إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/09/30

الدوافع الذاتية للالحاد:3

الدوافع الذاتية للالحاد:3
تصنيف الدوافع الرئيسية:
نظرا لاختلاف وتنوع الدوافع الذاتية التي تدفع صاحبها لاعتناق الالحاد كعقيدة جديدة،فأنه يمكن تصنيف الدوافع الى تقسيمات رئيسية ومن الممكن ان تصنف الى فرعية وكل دافع جديد يمكن ان يصنف بتصنيف جديد ايضا!...والتقسيمات الرئيسية هي:
اولا:الدوافع الدينية.
ثانيا: الدوافع الاجتماعية.
ثالثا:الدوافع الاخلاقية.
رابعا:الدوافع الاقتصادية.
خامسا:الدوافع الثقافية.
سادسا:دوافع السيادة الزمنية:
ان مجموع تلك الدوافع تشكل مايسمى بالدوافع الذاتية لكل فرد والتي تدفعه الى عمل شيئا ما او الدخول في عقيدة او فكر ما،ويطغى احيانا دافعا واحدا على بقية تلك الدوافع ولكن لا ينبغي تجاهل كل العوامل اذا ساد هذا العامل في اختيار الالحاد وهو عليه مدار الحديث هنا كونه قد طغى في فترة ما على حقب تاريخية طويلة،ومازال يخضع له ملايين البشر وفق اسباب مختلفة!.
وكل عامل من تلك العوامل يحتاج الى مجلدات ضخمة وتفصيلية مدعمة بتوثيق تاريخي او علمي يساند الرأي الخاص به،وسوف نستعرضه هنا مختصرا.
اولا:الدوافع الدينية: قد تكون حالة غريبة بلا شك ان الاديان هي دافعة قوية نحو الحادهم حسب الادعاء الشائع للملحدين! بدلا من ان تكون دافعة قوية للايمان وتثبيته في النفوس...
لا يوجد شيء اقدم من الدين مع وجود الانسان في هذا الكون،وهي حقيقة ثابتة لا يمكن نكرانها او حتى تجاهلها!...والدين مازال هو الوسيلة الاولى للراحة النفسية كلما تعرض الانسان لازمة ما وله القدرة الكبرى على ترويض الانسان لكي يكون مثاليا مع نفسه ومع المجتمع بشرط الالتزام بثوابته ونواهيه.
اذا تركنا ذكر الاديان الوضعية لكونها اضعف بكثير من قدرة الاديان السماوية الثلاثة الروحية والتنظيمية،مع الانتباه الى انها ايضا تسببت في ترك الكثيرين من اتباعها لدياناتهم الوضعية من خلال التضارب بين النصوص والواجبات والاحكام التي تكون احيانا مخالفة للعقل والواقع الانساني او التطور الحاصل فيه لكون الغالبية الساحقة من تلك الاديان هي قديمة العهد وقد تحمل بصمات الماضي وآثاره في تركيبتها والفلسفة الناشئة منها وبخاصة ضعفها التنظيمي لامور الحياة العامة مع شمولها بالعبادات المثيرة للانتباه والمخالفة للعقل والمنطق كعبادة الاصنام او الحيوانات!.
ولكننا بالتأكيد نركز على الاديان السماوية والمذاهب المتفرعة منها،لكونها الاقوى روحيا ومصدرها واحد ولكون مؤسسيها هم انبياء متفق عليهم وهم مدعومون بالوحي الالهي المقدس ولامتلاكها العدد الاكبر من الاتباع.
الدين اليهودي هو الاقدم الا انه محصور ضمن طائفة مغلقة وبالرغم من كونها مضطهدة في حقب تاريخية طويلة،الا انه ذلك لم يمنع سواء الان او في الماضي من ترك الكثيرين من اتباعها للديانة اليهودية وتبني الالحاد كوسيلة ومنهج ثابت في الحياة،وهنالك اسباب عديدة يراها الملحدون وبخاصة اليهود مبررة لترك دينهم من ابرزها الادعاء بأن اليهود شعب الله المختار وكون التاريخ اليهودي حافلا بالكثير من القضايا التي تخالف التوجه الالحادي وبخاصة تعاملهم مع الاخرين او وجود جرائم ترتكب بأسم الدين من قبل الاتباع وكذلك تضمن الكثير من الخرافات والاساطير في الكتب الدينية الخاصة بهم، وامامنا سلسلة طويلة من المشاهير اليهود في الغرب من الملحدين وبالرغم من الخطأ الشائع في الكثير من الدراسات العربية التي تتناولهم بالنقد الشديد وبخاصة لمناهجهم العلمية والادبية ومتبنياتهم السياسية من خلال ربطهم باليهودية! الا ان ذلك هو اهمال كبير لتأثير الالحاد على طبائع ونتاجات هؤلاء ومن هنا علينا ربطهم بالدافع الاساسي المسير لهم وهو الالحاد وليس الدين اليهودي...نعم هنالك الكثيرين من اليهود الذين يمتازون بقرب شديد من الطبائع او التشابه في طبيعة الانتاج العلمي والادبي مع هؤلاء الملحدين وبالتالي ادى الى الربط بين الجميع تحت ستار اليهودية او الحذر منها الى ضعف في الدقة المفروضة في ظهور تلك الاشكالية الواضحة!.
الملاحظ في الحاد الكثيرين من اليهود انهم من المقيمين في الغرب! وليسوا من الشرق،وبمعنى ادق ان غالبية الملحدين اليهود هم غربيون وحاملون للجنسيات الغربية اكثر من اليهود الشرقيين وبخاصة الذين كانوا مقيمين في العالم الاسلامي وهم عادة اكثر تمسكا بديانتهم وبتقاليدهم وبتراثهم الطويل من غيرهم،كما انهم الاكثر قربا للنسل اليهودي المتواصل من البقية وبخاصة المدعين للانتماء اليهودي...هذا دليل على ان للبيئة الغربية تأثيرها الشديد على الانسان المقيم فيها،كما للبيئة الشرقية تأثيرها الشديد المعروف بالتمسك بالدين وبالتقاليد وبقيم الاسرة الخ... وبالتأكيد هنالك شواذ لتلك القاعدة ولكن دائما يتم التركيز على السائد! وقد نرى ميل بعض هؤلاء الملحدين لاسرائيل ولكن ذلك طبيعي سواء من تأثير الرابطة العائلية والمشترك من الموروثات الاخرى بالاضافة الى الشائع في الغرب عن صورة اسرائيل الديمقراطية وكون بلاد العرب ديكتاتوريات وهي التي تنفر الملحدين وبخاصة الداعين الى الحرية اللامحدودة في نظام الحياة العصرية وطبيعة العلاقات الناتجة منها!.
لا توجد احصائيات دقيقة عن الملحدين من الاصول اليهودية ولكن نسبتهم العددية هي كبيرة لقلة عدد الطائفة اليهودية في العالم كما ان تأثيرهم بالمقارنة مع عددهم يفوق بكثير تأثير الملحدين من ذو الاصول الاخرى!...وبالرغم من وجود صراع او رفض للملحدين عند اليهود الا انه ليس بالصورة الاكثر تشددا لدى المسلمين بسبب طبيعة البيئة التي يقيم فيها هؤلاء مع اقل تشددا في التعامل معهم حسب التقاليد المتوارثة.
الدين السماوي الثاني وهو الدين المسيحي وهو يتفرع الى فرق ومذاهب عديدة قد تختلف في الاصول والفروع...واتباع الدين المسيحي منتشرون في كل بقاع الارض تقريبا وبالرغم من كونهم الاكثر عددا الا ان نسبتهم العددية في تناقص مستمر بسبب ضئالة النمو السكاني وترك المسيحية عددا كبيرا من اتباعها بأتجاه الالحاد او الاديان الاخرى...
الالحاد قديم عند المسيحيين بالولادة،وهو شائع الان في اوروبا التي هي القارة المسيحية الاولى حتى اصبحت بعض بلدانه الحادية اكثر من كونها مسيحية تبعا للنسبة العددية!.
كانت الاسباب العقائدية هي من جملة المسببات التي دعت الى الالحاد عند عدد كبير من اتباعها...فبداية كانت اقرار المسيح(ع) بأنه الرب عند غالبية الكنائس يعتبر من الاسباب الرئيسية التي يتساؤلون عن الحكمة في ذلك؟! وبما ان الملحد يرفض وجود الاله كقوة غيبية فكيف يقبل بوجود انسان أله على وجه الارض ؟!...كان ضعف الادلة على الاثبات وعدم القدرة على رد الاسئلة المطروحة التي اثارها مشاهير الالحاد حسب رأيهم هي من الاسباب الرئيسية في تركهم للدين المسيحي من قبيل ان للرب اسبابه في خلقه الكون او العجز عن الجواب كيف خلق الله سبحانه الخ من الاسئلة العقائدية التي طرحت منذ زمن بعيد وتناولها العلماء والفلاسفة بالبحث والتدقيق وصولا الى البرهان وفق الادلة العقلية والنقلية مع تواتر الكثير من النصوص المذكورة في الكتب المقدسة لديهم والتي فيها اختلافات كبيرة تسبب انتباه من يبحث عن وحدة الاجوبة ودقتها بدلا من التناقضات والاختلافات التي تلفها! او اثبات المعتقدات على القوانين والنظريات الطبيعية القديمة والتي ثبت خطأها خلال عصر النهضة،فكانت حرب الكنيسة الوحشية على العلماء الذين اثبتوا فرضيات مثل حركة الارض ودورانها حول الشمس ودوران القمر وقوانين الجاذبية وتطور المخلوقات حسب نظرية دارون في اصل الانواع الخ من القوانين والنظريات العلمية الجديدة التي تميزت بدقتها وسهولة فهمها.
كما ان رفض الكنيسة الكاثوليكية مثلا للطلاق والزواج مرة اخرى حتى لاسباب وجيهة مثل المرض او الخيانة الزوجية او الحرية في العيش والاختيار بالاضافة الى رفض الاجهاض الذي يعتبرونه حقا مشروعا لا يمكن فصله عن حق الانسان العام!.
كما انهم يرفضون الحجة الاخلاقية التي يعتقد بها المسيحيون في التمييز بين الخير والشر،او ان وجود الرب كافي لتحقيق العدالة الارضية بالرغم من وجود وطغيان الظلم في العالم.
كانت شخصية المسيح(ع) مثار جدل واسع لديهم،فهم يرونه متناقضا في غالبية تعاليمه التي جاءت في الاسفار المكتوبة والتزامه بالعقاب الاخروي الذي يعتبر وسيلة غير عقلانية للعقاب لدى الملحد،ويميزون بين الجانب الاخلاقي لديه ولدى اخرون سابقون له مثل بوذا او سقراط وبقية المصلحين في التاريخ الذين كانوا اقل من ناحية التناقضات واكثر عقلانية وروحانية منه مع تفوقهم الفكري عليه حسب ماجاء في التراث المذكور عن هؤلاء...وفي الحقيقة لا يمكن الوثوق بدقة تلك الاراء حتى من الناحية التاريخية هذا مع ان المسيح(ع) كان صاحب رسالة سامية تركت بصماتها على العصور التي تلته بشكل يفوق بكثير ما ذكر عن هؤلاء الذين بالرغم من ضخامة نتاجاتهم الفكرية الا ان اعدائهم وحجم المعتقدات والافكار التي يحملونها كانت اقل بشكل واضح منه مما يعني ان التناقضات ضمنها سوف تكون قليلة!...كما ان طرحه الحب والسلام بين البشر وعدم الرد على الصفعة وكونه يمسح خطايا الاخرين مهما كانت افعالهم يتناقض مع اقوال اخرى متداولة في كتب مقدسة ومتعددة،مع رفض للكثير من الاحكام والاراء التي ذكرت على لسانه او تداولها المسيحيون الاوائل، ويقارنون عادة بين الافكار المسيحية الاولى والافكار الحالية الشائعة من خلال استعراض التناقضات التي تولدت خلال التاريخ الطويل.

2010/09/29

الدوافع الذاتية للالحاد:2

الدوافع الذاتية للالحاد:2
مدخل التحول:
كل فرد له شخصية مختلفة عن الاخر،والاختلاف بالتأكيد ليس مطلقا بل هو نسبي الى درجة يكون هنالك احيانا شبه تطابق بين العديد من الافراد... ان مفتاح شخصية كل فرد يمكن معرفته من خلال رغباته وطموحاته وآماله واحلامه وقدراته المتنوعة الخ ... سواء الايجابية او السلبية ومنها يتم النفاذ الى عقل وقلب الانسان،ومن هذه الابواب يتم تحشيد وتركيب الرأي العام الجمعي والفردي واعادة صياغته بطريقة تلائم التوجه السائد للدولة والمجتمع او تعاكسه!.
مهما وصلت قوة الشخصية الفردية فأن لها ثغرات ولو صغيرة يستطيع الاخرون النفاذ اليها بغية الوصول الى مرحلة الترويض او السيطرة او التحطيم! ان لم يكن هنالك هدف مثالي لاقامة رابطة متينة!...والتجارب التاريخية هي اثبتت لنا كيف ان البشر الاقوياء في الظاهر كيف تكون شخصياتهم متأثرة بقدر ما بالظروف المختلفة المحيطة والتي تؤثر حتما على مسار طريقه في الحياة...والظروف الذاتية او الخارجية المؤثرة هي عديدة ويمكن لنا معرفتها من خلال الاستعراض العميق للشخصيات المشهورة في التاريخ او من خلال التطبيق على الذات ورؤيتها كيف تتهاوى نفوسنا احيانا امام مواقف ومصاعب وظروف قد تكون في الظاهر قاسية او صعبة ولكن في الباطن العكس من ذلك وكثيرين يجهلون ما يحدث للانسان الاخر من حزن والم بالرغم من ظاهره القوي،واذكر هنا في مذكرات هتلر السرية التي كشفت بعد وفاته كيف كان يتأكد من غلق الابواب عليه ثم يأخذ بالبكاء كطفل صغير كلما حدثت كارثة للجيش الالماني ويصور ذلك بطريقة تخالف الشائع عنه!...
ان تغيير الانسان وتسييره يتم من خلال الفكر والثقافة او من خلال مصدر بقاءه على قيد الحياة وهي المادة التي يستطيع من خلالها اشباع كل احتياجاته الطبيعية وغير الطبيعية!...العامل الثاني اي استخدام المادة هو بلا شك مهم جدا وشائع الاستخدام وقد حاولت الحكومة والمعارضة في غالبية البلدان في العالم الاستفادة منه لغرض الاستمرار في حلبة الصراع المستمر بغية التحكم بالبشر في حالتي الخير والشر!.
اما العامل الاول فهو لايقل اهمية عن الاول وعن طريقه يمكن تحقيق النتائج الباهرة في السيطرة على البشر بوعي ظاهر او استخدام اللاوعي الباطن!ولا يمكن لاي انسان ازاحة هذا العامل من حياته وهو في داخل حتى الجهلاء والبسطاء المالكين لثقافة البيئة الموروثة!.
الثقافة والمعرفة هي بحد ذاتها سلاحا ذو حدين!... فهي مفتاح لبناء الشخصية المثالية وايضا تكون اداة تدميرية لها وتحويلها الى مسخ شيطاني في اتعس الظروف والحالات!...كما ان هذا السلاح الفعال يجب التعامل معه بروية وحكمة وقد لا تكون دفة السيطرة في متناول كل الافراد في القدرة المثالية للتعامل بسبب اختلاف البنية التكوينية والبيئة المحيطة التي تسحق ذاتية الانسان غالبا في ظروف قد يتجاهل الفرد الغير خاضع لها قدرتها التدميرية لكونه يعيش بعيدا عن مؤثراتها او حتى لا تؤثر فيه بسبب الاختلاف في المستويات والقدرات،وهذا التعامل اذا لم يكن مستندا على قدرة دفاعية مضادة فأن الانهيار او الوقوع بقبضة التدمير الذاتي الذي يسبب الهلاك مثل حالة الجسم عندما يتصدى للفيروسات التي تحاول الدخول ضمن اعضاءه فأذا كانت قدرة الجسم قوية وقادرة على ديمومتها لاطول فترة ممكنة فأن تأخير الانهيار حتمي لحين الوصول الى حالة الموت التي لا يمكن الفرار منها!...
ثقافة الالحاد تجد طريقها سهلا اذا كانت الظروف مهيئة لها من خلال وجود الانسان المتقبل لكافة شروطها!...وقد نرى انسانا يمتلك صفات الثقافة الواسعة ولكنه يسقط فريسة لها والعكس صحيح ايضا!.
ان ظروف الوقوع في الحالات كافة هي مختلفة وقد يكون الانسان المتمكن ثقافيا ومعرفيا غير قادر على صد ثقافة الالحاد التي هي من انتاج انسان اخر والذي يكون عادة عارفا بمستوى معين من ايجابيات وسلبيات الاخرين التي يستقبلونها منه من خلال مهارة مكتسبة ويروم نشرها بين الجميع لمختلف الاسباب التي يراها صحيحة والتي من بينها انها العقيدة الصحيحة التي تنقذ جميع البشر من الاختلاف والصراع والعنف والاستغلال وتحل محلها مبادئ الحب والسلام والرحمة والمشاركة الخ من المبادئ المعلنة او المخفية!.
تشبه حالة وقوع انسانا قويا ثقافيا ومعرفيا في شبكة الالحاد كمثل انهيار انسان قوي البنية تحت تأثير امراض شائعة يستطيع تجنبها احيانا بالوقاية البسيطة! وقيامه من جديد يكون غالبا صعبا بالتأكيد لكون انسجة تلك الشبكة محكمة الاغلاق!...وعادة تمثل كثرة الاسلحة بدون استخدامها بمهارة دالة وبالا وعبئا على صاحبها،وهنا الثقافة مثل السلاح المكدس وبدلا من ان تكون للدفاع سوف تصبح للابادة الجماعية.
ان الاستقبال الذاتي لكل ماهو خارجي من الناحية الثقافية والمعرفية هو دليل ضعف وعدة قدرة على امتلاك الاسس الصحيحة للثقافة التوجيهية حتى اذا كانت الثقافة الذاتية عالية المستوى وتلائم الانسان وطبيعته المختلفة عن سائر المخلوقات.
ان طرح اي ثقافة بما في ذلك ثقافة الالحاد لا يكون بمستوى واحد من الفهم والتوضيح لدى المصدر والمستورد بل تكون بمستويات اخرى متعددة تلائم مختلف الطبقات والبشر ولذلك فأن الطرح المتعدد الاتجاهات له تأثيرا اقوى واوسع اذا ما اريد تقديم المادة الثقافية وفق الرغبات والعقول المتنوعة والراغبة في استقبالها! والعكس صحيح ولذلك نرى ان الخطاب الالحادي في اوروبا مختلف عن الموجود في الهند الصينية وبقية المناطق الاخرى،ولو حدث العكس لكانت النتائج ايضا معكوسة! ولذلك نرى ان الثقافات غالبا ما يتم تحوير وتفعيل بعض مرتكزاتها لكي تلائم الموروثات البيئية،ومن هنا نشأت ما يسمى بالماركسية اللينينية في روسيا والماركسية الماوية في الصين،والكاستروية في امريكا اللاتينية!.
ان الدخول في معتقد ثقافي جديد اسهل من الخروج منه ولذلك نرى دخول اجيال في الالحاد ولكن الخارجين منه اقل! دون ان ننسى ان الظروف الموضوعية تسمح احيانا بنمو ثقافة ما او تضعف انتشاره!...
ليس من اللائق تصور البناء الفكري للالحاد بأنه هزيل ولا قدرة له على المواجهة كما انه من الخطأ التصور انه فكر وعقيدة علمية صائبة يستحيل اختراق جدرانها العالية!...فهذا البناء هو اساسا ناشيء من الاستفادة من تناقضات او ثغرات(كما يحلو تسميتها لدى الملحدين!) موجودة في البنى العقائدية او الفكرية لمجتمع ما،و قد يكون ذلك الضعف موجود في الفهم والاستيعاب دون الوصول الى الفهم الحقيقي الكامل الذي يصعب اخضاعه لمنطق الالحاد والبعيد عن السيادة لصالح الفهم المشوه الذي جرى تحويره كي يلائم الطبقات المتحكمة!.
لقد سادت شبهات عديدة استخدمها الملحدون كوسيلة لنشر عقيدتهم،ومن خلال تلك الشبهات الملقاة بالاساس على اتباع الديانات الاخرى،استطاعوا الدخول في مجتمعات كانت في الاساس مغلقة عليهم بسبب قوة الايمان الديني مثل شعوب العالم الاسلامي والشعوب الشرقية الاخرى،واصبحت تلك الشبهات المثارة السلاح الفكري المفضل لديهم حتى تسود فكرتهم المغلفة برداء الحرية والتقدم وحقوق الانسان!.

2010/09/26

الدوافع الذاتية للالحاد:1

 الدوافع الذاتية للالحاد:
عند ذهابي لاحد المحلات الضخمة قبل عدة سنوات...اتذكره واقفا مبتسما مبتدأ بالسلام مع رغبة دائمة بالحديث القصير كعادة بعض المغتربين مع اي عربي يقابلونه لاول مرة، فلديه متسع من الوقت كونه مراقبا امنيا...وبعد مرور شهور على اول لقاء،تبادلنا الحديث والذي من خلاله نكتشف شخصية وطبيعة المتحاور البسيطة دون الدخول بتفصيلاتها المملة!...فهو لبناني مسيحي مهاجر منذ فترة طويلة،وعائلته مقيمة في عدة بلدان،وكنت متوقع انه مسيحي من الولادة الى ان ظهر لي خلاف ذلك! عندما اراني بطاقة انتمائه السابقة لاحد الاحزاب السياسية الفلسطينية اليسارية عندما كان في لبنان، وعندما قلت ان غالبية المسيحيين في لبنان لديهم خلاف مع الفلسطينيين فكيف كانت نتيجة انتمائه تلك وسط محيطه،قال لي انه كان مسلما ثم تحول بعد ذلك للدين المسيحي!...تلك الاجابة جعلتني اتوقف للحظات بصمت وذهول من اجابته لانها اول مرة...ولكن لاحظت ايضا عليه مظاهر الارتباك والحيرة والخوف،ولا ادري ما الذي حدث له،وحينها فسرتها بأنه تصور ان قوله ذلك محتمل يغيضني منه او تبدو بادرة سيئة من خلال وصمه بالردة التي يستحق عليها القتل حسب ما يعرف او على الاقل اظهار الاحتقار لشخصه... الخ من تلك التصورات التي تطرأ على الذهن بسرعة عادة وتختفي بعد انتهاء الحدث ذاته اذا لم تتم مراجعته مع الذات او مع الاخر!.
تداركت حالة السكون بسؤالي كيف تحول خاصة وانه الوحيد المتحول من عائلته؟!...فأجاب انه اقتنع ذاتيا ان الدين المسيحي يمنحه السكون والهدوء والطيبة وان النبي عيسى(ع) هو نبي مرسل للبشرية وان امه عذراء الخ...وعندما اجبته ان معتقداتنا هي نفسها تبعث على الراحة الروحية والطمأنينة! احتار في الاجابة ثم اردفها بقول غريب انه عند زيارة الكنيسة يشعر بهدوء وراحة اثناء الصلاة كونه اختار الدين الذي يجيب عن تساؤلاته!... وعندما سألته:هل سأل احدا ما من العلماء والمفكرين؟او هل قرأ الكتب المعتبرة في العقائد والاديان؟وذكرت طائفة منها له...اجاب بالنفي المطلق!...حينها بادرته كيف ذلك؟! والعادة انه من لا يجد اجابات مقنعة في دين او مذهب يتحول عنه اما بدون عمل بحث وسؤال وتأمل التي تكون عادة بالسنوات فأنه حينها يكون امره غريب وغير مبرر اطلاقا!خاصة في التراث الاسلامي كنوزا معرفية مدونة ليست بخافية على احد او ان تساؤلاته ليست جديدة ووليدة عصرها حتى ينعدم اثر الاجابة!...حينها اخبرني بعذر اغرب هي انه لم يجد العلماء الذين يشبعون احتياجاته، ولم يجد الكتب القيمة التي تجيب عن تساؤلاته وحيرته او لم يجد الوقت الكافي للبحث!...وعندما اخبرته ان بعض العلماء قريبين من مكاننا وأن الكتب موجودة ايضا في احدى المساجد القريبة،وعدني بزيارة العلماء والتحاور معهم وقراءة الكتب التي وصفتها له... وبعد فترة وجدته وسألته هل عمل ما وعدني به قال مع ارتباك واضح: لا! وتعذر بأعذار واهية بينت لي هشاشة بنيته  الفكرية والعقائدية فأخذ وقتا قصيرا يتجنب رؤيتي الى ان اختفى مع زحمة الحياة!.
هذا المثال الشائع يختلف عن عنوان ومضمون الموضوع كون المتحول هو الى دين سماوي آخر،ولكن المشترك بين العنوان والقصة هو انعدام البحث المجرد وطرح التساؤلات على اهل العلم والمعرفة والسفر في بطون الكتب بغية الوصول الى قناعات تامة تتيح لصاحبها حرية التغيير حسب مايراه،وهذا هو الجامع مع الذين يتركون الاديان السماوية وبخاصة الدين الاسلامي الى الالحاد لان الغالبية الساحقة لا يقدر حجم عملية كبرى مثل ترك الدين الى الالحاد لما لها من آثار مدمرة بدون اجراءات معتادة من البحث الطويل عن الحقائق العقائدية التي تتصل بالخالق عزوجل وبالانسان والكون والحياة بل ويصل الامر الى تأسيس علوما انسانية جديدة تختلف بنائها التكويني عن العلوم الانسانية القديمة...وانما الغالبية الساحقة لديهم دوافع ذاتية مختلفة دفعتهم للالحاد كرد فعل مضاد لعمل صادفهم او ظرف طارئ قد لا يمت للدين احيانا بصلة او يكون بعيدا عن المعتقدات والمعارك الفكرية المتصلة بها.
ان البحث عن الدوافع الذاتية لتحول الانسان الملحد ليست بالامر الهين لكون الغالبية الساحقة يتجنبون الخوض بها اذا احسوا بخطر ما او بتفوق الخصوم عليهم! او الاحتفاظ بذلك كجزء من الاسرار الشخصية،وعن هذه الدوافع الذاتية للتحول يكون مدار بحثنا هنا،ونقطة البداية لمحاولة تكوين رؤية واضحة..
وراثة الالحاد!:
كما ان الدين او المذهب يورثه اتباعه لذرياتهم،فأن الالحاد يرثه اتباعه ايضا مما يعني ان استمراريته سوف تكون متصلة ولا تنقطع بموت المتحول الاول نحو الالحاد!...ولذلك رأينا كيف ارتفعت نسبة الملحدين في العالم الغربي خلال العقود الاخيرة لانهم ليسوا متحولين بالتأسيس حتى ان بعض الدول الاوروبية مثل جمهورية التشيك والدول الاسكندنافية تفوقت فيها نسبة الملحدين على غيرهم من اتباع الديانات الاخرى!.
والملحدون بالوراثة هم الاكثر ضعفا عادة من الناحية المعرفية في معرفة المسائل العقائدية والدينية من المتغيرين نحو الالحاد،مثلهم مثل المتوارثون لدينهم او مذهبهم والذين يتعبدون به من خلال ما شاهدوه وتعلموه من آبائهم وغالبيتهم لا تبحث في علم ومناهج الاديان المقارنة ولا حتى دراسة المذاهب الاخرى بغية اختيار الاقوى بناءا من الناحية التنظيرية،وغالبا ما يكون هؤلاء غالبية طبقة الملحدين اللاهثة وراء تدبير قوتها اليومي!...هذا يعني ان تشدد وتعصب المتوارثون الالحاديون هو طبيعي ولا يكون واقعا على دراية تامة بالاختلافات مع الاديان السماوية بل جهل تام به او ان بنائهم الفكري يكون هشا اكثر من آبائهم الحريصون على متابعة ومهاجمة كل ما يمت للدين بصلة حتى يثبتوا صحة ما وصلوا اليه! وان مستواهم الثقافي في الاديان والمذاهب والافكار الاخرى سوف يكون ضعيفا جدا ومن السهل مهاجمته لانعدام ثقافتهم القادرة على الصد ولكن من يكون متفرغا لمسائل يعتبرها تخلفا وهمجية؟!.
قد توجد صعوبة في محاولة تغيير الملحدون بالوراثة كونهم غير مؤهلي انفسهم لمثل تلك التغيرات ولكون المجتمع الذي يعيشون فيه منفتح ولا توجد فيه ادنى سيطرة للتأثير الديني في الشارع،حينها يبنى التصور الخاص ان اصحاب الديانات الاخرى هم يعبدون اشياء لايرونها بالعين المجردة وهم بذلك يمثلون التخلف لعدم اعترافهم بالتجربة كبرهان ثابت لا غنى عنه...
من ناحية اخرى ان العملية التبشيرية للاديان السماوية حاليا ضعيفة في المنهج والسلوك الذي يلائم تلك الطبقات المنحرفة وراثيا عن المجتمع المؤمن مما يعني الحاجة الى مناهج جديدة ومتطورة للتعامل مع مستويات عقلية تلك الغالبية التي ترث الالحاد وكأنه دينا جديدا او مقياسا علميا تقاس به الامور كافة وهي لا تعلم ماهيته التامة!.
قد نجد ملحدون بالوراثة وهم يبذلون الجهد لنشر افكارهم وآرائهم وقد يجاهروا بذلك وقد يرجع بعضا منهم الى الايمان نفسه ولكن هذا لا يشكل قاعدة بل هي حالة شاذة لا يعتنى بها ضمن صفوفهم،والريادة دائما تكون للمتحولين الاوائل الذين يملئون الدنيا صراخا وضجيجا!.
اذا الدوافع الذاتية للملحدين وراثيا هي مختلفة كليا عن الدوافع الذاتية للمتحولين بعد ايمان سابق،لانعدام دوافع التحول عند الفئة الاولى ولكن يشتركان بغالبية النوازع الذاتية في السلوك والعمل...

2010/09/23

الاخلاق بين المؤمنين والملحدين 3

الاخلاق بين المؤمنين والملحدين:3
وجود الاشرار الذين يتجاوزون حاجزي الوازع الديني والضمير الذاتي اذا حسبوا انفسهم على المؤمنين هم اسوأ بكثير من الاشرار الملحدين الذين يستندون الى عامل واحد يحد من توجهاتهم الشريرة،لانهم ببساطة استغلوا الدين كوسيلة دنيوية وهو اجل من ذلك كما انهم استهانوا بالعواقب الاخروية جزاءا لاعمالهم هذا بالاضافة الى انه اصبحوا وبالا على المؤمنين وشوهوا صورتهم التي يجب ان تكون بأبهى وانقى صورة...من هنا نبدأ القول ان توليد اجيال عديدة من الملحدين او المعادين للدين واحكامه قد ساهم به اشرار المؤمنين انفسهم من خلال الربط بين هؤلاء المنتسبون وراثيا لدين معين مع الدين نفسه! وكانت ردة فعلهم على ذلك هو الابتعاد عن كل ما ينتسب له الاشرار حتى لو كان دينا سماويا بريئا من اعمالهم التي ينسبونها او يأولونها اليه ولاحكامه خطأ.
الصور السيئة التي اخذت عن رجال الدين المسيحي والكنيسة جعلت الكثيرين في العالم الغربي يرفضون وصايتها الروحية والزمنية مما ادى الى شيوع المذاهب الالحادية وفق مختلف المناهج الفكرية لان الالحاد ليس مدرسة واحدة بل هي مدارس متعددة يجمعها جامع الالحاد كما ان هنالك اديان ولها مدارس متفرعة يطلق عليها اسم المذاهب!... والصور السيئة التي اخذت عن الممالك التي تحكمت وتلاعبت بالعالم الاسلامي والتي غزت الدول الاخرى بدعوى الفتح والتي صاحبها اعمالا لا تمت للدين بصلة من قبيل السلب والنهب وجلب الاسرى والابرياء للاسترقاق واستعباد مجموعات بشرية كبيرة وتحميلهم تبعات كونهم من ابناء الامم المغلوبة والمقهورة... الخ من امثال تلك الاعمال التي لا تمت بصلة لرسالة الدين الحقة،هو الذي ادى بأتباع الديانات الاخرى المنافسة او المعادية للاسلام الى الخوف منه ورفض كل ما يمت له بصلة، بينما في المقابل لا توجد تلك الصورة القاتمة لدى شعوبا مجاورة لشعوب مسلمة دخلت في الاسلام في جنوب شرق اسيا وغرب افريقيا سلميا بدون تلك الاعمال التي شوهت صورة الاسلام والمسلمين في اماكن اخرى فتحت عنوة...
اذا يتحمل بصورة رئيسية تبعات تشويه صورة الاديان السماوية واشاعة الالحاد هم اشخاص نسبوا انفسهم له بينما اعمالهم بعيدة عنه،وبعد ذلك الزخم الالحادي المستمد من ذلك التصور،ظهرت مذاهب ومدارس فكرية الحادية لها تصورات مختلفة عن الانسان والحياة والكون وقد يتعارض مناهج البعض منهم بشكل كبير وحتى في سلوكيات المعتنقين لها فهم ايضا بشرا يتوارثون تلك الاعتقادات كبقية المؤمنين ومن ضمن تلك الاعتقادات هي المنظومة الاخلاقية المتوارثة والتي هي تقسم الى قسمين،الاول منها يشتركون فيه مع المؤمنين في الصفات والمبادئ التي لا تتعارض مع الدين والطبع الانساني السامي،والاخرى التي يختلفون فيها والتي يكون للجانب الاجتماعي حصة الاسد فيه من خلال التعامل مع الذات والاخرين.
القسم الاول لاغبار عليه ولذلك نرى بعض الملحدين يمتلكون تلك السمات العالية الدالة على حس انساني عالي سواء اكانت فطرية او موروثة اجتماعيا او متأثرة بالبيئة نفسها ولكن القسم الاخر وهو المتضمن الجانب الاجتماعي،فهو فيه فوضى دالة على انعدام الرؤى والاساليب العقلانية المنتقاة للتعامل مع الاجتهادات الفردية وتهذيبها حتى لا تكون اشاعة لكل الاعمال التي تخالف الطبيعة البشرية مع ملاحظة ما هو متأثر بالبيئة المحيطة من عدمه!.
العينة المختارة بين التحليل والمقارنة:
تبرير العمل في المثال المعروض في المقدمة يتم من قبل الفاعل ومن يؤيده تحت لافتات عديدة نذكر منها للتبسيط:
1-الرغبة في مساعدة الاخرين حتى لو كانوا شواذا...اقول:مساعدة الاخرين هو من الغايات الانسانية السامية ولكن الوسيلة لتلك الغاية يجب ان تكون بمستوى نقاوة وطهارة الغاية والا لحصل العكس! فهل يمكن لنا مساعدة شخص على قتل نفسه لانه يرغب بذلك،وحتى لو فرضنا ان له الحرية فهل يمكن الموازنة بين مساعدته مع رفض اهله ومن يريده ان يعيش وهم احرص عليه واكثرهم حبا له! وهل يمكن الموازنة مع فوائد وجوده لاطفاله مثلا؟!...ان مساعدة الشواذ على تغيير سلوكياتهم هي امر ايجابي اما ان يكون تشجيعا لهم بصيغة او بأخرى فهو عملا تدميرا لهم لا يمكن تبريره،ويمكن لنا المقارنة مع حالة المجرمين في السجون فأذا ساعدناهم بوسيلة ايجابية فأنهم سوف يخرجون للمجتمع اشخاص واعون لحجم اخطائهم وبالتالي سوف يحجمون عن تكرار الخطأ نفسه بالاضافة الى كسب المجتمع لعنصر جديد يكون نافعا له في دفع الضرائب! اما اذا ساعدناهم بطريقة سلبية(من قبيل منحهم المال والكحول والمخدرات الخ) فالاثر الايجابي هنا سوف يبقى مفقودا!.
ومساعدة الشواذ ممكن ان تكون في توفير مراكز الرعاية الصحية والمعالجة لكافة امراضهم النفسية والجسدية بغية ارجاع حياتهم الى الطريق السوي،مع منع كل ما يجعلهم يعودون الى ممارسة حياتهم الشاذة...بينما الحاصل في الغرب مثلا هو تشجيعا لهم تحت غطاء مراعاة ظروفهم الغير طبيعية والتي هي ليست بأيديهم كما يزعمون!! من خلال توفير كل اساليب الراحة والمساعدة على الاستمرار بالطريق الخطأ بينما في المقابل تتم معالجة مدمني المخدرات والقمار والخمور بمختلف الوسائل الممكنة!! فهل مساعدة هؤلاء تختلف عن مساعدة الشواذ؟!...ثم حتى هذه الاشكالية موجودة من خلال السماح للمدمنين السابقين على ممارسة تلك الاعمال الخاطئة في المراكز المتعارف عليها،ثم يأتون بعد ذلك الى صرف الاموال الطائلة على علاجهم واعادة تأهيلهم ضمن صفوف المجتمع...انه منطق خاطئ بالفعل فهذه الامراض النفسية والاجتماعية هي مثل الامراض الجسدية تحتاج الى الوقاية قبل العلاج لتوفير الوقت والجهد والتكاليف وبالتالي يمكن سن القوانين المتشددة درجة درجة حتى المنع الشامل وهي بالمناسبة ليست وسائل انتاجية وتخدم المجتمع المعاصر بل هي معاول تدميرية تقلعه من جذوره ان لم تقطع غصونه!!.
2-عدم التجني على حياة طفل لم يولد بعد!...اقول:ان كل بالغ هو مسؤول عن نتيجة عمله الذي يؤدي الى ولادة طفل له من خلال رعايته والعناية به وتوفير كافة الخدمات والتسهيلات وصيانته من الاخطار التي تواجهه في حياته حتى يبلغ ويكون قادرا على ادارة نفسه بنفسه،كما ان الغريزة الطبيعية للانسان لا تكتفي بذلك بل تستمر في الرعاية حتى النهاية!...وتلك هي حقوق الطفل المتعارف عليها،اما اقوم بالتبرع بالحيوانات المنوية لاشخاص اخرون لا تربطني بهم رابطة مشروعة فهو جناية على الطفل المولود وعملا شنيعا يستهدف منعه من العيش ضمن اسرة طبيعية كي تؤدي دورها المعهود في الحياة...ليس فقط حرمان الطفل من الابوة بل هنا من الامومة الطبيعية وتوفير كافة التسهيلات كي ينمو انسانا شاذا جديدا في المجتمع الذي يسعى لاصلاح الموجودين بدلا من انجاب المزيد من المؤخرين لمسيرته الطبيعية في التقدم والتحضر!...وكل ذلك من خلال تهيئة البيئة الشاذة له! فأذا كان كذلك فلماذا لا نمنح الحيوانات المنوية لكل من هب ودب لكي تنجب ما يحلو لها او على الاقل الى الدولة لكي تؤسس جيوشا جرارة لا يعرفون للحياة معنى ويكونوا عسكريين قساة يدافعون عنهم كما كان الجيش الانكشاري ايام الدولة العثمانية؟!...ويمكن استعارة العديدة من الامثلة التي تؤدي الى خلخلة وبطلان الاراء المساندة لهكذا نوع من المساعدة الشاذة على توليد اطفال يكونوا بمثابة آلة صماء ليست لها مشاعر واحاسيس كبقية البشر وما عليها سوى اتباع ما يملى عليها! اذا هنا سوف تكون الحيوانات الفاقدة للعقل افضل من البشر من خلال رعايتها الدائمة لصغارها فهل اصبح وجود الحيوانات هو المثال القادر على تعرية تفاهات البشر المتركمة كتراكم العلوم والاداب؟!...من السهل تسفيه مفردات وجمل المنطق الهزيل لكونه بلا اسس قادرة على الصمود امام مفردات واسس المنطق العقلاني الواقعي الذي يبحث عن الحق والعدل ويسعى الى سعادة البشر حسب الاعمال الطبيعية المتعارف عليها.
3- لا يساعد توفير الدعم والمساندة على تشجيع تلك الممارسات الخاطئة سواء في حالة التبرع او في حالة العيش المشترك بين الشواذ...ان تقليص او منع كافة اشكال الدعم المساعد على الاستمرارية على سلوك نفس المنهج الخاطئ هو الطريق الاصوب والاقرب للعقل، ولذلك فأن غايات رأي المتبرع في ذلك سوف تكون ضعيفة بينما لو حصر الدعم والتشجيع على ضرورة انهاء كافة الممارسات الشاذة يكون اسلم واقرب للعقل والمنطق اذا يتم تحاش الدين واحكامه بالنسبة للملحدين!.
4-الادعاء بأن عيش الشواذ المشترك جزء من الحرية الشخصية!...اذا لماذا لا تتم مراعاة المجانين من خلال توفير ما يرغبون به؟! اليست لهم حقوق؟!...لماذا لا تتم مراعاة حرية المجرم؟! اليس ذلك هو جزء طبيعي من شخصيته وغير قادر على تغييرها وفق مايريد منه المجتمع؟!... اذا كان القول ان الشاذين لا يؤذون الاخرين! فهل عملهم في الجناية على حقوق الطفل البريء غير كافية للحكم بأذيتهم؟!وهل استهلاك طاقات المجتمع في المعالجة والصرف وسن القوانين الخاصة بهم ليست ضارة بالمجتمع؟!...ان هذا المنطق يثبت هزليته وهوانه من ان يكون منطقا قويا قادرا على الاقناع فضلا عن الصمود!.
لا يمكن تبرير امثال تلك الاعمال اذا اخضعت للعقل والمنطق والحرية التي يدعي الملحدون اتباعها بعيدا عن تعاليم الاديان،وهي غير مستندة على اسس واضحة من الاخلاق الخاصة بهم والتي هي عشوائية لا حدود لمعانيها او اهدافها او حتى اجماع خاص بهم على مكنوناتها حتى يستطيع الاخرون التعرف عليها لاخذ الحيطة والحذر اذا كانت معادية او ضارة لهم او مساندتها اذا كانت متوافقة مع الطبع الانساني...
الخطورة المتعارف عليها انه اذا لم تكن هنالك عقيدة قادرة على ضبط الانسان فأن اعماله تكون بلا حدود او انه قادر على تفسيرها بما يلائم رغباته الذاتية،وليس هنالك من مجال للردع سوى القوانين التي تحمي الجميع من التعدي الذي يقوم به البعض بدعوى الحرية الفردية!.
ان البنية الاخلاقية لدى الملحدون تختلف عن خصوصية البنية الاخلاقية لدى المؤمنون بغض النظر عن التمسك بها او رفضها لدى الجانبين!...وهنالك مساحة مشتركة للاتفاق وايضا مساحة اخرى للاختلاف!...كما ان الخيال والمعايشة اليومية توفران مصدرا خصبا لتوليد افكار وآراء جديدة تحسب على جانب الاخلاق لديهم وبالتالي فأن الاتفاق فيما بينهم على مجموعة اسس ومبادئ واضحة ومختلفة عن المنظومة الاخلاقية التي يحيا في ظلها المؤمنون، هو امر ضعيفا قد يكون مع ضعفه انعدام انتشار تلك المنظومة وحدودها ومعانيها حتى بين الملحدين انفسهم الذين يتخبطون في اجراءاتهم الفوضوية النظرية والعملية وينسبونها بمهارة الى سوء اخلاق الاخر وعدم وجود حسن التدبير لديهم مع خرافة استطاعتهم بناء منظومة اخلاقية اكثر رحمتا بالبشرية!!...

2010/09/21

الاخلاق بين المؤمنين والملحدين 2

الاخلاق بين المؤمنين والملحدين:2
الاخلاق والالحاد:
الملحد هو انسان قبل اي شيئا آخر،وهو بذلك يخضع لظروف مشابهة او مختلفة بدرجات معينة عن الانسان المؤمن،ومن هنا نستنتج ببساطة ان منظومته الاخلاقية قريبة الى حد ما مع المنظومة الاخلاقية للانسان المؤمن مهما تكبر او تنكر لذلك التشابه بعضهم والذي يرفضه البعض منهم لاعتقادهم انه يزلزل الاسس الفكرية للمناهج الالحادية النقية في انعدام المؤثرات الدينية او المجتمعية المتوارثة على الانسان منذ الصغر.
الانسان الملحد لا يخضع لاي قيود دينية بما في ذلك المنظومة الاخلاقية الناتجة عنه،ولكنه من حيث يعي او لا يعي ذلك ان سلوكه سوف يخضع لمنظومة القيم الاخلاقية للمجتمع وهي في مجملها بالاساس مصدرها الرئيسي هو الدين نفسه! مما يعني انه يرفض الدين بشكله الكلي ولكنه يخضع لجزئياته رغم التبجح بالضد من ذلك عند المتطرفين منهم...اذا يكون رفضه للمنظومة الدينية نسبيا، بينما الادعاء المعروف من الالحاد بمعناه الشامل هو انه ضد الايمان بما يمثله من تعاليم وقيم ثابتة او متغيرة حسب الظروف او الضد من الايمان بالخالق عز وجل...نستنتج من ذلك ايضا انه يركز على قضية رفض الايمان بالخالق وهو رفض مطلق بينما نرى ان رفضه للقيم الاخلاقية سواء الذاتية او المعاملاتية هو رفض نسبي وهو بذلك يعد جزءا من تناقضاته العديدة!.
ان الانسان الملحد ليست لديه منظومة قيم اخلاقية ثابتة وخاصة به وتكون مختلفة جذريا عن القيم الاخلاقية الناتجة عن الدين،وانما هنالك مساحة مشتركة يلتقي فيها مع المؤمن وايضا هنالك مجال من الخلاف قد يتسع او يقل حسب نوعية اعتقاد الملحد،والاختلاف هو نسبي كما قلنا فهو مازال مؤمنا بقيم عديدة موجودة عند الطرف الاخر مثل الصدق والاخوة والعواطف الانسانية النبيلة ورفض الفساد الاداري واستغلال السلطة والسرقة وسفك الدماء وغيرها من القيم الثابتة المتعارف عليها ولكن اختلافه غالبا ما يكون ضمن دائرة العلاقات الاجتماعية مثل عدم الالتزام بقيمة العلاقات الشرعية او حدود العلاقات الاجتماعية والمعاملات بين الناس او الرغبة في التحرر من كل قيود الدين والمجتمع التي تتعارض مع الرغبة الذاتية في الملذات الشخصية اللامحدودة وغيرها.
وكما راينا من القصة المذكورة في البداية، فأن الانسان الملحد او الذي بلا دين والمسمى احيانا باللا ادري، يكون لديه اجتهاد شخصي له مجال واسع من الانطلاق بدون قيود او اسس وبديهيات تفرض عليه قيودا صارمة وقد لا يخضع للعقل والمنطق بل يكون خاضعا للرغبات الذاتية النابعة من ثقافات متعددة فهو بذلك يختلف عن ملحدين اخرين في اعتناق مجموعة معينة من القيم الاخلاقية الجديدة وهو لايعتقد بالعقاب الاخروي كوسيلة لتغيير طبعه او منهجه في الحياة، ففي المثال اعلاه يرفض بعضا منهم لاسباب مختلفة ان يقروا سلوك هذا الشخص المتبرع في منحه الحيوانات المنوية لسحاقيات بينما هو واخرون يقرونها...هذا الاختلاف في ابسط قضية هو اكثر شيوعا لدى الملحدين منه لدى المؤمنين الذين لديهم منظومة واضحة من القيم الاخلاقية(في الامور الاخرى الامر يختلف) حتى ان الجديد منها يكون مرفوضا اذا اريد له الدخول ضمن المتعارف بينما ان الجديد والغريب والمخالف للطبائع البشرية لا يكون مرفوضا بنفس الدرجة والاهمية لدى الملحدين،مما يعني ان شيوع تلك الاجتهادات والتي بعضها غير مسؤول وتفشيها بينهم بالرغم من غرابتها بل وضررها الواضح على طبيعة المجتمعات الانسانية السوية هو امر حتمي لانه لا رادع امام تلك القناعات الشخصية التي تبرر غالبا تحت غطاء مساعدة الاخرين وتوفير كل مجالات المساعدة ايا كان نوعها حتى لو تسببوا بضرر واضح على انفسهم او من يتعامل معهم او الحرية الشخصية في تبني اي فكرة مستمدة من الاجتهاد الشخصي،ولا ننسى ان المستويات الثقافية مختلفة لدى الجميع وبالتالي ان الاراء سوف تكون مختلفة!.
التغيير في المنظومة القيمية لدى الملحدين اسرع بكثير منها لدى الاخرين،وهم في التبرير ليسوا اقوياء كما يظن البعض،بل ان الاعتقاد القوي والصارم في حرية تبني رأيا ما ،هو مفتاحا للاستناد على تبني مواقف جديدة تتناسب احيانا مع توجهاتهم ورغباتهم او قد تختلف او ليس لها علاقة نهائيا بالاصل الثابت!... والامثلة بالطبع عديدة،فمثلا ان نسبة عالية من المنتسبين منهم للاحزاب المدافعة عن البيئة والمسماة بأحزاب الخضر التي لها مواقف ايجابية في دعم البيئة العالمية التي هي مهمة للانسان حتى يستطيع ان يحيا حياة سعيدة تكون خالية من الملوثات التي تؤثر عليه،فأنهم قد تجاوزوا تلك المبادئ والغايات التي يتفق معهم الاخرون فيها في دخولهم الى مواضيع ليست لها علاقة نهائيا بالبيئة والحافظ على مكوناتها! من قبيل تأييد كافة الممارسات الشاذة وشرعنتها لكي تصبح مجالا للاختياركجزء من دعم الحرية اللامحدودة في العلاقات الجنسية الاخرى،او تأييد البعض الاخر لحرية الفرد في زراعة واستهلاك المخدرات التي هي من الثوابت المتفقة عليها في مضارها،او حرية قتل الذات كما تسمى احيانا بالموت الرحيم!.
يحتج الملحدين دائما في ضرورة حرية الفرد في الاختيار،ولكن اغلبيتهم لا تتوانى لحظة في محاربة معتقدات الاخرين التي يختلفون معها ولو من باب الاستهزاء! وهو تناقض واضح في سلوكياتهم الذاتية،بل ان بعضهم مثل ستالين ونظامه قد ارتكبوا المجازر الفظيعة وفق اجتهاداتهم في محاولة تقييم منهم لسلوك اخرين اعتبروهم مخالفين او مرتدين!.
قوة الضمير الذاتي:
الضمير بمعناه الشائع هو القدرة الذاتية على التمييز بين الخطأ والصواب والرغبة المحمومة في معالجة الخطأ من خلال الشعور بضرورة ذلك...وهو موجود لدى كل انسان وقد يكون هذا الشعور قويا لدى انسانا ما الى درجة تسترعي الانتباه وقد يكون ميتا عنده الى درجة تنفر القلوب كما العقول منه،وهو عند الانسان المؤمن موجودا ويضاف الى القدرة الذاتية المتمثلة بالوازع الديني من ارتكاب الاخطاء والمتمثلة بالعقاب الالهي الدنيوي او الاخروي وبذلك يكون سيئ الحظ من يفقد تلك الميزتين المثاليتين في تقويم الشعور الذاتي والعمل الانساني...ومن هنا يكون الانسان الملحد متحررا من كل رادع ديني ومن كل ايمان بالعقوبة الالهي والتي يستهجنها ويهاجمها بشدة احيانا بدعوة خرافتها او وحشيتها التصويرية! وهذا يدع اعماله مروضة وخاضعة ضمن الفئة الاولى فقط من الردع الذاتي والمسماة بالضمير الحي!.
ان طبائع الضمير الذاتي هي تخضع بقوة للتربية والوراثة بل وللفطرة الانسانية ككل والتي يكون الاثر الديني او المجتمعي مؤثرا فيها،وبالتالي فأن الملحد اذا فقد عمليا كل اسلحة الضمير الذاتية التقويمية للذات فأنه سوف يكون معرضا الى هزات عنيفة تغير سلوكه بسهولة وقد تجعله عنيفا تجاه الاخرين ويحاول فرض قناعاته الجديدة التي قد يكون بعضها اقرب الى الجنون!.
ان قوة الضمير الذاتية ليست كافية في تقويم الشخص خاصة اذا كانت تربيته غير سليمة او طبيعته متمردة او انتهازية مما يعني ان نسبة كبيرة من البشر قد لا تملكها لكون مكونات الردع الذاتي ضعيفة ،ولذلك فأننا نرى الكثيرين من البشر سيئين الى درجة مخيفة ويكونوا محل نقد دائم لضعف الوازع الذاتي وهي لا تختص بفئة دون اخرى ويمكن لنا استعارة امثلة عديدة من التاريخ عندما قام الطغاة بقتل وتعذيب وسجن الابرياء وبخاصة الفئات الثلاث الضعيفة دون ان يردعهم الضمير الذاتي او الوازع الديني! وهذا معناه ان الانسان الملحد الخاضع الى هذا السلاح الوحيد المقوم له والمسمى بالضمير الحي،سوف يكون بالتأكيد ضعيفا جدا في حالة فقدانه! ويؤدي به الى الزلل في مختلف المجالات والتي يفسر اسبابها عادة بالحرية الشخصية او غير ذلك من الاسباب التي اعتدنا عليها!.
ان الاستناد الى قوة الضمير الذاتي ليست كافية في تقويم الاراء والطبائع المستحدثة والناتجة من حرية الاجتهاد الشخصي الغير خاضعة لضوابط قوية...نعم قد نرى خضوع الانسان الملحد لطبائعه الانسانية السامية وبخاصة الرغبة في مساعدة الغير بدون حدود وقد شاهدنا الكثيرين انهم كانوا مثالا رائعا في مساعدة الاخرين بل وتفوقوا على بعض المؤمنين، ولكنهم في نفس الوقت سوف تكون لديهم زلات وشطحات في مجالات اخرى يعتقدون بصوابيتها وقد يجيرون الانظمة والقوانين لشرعنتها بين الناس كما حصل مع اغرب ملحد مستبد في العصر الحديث وهو ديكتاتور البانيا الاسبق انور خوجه!.

2010/09/20

الاخلاق بين المؤمنين والملحدين -1

الاخلاق بين المؤمنين والملحدين:
في حوار عابر قبل سنوات مع استرالي، تناولنا عدة مواضيع مختصرة عابرة كلقائنا القصير!... ومن خلال اللقاء وحوارياته المتفرعة تكتشف عادة شخصية المحاور بعناوينها الرئيسية، فوجدته صاحب مثل اخلاقية عليا ولديه نزعة انسانية رفيعة رغم انه كان متحرر من اي نزعة دينية لكونه غير مؤمن وان كان لا يحمل اي بغضا للمؤمنين كجزء من قناعته الشخصية في حرية الاختيار للجميع مع ضرورة الالتزام بالاخلاق الانسانية العامة.
من خلال سرده لجزء من سيرته الذاتية ذكر قصة غريبة لي على الاقل وقفت معه عندها، وهي انه تبرع قبل عدة سنوات بحيواناته المنوية الى أمرأتين سحاقيتين تعيشان معا في امريكا كي تنجب احدهما طفلا لكي يعيش معهما!...وبالفعل انجبت التي استقبلت في رحمها تبرعه السخي،طفلة كبرت الان وهي تعيش معهن بدون أب! لانه وهو ابوها البيولوجي لا يسكن معهم بل لا يعرفهم اساسا سوى في المستشفى الذي تبرع له فقد كان في زيارة خاطفة لامريكا من كندا التي كان يعمل بها!.
وعندما سالته عن ماهية واهداف ذلك العمل المخالف للفطرة الانسانية وكونه على الاقل قد منح طفلا لاناسا شاذين ومن الواجب ان يعيش بجانب الطفل ويرعاه حسب التربية السليمة حتى يخرج للحياة شخصا سويا،فكان رده هو انه من باب حب مساعدة الاخرين ايا كانت آرائهم ومعتقداتهم لذلك رغب في ان يحقق رغبتهن المشروعة في الرغبة في انجاب طفل يعيش مع عائلتهن الشاذة العقيمة بطبيعة الحال! ثم اردف بأن هذا العمل ليس مخالفا للاخلاق التي يؤمن بها بل هي جزء منها! والتي من بينها مساعدة الاخرين وتحقيق امانيهم المشروعة حسب وجهة نظرهم!...وعندما سألته في ضرورة ان يكون بجانب الطفلة قال انه يراها في كاميرا الماسنجر في فترات متقطعة وانه لا يشعر بأبوته الكاملة لها! كما انها سعيدة مع امها وصديقتها اللتان تعملان في المستشفى في وظائف محترمة حسب قوله!.
هذا القصة وامثالها تختلف اراء الناس حولها،والاختلاف في اشده هو ليس بين المتدينين والعلمانيين! لكون ان الغالبية الساحقة من العلمانيين هم مؤمنين بالله تعالى بشكل او بآخر...وانما الاختلاف يكمن بين المؤمنين والملحدين او الذين هم بلا دين في حدود وماهية القيم الاخلاقية التي يعتقدون بها،بل الخلاف قد يصل الى حدود تلك الاخلاق وهل تتعارض مع حقوق الانسان ام هي مكملة له واساس لبناء شخصيته المثالية حسب الرؤية الدينية؟...هي في الحقيقة اسئلة عديدة ومن كل سؤال نستطيع توليد اسئلة فرعية اخرى كما ان الاجوبة مختلفة ولا حدود لها لاتساع دائرة الفهم الانساني تجاه امثال تلك القضايا الخلافية بينهم!.
الدين والاخلاق:
ليس هنالك من شك بأن المنظومة الاخلاقية هي جزء صغير من المنظومة الدينية ايا كان نوعها وبالخصوص في حالة الاديان السماوية الثلاثة التي تشترك في اغلب الاسس الرئيسية للاخلاق العامة والخاصة وقد يكون الاختلاف في التفاصيل غالبا.
الدعوة الى التزام الاخلاق والعمل بها هي جزء لا يتجزأ من الدعوة الدينية الشاملة للايمان بالخالق سبحانه وتعالى،وكل خلل في الجانب الاخلاقي يعتبر نفاقا وكذبا بل ويعتبر تدين سطحي ينفر منه الجميع،ولذلك فأن التركيز على هذا الجانب هو من الاسس القوية للادعاءات التي يطلقها العلمانيون وبخاصة الملحدون على المتدينين الذين يتجاهل البعض منهم هذا الجانب ويستغل الدين كستار له مما يجعل البلوى عامة على بقية المخلصين في ايمانهم واعمالهم... ولذلك نرى ان غالبية الادبيات تركز على مدى استغلال فئات صغيرة من رجال الدين او المتدينين للدين من خلال ممارساتهم اللاخلاقية وتبريرهم لذلك باستغلال النصوص الدينية التي لها اوجه عديدة للتفسير او تزوير النصوص او حتى التاريخ،والاخطر من ذلك انه ينعكس ذلك على الدين وتعاليمه السمحاء النقية البريئة من تلك الاعمال والنيات والصفات السيئة والخسيسة!وليس غريبا ان دعواتهم نجحت كثيرا في مناطق عديدة من العالم وخلال فترات مختلفة من التاريخ انحصر فيها الايمان من قبيل اثناء التخلص من حكم الكنيسة ورجال الدين في اوروبا او في العالم الاسلامي في القرن العشرين عندما شاعت الافكار والنظريات الماركسية والقومية والتغريبية وغيرها من الدعوات .
وفي المقابل ايضا استغل المؤمنون وبخاصة المتدينون،تجاهل الملحدين للجانب الاخلاقي المتعارف عليه دينيا واجتماعيا،فشنوا عليهم اعنف الحملات،ولكن نظرا لان المنظومة الاخلاقية غير موجودة بتركيز او بأهمية واضحة في المناهج الالحادية،فأن الهجوم المضاد لم يكن بمستوى الاستغلال الاول الا ان الاخطاء الفادحة في سلوك التيارات الالحادية وبخاصة عندما يكونوا في الحكم كانت بمثابة الضربات القاسية لهم.
ان معدن الانسان المؤمن النقي لا يظهر في الغالب الا عند الظروف الصعبة او المؤلمة سواء من قبل الدولة او المجتمع او خلال الازمات الطبيعية او الدورية وحينها يكون المحك هو مدى التزامه بالاخلاق التي هي صفات وسمات الصالحين وبخاصة الانبياء(ع) لان الغالب على البشر هو الخوف على الحياة من الاضطهاد لاي سبب كان او الضرر الناتج عنه بما في ذلك الخوف من انظمة حاكمة او حركات سياسية معادية للدين والاخلاق وبالتالي فأن تجنب التدين او الاخلاق الناتجة عنه يكون مع الاسف وسيلة مؤقتة وليست غاية ثابتة للحفاظ على النفس التي تصبح عبدة او طائعة لانظمة ارهابية وبالتالي سوف لن يبقى في الساحة سوى المؤمن الحقيقي الذي لايخاف وتكون عنده العقيدة والمبدأ سيدا الموقف في تقرير حياته... وما عدا ذلك فأن الايمان النقي والالتزام بالمنظومة الاخلاقية في الظروف الطبيعية يكون اكثر صعوبة لكون المندسين يستغلون تلك الاوضاع والظهور بمظهر المؤمن المتدين كي يمارس سلطته او يستغل الاحترام والتقدير للمتدينين او اصحاب الاخلاق فيقوم باستغلالها لحسابه الخاص كمصدر مثالي للمعيشة السهلة!.
التعاليم والمثل الاخلاقية في المنظومة الدينية واضحة لا لبس فيها...نعم قد يكون هنالك كذب وتدليس من البعض في التفسير او التحريف وقد يتوارث وينتشر هذا الخطأ! ولكن في النهاية يكون الحق واضحا ومنتصرا من خلال الاستناد الى النصوص الدينية الصحيحة التي لا مجال لالغائها او طمس دقائقها.
لذلك فأن المؤمن سواء اكان متدينا او علمانيا يعرف ان للاخلاق حدودا واضحة سواء من الدين او حتى من المجتمع وقوانينه المتوارثة المكتوبة او غير المكتوبة والمتأثرة بالتعاليم الدينية اصلا وقد يكون الالتزام ضعيفا بالتعاليم الدينية وبخاصة الجانب الاخلاقي منه ولكنه يخضع طائعا لسلطة المجتمع وهي حالة شائعة ودائمة مع شديد الاسف،من قبيل ان الخوف من الفضيحة في المجتمع او التعرض للعقوبة يكون رادعا اكثر من الردع الذاتي من العقوبة الالهية المنصوص عليها في التعاليم الدينية.
من هذا المنطلق تكون عملية التلاعب الذاتية صعبة جدا في تغيير اسس وقواعد السلوك الاخلاقي لدى جانب المؤمنين،بمعنى اخر يكون من الصعب الاجتهاد امام المثل الاخلاقية الثابتة وتحويرها حسب القناعات الشخصية المتجددة حسب الظروف الزمنية المختلفة...نعم قد يكون هنالك تغييرا يتم على فترات طويلة من الزمن في قواعد السلوك الشخصي والجمعي والمبنى الاخلاقي الناتج عنه دون ان يحس بها الانسان الواحد لانها تمرر ضمن دورة اجيال عديدة مما يعني ان التغيير سوف يكون بطيئا جدا ولكنه في النهاية سوف يزيل الكثير من السلوكيات المتوارثة ولكن هذا لا يمكن ان يغير من الاصول العامة للاخلاق التي هي منصوص عليها،بل حتى التفسيرات سوف تكون خاضعة ضمن تلك الاطر ذاتها،وحتى ان تلك التغييرات الطفيفة الجديدة سوف تخضع لمعارضة قوية قد لا تصمد امامها الى ان تحين دعوات تجديدية تحاول فرض قيم اخلاقية جديدة.
عموما ان عامل الاجتهاد الشخصي حتى لدى العلمانيين المؤمنين يكون ضعيفا في محاولة تغيير القواعد الاخلاقية،ولكن هنالك امثلة شاذة حصلت في الغرب وشاعت قيم جديدة نعتبرها مخالفة لماضيهم او تعاليمنا الاخلاقية من قبيل شيوع العيش المشترك قبل الزواج او الانجاب قبله او عدم الخضوع للسلطة الابوية الخ من القيم الجديدة التي شاعت بفضل شيوع القيم الالحادية او العلمانية المتطرفة الداعية الى عزل الدين ضمن جدران الكنيسة!...وفي الحقيقة ان تلك القيم الجديدة تبقى معرضة للزوال حسب الظروف المحيطة خاصة اذا جاءت موجة ايمان جديدة بالقيم الاخلاقية كما حصل في فترات معينة اثناء ظهور الامراض القاتلة الناتجة من شيوع العلاقات الجنسية المباحة او الغير سوية.
ان تغيير القواعد الاخلاقية المتوارثة والناتجة من الثورة الجنسية التي شاعت في الغرب اولا خلال فترة الستينات من القرن العشرين هي تعود في جانب كبير منها الى انتشارها ضمن الملحدين او المؤمنين غير المتلزمين بقواعد السلوك الديني،وهاتان الفئتان تشكلان نسبة كبيرة حتى ان بعض الاحصائيات لنسبة الملحدين او الذين بلا دين في الدول الاوروبية بلغت مستويات تفوق بكثير اعداد المؤمنين فضلا عن الملتزمين منهم،مما يضعف الرأي القائل بأن التغيير قد يحصل بسرعة ضمن صفوف المؤمنين وبذلك نستنتج ان ادعاء التغيير يكون اكثر ضعفا في جانب المؤمنين منه في جانب غيرهم الذين يكونون متحررين من كل قيود.