إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/13

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس والعشرون
اما الشعار الاخير الذي طرحه الانقلابيون وهو اقامة جيش وطني قوي،فهو جاء بعد هزيمة الجيوش العربية عام 1948 وكرد فعل طبيعي على تلك الهزيمة الشنعاء وعلى فضيحة الاسلحة الفاسدة التي اثبتت الحرب مدى ضعفها وانتهاء صلاحياتها،فقد بدأ الحكم العسكري في بناء القوات المسلحة على اسس جديدة ولكن ليست بحجم الشعارات المطروحة والدعاية المرسومة،فهو لم يبني منذ البداية صناعات عسكرية مثل اسرائيل رغم توفر الكوادر المتعلمة لديه في مصر،بل ان العديد من الدول العربية الغنية كانت مستعدة لاستثمار اموالها لاقامة تلك الصناعات فهي على الاقل سوف تزودها بكل احتياجاتها من المعدات العسكرية الرخيصة،ولحد الان لا توجد صناعة عسكرية مهمة يمكن الاشارة لها في مصر بينما وصلت اسرائيل الى مصاف الدول المتقدمة في الانتاج والتصدير العسكري ولذلك لم يحقق العسكر في مصر لبلدهم اهم هدف وطني وامني ويتمثل في الاكتفاء الذاتي من الاسلحة بدلا من صرف الاموال الهائلة لاستيرادها رغم حجم السكان الضخم والذي يضعها امام مسؤولية عظمى نظرا لتوفر العاملين البشري والمادي العربي،ولذلك يجب القول ان عدم وجود الصناعات العسكرية في مصر هو اكبر فشل لنظام العسكر واستقلاليته الذي لم يعتني ببنيته العسكرية فكيف يعتني ببنيته المدنية!،وبقيت القوانين والانظمة العسكرية الداخلية على تخلفها بالمقارنة مع الدول المتقدمة،وتحديث القوات بقي دون المستوى المطلوب،ورغم التحول في التسليح نحو المعسكر الشرقي منذ عام 1955 فهي في الحقيقة ليست سياسة الاذكياء في التحول لشراء الاسلحة من طرف ثاني،بل الاعتماد على الذات هو الهدف الاسمى لكل من يريد الاستقلال الحقيقي لبلده،كذلك بقيت القوات المسلحة متخلفة في اجتذاب الكفاءات العالية اليها رغم وجودها بكثرة في الداخل،وقد تبين اثر حجم الاكاذيب والضعف الواضح والمستمر في اول حرب يقودها النظام عام 1956 ضد هجوم شنته قوات ثلاث بلدان عليه كان من المفروض تجنبها وتوفير الدماء والاموال من خلال الانتظار لحين الانتهاء من عقد امتياز قناة السويس المنتهي عام 1968 ولم تكن الفترة طويلة حتى يمكن التململ منها او على الاقل تعويض المساهمين في شركة قناة السويس حتى يمكن تجنب خوض حرب غير متكافئة او مستعدة لها وكذلك كان من الضروري ان يكون الاستعداد لتلك الحرب وخاصة مع اسرائيل التي هي في الاساس في حالة حرب معها على اعلى المستويات،ولذلك جاءت الهزيمة العسكرية منكرة لمصر برغم الضجيج الاعلامي لها او للعالم العربي الذي ساندها بينما كانت الهزيمة السياسية للدول الثلاث التي خضعت للضغط الامريكي والتهديدات السوفييتية فاوقفت الحرب،ولذلك انتهت الحرب دون ان تتم محاسبة النظام على اخطائه(ومن يحاسبه؟!) والتي تم حسابها كالمعتاد من الانظمة الشمولية على اساس نصرا لها بأعتبار انها بقيت في السلطة ولم ينجح العدوان في اسقاطها !وهو في الحقيقة نصرا تدميريا على شعوبها وليست على اعدائها الخارجيين! والتقصير ايضا كان كبيرا لان الفترة كانت اربع سنوات والتي يمكن من خلالها بناء القوات المسلحة بسرعة وتجهيزها بما يكفي لردع الاعداء والا فكيف يمكن لزمرة عسكرية ان يفوتها تلك الحسابات العسكرية البسيطة دون ان تعي لها وتحسب حسابها،والادهى من ذلك كيف يقودون دولة بحجم مصر تتنوع احتياجاتها وتحدياتها وهم في اختصاصهم لايفقهون!.
بعد انتهاء الحرب عام 1956 لم يواصل النظام بناء قوته العسكرية بزخم كبير وواضح كحالة المانيا النازية والتي بنت اقوى جيش خلال خمس سنوات فقط !حتى تكون في ادنى المستويات لتلبية الطموحات القومية،وبقيت القيادات العليا بيد القادة الانقلابيين والذي يمتازون بقصر خبرتهم العسكرية(المشير عامر عند رتبة رائد ووزير الحربية شمس الدين بدران عند رتبة ملازم اول وهي رتبهم الاصلية قبل القفز!) بالاضافة الى تجبرهم الوقح على الجميع،وكانت خاتمة اعمالهم المشينة هو الانقياد وراء شهواتهم وترك المتابعة والتطوير لذراع النظام الرئيسية.
وخلال الفترة بين عامي 1956-1967 وهي فترة طويلة كان من الواجب على حكم العسكر في مصر ان يبني اقوى قوة عسكرية في المنطقة وتكون احد اهم نتائج حكمهم القادم من البيئة العسكرية،ويكون مستعدا لاصعب الظروف واكثر النتائج مأساوية في حالة اندلاع حرب اقليمية في منطقة دائما مشتعلة بالحروب والاضطرابات،ولكن النتائج الماساوية ظهرت في نكسة حزيران عام 1967 حيث كانت قمة الغباء قد برزت وهي عدم متابعة العدو والتجسس عليه بدلا من التجسس على ابناء الوطن واذلالهم،ومن المخزي لعبد الناصر وزميله عبد الحكيم وبقية الزمر العسكرية المتسلطة هو عدم اختراق ولو بالخطأ للحدود مع اسرائيل حتى لو كانت طائرة استطلاع ضروري لمعرفة نوايا العدو والتي ذكرها دايان (1915-1981) في كتابه والتي يتضمن ذكرياته وخططه حول حرب 1956 وخاصة بطريقة الهجوم على مصر والتي نفذها بالدقة عام 1967 مما يعني ان الغباء وصل الى درجة عدم متابعة العدو ودراسة خططه او التجسس عليه خدمة لاغراض التوازن العسكري.
بينما انشغل النظام خلال تلك الفترة بحرب اليمن الداخلية والتي استنزفت طاقات البلاد المختلفة وجمدت هناك قوات ضخمة تكبدت خسائر فادحة،بالاضافة الى محاولته بناء صناعة الصواريخ والتي قبرت في مهدها من جانب اسرائيل! ولم يحاول النظام بعدها اعادة العمل في المشروع!،بينما انتجت اسرائيل وبمساعدة فرنسا،اسلحة نووية تمتاز بالضخامة ولم تحاول مصر اعاقته او تدميره بشكل ملموس !!.
بقيت القوات المسلحة مجهزة بكوادر بشرية من المجندين الاميين ونسبة اقل من المتعلمين،ولم تستطع الاستفادة من القدرات التسليحية على اكمل وجه وبذلك تنقلب الاية السابقة للانقلاب المتمثلة بالاسلحة الفاسدة الى القيادات الفاسدة والتي لم تبرز قدراتها العسكرية بمثل ابراز قدراتها الاجرامية في القمع الارهابي للشعب اثناء تلك الفترة،وقد نشرت بعد ذلك العديد من الدراسات العسكرية التي ابرزت الجوانب السلبية في التقصير الواضح في الاستعداد لحرب دولة هي في حالة حرب دائمة معها!،ورغم ان عبد الناصر وبعض القيادات التي بقيت في السلطة بعد النكسة حملت المسؤولية كاملة على قيادات القوات المسلحة امثال عبد الحكيم وبدران وصلاح نصر وغيرهم الان ذلك لا يضعهم في موضع البراءة بل على العكس من ذلك! تكون مسؤوليتهم اكبر وجريمتهم الخيانية اعظم ولكن من يحاكمهم وقوى الشعب الحقيقية مغيبة وفي المعتقلات او تحت سيف الارهاب المسلط الذي لم يرحم احدا آنذاك...
وفي حالة غريبة انفرد بها النظام الديكتاتوري العسكري المصري وهي انه عندما يحاكم مسؤولا مدنيا او عسكريا فاسدا او يديه ملطخة بدماء الابرياء او سرقة المال العام فأن عقوبته في ادنى مستوى تكون له! وفي النهاية يخرج من السجن بعد فترة قصيرة بينما الضحايا يهملون سواء في اعادة الاعتبار او صرف التعويضات اللازمة لهم هذا اذا كانوا محظوظين وبقوا على قيد الحياة! وقد وصل ذلك الى رجال العهد الملكي السابق ايضا وابرز مثال هو رئيس الوزراء ابراهيم عبد الهادي الذي تولى الرئاسة بعد نكبة فلسطين والذي كان مثالا ناصعا للارهاب في العهد الملكي عندما قتل وعذب في السجون عدد كبير من الابرياء وعوائلهم! فقد جرت له محاكمة سريعة بعد الانقلاب وسجن فترة قصيرة واطلق سراحه! بينما المفروض له الاعدام كوسيلة ردع للاخرين وتعويضا معنويا للضحايا،ولكن النظام العسكري المنحرف من اساسه اعتبر اعماله بسيطة لان الجرائم في عهدهم فاقت جرائمه!.
ولذلك لم نشاهد عقوبات قاسية بحق المقصرين والفاسدين المسببين لنكسة حزيران 1967 ومثال على ذلك مدير المخابرات صلاح نصر ووزير الدفاع شمس الدين بدران واللذان اطلاقا سراحهما من السجن بعد سنين قليلة من الرئيس التالي السادات الذي يدعي محاكمة عهد عبد الناصر ورموزه،وفي تقديري ان هؤلاء الذين تمت محاكمتهم هم الطبقة الثانية في اصحاب القرار ولذلك فأن الاعلى منهم درجة ظلوا بعيدين علن المسائلة ماعدا المنشور في وسائل الاعلام المختلفة!وهي لاتقدم ولاتؤخر في ابراز الحقيقة ومحاكمة المجرمين الرئيسيين عن تلك المآسي التي حلت بالشعب المصري ومازالت مستمرة!.
ومن الخطأ الفادح الاعتقاد بأن عبد الناصر او السادات هما نظيفي اليد من تحمل المسؤولية عما جرى،بل يبقى على الاقل ان العقوبات الصادرة بحق من تمت محاكمتهم ثم اطلاق سراحهم هي جريمة لاتغتفر الى هؤلاء نظرا لان الجرائم التي وقعت على يد الذي حوكموا كانت الواحدة منها تكفي لاعدام صاحبها فكيف السجن لفترة قصيرة ثم يطلق السراح بأمر رئاسي!،لذلك يكون من الخطأ ايضا الاعتقاد ان هؤلاء لايعلموا بالفظائع التي جرت على يد الاجهزة العسكرية والامنية لابناء الوطن المعارضين خاصة وان التقارير التي تقدم له تذكر لهم اسماء الضحايا او الذين تم اعدامهم،ويكفي ذكر ان المؤلفات التي قدمت لنا صورة تفصيلة عن تلك الفظائع هي كافية لتجريم كل افراد السلطة العسكرية الغاشمة التي تحاول تبرئة نفسها بنسب ذلك لبعض افرادها،ولحد الان مازالت تلك الطغمة العسكرية تحكم مصر بنفس تلك العقلية المتخلفة والتي عفى عليها الزمن منذ زمن بعيد واخذت الامم الحرة التي تعرضت لها في فترات سابقة من تاريخها بالنهوض مجددا ورمي كل متعلقات تلك الفترات السوداء من حياتها في مزابل التاريخ بما فيها قادة تلك الفترات،بينما نحن نعيش في ظل غيبوبة رهيبة في تقديس اسماء سوداء لاقيمة نهائيا لها،بل تشمئز النفس من ذكرها فضلا عن رؤية تلك الوجوه المكفهرة المتوحشة لاله السلطة الرهيب!!.

ليست هناك تعليقات: