إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/07/17

المكارم الوطنية

المكارم الوطنية:
في عام 2008 أقرت الحكومة العراقية مصطلح منحة الحكومة بدلا من منحة رئيس الوزراء مادامت المنح من المال العام!وهو قرار صائب بالطبع يهدف الى تحرير النفوس من آثار مرحلة الاستعباد الماضية المتعددة الاثار!... وكالعادة لم تستفق بقية الدول العربية الاخرى من هذا الانحدار المتذلل الذي تخلصت منه بلادا اخرى منذ فترة طويلة جدا،بل واستمرت في الخضوع لهذا التوجه الخاطئ قطاعات واسعة بغباء غير معهود اعطت من خلالها للحاكمين صلاحيات غير محدودة في العبث الغير مسؤول بالدولة وامكاناتها!.
من المصطلحات الهزلية التي شاعت في العقود الاخيرة( وما اكثرها!) وبخاصة المتعلقة بتوغل الطغيان والاستعباد في النفوس الحاكمة والمحكومة هو استخدام عبارات وكلمات لا تمت للواقع بصلة بل هي استغلال للمنصب في الدولة لاغراض شخصية ودعائية لغرض الثبات الابدي!...وهذه الظاهرة غير معروفة او لا يهتم بها احد في الدول المحكومة بنظم ديمقراطية حرة كما هو الحال في الغرب،بعكس الحال في العالم العربي الذي ابتكر الفاظ جديدة مثل منحة الملك او الامير او الرئيس او رئيس الوزراء بل وحتى الوزير ذاته!واصبح من خلالها البعض بحكم الضعف الثقافي واستقلاليته ينظر اليها على انها حقيقة واقعية وليست غريبة على اعتبار ان المال العام بل والشعب كله تحت تصرف الزعيم بل وملكه ايا كان!.
قد نفسر القبول بهذا الوضع وبترديد تلك المصطلحات بالجهل والتخلف والاستعباد الذاتي للحاكم،ولكن الامر لا يقف عند هذا الحد بل نرى اكاديميون وكتاب وخريجو مؤسسات التعليم العالي ومثقفين يرددون كالببغاوات وبطريقة مستهجنة كأنهم صغار يتلقون الموروث دون البحث عن ماهيته ودقته وصدقيته! ان ذلك هو امر مفزع حقا ولا يمكن تبريره حتى لو كان السبب هو الخوف من سطوة الطغاة وحواشيهم!.
قد يرى البعض مبررات هزيلة للدول ذات النظم الملكية واشباهها ولكن الدول ذات النظام الجمهوري التي هي مختلفة والتي انزلقت انظمتها لاحقا نحو الاستبداد والوراثة السياسية،لم تكن مستثناة من تلك الظاهرة الغريبة الدالة على ضعف وعي واستلاب ذاتي للسلطة الغاشمة،بل وتجاوزتها بمراحل عديدة! فقد استخدمها البعض مثل نظام صدام البائد في العراق بكثرة غريبة حتى نفرت الناس من التكرار الممل لتلك الالفاظ الدالة على استحلال اموال الشعب وجعلها بيد الحاكم ليعمل بها مايشاء ومن ضمنها تقديم المنح بل واصبحت كل قرارات الدولة وعطاياها لاتباعها هي منح ومكارم صادرة من ابو المكارم الاخلاقية التي لا يصل اليها الا ذو حظ عظيم من الارهاب والخبث وصيد الفرص المتيسرة للوصول الى مبتغى السيطرة الشاملة وهذه الحقيقة يمكن تطبيقها بدون حرج على اي بلد تشيع فيه تلك التصرفات والطبائع الدالة على انحدار كبير في المستوى المقبول للانسان الحر!.
ان عدم استخدام الفاظ دالة للتمييز بين المنح الحكومية والمنح الخاصة وبخاصة في ظل التداخل في استخدام الموارد اللفظية والمقاصد الظاهرية والباطنية لنفس المصطلح للدلالة،جعل الحيرة ظاهرة وبخاصة في ظل التقليد الاعمى للغالبية لنفس النصوص المقروءة والمسموعة والمرئية،وبالتالي فأن تلك الجموع الغافية او الفاقدة للحدود الدنيا لمستلزمات الوعي المستقل هي نتيجة طبيعية بفعل حالة فقدان الذات وحريتها ونكون بالتالي في حاجة ماسة لتأسيس ثورة فكرية حقيقية غير خاضعة الا للشعب نفسه وتكون كوادره الطليعية هي المسيرة لعملية التصحيح الحضارية!.
ان شيوع الفاظ تلك الردة هي دلالة على الفشل الحقيقي في اثبات ان الثروات الوطنية هي ملك خاص للشعوب ومن ارضها ولا يحق بالتالي لاي نظام او فرد ان يبجل حاكمه على حساب قول الحقيقة الوطنية القائلة بضرورة الفصل بين الوطن ككيان منفصل لا تربطه رابطة بالحاكم الفاقد للشروط السياسية لغرض الحكم!.
لقد ساهم الاعلام العربي،الرسمي والشعبي الى حد ما في ترسيخ ثقافة المكارم الرسمية وصبغها بلون شخصي دال على كرم خرافي لا محدود! وهذا الاعلام الذي ينقل امثال تلك الترهات والاكاذيب،هو يعبد الطريق نحو الاستعباد كثقافة وقيم وسلوك،ويساهم في ترسيخ جذوره المقيتة في صفوف الامة وجعلها هزيلة لا حول لها ولا قوة وتقبل كل شيء يعرض عليها!...ان ذلك يستدعي التصدي الحاسم والشجاع لو ارادت النخب الحرة والمثقفة التي تعي تلك الحقائق المروعة وتخاف التصدي لها في مرحلة الخيار بين البقاء والابادة! فالعالم الان اصبح قرية صغيرة تراقب كل حركة فيه مهما كانت بسيطة!.
ان الحاجة ماسة لبناء ثقة ومصالح متبادلة بين الاطراف الوطنية كافة،والتوجه بعد ذلك لتأسيس ثقافة وطنية وعالمية انسانية خالصة تمنع تسرب الافكار والمناهج المخالفة التي دمرت البلاد واهلكت العباد وجعلتنا اضحوكة الامم في زمان لا يرحم الساكنين خارجه في كهوف النسيان!.

2011/07/10

انهيار الامن الفكري!

انهيار الامن الفكري!:
منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990 انهار الستار بين القطبين وتحول العالم الى قرية صغيرة تلاشت فيها الحدود والقيود المفروضة... اصبح الامن الفكري مهددا بالانهيار بعد ان كان محاطا بستار حديدي بسبب الثورة التكنولوجية الهائلة والتي كانت من ابرز مظاهرها هو ثورة الاتصالات وبخاصة الانترنت التي لا تعترف بالحدود الدولية وتعقيداتها واجراءات الدول الحمائية!.
الامن الفكري: هو القيود الامنية المفروضة على العقول ويمنع عنها كل روافد الثقافة المتعددة ماعدا الفكر والسلوك المنهجي الذي تعتقد به الانظمة واجهزتها الامنية الذي يلائم طريقها في الحكم،وكل ما يخالف تلك المنظومة الفكرية السائدة هو كسر لجدران الامن الفكري ذو البعد الواحد والذي هو جزء من منظومة الامن القومي المتشعبة حسب ذلك الرأي الهزيل الذي يمليه اعمدة الاستبداد والتقليد المشوه في العالم!.
لقد كانت عملية مسخ وتشويه العقول والطبائع والقلوب واعادة قولبتها قسريا من خلال جعلها تابعة للسلطة هي اكبر مهمة في التاريخ واكثرها اهمية لما لها من تأثير بالغ على ديمومة الحكم وجعله اكثر سهولة من خلال خلق اجيال جديدة لا ترى من المناهج الفكرية المتعددة الابعاد سوى منهج السلطة دون الاهتمام بتحليله ضمن وسائل العلم المختلفة وعليها بالتالي اتباعه دون رؤية المناهج الفكرية الاخرى التي تكون غالبا اقوى وامتن في المقدمات والادلة والبراهين والنتائج!...فالخوف من الاخر وبخاصة من فكره التنظيري هو دلالة على هزيمة اولية كبيرة ومقدمة لضعف معرفي واخلاقي ظاهرين،والنتائج سوف تكون بالتالي مرعبة وتؤسس لمرحلة انهيار فعلي لا يمكن الخلاص منها الا بنهضة كبرى تبذل لاجلها الارواح!.
ارهاب فكري وليس امن فكري!
حذر خبراء الامن ومنظريه في العالم العربي قبل فترة طويلة من اندلاع موجة الثورات المعاصرة في عام 2011،من تهاوي نظرية الامن الفكري التي يعتقدون بأهميتها البالغة! وكان لدى البعض املا في ان يوقفوا زحف الافكار والقيم الجديدة التي شاعت بسرعة في تلك المجتمعات المغلقة خارجيا وداخليا! ولكن المفاجأة الكبرى كانت في انهيار نظامين كانا من اقوى تلك الانظمة اعتقادا وتطبيقا للامن الفكري واكثرها حرصا على استمراريته.
مهما كانت درجة المراقبة والاجراءات العقابية المرادفة لها فأن مصيرها الانهيار الحتمي تحت ضربات التقدم العلمي المتغلغلة التي اختصرت العالم وجعلته يعيش في بوتقة واحدة،بالرغم من ضخامة الميزانيات المخصصة لها!... واكثر الانظمة انعزالية وقمعا مثل انظمة كوريا الشمالية وكوبا وبقية الانظمة العربية ليست مطلقا النجاة من المصير المحتوم في الانهيار التام،ففي النهاية تنتصر الافكار الحرة او المستمدة من المجتمع على ما سواها من الافكار المفروضة والدخيلة!.
لقد كانت الرقابة والخطاب الدعائي سائدا ومستغلا للتطور الا ان تسارع وتيرة النمو المخترقة لحواجز الحدود قد جعل مهمتها مستحيلة وحول نظرية الامن الفكري الى مجرد ماض اسود لا يمكن الرجوع اليه،والاحداث المأسوية المنقولة مرئيا او صوتيا في العالم العربي قد حركت الشعوب المجاورة للبحث عن وسيلة خلاص تنقذها من الظرف الطارئ الذي اصبح دائما!.
وسائل الاعلام والثورات ساعدت على تبني خطابات متعددة غالبا تكون مخالفة للموجود،وحالة الحرية الان في تونس ومصر على سبيل المثال ساعدت على نشر التراث الضخم المخالف للسلطة السابقة،واكيد ان النتائج سوف تكون مذهلة بسبب العطش الطويل الامد لكل المعلومات الجديدة في مختلف الحقول المعرفية وبخاصة الرغبة في تفعيل الارادة الحرة!.
ان الانسان ليس عبدا حتى يقام عليه حجر فكري يحدد له منهج وسلوك مقيد وغير سوي قد يختلف عما يعتبر انه الاقرب لمنهج انسان سوي ومتحضر...كلا فهو مخير ولا يجب عليه جبر الاخر في اختياره...من هنا فأن نظريات الامن الفكري التي طرحها بعض مثقفي السلطة للبحث عن ادوات منهجية وعملية جديدة لمواجهة اي اختراق فكري ممكن ان يأتي من خارج حدود السيطرة السياسية ويهدد هيمنة الفكر الواحد سوف لن توقف الزحف الحضاري المتعدد الابعاد عن الهيمنة المفتوحة!.
الانفتاح الملزم للجميع سوف يؤدي في النهاية الى ازاحة كل فكر او منهج تسلطي يخالف الفطرة الانسانية ورغباتها المشروعة،وسوف يؤدي الى تفاعل مختلف الثقافات في بوتقة جديدة خالية من العنف ومؤسسة لمرحلة جديدة.
قد يخاف البعض من هيمنة فكر او منهج يتعارض مع التقاليد والعادات والقيم المتوارثة،وقد يكون ذلك صحيحا ولو جزئيا،ولكن الواقع يقول ان ذلك مبرر ضعيف ولا قيمة له في فرض القيود المحددة سلفا،فالانسان الواعي او البيئة المنفتحة هي اقل تأثرا وابعدها عن الطريق القويم من الانسان الجاهل والبيئة المغلقة!...بل الوقائع التجريبية اثبتت ان الجزء الثاني من العبارة السابقة هم الاقرب للتقليد التدميري الجاهل والاسهل في ترك الموروثات حتى وان كانت صحيحة! لا بل الاكثر تغريبا وضياعا من انسان البيئة المنفتحة!.
لا تستطيع ثقافة ما ان تلغي هوية شعبا ما وان تمسخ شخصيته بأسلوب ديمقراطي حقيقي...نعم قد تشذ مجموعات ما بفعل التقليد الاعمى الغير واعي ولكن الغالب عند الاغلبية هو بقاء القيم والتقاليد واستيعابهما للمستحدثات الجديدة.
ربط الامن الفكري!
الامن الفكري لا يختص بمنهج فكري او سياسي محدد،بل هو يستخدم من جميع القوى السياسية المنفردة والمتسلطة!...فيمكن ان نرى كمثال على حالة العالم العربي،ان الامن الفكري هو طاغ في ارهابه الفوقي عند بعض دول الخليج وفي نفس الوقت عند دول اكثر انفتاحا من ناحية فرض القيم التغريبية مثل تونس ومصر وسوريا! وعليه فأن ربط الارهاب الفكري هو خطأ شائع لدى الكثيرين ممن يتغافلون عن قيمهم الذاتية ويركزون على خطايا وعيوب الاخر المنافس والقريب!.
الارهاب الفكري والامن الفكري المزيف ضعف كثيرا بعد ان كان شائعا لدى اغلب بقاع الارض في حقبه الزمنية المتعارضة! ومنذ تحول العديد من دول العالم الى المنهج الديمقراطي الحر الذي يفرض التقيد بشروطه الموضوعية، فأن خطر الامن الفكري المظلم قد زال بزوال اسبابه وقد يأتي يوم تصبح فيه نظريات الامن الفكري المرعبة شاذة في القبول والعمل بعد ان كانت سائدة وهي دلالة على تقدم البشر بالرغم من الخسائر الفادحة التي تقع في صفوف طلاب الحرية والعدالة!.
الحياة السوية تفرض على الجميع ان يتسلحوا بأسلحة الوعي من العلم والعقيدة والسلوك الانساني المتحضر بغية مواجهة قوى الشر والعدوان وفرض القواعد السلوكية الاحادية التي تظهر عيوبها بسرعة بسبب تركز العيون على اقتناص الفرص لفرض ارائها!.
لقد انهار جدار الخوف والرعب ومعه انهارت جدران الامن الفكري وارهابه المستمد من طبيعته الدموية الصلبة!...ومع الانهيار سوف تكون الحياة اكثر سهولة ويسر من السابق الذي اصبح ملاذا آمنا لكافة القوى الارهابية،وسوف يكون العالم اكثر وحدة وتراصا في مواجهة المشاكل الكونية والتي لا تحصى ولا تعد بعد ان كان التركيز على الصراعات الجانبية والتي كان جزءا منها قد خرج من عباءة الامن الفكري المزيف!.
طوبى للاحرار في كل مكان وزمان!.

2011/07/04

الجمود الثوري!

الجمود الثوري:
التغيير والتجديد هي من الصفات الثابتة والازلية للحياة على هذا الكون وقد دخلت في كل جوانبها،والجمود هو النقيض وهو مناف لحركة الحياة وطبيعتها المتنامية وبالتالي سوف يكون مؤشر على الزوال او الضعف!.
الجمود هو علامة للركود وعدم مواكبة للحياة المعاصرة ودلالة على استحالة التطور في كافة المجالات بل قد يكون معوقا لمسيرته!...والجمود نسبي ومتنوع وتختلف درجاته بحسب طبيعة الاصول والفروع التي يدخل فيها،فالجمود في الفقه مثلا يؤدي الى ضعف في القدرة على التصدي لمجابهة المشاكل المعاصرة وبالتالي لايقدم سوى القليل من الحلول النسبية المعتمدة على اجتهادات الماضي التي قد لا تتناسب مع العصر الراهن!...وفي بقية العلوم يحصل عادة تراكم معرفي ينقض او يجدد القديم وهو من علامات التطور العلمي الذي هو من ثمار الحضارة الانسانية.
وفي السياسة ايضا يكون التجديد واقعا مفروضا وملموسا على الجميع واي مخالفة للتيار التحديثي بصورة مطلقة سوف تؤدي لا محالة الى انهيار جدران الفصل والعزل لتحل محلها قيم جديد ظهرت من جراء الابداع والتلاقح المشترك،بل ان من علامات سقوط الشيوعية وانتصار الرأسمالية هو عدم قبول الاولى بالتجديد والانفتاح على الاخر بعكس الثانية!.
الثورة هي آخر وسيلة يلجأ اليها من وسائل التغيير السياسية وهي عكس الجمود السياسي الذي من ابرز ملامحه هو الاستبداد والتخلف والذي يكون خيارا بطيئا للانهيار وليس للترقيع لان واقع القوى هو غير ثابت مما يعني ان القوانين والانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية هي متجددة بالتقدم الزمني،وهذا الفعل المشترك يستلزم وجود شروط موضوعية لانجاحه.
كان من اسباب الانهيار الحضاري في العالم الاسلامي هو الجمود الذي ساد ومنع من التجديد،وكان ثباته في السياسة مظهرا مؤلما من مظاهر المحافظة على الواقع السيء للشعوب المحرومة من التعبير عن طاقاتها المكبوتة.
كانت الثورات العربية المعاصرة فرصة مثالية لاسقاط عامل الجمود من الحياة الفردية والجماعية بعد ان سحقت الجمود وحركت الواقع الراكد الذي ساد لفترة طويلة،ولم يتسنى للثورة التونسية فرصة التقاط الانفاس للرغبة في ابداء الخيار الجديد ضمن وسائل التجديد الثوري بفعل عامل السرعة! ولكن الثورة المصرية كانت رائدة في كسر الجمود والركود الاتي منها من خلال استحداث مختلف الوسائل الضرورية بغية انجاح الثورة،لان قوة الحركة التي كسرت حواجز المنع كان بفعل تأثير نجاح الثورة الاولى! وكان من ابرز مظاهر كسر الجمود انها لم تتقيد بالمظاهرات الروتينية التي هي وسيلة من وسائل اية ثورة للمطالبة بأسقاط النظام الذي امتنع وحاول الصمود في البداية مما ادى الى تطور الاحداث من خلال الارتفاع بسقف المطالب الشعبية والتي كانت مخفية منذ حقبة طويلة! ولم تصبر جماهير الثورة المصرية على استمرار رفض رأس النظام الاستقالة فهددت بالزحف على القصور الرأسية بغية القبض على الرئيس الفاسد وزمرته وتقديمهم للمحاكمات الجنائية لانهاء الوضع المآساوي بأسرع وقت،وبالفعل كانت النتيجة مذهلة ودالة على وعي شامل لا يتقيد بجمود باطني لظاهر سلبي يخاف تطوير الاساليب واختصرت الوقت والخسائر!...بينما في المقابل طال امد انتصار الثورة اليمنية واخذت تراوح مكانها بالرغم من الخسائر الفادحة مع قوة المعارضة وضعف النظام! بسبب الخطأ التاريخي الذي وقعت به من جراء الجمود في تطوير حركة المطالب الشعبية وجعلها تنتظر بطريقة سلبية تنازل رأس النظام المتحكم منذ عقود،وكأن الجماهير الثائرة وقياداتها الميدانية لا تفهم المستويات الفكرية المتدنية ولا الواقع التاريخي المستند على تراث طويل من الاستبداد الشرقي الغير قابل للانهيار بفعل المقدرة على الصمود الطويل مهما كانت الخسائر مادام الهدف مصانا من الانهيار وهو المحافظة على الحكم في العالم العربي!...وبالفعل لم يتحقق اي من التمنيات الغير واعية لتلك المرحلة التاريخية الجديدة التي لا تقبل المساومة او الانتظار بحجج واهية!.
ان عدم استغلال نقاط ضعف النظام العديدة جعل الثورة تراوح مكانها بينما كان الاولى تطويرها واخراجها من القمقم الذي استقرت به من خلال استحداث منهاج متطور من العمل الثوري،فبالرغم من طول الفترة وتدني وحشية النظام بالمقارنة مع عنف وقسوة النظامين الليبي والسوري،الا ان القيادات الميدانية الممثلة للثوار بقيت خارج مركز القيادة الحقيقية والتي استمرت في موقع المتفرج على الاحداث الدامية وسلمت امر حوارها ومطاليبها مع السلطة الى القوى المعارضة التقليدية الاخرى التي وقعت في مستنقع الجمود القاتل منذ فترة طويلة جدا وبدا عليها علامات الانهيار الفكري والتنظيمي التي لا تساعد على ادارة المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد،وهذا خطأ تاريخي بأمتياز مازلنا نرى نتائجه الظاهرة ضمن دائرة مقيدة.
ان وقوف عملية تطوير الاجراءات الثورية في ظل الضعف الحكومي هو خطأ مركب لا ينبغي نكرانه وعدم الوقوف عنده لانه تسبب في اراقة المزيد من الدماء وبقاء الوضع الراهن لفترة اطول كان من الممكن اختصارها كما فعلت الثورة المصرية!...ومن هذا المنطلق يمكن القول ان عدم تطوير المظاهرات الى الزحف المقدس لتحرير القصور الرئاسية من الحكومة القائمة كان نتيجة لعدم وجود المقدرة الكافية للقيادة والتصدي لمستجدات المرحلة المراد استيعاب كافة متطلباتها! والاكثر مرارة في الحدث اليمني هو بقاء الوضع الراهن بالرغم من ضعفه الشديد حتى بعد سفر الطاغية اليمني للعلاج في السعودية وعدم قدرته على الحكم والمواجهة بفعل تأثير محاولة الاغتيال،وبقيت المعارضة تراوح في مكانها بطريقة غريبة حقا سمحت خلالها للجوار الاقليمي والدولي بالتدخل السلبي بعد ان رأت ان قيادات المعارضة غير متكيفة مع الوضع الدولي الجديد ومع الطبيعة الفكرية لاي ثورة مراد منها الانتصار!.
ان الجمود في حركية الثورة اليمنية وعدم استيعاب الفرصة التاريخية التي نادرا ما تتكرر هو ضعف بل وانهيار في المنظومة التنظيرية التي يراد منها قيادة البلاد بعد رحيل الرئيس نحو مستقبل مشرق!.
الواجب المفروض على الشعب اليمني وقياداته الشابة الاستفادة من التجارب الثورية الاخرى وتحرير كافة الوسائل الممكن استخدامها لغرض أنقاذ البلاد بأسرع وقت من النظام الفاسد، لان عدم التحرك سريعا وبوسائل جديدة هو معناه بقاء الوضع الراهن على ماهو عليه وادامة محزنة للصراع والارهاب والعنف مع الطبقات الحاكمة مما يعني تحمل جزءا من المسؤولية التاريخية والاخلاقية في ابقاء البلاد ضمن صراع طويل الامد لا يراعي المصلحة العليا.                    


2011/07/02

الاستفتاء الخاوي

الاستفتاء الخاوي!:
كان لاستقرار الانظمة العربية في العقود الاخيرة السابقة لموجة الثورات العربية المعاصرة اثره السلبي الفعال فقد ازداد خلالها درجة الاستهانة بقوة الشعوب وقدرتها على الرفض والتغيير! بل وصل الامر الى الاستعلاء بأعلى مراحله والمتمثلة بالاحتقار والعبودية المطلقة والرغبة في التلاعب بكل ما يتصل بها الى درجة الانتقام الرهيب بلذة سادية غريبة!.
فوجئ الجميع بأنتصار الثورة التونسية،ولم تدرك حينها بقية الانظمة العربية بالخطر المحدق بها من جرائها لان انتقال شرارة الثورة يطفئ بسرعة لوجود الحدود التي ازيلت بفعل التطور التكنولوجي،وقد تكون معذورة في استباق الاحداث في تصحيح اوضاعها المزرية ولو شكليا نتيجة لسباتها الطويل!...ولكن الامر اختلف مع انتصار الثورة المصرية التي تلتها وما مثلته من تأثير كبير على بقية الشعوب العربية التي تعاني نفس المصير!...وحينها دقت اجراس الخطر والتي هي بمثابة تنبيه لا بد منه لاصلاح الاوضاع السيئة اذا اريد البقاء،وعليه فأن عدم الاستجابة او التجاهل سوف يكون غباء غير محدود لانه بالتأكيد انهيار حتمي في وضع عالمي جديد لن يكون في صالح تلك الشراذم التي استغلت الحقبة التاريخية المظلمة لصالحها افضل استغلال...وفي النهاية كانت النتيجة المتوقعة في بقاء تلك الانظمة الحاكمة على غبائها الشديد المستند على تراث اسود في عدم استغلال الفرصة الذهبية لتصحيح وضعها الخياني الفاسد،واستمرت في غيها الى درجة اصبحت التريث في اشعال الثورة امرا خجولا ان لم يكن جبنا!.
الاستجابة الشكلية لرغبات الشعوب المنكوبة كانت نسبية ومتفاوتة ،فمن علاج مؤقت يتمثل برشاوى مالية ضخمة تحت ستار كثيف من قرارات الدعم المعيشية،الى الرغبة الظاهرة في الاصلاح والتجديد والانفتاح والسماح بدستور واقامة نظام يسمح بالحريات الخ...وطبيعي ان ردة الفعل الجماهيري هي مختلفة تجاه تلك الردود من الافعال مع اختلاف الظروف ولكن المتفق عليه ان تلك الاصلاحات ليست حقيقية ولن تكون كذلك لانها سوف تؤدي الى ازالة تلك الانظمة من الوجود هذا بالاضافة الى انها لو كانت جادة فعليا في اجراءاتها لقامت بها منذ فترة طويلة وليس في الوقت الحاضر تحت الحاح الظرف الطارئ!.
كانت ردة فعل النظامين في عمان والمغرب هي الاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة تحت الضغط الشعبي او رغبة في منع حدوث الثورات من اسبابها المتعارف عليها،وكانت التمنيات الطيبة راغبة في تجنب حدوث المواجهات الدموية كما حدثت في بلاد اخرى، ولكن الذي حدث في المغرب وكما هو متوقع بالفعل ان النظام الملكي اعلن اجراءات شكلية ليست لها اية قيمة على ارض الواقع،بل وقام بأجراء استفتاء خاوي لا قيمة له،يذكرنا بأستفتاءات وانتخابات الانظمة الشمولية بغية منحها الشرعية القانونية والشعبية المزيفة!.
فقد اصدر الملك المغربي قرارته المتضمنة دستور جديد ومنح المزيد من الحريات وغيرها،ولكنها جاءت مخيبة للامال بحق فهو قد منح لنفسه السلطة العليا على القوات المسلحة وابقى لنفسه الصلاحيات الواسعة كما ومنح نفسه منصبا دينيا قياديا غريبا هو ابعد ما يكون عنه او عن اي مسؤول حكومي لانه من اختصاص رجال الدين الاحرار!بالاضافة الى قرارات اخرى تجعل هدفه الدعائي المعلن في زيادة صلاحيات السلطة التنفيذية فارغة من اي مضمون حقيقي بل هي اقرب لحالة الالتفاف على المطالب الشعبية!.
ان اي تغيير جذري في شكل النظام الملكي لا يصل الى الحدود الدنيا من اشكال الانظمة الملكية الاوروبية يصبح امرا هزليا فارغا لا يمكن قبوله او الاقرار بما جاء به،لان تلك الانظمة الديمقراطية المثالية المستقرة منذ فترة طويلة قد تطورت الى تلك المستويات العالية من جراء تنازلها عن كافة السلطات الفعلية الى الحكومات المنتخبة شعبيا،والبعض منها كما في حالة اليابان كان الملك اكثر قدسية او وجود في الساحة من اغلب السلاطين العرب، وبالرغم من ذلك فأنه تنازل عن سلطاته الى الحكومة المنتخبة شعبيا منذ نهاية الحرب الثانية!وعليه فأن عدم القبول بهذا النهج سوف يكون فعلا عبثيا لا قيمة له امام ازدياد حالة الوعي لدى الاغلبية الساحقة التي ترى تحكم حفنة من البشر بكافة المقدرات وتغليفها برداء ديني او تاريخي زائف انتهى صلاحيته في العصر الحديث.
التسليم بما جاء في مضامين الاستفتاء الخاوي هو البقاء على الوضع الراهن الذي يجعل المغرب باقيا في اخر التصنيفات العالمية لتطور الامم والشعوب، وعليه فأن المقاومة بشتى الوسائل القديمة والمستحدثة هو الامر الواقعي المفروض على الشعب المغربي لو اراد الحياة الحرة الكريمة التي تتطلب اجراءات مستعجلة في سلب كافة الصلاحيات من الاسرة المالكة ونزع القدسية الزائفة منها كما تتطلب اجراءات راديكالية في بناء الدولة من جديد وفق منهاج صارم من الشفافية والنزاهة وهذا يعني محاكمة كافة رموز الفساد والانحراف الموجودة والتي لها امتدادات حالية في اجهزة الدولة والمجتمع!.
الاستفتاء الخاوي في المغرب هو ضياع للوقت والجهود وهو سلاح فعال بيد القوى المعارضة الحقيقية الراغبة في تحقيق اهدافها المشروعة في الحرية والعدالة والمساواة من خلال الاستفادة من الفرصة التاريخية المتمثلة بتأثيرات الثورة العالمية المعاصرة...
فأذا امامنا مستحقات واجبة تتمثل في انهاء حالة الضحك على العقول والاستخفاف بها،فقد انتهت مرحلتها المؤلمة الى مرحلة جديدة فرضت قواعدها المختلفة بصرامة واضحة واي مخالفة لذلك هو الوقوف بوجه ارادة التغيير الحرة!.