تكاد تكون غير مشتركة في العرض وايضا في كتابة خلاصة الزمن وتجاربه...
الكتاب الاول:
ماذا علمتني الحياة؟...د.جلال امين...الطبعة الرابعة 2008 ويتألف من 399 صفحة من القطع الكبير والورق الخشن...
الكاتب هو استاذ اقتصاد ولكنه خريج حقوق! ولم تكن له رغبة في دراسة الاقتصاد وهو العلم المعروف عنه الجفاف وصعوبة فهم مطالبه...كما انه اصغر ابناء المؤرخ المصري احمد امين(ت1954) وهو الذي تطبع بصفاته معظم ابناءه...وبالرغم من خفة صفة التعالي الموجودة لدى اخيه حسين،الا انه يمتاز بصفات مشتركة وتكرار لبعض العبارات الشائعة بينهما،ولكن جلال يمتاز ببساطة الاسلوب وهدوء في التفكير ودقة طريقة العرض ومنهجيته وقد يعود ذلك لتأثره من دراسته الاقتصاد في انكلترا وزياراته المتكررة لها بحكم زواجه من انكليزية،وبالتالي لها اثرها الفعال في طريقة تحليله التي تكاد تكون موضوعية الى حد ما بسبب شجاعته في الاعتراف بالخطأ في التصورات السابقة او بقصور في الفهم والادراك في مراحل الحياة الاولى.
المؤلف هو من مواليد عام 1935 وتخرج من كلية القانون،ومارس الكتابة المبكرة بسبب تشجيع والده الذي كانت له سطوة كبيرة في لجان التاليف والنشر وعمادة كلية ورئاسة تحرير،ولذلك فأن الظروف الموضوعية له قد ساعدته كثيرا في الوصول الى ما وصل اليه من تقدم في مجالات الدراسة والعمل او في النشر...وكان قد تناول في الكتاب سيرة حياته الاولى مع تفصيل لحياة ابناء اسرته مع المرحلة التاريخية،كما ذكر انتسابه لحزب البعث المصري التابع للحزب في سوريا فترة الخمسينيات قبل ان يتم حله بقرار من زعيمه عفلق تنفيذا لشروط عبد الناصر في الوحدة بين مصر وسوريا!...
لم يحمل جلال ودا في البداية لجمال عبد الناصر وهذا ليس غريبا من كون نسبة عالية من الطبقات المثقفة المصرية كانت تعارض اسلوبه الديكتاتوري في الحكم وماجره على بلده من هزائم،هذا بالاضافة الى نظرة العداء المتجذرة دوما بين المثقف وبين العسكري الذي يتجاوز حدوده المهنية كثيرا في رغبته في السيطرة على مقاليد الدولة وتحويلها الى ملك خاص وفق تربيته العسكرية الصارمة في الطاعة والتنفيذ!...وبالرغم من كون جلال قد تراجع لفترة معينة عن هذا العداء وتحول الى التأييد نتيجة لبعض قرارات التأميم عام 1961 الان ان ذلك لم يستمر طويلا وبقي في نظر رجال السلطة متمردا هادئا عليها!...تخلص من الجو الخانق من خلال سفره الى الكويت ليعمل في صندوق التنمية الخارجي لمدة اربع سنوات تركها غير نادم الى امريكا ثم رجوعه الى مصر،وقد علل ذلك بكون المجتمع مختلف عن مصر كثيرا خاصة في ذكوريته الفريدة وانعزاليته عن المقيمين! نتيجة لاختلاف العادات والتقاليد الخ من الاسباب التي ذكرها،ولكن الاعتراف المثالي في عمله انه يستطيع ان يؤديه في ساعة ثم يبقى النهار كله بلا عمل مما سبب له ملل شديد من تلك الحياة الروتينية الرتيبة!.
بقي جلال امين في معاداته الصريحة للسادات وسياساته الخرقاء خاصة في ادعاءه الانفتاح الاقتصادي او منحه للحريات السياسية،وكانت تحليلاته للفترة ذاتها هي دقيقة خاصة من الجانبين الاقتصادي والاجتماعي وقد ذكر تفاصيل تلك المراحل التاريخية في كتبه الاخرى التي اشار اليها...اما بالنسبة لعهد مبارك الطويل فهو في وصفه له انه يسير بنفس نهج سابقيه ولكن بطريقة بطيئة جدا لا يشعر بها احد، وذكر بصورة خاصة العامين الاوليين في حكمه في مخالفته للاسلوب الساداتي في الحكم وانفتاحه ،الا انه تراجع الى الاسلوب المثالي للحكم في العالم العربي وهو الاستبداد بطريقة العسكر!...
بالرغم من خضوع الكثير من المثقفين لفترات الحكم السابقة في مصر الا ان جلال امين بقي في مواقفه المعارضة ولو من زاوية اكاديمية تبحث عن الاخطاء لتطرح الحلول الدائمة لها ولكن مع الاعتقاد السائد انه لا احد يسمع فأذن لا احد يطبق!!.
تحدث المؤلف بطريقة تفصيلية عن سيرة اساتذته وزملائه بتحليل كامل لشخصياتهم وطبيعة العلاقات المتبادلة،وذكر زمرة منهم امتازوا بكثير من الانضباط العلمي والاخلاقي والنزاهة في العمل والسلوك وكان ذلك شيء رائعا ان يتم عرض وتحليل سيرة شخصيات قد يتنكر لها النظام والمجتمع ايضا! ولكن في عرضه الجميل عنهم،استعاد هؤلاء جزءا من اعتبارهم!.
تبقى الاسئلة المحورية التي طرحها عن فوائد عرض سيرة حياته واختصاره لها بماذا علمته في رحلته الطويلة خاصة مشاعره في فترة الشيخوخة التي يصل اليها كل انسان بعد عمر مديد....
الكتاب في مجمله يستحق القراءة واخذ العبر منه دون ان يكون هنالك واجب في السير على نهجه!.
الكتاب الثاني:
طفولة في بغداد...على ضفاف دجلة،تأليف د.فخري قدوري.
الكتاب يتألف من 203صفحة من القطع الكبير،طبعة2008 في لندن.
لا توجد معلومات عن المؤلف في الكتاب،ولكن من خلال البحث في الانترنت ظهر انه هو وزير عراقي سابق(مواليد 1932) وتسلم وظائف عالية في الدولة وايضا في المؤسسات الاقتصادية العربية في مجالات التخطيط والمالية وهو مجال اختصاصه وكان من اوائل المؤسسين لحزب البعث في العراق قبل ان يغادره في السبعينات الى المانيا لاجئا! وهو قريب الشاعر المعروف شفيق الكمالي وله مؤلفات عدة...
الكتاب يختلف عن سابقه في كونه يبحث في تفاصيل معيشة العائلة البغدادية منذ فترة الثلاثينيات ولفترة ثلاثة عقود من الزمن،ولا تحمل تحليلا للاوضاع وغيرها بل انصب الجهد في شرح الواقع الحياتي بدقة مثالية خاصة في تناوله للكلمات الشهيرة والدارجة في اللهجة البغدادية واصولها الفارسية والتركية وهي طبيعية لكون العراق مجاورا للبلدين وخضع للحكم المشترك معهما لفترات زمنية طويلة وهي مقاربة لحالة بلاد الشام وتاثره بالجوار التركي او المغرب العربي وتاثره بفرنسا واسبانيا...
تناول ايضا الوسائل المادية البسيطة آنذاك وايضا دخول الكثير من المنتجات الصناعية الحديثة والتي ساعدت على التأقلم مع الصعوبات الحياتية السائدة آنذاك...وتناول ايضا طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الاسر البغدادية ونماذج التعايش المشترك بالاضافة الى سيرته بصورة مختصرة التي جاءت وفق سياق حديثه عن الحياة في بغداد منذ قرن تقريبا...
الكتاب جميل لمن يريد التوسع في معرفة طبيعة الحياة اليومية للاسرة العربية:بغداد نموذجا،وهو اختصاص شائع في الكتابة دون ان يصاحبه عادة تحليلا وتدقيقا في الظروف المحيطة بالمجتمع من كافة الجوانب بل انه يختص بالتراث وحفظه للاجيال اللاحقة...

2010/05/24

تجديد المحتوى البحثي


تجديد المحتوى البحثي:
في عينة بسيطة كنت ضمن احد افرادها وتم اختيارها بعشوائية ضمن بحث تقييمي قامت به مجموعة مشتركة من الاساتذة المتمرسين من جامعتين في استراليا، حول مركز محلي للخدمات الاجتماعية وتقييم مدى احتياج الجاليات له وفهم قوانين العلاقات الاسرية وخاصة العنف العائلي...الخ من البحوث الاجتماعية الكثيرة التي غالبا ما تحتاج الى بحث ميداني لغرض تجميع المعلومات والاراء من الافراد العاديين لغرض الدراسة والتحليل...
البحث سوف يستمر بضعة شهور وسوف ينتهي في نهاية عام 2010 ولكن النتائج سوف تكون محفوظة في احدى الجامعتين وسوف يتم التخلص منها بعد خمس سنوات اي عام 2015!...
اثارت انتباهي تلك النقطة واستفسرت عنها خاصة وان البحث مكلف من الناحية المادية وان فترة خمس سنوات هي قليلة في اتلاف نتائج البحث،فكان الجواب ان المعلومات سوف تصبح قديمة وسوف يتم خلالها اجراء بحوث اخرى لان الواقع متغير بأستمرار مع تغير الفئات العمرية والظروف المحيطة الخ من الاسباب التي تجعل الحاجة الى تجديد دائم في المعلومات لخدمة المجتمعات...
في الحقيقة ان البحوث وخاصة المتعلقة بالمجتمعات في العالم الثالث ومنه العالم العربي،هي مع ندرتها وضعف الحيادية والاخلاص في العمل مع وجود مشاكل عديدة تتعلق بقيمة المحتوى البحثي وطرق الجمع والفائدة المرجوة منه الخ !... فأنها تبقى لفترات طويلة في الاستخدام دون تحديث بل احيانا دون عرضها امام الجميع بصورة علنية!مما يعني اننا سوف نبقى متأخرين كثيرا عن الامم التي سبقتنا بل وان الفجوة سوف تزداد بطبيعة الحال...
نعم ان البحوث القديمة تكون مفيدة في حالة الاستعراض التاريخي لجملة من العلوم والواقع في تلك الحقب الزمنية ولكن يتم الركون اليها في الوقت الحالي لتقييم الواقع فهذا غباء شديد!...ولذلك نرى انه في المراحل الدراسية في مختلف الدول العربية مازالت الكثير من النظريات والاختراعات التي عفا عليها الزمن سواء اذا كانت فاشلة او ناجحة في نفس الوقت،تدرس بنفس الدرجة من الاهمية مع ما وصل اليه العلم مؤخرا! مما يعني ضياع كبير في الوقت والجهد والتكاليف!وعمر الانسان ليس كبيرا لدرجة دراسة التجارب والاراء العلمية التجريبية القديمة الا اذا كانت من الاهمية تستدعي الدراسة والمتابعة والتجديد لتلائم العصر الحالي...
في الحقيقة مازلنا معتمدين على البحوث والدراست والمقالات الاجنبية وخاصة الغربية ونتائجها العملية،وخاصة في تقييم الواقع المحلي الحالي من جميع الجوانب...فتلك البحوث وخاصة الارقام المعلنة في الغالب تكون خاضعة للعرض العام والتقييم العلني بغية دراستها من جميع الجوانب مع التزامها في الغالب بالدقة...بينما مازلنا نخضع للسرية الحكومية والاهمال الصحفي والجهل الشعبي بل وايضا نرفض الحقائق اذا تعارضت مع الاعتقاد المعرفي السائد!!...
فمثلا من يستطيع ان يسأل حكومته في العالم العربي عن مصاريفها الدفاعية والامنية وحجم استيرادها للسلاح من الخارج؟!...
الجواب بالتأكيد:لا احد! وغالبا ما نأخذ معلوماتنا من مصادر اجنبية سواء حكومية او شركات ومؤسسات خاصة! وبالتالي نتفاجأ من نتائج الدراسات والارقام والتحليلات الصادرة منها،بل المضحك انه يتم استعارتها في البحوث والرسائل الجامعية المحلية!....
وبالصدفة اليوم اطلعت على تقرير للكونغرس الامريكي ومنشور بعض المقتطفات منه في صحيفة القبس حول الامن والاصلاح في الكويت، والمعلومات الواردة فيه على قلة العرض واهميتها،لم تعرضها الحكومة ولا برلمانها ولا صحافتها بل وحتى يرفضها الشارع نفسه اذا عرضت على اكثر الظن!وهذا المثال بالمناسبة هو نموذج عام وشائع في كل انحاء العالم العربي يظهر لنا بين الحين والاخر دون ادنى نقد او طلب استيضاح حول اخفاء تلك المعلومات التي تعتبر في عقول تلك الاجهزة سرية وهي عند الاخرين علنية!!...



2010/05/23

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الحادي والستون

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الح
اسطورة التغيير الفوقي -القسم الحادي والستون
من ابرز ما تميزت به الثورة الامريكية انها كانت خالية تقريبا من الصراعات الدموية التي تحدث عادة بعد الثورة سواء بين الطبقات الجديدة والقديمة او بين قادة الثورة نفسها واجنحتهم المتصارعة في سبيل الاستحواذ على اكبر مجال في السلطة،وذلك التميز هو مثالي بحد ذاته لان الغالبية الساحقة من الثورات في العالم سقطت في مستنقع العنف الدموي الذي يكون الطريق الاسهل امام الجميع لتحقيق الذات والرغبات وبذلك اصبحت مقولة ان الثورة تأكل ابنائها هي خير معبر عن تلك الحالة المأساوية التي تبرز فيها الغرائز البشرية بصورتها الوحشية! وليس بالضرورة ان يكون المنتصرون في نهاية الصراع هم الاقدر فهما على استيعاب مبادئ الثورة واهدافها! بل العكس غالبا ما يكون من خلال سيطرة الافراد والجماعات الراغبة بالسلطة اكثر من رغبتها في تطبيق ما يدعون به لكون الشعارات غالبا ما تناقض سلوكهم الوحشي في الرغبة المحمومة في السيطرة والنفوذ والاستمتاع بملذات الحكم بعد فترة حرمان طويلة!ومن الملاحظ ان الاشخاص والفئات الاكثر تمسكا بالاهداف السامية هم الاكثر عرضة للتصفية والنفي او الابعاد من غيرهم بسبب عدم امتلاكهم لقدرات نفسية او حتى مادية للقضاء على الخصم الذي هو رفيق نضال في السابق! ولذلك فأن الكثير من افراد الشعوب المحكومة بنظم ملكية مستقرة يفضلون نظامهم بالرغم من عيوبه الظاهرة على ان يكونوا نسخة مشابهة للدول التي تعرضت لثورات تكون نهايتها صراعات دموية مدمرة!.
مازالت الكثير من انجازات الثورة الامريكية حاضرة على المستوى العالمي والتي من ابرزها فصل السلطات وتقليص الصلاحيات وتقديس الحريات وبخاصة حرية العمل والعبادة حتى تجاوزت الحدود الطبيعية المعقولة!ومن ذلك التطبيق الشامل الذي مر بمراحل عديدة خلال قرنين من الزمان تقريبا وبفضل حالة السلم والامان مع وفرة الموارد الطبيعية واستغلالها بالصورة المثالية،وصلت امريكا الى هذا المستوى العالي من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي وزعامة الغرب الذي يسيطر على العالم منذ بضعة قرون!.
حدثت الثورة الفرنسية عام 1789 وقد مهد لها مفكروا فرنسا وخاصة روسو وفولتير ومونتسكيو وغيرهم بالاضافة الى المفكرين الاخرين في اوروبا، وهؤلاء هم القادة الحقيقيون للثورة الفرنسية بالرغم من وفاتهم قبل الثورة! ويعود ذلك الى انتشار تأثير الافكار التحررية في افراد الطبقات المتعلمة من الشعب والتي قادت الثورة بالتعاون مع بقية الطبقات الاخرى،مما يعني ان لعامل الفكر والعقيدة وتأثير قادتها دورا بارزا في تحريك الشعوب وتنويرها بغية جعلها قادرة على حكم نفسها وتحريرها من كل قيود الاستبداد والفساد.
كان لمبادئ الثورة الفرنسية الثلاثة(الحرية والاخاء والمساواة) تأثيرا مباشرا في الامم الاوروبية المجاورة بحيث انتقلت بذور تلك الافكار بسرعة بالرغم من النكسات التي حصلت في بدايات الثورة الفرنسية،لتجد في التربة الاوروبية خير مكان لزراعتها لوجود تشابه كبير بين نظمها الحاكمة مع توفر الظروف المحلية الملائمة التي تشجع على القيام بثورات متشابهة!.
كان الحكم الفرنسي يتكون من سلطة ملكية مطلقة ويعاونها في ذلك طبقات متنفذة مثل النبلاء والكنيسة والارستقراطية في الريف وكانت مستفادة من الامتيازات الغير محدودة وتعيش في بذخ فاحش مع فساد لاحدود له،بينما كانت الغالبية الساحقة من الشعب تعيش في ظروف قاهرة لم تجد سوى في الثورة مجالا لتحريرها من القيود المفروضة عليها،بعد ان عجزت عن الاصلاح السلمي بسبب الرفض المطلق من قبل السلطات الحاكمة!.ودائما نجد ان الفئات المحرومة الاكثر تصديا في الثورات لكونها القادرة على البذل والتضحية بسبب عدم امتلاكها ما يمكن ان تدافع عنه سوى المبادئ والقيم السامية المستباحة!.
وكعادة الثورات المنتصرة في التاريخ،كانت نهاية افراد الحكم الملكي المطلق واعوانهم دموية بشكل مثير للاشمئزاز،فقد مرت مرحلة ارهاب دموية سرعان ما شملت قادة الثورة والمشاركين فيها،ثم تطور ذلك الى ابادة الكثير من ابناء الطبقات الفقيرة حتى اصبحت مرحلة الارهاب تلك علامة فارقة في تاريخ الثورة الفرنسية التي لم تنتهي منها الا بتزعم طبقة البرجوازية الناشئة للحكم والذي انتهى الى سيطرة نابليون بونابرت الذي اجتاح بجيوشه دول اوروبا ومن قبل مصر في العالم العربي بغية نشر مبادئ الثورة الفرنسية وبناء امبراطورية تقودها فرنسا،وبالرغم من اتحاد النظم الملكية في اوروبا بقيادة بريطانيا ضد التوسع الفرنسي كونه خطرا كبيرا على استقرار تلك النظم،الا ان الانتصارات كانت في جانب نابليون حتى تورطه في حربا قاسية مع روسيا والتي ادت في النهاية الى سلسلة من الهزائم انتهت به اسيرا وبتحويل فرنسا مجددا الى ملكية دستورية لم تصمد طويلا حتى تأسست الجمهورية التي تدعي الانتساب للثورة والاخلاص لمبادئها من خلال تطبيقها على التراب الفرنسي ونشرها في بقية انحاء العالم.
اصبحت الثورة الفرنسية علامة بارزة في التاريخ المعاصر واصبحت نموذجا مثاليا في قدرة الشعوب على التحرر في سبيل الحرية والمساواة ومازال تأثيرها واضحا على العلوم والفنون والاداب بحيث اصبحت فرنسا قاعدة كبرى للعمل الثقافي وابداعاته بفضل مساحات الحرية التي يعيشها الشعب الفرنسي في داخل حدود بلاده التي اصبحت حلم وقبلة الاحرار في العالم.
كما ان الثورة بعد انتصارها ازالت وبقوة كل مرتكزات واسس الحكم السابق وازالته من الجذور واسست بعدها نظاما يختلف كليا عن النظام الملكي المطلق مما يجعل صفة التغيير الجذري هي من علامات الثورة البارزة،واصبح تقديس الفرد وحريته هو الهدف الاعلى لها والذي اصبح مادة يتربى عليها الفرد الفرنسي منذ الصغر وهي وان تكون قد خرجت عن السيطرة في بعض الاحيان الا انها خلاصة الرد الشعبي على تسلط الفئات والطبقات الحاكمة التي تقدس الملك وتمنح له كل الامتيازات بينما يكون الاخرون عبيد له!.
 ولكن التطبيق الفرنسي لمبادئ الثورة لم يكن مثاليا دائما فقد اسست امبراطورية استعمارية ضخمة كانت الثانية في الحجم في العالم بعد بريطانيا! وتسببت في دمار بلاد اخرى وخاصة من الناحية الثقافية من خلال تدمير بنية الاجتماعية للشعوب المبتلاة بهم في محاولة لنشر الثقافة الفرنسية بصورة قسرية بقسوة منافية لكل ادعاءات الانتساب لمبادئ سامية يسعى اليها الجميع.
كان تدمير ثقافة الشعوب الاخرى وخاصة هويتها اللغوية هو اكثر ما تميز به الاستعمار الفرنسي بالمقارنة مع الاخرين! ناهيك عن استلاب القدرات والثروات الضخمة لشعوب العالم الثالث ودخول فرنسا في صراعات دموية مع قوى استعمارية عديدة من قبيل الحربين العالميتين الاولى والثانية وايضا حربها الشعواء ضد كل الشعوب الطامحة بالاستقلال والحرية مثل الجزائر وفييتنام وسوريا وغيرها! الا انها كانت امة مهزومة عسكريا في بعض الحروب المصيرية مما جعل صورتها تهتز كثيرا وصاحب ذلك ضعف في بنيتها الاقتصادية والعسكرية والتي تخلفت كثيرا عن دول اخرى سبقتها في سرعة بناء قوتها.
ان تلك الحالة المتناقضة في شخصية فرنسا النظرية والعملية هو دلالة واضحة على تحريف المبادئ السامية وترويض من يدعون لها لصالح المصلحة القومية التي هي هدف كل السياسات الفرنسية والتي غالبا ما تتناقض مع مصالح الشعوب الاخرى وعلى الاقل من خلال نظرة الحاكمين مما يجعل عملية الفصل بين فرنسا ومبادئ الثورة الفرنسية واهدافها هي حتمية لا مجال لنكرانها كما في حالة السياسات الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية!.

2010/05/19

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الستون


اسطورة التغيير الفوقي
اسطورة التغيير الفوقي: القسم الستون
المبحث العاشر:
التغيير الراديكالي:
وهو مايطلق عليه عادة بالتغيير الجذري حسب الترجمة العربية للمصطلح الانكليزي،وهو عكس التغيير الفوقي تماما وخرافاته المعهودة! وغالبا ما تكون القاعدة الشعبية بداية الانطلاق الطبيعية له،وليس من الضروري ان يكون التغيير ايجابيا بل قد يكون سلبيا! وقد يؤدي الى تأسيس حكم فوقي في النهاية! اذا تم الانقلاب الداخلي على المبادئ التي بني عليها التغيير،اي ما يقابله فعل الردة في تأسيس الحكم الديني...
التغيير الراديكالي غالبا ما يكون العنف مصاحبا له بفضل قوة عاملين اساسيين وهما:عامل الانتقام في حالة افعال الماضي وعامل درجة قوة مقاومة الطبقات الفوقية له في حالة الحاضر والمستقبل،مما يعني انه اذا لم تكن هنالك مقاومة مستمرة للتغيير السلمي ولم يكن ايضا قمع واضطهاد،فأذن تكون الدوافع نحو التغيير الراديكالي ضعيفة بل ويكون العنف اقرب للوحشية الغير مبررة سوى بالجنون الذي تستدعي الضرورة مقاومته لغرض الحفاظ على السلم الاهلي والتدرج الهادئ في التغيير بأتباع الطرق والوسائل السلمية...
لن يكون التغيير الجذري الحقيقي الا بالثورة العنيفة! وحسب الظروف المناسبة (المكانية والزمانية)... ولكن ليس كل ثورة هي لغرض التغيير الجذري او لغرض اخلاقي بل ان هنالك الكثير من الثورات التي حدثت هي من جراء فعل غوغائي استغل بدقة من قبل مجموعات صغيرة للوثوب على السلطة...
الثورات الراديكالية قد تكون ضمن نطاق محلي وايضا ذو صبغة عالمية تتجاوز الحدود الدولية! وحسب المبادئ والشعارات والنوايا المرفوعة.
لا يشترط بالنوعين(المحلي والعالمي) النجاح ولكن يشترط بالتغيير الجذري النجاح! مما يعني ان صفة التغيير الجذري لا تكون ملاصقة للثورات الفاشلة حتى لو كانت النية صادقة وموجودة بالفعل لدى القائمين بها! بسبب ان صفة حدوث التغيير الجذري المراد منها قد انتهت ولم تطبق لان الثورة فشلت وبذلك يكون البحث هنا حول التغيير الجذري هو مختص فقط بالثورات الناجحة التي طبقت التغيير الجذري بغض النظر عن الصواب والخطأ في التطبيق لكون الحديث هنا مختص بالتغيير الجذري الشامل الذي يسلب الحكم القائم ويزيل الطبقات المتحكمة لصالح فئات وطبقات جديدة تعيش في قاع المجتمع والسلم الاجتماعي!...
الافضلية دائما في الحديث اولا حول الثورات الكبرى ذات الصفة العالمية من ناحية انتشار مبادئها خارج الحدود الدولية وتأثيراتها الهامة في البلاد الاخرى بل في العالم اجمع،وليس حول الثورات المحلية التي يكون مدى انتشارها ضيقا حتى ولو تطابقت بعض شعاراتها وافكارها مع الثورات العالمية الكبرى...
في الفكر السياسي وخاصة الغربي منها هناك شبه اتفاق ولو على جانب البحث التنظيري الموضوعي على ان الثورات الكبرى في العصر الحديث هي اربع ثورات وحسب ترتيبها الزمني:الثورات الامريكية والفرنسية والروسية والايرانية،وبالرغم من ان بعض فقهاء الفكر السياسي يضيف اليها الثورة الانكليزية السابقة على تلك الثورات الا ان تأثيرها خارج حدود انكلترا لم يكن ظاهرا مما ادى الى عدم الصاق صفة العالمية بها! او حتى ثورات اخرى.
تلك الثورات الاربعة الكبرى في العصر الحديث نجحت في الوصول الى الحكم ومن ثم تطبيق التغيير الجذري الا ان مبادئها وافكارها هي اممية اكثر منها محلية وتأثيرها وصل الى بقاع بعيدة عن مكان انتصارها،ومازال تأثيرها ايضا باقيا ولو على نطاق الافكار والمبادئ بالرغم من مرور فترة طويلة على انتصارها.
الثورة الوحيدة لغرض الاستقلال هي الثورة الامريكية ضد الاحتلال البريطاني عام 1776،بينما الثورات الاخرى هي كانت بالاساس ضد الاستبداد السياسي والفساد الناتج عنه والذي ادى الى ثورة شعبية عارمة ازاحت الحكم بالرغم من فقدانها لعدد كبير من انصارها مع الخصوم.
الثورة الامريكية لم يكن لها اعداء بحجم اعداء الثورات الثلاث الاخرى بسبب كونها بعيدة جغرافيا عن العالم القديم وكذلك كان تركيزها في البداية على بناء نظام سياسي حر يقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية في بلادها ثم الرغبة في نشرها بعد ذلك في انحاء العالم حتى ولو بالقوة المسلحة وهذه الصفة اي استخدام القوة او حتى الرغبة في ذلك هو العامل المشترك في تلك الثورات ايضا لان الرغبة في تحرير الشعوب المجاورة وفق مفاهيم وشعارات الثورة يستدعي منها فكريا واخلاقيا وانسانيا ان تقوم به،وبما ان النظم المجاورة لا تقبل بذلك خوفا على مصالحها الذاتية فأن الصدام سوف يكون ولو بطريقة دعم معارضي تلك البلدان وتبادل العداء المشترك!.
الثورة الامريكية بالرغم من شيوع مبادئها في انحاء العالم الا ان صيت الثورة الفرنسية قد طغى عليها بسبب الفارق الزمني الضئيل فيما بينهما،وكذلك تحرك الثورة الفرنسية خارج الحدود الدولية في فترة مبكرة جدا،بينما حصرت الثورة الامريكية نفسها ضمن مبدأ منرو الداعي الى الانعزال عن العالم ومشاكله وتقديم النموذج الامريكي على اساس مثاليته من خلال تطوير الداخل دون خوض الصراع مع الاخرين... وقد استمرت امريكا في السير على هذا المبدأ حتى اندلاع الحرب العالمية الاولى بالرغم من تدخلها المحدود مع الدول المجاورة وخاصة في نزاعاتها المستمرة مع اسبانيا والتي انتزعت بموجبه على سبيل المثال كوبا والفليبين وايضا المكسيك،وكانت نهاية الحرب العالمية الاولى وفشل المنتصرون في ارساء قواعد النظام العالمي العادل فقد قررت امريكا العودة الى انعزالها من جديد الذي لم يستمر طويلا بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية والتي ادت الى مشاركة امريكا فيها بقوة الى جانب الحلفاء لغرض ابعاد شبح الفاشية عن العالم الجديد من خلال التصدي الحازم لدول المحور.
الانتصار الكبير الذي حققه الحلفاء في عام 1945 كان يستدعي بناء نظام سياسي جديدة يختلف عن النظام السابق وللمحافظة عليه وتصحيح اخطاء مؤتمر فرساي وغيره في فرض التعويضات وتقسيم المستعمرات!... وبما ان بريطانيا وفرنسا لم يكونا آنذاك قادرين على تلك المهمة الجديدة بسبب الدمار والضعف اللذان خرجا به من تلك الحرب والتي اخرجت للعالم كتلة جديدة تدعى بالكتلة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق الذي اعتبر في حينه اكبر خطر يوجه ضد العالم الغربي الرأسمالي الذي تزعمته القوة الجديدة وهي الولايات المتحدة التي التزمت في فرض حالة التوازن مع الاتحاد السوفييتي والتصدي له اذا قرر الزحف نحو دول اوروبا الغربية، ونشر مبادئ الثورة الامريكية وخاصة المتعلقة بالحرية والديمقراطية التي اعتبرت من الاسباب الرئيسية لما وصلت اليه امريكا من قوة ونفوذ وتحضر تفوق به دول العالم الاخرى.
حالة الحرب الباردة بين المعسكرين ادت في زعيمتا الجانبين:امريكا وروسيا الى تفضيل المصلحة القومية لكلا منهما حتى ولو اصطدمت بمبادئ الثورة لكلا منهما! مما ادى الى دعم الانظمة السياسية الفاسدة والمستبدة الموالية والامثلة كثيرة بما لا يدع مجالا نهائيا للشك فيه!... وبالرغم من الادعاء الامريكي او السوفييتي بالرغبة في تطبيق نموذجيهما واعتباره نظاما مثاليا للبشرية جمعاء! فأن هذا الادعاء اصبح فارغا بمرور الزمن ولكن دون ان تزول مبادئ وافكار ثورتيهما بأعتبارها غير خاضعة للتطبيق الحقيقي مما ادى الى تمردات عديدة في معسكريهما معا من جانب دول اخرى تعلن صراحة ان نموذجها القائد قد انحرف كليا او جزئيا عن النظام الفكري،من قبيل الصين والبانيا ويوغسلافيا وتصادمهما المعروف مع الاتحاد السوفييتي، وايضا فرنسا الديغولية وبعض الحكومات الاشتراكية المنتخبة في بعض دول العالم الغربي ضد السياسات الامريكية الهادفة الى الهيمنة وفق مختلف الاساليب والدعوات التنظيرية!.
بعد انتهاء الحرب الباردة رسميا عام 1990، اخذت امريكا تدعو الى تطبيق نموذجها الذي انتصر وايضا دعا بعض مفكري الغرب الى تصحيح سياساتها ولو جزئيا والتي ظهرت في اثناء الحرب الباردة وخاصة دعم الفساد والطغيان وافشال العديد من الثورات التحررية وفق مختلف الذرائع لانه تسبب في تشويه صورة امريكا وظهور حركات واتجاهات فكرية وسياسية متطرفة في عدائها لامريكا وتعمل كل مافي وسعها في ضرب المصالح الامريكية! وقد برز هذا الرأي بعد احداث ايلول(سبتمبر)2001 التي كان من ابرز اسبابها الدعم الامريكي الواضح لاسرائيل والانظمة الاستبدادية في العالم الاسلامي ناهيك عن الاستنزاف القوي لثروات بعض حلفائها في العالم الثالث!مما ادى الى ظهور مراجعة شاملة والخروج بآراء جديدة وفق المبادئ والقيم الامريكية المستندة الى ثورة الاستقلال، وايضا لمصلحة امريكا وحلفائها،الا ان الزخم التنظيري والتطبيقي سرعان ما ضعف بسبب ان أثر السياسيات الامريكية الخاطئة في اثناء الحرب الباردة وما بعدها مازال في الذاكرة الجمعية للشعوب هذا ناهيك عن استمرارية الدعم لحلفائها الديكتاتوريين في العالم الثالث بالرغم من تشجيع بعضهم على تبني سياسيات جديدة تخفف من درجة التطرف ضدها! من خلال تشجيع استخدام الاساليب الديمقراطية في الحكم واحترام حقوق الانسان.

2010/05/16

النقاب والعقاب


النقاب والعقاب:
طرح موضوع النقاب في برنامج حواري في راديو استرالي بعد حادثة سطو على بنك استخدم اللص النقاب في التستر مما دعا نائب برلماني الى منعه نهائيا بحجة مخالفته لقيم الحرية! وهي الدعوة التي رفضها الجميع!.
المشاركتان في الحوار سيدة مصرية لبسته عندما كانت في الثانوية في استراليا وكانت تبرر لبسه لها بطريقة سليمة وتحدثت عن تجربتها الشخصية مع المجتمع والخالية تقريبا من اي ازعاج بالنسبة لها،بينما كانت المتحدثة الاخرى موظفة في مركز خدمات المرأة المسلمة،وقد توقعت ان تكون وجهتا النظر مختلفتين الا انه حصل العكس تماما في تأييد حرية لبسه من قبل الموظفة التي تستقبل من ضمن عملها ايضا طالبات البعثات الجامعية من السعودية يلبسنه غالبا بغية تسهيل الاقامة والعيش في البلاد،وكان عرض وجهة نظر الموظفة العربية تم وفق براهين وادلة متينة ومستمدة من قيم الحرية والعدالة السائدة في المجتمع المتعدد الحضارات والثقافات...
انحدار وتناقض التفكير والسلوك الحديث:
شاعت في السنوات الاخيرة النقاشات الحادة على كافة المستويات حول النقاب نتيجة ازدياد حالات لبسه وايضا حول الحجاب في الكثير من الدول الاوروبية واحيانا ايضا في الدول الاسلامية! وانشغل الرأي العام به وكأن البشرية خالية من المشاكل حتى تتوجه لتلك المواضيع التي تعتبر من المهازل في التفكير في مجرد الخوض بها لتبيان وجهة النظر حولها... فقضية اللبس هي من البديهيات في الحرية الشخصية وكل من يحاول ان يصور العكس في ذلك هو متناقض في تفكيره وسلوكه لانه يجوز للاخر وهنا في الغالب المرأة ان تطالب ايضا بأحقية رأيها في لبس من يرفض طريقة لبسها!وبالتالي سوف نخضع لمنطق العدالة في قبول الاراء مهما كانت!.
ان القضية لاتتعلق بالغرب فقط،وهنا ينبغي التفريق بين الدول الاوروبية ودول العالم الجديد المتعددة الثقافات،لكون الاولى مكونة من شعوب اصلية لها تاريخ طويل وهوية احادية في الغالب بينما الاخرى مكونة من خليط بشري متنوع يرفض في الغالب طريقة الطرح واصدار القوانين المتعلقة بها والدالة على تحجر في العقول وهزلية في التفكير وتناقض في السلوك كما حدث في بعض بلدان اوروبا...بل ايضا حدث في بعض البلاد المسلمة ومنها العربية!واذا كانت الدول الاوروبية قد بدأت مؤخرا في تلك الاجراءات العقابية او البحث فيها،فأن الدول المسلمة قد قامت به قبل ذلك وبطريقة همجية ليس فيها اي احترام لدينها وتاريخها او حتى لتراثها على اعتبار ان ذلك اللبس هو من التراث الشعبي هذا اذا استبعدنا نهائيا تقييمها لحقوق الانسان ضمن تطبيقاتها العملية لانها لا تحترمها او تلتزم بها نهائيا!.
ان من يجادل ان اوروبا بدأت في العقاب هو خلاف للحقيقة والعدالة،فالدول الاسلامية كانت سباقة حتى في منع الحجاب!فتركيا في زمن اتاتورك حاربته بشدة ومازالت مستمرة في منعها ولكن خف بعض الشيء،وشاه ايران الاسبق رضا بهلوي منعه في عقد الثلاثينات،وكذلك تونس منذ زمن بورقيبة والحكم البعثي في سوريا والعراق في عقدي السبعينات والثمانينات،وكذلك بلدان اخرى وكان المنع بطريقة علنية او مغطاة باساليب وطرق ليست خافية على احد!...ولكن تعرض الدول الاوروبية للنقد الشديد بالمقارنة مع الدول المسلمة،يعود الى تقييد الاولى لنفسها بقيم الحرية والعدالة والمساواة وهذا العمل ينافي الادعاء جملة وتفصيلا !بينما تنفي الثانية اي علاقة بتلك القيم السامية وكأنها تهمة خطيرة! وبالتالي خفت نوعا ما درجة المعارضة والنقد لاساليبها القمعية في تلك الظاهرة.
مهما كانت ادعاءات المعارضين للنقاب وايضا الحجاب فأنه لا يحق لهم نهائيا ان يقرروا طريقة لبس الاخرين خاصة اذا كان النقاب، لكونه اقرب للتراث الشعبي الموروث منه الى الدين مهما كانت ادلة المؤيدين الدينية له لانها تعبير عن طريقة فهمهم له حسب اتجاههم الفقهي بعكس حالة الحجاب السائدة في العالم الاسلامي المتفق عليها تقريبا ولذلك نرى محدودية انتشار النقاب الا في بعض المجتمعات التقليدية مثل الجزيرة العربية،كما وان رفض المنع ليس معناه بالضرورة تأييده بل تأييد حق اساسي للانسان في اختيار طريقة اللبس بغض النظر عن اسباب ذلك الاختيار وظروفه.
انتشار النقاب اخذ بالازدياد منذ بداية الالفية الجديدة في الغرب نتيجة للجوء عدد كبير من المعارضين الاسلاميين اليه،كذلك انتشار الافكار السلفية المتشددة نتيجة لدعم بعض الدول لها وايضا بعض الحركات السياسية مثل طالبان والقاعدة وغيرها...
اذا تفهمنا مثلا محاربة ومعارضة القوميين في العالم الاسلامي له نتيجة لاساليبهم البوليسية في الحكم ومعارضتهم العلنية للدين ودوره في المجتمع وضعف حقوق الانسان وحريته ومكانته ضمن طروحاتهم التنظيرية ذات البنية الضعيفة!...فلا نستطيع اذا تفهم معارضة الليبراليين او المستغربين لها لكونه خاضعا ضمن دائرة الحقوق الشخصية وحريتها المقدسة في نظرهم،ومعاداة الحجاب او النقاب هو تناقض فكري وسلوكي مفضوح دال على معاداة عمياء للدين وليس للنقاب او الحجاب ويجعلهم معرضون للنقد والتجريح من خلال مخالفتهم لابسط ادعاءاتهم في ضرورة سيادة الحريات والحقوق على ماعداها فأذا هم انفسهم مخالفون لها وهم في دوائر المعارضة فكيف يكون سلوكهم بعد ذلك في دوائر الحكم والنفوذ؟!...
ان امثال تلك القضايا هي دلالة واضحة على انحدار التفكير والسلوك في هذا العصر،فأذا كان الادعاء بأنه عصر الحرية فلماذا يمنع اناس لمجرد ان طريقة لبسهم مختلفة، من التعبير عن حريتهم الشخصية بينما يسمح لاخرون ومنهم العراة في التعبير الحر؟!...
والادعاء ان ذلك هو فرض اجباري على المرأة هو لا يخلو من ضعف لان هذا الموضوع هو بحث اخر لا يمت للاول بصلة! لان هنالك الكثير من السلوكيات الاجبارية التي يخضع لها البشر من جانب المجموعات الثلاث: الاسرة والمجتمع والدولة،واذا اردنا الجمع بين الحالتين سوف يؤدي بنا ايضا الى الجمع بين حالات اخرى وبذلك يكون خروجا عن الموضوع او حتى تناقض اذا بحثنا موضوعا دون اخر!... المشاكل الراهنة في العالم هي من الاتساع بحيث لا يوجد اي فراغ لمناقشة تلك القضايا التافهة التي لا تؤثر على السلم والتقدم الحضاري،بل هي احدى الوسائل الخبيثة لاشغال المجتمعات بها مستغلة حالة الانقسام في الاراء والمعتقدات،وابعادها عن المشاكل المصيرية مثل البيئة والحروب والقمع والفقر والجهل والتخلف والفصل العنصري الخ...  
التناقض في تلك القضية اذا موجود لدى كلا الجانبين:المعارضين في اوروبا ومؤيديهم في العالم الاسلامي من الليبراليين واصحاب الحداثة والتجديد في سلب حرية جزء صغير من المجتمع!...



2010/05/13

الثقافة المقارنة

الثقافة المقارنة:
المقارنة بين الثقافات اصبح شائعا منذ بدء عصر العولمة الحديثة،وتتضمن الحوار بين الحضارات بشكلها السلمي الجميل الاكثر ملائمة لطبيعتنا البشرية،وايضا تتضمن صراعات الحضارات وهي النظرة الاكثر تشاؤمية والتي يقودها الاشرار ومن يقتنع بمنطقهم المنافي لسمات التحضر والاخوة الانسانية المشتركة!.
والتصنيفات كثيرة بحيث يصعب تجميع الثقافات الا بمشتركات متفق عليها وتكون ضعيفة،ولذلك فقد نجد تصنيفات آيديولوجية مثل الثقافة الاشتراكية او اليسارية والثقافة الرأسمالية او الليبرالية وتصنيفات اقليمية مثل الشرقية او الغربية او الشمال والجنوب وايضا دينية مثل الاسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية ومذهبية مثل الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستانتية، ولغوية العربية والانكليزية والهندية والصينية الخ...
واكيد هنالك تصنيفات فرعية لا حصر لها في داخل كل تصنيف رئيسي ولذلك نجد في داخل كل بلد ثقافات متعددة وايضا غير متحدة بل قد تصل درجة الاصطدام الى نفي الاخر بوحشية!... وهذا ما يجعلنا نتسائل حول مدى دقة البحث اذا تمت المقارنة التوحيدية بين صنفين يتضمنان في داخلهما ثقافات متعددة تتضمن فروقات مذهلة قد تصل حد التقاطع والاصطدام وقد نجد ثقافات متقاربة بالفعل الى درجة الاندماج!...
فالحديث الشائع مثلا عن الثقافة العربية والغربية والمقارنة بينهما ومحاولة جمعهما على اسس مشتركة،هو ضعيف لكون ان ذلك التصنيف مثلا لا يكون دقيقا بحيث يمكن القول ان هنالك ثقافة موحدة لكل متكلمي العربية،وهذا القول ايضا ينطبق على الثقافة الغربية فليس هنالك اتحاد اندماجي بحيث تكون الحدود بين ثقافات الشعوب مرفوعة كما هي مرفوعة في الجانب السياسي!فالثقافة الفرنسية على سبيل المثال هي تختلف عن الثقافة الانكلوسكسونية المنتشرة في بلاد بريطانيا وتوابعها وامريكا،بل ان الفرنسية تحاول ابعاد نفسها بغية المحافظة على خواصها التي تختلف بطبيعة الحال،والامر ينطبق على الثقافة الجرمانية ولكن حساسية الفرنسيين هي في اقصى مداها ضمن حدود العالم الغربي وتصارع الاخرين من اجل البقاء ضمن الثقافات العابرة للحدود والسائدة ولذلك انشأت المنظمة الفرنكوفونية التي تتضمن البلدان الناطقة بالفرنسية والتي قد تختلف فيما بينها في الفروقات الى درجة مضحكة،فأي رابط ثقافي بين مصر وفرنسا حتى يجتمعا ضمن المنظمة الفرنكوفونية؟!...
وبالرغم من قوة المشتركات الثقافية بين انكلترا وامريكا الا ان الاختلافات ايضا موجودة ولكن ليس بدرجة الاختلاف مع الاخرين،والحفاظ على التقاليد الموروثة او التحرر والتجديد هما من سمات الاختلاف...
والثقافة العربية على سبيل المثال هي مجموع ثقافات الشعوب المتحدثة باللغة العربية ولكن الاختلافات سواء في العادات والتقاليد والاعتقادات وغيرها هو واسع الى درجة قد تكون ثقافة شعب قريبة من ثقافة شعب مجاور غالبا ما يكون مسلما ولكن غير عربي منها الى الشعوب العربية الاخرى البعيدة جغرافيا...
فالثقافة الموجودة في المشرق العربي هي مختلفة الى حد كبير عن الثقافة المغاربية،وضمن الاولى ايضا ثقافات متعددة مثل الثقافة البدوية المنتشرة في الخليج والجزيرة العربية وثقافات العراق وبلاد الشام ومصر المتعددة والقديمة كما هو موجود ايضا ضمن الثانية...
هذا القول يؤدي بنا الى ان صراع الحضارات او الثقافات وحوارها هو بالحقيقة غير دقيق لكون ان الجبهات الثقافية الفرعية غير متحدة اساسا ولذلك فأن تصوير الاخرين ايضا على انهم متحدين هو ايضا خاطئ...
من هنا يمكن القول ان الكثير من ابناء ثقافة ما لا يشاركون ابناء جلدتهم او ممن يتفق معهم لغويا او دينيا مثلا في الكثير من القضايا ذات الطابع المصيري مثل الصراع من اجل السيادة والبقاء على خارطة العالم او النفي والزوال!...
التركيز على المشتركات بين الثقافات يبقى الهدف الاسمى والتركيز على الخلافات يكون مصيره الانحدار والسقوط!...
  

2010/05/09

عندما يمنع كتاب!


عندما يمنع كتاب!
تطرح بين الحين والاخر،دعوى لمنع كتاب ما ولسبب معين،كما حدث مؤخرا في الدعوة الى منع كتاب قديم(الف ليلة وليلة) بحجة احتواء نصوصه على الفاظ فاحشة او يدعو للانحلال والفسوق!وهي بالمناسبة ليست الدعوة الاولى ضد هذا الكتاب الذي يعتبر من روائع الادب في الشرق الاوسط ويمكن طباعته بدون تلك الالفاظ دون ان تغير من محتواه...
قبل الشروع في محاولة منع كتاب ما،نسأل هل مازال هنالك قراء للكتب بصورة عامة؟! اوللكتاب المراد منعه بصورة خاصة؟!...
الجواب بالتأكيد:كلا!...اذا كان كذلك فلماذا المنع اساسا؟!...هل الخوف من بضع مئات من القراء يقرأون الكتاب ويتأثرون به(في حالة افتراض التاثر) في مجتمعاتهم المليونية!.
اذا قمنا بعملية حسابية بسيطة لدراسة التأثير فأكيد تظهر لنا نتائج مثيرة تبعد شبح الدعاوى القضائية والهدر الناتج منها في الوقت والمال!.
معروف ان الكتب تطبع في العالم العربي بأقصى رقم وهو بضعة الاف من النسخ بالمقارنة مع مئات الالاف او الملايين في دول الغرب بل وحتى بعض دول الشرق!وذلك نجد ان غالبية الكتب العربية مطبوعة بطبعة واحدة منذ عقود طويلة دون ان تتجدد طباعتها! وطبعا نستثني الشواذ من تلك القاعدة المأساوية السائدة!...
اذا تمت طباعة الكتاب بثلاث الاف نسخة مثلا وهو رقم خيالي لبعض الكتب! لعالم يتكون من مئات الملايين مع نسبة عالية من الذين يعرفون القراءة والكتابة! فأذا طبع هذا العدد فأكيد سوف تبقى نسبة كبيرة في رفوف المكتبات او في المخازن او يتم توزيعها عن طريق الاهداء! وبالتالي فأن نسبة كبيرة لن تصل للقراء! واذا وصلت فلن تقرأ غالبيتها خاصة في هذا الزمن الكثير التعقيد للحياة...واذا قرأت فلن تفهم غالبيتها بالشكل الذي يدعو للخوف منها... فأذن لماذا هذا التعب في رفع الدعاوى القضائية؟!...ام ان الهدف من بعضها هو دعاية مجانية للكتاب او المؤلف او حتى اصحاب الدعاوى!...نعم تلك حقيقة قد يكون ذلك متعمدا او من قبيل الشهرة الاعلامية،او كل ممنوع مرغوب...
لاحظت وجود الكثير من الكتب الممنوعة او المثيرة للجدل في بعض المكتبات العامة في الغرب او حتى بعض الدول العربية لان بعضها قد لا يمنعه،ولكن لم اجد احد يلتفت اليها او يتصفحها!...وتلك حقيقة واقعية ولا خوف من ذكرها،واذكر على سبيل المثال كتب المفكر المصري(نصر حامد ابو زيد) أو المفكر السعودي(عبد الله القصيمي) وهذه الكتب عادة تكون صعبة الفهم او ثقيلة على الذهن او تكون اختصاصية،بل ان بعض المكتبات العامة تصفي الكتب التي لا تقرأ كل بضع سنوات لانها تشغل حيزا كبيرا من المكتبة التي ترضي عادة زوارها وبالتالي سوف يكون مصير تلك الكتب من نصيب من يهتم بها وهم قلة نادرة!...بل لقد شاهدت بعض الكتب التي لم تتم استعارتها لسنوات طويلة عندما كانت تلصق على ظهر الكتاب اوقات الاستعارة والتي استبدلت بالطريقة الحديثة عندما يمرر الكتاب عبر جهاز الكتروني!...
نعم في حالة رفع بعض الدعاوى القضائية في الدول التي تقرأ شعوبها الكتب بكثافة دالة من خلال الاحصائيات له دلالة ان حصل اساسا كون عدد القراء كبيرا...لكن ترفع الدعاوى واساسا لا يوجد قراء، واذا وجدوا فأن الرقابة الحكومية والشعبية تضع العراقيل المختلفة اذا لم يوجد عليه منع رسمي ونهائي!.
لقد اشتهر بعض المؤلفين من خلال الاثارة التي حصلت لمؤلفاتهم او لارائهم التي تكون غريبة او جديدة عن الشائع في المجتمع،والامثلة كثيرة سواء في العالم الغربي مثل رواية عشيق الليدي تشاترلي لديفيد هربرت لورانس عام 1928 او دكتور زيفاكو لباسترناك في روسيا او مدام بوفاري لفلوبير في فرنسا او عناقيد الغضب لشتاينبك في امريكا الخ ...
اما في العالم العربي فالقائمة بالطبع تطول سواء العلنية او السرية! وبذلك لا تحتاج الى ضجة اعلامية لمنع البعض منها بحجة الخوف من افساد الناس التي لا تقرأها بل الخوف هو من وجود اماكن الفساد ومن يرعاها!.. لذلك فأن الامتناع عن تناول الكتب المثيرة للجدل هو اسلم طريق لازالتها بدلا من التشجيع على قرائتها بطريقة غير مباشرة،ولكن يبقى للكتب التي تندرج عادة تحت خانة الكتب الموضوعية الواعية،هي الاكثر خطورة في المنع لان في تواجدها تحريك العقول الخامدة واعطائها جرعات منشطة لعلها ترجع لوعيها!...
  

