إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/05/31

اطفال تحت التعذيب!

اطفال تحت التعذيب:
عندما سئل فيلسوف التشاؤم شوبنهاور لماذا هو كذلك! اجاب وهل تريدون ان اكون سعيدا وانا ارى المآسي والآلام المستمرة في العالم!.
بالفعل من يراقب تلك المآسي ويعيش بعقله ووجدانه ولو جزئيا حياة اصحابها لمات هما وغما ولقضى على كل امل له في العيش بسعادة حقيقية بالغة خالية من المنغصات المجاورة!.
لم تخلو حقبة زمنية واحدة من تعذيب الاطفال كجزء فرعي ثابت من التعذيب العام وكأنه نشاط تقليدي متوارث لا يمكن الاستغناء عنه!... وعليه فأن التاريخ الانساني مروع بلا شك والتوغل فيه بدقة موضوعية هو عمل متعب للعقل والوجدان كونه يتضمن انحطاط لاحدود له تعجز الكلمات عن وصفه او التعبير عنه بدقة لما حصل،ولماذا حصل اصلا؟!ومهما حصل من تزوير فلن يستطيع محو تلك المآسي وآثارها وخيرا ان اكتشف تكنولوجيا وسائل نقلها بدقة حتى يتبين للجميع مدى المستوى الوحشي للانسان حتى يتوقف عن التبجح بحضارته!...
وكما للتعذيب فروع واقسام وانواع،فأن الفاعل الرئيسي للتعذيب هو جهتان:الاول من لديه سلطة جمعية كالحكومة وما يليها في الحجم والسيطرة والاهمية من منظمات وتجمعات مختلفة او الثاني وهم الاهالي بصورة فردية بالطبع...والنوع الثاني هو ناتج من شذوذ لبعض الافراد ويمارسونه لاسباب مختلفة ولا يمكن تعميم مصطلح الاغلبية موافقة لهذا الفعل المشين لانه عمل مقيت بالاتفاق ولكن هم افراد خارجون عن العرف والشرع والقانون ومستوى شيوعه يختلف من بيئة لاخرى وحسب الاختلافات المتعارف عليها...
اذا في هذه الحالة يكون الفعل الجماعي هو مصدر الاستنكار الرئيسي والمثير للانتباه كونه ناتجا من فعل مشترك بأرادة قانونية او عرفية ولم يكن لهذا الفعل المشين من ردة تمنع حدوثه بل اصرار على المواصلة تحت حجج واهية!وبالتالي يهمل القسم الثاني اي العمل الفردي لكونه خاضعا للعقاب من قبل السلطة والمجتمع ومرفوض من قبلهما!.
وفي العالم ينتشر هذا التعذيب المخزي ولكن للعالم العربي خصوصية مميزة ظهر البعض منها اثناء الثورات المعاصرة بصور مرعبة لا مثيل لها كانت مخفية بفعل الستار الحديدي!.
في 30ايلول(سبتمبر)2000 سقط الطفل الفلسطيني محمد الدرة شهيدا برصاص القوات الاسرائيلية قرب مكان اشتباكات ولم يتعرض للتعذيب لكون الحدث منقول بالصورة والصوت،وحينها هاج وماج الاعلام العربي الرسمي لهذا الفعل المشين بحق طفل بريء من قبل اعداء مفترضين! واستغلت هذا الحدث للتغطية على الكثير من القضايا المستعجلة،ولكن لم يسأل احد في تلك الظروف والهيجان الشعبي الحاد في اعلى مداه عن حالات قتل وتعذيب الاطفال الواسعة الانتشار وبصورة منهجية ثابتة لدى اجهزة رسمية تابعة لنظم مختلفة في تكوينها ورؤاها ولكن الرابط فيما بينها انها وحشية وهمجية وتوالي حاكمها وزمرته على حساب الدين والوطن والشعب بطريقة غريبة حقا لا يمكن قبولها بتفسيرهم الخاص!.
ومع اندلاع الثورات العربية المعاصرة،فأن المستتر قد كشف للجميع بفعل حالات الفوضى والنقل الحي...صحيح انه معروف للواعي المتابع ولكن الاغلبية الصامتة كانت بين تجاهل او عدم معرفة من الاصل!.
