إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/28

في الذكرى الاولى

في الذكرى الاولى:
اليوم 28\5\2009 مرت الذكرى السنوية الاولى على انشاء مدونتي هذه المسماة الموسوعة الحرة في موقع مكتوب،في مثل هذا اليوم من العام الماضي 2008...
وهي الثانية لي بعد المدونة الاولى في موقع غوغل والتي انشئتها قبل هذه ب 4 ايام فقط، ولكن نظرا لقلة الزوار العرب في الاولى كونها تتبع الموقع الاول في التدوين العالمي والذي يحتوي على ملايين المدونات من مختلف الاقوام والاعراق وبجميع اللغات،يكون من الصعب على الزوار الذين يتكلمون ويكتبون بالعربية التواصل ضمن هذا الكم الهائل من المدونات وبالتالي تعتبر زيارة المدونة العربية ضمن هذا الكم الهائل من الصعوبات التي تخضع للمصادفة...
وبمحض الصدفة اكتشفت مدونات موقع مكتوب،رغم امكانياته التقنية اقل من غوغل بكثير،الا ان التواجد في اغلبيته للمدونات العربية،فقررت فتح المدونة فيه،رغم انني حافظت على وجود الاولى التي هي مثل النسخة للثانية مع بعض الاختلاف الطفيف جدا،ولكن للمحافظة على محتوى المدونة من الضياع...
كانت فكرتي عن التدوين انه فقط لكتابة اليوميات وحفظ بعض الفايلات،ولم اعرف انها وسيلة كبرى لحفظ ماتجود به العقول والقلوب على شبكة الانترنت بعد ان كانت محصورة ضمن اطار الورق الخاص بكل فرد والمعرض دوما للضياع والفقدان،وفي الحقيقة ان عدم خضوع محتويات المدونة لحقوق النشر جعل من السهولة سرقة المحتويات ونشره في مواقع ومنتديات كثيرة اخرى دون ان يعلم المدون ان ماينتجه قد وقع فريسة السرقة الادبية ...
الاختلاف واضح بين المدونات والمنتديات وبقية المواقع الاجتماعية...ومن اهم تلك الفوارق هي ان المستوى الثقافي الجمعي اعلى بكثير هنا من المشتركين في غالبية المنتديات والمواقع الاجتماعية...وقد تنشأ علاقات فردية او على شكل مجموعات بين المدونين تكون اقوى العلاقات في المواقع الاخرى لانها تستند على اسس قوية تتكون من الثقافة والميول المشتركة بصورة اساسية....
عدد الزوار في السنة الاولى رغم انه فاق الاربعون الفا الا ان العدد رغم اهميته لا يعني بقدر النوعية،وقد شاهدت امثلة كثيرة في مدونات لا تحمل من معنى التدوين شيئا! من قبيل نشر اعلانات وغيره....
عموما الحديث يطول وسوف افصله في سلسلة حلقات مستقبلية اذا اقتنصت الوقت الذي يسير الان بسرعة هائلة دون الاحساس به او الشعور بقيمته ابدا !...
التدوين ليست مهمته سهلة ابدا لمن يعيها جيدا...وتحتاج الى متابعة مستمرة وتواصل دائم...ولذلك نجد عدد كبير من المدونات المهملة والمتروكة منذ فترة طويلة....لكن تبقى المدونة من ضمن اهم الوسائل الحديثة لتحريك العقول على الابداع في كل شيء يمكن ان يتصوره الفرد...
اختصر الحديث هنا...لكي اكمله في موضوع منفصل...
مع خالص تمنياتي للجميع بالموفقية والنجاح...
وكل عام والجميع بخير...

التبعية الجديدة

التبعية الجديدة:
بعد ان تحررت معظم دول العالم الثالث من الاستعمار وبمختلف اشكاله وخاصة العسكري،لم نرى من ذلك التحرر سوى جزءا بسيطا فقد خلف لنا في كل بلد تركة ثقيلة جعلت ايام الاستعمار ارحم بكثير في بعض البلدان من الاحوال المعاصرة.
اغلب مشاكل تلك المخلفات تتركز في الاستبداد وعدم وجود ديمقراطيات حقيقية،وتركز السلطات في ايدي اقلية والتي غالبا ما تحتاج الى الدعم الخارجي،والاقلية قد تكون دينية او مذهبية او عرقية او حتى طبقية،كذلك ترك لنا المشاكل الحدودية المستعصية بين الدول والتي سببت المآسي الناتجة من الحروب والنزاعات المستمرة،هذا بالاضافة الى مشاكل التخلف والجهل والفقر وغيرها من المشاكل التي انخفض حجمها بصورة ملحوظة مع مرور الزمن من خلال استقلال الكثير من المستعمرات حديثا والتي قلت المشاكل التي نتجت عن المستعمرات القديمة،وقد يكون ناشئا هذا من تغير سياسات الدول الاستعمارية والتي نتجت بالاساس من تغير الحكومات الداخلية في بلدانها او ظهور انماط ثقافية مختلفة خضعت لها ومن ضمنها مبادئ حقوق الانسان والسوق الحرة والديمقراطية.
عموما كانت تتسابق الدول في السابق في معاداة الدول التي استعمرتها كوسيلة انتقامية او نتيجة لتضارب السياسة الخارجية مع المستعمر،ولكن بمرور الزمن ومع تهالك النظم الحاكمة واستنزاف قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في تلك النزاعات التي يبدو انها مستمرة الى اجل غير مسمى!،اقول انها تغيرت العلاقة،واصبحت عودة الدول الاستعمارية الى مستعمراتها شبه مؤكدة عسكريا بعد ان دخلت من البوابات الثقافية والاقتصادية الذي لازم بقية النفوذ السياسي.
ويمكن من خلال دراسة مقارنة بعض الدول عند الاستقلال،بوضعها الحالي وهي امثلة حقيقية واقعية لا لبس فيها،مثل العراق وافغانستان ويوغسلافيا السابقة والصومال وغيرها التي تخضع وبمستويات مختلفة من الحكم العسكري المباشر لها كليا او لبعض اجزائها،او دول اخرى فقدت كل استقلالية حقيقية يمكن تصورها من خلال الخضوع للغرب بصورة عامة،واصبحت تبعيته احيانا كثيرة مثيرة للاحزان كونها اتت بعد تضحيات جسام من شعوبها،التي ناضلت من اجل اخذ حريتها بالقوة من المستعمر،لتجد نفسها فريسة مستعمرين قساة من ابنائها يستهترون بكل مقدس لديها ويعبثون بكل مقدراتها بدون مسؤولية ضمير وحس وطني! مما جعلها تحن الى ايام الاستعمار الذي كان يعطي مساحة من الحرية للشعوب تفوق بكثير ما هو ممنوح للشعوب المعاصرة! او بسبب التهديدات للدول المجاورة...ومن ابرز الامثلة على تلك الدول هي مصر ودول الخليج وباكستان ودول المغرب العربي واريتيريا والكثير من دول القارة الافريقية التي اصبحت استقلالية بالشكل فقط دون الوصول الى مرحلة الاستقلال الحقيقي مثلما هو الحاصل في ايران او فنزويلا او الهند او جنوب افريقيا بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم.
بعد النزاعات الاقليمية الدموية في الشرق الاوسط ، اصبحت الاستراتيجية الرئيسية لدول المنطقة هي الدخول في تحالفات مع الدول الكبرى وكأنها لعبة رغم خطورتها الواضحة،وهي بالدرجة الاولى تتركز مع ثلاث بلدان هي امريكا وبريطانيا وفرنسا،ورغم ان تلك التحالفات وصلت الى درجة عقد معاهدات دفاعية واقامة قواعد عسكرية وتعاون عسكري وامني على ارفع المستويات،الا ان ذلك لا يخلو من فقدان كبير لاستقلالية القرار في تلك البلدان التي اصبحت من التبعية الى درجة ان وضعها في بعض الاحيان ايام الاستعمار افضل بكثير من وضعها الحالي! واكثر الاسباب المؤدية الى تلك الحالة المزرية هي الخوف من فقدان الوجود من على الخارطة السياسية او جزء من الكيان السياسي او فقدان الحكم لفئات اخرى منافسة،وهذه المواصفات هي متطابقة مع دول العالم العربي،لكن الغريب في الامر ان العامل المذهبي اصبح هاما لدرجة انه تفوق على العامل الديني،وهو ناتج من تراكم سلبي تجاه الاخر،واكثر ذلك يتركز في دول العالم العربي وعلاقاتها مع ايران بينما لم تنشأ تلك الحساسية او السلبية مع تركيا المنافسة السنية التقليدية لايران على مدار عصور،وقد يبرر البعض بكون تركيا دولة قوية وكبيرة،الا ان ذلك الادعاء يتهاوى مع وجود امثلة من دول بعيدة وكبيرة مثل مصر او المغرب ! وهذا العالم المذهبي قد سبب في تدهور العلاقات السياسية الى درجة كبيرة،جعلت البعض يلتجأ الى الدول الكبرى لطلب الحماية الوهمية والتي تستند بالاساس الى درجة العداء الايراني لاسرائيل،لان العلاقات بين ايران الشاه والغرب كانت في اعلى مستويات التحالف وتفوق في الاهمية التحالف مع الدول العربية.
وهذه التبعية الجديدة هي بالدرجة الاولى المسؤولة عن مستوى الانحدار العربي الى درجة جعلت دولة صغيرة مثل اسرائيل تهزمهم بصورة كلية او دولة ضعيفة وفقيرة مثل اريتيريا ترفض الانضمام الى جامعتهم العتيدة! لابل تتحرش عسكريا بكل جيرانها العرب وتمد نفوذها الى الصومال!.
ليس شرطا للتبعية الجديدة ان تكون فقيرا وتحتاج المساعدة،بل حتى الدول الغنية هي بحاجة اليها لدوام ازدهارها الاتي من تواجد مصادر الطاقة في اراضيها.
وهذه التبعية من الخطورة الى درجة تجعل التابع ينهزم نفسيا ويجعل قدرته مقيدة سواء برفض السياسيات الخارجية للدول المتحالف معها او حتى طلب انهاء التحالف والتواجد العسكري بينما ذلك غير موجود في الكثير من الدول الغربية الصغيرة والتي تتعامل باستقلالية مع الكثير من سياسات الدول الغربية الاكبر حجما لان التحالف يستند على قاعدة شعبية متينة ومصالح متبادلة عكس ما هو موجود في دول العالم الثالث ومنها العالم العربي.
قواعد عسكرية تحت الطلب:
اقامة القاعدة الفرنسية في دولة الامارات العربية المتحدة وفق الاتفاق المبرم يوم 26\5\2009 هو ليس مايبرره اطلاقا اي تحد خارجي ،بل هو تصرف خاطئ بكل معنى الكلمة،لان الخطر المبطن والذي جعل الامارات تقدم على تلك الخطوة التي تمثل الانتقال الى النوعية الجديدة من التبعية وهو بسبب الخوف من بلدين جارين فقط لا ثالث لهما وهما ايران وبالدرجة الثانية السعودية كون العلاقة التاريخية اتسمت بالتوتر مع الثانية من خلال المطالبات بثلاث ارباع واحة البريمي التي تشكل غالبية تلك الدولة والتي تنازلت عنها السعودية تحت الضغط البريطاني في منتصف الستينات،بينما مع ايران من خلال الجزر الثلاث المتنازع عليها.
ليس هنالك من خطر على دولة الامارات من البلدين لان التواجد العسكري الامريكي والبريطاني كاف الى درجة ردع الدول الاقليمية الكبيرة الاخرى من تهديد المشايخ الموالين للغرب تقليديا،وبالتالي فأن منح الوجود العسكري الفرنسي بحجمه الصغير لن يساعد في الدفاع عن تلك الدولة التي تخضع للنفوذ الامريكي البريطاني بصورة رئيسية بل يزيد التوتر وفرص الهجوم من الخارج في حالة نشوب حرب اقليمية ولكنه يساعد على استغلال فرص الحصول على عقود عسكرية واقتصادية ضخمة لفرنسا مع نفوذ سياسي كبير متنامي،وهي دولة لها مصالحها قد تتفق مع العرب في امور صغيرة ولكن في الواقع لاتستطيع مخالفة التوجه الغربي بصورة عامة،اما استفادة الامارات فهي شبه معدومة بل هو سلبي لانه يزيد فرص الحرب في المنطقة واقامة القواعد العسكرية فيها وفي قطر والبحرين وعمان ليس في صالح الجميع بينما في الكويت والسعودية الى حد ما هو مفيد لوجود الدولتين وليس فقط لتهديدهما رغم انه مقيد لاستقلالهما ايضا.
الشيء الاكثر غرابة هو استمرارية الانفاق الدفاعي الضخم سواء في الامارات او في دول الخليج الاخرى والذي يفوق دول كبيرة لها جيوش ضخمة ،وانعدام الجدوى منه مادامت دوله تحتمي بمظلة الدول الغربية وتطلب اقامة القواعد العسكرية في زمن العولمة التي كسرت الحواجز الحدودية الفعلية بين الدول ونشرت الديمقراطية في الكثير من البلاد والتي جاءت بعد مرور عقود على ازالة الاستعمار التقليدي من اراضيها.
وكما توقعت فان المعارضة الداخلية في الامارات لمثل هذا التوجه شبه معدومة مثل بقية دول الخليج التي تخضع لنظم قبلية تفرض الطاعة العمياء لكبير الاسرة دون ابداء مجرد التساؤل عن مسببات تلك السياسات الغير مفهومة اصلا والتي تتغير جذريا بمرور الزمن دون ان يتغير معها عقارب ساعة الموالاة! وعند مراجعة وسائل الاعلام المحلية فأنها خالية من وجهات النظر المعارضة التي تنشأ في الغالب من امور ثانوية فكيف من سياسات مصيرية تخص عموم الشعب ومستقبل تطلعاته!.
القواعد العسكرية الغربية في دول الخليج تخضع بصورة رئيسية لعاملي النفط واسرائيل ! ومتى ما انعدم وجود هذين العاملين فأن التواجد سوف يندثر او يضعف لان تلك الدول غير مستعدة للتضحية في سبيل نظم تعتبرها اساسا متخلفة ومعادية للديمقراطية وحقوق الانسان! وهي شعارات الغرب الرئيسية وهذه التساؤلات مطروحة على الدوام على مائدة البحث في الدول الغربية،ولكن المصالح الاقتصادية والسياسية يفرض عليها التنازل عن تلك المبادئ والخضوع لمبدأ الفائدة الانتهازي!.
الخروج من سياسة التحالفات ومن ضمنها اقامة القواعد العسكرية لايحتاج الى دراية وشجاعة،بل الشجاعة والفهم الحقيقي يكمن في فرض علاقات صداقة وحسن الجوار مع الاخر من خلال العمل الجاد في تحسين العلاقات وليس الاستماع الى نصائح الاخرين الذين لهم اجندتهم الخاصة مع الدول كافة والتي ليس من الضرورة ان تتفق مع اجندة دول العالم الثالث،والوقوف عند الحياد في صراعات الدول الكبرى هو الطريق الاسلم لان لا ناقة للدول الصغيرة في نزاعات الكبار،بل هي وسيلة تدميرية لها .....

2009/05/26

قرأت لك - الكتاب السابع

قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(7)

الفضائح السياسية:
تعتبر كتب الفضائح السياسية،من اكثر الكتب المرغوبة للقراءة لدى عامة الناس،وهي ليست ناتجة من الطبيعة البشرية في حب معرفة حياة الاخرين واسرارها فقط ،بل ايضا هنالك رغبات عديدة تتسم بعضها بالفضولية او حب الاستطلاع وتقليد الاخرين او حتى الانتقام من صاحبها في نشرها وتشويه سمعته بها،ولكن تلك الرغبات تكون في اعلى مستوياتها اذا خصت احد المشاهير وخاصة الذين يكونون على صلة مباشرة بالجمهور والذي يتكون من مزيج مركب من الاذواق والسلوكيات،فمنه المحب له ومنه المبغض وعلى درجات متفاوتة،وبالتالي نجد ان متابعة الفضائح وخاصة للسياسيين الذين يعتبرون بصورة عامة اكثر المشاهير كرها،هي من اكثر الامور متابعة من قبل الجمهور وقد ساعد تقدم وسائل الاعلام على نشرها بسهولة خاصة بالصورة او الصوت.
والفضائح لا تختص بنوع ما،بل هي جزء بسيط من الفساد الذي يقع فيه الانسان سواء برغبة منه او بدونها،وكلما كبر حجم مسؤوليات الانسان،ازدادت مراقبة الناس له باعتباره انه يحظى بشرف قيادتهم وبالتالي ثقتهم التي يجب ان تكون في العادة لافضل الناس اخلاقا ونزاهة في السيرة والسلوك،ولذلك تفرع الفساد الى طرق عديدة مع تقدم وسائل الحياة وتعقيداتها واتساع شبكات الاتصال الجماهيري،بالاضافة الى ذلك اصبحت اساليب الكشف ايضا اكبر تعقيدا واشد خطورة وهي تتزامن مع سهولة نشرها اعلاميا!.
والفساد الذي يلازم نظام شمولي وخاصة في سلوك رموزه القادة والاتباع،يكون الاكثر اثارة ومرارة للنفس!باعتبار ان هؤلاء لا يحبون مشاركة الاخرين لهم في السلطة السياسية والفكرية،ويحتكرون الحقيقة المطلقة ولا يقبلون النقد بتاتا،هؤلاء يكون اسهل من اندادهم في البلدان الديمقراطية وقوعهم في فخ الفساد،لانه ببساطة لاوجود لمعارضة حقيقية ممكن ان تراقبهم وتسلب منهم السلطة،فهم بالقوة قائمين ولا يخرجون من الحكم الا بالقوة ايضا!ولذلك يسترسلون الفساد وينعمون بملذات الحياة التي يمنعون غيرهم المشاركة بها.
من هذا المنطلق،تبرز لنا اهمية الوسائل الاعلامية التي تبرز فضائح هؤلاء الذين يدعون النزاهة والوطنية والاخلاق،ورغم ان الحياة الشخصية لهؤلاء هي من حقهم ولكن الانتقام منهم يكون في ادنى مستوياته اذا لم توجد الوسائل القوية التي تغيرهم من اماكنهم السلطوية،بل حتى في الانظمة الاكثر ليبرالية توجد مرقبة شديدة لهم على اعتبار انهم مخولون الحديث نيابة عن الشعب وقيادته التي تتطلب النزاهة الشديدة مع الاخلاص للوطن الذي يحتاج الى اخلاق عالية تكفل الوفاء بالالتزامات الداعية له.
من ابرز الوسائل الاعلامية هي الكتب بطبيعة الحال،ولذلك فأن كتب الفضائح وخاصة السياسية منها تكون الاكثر شهرة ومبيعا،وليست الكتب السياسية ذات الصبغة الفضائحية بدون قيمة على اعتبار انها تنشر الغسيل القذر للمذكورين فيها،بل على العكس انها ذات قيمة عالية وخاصة في ذكر الحقائق للتاريخ وللاجيال المحكومة والتي تتوق الى الحقيقة مهما كانت مرة وأليمة وخاصة التي تتعلق بالفترات العصيبة التي تكثر فيها الازمات والنكبات،وهي تعتبر مراجع ذات قيمة عالية لكتابة التاريخ وسيرة المشاهير ومتابعة اعمالهم ودراسة التأثيرات الجانبية للحياة السيئة لهم في اصدار القرارات المصيرية التي تخضع احيانا للمزاج العام لرأس الدولة،كما انها تعتبر من المصادر الرئيسية لتحليل الاحداث التي تمر بها والتي لها تأثير على الواقع المعاصر او حتى في المستقبل،وضرورة تجنب الاضرار الناجمة عنها.
ومن الخطأ الكبير تحميل اشخاص معينين مسؤولية نكبات حلت بأوطانهم من خلال طغيانهم والذي يؤدي الى الفساد الذي ينتشر بأوصال الدولة والمجتمع وما يسببه من اضرار كبيرة يجعل من الصعب على الاجيال الجديدة التخلص منها،بل هي ايضا مسؤولية اشخاص آخرين في الدولة عرفوا بالاختراقات وسكتوا عليها او استغلوها بغية ابقاء السيطرة على الامور في متناول ايديهم من خلال استخدام اشخاص فاسدين لا يتورعون عن ارتكاب الجرائم والحماقات وفي النهاية تحصل الكوارث التي لا يحسبها بدقة الا الظالعون في العلم والمعرفة،ونصيب المساكين البسطاء الشدة والقسوة والمعاناة. وكتب الفضائح السياسية تتضمن في الغالب معلومات هامة حول احداث اشترك فيها المفضوحون،وهذه المعلومات تقلب موازين الجرح والتعديل الى اقصى اتجاه بحيث يكون من الضروري تغيير الاحكام والتقييمات حول مرحلة ما،وبالتالي يمكن تجنب التاريخ المزيف الذي من الممكن ان يستمر فترات طويلة تهرم عليه الاحداث والذين يتشبعون بخرافاته واساطيره والتي تصبح مع الاسف جزء كبير من تركيبة الشخصية الوطنية،وبالتالي يجب مراجعة كل مرحلة تاريخية من خلال مراجعة الكتب والوقائع المنشورة من اناس اجبرتهم الظروف القاسية في الاشتراك بها والتي لم يكن لهم من نصيب سوى ممارسة الفساد بمختلف صوره وأساليبه القذرة.
قد يتجنب البعض هذا النوع من المعرفة لاسباب عديدة وقد يكون من اهمها عدم التصديق وابقاء الذاكرة على اتجاه معرفي واحد،كذلك اخرين ولاسباب اخلاقية او اسرية او حتى فكرية،فأنه يتجنب الخوض فيها فضلا عن محاولة التصدي لها اذا كان يعتقد بخلافها،واسباب اخرى كثيرة!.
والحقيقة ان تلك الاسباب ضعيفة وواهية وليست لها قيمة فكرية موضوعية حتى يمكن تبنيها الا اذا كانت صادرة من موقف يتسم بالشدة امام اناس يحاولون تزييف الوقائع وبالتالي تلك مهمة اخرى يجب على العقلاء والمؤرخون تمييزها والتدقيق في مكوناتها المعرفية من خلال اختبارات عديدة تحتاج الى شيء من الذكاء والنباهة والثقافة العالية حتى يمكن اصدار الاحكام النهائية عليها لكي يتسلمها المجموع العام والمنشغل بأمور الحياة البسيطة بشيء من الاطمئنان.
في تقديري وفي احيان كثيرة تكون كتب كشف الفساد السياسي من القوة والمتانة اذا كانت صادرة من اشخاص يمتلكون مقدرة بسيطة من الثقافة والخبرة في اساليب المكر والخداع ولكن الظروف اجبرتهم في المشاركة في الاحداث من قبيل دخول عاهرات في حياة شخصيات مشهورة،او رجال فاسدين جهلاء يستغلون فساد الكبار او العمل معهم،وهذا الانواع المنتشرة بين طبقات الشعب في الغالب تكون غير محصنة من الاعمال الغير اخلاقية او حتى الغير وطنية،ولكن من السهل الحصول على المعلومات المهمة منهم اذا تم الايقاع بمن يتستر عليهم او حمايتهم ممن يخافون منهم الانتقام،وبالتالي من الواجب الوطني استدراج هؤلاء لاستخلاص المعلومات منهم ونشرها على الملأ بغية تحصين المجتمع من آثار هؤلاء السيئة وتقديمهم للمحاكمة العادلة حتى يأخذوا جزائهم العادل.

الكتاب السابع
شاهدة على انحرافات صلاح نصر
تأليف:اعتماد خورشيد
الكتاب: يتالف من 320 صفحة في طبعته الرابعة 1988،والنسخة التي وقعت في يدي هي الكترونية من الانترنت ومن السهل تنزيلها من عدة مواقع من الانترنت وحجمها يزيد عن 20 ميغا بايت ولذلك يصعب ارسالها بالبريد الالكتروني او تنزيلها في المواقع ذات الحجم المحدود من التنزيل ولكن يمكن قرائتها بوضوح تام بالانترنت او من خلال تنزيلها على جهاز الكومبيوتر الشخصي.
المؤلفة هي مصرية من مواليد 1935 ومتزوجة من احد رجالات الفن في مصر واخذت اللقب منه وهو احمد خورشيد،ولها منه عدة ابناء،تزوجت مجبرة من رئيس المخابرات المصرية صلاح نصر وهي لاتزال في عصمة الاول وحامل منه!.
كان كتابها هذا قد احدث ضجة كبيرة عندما صدر عام 1988 بحيث انه طبع اربع مرات خلال ثلاثة شهور! لان المادة المنشورة فيه ليست من الصعوبة على الفهم،بل هي سيرة فضائحية دسمة لنظام حكم عبد الناصرورجالاته،رغم انها حاولت مرارا تبرئته من كل ماجرى ولصقت ذلك بمراكز القوى الارهابية التي ترأست الاجهزة الامنية والعسكرية وبالخصوص في فترة الستينات لان علاقتها بدأت عام 1964 بمدير المخابرات المصرية وبالتالي فأن الفترة التي تغطيها كانت بين عامي 1964-1967 بينما الفترات الزمنية السابقة واللاحقة فهي مستبعدة من الكتاب ماعدا التي يخصها شخصيا،الا ان قارئ الكتاب وبدون اي حاجة لفطنة او نباهة يستطيع من خلال معلومات الكتاب ان يحكم على كل رجالات الانقلاب العسكري وعلى الاقل في تلك الفترة القصيرة باقصى الاتهامات من الخيانة العظمى الى الفساد والارهاب وهم يستحقون اقصى العقوبات ولكن مع الاسف الشديد يمكن القول وبمرارة انهم لم يحاكموا او تنفذ بهم العقوبات الملائمة لجرائمهم الوحشية ولكن حكم الله تعالى والتاريخ عليهم يختلف،والاكثر مدعاة للحزن والالم ان هنالك من يدافع عنهم او يحمل افكارهم الشاذة ويكرر اعمالهم القذرة بوعي او بدون وعي ويبررها!،وهذا القول لا ينطبق على رجالات الانقلاب العسكري في مصر فقط،بل على كل المستبدين في التاريخ والتي تبرر جرائمهم من قبل من يحمل لهم ودا ويرغب ان يكون نسخة محسنة مثلهم ولكن الظروف المعاصرة لحسن الحظ لا تسمح لهم بتكرار العمل نفسه!.
رغم اعتراف اعتماد خورشيد بمحدودية ثقافتها ومستواها التعليمي،الا ان المعلومات الواردة في متن الكتاب هي من الاهمية الى اقصى حد كونها شاهدة عيان على جرائم وحشية حولت بلدها مصر الى سجن رهيب يستمتع الطغاة بتعذيب شعبه حتى جاءتهم الصفعة الكبرى من عدوهم الحقيقي الذي حولوه الى صديق وحولوا احرار شعبهم الى اعداء دائمين لهم!.
مع الاسف الشديد الكثير من الاسماء الواردة في الكتاب ترمز بحرفين من الاسم واللقب وخاصة للمشاهير من الفن والسياسة والذين اما وقعوا ضحية لانياب الاشرار او اجبروا على خدمته او هم من العاملين في الدولة اساسا!،ولكن يستطيع العارف بالحقائق ان يميز بين الاسماء ويعرفها خاصة وان بعضها قد تم كشفه،ولكن حسب معرفتي ان بعض الفنانات مثل سعاد حسني قد تعرضت للاغتصاب والتي اظهرته في تمثيلها الراقي في الفلم الكبير الذي يحاكم تلك الفترة والمسمى الكرنك(1976)،وفنانات اخريات هربن بجلدهن خارج البلاد من صلاح نصر والزمرة التي معه ومن ابرزهن(فاتن حمامة ومريم فخر الدين وغيرهن)واخريات رفضن الخضوع من قبيل شادية ولبنى عبد العزيز،ومن الصحفيين مصطفى امين،ولكن الاكثر غرابة هو ذكرها لكاتبة مشهورة رمزت لها بحرفين وفي نهاية الكتاب وجدت اسمها الكامل وهي سنية قراعة،وكانت دهشتي كبيرة كونها كاتبة اسلامية او على الاقل اديبة وعملت مع اجهزة المخابرات اكثر الاعمال قذارة من تجسس الى قوادة علنية(استدرجت المؤلفة ومئات غيرها!) ثم في النهاية يبقى اسمها محفوظا ومحترما بين وسائل الاعلام الرصينة والتي نشرت لها مقالاتها الاسلامية ! حتى بعد كشف تلك الفضائح لها عام 1968 !! ثم اخيرا وبوقاحة طبعت لها مجلة العربي الكتاب رقم 75 الصادر بداية 2009 والذي يضم مقالاتها المنشورة في المجلة حول سيرة السيدات المسلمات في التاريخ الاسلامي وهي ابعد ما تكون عنهن قولا وفعلا!...ذلك من هوان الدهر ان لايجد الكثير من المبدعين نشر نتاجاتهم العلمية والادبية ويجد الوضاعون ذلك بسهولة،ولولا ثورة الانترنت والتي اعطت المجال والحرية للجميع لنشر كل نتاجاتهم الابداعية وتركت للقراء والمتابعين الحكم بينهن،اقول لولا ذلك لبقينا اسرى تلك العصور المظلمة وهي بحق جاهلية متوحشة ومتلونة لكل العصور والامم !!....(اذكر بسخرية مرة حادثة ذكرت في مجلة الموسم العدد23-24 الصادرة سنة1995 صفحة 422 في سيرة العلامة السيد رؤوف جمال الدين عندما كتب مقالا لمجلة العربي بغية مساعدة قريبه ماليا،فظهر المقال بعد بضعة شهور بالمجلة بأسم سنية قراعة وبشيء من التصرف!)....
بدأت المؤلفة كتابها(الفصل الاول) في الحديث عن اللقاء مع عبد الناصر في اكتوبر 1967 لمدة 6 ساعات متواصلة خصصتها للحديث عما شاهدته بالتفصيل عن جرائم وفساد صلاح نصر والزمرة التي كانت مشتركة معه في تلك الجرائم ،وتحدثت عن حالتها النفسية في مقابلته والاسباب الموجبة لذلك...
اقول:محاولة المؤلفة وآخرين تبرئة عبد الناصر وبعض اركان نظامه هي فاشلة بل هي ضحكا على الذقون،وبالمناسبة لولا هزيمة 1967 وما احدثته من هزة كبرى في مصر والعالم العربي،اجبرت النظام العسكري المصري على تحمل الهزيمة والتي نقلها الى بعض مراكز القوى فيه والتي اشتهرت بسوء السلوك والهمجية في محاولة مفضوحة للهروب من تحمل وزر الهزيمة !ولكن المسؤولية يشترك فيها الجميع دون استثناء للبعض منهم وللعلم ان مراكز القوى وما تقوم به من انتهاكات وحشية لحقوق الانسان والفساد الذي يغطيها،كان مقدرا له ان يستمر الى فترات زمنية اطول لولا النكسة ورغم ان الموجودين حاليا هم نسخة من اركان الفساد المصري الذي حكم البلد منذ 1952 ولكن وجوههم جديدة وحسب المتغيرات الزمنية!...وبالتالي فأن عبد الناصر لو كان حقيقة وطنيا ومخلصا لشعبه لحارب تلك الرموز السيئة قبل 1967 وهو يعلم علم اليقين ماذا تفعل بالشعب المسكين ،ولكن نظرا لكونه المستبد الاكبر منذ بداية المجازر الوحشية لنظامه عام 1954 وما تلاها من هزائم وانتهاكات لحقوق الانسان،فأنه يتحمل مثل البقية مسؤولية تلك الجرائم واذا ازالهم فمعناه انه ازال نفسه!،واذا كان قد فلت من العقاب الرسمي والشعبي في حياته وبعد مماته!! فأنه بالتأكيد لن يفلت من العقاب الالهي الذي لا محال سوف يتعرض له ولكل مستبد واعوانه في تاريخ المسيرة الانسانية،ولن يتأثر القضاء الالهي بالشعارات الزائفة والالفاظ الرنانة التي ينخدع بها الملايين!.
وفي صفحة 29 عبارة هامة لعبد الناصر قالها لاعتماد دون ان يحللها الكثيرون او حتى يقفوا عندها وهي ان عبد الحكيم وصلاح نصر كانا يصوران له ان البلد كلها تريد قتله وهما يحافظان عليه سالما!! فهل سأل نفسه لماذا تريد البلد قتله اذا كان بريئا او قائدا محبوبا! بل في الحقيقة هي فلتة لسان من فم طاغية مازال الكثيرون ورغم جرائمه وتفاهاته الفكرية يجلونه بل ويدعون لتيار يحمل اسمه!! الحقيقة المستخلصة من تلك العبارة ومن الحقائق الموجودة هي انه جلاد كالبقية ولكنه يجعجع بأستمرار ومستغلا ضعف الوعي الجماهيري والخوف المنتشر لديهم منه والفترة الزمنية المثالية التي ظهر بها والتي صادف فيها المد الثوري وسيطرة الاستعمار على اجزاء كبيرة من العالم.
لقد كان الجميع يعلم بالجرائم والانتهاكات والفساد المستشري في مصر ولذلك فمن المستحيل ان نصدق ان يكون اي مسؤولا في الدولة لا يعرف بتلك الانتهاكات ومنهم عبد الناصر ولذلك فهم يتحملون مسؤولية الخيانة العظمى لبلدهم وعلى الجميع محاكمة عناصر ذلك العصر الان حتى يكونوا عبرة لمن يريد ان يكون مثلهم في المستقبل ولتكن المانيا خير مثال لنا عندما حاربت رموز وفكر النازية ومنعته من العودة الى الحياة وبكل الوسائل المتاحة ولذلك نرى نهضتها الحضارية،بينما نرى الدول الاخرى ومن بينها مصر انها لم تفعل ذلك ولاسباب شتى ،وبالتالي البقاء في خانة الدول المتخلفة التي تعيش عصر الديكتاتوريات المتلونة حسب العصر الذي تعيشه وبأسماء شتى ولكن الجوهر واحد!..
وفي الفصول الاولى تحدثت بشيء من التفصيل عن المحاكمة التي جرت لبعض اركان السلطة الامنية والعسكرية والتي كان لها اليد الاولى في فرض السيطرة الارهابية على مصر،ولم تكن تلك المحاكمات المهزلة الا بعد حدوث هزيمة 1967 والتي من آثارها الجيدة انها اطاحت برؤوس كثيرين من المجرمين المتحكمين وان لم تصل الى الرأس الاكبر ولكن حطمت افكاره المريضة!والعجيب ان تلك المحاكمة فرضت حكمها الاكثر قسوة على صلاح نصر في قضية التآمر على عبد الناصر مع عبد الحكيم وبقية الزمرة وكان الحكم 25 سنة سجنا،بينما القتل والفساد والارهاب وقتل عشرات الالاف وانتهاك الحرمات وشرف الكثير من الفتيات كان فقط 15 عاما!!،هذه الجرائم التي لو ارتكب انسان بسيط جزءا بسيطا منها لحكم عليه بالاعدام!اما ذلك الكم الهائل من تلك الجرائم فضلا عن نوعيتها فأن الحكم من السخافة حتى في الدول الغربية التي تتبع قوانين تراعي كثيرا حالة المجرمين وتتسم عقوباتها بالسهولة النسبية بالمقارنة مع عقوبات العالم العربي فهي ايضا تراعي الضحايا وتحكم بعقوبات اشد قسوة على المجرمين،فما بال شخص سادي وشاذ وسارق وشيطان مثل صلاح نصر يحكم بتلك الاحكام الخفيفة ثم يأتي داعية اصلاح العهد الناصري،السادات فيطلق سراح الزملاء ومنهم صلاح نصر عام 1974 بعد ان قضوا في السجن 6 سنوات وذلك بمناسبة الذكرى الاولى لانتصار اكتوبر 1973 المزعوم!...سيرة الحكم العسكري في مصر مليء بالمخازي والجرائم وكذلك بالمجرمين الذين اذا ساء حظهم وقبض عليهم فأنهم محضوضون لانهم سوف يطلق سراحهم بعد فترة قصيرة ومن يدري لعله جراء حسن السيرة والسلوك لعتاة الاشرار الذين لم يتورعوا عن ارهاب شعبهم!...تلك المخازي والمهازل في المحاكم السياسية المصرية والتي مازالت مستمرة لوقتنا الحاضر،هي من اسباب انتشار الفساد والتخلف في هذا البلد،واذا كانت الشعوب الحرة التي تتحرر من قبضة جلاديها،تقوم بعد فترة قصيرة من التحرر بمحاكمة جلاديها وفضح جرائمهم في كل وسائل الاعلام،تكون الحالة في مصر معكوسة!ولذلك جاءت شهرة هذا الكتاب الذي لم يشرح بالتفصيل طرق الارهاب والتعذيب والانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان!
وبالتأكيد ان التستر على تلك الانتهاكات المريعة ولو بأطلاق سراح بعض المجرمين لم يتم الا برعاية كاملة من الرؤوس الكبيرة والتي تستحق نفس العقاب!.
في الكتاب بعض التفاصيل عن سيرة صلاح نصر وبعض مراكز القوى والعملاء وشيء من اساليب التعذيب والتنكيل،وبعض التفاصيل في غاية الدقة، ولكن الذي استوقفني هو عدد ضحايا الحملة الارهابية على الاخوان المسلمين وبالتأكيد شملت الكثير من الابرياء،حيث اذكر العدد كان 18 الف ضحية،وهي تقول ان العدد 119 الف ورغم ان الفارق كبير الا انه قد يكون الرقم من زوجها صلاح نصر وبالتالي يتبين لنا حجم الكارثة الارهابية التي قادها النظام العسكري الاستبدادي المصري ضد فئة هامة من المجتمع،ومازالت ذكريات تلك الحملة الوحشية مرسومة في اذهان الكثيرين،وأن اهملت وسائل الاعلام بمختلف تفرعاتها نشر تفاصيل تلك الحملات البشعة لكون ان المسبب الاكبر وهو الحكم العسكري انه مازال في السلطة ويمنع اي انتقاد الى ماضيه القذر لاعتباره انه يسلب منه شرعيته المزعومة! او يضعه على الاقل في موقف المتهم الذي يستحق اقصى العقوبات لارتكابه ابشع الجرائم.
ولم يستثني النظام اي فئة سياسية او طبقية من المجتمع،فكانت عدالته الاجرامية قد وصلت للجميع،وهي تذكر بعضا من ذلك في سطور قليلة من كتابها،ولم تذكر تفاصيل عمليات التعذيب والقتل والتي بقيت بصورة مؤكدة في مذكرات الناجين من التعذيب او ملفات النظام الامنية،ولكن الشيء المؤكد ان تلك الطغمة الارهابية التي اغفلت الامن القومي والبناء الاقتصادي،وانشغلت بجرائمها الوحشية،كان السبب الرئيسي في انكشاف ذلك في حرب 1967 والتي لو وقعت قبل ذلك بكثير لما تغير شيء،فقد كانت اكاذيب النظام تنتشر في عقول وقلوب البسطاء والممسوخين ولم يكن من الانظمة العربية من يقف لكشفها لان الجانب الاخر من المحافظين العرب كان ايضا منشغلا بالفساد والاجرام ولكن بصيغ وافكار مختلفة!.
ثم ذكرت في الفصل الحادي عشر بعض تفاصيل الصراع السري بين اركان النظام المصري واثر ذلك على البلاد،ولكن الظاهر ان الصراع كان بين الفئة التي تمسك بفروع اجهزة النظام العسكري والامنية من جهة وبين الجهة السياسية الحاكمة والتي بقيت اقرب الى عبد الناصر من الاولى،ولكن هذا الصراع انتهى تقريبا بعد هزيمة 1967 لان المتضرر الرئيسي هو من كان في الواجهة الميدانية واقصد بها القيادات العسكرية والامنية،بينما بقيت الجهة السياسية متمسكة بالحكم وحملت المسؤولية للجهة الاولى!...ولكن مصير الجهة السياسية انتهى بعد انقلاب السادات عليهم في منتصف آيار1971 عندما ازاحهم من مراكزهم في السلطة لينفرد بها لوحده! بعد ان اعتبرهم بقايا مراكز السلطة السابقة.
اغتيال الملك فاروق:
ذكرت المؤلفة وبالتفصيل في الفصل الثاني عشر،كيف جرى اغتيال الملك فاروق المنفي في ايطاليا بواسطة عملاء المخابرات المصرية وبالتعاون مع مدير المخابرات الايطالية وصديقته الايطالية عام 1965،وكان صلاح نصر ينتظر خبر الاغتيال في بيتها!وقد اباح لها بالتفاصيل وهي خرق لعمله السري!.
ان جريمة الاغتيال تلك كلفت الخزينة المصرية مليون دولار في ذلك الوقت!بينما دعاية النظام تبرز كيف دفع الملك سعود الى عبد الحميد السراج المسؤول السوري البارز ايام الوحدة مع مصر حوالي مليوني دولار وكيف سلمها الى عبد الناصر لينفقها في المشاريع العامة!هذا الاعلام والاعيبه.
هذه الجريمة التي وقعت لملك لم يؤثر على النظام منذ تركه البلاد هي وصمة عار في جبينهم،وسرقة كبيرة للمال العام وصرفه في غير محله واهدار الجهد الامني في امور ثانوية لاقيمة لها بينما الامن القومي متروك مما سبب كارثة 1967،هذا بالاضافة الى انه لحد الان لم يعاد له الاعتبار رسميا او حتى ذكر تلك الجريمة ومعاقبة المتسببين بها لان النظام العسكري مازال قائما وبالتالي من غير المنطقي ان يعري نفسه امام الاخرين!.
ثم في فصل اخر كشفت المؤلفة عن الاعيب صلاح نصر والنظام مع الملك السعودي المنفي سعود،وكيف تم ابتزازه ماديا وخداعه واستغلاله!.
وفي النهاية تذكر الحكم التافه على صلاح نصر والغرامة المالية التافهة عليه،مع براءة معاونيه!.
ايهما افضل:
هناك سؤال بسيط وهو ايهما افضل اسرائيل ام النظام المصري العسكري في احترامه لمواطنيه والدفاع عنهم؟!....
اسرائيل طاردت النازيين المتسببين بالمذابح ضد اليهود في كل بلاد العالم،وقبضت على من قدرت عليه وحاكمته بأقصى العقوبات وهي الاعدام،وبقيت تأخذ التعويضات المادية والمعنوية عن مقتل اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
بينما النظام العسكري المصري،وبعد كشف اغلبية الجرائم البشعة في زمن عبد الناصر،فأنه خلال حكمه وحكم خلفاءه من بعده،لم يتم تعويض الضحايا او اعادة الاعتبار لهم او معاقبة المجرمين القتلة باعدامهم او بوضعهم في السجن مدى الحياة،او كشف كل الحقائق للشعب! وكل ذلك مازال قائما لحد الان ومتسببا في خروج اجيال جديدة من القتلة والفاسدين،وبالتالي نتسائل ايهما افضل لابناء شعبه؟!...الجواب متروك للباحث المنصف عن الحقيقة المجردة من كل الدعايات والاكاذيب الرخيصة وتزييف التاريخ والعقول!.
وقد كانت نهاية المجرم صلاح نصر بشعة فقد اصيب بالعمى والشلل ثم توفي في عام 1982 بعد ان سجن مرة اخرى بسبب الدعوة المرفوعة ضده واعوانه من قبل المؤلفة التي فضحت في النهاية بعض الكتاب الانتهازيين.
الكتاب يحمل الكثير من الوقائع المؤلمة من الحقبة الناصرية السوداء،وهو ضروري للقراءة لمعرفة تلك الفترة حتي يتبين للجميع الاسباب الحقيقية للنكسة عام 1967 والمتسببين فيها بغض النظر عن مكانتهم في الدولة والمجتمع.

كشف المصادفة

كشف المصادفة:
في حياتنا القصيرة تقع الكثير من المصادفات والتي بعضها يكون غريبا ويحتاج الى تأمل والبعض الاخر لا يخرج عن السياق العام في المسيرة اليومية،ولكن المصادفة في رؤية صورتين متناقضتين من واقع حياتنا اليومية هو يكون مدعاة للتأمل والتفكير في اسبابها واستخلاص النتائج الهامة منها في استغلال واضح لعقولنا وقلوبنا اذا استدعت الضرورة،ونكتشف من خلال البعض منها خفايا بشعة في جنسنا البشري،رغم امتلاكنا لأكبر كنز في الحياة وهو العقل مع الصفات الانسانية الرائعة من قبيل عواطفنا الطيبة المختبئة في قلوبنا،ولكن كشف المصادفات هو الذي يبين لنا وضاعة جنسنا البشري والمنحدر الذي وصل اليه او بالاحرى الذي هو ملازم له منذ بدء الخليقة...
في مصادفة وقعت لي في يوم واحد من خلال رؤية مشهدين متناقضين من واقع حياتنا اليومية،وليس من شك في المنظرين كونهما مسجلين صورة وصوت،اذا بقي شك لدى البعض في تلك الصور!...
الصورة الاولى :استلمت بالايميل مقطع فيديو صور بالصدفة في احدى البراري مأخوذ من موقع يوتوب وقد شاهده في فترة قصيرة حوالي 44 مليون مشاهد،وفيها قطيع من الجاموس البري يسير بصورة جماعية،ومن خلال المنظر نشاهد الذكر والانثى وصغيرهما يسيران مبتعدين عن القطيع،ويكمن لهم ستة اسود يستطيعان الامساك بالصغير الذي يحاول الهروب الى النهر فيمسك به ايضا تمساح،الى ان تستطيع الاسود اخراجه من فك التمساح بغية اكله،ولكن الاب والام يثيران القطيع ليسير خلفهما حتى يستطيعا في النهاية انقاذ صغيرهما في عملية مثيرة وعلى الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=LU8DDYz68kM

ذلك المقطع المثير يظهر لنا مقدار حجم عاطفة الابوة والامومة لدى الحيوانات التي لاتملك جزء صغير من حجم عقولنا...!!
الصورة الثانية: في موقع البي بي سي عربي،يوجد تقرير فيه لقاء تلفزيوني مع طفلة باعتها امها الى رجل بغية استغلالها جنسيا لفقرها،وحول بيع الاطفال في العراق وتهريبهم للخارج واستغلالهم ابشع استغلال سواء جنسيا او بيع اعضائهم وما شابه ذلك من من الاعمال التي يندى لها الجبين الانساني ،ورغم ان وجود الحرية الاعلامية في العراق الان والتي سهلت لنا اخراج تلك الصور المؤلمة رغم عدم انتشارها بالشكل الذي يصوره الاعلام،ولكن نتسائل كيف الاحوال في بلاد اخرى تعيش تحت التعتيم الاعلامي،او يتغاضى المجتمع عنها بشكل او بأخر،وهي بالطبع الاسوأ في دول العالم الثالث والتي لاتوجد بها قوانين صارمة لحماية الاطفال او يتم التغاضي عن التطبيق كون الحكومات فاسدة حد النخاع والمجتمع يعيش في تخلف واضح يهمل فيه حقوق الضعفاء...
من هذين المثالين البسيطين نكتشف وضاعة جنسنا البشري رغم افضليته على بقية المخلوقات التي تفوقت علينا بعواطف الابوة والامومة،بينما نحن مازلنا نبيع اكبادنا!! وهي صورة بسيطة من حجم المساوئ التي نحملها ونتحملها ونبقى نتحمل وزرها من اناس يعيشون بين ظهرانينا ومن يدري قد يكون من كبار القوم وترفع له القبعات !... اصبح من الصعب التمييز بين الجميع في تلك الاعمال الوحشية التي تمنح مرتكبيها اسوأ الاوصاف السيئة وتمنح جنسنا البشري العار...

2009/05/21

المنتخب من الاخبار

المنتخب من الاخبار:
من قراءة الاخبار تسترعي الانتباه عدد منها والتي تحتاج الى التعليق والمتابعة للتفاصيل والتحليل،والرصد للاخبار لا يحتاج الى متابعة مادام موجود في كل مكان شريط الاخبار وتفصيلاته في كل وسائل الاعلام ولكن تحليل الاخبار وتفكيكه الى اصول وفروع وتأثيرات جانبية اخرى يحتاج الى دراية معرفية ليس بالامر الهين الحصول عليها ولكن في نفس الوقت متاحة للجميع ولمن يرغب،والكثير من الاخبار تمر على الكثيرين مرور الكرام مع شعور المتابع انها ليست بتلك الاهمية خاصة اذا كان متابعا لنوعية خاصة من الاخبار قد تتفق مع ميوله او تخص اعماله…وعموما يختلف الفرد في رغبته في المتابعة والتحليل للمادة المتلقية،ولكن الخطورة تكمن اذا صدق الكذب وآمن به ثم تأتي الكوارث في العمل به!…استدرك تلك المقدمة التحليلية البسيطة بذكر منتخبات من الاخبار اليومية مع شيء من التعليق!….
الخبر الاول: في احصائية مثيرة عن البطالة للمتخرجين من اصحاب الشهادات العليا في السعودية تقول،هنالك 600 حاصل على الدكتوراه ،3000 حاصل على الماجستير،200 الف حاصل على البكالوريوس هم بدون عمل!….
اقول:هذه احصائية مرعبة بحق وهي تمثل خسارة مادية ومعنوية هائلة ومستمرة،وقد يكون هنالك تقصير من العاطلون انفسهم،لكن التقصير الاكبر هو من جانب الحكومة السعودية التي سمحت لحوالي 7 ملايين عامل اجنبي واهملت الخريجين ثم بقية العاطلين الذين لا يملكون الشهادة! واكيد حالهم اصعب وأمر.
المشكلة هي ليست صعبة في ظل وجود فوائض مالية نفطية كبيرة،بالعكس هي تحتاج الى ارادة سياسية وفكر اقتصادي قويان لحل تلك المشكلة وبالتأكيد اذا نجحت الحكومة في خلق طبقة رأسمالية متينة من هذا العدد الضخم من الخريجين فسوف يحتاجون ايضا الى ايدي عاملة وبالتالي سوف يكون استخدام العمالة المحلية الغير مدربة وغير منتهية التعليم امرا اساسيا ثم استيراد عمالة خارجية.
عدم تشجيع الخريجين على بناء مقدرتهم الانتاجية يجعلهم في حالة احتياج دائم للدولة وهي اتكالية كبيرة ليست قادرة على حلها على الامد البعيد مهما كان حجم الفوائض النقدية المتوفرة،بل وحتى لو تم تشغيلها في الدولة فسوف تكون في حالة بطالة مقنعة….اذن الحل الامثل هو تسهيل منحهم القروض وبدون فوائد او بفائدة ضئيلة لبناء مؤسسات انتاجية للبلاد،او بناء مراكز بحثية وتعليمية قادرة على امتصاص عدد كبير مع التغيير في حجم الطلاب الداخلين الى تخصصات بعينها وذلك وفق سوق العمل واحتياجاته المتغيرة…
الخسارة كبيرة جدا ايضا في الزمن المهدور وكذلك في الكلفة الاجمالية في تخريج هذا العدد الضخم والذي هو كنز مدفون تحت الارض من الغبن عدم الاستفادة منه!.
اذا حسبنا فترة دراسة الطالب او الطالبة هي 16 سنة لغاية التخرج وهي بدون سنوات الرسوب مع تقدير الكلفة السنوية وهي 6500 $ وفق اخر ميزانية وبالاسعار الجارية تكون:
203.600 *6500$=1.323.400.000$سنويا
1.323.400.000*16=21.174.400.000$ + الكلفة الاجمالية ل 3000 ماجستير +600 دكتوراه وهي تقدر في السنة اكثر 20000$ *3سنوات ماجستير =216 مليون $ +20000$*2 سنتين للدكتوراه=12 مليون$
المجموع الكلي =21.402.400.000$
مع حساب نسبة خسائر لسنوات الرسوب لهؤلاء وهي اضافة نسبة 10%(تقديرية) الى المبلغ اعلاه،تكون الاضافة 2.140 مليار دولار….المجموع يكون 23.542 مليار دولار.
ومع اضافة خسائر الاهل المادية وقد تقدر بحوالي 20%(على اقل تقدير) وهذا يعني اضافة 4.7 مليار دولار…
اذن المجموع الاجمالي لتكلفة العاطلين الخريجين من اصحاب الشهادات العليا! 28.250.000.000 $ على اقل تقدير وقد تظهر هنالك تكاليف اخرى غير مصنفة .
هذا المبلغ الهائل28.250 مليار دولار هو ثروة مخزونة غير مرئية قادرة على التجدد والاضافة الى الناتج القومي،يضاف لها قوة الشباب والصحة والحيوية والتي تعتبر ذات قيمة مادية ومعنوية غير محسوبة تضاف قيمتها الى تلك المبالغ المهدورة المحسوبة سابقا.
يعني كارثة كبيرة للمجتمع السعودي،وليست هذه الخسائر تتعلق بالسعودية بل هذه الخسائر هي لجميع الدول والتي تعطي احصائيات صحيحة عن البطالة وخاصة للخريجين ولذلك يحتاج الكثيرين الى التوقف والتأمل وبذل اقصى الجهود لحل تلك المشاكل باشراك كل الاراء فيها لاستخلاص اجود النتائج.
الخبر الثاني:ابلغت السلطات العراقية في مدينة النجف الاشرف،العلامة الفقيه الشيخ محمد السند البحراني،بوجود خطة لاغتياله تشترك فيها الحكومة البحرينية في محاولة واضحة لاستغلال الفوضى في العراق.
اقول:هذه العقول الجبارة بدلا من ان تحظى في بلدانها بالرعاية والاهتمام والاحترام والتقدير،هي تنفى او تهاجر الى خارج البلاد مضطرة،بل والاغرب من ذلك انها لا تسلم على حياتها في المهاجر!.
الدول المتحضرة تبذل اقصى ما في وسعها لرعاية المبدعين والبارزين وتحتضنهم كوسيلة لابراز الوجه الحضاري للدولة،ويقف على قمة ذلك الروحانيون الذين يحضون بالاضافة الى ذلك باحترام جمهور عريض في الداخل والخارج،بينما مازالت دولنا تعيش في عصور التخلف والجهل تحت اهداف واهية في الحفاظ على عروشها الخاوية!.
مع الاسف الشديد نفقد الزمن والجهود في اشياء شريرة ونحرم شعوبنا من البناء الذاتي والتقدم ومواجهة مشكلات الحياة الاخرى.
لن يديم بقاء تلك العروش لاطول فترة ممكنة(بأعتبار استحالة البقاء الى الابد وهي تلك سنة الحياة)سوى ان تقيم العدل وتمنح الحرية والمساواة للجميع،وبغير ذلك فأن المصير هو الانهيار المحتوم في ركلة قدم زمنية الى مزبلة التاريخ،فهل يتعظ الرعاع من حكامنا؟!… لا اظن!.
الخبر الثالث:وضع الاتحاد الاوروبي تسعة شركات طيران عالمية في قائمة سوداء ومن بينها طيران الامارات من ضمن 137 شركة طيران تعمل على اراضيه ،تمارس الخداع واستخدام الوسائل غير النزيهة في مواقعها على الانترنت عند اعلانها عن الاسعار والخدمات للزبائن وذلك من خلال فحص شامل لمدة 18 شهر.
اقول: اكتشاف جدا متأخر! من قبل الاتحاد الاوروبي،بل ان زبون بسيط يمكن ان يكشف زيف الادعاءات،فمن خلال الدعاية المستمرة لطيران الامارات والتي استغلت بالفعل نجاحها بعد تأسيسها عام 1985 من خلال شراء اسطول ضخم وفتح خطوط جوية عديدة في كسب الزبائن،ورغم ارتفاع اسعار البطاقات الا ان شهرتها وصلت الى اعلى الدرجات بحيث تفوقت في فترات على الطيران الاول في العالم وهو طيران سنغافورة،الا ان ذلك لم يجعلهم يستمرون في تقدمهم نحو الامام او على الاقل الاحتفاظ بسمعتهم،ومن خلال سفري عليها منذ عام 2001 اكتشفت تلك المكانة المزيفة لهم،واكتشفت مقدار الاهمال الشديد في حماية امتعة الركاب بحيث اصبحت سمة بارزة لهم وكذلك عدم دفع تعويضات للخسائر الناجمة عن ذلك او حتى الحفاظ على مواعيد الطيران او توفير اماكن محجوزة مسبقا!وهي من مواصفات الطيران العالمي وسمة بارزة للتحضر في احترام المواعيد،بل ان ذلك حدث حتى على الرحلات القصيرة،وكان التأخر اكثر من وقت الرحلة ! والغريب في الامر ان ذلك لم يحدث ذلك مصادفة! هذا بالاضافة الى الاهمال في اعطاء بعض الركاب ذوي الرحلات المتعددة بطاقات حجز المقاعد مما يسبب لهم ازعاجا شديدا،وفوق ذلك يقوموا بتغريمهم!بينما في اغلبية الشركات الاخرى تصدر على الفور بطاقة بديلة وبدون مقابل،والخلاصة ان الاعلانات الخاصة بهم وخاصة في العروض المخفظة هي غير حقيقية على الاطلاق! وتستحصل رسوم اضافية او تلغى الحجوزات احيانا مما يستدعي شراء بطاقات اخرى!هذا بالاضافة الى مساوئ اخرى بالتاكيد حصلت مع أناس اخرين لم يستطيعوا الاعتراض او نشر الشكاوى.
الحقيقة التي اكتشفتها ان افضل طيران في كل شيء هو طيران سنغافورة وهو يتفوق بشكل واضح لا لبس فيه على طيران الامارات والتي تراجعت مكانتها وابت الا ان تترك حالة العالم العربي المأساوية لتشذ عنه في التقدم! وقرار الاتحاد الاوروبي حولها صائب كما في بقية الشركات المعاقبة الاخرى التي تمارس نفس الخدع،وكما قيل حبل الكذب قصير!.

طرائف

طرائف:
من اكثر الطرائف والنكات المنتشرة في عالم اليوم هي التي تتناول التغيير في السلوك النفسي والجسدي بين الرجل والمرأة في مراحل متعددة من حياتنا والتي تتناول بسخرية مثيرة للضحك هذا التغيير وهي الاكثر شعبية لدى الجميع وقد تكون وسيلة للتفريج عن الهموم والتي تنشأ من هذه الامور التي تتناولها الطرائف باعتبارها من وسائل النقد الشعبية البسيطة والتي لا تحتاج الى دراسات للتأكد من صوابيتها مادام الجميع يعيشونها واقعيا!….

أسماء الزوجات في بعض موبايلات أزواجهم

مرحلة الخطوبة:
1.
My Love
2.
بيبي
3.
حبي
4.
حياتي
5.
عمري
6.
روحي

مرحلة شهر العسل:
1.
عيوني
2.
قلبي
3.
ميمي (إسم الدلع)


لما يصير عندهم طفلين:
1.
أم فلان
2.
البيت


بعد 5 سنوات زواج:
1.
المحقق كونان
2.
تعال للبيت
3.
مصيبة في الطريق
4.
لا ترد
5.
المباحث
6.
غلطة عمري
7.
ودني لأهلي
8.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
9.
أكلنا هوا
10.
عذاب القبر
11.
البلاء الأعظم
12.
غوانتانامو

2009/05/18

لوحة


الفنان شهراد ملك فاضلي

الحوار ضرورة انسانية

الحوار ضرورة انسانية:
كان الحوار هو موضوع مناقشة الملتقى الفكري الاسبوعي الذي حضرته،وهو موضوع متشعب وعميق ولمختلف المفكرين آراء مختلفة حول تفاصيله لغرض الاستفادة منه في خدمة الحضارة الانسانية،ولتوفير الكثير من الجهود المهدورة في الصراعات التي يمكن توفير الخسائر الناتجة منها من خلال الحوار الجاد العميق الذي يكون بالتأكيد هو خلاصة الحلول السلمية لمختلف المشاكل البشرية.
والحوار هو صفة ملازمة للانسان منذ بدء الخليقة،ولكن اختلف البشر في اساليبه وقواعده كما اختلفوا في النتائج المستخلصة منه،ومن اكثر المستخدمين للحوار واساليبه المختلفة هم اصحاب الفكر والعقيدة والرأي،وعلى رأسهم الانبياء والصالحين،ولذلك فأن الرأي القائل ان الاديان تجمد الفكر الانساني وتقيد العقل البشري من خلال دعوتها للتمسك ببديهيات مسلم بها ولا يمكن الخروج عنها،هي خرافة غير حقيقية الا عند اصحاب العقول الجامدة والتي تدعي انها وحدها صاحبة الحق في اليقين الديني!...ولذلك فأن الاديان السماوية الثلاث تحث البشر دائما على طلب الايمان العقلي والناتج بالتأكيد من الحوار بين بني البشر للوصول الى اسمى الحقائق المطلقة والمبنية اساسا على الناتج المعرفي المنطقي المتراكم،والحصول على هذه المطاليب الضرورية رغم انها واجب على الجميع،الا ان من يسعى اليها هم قلة من بني البشر!ولذلك فأن اغلب ما نراه من ايمان ديني عند اغلبية بني البشر والذي يصل احيانا الى الايمان التام بأنه على حق دائم هو الطريق الخاطئ في التعصب الظاهر والذي يكون على مراحل عديدة يقف على قمتها التكفيريون واتباع الاستبداد في كل مراحل التاريخ،وهو في الحقيقة ناتج من وراثة الايمان الديني او المذهبي او الفكري دون الاطلاع على الاخر وخلفيته الثقافية،وهذا يكون على مراحل ايضا،فقد نجد من البسطاء من لايعمل بها رغم اقتناعه بها وينشغل عنها في حياته اليومية المتعبة،وقد نجد من الطواغيت ايضا من ينشغل عنها في امور ملذاته وشؤون حكمه المتشعبة،بينما نجد آخرين من الطرفين من يعمل ليل نهار على اشاعة التعصب دون ان يفقه ما يتعصب له فعلا!،وبذلك تكون الحاجة الانسانية ملحة وضرورية لفهم الاخر حتى لو على قاعدة المشتركات العديدة حتى يمكن من خلالها نشر فكرة التعايش السلمي وحفظ الكرامة الانسانية للجميع لبناء حضارة انسانية متنوعة يكون جمالها الحقيقي بالفسيفساء المكونة لها.
الحوار بين عامة الناس هو في الحقيقة الاقل انتشارا ولكن الاكثر الحاحا لخلقه بينهم من خلال اشاعته لحفظ الامن والتعايش السلمي،وتكمن قلته لضعف الوعي الثقافي والقدرة على استخدامه بصورة مثلى حتى يمكن الوصول الى النتائج المبتغاة منه ومن اهمها خلق انسانية واعية وحاصلة على ادنى درجات الوعي في داخل كل فرد عادي من المجتمع حتى يمكن تجنب الكوارث الانسانية التي تحصد ارواح البشر وتدمر املاكهم المادية من خلال الصراع المستمر على الوجود والسيطرة،وهذه الصراعات هي التي جعلت البشرية بهذه الاوضاع المأساوية المتدهورة في كل المجالات وخاصة الاخلاقية منها.
نعم لقد فقدت البشرية جزء كبير من تاريخها في خلق تلك المأسي وكان من الممكن توفيرها لبناء حضارة انسانية عظيمة،ويمكن لنا تصور كيف يكون وضع الحضارة الانسانية الان لو لم يكن هنالك ذلك الكم الهائل من الصراعات المهلكة والتي دمرت الكرة الارضية بدلا من تعميرها،وانني على يقين تام ان التطور العلمي الموجود الان كان يمكن ان نراه قبل زمننا الحالي بالاف السنين!.
اما الحوار المطلوب والهام وهو بين قادة المجتمعات بغض النظر عن نوعيتهم ،ولكن فقط مقدار استحواذهم على مكانة عالية في المجتمع،فقد يكون هنالك العلماء او المفكرين او القادة السياسيين او بقية المثقفين،وهؤلاء عليهم مسؤوليات جسام في ضرورة حفظ الانسانية التي عانت كثيرا من جراء الصراعات التي يعود جزء هام منها لسوء قيادة هؤلاء لمجتمعاتهم،ولذلك فأن الحوار بين الطبقات العليا من المجتمع يكون هاما ليس فقط لتهذيب هؤلاء بل حتى في ضرورة ان ينشروا تهذيبهم الى من يتبعهم او يكون ضمن سيطرتهم المادية او الروحية.
مجالس الحوار التي تحدث بين الحين والاخر والتي تسمى احيانا بالمؤتمرات،هي في الحقيقة ليست فقط ضئيلة الكم بل النوعية ايضا،ولذلك تكون النتائج الصادرة منها ضعيفة التأثير حتى في نفوس المشاركين والذين يمضون شطرا كبيرا من حياتهم في الجعجعة الفارغة لبناء حوار بناء بين بني البشر ويؤلفون المصنفات الفكرية لخلق اطار فكري متين حوله يكون قادر على جذب المزيد له،ولكن في لحظات تعيسة بل سوء حظ لكل البشر،يتحول هؤلاء الى متعصبين جهلاء من خلال تبني موقف سيء ناتج من الايمان بفكرة طارئة في غاية السذاجة !...ومن هنا نلاحظ سقوط الكثيرين في مستنقع الجهل والتعصب بعد ان امضوا فترات زمنية طويلة في الدعوة الى حوار انساني شامل لحل كل المشاكل بين البشر.
هذا يعني ان الحوار وتطبيقه في اروع مثال،هو ليس بالصورة السهلة التي يتصورها الجميع بل هي مجاهدة ذاتية نفسية لمحاربة كل ما تدعو اليه الموروثات الفكرية المتعصبة التي ترفض الاخر وتهينه،وهذا ايضا ما نراه في مجالس الحوار وخاصة الاعلامية منها والتي تتحول منذ البداية الى جدال عقيم يبرز فيه المشاركون عضلاتهم الفكرية في تصور خاطئ لطبيعة الحوار والاهداف المرجوة منه.
اصناف المتحاورون:
هنا يبرز السؤال هل ان كل البشر وخاصة في وضعنا الراهن يتقبلون الحوار؟!...
الجواب بكل تأكيد كلا!...فهناك الكثيرين منهم وخاصة الحكام المستبدون هم رافضون للحوار بكل اشكاله وبصورة عملية لاتقبل الجدال وبالتالي اعتقد ان مجال النضال ضدهم ينحصر بالمقاومة السلمية او حتى العنيفة اذا كان لها ضرورة قصوى،لان الركون لهم معناه اضاعة الوقت مع اناس لا يشتركون معنا الا بالاسم،فهم يختلفون عنا في كل شيء وخاصة استحقارهم للبشر والاستكبار على عامة الناس واستعبادهم لهم.
وهنالك الكثير ايضا من الحركات السياسية التي وقعت في مستنقع الضحالة الفكرية والاجرام من خلال رفضها العملي للحوار مع الاخر،واذكر هنا مثال مأساوي حول طلب الحوار مع اناس رعاع لا يفهمونه او حتى لا يحترمون معنى انسانية المتحاور،وهي حركة طالبان الارهابية المتخلفة والتي هي من اكثر الحركات السياسية المعاصرة همجية ووحشية ومن حسن حظ الجميع ان لا تنتشر الا في بلدين منكوبين بها وهما افغانستان والراعية المؤسسة لها والتي ذاقت نتيجة عملها القبيح في دعمها المستمر وهي باكستان!...ففي بداية عام 1995 وعندما بدأت الحركة بالتوسع في الاستيلاء على المزيد من الارض الافغانية بدعم مباشر من قبل باكستان والسعودية،لم تكن الرؤية واضحة حول طبيعة هؤلاء الطلاب الذين حصلوا على تعليم ضئيل في العلوم الدينية والذي ادى في النهاية الى عدم استيعابهم الاسلام بصورته الحقيقية،ولذلك طلب الحوار معهم زعيم حزب الوحدة الاسلامية الشيخ الشهيد مزاري،فماذا كان استقبال هؤلاء الوحوش ذو الوجوه القبيحة له؟!...لقد قتلوه في الطائرة بأكثر من 150 طلقة ثم رموا جسده الشريف من اعلى الطائرة الى الارض لسبب هو غاية في الغباء والتعصب،وهو كونه شيعي المذهب! او المثال الاخر في رفضهم التحاور حول ضرورة ترك تماثيل بوذا وعدم تفجيرها كونها تراث ليس له علاقة بالعبادة لها عام 2001 ،وبذلك ضرب لنا هؤلاء المجرمون درسا وجيها هو ان مجال التعامل مع التكفيريون هو استئصالهم بكل الوسائل المتاحة من مجتمعاتهم المبتلية بهم،والحوار الوحيد هو لانقاذ المغرر بهم.
كذلك توجد هنالك الكثير من الامثلة المأساوية لمثل هؤلاء وخاصة في عالمنا العربي،ومنها المنضوون تحت راية الاحزاب والحركات الشوفينية مثل حزب البعث السابق في العراق والذي رفض الحوار مع الجميع وعمل جاهدا على ابادة المخالفين وكانت النتيجة الطبيعية هي الوقوع في شر اعمالهم من خلال رفض الجميع لهم وطردهم من الحياة العامة ووضعهم في مكانهم الطبيعي المخصص لكل الرعاع في مزبلة التاريخ،ومثال اخر واقعي مستمر هو الصراع المأساوي في الصومال والذي في اغلبيته بين الاسلاميين انفسهم!ثم بعد ذلك بين القبليين في ظاهرة قبيحة من انعدام الوعي وخاصة في المسؤولية الوطنية والاخلاقية،والتي يمكن ملاحظتها في انعدام الحوار بين الاطراف المتصارعة نفسها!...
اذن الحوار هو ضرورة انسانية شاملة لجميع البشر ويمكن من خلالها تجنب الكثير من الاخطاء والمأسي التي تجعل حياتنا جحيما لايطاق،ولكن له شروطه وآلياته واساليبه التي يمكن من خلال استيعابها واتقانها،خلق مجال حواري مثالي يؤدي الى نتائج عظيمة تجعل التعايش الانساني في اروع صورة...
جفت الاقلام ورفعت الصحف وفي العقل والقلب افكار لاتنتهي........!

2009/05/13

بعيدا عن السياسة - حب حتى الموت 2























الفتاة في الصورة الاولى هي كايتي كيركباتريك, وعمرها 21 عاما.. بجانبها خطيبها نيك ذو الـ23 سنة.. اخذت هذه الصورة في زمن قصير قبل حفل زفافهما الذي اقيم في الحادي عشر من يناير عام 2005 في امريكا.. كايتي لديها سرطان مزمن وتخضع لساعات يوميا من العلاج وفي هذه الصورة, نيك ينتظرها حتى تنتهي من جلسة علاجها هذه.











الصورة الثانية











على الرغم من كل الآلام وفشل بعض اعضائها وجرعات المورفين, كايتي تصر على ان يستمر زفاافها وكأن شيئا لم يحدث, وهي تهتم بكل التفاصيل.. كان من الازم تغيير الفستان عدة مرات نتيجة لفقدانها الكثير من وزنها بشكل مستمر





الصورة الثالثة







استخدم في الزواج اداة غير معتادة, وهو انبوب الأكسجين الذي تحتاج كايتي لاستخدامه خلال مراسم الحفل والاستقبال.. في ايمن الصورة والدا "نك" وهما متحمسان ومبتهجان لرؤيتهما ابنهما يتزوج اخيرا من حبيبته ايام الثانوية





الصورة الرابعة



كايتي في كرسيها المتحرك, تستمع ألى اغنية يغنيها لها زوجها واصدقاؤها

الصورة الخامسة



في الاستقبال, تحتاج كايتي ان تأخذ قسطا من الراحة.. الألم لا يدعها تبقى واقفة لفترات طويلة من الزمن



الصورة السادسة
توفيت كايتي بعد 5 ايام من يوم زواجها..عند النظر إلى نساء في حالة مرض وضعف يتزوجون والابتسامة تملأ وجوههن يجعلنا نفكر.... أن السعادة يمكن الوصول اليها, مهما طال الطريق.. ومن الواجب علينا ان لا نجعل حياتنا معقدة بأنفسنا
Life is shortالحياة قصيرة
Break the rulesاكسر القاعدات
forgive quicklyساامح الناس سريعاkiss passionately, love truly
أحب بصدقlaugh constantly
اضحك كثيرا And never stop smilingولا تتوقف ابدا عن الابتساامةno matter how strange life isمهما احسست بأن الحياة غريبة وقاسيةLife is not always the party we expected to beتذكر أن الحياة ربما لا تكون الحفلة التي تنوقعها ان تكونbut as long as we are here, we should smile and be grateful.لكن ما دمنا هنا.. يجب علينا ان نبتسم ونحمد ربنا على نعمنا..










بعيدا عن السياسة - حب حتى الموت


بعيدا عن السياسة : حب حتى الموت
وصلني قبل ايام ايميل من صديق فيه بالصور حادثة حقيقية في امريكا ولكن قبل اربع سنوات اي في بداية عام 2005....حول فتاة مصابة بمرض السرطان المزمن ولكن زميلها في الدراسة والذي احبها بصدق ابى ان يتركها في محنتها...فخطبها اثناء المرض...واستمر معها حتى تزوجها وهي في حالة هزال شديد من المرض الذي لم يتركها طويلا...حيث اسلمت الروح الى بارئها بعد...5 ايام....القصة مثيرة وفي غاية الحزن والالم... وقد بحثت عن تفاصيل القصة في الانترنت فلم اجد تفاصيل اضافية سوى مقاطع من الصور الممزوجة بموسيقى حزينة في موقع يوتوب....
مازالت قصص الوفاء والاخلاص موجودة بكثرة في المجتمعات البشرية ...ولن تموت ابدا،مع تدهور سوء اخلاق اعداد غفيرة من البشر....والمشاركة الوجدانية في الحزن والالم هي دليل قاطع على وحدة انسانيتنا التي مهما حاول الاشرار تقطيعها بمختلف الحجج الواهية ونشرها في صفوف الاخرين...فهي ثابتة مترسخة بجذور عميقة في ارواحنا...لن تكون الفوارق فاصلة حقيقية بين الروح البشرية المتجذرة في ابداننا الفانية...
حب حتى الموت...وحزن وألم


اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثامن والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثامن والعشرون
أذن مالعمل لتحرير مصر من الاستبداد واقامة نظام حر؟!...
اللجوء الى الجيش مرة اخرى في زمن يرفض الانقلابات العسكرية هي لاتغير من الامر شيئا سوى تغيير الوجوه فقط فضلا عن انها مرفوضة ومتناقضة مع القيم الجديدة التي تجتاح العالم المعاصر، فالجوهر ثابت وسوف تأتي زمر عسكرية بنفس العقلية المستبدة،وبالتالي فأن اي خيار يتضمن مشاركة للعسكر هو خيار فاشل بالتأكيد الا اذا كان الانقلاب لفترة قصيرة ثم تسلم السلطة الى المدنيين،وهذا يتطلب جهودا ذاتية من الانقلابيين لمقاومة شهوة الحكم التدميرية وتفهما منهم لواقع وطنهم،او جهودا شعبية للضغط عليهم لتسليم السلطة وهذا الامر مستبعد بسبب حالة اللامبالاة الشعبية للغالبية العظمى من الشعب!...كذلك الخيارات الاتية من بقية مكونات الطبقات الفوقية للمجتمع ايضا فاشلة كما بينا ذلك لان التغيير لن يكون جذريا بل سوف يكون شكلي وبالتالي فأن مصر سوف تعيش بنفس الدوامة من الفساد والاستبداد المقنع.
اذن مجالات الخيار ضيقة جدا،ومع ان مصر من الدول القليلة التي لا يوجد بها تنوع ديني ومذهبي رئيسي يمكن ان يساعد في خلق اجواء التغيير والمشاركة في الحكم،فالشعب يتكون من كتلة عربية مسلمة سنية رئيسية تتجاوز 90% مع 8%من الاقلية القبطية وتبقى نسبة 2%للاقليات الاخرى،وبالتالي فأن مجالات الصراع الديني تبقى محدودة جدا بعكس الاحوال في بلاد اخرى.
الاحزاب المعارضة في مصر لم تجذب الشارع المصري بسبب حالة اللامبالاة المنتشرة لديه مع اسباب اخرى عديدة مثل التخلف وضعف الوعي وانتشار الفقر المدقع بالاضافة الى تركيبة تلك الاحزاب والتي تتزعم اغلبيتها شخصيات سياسية مخضرمة ترفض التغيير هي ايضا فكيف اذا كانت في حالة الحكم!،ومن اهم اخطاء تلك الاحزاب انها ذات ضجيج اعلامي لفظي فقط،فلم تنزل الى الشارع لتحريكه وشحن الوعي السياسي والثقافي فيه،فما عدا حركة الاخوان المسلمين وحركة كفاية وهي حديثة المنشأ،فأن الحركات الاخرى بقيت في ظلال السلطة حتى لو كانت معارضة له!لان النظام اساسا ليس ديمقراطيا فكيف ابقى في دائرة المعارضة الكلامية،فهو نظام مستبد اخذ السلطة بالقوة ولن يتركها الا بالقوة وبالتالي فأن اي معارضة من هذا النوع محكوم عليها بالفشل الذريع لان هذا النموذج من المعارضة يصلح في حالة البلاد التي تتداول فيها السلطة بصورة سلمية،ولذلك جاءت صفة اللامبالاة الشعبية كتعبير ضمني صامت من قبل الاغلبية على المعارضة لكلا الطرفين:الحكومة العسكرية والمعارضة الكلامية. وبما ان النزول الى الشارع وتحريكه على غرار الثورة الايرانية والثورات الحديثة في الجمهوريات السوفياتية السابقة،يتطلب جهودا جبارة وشجاعة فائقة وتنظيمات متمرسة،الا ان ذلك هو الحل الامثل والخيار الافضل ولو على فترات زمنية طويلة خاصة وان الشارع المصري يغلي من الداخل رغم حالة ضعف الوعي المنتشر بخطورة النظام الاستبدادي الذي اكل عمر ثلاث اجيال لحد الان! الا ان هذا الغليان سوف يولد بالتأكيد طليعة ثورية قادرة على العطاء والتضحية لانه ليس لديها شيء تملكه حتى يمكن ان تفقده سوى الوطن الجريح وهي تلك صفة الوطنيين الاحرار الذين يسعون لتحرير اوطانهم بدون ادنى مقابل.من ابرز نقاط الضعف في صفوف المعارضة هي حالات الصراع فيما بينها وخاصة بين الجناحين الديني واليساري وكأنهما يتصارعان على السلطة!وهي من حظوظ الحكم ان تكون معارضة اساسا ضعيفة ثم تنشغل بالصراع فيما بينها او الانشغال بأمور هي في غنى عنها مثل التكفير والخوض في المسائل الفقهية المختلف عليها هذا بالنسبة للتيارات الدينية وانشغال اليساريين في التمسك بالماركسية لدى البعض او معاداة الدين،واستفادة السلطة تكون في اقصى حد لها بالسماح لامثال تلك المعارضات بالعمل السياسي لانها ليست خطرا عليه حتى ولو بنسبة بسيطة،كذلك يمنحه بعض التجميل لوجهه القبيح خاصة من الخارج باعتبار انه يمنح الحريات ولو جزئية للقوى السياسية حتى لا تضطر للعمل السري او يمنح متنفس صغير ليس بذات اهمية للتعبير عن الاراء!.
توجد للقوى المعارضة فرص عديدة ينبغي استثمارها فهي بالاضافة الى سوء الاحوال الاقتصادية والاجتماعية فهناك نسبة كبيرة من الشباب وخاصة المتعلم منهم هم عاطلون عن العمل،والبطالة هي في الحقيقة طاقة جبارة للتغيير الجذري ينبغي الاستفادة منها لاقصى حد لخلق تيار سياسي وفكري في اعلى حالات الضبط والاتحاد في سبيل الحرية المنشودة ولخلق تيار واعي يقود المجتمع،بينما اذا كان التوجه للطبقات الكادحة والمنشغلة بأمور الحياة البسيطة والتي تحمل مؤهلات ثقافية محدودة،هو كالزراعة في الصحراء القاحلة،يحتاج الى جهود جبارة طويلة الامد لانجاحها،وسوف لن يؤدي بنتيجة هامة يمكن ان تؤدي للتغيير الجذري المنشود خاصة في ظل لامبالاة كاملة لما يجري في البلاد منهم.
اغلبية احزاب المعارضة اثبتت فشلها الفكري والتنظيمي والحركي في كافة المجالات،بل ان بعضها تورط في تأييد نظم عربية استبدادية اخرى في مختلف القضايا وهي على نفس شاكلة النظام المصري!او اشتركت في حالة العداء الديني او المذهبي للاخر،وبالتالي فهي خالفت جوهر الحرية والمتمثل في وحدة حالة الصراع مع الاستبداد ايا كان مصدره وشكله ولونه!.
اذن الاحتياج للتغيير الجذري في مصر لن يكون فقط ضد السلطة بل ضد اغلبية الاحزاب الكارتونية التي تعارضه في الشكل وتتحد معه في الجوهر وبذلك يمكن تصور صعوبة العمل في هكذا بيئة تشترك السلطة مع نسبة كبيرة من المعارضة في الجوهر نفسه،ولذلك فأن الاحتياج لحركات معارضة ذات مستوى فكري عالي مستنير ومنفتح على الاخر ويتميز بقابلية حقيقية على المرونة والتطبيق الفعلي لمبادئ الحرية في التنظيم مع النزاهة،هي الحاجة الحقيقية لمصر وبقية دول العالم العربي،وتلك المهمة ليست صعبة كما يتصورها البعض،فالافكار موجودة هي في كل بلاد العالم والفرق بينها وبين البيئة المصرية ليس بذات اهمية كبرى حتى يحتاج الى تنظير جديد،بل ان طرق الادارة في التكوين والعمل السياسي،ثم بعد ذلك في حالة الوصول الى السلطة وادارتها،هي عامة في كل البلاد ومساحة الاختلاف ضئيلة تنحصر بحجم البلد ومقدار المشاكل لديه او اختلاف البنية التكوينية للمجتمع،كذلك التجارب الاخرى سواء السياسية او الاقتصادية للبلاد الاخرى والتي اثبتت نجاحها يمكن الاستعانة بها وليس من عيب او ضير في ذلك،بل على العكس ذلك هو توفير لعامل الوقت والاحتياج الى منظرين جدد حتى يستنبطوا الافكار والاساليب الجديدة للحكم،ولذلك فأن التجارب الانسانية الاخرى هي ملك لجميع الشعوب التي تتوق للحرية المنشودة والهدف الاسمى في بناء حياة حرة كريمة.
اذن لم يبقى سوى المجال التطبيقي لتلك الاراء والافكار،وبالتالي يمكن خلق مناخ تغييري جذري يبتعد عن كل مكونات الطبقات الفوقية وخاصة القوات المسلحة التي ينبغي ابعادها عن العمل السياسي بعد تلك العقود الطويلة من استئثارها بالسلطة والتي لم تحقق للبلاد تقدم في كافة المجالات،وابسط مثال على ذلك انه في عام 1950 كان دخل الفرد الامريكي يعادل 20 ضعفا لدخل الفرد المصري،والان وبعد مرور 60 عاما اصبح الفارق 24 ضعفا!ودخل الفرد المصري حسب الاسعار الرسمية وليس حسب القوة الشرائية هو مايعادل 2100 دولار(المصدر:تقديرات CIA)وهو نفس دخل الفرد الامريكي ولكن في عام 1952،مصادفة غريبة! وهو فارق زمني كبير بين الدولتين،ولم تستطع الحكومات المصرية المتعاقبة من ردم تلك الهوة الشاسعة بين البلدين والتي تحتاج الى جهود كبيرة مضنية للتقليل من اتساعها وليس للمساواة! اما المقارنة مع دول لا تملك امكانيات مصر المادية مثل كوريا الجنوبية وتايوان فسوف نبتعد عنه لانه يثير الحزن والالم على الفارق الكبير معهما رغم ان البلدان السابقان ينفقان على الدفاع اضعاف كثيرة ماتنفقه مصر لوجود اخطار خارجية تهدد وجودهما على الخارطة!،ورغم ان مصر لديها من الميزات الاقتصادية الكثيرة التي تجعلها من الدول المتقدمة اقتصاديا،ومن اهمها توفر المواد الاولية ووجود قناة السويس ودخلها الثابت منها،ووقوعها في منتصف العالم العربي وقارتي اوروبا وآسيا وبذلك تستفاد من ذلك القرب في كافة المجالات،بالاضافة الى تواجد ملايين المصريين العاملين في الدول العربية الغنية والتي تستورد الكثير من المواد المصنعة والزراعية والتي تعجز مصر ليس فقط في امدادها بل في سد حاجتها المحلية!هذا بالاضافة الى القدرات السياحية الكبيرة وتوفر اليد العاملة المدربة بالاضافة الى اعداد غفيرة من الخريجين،وغيرها من المزايا التي تجعلها في مقدمة الدول المتطورة خاصة وان العالم العربي يمتلك من الفوائض المالية الضخمة التي لو كانت مصر دولة متقدمة لاستطاعت استيعابها في اقتصادها الوطني،ولكن نجد وبمرارة شديدة ان مصر تتربع في خانة الدول الاكثر تخلفا وفقرا وفسادا وكل ذلك بعد مرور ستة عقود من زمن الانقلاب الذي بشرها بالخير!!.
ليست المجالات الاقتصادية قد اصيبت بالضرر الكبير من جراء الحكم العسكري المغلف بلباس مدني،بل وايضا الحالة الاجتماعية والتي كانت الظروف السياسية والاقتصادية سببا رئيسيا في تدهورها،والمعدلات المخيفة من المشاكل الاجتماعية تجعلنا نقف كثيرا عندها والتي تحتاج الى جهود جبارة لحلها،كذلك نشوء طبقات غريبة عن الواقع الطبيعي للمجتمع تنتشر في مختلف اتجاهاته ووصلت الى اخطر الاماكن وهي الثقافة وبمختلف فروعها والمؤسسة الدينية التي تتبع النظام مهما كان اتجاهه وهذا يتناقض ليس فقط مع التعاليم الدينية بل ومع الحرية الممنوحة للانسان في هذا الكون وهو مسبب رئيسي للتطرف الديني الذي ينتشر في مصر منذ عقود ولم تستطع القوة والقمع الوحشي اقتلاعه من الجذور.
وفي الختام لم تحقق مصر من جراء انقلاب عام 1952 غير التدهور في كافة المجالات،وقد خلق من المشاكل ما يجعل مهمة القادم صعبة للغاية مع فقدان زمن طويل من تاريخ البلد كان من الاجدر استغلاله لبناء حضارة تعيد لها امجادها السابقة او تضعها على الاقل في مكانة لائقة بين الدول المتحضرة بدل من سياسة اللعب على جميع الحبال واستغلال مصائب الاخرين لتحقيق اقصى فائدة محرمة،ولكن هذه نتيجة التغيير الفوقي للبلد!.



اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع والعشرون
بعد النكسة هبت الدول العربية لمساعدة مصر في اعادة بناء قوتها العسكرية والاقتصادية رغم ان النظام مازال يشكو من قلة الدعم العربي! والذي لو قدم الى بلد مثل كوريا الجنوبية او تايوان لكانتا قد نهضتا منذ فترة طويلة واصبحتا الان الاولى في التقدم الاقتصادي!ولكن سوء الادارة والفساد وعدم وجود الفكر المتحرر لدى قيادات النظام الانقلابي،يحول ذلك القصور الى اتهامات ضد الاخرين!،وبذلك يكفي الاستنتاج بصورة محايدة ان الدول العربية قدمت الى مصر من المساعدات بما يكفي لاقامة اقتصاد قوي وقوة عسكرية كبيرة،ولكن الموجود في الساحة هو اعلام ذلك النظام الذي يشوه الحقائق ويجعل الاباطيل هي الحقائق.
عموما بمساعدة العرب وابناء القوات المسلحة الغيورين امثال الفريق الشاذلي والفريق رياض تم بناء القوات المسلحة بسرعة كبيرة ورغم انها بقيت اسيرة للهزيمة المنكرة وخاصة الحالة النفسية امام بلد لا يشكل سكانه سوى اقل من عشر سكان مصر!،ومع مشاركة الدول العربية وبخاصة سوريا ثم العراق في الجهد ضد اسرائيل،تمت اعادة جزء بسيط من الاعتبار العربي في حرب اكتوبر 1973 والتي كانت نموذجا مثاليا للتحالف مع بلد عربي مثل سوريا،ولكن الحليف هذه المرة وهو السادات هو سوء حظ فعلي لسوريا في تلك المرحلة الحرجة لما عرف عنه من انتهازية مفرطة،فقد كان الاتفاق على الهجوم والاستمرار فيه هو نتيجة لجهود الطرفين،ولكن الذي حدث بعد حدوث المفاجأة والانتصار الوقتي القصير،كان تخطيط السادات وبعض اركان حربه لامر ثاني بمعزل عن الحليف السوري في العمليات العسكرية وذلك في التخطيط للتوقف بعد العبور لمسافة 12كم فقط! وهي حالة غريبة جدا وفي منتهى الغباء وانعدام المسؤولية الادبية امام الحليف السوري،ففي الحروب تستثمر النجاحات وخاصة التي تأتي عن طريق المفاجأة لابعد الحدود ويستمر التقدم لتحقيق اقصى الغايات منه واستثمارها في المفاوضات المستقبلية،ولكن الحالة مع نظام عسكري مستبد انهزم مرتين في السابق يختلف كليا!،وجاء الاستثمار الاسرائيلي لهذا الغباء وخيانة الحليف السوري،لابعد مدى ممكن خاصة في ظل نظام ديمقراطي خاص بهم ويعطي لاجهزته العسكرية والامنية كل الصلاحيات المهنية في الدفاع والهجوم والادارة!وهي امثلة ودروس تستنكف الانظمة العربية الفاسدة وقياداتها العسكرية من الاستفادة منها! ولذلك رأينا تحول الهجوم الاسرائيلي بأتجاه دمشق بعد توقف الهجوم المصري في سيناء عليها،ولم يوقف ذلك الهجوم سوى تدخل الجيش العراقي وبقية القوات العربية الرمزية الموجودة في الجولان،وفي قرار خاطئ ونتيجة للالحاح السوري في اكمال الهجوم،انطلق الهجوم المصري مرة اخرى ليتحول الى هزيمة ثم الى العبور الاسرائيلي في الجهة الغربية لقناة السويس ولتنتهي الحرب بهزيمة عسكرية عربية جديدة مع نصر معنوي محدود وخاصة ارتفاع اسعار النفط،استغلته الانظمة العربية الى ابعد الحدود لتعيد هيبتها المفقودة امام شعوبها المستضعفة!ومع العودة الى طاولة المفاوضات ظهر السادات بوجهه الخياني الصريح لبقية العرب وليعقد معاهدة السلام الذليلة والتي كبلت مصر اكثر مما حررتها كما نلاحظ الان في الخضوع الذليل لاسرائيل والغرب وعدم وجود ادنى مناورة للتخلص من تلك الشراك السياسية التي وضعها بطل الحرب والسلام! كما يصف البعض السادات في خيانة واضحة لاحكام العقل والمنطق والضمير للحكم على اعمال هذا الرجل الذي يكفي التحرر الادبي من المسؤولية الملقاة على مصر امام قطاع غزة الذي كان تحت سيطرتها قبل حرب 1967 وكان على الاقل ارجاع تلك السيطرة او منحه الحق في الخروج من الاحتلال ولكن هكذا نظام متحرر من القيم الاخلاقية والدينية والوطنية لا يمكن تصور في يوم من الايام ان يرجع اليها حتى يمكن ان يساعد غزة في مواجهة الضغوط الاسرائيلية بل ويزيد عليها قسوة حتى امام الابرياء!.
والان كيف يمكن تصور ما وصلت اليه القدرة العسكرية المصرية لبلد يزيد سكانه عن 80 مليون؟!...الجواب البقاء في خانة الدول الضعيفة والمتخلفة،فالصناعات العسكرية المصرية هي بسيطة ولا تسد الاحتياجات فضلا عن التصدير،بينما اصبحت اسرائيل من الدول المتقدمة في الانتاج والتصدير ومنافسة اقوى الصناعات العسكرية في بلاد العالم المتقدمة،اما الميزان العسكري بين الطرفين بعد مرور ستة عقود على انقلاب العسكر واعلانهم شعارهم الفارغ في بناء جيش قوي،هو في جانب اسرائيل بأكثر مما هو موجود قبل عام 1952 وبالتالي ينتهي اخر شعار الى خرافة اسطورية لاكبر نظام عربي!،ويمكن الاشارة الى ان الاجهزة العسكرية والامنية هي في الاساس موجهة للداخل بأكثر من قبل او المساهمة كمرتزق في الحروب الخارجية من اجل المال كما حدث في حرب 1991 ولزيادة المعرفة حول عديد القوات المسلحة المصرية حسب احدث المصادر المعرفية الموثوقة(مثل the world almanac 2006 وايضا the statesman's yearbook 2005 حول القدرات المصرية،فقد ذكر عديد القوات البرية هو 550 الف(320 الف جيش من ضمنهم 250 الف مجند بالاضافة الى 150 الف قوات الامن المركزي و60 الف الحرس الوطني و20 الف حرس الحدود)و29 الف في سلاح الطيران و19 الف في سلاح البحرية،والاحتياطي 410 الف والانفاق العسكري 3.121 مليار دولار لسنة 2002،بالاضافة الى اعداد هائلة غير معروفة من منتسبي الاجهزة الامنية الداخلية والذين يساعدون النظام بابقاء سطوته على اشدها في البلاد.
هذه الاعداد الغفيرة من القوات المسلحة هي غير مبررة اذا كانت هنالك اتفاقية سلام مع اسرائيل والجيران الاخرين هم ضعفاء،وبالتالي تبقى احدى اهم وسائل استنزاف الدخل القومي المصري،الذي يحتاج الى الاموال لتحريك عجلة الاقتصاد،اللهم الا اذا كان للسيطرة على البلاد وعدم السماح للحكم المدني من العودة تحت الاختيار الحر للشعب الذي مل العسكر وأكاذيبهم منذ تسلطهم.
لقد اثبت حكم الجيش المصري لبلاده خلال العقود الماضية،فشله الذريع رغم وجود صلاحيات غير محدودة له في تسيير دفة الحكم حتى لا تتهم المعارضة بأفشال خططه الموضوعة للتنمية والاستقرار،وبالتالي فأن ان تغيير في الحكم يتطلب ابعاد القوات المسلحة نهائيا عنه وتحجيم قدراتها وصلاحياتها نظرا للتاريخ السيء في حكم البلاد،واعادتها الى مكانها الطبيعي في الثكنات العسكرية وعملها الرئيسي في حماية البلاد وامنها،بدلا من حماية النظام وأمنه،بالاضافة الى محاكمة عادلة لكل من شارك في الحكم واساء استخدام سلطاته حتى لو كان في سن التقاعد!.
اي تبرير لسلوك قادة الجيش في حكم مصر خلال العقود الماضية غير مقبول اطلاقا،فأذا كان قد قدم التضحيات في بعض المراحل،فذلك لا يعني مطلقا منحه الحق في حكم البلاد او التدخل في الشؤون السياسية،بل يقتصر دوره وفق القانون على حماية البلاد،وعمليا فقد فشل الحكم العسكري في كل بلاد العالم وليس فقط في مصر،لان الطبيعة التكوينية للضباط والجنود وتربيتهم العسكرية الصارمة،يجعل عملية حكمهم استبدادية بأمتياز امرا لا مناص منه،لتناقضه الواضح مع طريقة الحكم السليمة اذا اريد له النجاح والمتمثلة في انتهاج الديمقراطية والدبلوماسية والمرونة في التعامل وهي مسائل اساسية للحكم.

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس والعشرون
اما الشعار الاخير الذي طرحه الانقلابيون وهو اقامة جيش وطني قوي،فهو جاء بعد هزيمة الجيوش العربية عام 1948 وكرد فعل طبيعي على تلك الهزيمة الشنعاء وعلى فضيحة الاسلحة الفاسدة التي اثبتت الحرب مدى ضعفها وانتهاء صلاحياتها،فقد بدأ الحكم العسكري في بناء القوات المسلحة على اسس جديدة ولكن ليست بحجم الشعارات المطروحة والدعاية المرسومة،فهو لم يبني منذ البداية صناعات عسكرية مثل اسرائيل رغم توفر الكوادر المتعلمة لديه في مصر،بل ان العديد من الدول العربية الغنية كانت مستعدة لاستثمار اموالها لاقامة تلك الصناعات فهي على الاقل سوف تزودها بكل احتياجاتها من المعدات العسكرية الرخيصة،ولحد الان لا توجد صناعة عسكرية مهمة يمكن الاشارة لها في مصر بينما وصلت اسرائيل الى مصاف الدول المتقدمة في الانتاج والتصدير العسكري ولذلك لم يحقق العسكر في مصر لبلدهم اهم هدف وطني وامني ويتمثل في الاكتفاء الذاتي من الاسلحة بدلا من صرف الاموال الهائلة لاستيرادها رغم حجم السكان الضخم والذي يضعها امام مسؤولية عظمى نظرا لتوفر العاملين البشري والمادي العربي،ولذلك يجب القول ان عدم وجود الصناعات العسكرية في مصر هو اكبر فشل لنظام العسكر واستقلاليته الذي لم يعتني ببنيته العسكرية فكيف يعتني ببنيته المدنية!،وبقيت القوانين والانظمة العسكرية الداخلية على تخلفها بالمقارنة مع الدول المتقدمة،وتحديث القوات بقي دون المستوى المطلوب،ورغم التحول في التسليح نحو المعسكر الشرقي منذ عام 1955 فهي في الحقيقة ليست سياسة الاذكياء في التحول لشراء الاسلحة من طرف ثاني،بل الاعتماد على الذات هو الهدف الاسمى لكل من يريد الاستقلال الحقيقي لبلده،كذلك بقيت القوات المسلحة متخلفة في اجتذاب الكفاءات العالية اليها رغم وجودها بكثرة في الداخل،وقد تبين اثر حجم الاكاذيب والضعف الواضح والمستمر في اول حرب يقودها النظام عام 1956 ضد هجوم شنته قوات ثلاث بلدان عليه كان من المفروض تجنبها وتوفير الدماء والاموال من خلال الانتظار لحين الانتهاء من عقد امتياز قناة السويس المنتهي عام 1968 ولم تكن الفترة طويلة حتى يمكن التململ منها او على الاقل تعويض المساهمين في شركة قناة السويس حتى يمكن تجنب خوض حرب غير متكافئة او مستعدة لها وكذلك كان من الضروري ان يكون الاستعداد لتلك الحرب وخاصة مع اسرائيل التي هي في الاساس في حالة حرب معها على اعلى المستويات،ولذلك جاءت الهزيمة العسكرية منكرة لمصر برغم الضجيج الاعلامي لها او للعالم العربي الذي ساندها بينما كانت الهزيمة السياسية للدول الثلاث التي خضعت للضغط الامريكي والتهديدات السوفييتية فاوقفت الحرب،ولذلك انتهت الحرب دون ان تتم محاسبة النظام على اخطائه(ومن يحاسبه؟!) والتي تم حسابها كالمعتاد من الانظمة الشمولية على اساس نصرا لها بأعتبار انها بقيت في السلطة ولم ينجح العدوان في اسقاطها !وهو في الحقيقة نصرا تدميريا على شعوبها وليست على اعدائها الخارجيين! والتقصير ايضا كان كبيرا لان الفترة كانت اربع سنوات والتي يمكن من خلالها بناء القوات المسلحة بسرعة وتجهيزها بما يكفي لردع الاعداء والا فكيف يمكن لزمرة عسكرية ان يفوتها تلك الحسابات العسكرية البسيطة دون ان تعي لها وتحسب حسابها،والادهى من ذلك كيف يقودون دولة بحجم مصر تتنوع احتياجاتها وتحدياتها وهم في اختصاصهم لايفقهون!.
بعد انتهاء الحرب عام 1956 لم يواصل النظام بناء قوته العسكرية بزخم كبير وواضح كحالة المانيا النازية والتي بنت اقوى جيش خلال خمس سنوات فقط !حتى تكون في ادنى المستويات لتلبية الطموحات القومية،وبقيت القيادات العليا بيد القادة الانقلابيين والذي يمتازون بقصر خبرتهم العسكرية(المشير عامر عند رتبة رائد ووزير الحربية شمس الدين بدران عند رتبة ملازم اول وهي رتبهم الاصلية قبل القفز!) بالاضافة الى تجبرهم الوقح على الجميع،وكانت خاتمة اعمالهم المشينة هو الانقياد وراء شهواتهم وترك المتابعة والتطوير لذراع النظام الرئيسية.
وخلال الفترة بين عامي 1956-1967 وهي فترة طويلة كان من الواجب على حكم العسكر في مصر ان يبني اقوى قوة عسكرية في المنطقة وتكون احد اهم نتائج حكمهم القادم من البيئة العسكرية،ويكون مستعدا لاصعب الظروف واكثر النتائج مأساوية في حالة اندلاع حرب اقليمية في منطقة دائما مشتعلة بالحروب والاضطرابات،ولكن النتائج الماساوية ظهرت في نكسة حزيران عام 1967 حيث كانت قمة الغباء قد برزت وهي عدم متابعة العدو والتجسس عليه بدلا من التجسس على ابناء الوطن واذلالهم،ومن المخزي لعبد الناصر وزميله عبد الحكيم وبقية الزمر العسكرية المتسلطة هو عدم اختراق ولو بالخطأ للحدود مع اسرائيل حتى لو كانت طائرة استطلاع ضروري لمعرفة نوايا العدو والتي ذكرها دايان (1915-1981) في كتابه والتي يتضمن ذكرياته وخططه حول حرب 1956 وخاصة بطريقة الهجوم على مصر والتي نفذها بالدقة عام 1967 مما يعني ان الغباء وصل الى درجة عدم متابعة العدو ودراسة خططه او التجسس عليه خدمة لاغراض التوازن العسكري.
بينما انشغل النظام خلال تلك الفترة بحرب اليمن الداخلية والتي استنزفت طاقات البلاد المختلفة وجمدت هناك قوات ضخمة تكبدت خسائر فادحة،بالاضافة الى محاولته بناء صناعة الصواريخ والتي قبرت في مهدها من جانب اسرائيل! ولم يحاول النظام بعدها اعادة العمل في المشروع!،بينما انتجت اسرائيل وبمساعدة فرنسا،اسلحة نووية تمتاز بالضخامة ولم تحاول مصر اعاقته او تدميره بشكل ملموس !!.
بقيت القوات المسلحة مجهزة بكوادر بشرية من المجندين الاميين ونسبة اقل من المتعلمين،ولم تستطع الاستفادة من القدرات التسليحية على اكمل وجه وبذلك تنقلب الاية السابقة للانقلاب المتمثلة بالاسلحة الفاسدة الى القيادات الفاسدة والتي لم تبرز قدراتها العسكرية بمثل ابراز قدراتها الاجرامية في القمع الارهابي للشعب اثناء تلك الفترة،وقد نشرت بعد ذلك العديد من الدراسات العسكرية التي ابرزت الجوانب السلبية في التقصير الواضح في الاستعداد لحرب دولة هي في حالة حرب دائمة معها!،ورغم ان عبد الناصر وبعض القيادات التي بقيت في السلطة بعد النكسة حملت المسؤولية كاملة على قيادات القوات المسلحة امثال عبد الحكيم وبدران وصلاح نصر وغيرهم الان ذلك لا يضعهم في موضع البراءة بل على العكس من ذلك! تكون مسؤوليتهم اكبر وجريمتهم الخيانية اعظم ولكن من يحاكمهم وقوى الشعب الحقيقية مغيبة وفي المعتقلات او تحت سيف الارهاب المسلط الذي لم يرحم احدا آنذاك...
وفي حالة غريبة انفرد بها النظام الديكتاتوري العسكري المصري وهي انه عندما يحاكم مسؤولا مدنيا او عسكريا فاسدا او يديه ملطخة بدماء الابرياء او سرقة المال العام فأن عقوبته في ادنى مستوى تكون له! وفي النهاية يخرج من السجن بعد فترة قصيرة بينما الضحايا يهملون سواء في اعادة الاعتبار او صرف التعويضات اللازمة لهم هذا اذا كانوا محظوظين وبقوا على قيد الحياة! وقد وصل ذلك الى رجال العهد الملكي السابق ايضا وابرز مثال هو رئيس الوزراء ابراهيم عبد الهادي الذي تولى الرئاسة بعد نكبة فلسطين والذي كان مثالا ناصعا للارهاب في العهد الملكي عندما قتل وعذب في السجون عدد كبير من الابرياء وعوائلهم! فقد جرت له محاكمة سريعة بعد الانقلاب وسجن فترة قصيرة واطلق سراحه! بينما المفروض له الاعدام كوسيلة ردع للاخرين وتعويضا معنويا للضحايا،ولكن النظام العسكري المنحرف من اساسه اعتبر اعماله بسيطة لان الجرائم في عهدهم فاقت جرائمه!.
ولذلك لم نشاهد عقوبات قاسية بحق المقصرين والفاسدين المسببين لنكسة حزيران 1967 ومثال على ذلك مدير المخابرات صلاح نصر ووزير الدفاع شمس الدين بدران واللذان اطلاقا سراحهما من السجن بعد سنين قليلة من الرئيس التالي السادات الذي يدعي محاكمة عهد عبد الناصر ورموزه،وفي تقديري ان هؤلاء الذين تمت محاكمتهم هم الطبقة الثانية في اصحاب القرار ولذلك فأن الاعلى منهم درجة ظلوا بعيدين علن المسائلة ماعدا المنشور في وسائل الاعلام المختلفة!وهي لاتقدم ولاتؤخر في ابراز الحقيقة ومحاكمة المجرمين الرئيسيين عن تلك المآسي التي حلت بالشعب المصري ومازالت مستمرة!.
ومن الخطأ الفادح الاعتقاد بأن عبد الناصر او السادات هما نظيفي اليد من تحمل المسؤولية عما جرى،بل يبقى على الاقل ان العقوبات الصادرة بحق من تمت محاكمتهم ثم اطلاق سراحهم هي جريمة لاتغتفر الى هؤلاء نظرا لان الجرائم التي وقعت على يد الذي حوكموا كانت الواحدة منها تكفي لاعدام صاحبها فكيف السجن لفترة قصيرة ثم يطلق السراح بأمر رئاسي!،لذلك يكون من الخطأ ايضا الاعتقاد ان هؤلاء لايعلموا بالفظائع التي جرت على يد الاجهزة العسكرية والامنية لابناء الوطن المعارضين خاصة وان التقارير التي تقدم له تذكر لهم اسماء الضحايا او الذين تم اعدامهم،ويكفي ذكر ان المؤلفات التي قدمت لنا صورة تفصيلة عن تلك الفظائع هي كافية لتجريم كل افراد السلطة العسكرية الغاشمة التي تحاول تبرئة نفسها بنسب ذلك لبعض افرادها،ولحد الان مازالت تلك الطغمة العسكرية تحكم مصر بنفس تلك العقلية المتخلفة والتي عفى عليها الزمن منذ زمن بعيد واخذت الامم الحرة التي تعرضت لها في فترات سابقة من تاريخها بالنهوض مجددا ورمي كل متعلقات تلك الفترات السوداء من حياتها في مزابل التاريخ بما فيها قادة تلك الفترات،بينما نحن نعيش في ظل غيبوبة رهيبة في تقديس اسماء سوداء لاقيمة نهائيا لها،بل تشمئز النفس من ذكرها فضلا عن رؤية تلك الوجوه المكفهرة المتوحشة لاله السلطة الرهيب!!.

2009/05/09

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس والعشرون
اما الشعار قبل الاخير والمتمثل في اقامة عدالة اجتماعية ،فهو جاء في ظرف دولي واقليمي كانت التوجهات فيه يسارية اشتراكية وبالتالي تلقف الضباط الصغار ذوي الخلفية الفكرية المحدودة ذلك لكي يضعوه في اولوية شعاراتهم كوسيلة لكسب الفئات الفقيرة والتي ينتسب بعضهم اليها،او الانتقام من الفئات الثرية دون التمييز بين من هو مخلص للبلد ويمثل الرأسمالية الوطنية وبين ما هو طفيلي يحتاج بعضه الى اقتلاع من الجذور والاخر الى تقليم اضافر بوضع سلسلة طويلة من الاجراءات القانونية التي تنظم الموازنة الدقيقة بين المصلحتين العامة والخاصة.
لاشك في ان بعض اجراءات الانقلابيين رغم تسرعهم فيها هي ايجابية مثل توزيع الاراضي على الفقراء وتوفير العمل لعدد كبير من العاطلين ولكن تم ذلك بمصادرة اموال الكثيرين من الاثرياء وبعضهم بالطبع ابرياء وكذلك مصادرة الحريات الاقتصادية وتعطيل كل رغبة في تراكم رأس المال لدى الفرد المصري الذي اصبح بفعل تلك الاجراءات اتكاليا على الدولة سواء برغبة منه او بدون رغبة ناتجة من الاجراءات القمعية باسم الاشتراكية،وقد ادى ذلك الى منع الاستثمار الاجنبي من دخول مصر لفترة طويلة كون راس المال ايا كان هو جبان ويحتاج الى الامان والذي يأتي من الاستقرار السياسي والاجتماعي وماتجلبهما من صدور قوانين تحترمها السلطة لتنظيم وحماية العمل الاقتصادي الحر،ولم تفلح اجراءات السادات المرتجلة بفتح الباب امام رأس المال الاجنبي عام 1974 لجلبه نظرا للتاريخ السيء في المصادرة وتولي الدولة السيطرة على افرع الاقتصاد الرئيسية بالاضافة الى الخلل السياسي والاجتماعي في الدولة،ولحد الان تعتبر مصر في ذيل القائمة التي تدخل اليها الاستثمارات الاجنبية بأعتبارها بيئة غير مستقرة رغم شدة قسوة النظام المستبد الامنية،لان من طبائع الاستثمار هو وجود مناخ واسع من الشفافية ووجود بنية تحتية قوية وقوانين تحترم الحرية الاقتصادية وتشجع عليه مع استقرار سياسي طويل وهي كلها صفات تبتعد مصر عنها بطريقة او بأخرى ولذلك نجد ان دول صغيرة في حجم مدن كبيرة مثل سنغافورة وهونغ كونغ قد وصلت فيها الاستثمارات الاجنبية في السنة الواحدة حجما يفوق جميع الاستثمارات في داخل مصر خلال عقود من الزمن،لا بل ان دول عربية قد اصبحت نموذجا في جلب الاستثمارات الاجنبية وتفوقت على مصر مثل امارة دبي الصغيرة رغم ان الانفتاح فيها تبع الانفتاح المصري بعدة سنين! وقد فشلت حتى المناطق الحرة التي اعلنها النظام مثل بورسعيد في الوصول الى مراحل بداية تطور موانئ المناطق الحرة العالمية بل واصبحت نموذجا مثاليا لتهريب الاموال والسلع والغش الاقتصادي باعتراف اجهزة النظام نفسه .
خلال العهد الناصري نشأت طبقة طفيلية جديدة بدلا من الرأسمالية الوطنية المنتجة ،ومثل القادة العسكريين والامنين احد اركانها كما ساعد الاتكال على الدولة على ترهلها بشكل فظيع جعل التكاسل عن العمل ووجود اعداد غفيرة من البطالة المقنعة في القطاعات الانتاجية والخدمية العامة،كما ضعف بشكل كبير دعم مبادرات القطاع الخاص لكي ينهض بالاقتصاد والذي تحول في العقود الاخيرة الى قطاع غير انتاجي بل خدمي على الاغلب يمتاز بضعفه الشديد وانتهازيته المفرطة،ولم يحل مشكلة البطالة العالية سوى تحول جزء كبير منها الى الدول العربية الغنية للعمل فيها والتي ساعدت تحويلاتهم على ابقاء الاقتصاد في صورة تبعده عن الانهيار التام،وقد رافق توجه الدولة منذ عهد السادات الى خصخصة الاقتصاد بصورة فوضوية غير مدروسة ولكن كان اكثر المستفيدين هم الطبقة الثرية الجديدة التي جمعت اموالها بصورة غير قانونية خلال فترة قصيرة جدا،وبذلك تخلت الدولة عن دعم قطاعات شعبية كبيرة والتي اخذت تعتمد على نفسها في توفير قوتها اليومي بدلا من العمل الجاد لبناء تراكم رأسمالي يمنحها الانطلاق نحو الحداثة الحقيقية لمجتمع مابعد الصناعي،وهنا نرى ان التفاوت الطبقي اخذ يزداد اتساعا بين الاقلية الثرية والتي لاتسهم بخدمة المجتمع الاكثر فقرا والذي يمثل الاغلبية الساحقة سواء بتبرعاتها له او استخدامها الامثل لرأس المال او حتى دفع الضرائب الحقيقية عليها،وقد نتج من تلك الفوضى الضاربة في اعماق المجتمع المصري الى حصول فوارق طبقية رهيبة بين افراد المجتمع وقد دلت الكثير من الاحصائيات على وجود بضع عشرات من الالاف الاثرياء التي جاوزت ثرواتهم المليون دولار الى جانب خمس الشعب المصري يعيش دون خط الفقر حسب الاحصائيات الرسمية المنشورة بل ان هنالك بضعة ملايين لايجدون قوتهم اليومي وملايين تسكن في المقابر وبيوت من الصفيح في وسط بيئة ملوثة مزدحمة تشتهر بأسوأ حوادث السير في شتى انواع المواصلات العامة والخاصة،كذلك تنعدم وجود اجراءات صارمة من الدولة في حماية الطبقات الفقيرة من حالات الانهيار والتفكك مما يجعل المجتمع يعيش في وضع غير طبيعي اشبه ببرميل بارود لا احد يعرف متى ينفجر او حجم الاضرار التي قد تنشأ من الانفجار الذي سوف يصيب الجميع بالاضرار،ولا يجعل الانفجار خطرا ماثلا للعيان سوى بطش السلطة بكل من تسول له نفسه في الاحتجاج على اهل اللجاج !ومن خلال ذلك العرض المختصر يتبين لنا جميعا ان الشعار المطروح منذ عقود طويلة في العدالة الاجتماعية فارغا من معناه بعد ان اصبح شعار السلطة الحقيقية هو العدالة الاستبدادية والذي يطال الجميع بمعنى ان يكون توزيع الاستبداد عادلا ولكن بالطبع ليس على الجميع بل على الاكثر استضعافا!.

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الرابع والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الرابع والعشرون
من اسس الديمقراطية الحقة هو بناء سلطة رابعة حرة ونقصد بها الاعلام بمختلف انواعه وهو الجهاز الاكثر خطورة في اي بلد من حيث قدرته على التحشيد وكشف الحقائق وتزييفها كذلك قدرته الكبيرة على تدمير خصوم الداخل والخارج،ومع التطور التكنولوجي الحديث توسعت قدرة الاعلام لتدخل كل البيوت بما فيها بيوت البسطاء الذين ينشغلون مع متاعب الحياة لتوفير مستلزماتها الضرورية،وبذلك توسعت قدرة الدولة في احكام سيطرتها المحكمة على المجتمع خاصة اذا كان النظام شمولي الطابع،ولكن في المقابل ومع انفتاح العالم على العولمة الجديدة والتي ساعدها التطور التكنولوجي منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990 فأن سيطرة الدولة قد ضعفت الى حد ما في الجانب الاعلامي وحجب المعلومات وتزييفها من ذي قبل،ولكن بالرغم من ذلك فأن سطوة الدولة وهيبتها لم تهتز سواء في مصر او في بلاد اخرى لان النظم السياسية المستبدة قد استعدت بطرق جديدة لاحكام السيطرة على الشعب مع ذلك التحرر.
استفاد النظام المصري العسكري منذ انقلابه من الاعلام بشكل يفوق استفادة انظمة عربية اخرى ،بل حتى انه انشأ وزارة خاصة للاعلام الموجه بالطبع تمارس الدعاية للدولة والتي كانت في عهد عبد الناصر قومية يسارية وقد صرفت الدولة وما زالت مبالغ هائلة على الاعلام الداخلي والخارجي وأنشات عدد كبير من وسائل الاعلام المختلفة بما فيها الفضائيات والمواقع الالكترونية في السنوات الاخيرة،وقد وصلت قوة الاعلام المصري اوجها قبل حرب 1967 والتي كشفت زيف ادعاءاتها من خلال الجعجعة الفارغة لمظاهر القوة والاستعراض والاكاذيب المتعلقة بكل افرع الحياة،ثم جاءت الضربة الثانية في زمن السادات الذي كشف اخطاء نظام فترة حكم عبد الناصر دون ان يوجد البديل الشرعي والصحيح له! وذلك استمر الخطأ نفسه ولكن بطرق جديدة ووفق النهج اليميني .
لم يكن نجاح الاعلام المصري بين 1952-1967 في داخل مصر،بل كان في خارجها ايضا وخاصة في العالم العربي والعالم الثالث الذي كان يسير نحو استقلال دوله عن الاستعمار الغربي ،وقد حقق عبد الناصر شعبية هائلة ولم تتأثر بأخطاء نظامه الرهيبة!ورغم الهزيمة المنكرة فأن الشعبية وان ضعفت قليلا الا انها بقيت على نطاق واسع حتى ان بضعة ملايين اشتركت في جنازته في مظهر مثير للغاية في كون ديكتاتورعسكري مهزوم يشيع كالابطال الى مثواه الاخير بينما الابطال الحقيقيين وخاصة الذين قضوا نحبهم في سجونه الرهيبة لم يحصلوا حتى بعد رحيلهم على اعادة الاعتبار اليهم او على التعويضات المناسبة!...قد يبرر البعض في كون السلطة العسكرية مازالت قائمة،ولكن مع حرية الاختيار في المشاركة في تشييعه بتلك الحشود الهائلة يتبين ليس فقط مدى فظاعة الجهل والانقياد الاعمى واللاوعي المغطي على استخدام العقل والمنطق المنتشر لدى اغلبية الجماهير المصرية والعربية ايضا التي شاركتها الاحزان في فقدان قائد مستبد مهزوم،بل ايضا في مدى القدرة الهائلة ونتائجها الخطرة للاعلام المصري والذي يصور الاكاذيب على انها حقائق واقعية مع التغطية الاعلامية على كل ثغرة ممكن ان تفتح في جدار الرعب والكذب اللذين بناهما النظام خلال سنين طويلة حتى بعد النكسة الشهيرة!،والمضحك ان عبد الناصر نفسه كان يتابع الاعلام اللبناني ويعتبره الاكثر واقعية في التعبير عن واقع العالم العربي،وبذلك يضرب لنا المثل في مدى كذب ونفاق الاعلام في مصر والذي كان يغطي بصورة تدعو الى الدهشة على اخفاقات النظام وهزائمه بل انه حتى اثناء حرب 1967 والتي لم تستمر سوى 6 ايام ! فقد بقي يظلل الجميع بأكاذيب اصبحت امثال لدى الكثيرين في الانتصارات الوهمية الى ان كشف رأس النظام عن الحقائق المرة واعلن صراحة نيته الاستقالة وقد تكون بطريقة مكشوفة للبقاء في السلطة،خاصة وانه يعرف مدى اقتناع الاغلبية الساحقة بأكاذيب نظامه المستمرة منذ انقلاب 1952 ولذلك رأينا خروج عدد كبير الى الشوارع في مصر وخارجها تطالب القائد المهزوم بالعودة عن استقالته وتتمسك بقيادة لم تجلب سوى الخراب والدمار المادي والروحي لها!.
اما في عهد السادات فقد ضعف الاعلام المصري في ظل التغير الجذري في النهج وساعد في ذلك خروج عدد كبير من كبار الاعلاميين والمفكرين منه وتمردهم على النظام وخاصة اليساريين منهم،ووصل نفوذ وصدقية الاعلام المصري الى ادنى مستوى لها في العالم العربي بعد رحلة السادات المهينة الى اسرائيل عام 1977 وما تبعها من مقاطعة عربية شاملة لها والتي اثرت بصورة واضحة على الاعلام المصري الذي اصبح كالمعتاد مدافعا عن سياسة الرئيس الذي لم يأخذ موافقة الشعب في قراراته المصيرية فضلا عن تمسكه بالسلطة مثل سلفه عبد الناصر!.
اما في عهد مبارك فقد استرجع الاعلام المصري جزءا من قوته ولكن دون مستوى النفوذ والقوة التي كانت في زمن عبد الناصر،وهو وان اخذ يخفف من الاتجاه اليميني المعادي للعرب الاخرين الذين لايوافقون على سياسة مصر الجديدة،الا انه بقي ممسكا بنفس الاسس والاساليب المتبعة في السابق وبخاصة تأييد سياسة النظام بغض النظر عما تقوم به من اعمال قد تخالف ما تدعو اليه من شعارات براقة،مع الاشارة الى تجميل صورة النظام وتسويقها الى الخارج بأعتباره نموذجا مثاليا يقتدى به رغم حالة الانتهازية البشعة المعروفة عنه!.
ورغم ضخامة حجم الاعلام المصري الرسمي الا ان اسسه الهشة الناتجة من تاريخه الطويل في خدمة النظام العسكري المستبد،هي كانت بادية للعيان ولكن دون وجود اعلام عربي قوي قادر على ازالته من عرشه المتهرئ،حتى جاءت الضربة القاضية من دولة صغيرة مثل قطر اكتسحت ذلك الاعلام وكشفت بواسطة قناة الجزيرة وغيرها مدى ضعف الاعلام المصري الذي يتفوق عليه بالحجم دون النوعية،واخذت الجرأة القطرية مدى اوسع في اكتساحها الاعلام المصري الى الاعلام الموالي لمصر والذي يسيطر على الاعلام العربي ككل ونقصد به الاعلام السعودي،وقد اكدت الوقائع ان حرية الاعلام هي السيف الاقوى والسلاح الفتاك القادر على تدمير اي اعلام موجه يختلق الاكاذيب ويعيش عليها مهما كانت حجم الاموال والامكانيات التي وراءه،وبذلك فقدت مصر ليس فقط نفوذها السياسي والذي سحقته حركات مسلحة صغيرة معادية لاسرائيل مثل حزب الله وحركة حماس،بل فقدت نفوذها الاعلامي على يد اول قناة اخبارية عربية تعمل بصورة شبه مستقلة بل وحتى الثقافي الذي بقي في ظاهرة غريبة تحت رعاية وزير لاكثر من عقدين من الزمن في عالم يغير وزراء الثقافة اكثر من غيرهم نظرا لكون الثقافة هي من المجالات التي لايجوز العمل الديكتاتوري فيها بل ان الامر يتطور الى رئاسة المؤسسات الاعلامية والثقافية الاخرى والتي يتربع على قيادتها شخوص مترهلة ولم يبقى في جعبتها من جديد لتقديمه سوى الطاعة والولاء للسلطة ! وهذا يحمل في طياته مدى هشاشة التركيبة السياسية الحاكمة وتخلفها وتمسكها بأساليب عفى عليها الزمن منذ عهد بعيد في جعل الولاء لها هي المقياس الاوحد في التقدير والتكريم ومنح الفرص والعطايا.
من خلال مطالعة الاعلام المصري الرسمي الان،ورغم تاريخه العريق،فأنه يمتاز بضعف شديد الى درجة وصلت فيه ان يكون الاكثر استخداما للكلمات النابية والشتائم ضد كل من يقف ضد النظام او رؤاه السياسية والدينية وقد ظهر ذلك بصورة تشمئز النفوس منها مؤخرا في العداء لحزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله الذي تفوق عليهم رغم محدودية الامكانات الاعلامية بقوة الحجة العقلية والمنطقية والبعد الواضح والصريح عن استخدام نفس اساليب نظام لايخجل من استخدام اشد حالات الوقاحة مع شعبه فكيف مع الاخرين!وقد انزلق في ذلك المسعى المشين عدد كبير من الكتاب والصحفيين المعروف عنهم تاريخهم الاعلامي الطويل،بل وصل الانحدار الى كتاب مستقلون او البعض محسوبون على المعارضة! وهذا الشيء ليس جديدا عليه فقد استخدمه في السابق مع الحركات الفلسطينية المعادية لتوجهات النظام المصري،وايضا مع الاحزاب المصرية المعارضة وتشويه صورتها لدى الرأي العام،والجميع يتذكر تحدي المعارض المصري ايمن نور لرأس النظام في الانتخابات الرئاسية رغم ماهو معروف عنها انها مزيفة!ثم وضعه في السجن في اتهامات هي تليق برأس النظام مبارك قبل غيره! ولكن الملاحظ ان ذلك لم ينفع النظام فقد بقي في جعجعته الاعلامية الفارغة بينما حصل خصومه في الداخل والخارج على احترام عدد اكبر برغم وسائلهم البسيطة في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم الشخصية.
الضعف الاعلامي الرسمي المصري ليس فقط في الامكانيات التكنولوجية فحسب،فرغم كثرة عدد القنوات الفضائية مثلا الا انها قليلة المشاهدة من قبل الرأي العام العربي والاجنبي بسبب نوعية برامجها والمواد المحتواة فيها،وفي محطات يجدر ان تكون دولية نجد ان الاخبار الرئيسية يتصدرها على الدوام الرئيس وزوجته وابنه! وكأن القناة محلية وموجه للداخل فقط وليس للفضاء الخارجي لعرض اخبارهم وتحركاتهم!وهي صفة موجودة حتى في الاعلام الورقي العريق.
وهنا اذكر ان تاريخ الكذب الاعلامي الرسمي المصري ليس حديثا،فعند قراءة الكثير من المقالات السياسية والمعرفية نجد تحريف المعلومات بشكل عجيب الى درجة يتصور كتابها ان العالم يعيش في زمن العصور الاسلامية الاولى حيث تنعدم وسائل الاعلام الحديثة للحصول على المعلومة الصحيحة بالاضافة الى الاستخدام الواسع للالفاظ المحلية في وقت تعبر فيه الحدود الدولية لكي يتلقاها مستقبلي الدول الاخرى،وهو يثبت مدى ضحالة ثقافة ومهنية الكثير من الكتاب واحترامهم لعقول قرائهم ومشاهديهم،ولختام الحديث عن ذلك الجهاز الاعلامي الذي سقط امام وسائل اعلامية صغيرة جدا تمتاز بقوة وصلابة ومهنية منتسبيها،هو انه اشتهر بأنفضاح اكاذيبه بشكل لم يشهد التاريخ له من قبل سوى اكاذيب غوبلز في زمن المانيا الهتلرية،وبخاصة اذاعته الرئيسية المسماة بصوت العرب والتي تعبر عن توجهات النظام الناصري والتي كشفت حرب 1967 عن مدى ضحالة الاعلام العربي الرسمي وخاصة فرعه المصري.

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثالث والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثالث والعشرون
من اهداف الانقلاب المعلنة هي تصفية الاستعمار ،ورغم ان القواعد العسكرية البريطانية كانت في سبيلها الى الزوال بحكم انتهاء التأجير،الا ان الاستعجال الغير مبرر نتيجة للحماس الثوري المزيف هو الذي جعل سلطة الانقلابيين تستعجل خروجهم في محاولة لاستغلال ذلك في دعايتها الداخلية،وبعد الانتهاء من ذلك بدأت سياسة عدم الانحياز منذ عام 1955 ورغم انها كانت واقعية في بادئ الامر الا ان الاعتماد على المعسكر الشرقي جعلها تنحرف قليلا من عدم الانحياز الى ان جاء السادات عام 1970 فحدث التحول الكبير والذي سار في طريقه خلفه مبارك ايضا وهو الانحياز الكامل للغرب وزعيمته امريكا،وبالتالي اصبح شعار عدم الانحياز فارغا لا قيمة له بأمتياز!واخذ استعمار خفي يسيطر على البلاد من خلال التبعية السياسية للغرب الى درجة تفوق تبعية دول خليجية صغيرة تحتاج للحماية الغربية،ويمكن قياس ذلك من خلال التعامل المخزي والمخجل مع قطاع غزة او في التصدي لايران وعدائها الغير مبرر بشكل يفوق احيانا التصدي الاسرائيلي !والذي بين للجميع ان الارادة السياسية للنظام الملكي قبل الانقلاب كانت اكثر استقلالية من كل المؤثرات الخارجية حيث يمكن تقدير عدم المشاركة المصرية في الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء او في المشاركة الفعلية في حرب فلسطين عام 1948 بينما الان لا يستطيع النظام فتح معبر صغير لعبور الاغذية الى اشقاء يشتركون معه في الدين والمذهب واللغة والجوار والانسانية!فأي استقلالية يمكن الحديث عنها الان! وبذلك يكون الشعار الثالث من مبادئ الانقلاب قد فقد ليس محتواه الحقيقي بل اصبحت البلاد مستعمرة بغطاء وشكل جديد يناسب العصر الحديث! ولا يمكن للبسطاء الذين يشكلون الاغلبية ادراك خطورته،اما الطبقات الواعية والمثقفة فأنها منقسمة بين تبعية تامة للدولة والاستفادة من قدراتها خدمة لمصالحها الانية،او القسم الاخر الذي هو مشتت بين الرعب والخوف من اجهزة الدولة الامنية وبين الشجاعة النادرة التي يتحلى بها البعض الاخر .
اما الشعار المتمثل بأقامة ديمقراطية حقيقية في البلاد ،فهو الشعار الاكثر سخفا وتفاهة من ان يحصل ذلك على ايدي ضباط جاؤوا لكي يبقوا في السلطة ويرفضوا بأستمرار التنازل عنها مستخدمين العنف كوسيلة دائمة في البقاء،ويكفي خذلانهم الشعب في عدم اقامة تلك الديمقراطية رغم مرور ستة عقود على ازالة ديمقراطية دستورية تنمو بطريق صحيح ولو ببطء،في استحقاقهم(الحكام الثلاثة واتباعهم الرئيسيين) بجدارة تهمة الخيانة العظمى او عقوبات قاسية للذين كانوا لهم خير عونا في اقامة تلك الديكتاتورية العسكرية الفاسدة وجعلها اخطبوط متوحش له جذور راسخة لا يقدر احد في القضاء عليه او حتى تحجيمها الى الوضع الطبيعي.
خلال حكم عبد الناصر وصل الطغيان اقصى مداه في حالات القمع الوحشي لمعظم الفئات السياسية المعارضة بل وشمل ذلك الكثير من الابرياء وخاصة في انتهاك انسانية وكرامة البشر بشكل غير مسبوق حتى اصبح ذلك سياسة عامة للدولة تتبعها وحسب ظرف مزاجها!،وقد جرى فضح ذلك الديكتاتور واجهزته القمعية على يد خليفته الاخر السادات والذي صور نفسه انه غير مشترك في تأسيس هكذا نظام ! وبالتالي ان اللعبة لم تطول فتحول في آخر أيامه الى مستبد لا يقبل المعارضة توجها بحملة اعتقالات همجية ضد الطبقة المثقفة المعارضة،لم تدم الا اسابيع حتى جاءت رصاصات الرحمة عليه،فتحول الحكم الى الحاكم الجديد الذي استفاد من التجربتين السابقتين في بناء نظام شمولي يسمح بهامش من المعارضة مع ديمقراطية شكلية تتكون من الحزب الحاكم المشهور بفساده وشريحة من التابعين المستقلين الذين يؤيدون النظام في اغلبيتهم مع استبعاد الحركات الرئيسية المعارضة الحقيقية وخاصة حركة الاخوان المسلمين.
خلال حكم عبد الناصر جرى منع كافة الاحزاب من العمل وتحت مبررات واهية،وكما هو معروف انه في حالة انعدام العمل الحزبي والنقابي المنظم فأنه سوف يؤدي بالسلطة الى السير في طريق الحكم الشمولي الخالي من المعارضة التي تقيم مسيرتها وتبرز اخطائها بغية تصحيحها وهي بذلك تعمل لصالح النظام والبلد ككل،ولكن اغلبية الانظمة الشمولية في العالم لاتعي تلك الحقيقة او ترفضها خوفا على كرسيها المهتز،رغم ان بقائها مع معارضة تعينها في مسيرتها خيرا من نفاق ومحسوبية تنهش في جسمها وتصور الامور بغير حقيقتها وعندما تحين ساعة الخلاص المحتوم فأنها اكثر الفارين واسرعهم امام جحافل الثائرين!.
وقد كانت تلك السياسة الخاطئة احد الاسباب الرئيسية في انهيار الوحدة بين مصر وسوريا بعد ثلاث اعوام من قيامها،فقد جرى منع القوى السياسية من العمل في داخل سوريا تنفيذا لشرط عبد الناصر!وفي موافقة بحسن نية،تنازلت تلك القوى السياسية السورية عن حقها في العمل خدمة لهدف اسمى واعظم وهو الوحدة العربية التي بدأت بين البلدين كمرحلة اولية،ولكن فاتهم ان الوحدة تحت اقدام الاستبداد ورعاته هو خرافة مابعدها خرافة،وهومعول هدام يحفر بهدوء للقضاء عليها مستقبلا!،ولذلك انتهت الوحدة بسرعة بعد ان حكمت سوريا بقبضة حديدية جعلت الاغلبية الساحقة تنفر من هكذا وحدة غير مدروسة ولا تراعي خصوصيات البلدين بالاضافة الى ان اهم اساس متأكل فيها وهو الحكم كان غير ديمقراطي ،وبالتالي يكون الاساس الصحيح لبناء اي وحدة وطنية او اقليمية هو الاستناد الى القوة الحقيقية للشعوب والمتمثلة في الخزين الهائل من الحرية والديمقراطية ،ولذلك نرى نجاح النموذج الاوروبي برغم الاختلاف الكبير بين بلدان الاتحاد الاوروبي،وفشل النماذج الوحدوية العربية التي قامت على اسس غير مدروسة وغير منطقية وفق رغبات حكام طغاة مستبدين تتغير غالبا حسب مزاجهم الشخصي!. ولم يستمر الامر طويلا حتى انشأ النظام،الاتحاد الاشتراكي وهو هيكل سياسي فارغ من اي محتوى حقيقي ليكون الممثل السياسي الوحيد للسلطة التي غيرت لباسها العسكري الى مدني،ولكن الحقيقة الناصعة هي ان التغيير ليس في الملابس المدنية او العسكرية،وانما في الاعتناق لمبادئ الديمقراطية الحقيقة واحترام حرية الشعب في اختياره الى ممثليه الحقيقيين في السلطات الثلاث،وبغير ذلك فأن الحديث عن وجود سلطة مدنية في مصر بعد انقلاب 1952 هو غير صحيح اطلاقا،فالعقلية العسكرية هي الحاكمة وبكل صفاتها المتمثلة بالطاعة والانضباط المتسلسل للقادة،بل حتى المناصب الادارية الرئيسية مازالت تحت رحمة العسكر حتى بعد التقاعد من القوات المسلحة! بما فيها الاتحاد الاشتراكي نفسه.
اما في عهد السادات فقد اسس حزب شكلي موال للسلطة يدعى الحزب الوطني الديمقراطي! وهذا الحزب يدعي الوطنية والديمقراطية وهو يحاربهما ويمسك بالسلطة بيد من حديد دون ادنى احترام للاختيار الشعبي،وهوعلى نفس شاكلة احزاب الشاه في ايران والتي انهارت بسرعة بهروبه الشهير اثناء الثورة!،وهذا الحزب هو الذي يتولى الان قيادة الدولة ويمثل الاغلبية البرلمانية ايضا ولكن بأنتخابات مثيرة للسخرية المرة،حيث يمتنع لهزالتها اغلبية الشعب من المشاركة فيها لمعرفته بنتائجها النهائية المزيفة للارادة الشعبية الحقيقية،وقد اصبحت مدار سخرية وسائل الاعلام حتى ان السينما في مصر تناولتها بالتفصيل وخاصة من ناحية انحدار المستوى الاخلاقي والفكري لعدد كبير من نواب الحزب الحاكم الذين يستخدمون حصانتهم ومراكزهم في استغلالها لخدمة مصالحهم الشخصية،ولذلك نجد ان هذا البرلمان ذو الصلاحيات المحدودة جدا هو في الاساس كيان برلماني ضعيف حتى في مدى نزاهته فكيف ممكن ان يراقب السلطة التنفيذية ويقومها اذا اخطأت! بالتأكيد ان ذلك يعتبر من المستحيلات في الوقت الراهن،ولهذا فمن المتوقع ان ينهار هذا الحزب المزيف والشكلي اذا انهار النظام خاصة وان ابن الرئيس الان يقوده في محاولة مكشوفة من النظام لخلافة الرأس العجوز الذي ينتظر الجميع رحيله،بينما هو في الواقع يأبى ان يترك شعبه لحاله بعد ان وضعه بتلك الحالة المزرية،ولذلك فأن الوراثة السياسية التي يرفضها اغلبية الشعب المصري،سوف تكون امرا واقعا في ظل الاستعداد للخلافة والذي يعد له على مدار سنين طويلة من خلال استعداد الابن الامساك بمفاصل الدولة الرئيسية وخاصة الاجهزة الامنية والعسكرية بعد ان تم احكام القبضة بسهولة على الحزب الشكلي الذي يحتوي على اكبر عدد من الموالين للسلطة والذين لايهتمون لخلافة الرئيس بواسطة ابنه بعكس احزاب المعارضة الرئيسية والتي هي منقسمة على نفسها مع تجاهل الاغلبية الشعبية المشاركة فيها خوفا او انعدام الثقة فيها او قدرتها على التغيير،ولهذا يمكن القول ان شعار الديمقراطية الحقيقية هو اكثر الشعارات زيفا لانقلاب 1952 في مصر وبسببه اصبحت البلاد متأخرة في تطور نظامها السياسي الى درجة اصبحت الكثير من الدول الفقيرة في افريقيا وآسيا تتفوق عليها من حيث الشفافية السياسية والانتخاب الحر ومحدودية سلطة الدولة والرئيس وتوزيع السلطات ووجود السلطة الرابعة.