2010/05/06

اسس البنية التحليلية-السياسة نموذجا-الحلقة الثانية عشر

اسس البنية التحليلية-السياسة نمواسس البنية التحليلية-السياسة نموذجا -الحلقة الثانية عشر
ب- النظم الاقتصادية:
بطبيعة الحال ان الفروقات هي من الضخامة بين النظم الاقتصادية بحيث لا يمكن حصرها في مجلدات!فكيف يمكن اختصارها في دراسة ؟! اذن هنا للتبسيط تكون المقارنة مختصرة ويمكن لنا ان نضعها في خانة نتائج النظم الاقتصادية حتى تلائم التحليل السياسي...
في القرن العشرين سيطرت على العالم نوعين رئيسيين من النظم الاقتصادية وكلا منهما له نظريته المعرفية العامة وهما:المذهب الرأسمالي،والمذهب الاشتراكي،وكلاهما تختلف درجة العمل بحرفية المبادئ وحسب طبيعة الدولة ونظامها السياسي...المذهب الرأسمالي بالطبع كان سباقا في الفترة الزمنية ولم يظهر الثاني اي الاشتراكي الا لتصحيح اخطاء الرأسمالية نفسها ثم اعتبر نفسه نهاية المراحل التاريخية كلها! وكأن الحضارة الانسانية سوف تتوقف عن الابداع والابتكار!...
النظم الاقتصادية الرأسمالية التي كانت سائدة قبل انتشار الافكار الاشتراكية في القرن التاسع عشر هي تختلف بصورة كبيرة عن رأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية،فقد استفادت كثيرا من اخطائها الجسيمة التي تنبأت النظريات الاشتراكية وخاصة الشيوعية بأنهيارها! ومعظم تلك الاخطاء تناولتها الادبيات الاشتراكية بالنقد والتحليل وطرح الحلول الممكنة لها...اذا هي في جانب كبير استعارت الحلول الاشتراكية ولم تجد عيبا في ذلك كونها تصلح الاخطاء دون تغيير جذري في الفكر الرأسمالي...ومن بين تلك الحلول هي منح حقوق العمال بصورة تفوق ما موجود في بعض النظم الاشتراكية نفسها التي حرمتهم حتى من حق الاضراب! وايضا قبول تدخل الدولة في الاقتصاد وتكوين القطاع العام والتأمين الصحي والاجتماعي مع مجانية التعليم ثم والاكثر اهمية هو قبول الليبرالية والديمقراطية كمنهجين فكريين في الحياة والسياسة،وبالتالي اصبح النظم الرأسمالية مستوعبة للتغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحسب الظروف الموضوعية للمكان والزمان، وهذا ما جعلها تنجح في الاستمرارية بالرغم من بعض الازمات الدورية التي يخضع لها الاقتصاد العالمي بين الحين والاخر وتخرج منها غالبا منتصرة...
اما الاشتراكية فقد بقيت بالرغم من التراث الفكري الضخم على تقوقعها ولم تسمح بمشاركة الافكار والنظريات الاخرى في الدخول للمجتمعات الاشتراكية التي سقطت في مستنقع الاستبداد الشمولي والذي معه تسقط كل النظريات والافكار مهما بلغت درجة المتانة فيها في التطبيق!...وبذلك رفضت النظم الاشتراكية المختلفة اغلب الحلول الاتية سواء من قبل النظام الرأسمالي بأعتبار ذلك رجعية وخيانة وتقهقر في نظر المتزمتين! وايضا رفضت الليبرالية والديمقراطية كمنهجين في الحياة الخاصة والعامة وزادت على ذلك في محاربة الاديان واعتبرتها افيون قاتل للشعوب من خلال قياس مراحل تاريخية معينة على المسيرة الانسانية برمتها!مما جعلها مكروهة او منبوذة من قبل قطاعات شعبية واسعة مؤمنة كان من الممكن ان تكون عونا لها في صراعها مع الرأسمالية...
ان الاخطاء المتراكمة في تاريخ النظم الاشتراكية لم تصحح بفعل طبيعة النظم الشمولية وقسوتها وانغلاقها،واصبحت الحياة كئيبة وخاضعة للتخطيط المركزي الصارم الذي لايسمح بالحرية الفردية في العمل او لا يهتم للجودة بقدر تركيزه على الكم بصورة مفرطة! ولهذا اشتهر المنتوج الشرقي بالرداءة وتخلف التكنولوجيا بالقياس الى المنتوج الغربي البالغ الاتقانة... هذا بالاضافة الى التدخل المفزع في الحياة الاجتماعية وتقييدها الى درجة اصبح الكارهون لطبيعة هذا النظام اكثر مما تتصور المفكرون الاوائل في جعلها جنة الانسان على الارض! الا ان النفاق الاجتماعي والخوف من التعبير وسحق الانسان والحط منه كقيمة عالية وجعلها ذائبة في الجماعة البشرية،هي من مميزات هذا النظام وطبيعة الحياة الداخلية التي وضعت تحت ستار حديدي تنتهك حقوق الانسان بل ابيدت شعوب بأكملها تحت مختلف الاعذار والاسباب الواهية!منذ تأسيس اول بلد اشتراكي في العالم وهو الاتحاد السوفييتي،والمجازر تتوالى سواء التي ارتكبت في العهد الستاليني وتحت حكم ماو في الصين وكيم ايل سونغ في كوريا الشمالية وكذلك فيتنام وكوبا ورومانيا او البلد الاكثر غرابة وقسوة وهو البانيا التي عادت الى الحياة بعد موت طاغيتها الرهيب انور خوجة عام 1985!...
وبذلك انقلب الهدف من تأسيس الاشتراكية! فبدلا من ان تصحح مسيرة الرأسمالية فأذا بالرأسمالية نفسها تصحح مسيرتها كما وجدنا ذلك في الصين او فيتنام الان! والخلاصة ان انفتاح الرأسمالية ساهم في بقائها وتطورها حسب الظروف،بينما كان الانغلاق والتحجر الفكري سببا في انهيار الاشتراكية كنظام اقتصادي وفكري يمكن الاشارة اليه كأحد ابرز النظريات السائدة الان،وفي المقابل فأن بعض النظم اصبح يشار اليها بالنظم الاشتراكية الديمقراطية كما هو معروف الان في البلدان الاسكندنافية او في فرنسا واسبانيا اثناء حكم الاحزاب الاشتراكية فيها والتي قبلت بالواقع الرأسمالي وساهمت في تجديده واثراء الحياة فيه من كافة النواحي!...
كان تطبيق النظريات الاشتراكية في البداية ناجحا الى حد كبير،ويعود السبب الرئيسي هو كونها تسلمت الحكم في بلاد خارجة من الخراب والدمار والتخلف الشديد بسبب الحروب الداخلية والخارجية،واستطاعت بأجراءاتها المختلفة من رفع المستوى المعيشي للغالبية العظمى من الشعب بحيث اصبحت نموذجا يحتذى به،وكان في خلال الفترة ذاتها تمر النظم الرأسمالية بأزمات عديدة سواء على المستوى الاقتصادي كما حدث في ازمة 1929 او السياسي كما حدث في الحربين الاولى والثانية،او الاخلاقي بسبب احتلالها الطويل لبلدان العالم الثالث، بالاضافة الى ازمات اخرى مما جعل النظر اليها كنموذج مثالي في النظرية والتطبيق هو بمثابة العودة الى الوراء حيث الالم والاستغلال البشع والحرمان من الحياة الكريمة الا لفئة قليلة من السكان... ولذلك فأن النمو الاقتصادي المذهل وبالرغم من الاخطاء السابقة القاتلة للحكم الشمولي،الا ان ذلك النمو كان محفزا لغالبية النظم المتخلفة في العالم الثالث ومن ضمنها الدول العربية! التي تقلد الاخرين بعماء وغباء بالغين! ولا تستفاد من خلال المقارنة والدراسة والتحليل من النظامين الرئيسيين الموجودين!...
ان النمو الاقتصادي المذهل للنظم الاشتراكية لم يستمر طويلا ،فقد اصبح ضعيفا منذ الستينات من القرن العشرين،وازداد ضعفا حتى وصل الى مرحلة الركود الاقتصادي في الثمانينات والذي ادى الى انهيار النظام برمته بالرغم من محاولة غورباتشوف المتأخرة بسياسته المعروف بالبيروسترويكا والغلاسنوست اي اعادة البناء والانفتاح.
المشاكل الاقتصادية الكبيرة والترهل في النظام الاشتراكي برمته كان من الممكن للدول النامية المقلدة له ان تتحرر منه او تستفاد من المقارنة والتحليل من خلال رؤية النظام الرسمالي يتفوق بجدارة من خلال انفتاحه الدائم،وبالرغم من ان النمو الاقتصادي المستمر قد توقف مرات عديدة بسبب حالات الركود،الا ان التقدم الاقتصادي المصحوب بنمو تكنولوجي مذهل،قد اصبح مثالا بارزا للخلاص من آثار التخلف...
امثلة عديدة:
هنالك العديد من الامثلة التي تعطي لنا صورة تفصيلية عن النجاح والفشل الاقتصادي لبعض البلدان الخارجة من الحروب من خلال تطبيقهما النموذجين الرأسمالي والاشتراكي...
1- كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية:هذان البلدان هما امة واحدة في الحقيقة ولكن فرقت بينهما السياسة!من خلال اختيار الشمال للاشتراكية الماركسية، واتباع الجنوب للراسمالية وقبول الليبرالية والديمقراطية لاحقا منهجا ولكن بعد السير في الطريق الرأسمالي لما يقرب من اربعة عقود من الزمن!... بمعنى آخر ان كوريا الجنوبية لم تسير في الطريق الديمقراطي الا في عقد الثمانينات وكانت في خلال الفترة السابقة تخضع للديكتاتورية العسكرية.
كانت كوريا الشمالية اكبر مساحة وأوفر مواردا واكثر تقدما،بينما كانت الجنوبية اصغر حجما واقل مواردا واكثر تخلفا مع ضعف عدد السكان...
ونهجت الاولى المنهج الشيوعي مع عزلة تامة عن العالم بينما انفتحت كوريا الجنوبية واخذت تنمو ببطء في البداية حتى انطلاقتها الحقيقية في الستينات،ولكن بقيت متخلفة عن الشمالية حتى تساوى دخلا الفرد عام 1973 ثم بعد ذلك تقدمت الجنوبية بنمو مدهش حتى وصلت الان الى احدى اقوى البلدان العشر الصناعية في العالم! ووصل دخل الفرد الى ما يزيد عن عشرين ضعفا بالمقارنة مع دخل الفرد في الشمال الذي اصبح يعاني الجوع والتخلف بسبب التشدد الحكومي وعدم الانفتاح على الخارج بالاضافة الى انفاق الموارد على الدفاع والامن بصورة مرعبة!...
2-الصين وتايوان:كان الوضع الاقتصادي متشابها في البلدين لان تايوان في النهاية كانت جزء من الصين التي تطالب بها الى الان...
اخذت تايوان تنمو بقوة من خلال اتباعها الاقتصاد الحر ونظرا لكونها بلا موارد طبيعية مثل اليابان وكوريا الجنوبية،فأن الانفتاح على الاستثمارات الخارجية كان وسيلتها المفضلة لتشغيل القوى العاملة بأجور زهيدة سرعان ما استوعبت التكنولوجيا فأصبحت الان من القوى الاقتصادية الرئيسية في العالم وكان بالرغم من حجمها الصغير من الدول صاحبة اضخم احتياطي نقدي في العالم! بالرغم من انها تنفق كثيرا على الدفاع وخوفها الدائم من هجوم الصين لاستعادتها...
وفي المقابل كانت الصين بالرغم من ضخامة عدد سكانها ومواردها،تعاني كثيرا من الفقر والجوع والاستبداد الذي قتل عشرات الملايين وخاصة اثناء الثورة الثقافية المزعومة!...وبالرغم من انها اكبر بلد من حيث عدد السكان الا انها ولغاية عام 1978 كانت احدى افقر الدول في العالم بل ان دخل الفرد كان يقدر ب 120 دولارا بالمقارنة مع الهند والبالغ حينها 180 دولارا بينما كانت امريكا اكثر من 9600 دولار !...وفي نهاية عام 1978 قرر زعيمها دينغ هسياو بينغ من فتح ابواب الصين دون التنازل عن الشيوعية كمذهب سياسي حاكم بغية انقاذ البلاد من الجوع والتخلف الذي حصل بفضل البيروقراطية والانعزالية والاستبداد الحكومي الفظ!...ومنذ ذلك التاريخ والصين تنمو بسرعة هائلة لا تقل عن 10% حتى اصبح دخل الفرد فيها لعام 2009 يقارب 3700 دولارا عام 2009 اي مايزيد عن 30ضعفا بينما كانت مصر في نفس الفترة حوالي 400 دولارا عام 1978 اي ثلاث اضعاف الصين اما الان فقد وصلت الى 2450 دولارا اي اقل من ثلثي دخل الفرد الصيني! واكيد الفارق سوف يتسع في المستقبل نظرا للنمو الهائل في الصين.
واستطاعت الصين في تجاوز العديد من دول العالم واصبحت الاولى في التصدير كما استفادت من الدول المجاورة في التعاون المستمر،ولو بقيت الصين على نفس طريقة كوريا الشمالية لما وجدنا انتاجها الصناعي الضخم يغزو اسواق العالم بهذه الطريقة!...
3-المانيا الشرقية والغربية:قبل وحدتهما عام 1990 كان مستوى دخل الفرد الجزء الغربي يفوق الشرقي بحوالي اربعة مرات! وبالرغم من كون الجزء الشرقي هو الاول في الكتلة الشيوعية الا ان الغربي كان ايضا في المراتب الاولى بالنسبة لدخل الفرد،وقد عانت الشرقية من المشاكل الكثيرة حتى انقذتها الغربية بالوحدة!والاختلاف في النظامين الاقتصاديين هو الذي ادى الى هذا التفاوت الكبير في مستوى المعيشة والتكنولوجيا.
نتائج تطبيق النظامين الاقتصاديين هو واضح للجميع،فلماذا تستمر الكثير من الدول النامية وخاصة العربية منها في اتباعه؟!...فسوريا مازالت متخلفة اقتصاديا بصورة تدعو الى الدهشة والفارق بينها وبين اسرائيل هو كبير بلا شك!ولا يمكن تفسير ذلك بالانفاق الدفاعي الضخم فتايوان مثلها  في نسبة حجم الانفاق! وكذلك ليبيا الغنية بالنفط والفقيرة بأنتاجها الصناعي والزراعي بينما استفادت النرويج من ثروتها البترولية القليلة في بناء اقتصادها لتصبح الدولة الاولى في دخل الفرد في اوروبا بل ضمن المراتب الاولى في العالم!...
عدم الاستفادة من تجارب الاخرين والرغبة في التقليد الاعمى دون تصحيح الاخطاء الواضحة هو الذي ادى الى هذا المستوى من التردي الاقتصادي، فمصر تحولت من الرأسمالية الى الاشتراكية بعد انقلاب 1952 ثم تحولت الى الرأسمالية الغير مدروسة في عام 1974! ولكن في الحالتين تاهت في الطريق المؤدي الى العالم المتقدم!...اما سوريا وليبيا والجزائر فقد بقيت ملتزمة بالخيار الاشتراكي بالرغم من التخلف المستمر ليس فقط في البلدان التي اتبعت الطريق الاشتراكي بل في بقاء اقتصادياتها ضمن خانة الدول النامية،بينما بقيت بعض الدول مثل المغرب وتونس والاردن واليمن متخلفة بالرغم من اتباعها الطريق الرأسمالي بسبب عدم استيعاب المنهج الرأسمالي بصورة علمية مدروسة بعناية خاصة في الانفتاح الذي يؤدي الى مكافحة الفساد المستشري بالاضافة الى ضعف الدور الحكومي في بناء الانسان النوعي بدلا من التركيز على الكم!.
ان النمو الاقتصادي يحتاج دائما الى قوة وارادة ونزاهة مع الاستفادة من خبرات واخطاء الغير ولذلك تقدمت تركيا كثيرا منذ عام 2002 بينما كانت قبل ذلك ولمدة طويلة تزيد على ثمانية عقود من الزمن،احدى اكثر الدول تخلفا حتى ان غالبية الدول الاوروبية رفضت انضمامها للوحدة الاوروبية بالاضافة الى اسباب اخرى معروفة!...
المقارنة وتحليل تجارب الاخرين يؤدي الى الاستفادة من تجاربهم وتجنب الوقوع في اخطائهم!...