إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/09

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس والعشرون
اما الشعار قبل الاخير والمتمثل في اقامة عدالة اجتماعية ،فهو جاء في ظرف دولي واقليمي كانت التوجهات فيه يسارية اشتراكية وبالتالي تلقف الضباط الصغار ذوي الخلفية الفكرية المحدودة ذلك لكي يضعوه في اولوية شعاراتهم كوسيلة لكسب الفئات الفقيرة والتي ينتسب بعضهم اليها،او الانتقام من الفئات الثرية دون التمييز بين من هو مخلص للبلد ويمثل الرأسمالية الوطنية وبين ما هو طفيلي يحتاج بعضه الى اقتلاع من الجذور والاخر الى تقليم اضافر بوضع سلسلة طويلة من الاجراءات القانونية التي تنظم الموازنة الدقيقة بين المصلحتين العامة والخاصة.
لاشك في ان بعض اجراءات الانقلابيين رغم تسرعهم فيها هي ايجابية مثل توزيع الاراضي على الفقراء وتوفير العمل لعدد كبير من العاطلين ولكن تم ذلك بمصادرة اموال الكثيرين من الاثرياء وبعضهم بالطبع ابرياء وكذلك مصادرة الحريات الاقتصادية وتعطيل كل رغبة في تراكم رأس المال لدى الفرد المصري الذي اصبح بفعل تلك الاجراءات اتكاليا على الدولة سواء برغبة منه او بدون رغبة ناتجة من الاجراءات القمعية باسم الاشتراكية،وقد ادى ذلك الى منع الاستثمار الاجنبي من دخول مصر لفترة طويلة كون راس المال ايا كان هو جبان ويحتاج الى الامان والذي يأتي من الاستقرار السياسي والاجتماعي وماتجلبهما من صدور قوانين تحترمها السلطة لتنظيم وحماية العمل الاقتصادي الحر،ولم تفلح اجراءات السادات المرتجلة بفتح الباب امام رأس المال الاجنبي عام 1974 لجلبه نظرا للتاريخ السيء في المصادرة وتولي الدولة السيطرة على افرع الاقتصاد الرئيسية بالاضافة الى الخلل السياسي والاجتماعي في الدولة،ولحد الان تعتبر مصر في ذيل القائمة التي تدخل اليها الاستثمارات الاجنبية بأعتبارها بيئة غير مستقرة رغم شدة قسوة النظام المستبد الامنية،لان من طبائع الاستثمار هو وجود مناخ واسع من الشفافية ووجود بنية تحتية قوية وقوانين تحترم الحرية الاقتصادية وتشجع عليه مع استقرار سياسي طويل وهي كلها صفات تبتعد مصر عنها بطريقة او بأخرى ولذلك نجد ان دول صغيرة في حجم مدن كبيرة مثل سنغافورة وهونغ كونغ قد وصلت فيها الاستثمارات الاجنبية في السنة الواحدة حجما يفوق جميع الاستثمارات في داخل مصر خلال عقود من الزمن،لا بل ان دول عربية قد اصبحت نموذجا في جلب الاستثمارات الاجنبية وتفوقت على مصر مثل امارة دبي الصغيرة رغم ان الانفتاح فيها تبع الانفتاح المصري بعدة سنين! وقد فشلت حتى المناطق الحرة التي اعلنها النظام مثل بورسعيد في الوصول الى مراحل بداية تطور موانئ المناطق الحرة العالمية بل واصبحت نموذجا مثاليا لتهريب الاموال والسلع والغش الاقتصادي باعتراف اجهزة النظام نفسه .
خلال العهد الناصري نشأت طبقة طفيلية جديدة بدلا من الرأسمالية الوطنية المنتجة ،ومثل القادة العسكريين والامنين احد اركانها كما ساعد الاتكال على الدولة على ترهلها بشكل فظيع جعل التكاسل عن العمل ووجود اعداد غفيرة من البطالة المقنعة في القطاعات الانتاجية والخدمية العامة،كما ضعف بشكل كبير دعم مبادرات القطاع الخاص لكي ينهض بالاقتصاد والذي تحول في العقود الاخيرة الى قطاع غير انتاجي بل خدمي على الاغلب يمتاز بضعفه الشديد وانتهازيته المفرطة،ولم يحل مشكلة البطالة العالية سوى تحول جزء كبير منها الى الدول العربية الغنية للعمل فيها والتي ساعدت تحويلاتهم على ابقاء الاقتصاد في صورة تبعده عن الانهيار التام،وقد رافق توجه الدولة منذ عهد السادات الى خصخصة الاقتصاد بصورة فوضوية غير مدروسة ولكن كان اكثر المستفيدين هم الطبقة الثرية الجديدة التي جمعت اموالها بصورة غير قانونية خلال فترة قصيرة جدا،وبذلك تخلت الدولة عن دعم قطاعات شعبية كبيرة والتي اخذت تعتمد على نفسها في توفير قوتها اليومي بدلا من العمل الجاد لبناء تراكم رأسمالي يمنحها الانطلاق نحو الحداثة الحقيقية لمجتمع مابعد الصناعي،وهنا نرى ان التفاوت الطبقي اخذ يزداد اتساعا بين الاقلية الثرية والتي لاتسهم بخدمة المجتمع الاكثر فقرا والذي يمثل الاغلبية الساحقة سواء بتبرعاتها له او استخدامها الامثل لرأس المال او حتى دفع الضرائب الحقيقية عليها،وقد نتج من تلك الفوضى الضاربة في اعماق المجتمع المصري الى حصول فوارق طبقية رهيبة بين افراد المجتمع وقد دلت الكثير من الاحصائيات على وجود بضع عشرات من الالاف الاثرياء التي جاوزت ثرواتهم المليون دولار الى جانب خمس الشعب المصري يعيش دون خط الفقر حسب الاحصائيات الرسمية المنشورة بل ان هنالك بضعة ملايين لايجدون قوتهم اليومي وملايين تسكن في المقابر وبيوت من الصفيح في وسط بيئة ملوثة مزدحمة تشتهر بأسوأ حوادث السير في شتى انواع المواصلات العامة والخاصة،كذلك تنعدم وجود اجراءات صارمة من الدولة في حماية الطبقات الفقيرة من حالات الانهيار والتفكك مما يجعل المجتمع يعيش في وضع غير طبيعي اشبه ببرميل بارود لا احد يعرف متى ينفجر او حجم الاضرار التي قد تنشأ من الانفجار الذي سوف يصيب الجميع بالاضرار،ولا يجعل الانفجار خطرا ماثلا للعيان سوى بطش السلطة بكل من تسول له نفسه في الاحتجاج على اهل اللجاج !ومن خلال ذلك العرض المختصر يتبين لنا جميعا ان الشعار المطروح منذ عقود طويلة في العدالة الاجتماعية فارغا من معناه بعد ان اصبح شعار السلطة الحقيقية هو العدالة الاستبدادية والذي يطال الجميع بمعنى ان يكون توزيع الاستبداد عادلا ولكن بالطبع ليس على الجميع بل على الاكثر استضعافا!.

ليست هناك تعليقات: