إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/10/29

من اسفار المكتبة:السفر الخامس


من اسفار المكتبة:السفر الخامس
لاستعراض الكتب اهمية بالغة،فهي من ناحية تستعرض اهم الافكار والاراء والنصوص الواردة في الكتب مع تذييلها بهوامش وتعليقات نقدية وتحليلية تكون نبراسا لبناء فكري جديد او اضافات تراكمية جديدة، ومن ناحية اخرى فأنها توفر على من لم يحالفهم الحظ بأقتناء نسخة من الكتاب،الاستفادة من زبدة المتن فأذا اراد الاستزادة فعليه بالبحث عن النسخة الورقية او الالكترونية واذا لم يشعر بالفائدة المرجوة فسوف يوفر وقته الى نصوص اخرى في ظل وجود عدد غير محدود من الكتب والبحوث في العالم مع قصر عمر الانسان للتعرف على كافة امهات الكتب والموسوعات الاصلية هذا في حال كونه قارئا متابعا الى اقصى الدرجات! اما اذا كان مثل الغالبية التي لا تقرأ أو لايعنيها متابعة اخر النتاجات المعلوماتية والمعرفية والتدقيق في القديم لتطوير الذات فهي ايضا محظوظة من خلال التوضيح بعدم الاقتناع الاعمى اذا ما طرحت عليها افكار ونصوص هي في ظاهرها البنائي قوية البرهان الاستدلالي والنتائج لانه قد يكون هنالك افكار ورؤى اقوى منها ولكنها غائبة عن اليد مما يعني ضرورة التريث لحين الاطلاع على الاراء الاخرى،لان النسبة الغالبة من المتعصبين هم اما غير قراء اصلا او قراء لجهة واحدة!.
الكتاب: انت تفكر...اذن انت كافر! ...
تأليف سلوى اللوباني...الكتاب طبعة بيروت 2009 من القطع المتوسط والورق الخشن ويتألف من 135ص.
عبارة الكتاب محورة من المقولة الشهيرة لديكارت(1596-1650)...انا افكر اذا انا موجود...والمقصود بأن التفكير في العالم العربي اصبح في العصر الحديث جريمة يعاقب عليها الاتهام بالتكفير ومشتقاته مثل الزندقة والخيانة والانحراف وغيره!...
الكتاب يصنف ضمن كتب المقالات والتي عرفناها سابقا،وجميع المقالات نشرت في موقع ايلاف الالكتروني بين عامي2007-2009...وبما ان الموضوع هو قديم وايضا كبير في المضمون ولا يمكن اختزاله في مقالات او كتاب واحد فعليه يكون الاستعراض لنصوصه غير كافي خاص في ظل وجود عدد كبير جدا من المبدعين المنسيين ويحتاج كل فرد منهم الى فصل ان لم يكن كتاب يسرد سيرته الذاتية او يستعرض فكره ومعاناته!.
فكرة الكتاب كما ذكرتها الكاتبة هي لفت انظار المسؤولين لما يجري للمثقفين بشكل عام في العالم العربي من تغييب ونفي وتكفير! وهي محاولة لمساعدتهم في ظل تلك الظروف القاهرة التي تقتل الابداع في مهده! وقد ظهرت بادرة ايجابية من وراء تاثير الكتاب من خلال تأسيس اتحاد للكتاب العرب يحاول مساعدتهم في محنتهم، كما ولحسن الحظ ايضا ذكرت المؤلفة انها بصدد كتابة جزء ثاني لان هذا الجزء ليس كافيا بالمرة لاثارة مواضيع تحتاج الى دراسات ضخمة للتقصي والتحليل ثم اعطاء التوصيات والنتائج، ولذلك ينبغي عند كتابة الجزء الثاني البدء في توسيع بحوث الجزء الاول واخراجها من صفة المقالات واللقاءات مع بعض المثقفين العرب،الى صفة البحوث الطويلة ذات الطبيعة التحليلية المعمقة وبالرغم من ان ذلك سوف يحتاج الى جهد وصبر وحيادية والالتزام بقواعد البحث العلمي المجرد الا ان ذلك هو واجب تطويري لا يمكن الاستغناء عنه!.
هنالك ايضا ضرورة تصحيح بعض المعلومات الخاطئة التي وردت سهوا وقد يكون مطبعيا،مثل خطأ عمر وتاريخ وفاة نجيب سرور والصحيح هو 46 ووفاته عام 1978،او القانون الذي صدر عام 1961 في عهد عبد الناصر والذي منح مجمع البحوث الاسلامية الرقابة وليس عام 1921(ص71)...كما ان استخدام اللهجة العامية في الفصل الثاني في المبحث الثاني المسمى:مش قادرة استنى...الحرية! هو يضعف مستوى الكتاب وبخاصة الجانب الفني من ناحية الجمال اللغوي،فيستحسن الاقتصار على الفصحى لكونها الجامع الاوحد بين متحدثي وكتاب العربية في العالم وهي ذات جمال لا يمكن مقارنته باللهجات المحلية الضعيفة والثقيلة في القراءة!.
يتألف الكتاب من ثلاثة فصول...الاول مصائر بعض المثقفين كالمرض او الانتحار،وايضا كرامة المبدع وتسول علاجه وتجربة السجن للبعض... وذكرت بعض الحالات التي هي بالمقارنة مع اخرين لم تذكرها في الكتاب، يمكن وصفها بالقول انها حالات شبه عادية في المجتمعات العربية! وهي اخذت حقها لفترة معينة من الشهرة والنشر،بينما الحالات الاخرى هي مرعبة بشكل لا يمكن وصفه وبخاصة الاعدام الجسدي والمعنوي وعدم وجود اي نصوص تدوينية محفوظة عنها!...والكاتبة ذكرت اكثر الامثلة عن مصر وبررت ذلك بأنها الاكثر عربيا من حيث العدد!...وفي الحقيقة ان حال المبدعين في مصر يعتبر افضل بكثير من بلاد عربية كثيرة تفوقت عليها من حيث الكم الهائل من اضطهاد وابادة مبدعيها بطرق اقرب للوحشية الهمجية،ولا يمكن وضع مصر الا في خانات الاقل اضطهاد في العالم العربي بالرغم من انها دون الحد الادنى للمستويات العالمية المقبولة!...فأكثر الدول العربية بلا منازع ابادة جسدا وفكرا وذكرا لمبدعيه هو العراق! وبخاصة في فترة الحقبة السوداء بين عامي 1963-2003 حيث كان الحكم البعثي هو اسوأ الحقب التي مرت عليه في التاريخ المعاصر،واي تغافل سواء من المؤلفة او غيرها بقصد او بدون قصد لذلك الكم الهائل من المبدعين والعباقرة الذي اغلبيته مجهول يعتبر اهانة ادبية واخلاقية كبرى لا تبرر ابدا لهم،ويمكن رؤية الكثير من المصادر المرئية والمسموعة والمكتوبة التي انتشرت بعد سقوط صدام عام 2003 للاثبات وعلى سبيل المثال ذلك الشاعر الذي اعدم في شريط فيديو من خلال وضع المتفجرات في جيبه! هذا بالاضافة الى سلب الجنسية وكافة الحقوق المدنية من عدد اخر ضمن مئات الالوف!...وبعد العراق تأتي بقية الدول بفارق شاسع! مثل ليبيا وسوريا وتونس والسعودية واليمن والسودان والمغرب الخ من القائمة!...
ذكرت المؤلفة(ص29)رسالة الدكتوراه لسعيد بن ناصر الغامدي لتكفير اكثر من 200مبدع عربي ويقع في 3 مجلدات ضخمة صدرت عام 2003 تحت عنوان(الانحراف العقدي في ادب الحداثة وفكرها) وانتقدته بشدة...وللتعرف على مضمون ذلك الكتاب انزلته من شبكة الانترنت وقرأت فيه فصولا واطلعت على اخرى،وفي الحقيقة ان تلك الرسالة تعبر عن الرأي السلفي المتشدد السائد في السعودية من جهة وتحمل في الكثير من صفحاتها عبارات السب والشتم والاتهام بمختلف الالفاظ من العبارات الغير لائقة بالبحث العلمي المجرد والدراسات الاكاديمية بالخصوص،كما وتضمن مباحث مختلفة كالفلسفة وغيرها ونقدها وليس فقط الادب وتجاوز نقده الى المذاهب الاسلامية الاخرى والنزعات الصوفية! والادباء المنتسبين اليهما سواء بالوراثة او بالتأثر! وخرج كثيرا عن بعض الحقائق كنسب الكفر والانحراف وغيره لبعضهم كما ان بعض النصوص الادبية التي انتقدها لا تؤدي بالضرورة الى فساد والحاد صاحبها وانما يقتضيها العمل الادبي والفني وضروراته،فمثلما يتناول الفقيه كافة المسائل الفقهية التي فيها دلالة على وجود مفاسد في المجتمع ويصدر حكمه عليها، فالاديب ايضا يقوم بتصوير الحالة الكلية والفردية في المجتمع من كافة الاتجاهات، وعليه فقد كان متطرفا في بعض ما جاء في الكتاب واعتمد كما لاحظت على مصادر عديدة تدعم رأيه بينما ذكر ايضا حالات الحاد وفساد صحيحة ولا يمكن تبريرها بأي حال من الاحوال ويتحمل اصحابها المسؤولية كاملة عليها،كما ويجب القول بأن بعض المؤيدين للمذاهب الادبية والفكرية ليسوا بالضرورة موافقين على التوجهات السلوكية او حتى الاتجاه نحو الالحاد وغيره عند مفكريهم الا في حالات التصريح بذلك،مثل تأييد الاشتراكية دون الالتزام بألحاد بعض مفكريها...
لا يمكن اختصار العباقرة والمبدعين بصنف الادباء او حتى العلماء في العلوم الطبيعية والانسانية لانه هناك الكثير من علماء الدين المجددين والمفكرين الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل قول كلمة الحق والدفاع عن الحريات والكرامة المهدورة وبالتالي فأن اي بحث مستقبلي يجب ان يتضمن تلك الشخصيات بالرغم من ذكر الكاتبة لسيد قطب فقط!.
في الفصل الثالث،تناولت المؤلفة عدد من القضايا ولكن عن طريق استبيان اراء بعض الكتاب والادباء،مما يعني انها اختارت ارائهم المتنوعة للجواب على الاسئلة المطروحة وبالتالي عليها في الجزء الثاني واجب ابداء الرأي المفصل الخاص بها في تلك المواضيع،من قبيل نص المبدع ام سلوكه الشخصي؟ وهو الذي تناولناه في مقال سابق،والثقافة العربية بين التضخيم والتعتيم، والجنس في الرواية السعودية وغيرها،ولكن الموضوع الاهم هو العلاقة بين الدين والابداع وهل يلتقيان؟...وقد شارك في الاستطلاع عدد من الكتاب العرب وطبيعي ان اجوبتهم كانت تلائم خلفياتهم الايديولوجية والفكرية،وقد تكون عبارات البعض اكثر قربا من حيث الدقة مثل الفهم المستنير للدين (علاء الاسواني)او الرأيين المتعارضين في صفحتين متقابليتن(76-77) الاول لنور الدين الحارثي:الدين قمة الابداع،وهو عبر بدقة اكبر من الرأي الاخر للباحثة التونسية رجاء بن سلامة والمجاهرة بعدائها للدين! عندما عبرت بخطأ نابع من تفكيرها المسبق:التنافر بينهما مستمر الى اليوم! وهي محاولة للربط بين السلوكيات الخاطئة لبعض المنتمين للتيارات الدينية الذين يجتهدون حسب خلفياتهم الفكرية والمذهبية وبين الدين ككل!الذي يتسع لكافة التيارات والمذاهب!.
وفي القسم السادس من الفصل الثالث تناولت دور مصر الثقافي سابقا واليوم وغدا،من خلال استبيان اراء بعض الكتاب العرب،ولقد عبر بدقة اكبر الناقد صلاح فضل عندما قال ان الثقافة لا تعني قوما بذاتهم،كما عبر بطريقة اخرى الكاتب السعودي هاني النقشبندي بقوله:مصر هي التي تعطي اليوم الفرصة لمن لم يحظ بها في وطنه...والعبارة الاخيرة كافية للدلالة بأن مجال الحريات الموجودة في مصر يفوق اغلب الدول العربية ماعدا لبنان،ولذلك برز هذا الكم الهائل من المبدعين على ارضها سواء اكانوا مصريين ام عربا اخرين،ولو كانت الانظمة المصرية المتعاقبة بمثل قسوة الانظمة العربية الاخرى لما رأينا اساسا ذلك الانتشار الكثيف على ارض مصر،هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان الكثافة السكانية لمصر تدل على ان نسبة المبدعين لديها اقل من بعض الدول العربية الاخرى اذا قسمنا العدد الاجمالي للمبدعين على عدد السكان بالرغم من عدم وجود ارقام لهكذا نوع من الاحصائيات! وعموما فأن نسبة المبدعين المصريين الى المجموع العام في العالم العربي الان اقل من السابق بسبب انتشار التعليم والانفتاح في عدد من الدول العربية التي كانت تعاني من انتشار الامية وضعف وسائل الاتصال قبل بضعة عقود من الزمن مثل دول الخليج والمغرب العربي.
الكتاب يحمل رسالة مؤثرة لحمل هموم المبدعين في عالم يتجاهلهم بل ويضطهدهم لادنى الاسباب! وهو جدير بالقراءة والتوسع فيه ضرورة لا غنى عنها،كما ان البحث في هذا الموضوع المتشعب الابعاد من وجهات نظر متنوعة هو لرفع حالة الغبن والنفي والاستهزاء والتمييز من فئات ينبغي ان تكون لها الريادة في المجتمع لا ان تكون في اسفل السلم! والبحث بموضوعية عن كافة الوسائل الكفيلة للخروج من جميع السلبيات...

2010/10/25

رسالة الادب


رسالة الادب
في بداية عام 1984  وعلى اثير موجات راديو بي بي سي،انتقدت مارغريت تاتشر وبشدة ما جاء في رواية 1984 لجورج اورويل(1903-1950) التي كتبها عام 1948 وتوقع ظهور عالم رهيب من خلال سيادة الانظمة الشمولية في الغرب واستلاب انسانية الانسان وتحويله الى ماكنة خاضعة للنظام الابوي الحاكم! وقد كان تأثير الحركات الفاشية والشيوعية في اوروبا باديا على كتاباته الروائية الناقدة وبشدة وبخاصة روايته الشهيرة الاخرى: مزرعة الحيوان!... واعلنت تاتشر ما مضمونه ان الديمقراطية والحرية اصبحت متجذرة في عقل الغربي ووجدانه وان المجتمعات الغربية لا تسمح ابدا بعودة الديكتاتوريات الشمولية مرة اخرى، ولم يقف الامر عندها بل شاركها في الاعلان والرأي كل من ريغان وعدد من الزعماء الغربيون وبعض وسائل الاعلام! بالرغم من انها رواية خيالية لكاتب توفي منذ عقود طويلة،وحينها تسائلت هل للادب مثل ذلك التأثير والسطوة بحيث ينشغل مسؤولون كبار عن مسؤولياتهم المعاصرة في الرد على رواية قديمة ويساهم بالنقد والتحليل ايضا المثقفين ووسائل الاعلام المختلفة؟!...من اين اتى ذلك السحر المؤثر للادب بمختلف فروعه بحيث ينعكس ذلك على حكومات وشعوب الى درجة عالية من التأثير يفوق ما لدى احزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من قدرات وامكانيات؟!...
الادب هو جزء من الثقافة ،وهو مرآة الشعوب التعبيرية عن كل ما يختلج في الذاكرة والصدور من احاسيس ومشاعر وآلام ،وهي تعبر وبصدق عن حركيتها المستمرة في الحياة وتساهم في تأسيس عالما مثاليا يقوم على اسمى العلاقات واكثرها قوة وجمالا.
والرواية كجزء من الادب،قد ساهمت بشكل كبير في تغيير المجتمعات في العالم من خلال التأثير الفعال في عقول وقلوب المتلقين،ولم تكن رواية 1984 فريدة من نوعها،بل سبقتها عدد كبير من الروايات مثل رواية كوخ العم توم التي ساهمت في تأجيج الحرب الاهلية الامريكية لغرض تحرير العبيد،وايضا رواية عناقيد الغضب لشتاينبك التي غيرت بعض القوانين في داخل امريكا وغيرها روايات اخرى عديدة ساهمت في التأثير في المجتمعات الحديثة،كما ساهمت الفنون التشكيلية والشعر والنثر في تأجيج النفوس وابدعت في تصوير الحالة كما هو الحال في الحرب الاهلية الاسبانية.
ولم يقف الامر عند الروايات بل ساهمت المقالة بنفس التأثير،وكم رأينا من حالات سقوط العديد من السياسيين واصحاب النفوذ والتأثير من جراء مقال نشر ضدهم!.
وفي التاريخ العربي القديم والحديث امثلة عديدة على تأثير الادب في حياة الناس كما في بقية شعوب الارض الاخرى،فقد كان للقصيدة دورها المؤثر في الحروب والنزاعات واحلال السلام ونشر وتثبيت العقائد والثقافات او محاربتها ولنا في العصر الجاهلي وما تلاه،نماذج عديدة ذكرت في متون كتب التاريخ والادب! مما يدل على ارتفاع المستوى الثقافي للشعوب آنذاك او التأثر بالشعر والادب من خلال تبعيتها لاصحاب الفكر والحل والعقد!.
وايضا في العصر الحديث كانت قصائد الشعراء مؤثرة الى درجة تسقط وزارة او تجبر وزيرا على الاستقالة كما حدث مع الجواهري وغيره،فقد كان بالرغم من حالات الصراع بين اهل الثقافة والسياسة الا ان حالات الاحترام وعدم التعدي على الاخر كانت موجودة بشكل يفوق عصرنا الحالي!.
عصر الرواية!:
قيل عن هذا العصر بأنه عصر الرواية العربية!...وقد يكون الامر صحيحا بالفعل بسبب صدور كم هائل من الروايات والقصص القصيرة سنويا خاصة وان هذا الفن الادبي الجميل هو حديث النشأة والانتشار بالمقارنة مع الشعر والنثر،وقد تنشغل بعض وسائل الاعلام بجزء صغير مما يصدر،ولكن يبقى الجزء الاكبر المتأثر هو عدد قليل من الطبقات المثقفة وبخاصة من جانب المنشغلين بالاداب ! اما الغالبية الساحقة سواء اكانوا حكوماتا او شعوبا فهي منعزلة في عالم آخر بعيد ليس له علاقة لا من قريب ولا بعيد بالاداب وبخاصة الرواية ولا تتأثر بها سلبا او ايجابا الا في حالات الاثارة الاعلامية المؤقتة والتي تصدر ضد رواية معينة او كاتبا ما من خلال الدعاوى القضائية او التكفير! والاكثر اثارة في الموضوع والدال على انعدام مستوى الوعي الثقافي هو ان بعض حالات تلك الزوابع الاعلامية والقضائية تصدر ضد كتب ومن بينها روايات صدرت منذ فترة زمنية طويلة كما حدث مع الف ليلة وليلة او بعض رواية نجيب محفوظ(اولاد حارتنا) او رواية حيدر حيدر(وليمة لاعشاب البحر) وغيرها وهي حالة سلبية من التأثر كما نرى،مما يعني انعدام التأثير المتبادل بين العامة وقياداتها من جهة وبين طبقة الكتاب من جهة اخرى وضياع الجهد المبذول من قبل الادباء لغرض طرح الافكار والرؤى التي تساعدهم في تغيير المجتمعات نحو الافضل كما حصل لبقية دول العالم!.
لقد كان تأثير الفنون الادبية ظاهرا في السابق اكثر مما هو عليه الحال في عصرنا الحالي والمسمى بعصر الثورة التكنولوجية الحديثة! وبالرغم من ارتفاع مستويات التعليم وكثرة المتعلمين وانحدار عدد الاميين،الا ان التأثير ذو البعدين الايجابي والسلبي شبه معدوم والامر قد يكون طبيعيا مع الانظمة الحاكمة الفاقدة لادنى مقومات الثقافة والتحضر،ولكن الحال يبدو غريبا حقا مع القواعد الشعبية التي كانت تتأثر سابقا لادنى حدث سياسي او ثقافي بالرغم من شيوع التخلف والفقر والجهل! اما الان فأن الامور الاكثر اثارة هي النزاعات الدينية والمذهبية او المؤثرات الجنسية!.
لقد كان الشائع قبل عقود قليلة هو لماذا الكتابة اذا انعدمت تأثيراتها في المجتمع؟!...ثم تطور الامر الى لماذا القراءة اذا كانت لا تنفع او تؤثر؟!.
وقد يأتي يوم ونقول هو لماذا نعيش اصلا ؟! اذا كان الاستعباد الجسدي والمعنوي قد تغلغل فينا وسلب كل معاني الثقافة الرفيعة بحيث اصبح متجذرا الى درجة قيد عقولنا وحطم نفوسنا وأوصلها الى هذه الدرجة المرعبة والتي اصبحت الاستهانة بالنفس شيئا طبيعيا يتنافس الجميع لحيازته!.
  

2010/10/21

الدوافع الذاتية للالحاد 8

الدوافع الذاتية للالحاد:8
هنالك الكثير من المسائل التي بحثت واثيرت حول الاسلام وتاريخه وصولا الى درجة اتهام نبيه(ص) ومن ثم انكار وجود الخالق عزوجل ضمن دوائر المناقشات الفكرية لخصومه والتي بنيت على اساسها الدوافع الذاتية الالحادية لمن لم يتمكن سواء بحسن نية او بغيرها من ايجاد وسيلة للبقاء ضمن دائرة الايمان،وقد يكون بعضها حججا وهمية للتوجه نحو الالحاد وغيره لان الكثير من البشر الذين لهم دوافع ذاتية مختلفة مسبقا تدفعهم للتوجه او الانجذاب نحو فكر معين يكونوا ضمن دائرة التأثير بدرجة او بأخرى،قد يكونوا متغيرين بالفعل ولا يحتاجون الى الاحتجاج بأي ذريعة معينة نحو توجههم الجديد الا لغرض دفع البلاء عنهم والعداء للماضي وتبيان عدد من المسائل المستحدثة الدافعة لهم نحو التوجه الجديد وتثبيته!...
اذا في هذه الحالة حتى لو استعرض المحتجون كافة الحجج الموضوعة والتي ترد على تساؤلاتهم الظاهرة،فأن رجوعهم شبه معدوم لان النية مبيتة بالفعل ولا يحتاجون الى ادلة مقنعة جديدة تعيدهم لما كانوا عليه! وهي ظاهرة تلفت الانظار في التوجه نحو الالحاد بالدرجة الاولى او حتى الى غيره من المناهج الفكرية الاخرى، وهي سمة انسانية سائدة ويمكن بسهولة ملاحظتها في كل الازمان!.
من ابرز المسائل المعروضة على نطاق البحث بأتجاه الالحاد هي ظاهرة اتهام الرسول(ص) بأنه نبي عنف وان استخدام اتباعه للسيف في دعوته دليل على ضعف منهجه! بالاضافة الى ان الاسلام لم ينتشر الا بالسيف الخ من تلك الدعوات... والطريف ان بعضهم يضيف بأن منهج النبي(ص) تحول من اللاعنف الى العنف بعد التمكن والسيطرة والتحكم اي بعد الهجرة!...ان تلك الاتهامات لو خضعت لمنهج علمي موضوعي لما بقيت في دائرة الاثارة مجددا بل لاصبحت في متحف الافكار والمناقشات القديمة التي انتهى عصرها ولكن التوجهات الذاتية المبيتة سلفا تسترجع وتتمسك بتلك الاتهامات الهزيلة كأحد خطوط الهجوم الوهمية لاسباب التوجه نحو الالحاد!وكما هو معروف فأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم!...
تنقسم تاريخ الدعوة الاسلامية في زمن النبي(ص) الى مرحلتين رئيسيتين،الاولى سادها السلم بالرغم من حالة الاضطهاد المستمرة وهي انتهت بالهجرة بعد 13 عاما من الدعوة السلمية المستمرة في مكة والثانية في المدينة،وفي الحقيقة ان الدعوة بقيت مستمرة على هذا النهج الا ان العداء وصل الى مراحل متقدمة من العنف كالاغتيال ومصادرة الممتلكات والرغبة في القضاء على الاسلام بأي وسيلة كانت بحيث لم يبقى سوى محاولات جمع شمل القبائل للهجوم على المدينة واستئصال الدعوة من مقرها الجديد،فكان الواجب هو التصدي،وحتى درجة التصدي لم تكن عالية لتصل لدرجة الهجوم الذي ينهي الخصم بل كانت الحرب في اغلبها دفاعية محضة،وتخللها وضع هدنة لم تستمر طويلا بسبب انتهاكها من قبل الاطراف المعادية مما ادى الى دخول مكة وانتشار الاسلام في الجزيرة،ولو كان النبي(ص) والمسلمون دعاة عنف وسيف لما ترددوا لحظة في ابادة خصومهم في مكة عند فتحها بينما لو سنحت نفس الفرصة لاتباع اي مذهب فكري آخر بما في ذلك الملاحدة فأنهم سوف لا يترددون لحظة في ابادة خصومهم!مع استثناء المذاهب التي رفعت شعار الاسلام واستخدمت العنف والقوة والسيف وسيلة لنشره لان ذلك مخالفا لاهم المبادئ الاسلامية الداعية الى تحكيم العقل والمنطق والحكمة في الدعوة والجدال...وهذا دليل على سمو اخلاق النبي(ص) وغالبية اتباعه ودليل على عدم جنوحهم نحو العنف في نشر الاسلام،ولو استخدم العنف والقسوة وكافة الوسائل الوضيعة لنشر الاسلام تحت ستار الغاية تبرر الوسيلة لانتهى امره كما انتهت الانظمة الاستبدادية القديمة والحديثة فالظلم ابدا لايدوم! والنتيجة ان حروب الاسلام حينها كانت دفاعية ولا يمكن تقسيم منهج الرسول(ص) الى سلم وحرب بل ان المنهج واحد ولكن الظروف متعددة التي واجهت النبي (ص)مما استدعى منه الاجتهاد المسدد من الله تعالى في تلك القضايا.
الاغلبية الساحقة دخلوا الاسلام عن قناعة ولم يدخلوا مجبرين الا من حاول الاحتماء به بسبب تاريخه الدموي الماضي او محاولة تدميره من الداخل!...وحتى شبهة قتل الاسرى والخصوم هي ليست قوية لان الاسلام كان يتعامل بأنسانية بالغة في امثال تلك القضايا وما محاولة تحرير الاسرى الاعداء اذا علموا المسلمين القراءة والكتابة الا مثالا نموذجيا يناقض الادعاء المسبق،اما ما ذكر في التاريخ من سرد لبعض الحالات الفردية الشاذة فهي تقع ضمن اخطاء قام بها بعض المسلمون اما استعجالا نتيجة لاجتهاداتهم الانية الغير مدروسة او عدم تفهم الاوامر الصادرة لديهم ولو كان غير ذلك لاستخدمت تلك الحوادث كوسيلة للضغط وتشوية تاريخ النبي(ص) واتباعه والدين ككل في حينها!.
ان بناء الدولة الاسلامية ليس هو مثل نشر الدعوة الاسلامية التي هي فكرية خالصة، فهي عملية تحضى بعداء كبير من جانب القوى المعادية وبالتالي فأن الصراع سوف يكون عنيفا وليس سلميا كما يمكن ان يحلم به الحالمون الان! ويمكن لنا استعارة الكثير من الامثلة النموذجية في عصرنا الحالي عند ولادة اي نظام سياسي جديد فأن العداء نحوه يكون عنيفا من جانب القوى التقليدية التي تراه خطرا عليها ولذلك فأن ظهور الاشتراكية في روسيا والصين والاسلام السياسي في ايران وانتصار اليسار في كوبا ونيكاراغوا قد ادى الى اشتعال الحروب الداخلية والخارجية مما يعني ان الولادة الجديدة للانظمة السياسية دائما يولد العنف والعنف المضاد له!.
المرحلة التالية بعد رحيل النبي(ص) والتي اتهمت بأنها مرحلة العنف والاستيلاء الغير مبرر على مقدرات الدول الاخرى وشعوبها بحجج الفتح وغيره ضمن دائرة الدعوة الاسلامية...فلغرض الدقة لا يمكن اعتبار الفترة واحدة منذ بداية الخلافة الراشدة الى سقوط الخلافة العثمانية عام 1924،بل هي متعددة وفي الحقيقة تنقسم الى قسمين رئيسيين هما فترة الخلفاء الراشدين وهي تميزت بالتوجه نحو فتح البلاد المجاورة وتحرير شعوبها من النظم التقليدية المتحكمة بها وهي كانت ذات دوافع دينية وان عارضها البعض ايضا لان ذلك قد يتعارض مع المنهج السلمي الا ان منهج الفتح والتوسع الايديولوجي هو شائع حتى لدى الجانب الالحادي نفسه كما هو الحال في الحركة الشيوعية العالمية! الا ان فترة الفتح الاسلامي في عهد الخلفاء الثلاثة الاوائل وان كانت تحت ظل الاجتهاد الفردي والجماعي الا انه ليس بالضرورة تحت طائلة وجوب ذلك العمل لاغراض دينية حتى ولو كانت الدوافع دينية خالصة،بمعنى انه ليس هنالك فرض ديني بضرورة الفتح وتحرير البلاد الاخرى الا ان وقوع الفتح هو كان تحت ظل الدافع الديني والرغبة في نشر الاسلام مما يعني ان اي خطأ يحصل لا يتحمل نتيجته الدين الاسلامي لان الافراد القائمين عليه هم يتحملون النتائج والتي ظهر بعدها صوابها على الاقل في درجة عالية نسبيا...اما منذ تحول الخلافة الى ملك محض اي منذ استيلاء معاوية على الحكم عام 41 ه-661م ولغاية سقوط الخلافة العثمانية فأن الفتح وتوسع الدول الاسلامية حتى لو كانت تحت شعار الاسلام فأنه بعيد عن ذلك ولا يمت اليه بصلة وانما هو لاغراض دنيوية بحتة حتى لو كانت نيات بعض القائمين دينية بحتة،ولذلك شاعت عنها كافة المظاهر الغير انسانية من خلال استعباد الشعوب الاخرى والتسلط والتحكم بهم واستغلالهم لاغراض بعيدة كل البعد عن الاسلام ويكفي مقارنة ان الدولة الاموية والتي كانت من اكثر الدول فتحا للبلاد الاخرى هي لا تمت للاسلام بصلة ولكن الادعاء بالانتساب للاسلام هو وسيلة للبقاء في السلطة والا يمكن مقارنة بسيطة بحجم الجرائم التي ارتكبت في عهدها والتي لا يمكن القبول بها لا دينيا ولا انسانيا وينطبق القول ايضا على الدول الاخرى مثل الدولة العباسية والعثمانية وغيرهما مما يعني ان الاسلام بريء تماما من تلك الاتهامات الباطلة لان الانتساب الوراثي للدين ليس مبرر كافي بنسب الاعمال اليه والا لأتهمنا الدين المسيحي بنفس التهمة لان الكثير من الحروب والغزوات تمت تحت نظم مسيحية او علمانية ولكن ابنائها يدينون بالمسيحية وايضا ينطبق نفس القول على الاديان الاخرى...اذا في هذه الحالة يكون الدين الاسلامي بعيدا عن كافة الجرائم التي ترتكب بأسمه من قبل المسلمين الذين يجتهدون حقا وباطلا تحت اسمه في تبرير اعمالهم ايا كانت!...وكما هو معروف فأن عدد كبير من البلاد الاسلامية انتشر الاسلام فيها سلميا ولم يكن هنالك اي عنف كما هو الحال في جنوب شرق آسيا وغرب افريقيا وغيرها.
وهذا يقودنا الى نتيجة ثابتة في ان الاتهامات التي بنيت على اساسها الدوافع الذاتية للالحاد هي هزيلة ولكن يمكن قبولها لان الاسلام وشريعته الغراء واضحة المعالم ويمكن للمشككين في بعض الاجتهادات الذهاب الى الاجتهادات الاخرى التي تخالفها وتلائم افكارهم لان الاسلام ليس محددا تفسيره ضمن دائرة واحدة من البشر بل عدة دوائر وبذلك فأن الذهاب الى طريق الالحاد الذي يصر عليه البعض هو اصرار لا مبرر لهم لانه يمكن ببساطة ان نقول بأن يقوم البشر بأي عمل وتحت اي قناع فكري معين حتى ولو كان مخالفا لاصوله المتعارف عليها وينسبها اليه!.
ليس من شك في ان الكثير من الشبهات والتشكيكات حول الاسلام وشريعته الغراء كما في تاريخه، قد درست بعناية وخضعت للتحليل النقدي الذي يخرج في اغلب الاحيان من سياقات حدوده العلمية المدروسة الى التشنيع بكافة مقدساته بأستخدام اكثر الالفاظ سوقية وانحطاطا للبرهنة على انه مصدر الدمار والعبودية والتخلف وان السبيل الوحيد للخروج من ذلك المآزق البشري الدائم هو في التحرر من الدين واحكامه والتاريخ المتأثر به بأتجاه العيش بحرية تامة والتي هي محدودة ايضا لكونهم سوف يخضعون الى حكم القانون المدني الذي يحدد تلك الحريات ويمنعهم من التعدي على حقوق الاخرين المخالفين لهم!...

2010/10/20

الدوافع الذاتية للالحاد 7

الدوافع الذاتية للالحاد:7
تشاع ايضا بعض الشبهات التي تقرأ خطأ من الواقع المعاصر دون تقييم الاوضاع في تلك العصور التي من الممكن لاصحابها لو اتيحت لهم فرص زيارة مجتمعاتنا المعاصرة لكانت مفاجآتهم الدنيا في بعض الاشياء الايجابية وسوف تكون مفاجآتهم العليا هي في الاشياء السلبية السائدة لانه من غير المعقول ان تكون المجتمعات المعاصرة، بتلك المستويات من التقدم التكنولوجي والتأخر الزمني الذي يلزم اصحابها بضرورة الاستفادة من اخطاء المتقدمين دون ان تكون هنالك ادنى فائدة ظاهرة من خلال شيوع المظاهر اللااخلاقية والعنف والجوع والجهل والتخلف والمستويات المذهلة من شيوع الاباحية والشذوذ والالحاد واستغلال البشر وانتشار العبودية وولادة وسيادة مختلف المذاهب الفكرية التي هي من نتاج الانسان ولكن يتم تقديسها بشكل يثير الانتباه!...اذا حالة التعجب متبادلة،وكما تثيرنا بعض المظاهر الوحشية او الغير انسانية في الحقب الماضية،فأن عصرنا الحالي ليس مثاليا بالدرجة التي تجعلنا قيمين على كل العصور السابقة! ولا ننسى ان الجميع بشر ليسوا معصومين من الخطأ، ويمكن لنا ذكر الكثير من الامثلة الدالة على وحشية وهمجية العصور الحديثة من حروب عالمية الى تدمير البيئة وتدمير القيم الانسانية واستغلال معاناة الشعوب في توليد القوة السياسية والحفاظ عليها دون مراعاة حقوق الانسان! الخ... من الامثلة التي تجاوز الانسان المعاصر اسلافه في حجم همجيته بشكل لا يوصف!.
من الامثلة الشائعة المثارة لدى الملاحدة هي قضية الرق وامتلاك الجواري،بأعتبار ان الدين الذي يشرع لتلك الانتهاكات الصريحة لحقوق الانسان او يقف مؤيدا لها دون ان ينسفها هو غير جدير بأعتناقه او الدفاع عنه!وكأن الدول المعاصرة خالية من تلك المظاهر المبطنة!...في الحقيقة ان دراسة تلك القضايا لم يكن بمنظار تلك الايام والا لخرجت النتائج مختلفة!...بل انها تمت وفق القيم التي شاعت في العالم بعد ذلك وبخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة او شيوع المذاهب الفكرية الوضعية من قبل! وبعد نهاية تلك الحالات التي شوهت التاريخ الانساني وجرى تقييم الماضي على اساسه!.
الانسان القديم استخدم الرق في جميع الحضارات السابقة وحتى الغربية المعاصرة كانت مدينة لاكبر عدد من العبيد على مدار التاريخ! بل ان فلاسفة الاغريق الذين يدافعون عن حقوق الانسان والمجتمعات الفاضلة كانوا يستبعدون تلك الفئات من الوجود الانساني او المشاركة في قراراته المصيرية بشكل مثير للانتباه! وليس خافيا ان غالبية الكنائس كانت تناقش لفترة طويلة هل للمرأة روح ام لا؟! .
فالرق والعبودية كانتا بمثابة الطاقة الاحفورية في اقتصاد اليوم،فقد كانت الغزوات والحروب والنزاعات شائعة ومنتشرة بشكل يجعل من وصف حال العالم بأنه غابة من الوحوش هو تعبير مهذب !وليس هنالك قوانين دولية او مشتركة تحضى بقبول الجميع وتحد من تلك الظواهر،الا في حالات شاذة ليس لها السيادة الزمنية،وبالتالي فأن تقرير مصير المحاربين الاعداء وعوائلهم واوطانهم كان يتم تحت رحمة المنتصرين الذين كانوا يعتبرون من حقهم فعل مايريدون للتعويض عن الخسائر او كغنيمة لا يجوز تركها! ولم تكن تلك الاعمال توصف بأنها اعمالا همجية ولكن الوحشية تكون في الاستخدام السيء لتلك القدرة على هؤلاء الضعفاء او الاسرى بأعلى درجة ممكنة،وكلما كان الانسان متحضرا في معاملاته كلما كانت عملية التخفيف من معاناة تلك الفئات اكثر مقبولية سواء من جانب الاديان السماوية او الضمير الانساني الحي.
لم يقوم الاسلام بتحرير تلك الطبقات الفقيرة بصورة مفاجئة كما في بعض الحالات التي عاصرت ظهوره، بل كانت خطواته مدروسة وبطريقة تحفظ حقوق الجميع وبالرغم من ذلك فأنه شكل انقلاب على المنظومة الاجتماعية حينها لم يستوعبها الناس لفترة طويلة وللدلالة التوضيحية  يقارب رأي بعض الفقهاء في ان العصر الحالي هو الاكثر ملائمة لبناء الدولة الاسلامية الحديثة من العصور الاولى التي ظهر الاسلام فيها بأعتبار ان المسلم آنذاك لم يكن بنفس المستوى من الوعي الثقافي والفكري العالي والقادر على التمييز من المسلم المعاصر الذي تشبع بالحضارة الحديثة وانجازاتها الفكرية والعلمية المذهلة،ولذلك فشلت الدولة الاسلامية القائمة على اسس دينية صحيحة بعد فترة وجيزة من قيامها بعد رحيل الرسول(ص) واصبحت دول ملكية مطلقة لا يمكن اعتبارها اسلامية الا بالاسم فقط مما يعني ان اي احتجاج يكون مستمد من تلك الفترات مرفوضا اذا توجهت اصابيع الاتهام للاسلام في تسببه بل ان المفاهيم المتعددة الاتجاهات للاسلام وشريعته كانت ناتجة من اختلاف الاجتهادات او الاستغلال لديمومة الحكم والحال!...اذا كان الاسلوب المثالي للاسلام يتمثل في الاسلوب التدريجي الذي يلائم عقلية شعوب تلك المجتمعات المتخلفة وبخاصة مجتمع الجزيرة العربية الاكثر تخلفا في العالم آنذاك! وكان يشجع ويحث وبأسلوب سلمي على تحرير العبيد او ماملكت الايمان الذين كانوا من غير المسلمين وكان يوجب ان يتحرر هؤلاء بعد اسلامهم ولكن التطبيق الفعلي بقي ضعيفا لتلك الواجبات بسبب هيمنة العامل الاجتماعي والمنفعة الذاتية على تطبيق الكثير من الاحكام الشرعية اذا تعارضت معها!وهذا هو ديدن غالبية البشر ثم يأتي المعاندون وينسبون اخطائهم الى الله تعالى بدلا من نسبها الى الانسان نفسه!.
لقد سطعت في التاريخ امثلة رائعة من العبيد والفئات المستضعفة السابقين والذين تحرروا بفضل الاسلام واصبحوا من القادة والمفكرين ويشار اليهم بالبنان ولو كان الاسلام محايدا في تلك المسألة وغيرها لما رأينا تلك الحالات المثالية بل ان فئات شعبية كثيرة اطلق على بعضها بأسم الموالي وغيرهم اصبحت تشكل الاغلبية في اقاليم متعددة ولكن الانقلاب على الاسلام او تفضيل العادات والتقاليد الموروثة وابعاد الشريعة عن الدولة كان قد وصل الى ابعد مدى بحيث لم يبقى من الاسلام الا شعائر متعددة واصبح الحكم والسطوة للاسر التي تناوبت على تلك الشعوب! بحيث ظهرت حركات تطالب بالمساواة مع العرب مثل الشعوبية! رغم ان الاسلام يوجب المساواة بين الجميع...
كانت تجارة العبيد والجواري تشكلان ركنا اساسيا من اقتصاد اي دولة في تلك الايام لكونها الفئة القادرة على تحمل اعباء بناء الدولة وتوفير الحياة الكريمة الناعمة للفئات الثرية،وبما انها الفئة الاضعف فأن الاسلام اوجب او شجع ورغب على التحرير بدون مقابل بهدف القضاء على تلك المظاهر اللانسانية،ولذلك جاءت بعض احكام الشريعة الخاصة بهم مختلفة حتى من ناحية العقوبات من خلال مراعاة كافة الجوانب المحيطة بهم.
لو كان الاسلام دينا يفرق بين البشر ويؤيد او يشجع على العبودية والرق واستغلال البشر لما اعتنقه ذلك العدد الضخم وغالبيتهم الساحقة من شعوبا مستضعفة ومحرومة ابتليت بالاستلاب المادي والمعنوي من سلطات واذنابها من الفئات الطليعية التي اساءت التأويل والتفسير لكل مبادئه الحقة!.
ان اتهام الاسلام بالتمييز هو خاطئ لكون الكثير من الايات القرآنية الشريفة قد اقرت بصراحة، بالمساواة بين الرجل والمرأة وبالمساواة بين البشر كافة ووضع مقياسا جديدا فريدا من نوعه يتمثل بأن اكرمكم عند الله اتقاكم اي بجانب العمل بالتقوى تكون الافضلية ولهذا رفع اناس واحط آخرين ولم يهتم بالانتساب او بأمتلاك المقدرة المادية واي اتهام من قبل الاخرين له بعكس ذلك سوف يكون غير موضوعي او غيرعقلاني ولا يطابق الحقيقة كاملة لان الايات صريحة ولا مجال لتأويلها او التهرب من تطبيقها، ،ولكن استعارة النماذج التاريخية للاشارة الى الاسلام بها هو دلالة على ضعف التحجج بتلك الامثلة التي ليس للاسلام دخلا فيها،والا لاعتبرنا ان كل مايجري اليوم من سلبيات في الغرب هو نتيجة للفكر الليبرالي السائد! وعادة فأن التمييز الذي يطبقه البشر ظاهرا او باطنا هو ناتج غالبا من دوافعهم الذاتية وشهواتهم التي ليس للدين الاسلامي او غيره علاقة بها الا اذا صرح بعكس ذلك!...ولنعطي بعض الامثلة التوضيحية على الفقرات الاخيرة،في ان العديد من خلفاء بني العباس يملكون الآلاف من الجواري بحيث يستحيل عليهم ان يعاشروهن بالمعروف او يتم التساوي بينهن والكثير منهن في الاصل اما فقيرات او غنائم حروب ونزاعات او يقوم التجار بشرائهن من تجار البلاد الغير اسلامية،فأي دين او مذهب يعترف بذلك او يقوم بالتشجيع عليه فضلا عن اهمال شؤون الدولة والرعية في الانغماس في تلك الشهوات البهيمية التي لم يتخلص البشر لغاية الان منها؟! ان ذلك هراء لا يمكن القبول به لان الاسلام يرفض هؤلاء المتحكمون بمصائر شعوبهم كما بقية الاديان السماوية الاخرى وبالتالي فأن كل ماجاؤوا به هو في ظاهره وباطنه مخالفا للشريعة الا اذا كان محكوما بالصحة الجزئية...فلو كان الاسلام يشجع على ظاهرة الرق والعبودية بمختلف مسمياتها لكانت الشعوب الاسلامية مستمرة في العمل بتلك المظاهر وبخاصة من طرف اصحاب العقول المقفولة!ولكننا نرى اليوم انه بالرغم من وجود بعض آثار تلك الظواهر لاسباب محلية فأنه لا علاقة للاسلام بها...فأذا كان الفرد مسلما ومنحرفا فليس من الحق اتهام الاسلام بكافة الاتهامات لكون ذلك خاضع لارادته الذاتية وليس نتيجة لخضوعه لاحكام دينه والا فأن الاتهام سوف يكون شموليا لانتشار المظاهر المخالفة بالنسبة للشرائع الاخرى.

2010/10/17

الدوافع الذاتية للالحاد 6

الدوافع الذاتية للالحاد:6
اذا لنعود الى نقد الملاحدة لما يشاع من الاخطاء المدونة في تاريخ السيرة النبوية والتي يقدسها بكامل تفاصيلها المدونة خطأ عدد كبير من المسلمين دون ان يعوا ان ذلك التقليد والتقديس لحقائق تاريخية هو ليس له علاقة بالعقيدة الاسلامية المنزلة في القرآن بقدر ما هو احترام واجب عليهم تجاه الرسول(ص) والمحيطين به!...نعم يكون هنالك احترام ولكن اذا تم التأكد بصورة مطلقة من وقوعه وصدوره عن النبي محمد(ص) بما لا يدع مجالا للشك والريبة!...ولكن تلك الحالة اساسا مفقودة بسبب عدم الاتفاق بين المسلمين من جهة لشيوع مختلف المذاهب بينهم كما ان ضعف الدقة في النقل سبب قوي للحكم بضعف المستند الذي يرفعه الملاحدة على الاسلام ونبيه الكريم والتشهير بهم ثم يعممونه بأستقراءاتهم المسبقة الى الالحاد الشامل في ادبياتهم المشهورة للدلالة على صحة مايرونه!.
اذا اطلعنا على الكثير من النصوص النقدية،نرى ان استعارة الاحاديث والوقائع قد تمت بدرجة عالية من كتاب صحيح البخاري ومن ثم كتب الصحاح والحديث الاخرى بدرجة اقل والتي يعتقد بصحتها ويلزمون انفسهم بها اصحاب المذاهب السنية الاربعة فقط، وهذه الكتب هي محل نقد وتحليل ضمن صفوف اتباع المذاهب السنية انفسهم قبل غيرهم بالرغم من وجود متشددين لا يقبلون بمراجعتها ويحكمون بصحتها وكأنها قرآن منزل من عند الله تعالى! فكيف في هذه الحالة القبول بمنطق ان تلك الكتب يلتزم بها المسلمون كافة بكل ماجاء بها؟! انه استدلال ضعيف يقود الى نتائج اضعف!.
ان الكثير من الاحاديث والروايات التاريخية غير موجودة اساسا فيها او بعضها قد حرف وموجود في تلك الكتب التي الفت بعد مرور قرنين على الاقل من بداية الدعوة الاسلامية!...ولنأخذ مثالا بسيطا يبين لنا خطأ هذا الاستناد الغير دقيق من العصر الحديث فنرى في واقعة واحدة وشهيرة مثل احداث ايلول(سبتمبر)2001 وقد ظهرت مباشرة بعدها للاسواق كتب ومقالات جرت كتابتها لتنقل الواقعة وتحللها من مختلف المصادر والاراء وهي متباينة في التقييم والتحليل الى درجة عجيبة من الاختلاف فكيف وقائع واحاديث مرت قرون عليها وتنقل بوسائل بدائية وبطريقة الاعتماد على تسلسل طويل من الرواة وبعضهم مشهور بالكذب والوضاعة ؟!دون ان ننسى ان مجرد نقل الحديث من شخص لاخر كما يحصل اثناء التجارب الشخصية سوف يدخل فيه التحريف او التدليس او عدم الدقة فكيف بتلك السلسلة الطويلة من الرواة المتناقضون احيانا في مذاهبهم وخطهم السياسي والفكري العام مع وجود الدولة ورجالاتها من اهل العلم والفكر الذين يؤيدونها في كل شيء بما في ذلك قدرتهم على تحريف الشريعة والتاريخ لخدمة اغراضها مع انتشار مؤلفاتهم لكون الاراء المعارضة مخفية ومحاربة الى درجة الابادة الكاملة! وكيف لنا في هذه الحالة القبول بكل ماجاء في تلك الكتب وبخاصة تلك المخالفة للعقل والمنطق والدين والتي يستند الملاحدة واصحاب الديانات الاخرى في التشنيع بالاسلام للوصول الى غايتهم الكبرى في الغاء الاديان والقبول بالالحاد دينا جديدا؟!...انه منطق عجيب وغريب تظهر على اساسه الكثير من المؤلفات والدراسات ويغير بعضهم دينه او حتى يلحد لمجرد الاستناد الى تلك الوقائع التي لايقبل بها بعض المسلمون انفسهم!.
السيرة الذاتية للنبي محمد(ص) هي محل نقاش ونقد من جانب الملاحدة وبخاصة المروي عن زواجه بعدد كبير من النساء ومن بينهم السيدة عائشة وهي بعمر صغير جدا!...اقول:كما ذكرنا في الحديث السابق فأن السيرة الذاتية المدونة للرسول الكريم(ص) ليس معناها انها دقيقة الى درجة لا تقبل الشك في التفاصيل المذكورة في الكتب التي يؤلفها المسلمون انفسهم! ولنعطي مثالا بسيطا للمقارنة والتوضيح وهو انه في هذا العصر نفسه مازال عدد كبير من الناس من يجهل بدقة تاريخ ميلاده ويعطي بعض الدلائل القريبة منه للاستدلال فكيف في ذلك العصر الذي هو مثالا للتخلف والجهل؟!...اذا في هذه الحالة سوف يكون لدينا شك كبير في دقة تاريخ ميلاد الغالبية الساحقة من معاصري الاسلام بكافة مراحله وليس في مراحله الاولى فقط! هذا من جانب...اما من الجانب الاخر فقد كان بعض مدوني اصحاب المذاهب الاسلامية يميلون الى السن الصغيرة للدلالة على عبقرية صاحبها او انها مسددة من السماء كدليل على صحة تابعيتهم لها او لاسباب اخرى مجهولة! ومن ضمن الامثلة هي تصغير عمر السيدة عائشة لدى السنة وتصغير عمر السيدة فاطمة الزهراء(ع) لدى الشيعة ولا ادري ما المانع من ان يكون صاحب القدسية كبير في السن او ان عمره الحقيقي طبيعي كالاخرين؟!... والغريب ان المتطرفين في الاخذ بتلك الاعمار يتفقان بدون اي اتفاق مسبق بينهما في كونهن تزوجتا بعمر 9 وتوفى الرسول(ص) وعمرهما واحد وهو 18! انها دلالة غير مفهومة حقا!... في الحقيقة يتمسك البعض وكأن ذلك حقيقة قدسية لا مجال للهروب منها في ان عمر عائشة  عند زواجها كان بحدود 6-9 سنوات والمذكورة في بعض الكتب وعلى رأسها كتاب البخاري والذي نقلت بقية الكتب عنه ذلك القول!وهو يناقض نفسه في روايات اخرى مذكورة في ثنايا كتابه او الكتب الاخرى السابقة او اللاحقة يمكن بواسطتها وبسهولة الاستدلال من خلالها على ان العمر الحقيقي والاقرب للصواب والدقة التاريخية ولا يناقض تلك النصوص وسياقاتها بأكملها،هو انه بين 16-21 وهو طبيعي في هذه الايام ايضا دون الحاجة الى تبريرات واهية لبعض الكتاب من كون المرأة البدوية ذات قدرات خارقة وتكبر بسرعة فائقة،مع ملاحظة ان الحوادث المذكورة بعد الهجرة مباشرة والتي اشتركت فيها السيدة يدل على ان عمرها ليس قصيرا الى درجة تكون احد الشخصيات الهامة في بيت الرسول(ص)لان صغر السن سوف يؤدي الى ضعف الاهتمام بها خاصة في ظل تواجد الكبار،كما ان الفارق ليس كبيرا مع اختها اسماء التي لا يقل عمرها عند الهجرة ب27 سنة الخ من الادلة التي تضعف التخاريف التي تملأ بطون الكتب وتحشو العقول دون التحقق من ماهيتها ودقتها على الصمود في الميزان النقدي، وفي حالة فرض عدم وقوع اي خطأ او تحريف في مجال نسخ وطباعة الكتب وهي حالة شائعة في عصرنا الحالي فما بالك في تلك العصور التي يتم اعادة طبع الكتاب مرة واحدة خلال عقود طويلة من الزمن!...
المسألة الاخرى والتي ينبغي التنبه لها هي ان اغلب الكتب التاريخية ينقل من كتاب واحد او بضعة كتب رئيسية مما يعني ان عدم التحقق من النقل شائع الى درجة تثير الانتباه كما لاحظنا في حالة سيف بن عمر التميمي ومدى تأثيره دون ان يكون هنالك تحقق مما يرويه وينفي ما جاء وشغل بطون الكتب بالرغم من الاعتراض الذي ابداه البعض في تلك الفترة والذي لم يحمل على محمل الجد!.
كذلك يتصور الرأي المخالف في ان الزواج المتعدد يؤدي الى اخذ تصور بأن الرسول(ص) هو منشغل بالنساء والزعامة وليس بالدعوة وغيره...ان ذلك تصور ضعيف اذا استعرضت الظروف الموضوعية في تلك الازمان،فهو(ص) كان متزوجا لفترة طويلة من امرأة واحدة ما يقارب من 25 عاما وهو في عنفوان شبابه وكذلك كان زواجه بعد ذلك من نساء كبيرات في السن ارامل او مطلقات لا يؤدي الى الاعتقاد بهذا الرأي وانما لمساعدتهن ولتقوية الاواصر بين اصحاب الدعوة الذين كانوا محاصرين في كل مكان بالاضافة الى شيوع حالات الزواج بأكثر من واحدة في زمن كانت الحياة بسيطة وقصيرة في نفس الوقت الخ من الاسباب التي تضعف الرأي الذي يعتقد به الملاحدة!.
كما ان شبهة ان الاسلام يهين المرأة بسماحه بالزواج من اربع وبالتالي كيف يمنح الله تعالى ذلك لعباده وهو الذي خلقهم!...انه منطق غريب فالاسلام لا يوجب الزواج بأكثر من واحدة كما انه يضع شروطا قاسية يتجاهلها غالبية الراغبين بالزواج من اكثر من واحدة تبعا لشهواتهم او لظروفهم الاجتماعية وعاداتهم المتوارثة التي لا تمت للدين بصلة كما هو شائع ايضا لدى الشعوب الاخرى، وانما سمح وحسب قبول المرأة الاولى وبخاصة في حالات استثنائية كالحروب التي يقل فيها عدد الذكور او الترمل والطلاق وغيره،وفي الحقيقة ان الاسلام كرم المرأة بأكثر من الشرائع المدنية والمتوارثة الحالية حتى اننا رأينا كيف برزن في العلم والجهاد في زمن كان متأخرا كثيرا في كل ملامحه ويمكن لنا المقارنة الى عهد قريب كيف يتم استغلال النساء بطرق دالة على وضاعة الخلق البشري الذي يضعه تحت عناوين ثانوية مزيفة لا علاقة لها بتحرير المرأة!...واذا كانت هنالك صور بشعة لاستغلال المرأة في تاريخ الشعوب الاسلامية فأن ذلك هو جزء من المشكلة العامة التي وصل فيها الانحطاط السياسي والاجتماعي نتيجة سيادة الاستبداد والطغيان والعادات القبلية والاجتماعية البالية والتي اوصلت الشعوب بكافة افرادها الى ادنى الدرجات الحضارية والاخلاقية!.

2010/10/16

الدوافع الذاتية للالحاد 5

الدوافع الذاتية للالحاد:5
لا يوجد من معتقدات دينية مستندة على اسس متينة قادرة على رد الفكر الالحادي بقوة مميزة سوى الاديان السماوية الثلاثة،فالاديان والمذاهب الوضعية ليست بقادرة بل هي ممهدة احيانا للفكر الالحادي سواء اذا كانت داعية الى عبادة الاله الواحد او الالهة المتعددة من خلال التيهان في دروب المعتقدات الغريبة والتقاليد الموروثة منها! ويمكن لنا الاستعانة بالمتحف الكبير للاديان في بلد مثل الهند!...ولكن يبقى الاقوى بين الاديان الثلاثة من ناحية الثراء الفكري والمقدرة المعرفية والجدلية المتميزة على صد التيارات الالحادية وردها بقوة وجدارة لا يمكن الاستهانة بها...الا وهو الدين الاسلامي بغالبية مذاهبه السائدة، ولذلك كان اشد خصوم الالحاد والملحدين هو الاسلام والعقبة الكبرى في طريقهم نحو السيادة العالمية!.
ومن جملة الاسباب التي جعلت للاسلام تلك المقدرة الهائلة هي انه جمع بين الجانب الروحي وهو الذي اشتهرت به المسيحية والجانب التنظيمي للحياة وهو الذي اشتهرت به اليهودية،ومن خلال الجمع بين الصفتين اعلاه كانت نتيجته ذلك التغلغل الهائل في النفوس والتجذر فيه الى درجة يندر وجودها،وخرج لنا الفكر الاسلامي ايضا بتراث ضخم ساعد على تنوعه هو وجود عدد هائل من المدارس المذهبية والفكرية التي تحتاج الى اثبات وجودها المعرفي على الساحة ومحاولة استقطاب المؤيدين ورد المعارضين والخصوم والمشككين،من خلال البحث الدائم عن الادلة العقلية والنقلية لاثبات الرأي، ولذلك رأينا هذا المقدار الهائل  من الكم والكيف من المعارف الدينية وبخاصة التي تتعلق بجانب العلوم العقلية ومتفرعاتها الفلسفية والكلامية الخ والتي تستخدم مختلف الطرق الاستدلالية للوصول الى النتائج المرجوة منها...وكلما كانت الحرية متوفرة للفكر الاسلامي كلما كان الاقدر على البذل والبحث والعطاء والعكس صحيح ايضا وبخاصة اذا تم التحجر عليه بحجج واهية وقد يكون من بينها الخوف من سيادة مدرسة مذهبية او فكرية ما على المجموع العام! كما وانه قد مرت عليه فترات زمنية صعبة لم يستطع ان يتحرر من اساليبه القديمة التي ابتدعها فترة زمنية معينة.
لم يخضع التراث الديني وبخاصة الاسلامي منه الى دراسة موضوعية منفصلة لدى دعاة الالحاد وقادته الفكريين في الغرب بل وضعوه في قوالب جاهزة لا تنطبق عليه بل تخرج لنا منها نتائج وتحليلات مشوهة او غير دقيقة والكارثة انها قد تكون مراجع دائمة في البحث التطويري! ومن هنا يتبين لنا ان مقولة الماركسية هي نتاج الفلسفة الالمانية والاشتراكية الفرنسية والاقتصاد السياسي الانكليزي هي صائبة لانها نتيجة ولادتها ونموها وتطورها كان مركزه في القارة الاوروبية وبخاصة في الفترة التي كانت فيها الكنيسة في اضعف حالاتها،وبالتالي فأن الماركسية وهي اقوى المدارس الفكرية واكثرها ثراء في الجانب المعرفي قد التزمت الالحاد منهجا لها وسادت على البقية وهي قد استمدت مصادرها الفكرية والالحاد بصورة خاصة من المصادر والبيئة الاوروبية،وحتى ان انهيارها كان موجودا ايضا على الارض الاوروبية بينما بقيت النظم الشيوعية الاخرى في اسيا مستمرة في الصمود لكونها قد انفتحت على العالم واستفادت من الاخطاء السابقة او ان لها بيئتها الخاصة بها!.
ان ابرز دوافع الالحاد الذاتية سواء للمسلمين السابقين او من يقرأ ويستعرض الاسلام واحكامه من غير المسلمين هي بالاساس اتت من تاريخ المسلمين المشوه او الاسود نتيجة سيادة النظم الاستبدادية فيه والغير دقيق بدرجة عالية كما هو معروف مع استغلال النصوص المدونة في بعض الاحكام الشرعية والتي خضعت للاجتهاد الشخصي بالاضافة الى السيرة الذاتية الفردية والجمعية في تبني موقف الالحاد والتنكر للخالق جل وعلى...!
من الحماقة والغباء تصور ان جميع المتحولين للالحاد هم فلاسفة ومفكرين على درجة عالية من الثقافة والفهم والادراك! كما وان العكس صحيح ايضا اي ليس كلهم جهلاء ومتخلفون وبالتالي ينبغي تركهم وعدم الانشغال بهم!...اذا في كلا الحالتين تطرف غير محبب!...نعم قد يكون هنالك بارزون فكريا وثقافيا منهم ولكن ذلك شيء طبيعي لان الشائع هو سيادة صاحب الفكر والثقافة على اصحاب الجهل والتخلف،فهل رأينا اميا جاهلا يشار اليه بالبنان يوما ما؟!...الجواب بالتأكيد كلا! اذا في هذه الحالة سوف يكون الاستناد على مايطرحه البارزون فكريا من الملحدين من قضايا يعتبرونها من الاسباب الرئيسية لتحولهم نحو الالحاد او التنكر للخالق والدين! واهمال الاغلبية الساحقة من الجهلاء وانصاف المثقفين والمقلدين!.
من هذا المنطلق نبدأ القول ان الغالبية الساحقة للمتحولين للالحاد لم يبنوا اعتقاداتهم الجديدة وفق دراسات موضوعية معمقة للفكر الاعتقادي والفلسفي  الاسلامي حتى توصلوا الى تلك النتيجة المضادة! والتي من شروطها ايضا ان لا يكونوا في وضع نفسي سيء مسبقا حتى لا يؤثر على درجة التغيير المستندة على اسس قوية،بل استمد تحولهم من وجود مصادر الاخطاء الشائعة في التدوين او في التاريخ الاسلامي سواء حكاما او شعوبا،وهي اساسا خاضعة للانتقادات الاسلامية الذاتية قبل ان تكون مصدرا للنقد الالحادي الخارجي!...فالسيرة النبوية الشريفة والاحاديث التي دونت عنها هي خاضعة لمنهاج قاسي من التحقيق بغية الوصول الى ادق النتائج المرجوة كي يبنى الاعتقاد السليم حولها، في حين نرى ان استناد الاغلبية الساحقة من الملحدين عليها وكأنها نصوص مقدسة عند جميع المسلمين ولا يقبلون اي المسلمين نهائيا التحقيق حولها مما يعني ان مستواهم الفكري والاخلاقي هو وضيع لا ينبغي لطالب الحق اتباعه!...انه منطق هزيل لا يمكن الركون اليه،فمتى كان التاريخ المعاصر المدون والمستند بالصورة والصوت دقيقا الى درجة مطلقة يعتقد به الاخرون بصورة لا تقبل الشك وتصل الى درجة اليقين المطلق؟! ان العيش في العصر الحديث بين لنا المقدرة البشرية العالية من الكذب والتدليس والتحريف والتحوير بل وهزلية العقل البشري في عدم الاعتقاد والتصديق حتى ولو كانت منقولة بالصورة والصوت وامام الملايين نقلا مباشرا!!وان ابسط خبر اليوم يمكن لنا رؤيته منقولا بمختلف الصور في عينة عشوائية بسيطة من وسائل الاعلام! فكيف اذا والحال في امة كانت تعيش الضياع في صحراء قاحلة ولا يزيد عدد المتعلمين فيها على بضع عشرات فقط ولم تكن لديهم لا مدارس ولا جامعات ولا وسائل متقدمة في التدوين قادرة على نقل تراث ضخم بدقة لا يأتيها الشك ولا تخضع للتحريف والتدليس والاخفاء؟!...اذا كان عدد الاحاديث النبوية الشريفة يقدر بمئات الالاف وهي في فترة زمنية قصيرة وتم البدء في تدوينها بعد مرور قرن على رحيل الرسول الاعظم(ص) لاسباب معروفة او مجهولة! فكيف تأتي الدقة والثقة فيها في ظل الاضطرابات السياسية والاجتماعية آنذاك؟!...نعم هنالك احاديث موثقة متداولة وهي قليلة بالطبع ولكن كل حديث يخالف القرآن والعقل والمنطق هو مرفوض حتى ولو كان سنده قويا كما يشاع وبالتالي فأن اي حجة لدى المتحولين نحو الالحاد مرفوضة حول هذا الاساس وسوف يكون الدافع الذاتي نحو الالحاد من هذا الجانب ليس فقط مرفوضا وهزيلا بل ويكون اساس الالحاد المستند اليه باطلا ولا قيمة له!.
الدوافع الذاتية التي يسوقها الملحدون حول اسباب تركهم للاسلام في انهم يدرسون التراث القديم وفق المناهج العلمية الحديثة والبيئة المعاصرة التي تولد الحضارة الحديثة المستندة على حقوق الانسان والحريات الفردية! وليس وليدة الظروف السابقة المحيطة بالحدث والتدوين،وعلى هذا الاساس كانت نتائجهم بعيدة عن الدقة والوضوح والعدل،لانه في هذه الحالة سوف نقيس كل حقب التاريخ الماضية وفق ما يمليه عصرنا الحالي من مناهج وظروف جديدة هي اساسا غير ثابتة! فمن يضمن لنا في المستقبل ان تكون فيه نفس ظروفنا الحالية سواء الفكرية او المعيشية بنفس الدقة؟!..اكيد الجواب كلا!...واذا في هذه الحالة سوف يكون اسس الالحاد منهارة كما هي كافة الاسس المقيمة على اساسها المذاهب الفكرية المعاصرة لكون المقدرة التحليلية في المستقبل لا تخضع نهائيا للظروف المؤثرة بالحدث المادي والمعنوي في نفس اللحظة!...ولنعطي مثالا يقرب الى الاذهان ذلك المضمون:وهو ان دراسة الماركسية ونقدها حاليا لم يكن ابدا موجودا بنفس الكمية والكيفية سواء عند بدء ظهورها في منتصف القرن التاسع عشر او مع بدء انتشارها في بداية القرن العشرين،بل وحتى عند انهيار النظم الاشتراكية في العقد الاخير من القرن العشرين،ولذلك فأن الدراسات النقدية والتحليلية الحالية(واكيد سوف تتطور اكثر في المستقبل) على درجة عالية من الدقة والموضوعية التي تبحث في كافة دقائق التاريخ وبما انه اكتشف عدد كبير من الاخطاء الفكرية والعملية التي استندت عليها مختلف فروع المدرسة الماركسية،فهذا يعني ان تلك الاخطاء تبناها ودافع عنها بوحشية مؤلمة احيانا عشرات بل مئات الملايين من البشر دون ان يعوا الى حقيقة الخطأ او الجرم الذي يرتكبونه بحماس وشجاعة قل نظيرها!...انها علامة فارقة دائمة في تاريخ الانسان! ولكن الاسوأ دائما هو من يبقى مواصلا طريقه الخاطئ ويدافع عنه بطريقة مهينة للعقل البشري بل وللانسانية كلها ويمكن لنا استحضار الكثير من الامثلة في التابعية الذليلة لكل من هب ودب في سماء الحكم والفكر والذي ظهر فساده واجرامه وانحطاطه بعد رحيله من الحياة!.