تعذيب وقتل الطفل السوري الشهيد(حمزة الخطيب) لم يكن الاول ولن يكون الاخير مع شديد الاسف في القائمة الطويلة من الاطفال الشهداء وبخاصة الذين تعرضوا الى تعذيب وحشي ادى الى موتهم،كما ان النزاعات الداخلية والخارجية تؤدي بلا شك الى ضحايا صغار يتحمل مسؤوليتهم الاطراف المتصارعة وبخاصة الطرف الاقوى!.
تاريخ معاصر مروع!:
من له تاريخ مشين لا يحق له ان ينتقد الاخرون بصوت عال كما تفعل وسائل الاعلام العربية الرسمية وهي الممثلة الشرعية لاصحابها!.
 نشرت منظمات حقوق الانسان في تقاريرها القديمة انه خلال الربع الاخير فقط  من عام 1979 عذب حتى الموت على يد الاجهزة الامنية البعثية في العراق (38)طفلا اثناء حملة الابادة الوحشية على المعارضة! وهذا ورد حسب تلك الفترة القصيرة وضمن ما تأكدت منه تلك المنظمات مما يعني ان الرقم الكلي يفوق هذا المعلن بكثير! لانه المعروف عن الاجهزة الامنية السرية انها تمنع وصول اي معلومات عما تقوم به وبالتالي فأن الثورة التكنولوجية الحديثة لم تكن آنذاك بنفس المستوى الحالي وهي التي كسرت تلك القواعد المعمول بها بدون اذن مسبق!... سجن وتعذيب وقتل الاطفال  وبأعداد خرافية اثناء الحكم الدموي لبعث العراق لم يكن سرا بل هو عمل معروف يمارسه الجلادون بصلاحيات واسعة ممنوحة ضمن طرقهم الهمجية لانتزاع الاعترافات ونشر الاذلال بل وكان وسيلة لنشر الرعب والخوف في صفوف الشعب خاصة وان الانسان عادة يخاف بدرجة عالية على اطفاله من أذى اعداءه وانتقامهم، ومشهور عن الطاغية صدام فلتات لسانه في استحضار وصف تعذيب الطفل! كما وان الثورات بين عامي 1963-2003 تسببت بمقتل الالاف منهم ضمن حملات القمع الوحشي لها اضافة الى آثار الحصار الاجرامي المدمر،كذلك وبصورة علنية قتل ودفن في مقابر جماعية الآف الاطفال مع ذويهم بدون ادنى شفقة او رحمة،أما الجرائم التي ارتكبت بعد عام 2003 فقد كانت تتم بصورة علنية من قبل التحالف البعثي التكفيري الذي يضم بقايا النظام البائد وبفتاوى التكفيريين الجدد من وراء الحدود!كما ظهر في الجريمة المروعة التي اعلن عنها حديثا وقتل فيها 70 شخصا كان بضمنهم 15 طفلا لكونهم شيعة عام 2006 وكانوا قد حضروا حفل زفاف كما اعترف بذلك المجرمون المتعصبون على شاشات التلفاز! وما خفي من الجرائم كان افظع وقد يكون انعدام الدلائل والزمن مساعدان على ذلك.
في ليبيا،اظهرت الثورة الليبية حجم الاجرام البشع الذي يمارسه نظام القذافي والذي من بينه قتل الاطفال بدم بارد اثناء قصف المدن بدون ادنى مراعاة للموجودين او قتل المعارضين، وهذا يدل ان لهذا النظام الارهابي المتخلف تاريخ طويل في تعذيب الاطفال وقتلهم واكيد ان ذلك كان سرا من اسرار حكم القذافي مثلما هو يشتهر بخطف المعارضين لحكمه!.
الثورة السورية المعاصرة هي التي فجرها الاطفال بحق من خلال اعتقال مجموعة اطفال درعا،وبذلك تكون اول ثورة في التاريخ يكون الاطفال اصحاب الشرارة الاولى فيها بل اصبحوا الرموز الخالدة فيها!...والغريب مصادفتها مع النظام البعثي السوري الذي لا يحترم الطفولة بدرجة مخيفة كجزء من عدم احترامه لحقوق الانسان! ولهذا ليس غريبا ان تظهر الجرائم وهو الذي يقصف المدن وكأنه في دورة تدريبية او معركة مع جيش آخر دون ادنى مراعاة للمدنيين،ولعل مقتل الاطفال بكثافة اثناء الثورة السورية وبتلك الوسائل الوحشية هو دلالة على مستوى الهمجية والارهاب الذي تتصف به اجهزة هذا النظام الفاسد!.
اما تاريخ النظام السعودي فهو مرتبط بالحركة الوهابية التي تبيح دماء واموال المخالفين حتى ولو كانوا اطفالا!! وتاريخ الحروب الداخلية والخارجية لتلك الدولة منذ القرن الثامن عشر محفوظ وقد اظهر مدى الابادة و الوحشية التي اتصفت بها جيوش تلك الدولة وبغطاء ديني مزيف من علماء سلاطين متعصبون يفترض بهم منع ذلك لو كانت لديهم ذرة انسانية!.
ولبنان الذي هو مثال للحرية النسبية في العالم العربي،شاعت فيه جرائم قتل وتعذيب الاطفال اثناء الحرب الاهلية!وكأن الانفتاح والحريات لا يساعدان على ازالة الدوافع الذاتية للاجرام، وقادة مرتكبي الجرائم هم الان قادة دولة ومعفيين كالعادة مع القتلة من المسائلة والعدالة ولنا بمجزرة صبرا وشاتيلا مثالا رهيبا يبين ما وصلنا اليه من انحطاط يحاول البعض رميه بالكامل على اسرائيل!.
وهنالك امثلة عديدة اخرى كما هو الحال في مصر ايام الحكم الملكي والجمهوري وان كان مصادر النشر ضئيلة! وفي الاردن وبخاصة ايام ملك الخيانة حسين اثناء حرب ايلول 1970 وفي المغرب ايضا وبخاصة المثال الشائع عن اعتقال اطفال اوفقير الذي بين ما وصل اليه الحسن الثاني واسلافه الذين ورثوه!وفي تونس والسودان والبقية امثلة لا يمكن حصرها بدقة...
اذا لا يمكن استثناء احد من المشاركة في تعذيب تلك الفئة التي لا ينبغي ان يصل الى اقدامها احد، بل هي فوق الجميع تسمو بروحها الصافية النقية الخالية من الاجرام والنفاق البشري الذي يحظى به البالغون!.
كل من ساهم او تستر او برر على سجن وتعذيب وقتل الاطفال من اية جهة كانت وفي اي مكان او زمان هو شريك في الجريمة ويستحق كل عقوبة دينية او دنيوية ومصيره الخزي والعار!...والواجب على الجميع نشر كل الجرائم بغض النظر عن قدمها ومكان وقوعها خدمة للعدالة الجريحة وهي محاولة ضعيفة نسبيا لازالة جذور تعذيب الاطفال!.
اي خزي وعار بل اي مصير سوف يكون لاي نظام يمارس وحشيته مع الاطفال،هل الاحتفاظ بالسلطة البائسة هي تستحق وتبرر ذلك السلوك المشين؟.
اي بؤس اشد من هذا المستنقع الوضيع الذي نعيش فيه ضمن وسط يضم وحوشا آدمية تحظى بالتأييد لدى البعض!...الاطفال الشهداء هم روح الشهادة ورمزها وهم صواعق مهلكة على رؤوس الجبناء.
ان دماء الاطفال الابرياء سوف تكون اقوى معولا في هدم كل سلطة ديكتاتورية في العالم وسوف تسرع في ابعاث الطغاة الى  اسفل مزابل التاريخ.
وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون!...



2011/05/29

السخاء بين العرب والغرب

السخاء بين العرب والغرب:
ظهرت قائمة جديدة لمجلة فوربس الاقتصادية الامريكية،تتضمن اسماء اكثر الاثرياء سخاءا في العالم مع بعض الاشارات عن اوجه الصرف، وكما هو متوقع لم تتضمن القائمة عربيا واحدا! وهي دلالة على خرافة الكرم العربي المتوارث والتغني به...نعم قد يكون هناك استثناءات في الماضي ولكن نحن نعيش في الحاضر وتبعاته سوف تمتد الى المستقبل وعليه فلا فائدة من التبجح بكرم الاسلاف للتغطية على النقص الموجود في اجيالنا المعاصرة...صحيح ان الامر برمته لا يتعلق بتاتا بالاغلبية الساحقة لكونهم خارج نطاق الثراء وهم يصارعون من اجل البقاء ولكن التهمة موجهة لاصحاب الثروات الضخمة وبخاصة من يتربع على سلطة المال والجاه معا!.
الكثير من المؤسسات الخيرية بنيت في الغرب من اثرياء تبرعوا بأموال ضخمة والبعض منها لا يحمل اسم صاحب التبرع!والحكومات اساسا تشجع ثقافة التبرع والتطوع وبخاصة من خلال اصدار تشريعات الاعفاء الضريبي او القانوني مع فوائد الدعاية المجانية لصاحبها،وهو غير موجود عندنا بالرغم من وجود مؤسسات قديمة تعمل بنفس النمط من قبيل الاوقاف الدينية.
لم تخلو القائمة من اثرياء يتبعون بلادا اسيوية في طور النمو،مثل  الصين والهند! فتلك البلاد تتقدم الان بنفس خطى الامم التي سبقتها واكيد ان اغلب اثريائهم كما هو الحال في الغرب حصلوا على ثرواتهم التراكمية بأبداعاتهم العلمية والادبية والمالية والاقتصادية بعكس حال المصادفة في العالم العربي،حيث المصدر الرئيسي هو الفساد والسلطة والوراثة والنفط! وعليه فأن ضعف عاملي الابداع الذاتي والعصامية يجعل من الصعب على صاحب الثروة ان يكون سخيا وقريبا في تصرفاته ومشاعره تجاه مواطنيه الفقراء فكيف في حالة المقارنة مع اثرياء القائمة الذين يتبرعون بمبالغ خيالية لبلاد بعيدة عنهم قلبا وقالبا بل ويبقون مجهولون لكافة الاطراف!...ان اجراء المقارنة والاستقصاء في هذا المجال لهو امر هزلي حقا وعليه فأن الابتعاد عنه سوف يريح البال والخاطر بلا شك!...
اذا تابعنا وسائل الاعلام العربية وهي تنقل اخبار تبرعات الاثرياء العرب على قلتها فهي بطريقة دعائية خالية من الروح الانسانية السامية،وهي تكون بعملات ضعيفة او انها بغير المقياس الموحد اي الدولار الامريكي! اي اننا نرى ان التبرع الدعائي يكون مثلا بالريال السعودي او الجنيه المصري او حتى بالليرة اللبنانية! وحينها نرى كيف تخرج للعلن الارقام الفلكية التي لا تدخل قائمة فوربس المسكينة!وعليه فأن من حق الاثرياء العرب الاحتجاج على المجلة لعدم ذكر اسمائهم! لانها تدخل حجم التبرعات حسب القيمة وليس حسب العملة ومقاييسها الغير ثابتة!ولو كان الامر كذلك لرأينا تبرعات بعملات منهارة يتم التعامل معها بارقام اكثر رعبا من العملات العربية!...اتذكر مثال للمقاربة،وهو تبرع الملك فهد ايام حرب البوسنة لشعبها الجريح بمبلغ 50 مليون ريال وفي نفس الوقت تبرع مايكل جاكسون بنفس الرقم ولكن بالدولار الامريكي! بالرغم من الفارق الكبير بين حجم ثروتيهما ونوعية مصادر تمويلهما!.
الامر المخزي ان بعض الاصوات النشاز في الخليج والتي تلقى احيانا اذنا صاغية،تطالب حكوماتها بالتوقف عن التبرع للخارج والاقتصار على الداخل! بينما تجهل بحماقة لا تجارى ان حجم التبرعات ليس كبيرا كما يشاع فالكثير من الكوارث الطبيعية فضحت سلوك الانظمة العربية المنحط،من قبيل كارثة التسونامي او ازمة الاونروا المالية او الزلازل والمجاعات في الكثير من دول العالم وهي بالمناسبة لا تسد حجم مشروع ضخم يطالب به هؤلاء ،بالاضافة الى ان بعض صناديق المساعدات الخارجية هي صناديق استثمارية تمول ذاتها بذاتها بل ان البعض منها اصبحت ارباحه تفوق انفاقه واخذت تنفق على الداخل!هذا بالاضافة الى انها ادوات لخدمة السياسة الخارجية...فالجهل ليس وحده قاتل هنا،بل ان انعدام اثر الدين والاخلاق والضمير الانساني الحي هو وراء تلك المطالب التي لا تدل سوى على ضحالة في التفكير وعلى ضعف انسانية صاحبها!.
اذا لا مجال للاستغراب في عدم وجود اسم عربي ضمن قائمة الاكثر سخاءا في العالم بل الاستغراب يكون اذا رأينا احدا ضمن هذه القائمة مستقبلا! فمازال مصادر بناء تلك الثروات غير شرعيا فليس من المعقول ان يتم تطهيرها وتطهير صاحبها من الآثام من خلال التبرعات التي لا تكون الا بقناعة تامة وبعيدا عن الاضواء،فالمال الحرام يسير في الانسان كمجرى الدم فيه!وقد رأينا بعد انتصار ثورتي تونس ومصر كيف كان الفساد مصدر لتكوين الثروات لفئات كانت وسائل الاعلام تتغنى بهم وبعبقرياتهم الفذة وبأمجادهم البطولية والتي هي مثال لكل طالب ثراء! .
انتظار متبرع اجنبي هو اجدى وانفع لفقراء العالم العربي من متبرع محلي!.

2011/05/25

الاستغباء السياسي!

لا تنطبق صفات الذكاء على النظم السياسية المختلفة واصحاب القرار فيها،فلولا الغباء المتوارث والاسباب المؤدية له لما رأينا هذا الكم الفظيع من الكوارث الانسانية المتتالية منذ فجر التاريخ والتي يستطيع الانسان العادي بقليل من الذكاء والحكمة تجاوزها بسهولة ويسر اذا توفرت له الصلاحيات المتوفرة لاصحاب السيادة!...
ان ما تقوم به النظم المستبدة كما هو حال الانظمة العربية المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية من سلوك الاستغباء السياسي كجزء من حالة الاستغناء التام عن المشاركة الشعبية الحقيقية في صنع القرار والاستهانة بها الى درجة الاحتقار التام والتعامل بطريقة السيد والعبد المملوك،فذلك امرا طبيعيا اعتدنا عليه ولا يمكن نكرانه!ولكن ان تقوم دول كبرى بفضح نفسها بنفس طريقة الاستغباء فذلك امرا مثيرا للانتباه والاستغراب الاستنكاري!.
الظاهر انه ليس فقط الانظمة الاستبدادية في العالم المتبعة لهذا المنهج الهزلي في التعامل مع الرأي العام! فعندما يصف الغرب القذافي ونظام حكمه بعد بدء الثورة عليه بأنه نظام قد فقد شرعيته،فذلك امرا مضحكا ويندرج تحت خانة الاستغباء السياسي! فمتى كانت للقذافي ونظامه الشرعية حتى يمكن ان نقول انه فقدها؟!...هل يحاول الغرب ومن يتبعه الضحك علينا حتى يكررون تلك العبارات عندما يراد تبرير العمليات العسكرية ؟! الوضع لا يحتاج الى تبرير فمثله لا يحتاج الى اي تبرير للقضاء عليه!...هل هناك انسان حر وعاقل يصدق خرافة الشرعية الثورية التي يتشدق بها الرؤساء او الشرعية الوراثية التي يتشدق بها الملوك والامراء؟!...ان الامر برمته هو ضحك على الذقون! فالشرعية الوحيدة هي الناتجة من قبول الغالبية الشعبية بنوعية نظام ما وايضا في اختيار حاكمه،وهؤلاء الزعماء،تحكموا وتجبروا بسبب الظروف المواتية لهم والتي كانت من ابرز مصاديقها الغدر والخيانة والقسوة واستغلال الاوضاع الدولية والثروات المحلية!...الامر ينطبق ايضا على النظام البعثي في سوريا او من قبل توأمه النظام البعثي البائد في العراق والتباكي على الشرعية الزائفة لهما والتي لا يمكن وصفها الا بحالة الاستغباء السياسي لانهم يعرفون جيدا ان ذلك الحزب الارهابي الشرير المنقسم على ذاته لا يمكن ان يملك ادنى شرعية تحت الارهاب والقمع الوحشي الذي مارسه لعقود طويلة وعليه فأن الوصف الادق هو النظام الارهابي الذي حانت ساعة دفن جثته المتعفنة منذ عقود!.
العبارة الاخرى التي يتشدق بها الطغاة وحواشيهم هي ان تأييد الثورات او الاحتجاج على الانتهاكات لحقوق الانسان هي تدخل سافر في الشؤون الداخلية!...هل معنى ذلك ان للسلطة حق ابادة الملايين دون ان يتدخل العالم؟وهل ان زمن الاستغباء باق حتى يمكن ان نكرر امثال تلك العبارات الخاوية من اية قيمة؟!...الحقيقة انه قد انتهى زمن الاحتجاج بتلك العبارة الجوفاء منذ انتهاء الحرب الباردة التي استغلها الطغاة في تأسيس نظم ارهابية قاسية تمارس الاجرام دون ردع او خوف من التدخل الدولي الذي يقف مترددا تحت بند قانوني زائف بعدم التدخل ضمن الشؤون الاخرى حتى لو كانت ابادة! وما حصل من ابادة مبرمجة لشعب العراق كانت ضمن هذا السياق حتى ان القرار الدولي اليتيم 688 الذي هو لصالح وقف المجازر كان الوحيد غير ملزم!...اذا في هذه الحالة وقف المجتمع الدولي ومؤسساته شريكا للاجرام والارهاب، فالمجازر التي حدثت في البوسنة ورواندا ودول غرب افريقيا وكمبوديا لم تقف الا بعد ان تدخلت بعض الدول تحت تأثير شدة الجرائم واتساع دائرة الابادة بينما بقي تدخل المجتمع الدولي مترددا في ارسال القوات لتحرير الشعوب الثائرة او حتى مساعدتها في مواجهة محنتها بل ظهرت ادلة على استغلال المعاناة لاغراض خبيثة لا تمت للاخلاق بصلة او منعه التدخل الاقليمي بحجج تافهة لا يمكن ان يقبلها المنطق الداعي الى التحرير!.
المثير ان بعض الدول التي تعرضت لموجة من الاحتجاجات مثل السعودية تتدخل بشكل علني في الشؤون الداخلية لكثير من البلاد الاخرى وتحت ستار كثيف من الحجج الواهية ولكنها ترفض بشدة تدخل المجتمع الدولي لصالح الحريات او المعتقلين في الداخل نتيجة لبعض الاضطرابات او العمل على منح المزيد من الحريات! لقد تناسى هؤلاء ان زمن الارهاب والقمع المتستر برداء الاحتجاج على التدخل في الشؤون الداخلية،قد انتهى وان واجب رعاية حقوق الانسان هو مسؤولية كل فرد!.
الاستغباء السياسي والضحك على الذقون انتهى دوره وزمنه،فلا احد يصدق ان تلك الانظمة تقدمية او ثورية او تحريرية او انها تحارب الاستعمار وتناضل في سبيل الحرية والديمقراطية،كما انتهى دور الخرافات الاعلامية مثل التطور الاقتصادي والاجتماعي ومحاربة الرجعية والحفاظ على الوحدة الوطنية من التمزق الخ من العبارات التي ظلت تصدح بها وسائل الاعلام لعقود طويلة!.
اذا شعرت النظم المتحكمة بأن اكاذيبها مفضوحة للجميع،لجأت الى دور الاستغباء السياسي الذي لا يعير للمقابل اهمية في كونه عارفا للحق وواعيا لحقوقه،ومن هنا فأن المتتبع لسيرة وشؤون تلك الانظمة وقياداتها ووسائل اعلامها ينكشف له مقدار حجم الغباء او الاستغباء وعليه من المؤسف بقائها او بقاء من يؤيدها!.
لقد اصبح العالم قرية صغيرة ضعفت فيه قوة الحكومات ونفوذها وازدادت قوة الشعوب وانتزاعها لحقوقها الشرعية المسلوبة وبذلك فأن حركة التضامن الانسانية الرائدة هي اصبحت من القوة ان الانظمة اصبحت ترتعب منها،بل اصبحت منظمات حقوق الانسان هي الاكثر سيادة ونفوذ وشعبية لدى قطاعات واسعة من انظمة عفى عليها الزمن.



2011/05/23

الشجاعة الانثوية

بعد عقود طويلة من الركود السياسي في العالم العربي،جاءت شرارة الثورات العربية المعاصرة لتكون اخر الاقاليم الكبرى في العالم التي تجتاحها رياح الحرية الحمراء ولكن بتكاليف مادية ومعنوية تفوق الجميع،فأقل تكلفة ثورة كان عدد الضحايا فيها يفوق ضحايا جميع الثورات في شرق اوروبا في اواخر الثمانينات!وهو ناتج بالتأكيد من اسباب عديدة،ولكن تبقى درجة الخطورة العالية لمن تحدثه نفسه في ان يقوم بثورة او حتى احتجاج ما لتحرير شعبه من الاستبداد الذي تجاوز الحدود الغير معقولة لفترة طويلة جدا!وهي درجة قياسية لا يمكن نكرانها وبالتالي فأن الثائرين الان هم شجعان بأعلى المستويات المتعارف عليها ولا مجال ابدا للاستهانة بهم حتى لو كانت اهداف او سيرة البعض الماضية مشينة وتختلف عن الغالبية الثائرة التي كانت تكتم غضبها!... الاستهانة بالروح لتحرير الذات والاخرين من العبودية هو اسمى الاعمال واكثرها تقديرا ،وهذه العملية المثالية ذات مدلول سحري وجمالي خلاب يتحول بموجبه الفرد الى قوة كبرى من مزيج مادي وروحي يذوب في عوالم الحرية والحق والعدالة التي هي سمات دائمة...نعم هنالك اناس ليست لديهم المقدرة على وعي تلك المعاني السامية بدرجة عالية، وتفاعلهم معها يبقى محدودا ولكن للتغيير الجديد عالمه السحري الذي يزيد الوعي والادراك للجميع الى مستويات اعلى يتلقفها المرء بتلهف العطشان للماء.
الثوار الشجعان الذي يتقدمون الصفوف ويقدمون قرابين الحرية بلا حدود وهم يعرفون انهم يواجهون قوى وحشية في غاية النذالة والحقارة والجبن هم اسمى الحاضرين في المشهد العالمي واكثرهم نقاوة في زمن يزداد تلوثا!...لقد زالت الصورة السوداء المرسومة على جباه شعوبنا المستضعفة بتضحيات وبسالة هؤلاء الثائرين واصبحت نظرة الاخرين مختلفة الى درجة الاعجاب الشديد!.
وفي المقابل فأن الحكام وحواشيهم والسائرين بمنهجهم والقابلين بفتاتهم والراكعين تحت اقدامهم والمهاجمين للثائرين في بلادهم،اثبتوا للجميع انهم بجدارة من احط المخلوقات واكثرها لؤما لانعدام الاحاسيس والمشاعر الانسانية التي تتحرك بسهولة عندما يرى المرء سقوط هذا الكم الهائل من الشهداء ومن مختلف الطبقات وبطرق وحشية في غاية الارهاب والقسوة وهم ثابتين كالجماد في مواقفهم المشينة!.
عندما نرى بجانب الشباب الكثير من الاطفال وكبار السن يواصلون المسيرة دون خوف او رعب،فأن النفوس سوف تكون مطمئنة للانتصار الحتمي الذي ينهي الحقب السوداء ويبشر بمستقبل واعد لامجال للارهاب والاجرام والفساد والكذب والتدليس وغسل الادمغة فيه...واي شيء اعظم من ان نرى تلك الجموع الثائرة وهي مولودة في زمن غسيل الدماغ والعبودية المطلقة وهي تتفاعل مع الحياة بطريقة مثالية تحسدها اجيال تربت على جو من الحرية المطلقة!انها بالفعل ارادة الشعوب التي لا تقهر والتي تهزم اعتى الطغاة واكثرهم ارهابا واجراما!.
ميدالية البطولة الخاصة:
تميزت الثورات المعاصرة بصفة مميزة وهي مشاركة انثوية واسعة الى درجة تواجدها في كل الاماكن بل وتصدرها في البعض منها بالرغم من حالة الخطورة القصوى!...وهذه المشاركة لا تنحصر ببلد ما بل الغريب ان حالة التمدد الثوري قد اجتاح الجميع بدون استثناء وجعلهم متقاربون في كل شيء! والامثلة على ذلك غير محدودة...انها بالفعل يقظة مفاجئة للجميع وجائت بفعل شرارة لم تكن في الحسبان ابدا...ان تلك المشاركة البطولية التي لا يعرف معانيها العالية الا من خبر وعرف طبيعة الانظمة العربية واجهزتها الامنية والعسكرية المتشبعة بروح وقيم النذالة والقسوة والهمجية والضئالة الذاتية الى درجة تنعدم فيها مبادئ الفروسية والشجاعة والنخوة والتفاني والوطنية!والتي كانت السبب الرئيسي في الهزائم المنكرة على كافة الجبهات...هذه الصفات الرذيلة اذا اجتمعت عند فئة متحكمة ومتسلحة هدفها الاوحد هو البقاء لاجل غير مسمى فأن امر الخروج عليها وبخاصة من النساء يعتبر بطولة مستميتة لا مثيل لها لان الخروج من دائرة الرفض والتمرد والعودة سالمين هو بحق معجزة فكيف اذا كانت للمرأة خصوصية في المجتمع الشرقي وهي مهددة بأسلحة قذرة تمس شرفها وكرامتها وحقها في الحياة الحرة الكريمة،انها بلا شك مجازفة لاجل الحرية والكرامة التي تستحق تلك التضحية بلا شك كما يستحق افرادها التكريم!.
ان تلك المشاركة البطولية قد اخرجت المرأة في العالم العربي من الاتهام المتعسف والمتمثل بالجهل والتخلف واللهو والعبث والابتعاد عن التصدي للمشاكل العامة،وهي اثبتت بذلك انها قدوة حسنة ووريثة شرعية لكل النساء اللواتي برزن في التاريخ الاسلامي بخاصة في الشجاعة والعلم او تاريخنا المعاصر وبخاصة المجهولات منهن!.
ان ما قامت به بصورة خاصة الدول المنتسبة للنادي الثوري القديم! مثل ليبيا وسوريا من اغتصاب وقتل وتعذيب على نطاق واسع للعناصر الانثوية الثائرة لهو بالامر المخزي والمتوقع ويثبت انه ليس لتلك الانظمة علاقة باليسار او القوى الثورية كما ان النظام الطائفي في البحرين اثبت هو الاخر انه نموذج اخر لتلك الممارسات المشينة وايضا للمؤيدين له وبالتالي لن يخلو نادي المنتهكين لحقوق الانسان وبخاصة المرأة من انتماء تلك الانظمة، فالعضوية مفتوحة للجميع وليست مقيدة بموقع جغرافي او سياسي بل شرط الانتساب الاساسي هو المحافظة على العرش بكل ما اوتي للمرء من قوة وخبث وفساد!.
ان تلك الثورات العربية المعاصرة قد أسست لنهضة عربية شاملة سوف لن يتخلف عن ركابها احد بسبب جنسه او لونه او عمره ! فالجميع سواسية ولهم حق المشاركة كما لهم حق الانتفاع بثمرات تلك الثورات المباركة،والمرأة احق من غيرها بذلك نظرا للظلامية الطويلة التي مورست بحقها وفق التفسيرات الخاطئة المتوارثة،فالحقوق الدينية والانسانية تكفل لها ذلك وهي اثبتت جدارتها في الجهاد والنضال كما هو في العلم والعمل،وفي التجربة خير برهان على وجودها.
على الجميع بذل اقصى ما في الجهد لتحقيق العدالة بحق المنتهكين لحرمة الابرياء وبخاصة النساء...فزمن الذل والعبودية انتهى.
المجد والخلود للمرأة الثائرة التي تشارك في رفع راية الحرية لتواصل المسيرة بجانب الاخر،والخزي والعار لكل من انتهك حرمتها وخصوصيتها وكرمتها وانسانيتها...