إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/13

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع والعشرون
بعد النكسة هبت الدول العربية لمساعدة مصر في اعادة بناء قوتها العسكرية والاقتصادية رغم ان النظام مازال يشكو من قلة الدعم العربي! والذي لو قدم الى بلد مثل كوريا الجنوبية او تايوان لكانتا قد نهضتا منذ فترة طويلة واصبحتا الان الاولى في التقدم الاقتصادي!ولكن سوء الادارة والفساد وعدم وجود الفكر المتحرر لدى قيادات النظام الانقلابي،يحول ذلك القصور الى اتهامات ضد الاخرين!،وبذلك يكفي الاستنتاج بصورة محايدة ان الدول العربية قدمت الى مصر من المساعدات بما يكفي لاقامة اقتصاد قوي وقوة عسكرية كبيرة،ولكن الموجود في الساحة هو اعلام ذلك النظام الذي يشوه الحقائق ويجعل الاباطيل هي الحقائق.
عموما بمساعدة العرب وابناء القوات المسلحة الغيورين امثال الفريق الشاذلي والفريق رياض تم بناء القوات المسلحة بسرعة كبيرة ورغم انها بقيت اسيرة للهزيمة المنكرة وخاصة الحالة النفسية امام بلد لا يشكل سكانه سوى اقل من عشر سكان مصر!،ومع مشاركة الدول العربية وبخاصة سوريا ثم العراق في الجهد ضد اسرائيل،تمت اعادة جزء بسيط من الاعتبار العربي في حرب اكتوبر 1973 والتي كانت نموذجا مثاليا للتحالف مع بلد عربي مثل سوريا،ولكن الحليف هذه المرة وهو السادات هو سوء حظ فعلي لسوريا في تلك المرحلة الحرجة لما عرف عنه من انتهازية مفرطة،فقد كان الاتفاق على الهجوم والاستمرار فيه هو نتيجة لجهود الطرفين،ولكن الذي حدث بعد حدوث المفاجأة والانتصار الوقتي القصير،كان تخطيط السادات وبعض اركان حربه لامر ثاني بمعزل عن الحليف السوري في العمليات العسكرية وذلك في التخطيط للتوقف بعد العبور لمسافة 12كم فقط! وهي حالة غريبة جدا وفي منتهى الغباء وانعدام المسؤولية الادبية امام الحليف السوري،ففي الحروب تستثمر النجاحات وخاصة التي تأتي عن طريق المفاجأة لابعد الحدود ويستمر التقدم لتحقيق اقصى الغايات منه واستثمارها في المفاوضات المستقبلية،ولكن الحالة مع نظام عسكري مستبد انهزم مرتين في السابق يختلف كليا!،وجاء الاستثمار الاسرائيلي لهذا الغباء وخيانة الحليف السوري،لابعد مدى ممكن خاصة في ظل نظام ديمقراطي خاص بهم ويعطي لاجهزته العسكرية والامنية كل الصلاحيات المهنية في الدفاع والهجوم والادارة!وهي امثلة ودروس تستنكف الانظمة العربية الفاسدة وقياداتها العسكرية من الاستفادة منها! ولذلك رأينا تحول الهجوم الاسرائيلي بأتجاه دمشق بعد توقف الهجوم المصري في سيناء عليها،ولم يوقف ذلك الهجوم سوى تدخل الجيش العراقي وبقية القوات العربية الرمزية الموجودة في الجولان،وفي قرار خاطئ ونتيجة للالحاح السوري في اكمال الهجوم،انطلق الهجوم المصري مرة اخرى ليتحول الى هزيمة ثم الى العبور الاسرائيلي في الجهة الغربية لقناة السويس ولتنتهي الحرب بهزيمة عسكرية عربية جديدة مع نصر معنوي محدود وخاصة ارتفاع اسعار النفط،استغلته الانظمة العربية الى ابعد الحدود لتعيد هيبتها المفقودة امام شعوبها المستضعفة!ومع العودة الى طاولة المفاوضات ظهر السادات بوجهه الخياني الصريح لبقية العرب وليعقد معاهدة السلام الذليلة والتي كبلت مصر اكثر مما حررتها كما نلاحظ الان في الخضوع الذليل لاسرائيل والغرب وعدم وجود ادنى مناورة للتخلص من تلك الشراك السياسية التي وضعها بطل الحرب والسلام! كما يصف البعض السادات في خيانة واضحة لاحكام العقل والمنطق والضمير للحكم على اعمال هذا الرجل الذي يكفي التحرر الادبي من المسؤولية الملقاة على مصر امام قطاع غزة الذي كان تحت سيطرتها قبل حرب 1967 وكان على الاقل ارجاع تلك السيطرة او منحه الحق في الخروج من الاحتلال ولكن هكذا نظام متحرر من القيم الاخلاقية والدينية والوطنية لا يمكن تصور في يوم من الايام ان يرجع اليها حتى يمكن ان يساعد غزة في مواجهة الضغوط الاسرائيلية بل ويزيد عليها قسوة حتى امام الابرياء!.
والان كيف يمكن تصور ما وصلت اليه القدرة العسكرية المصرية لبلد يزيد سكانه عن 80 مليون؟!...الجواب البقاء في خانة الدول الضعيفة والمتخلفة،فالصناعات العسكرية المصرية هي بسيطة ولا تسد الاحتياجات فضلا عن التصدير،بينما اصبحت اسرائيل من الدول المتقدمة في الانتاج والتصدير ومنافسة اقوى الصناعات العسكرية في بلاد العالم المتقدمة،اما الميزان العسكري بين الطرفين بعد مرور ستة عقود على انقلاب العسكر واعلانهم شعارهم الفارغ في بناء جيش قوي،هو في جانب اسرائيل بأكثر مما هو موجود قبل عام 1952 وبالتالي ينتهي اخر شعار الى خرافة اسطورية لاكبر نظام عربي!،ويمكن الاشارة الى ان الاجهزة العسكرية والامنية هي في الاساس موجهة للداخل بأكثر من قبل او المساهمة كمرتزق في الحروب الخارجية من اجل المال كما حدث في حرب 1991 ولزيادة المعرفة حول عديد القوات المسلحة المصرية حسب احدث المصادر المعرفية الموثوقة(مثل the world almanac 2006 وايضا the statesman's yearbook 2005 حول القدرات المصرية،فقد ذكر عديد القوات البرية هو 550 الف(320 الف جيش من ضمنهم 250 الف مجند بالاضافة الى 150 الف قوات الامن المركزي و60 الف الحرس الوطني و20 الف حرس الحدود)و29 الف في سلاح الطيران و19 الف في سلاح البحرية،والاحتياطي 410 الف والانفاق العسكري 3.121 مليار دولار لسنة 2002،بالاضافة الى اعداد هائلة غير معروفة من منتسبي الاجهزة الامنية الداخلية والذين يساعدون النظام بابقاء سطوته على اشدها في البلاد.
هذه الاعداد الغفيرة من القوات المسلحة هي غير مبررة اذا كانت هنالك اتفاقية سلام مع اسرائيل والجيران الاخرين هم ضعفاء،وبالتالي تبقى احدى اهم وسائل استنزاف الدخل القومي المصري،الذي يحتاج الى الاموال لتحريك عجلة الاقتصاد،اللهم الا اذا كان للسيطرة على البلاد وعدم السماح للحكم المدني من العودة تحت الاختيار الحر للشعب الذي مل العسكر وأكاذيبهم منذ تسلطهم.
لقد اثبت حكم الجيش المصري لبلاده خلال العقود الماضية،فشله الذريع رغم وجود صلاحيات غير محدودة له في تسيير دفة الحكم حتى لا تتهم المعارضة بأفشال خططه الموضوعة للتنمية والاستقرار،وبالتالي فأن ان تغيير في الحكم يتطلب ابعاد القوات المسلحة نهائيا عنه وتحجيم قدراتها وصلاحياتها نظرا للتاريخ السيء في حكم البلاد،واعادتها الى مكانها الطبيعي في الثكنات العسكرية وعملها الرئيسي في حماية البلاد وامنها،بدلا من حماية النظام وأمنه،بالاضافة الى محاكمة عادلة لكل من شارك في الحكم واساء استخدام سلطاته حتى لو كان في سن التقاعد!.
اي تبرير لسلوك قادة الجيش في حكم مصر خلال العقود الماضية غير مقبول اطلاقا،فأذا كان قد قدم التضحيات في بعض المراحل،فذلك لا يعني مطلقا منحه الحق في حكم البلاد او التدخل في الشؤون السياسية،بل يقتصر دوره وفق القانون على حماية البلاد،وعمليا فقد فشل الحكم العسكري في كل بلاد العالم وليس فقط في مصر،لان الطبيعة التكوينية للضباط والجنود وتربيتهم العسكرية الصارمة،يجعل عملية حكمهم استبدادية بأمتياز امرا لا مناص منه،لتناقضه الواضح مع طريقة الحكم السليمة اذا اريد له النجاح والمتمثلة في انتهاج الديمقراطية والدبلوماسية والمرونة في التعامل وهي مسائل اساسية للحكم.

ليست هناك تعليقات: