إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/09

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الرابع والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الرابع والعشرون
من اسس الديمقراطية الحقة هو بناء سلطة رابعة حرة ونقصد بها الاعلام بمختلف انواعه وهو الجهاز الاكثر خطورة في اي بلد من حيث قدرته على التحشيد وكشف الحقائق وتزييفها كذلك قدرته الكبيرة على تدمير خصوم الداخل والخارج،ومع التطور التكنولوجي الحديث توسعت قدرة الاعلام لتدخل كل البيوت بما فيها بيوت البسطاء الذين ينشغلون مع متاعب الحياة لتوفير مستلزماتها الضرورية،وبذلك توسعت قدرة الدولة في احكام سيطرتها المحكمة على المجتمع خاصة اذا كان النظام شمولي الطابع،ولكن في المقابل ومع انفتاح العالم على العولمة الجديدة والتي ساعدها التطور التكنولوجي منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990 فأن سيطرة الدولة قد ضعفت الى حد ما في الجانب الاعلامي وحجب المعلومات وتزييفها من ذي قبل،ولكن بالرغم من ذلك فأن سطوة الدولة وهيبتها لم تهتز سواء في مصر او في بلاد اخرى لان النظم السياسية المستبدة قد استعدت بطرق جديدة لاحكام السيطرة على الشعب مع ذلك التحرر.
استفاد النظام المصري العسكري منذ انقلابه من الاعلام بشكل يفوق استفادة انظمة عربية اخرى ،بل حتى انه انشأ وزارة خاصة للاعلام الموجه بالطبع تمارس الدعاية للدولة والتي كانت في عهد عبد الناصر قومية يسارية وقد صرفت الدولة وما زالت مبالغ هائلة على الاعلام الداخلي والخارجي وأنشات عدد كبير من وسائل الاعلام المختلفة بما فيها الفضائيات والمواقع الالكترونية في السنوات الاخيرة،وقد وصلت قوة الاعلام المصري اوجها قبل حرب 1967 والتي كشفت زيف ادعاءاتها من خلال الجعجعة الفارغة لمظاهر القوة والاستعراض والاكاذيب المتعلقة بكل افرع الحياة،ثم جاءت الضربة الثانية في زمن السادات الذي كشف اخطاء نظام فترة حكم عبد الناصر دون ان يوجد البديل الشرعي والصحيح له! وذلك استمر الخطأ نفسه ولكن بطرق جديدة ووفق النهج اليميني .
لم يكن نجاح الاعلام المصري بين 1952-1967 في داخل مصر،بل كان في خارجها ايضا وخاصة في العالم العربي والعالم الثالث الذي كان يسير نحو استقلال دوله عن الاستعمار الغربي ،وقد حقق عبد الناصر شعبية هائلة ولم تتأثر بأخطاء نظامه الرهيبة!ورغم الهزيمة المنكرة فأن الشعبية وان ضعفت قليلا الا انها بقيت على نطاق واسع حتى ان بضعة ملايين اشتركت في جنازته في مظهر مثير للغاية في كون ديكتاتورعسكري مهزوم يشيع كالابطال الى مثواه الاخير بينما الابطال الحقيقيين وخاصة الذين قضوا نحبهم في سجونه الرهيبة لم يحصلوا حتى بعد رحيلهم على اعادة الاعتبار اليهم او على التعويضات المناسبة!...قد يبرر البعض في كون السلطة العسكرية مازالت قائمة،ولكن مع حرية الاختيار في المشاركة في تشييعه بتلك الحشود الهائلة يتبين ليس فقط مدى فظاعة الجهل والانقياد الاعمى واللاوعي المغطي على استخدام العقل والمنطق المنتشر لدى اغلبية الجماهير المصرية والعربية ايضا التي شاركتها الاحزان في فقدان قائد مستبد مهزوم،بل ايضا في مدى القدرة الهائلة ونتائجها الخطرة للاعلام المصري والذي يصور الاكاذيب على انها حقائق واقعية مع التغطية الاعلامية على كل ثغرة ممكن ان تفتح في جدار الرعب والكذب اللذين بناهما النظام خلال سنين طويلة حتى بعد النكسة الشهيرة!،والمضحك ان عبد الناصر نفسه كان يتابع الاعلام اللبناني ويعتبره الاكثر واقعية في التعبير عن واقع العالم العربي،وبذلك يضرب لنا المثل في مدى كذب ونفاق الاعلام في مصر والذي كان يغطي بصورة تدعو الى الدهشة على اخفاقات النظام وهزائمه بل انه حتى اثناء حرب 1967 والتي لم تستمر سوى 6 ايام ! فقد بقي يظلل الجميع بأكاذيب اصبحت امثال لدى الكثيرين في الانتصارات الوهمية الى ان كشف رأس النظام عن الحقائق المرة واعلن صراحة نيته الاستقالة وقد تكون بطريقة مكشوفة للبقاء في السلطة،خاصة وانه يعرف مدى اقتناع الاغلبية الساحقة بأكاذيب نظامه المستمرة منذ انقلاب 1952 ولذلك رأينا خروج عدد كبير الى الشوارع في مصر وخارجها تطالب القائد المهزوم بالعودة عن استقالته وتتمسك بقيادة لم تجلب سوى الخراب والدمار المادي والروحي لها!.
اما في عهد السادات فقد ضعف الاعلام المصري في ظل التغير الجذري في النهج وساعد في ذلك خروج عدد كبير من كبار الاعلاميين والمفكرين منه وتمردهم على النظام وخاصة اليساريين منهم،ووصل نفوذ وصدقية الاعلام المصري الى ادنى مستوى لها في العالم العربي بعد رحلة السادات المهينة الى اسرائيل عام 1977 وما تبعها من مقاطعة عربية شاملة لها والتي اثرت بصورة واضحة على الاعلام المصري الذي اصبح كالمعتاد مدافعا عن سياسة الرئيس الذي لم يأخذ موافقة الشعب في قراراته المصيرية فضلا عن تمسكه بالسلطة مثل سلفه عبد الناصر!.
اما في عهد مبارك فقد استرجع الاعلام المصري جزءا من قوته ولكن دون مستوى النفوذ والقوة التي كانت في زمن عبد الناصر،وهو وان اخذ يخفف من الاتجاه اليميني المعادي للعرب الاخرين الذين لايوافقون على سياسة مصر الجديدة،الا انه بقي ممسكا بنفس الاسس والاساليب المتبعة في السابق وبخاصة تأييد سياسة النظام بغض النظر عما تقوم به من اعمال قد تخالف ما تدعو اليه من شعارات براقة،مع الاشارة الى تجميل صورة النظام وتسويقها الى الخارج بأعتباره نموذجا مثاليا يقتدى به رغم حالة الانتهازية البشعة المعروفة عنه!.
ورغم ضخامة حجم الاعلام المصري الرسمي الا ان اسسه الهشة الناتجة من تاريخه الطويل في خدمة النظام العسكري المستبد،هي كانت بادية للعيان ولكن دون وجود اعلام عربي قوي قادر على ازالته من عرشه المتهرئ،حتى جاءت الضربة القاضية من دولة صغيرة مثل قطر اكتسحت ذلك الاعلام وكشفت بواسطة قناة الجزيرة وغيرها مدى ضعف الاعلام المصري الذي يتفوق عليه بالحجم دون النوعية،واخذت الجرأة القطرية مدى اوسع في اكتساحها الاعلام المصري الى الاعلام الموالي لمصر والذي يسيطر على الاعلام العربي ككل ونقصد به الاعلام السعودي،وقد اكدت الوقائع ان حرية الاعلام هي السيف الاقوى والسلاح الفتاك القادر على تدمير اي اعلام موجه يختلق الاكاذيب ويعيش عليها مهما كانت حجم الاموال والامكانيات التي وراءه،وبذلك فقدت مصر ليس فقط نفوذها السياسي والذي سحقته حركات مسلحة صغيرة معادية لاسرائيل مثل حزب الله وحركة حماس،بل فقدت نفوذها الاعلامي على يد اول قناة اخبارية عربية تعمل بصورة شبه مستقلة بل وحتى الثقافي الذي بقي في ظاهرة غريبة تحت رعاية وزير لاكثر من عقدين من الزمن في عالم يغير وزراء الثقافة اكثر من غيرهم نظرا لكون الثقافة هي من المجالات التي لايجوز العمل الديكتاتوري فيها بل ان الامر يتطور الى رئاسة المؤسسات الاعلامية والثقافية الاخرى والتي يتربع على قيادتها شخوص مترهلة ولم يبقى في جعبتها من جديد لتقديمه سوى الطاعة والولاء للسلطة ! وهذا يحمل في طياته مدى هشاشة التركيبة السياسية الحاكمة وتخلفها وتمسكها بأساليب عفى عليها الزمن منذ عهد بعيد في جعل الولاء لها هي المقياس الاوحد في التقدير والتكريم ومنح الفرص والعطايا.
من خلال مطالعة الاعلام المصري الرسمي الان،ورغم تاريخه العريق،فأنه يمتاز بضعف شديد الى درجة وصلت فيه ان يكون الاكثر استخداما للكلمات النابية والشتائم ضد كل من يقف ضد النظام او رؤاه السياسية والدينية وقد ظهر ذلك بصورة تشمئز النفوس منها مؤخرا في العداء لحزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله الذي تفوق عليهم رغم محدودية الامكانات الاعلامية بقوة الحجة العقلية والمنطقية والبعد الواضح والصريح عن استخدام نفس اساليب نظام لايخجل من استخدام اشد حالات الوقاحة مع شعبه فكيف مع الاخرين!وقد انزلق في ذلك المسعى المشين عدد كبير من الكتاب والصحفيين المعروف عنهم تاريخهم الاعلامي الطويل،بل وصل الانحدار الى كتاب مستقلون او البعض محسوبون على المعارضة! وهذا الشيء ليس جديدا عليه فقد استخدمه في السابق مع الحركات الفلسطينية المعادية لتوجهات النظام المصري،وايضا مع الاحزاب المصرية المعارضة وتشويه صورتها لدى الرأي العام،والجميع يتذكر تحدي المعارض المصري ايمن نور لرأس النظام في الانتخابات الرئاسية رغم ماهو معروف عنها انها مزيفة!ثم وضعه في السجن في اتهامات هي تليق برأس النظام مبارك قبل غيره! ولكن الملاحظ ان ذلك لم ينفع النظام فقد بقي في جعجعته الاعلامية الفارغة بينما حصل خصومه في الداخل والخارج على احترام عدد اكبر برغم وسائلهم البسيطة في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم الشخصية.
الضعف الاعلامي الرسمي المصري ليس فقط في الامكانيات التكنولوجية فحسب،فرغم كثرة عدد القنوات الفضائية مثلا الا انها قليلة المشاهدة من قبل الرأي العام العربي والاجنبي بسبب نوعية برامجها والمواد المحتواة فيها،وفي محطات يجدر ان تكون دولية نجد ان الاخبار الرئيسية يتصدرها على الدوام الرئيس وزوجته وابنه! وكأن القناة محلية وموجه للداخل فقط وليس للفضاء الخارجي لعرض اخبارهم وتحركاتهم!وهي صفة موجودة حتى في الاعلام الورقي العريق.
وهنا اذكر ان تاريخ الكذب الاعلامي الرسمي المصري ليس حديثا،فعند قراءة الكثير من المقالات السياسية والمعرفية نجد تحريف المعلومات بشكل عجيب الى درجة يتصور كتابها ان العالم يعيش في زمن العصور الاسلامية الاولى حيث تنعدم وسائل الاعلام الحديثة للحصول على المعلومة الصحيحة بالاضافة الى الاستخدام الواسع للالفاظ المحلية في وقت تعبر فيه الحدود الدولية لكي يتلقاها مستقبلي الدول الاخرى،وهو يثبت مدى ضحالة ثقافة ومهنية الكثير من الكتاب واحترامهم لعقول قرائهم ومشاهديهم،ولختام الحديث عن ذلك الجهاز الاعلامي الذي سقط امام وسائل اعلامية صغيرة جدا تمتاز بقوة وصلابة ومهنية منتسبيها،هو انه اشتهر بأنفضاح اكاذيبه بشكل لم يشهد التاريخ له من قبل سوى اكاذيب غوبلز في زمن المانيا الهتلرية،وبخاصة اذاعته الرئيسية المسماة بصوت العرب والتي تعبر عن توجهات النظام الناصري والتي كشفت حرب 1967 عن مدى ضحالة الاعلام العربي الرسمي وخاصة فرعه المصري.

ليست هناك تعليقات: