إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/26

قرأت لك - الكتاب السابع

قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(7)

الفضائح السياسية:
تعتبر كتب الفضائح السياسية،من اكثر الكتب المرغوبة للقراءة لدى عامة الناس،وهي ليست ناتجة من الطبيعة البشرية في حب معرفة حياة الاخرين واسرارها فقط ،بل ايضا هنالك رغبات عديدة تتسم بعضها بالفضولية او حب الاستطلاع وتقليد الاخرين او حتى الانتقام من صاحبها في نشرها وتشويه سمعته بها،ولكن تلك الرغبات تكون في اعلى مستوياتها اذا خصت احد المشاهير وخاصة الذين يكونون على صلة مباشرة بالجمهور والذي يتكون من مزيج مركب من الاذواق والسلوكيات،فمنه المحب له ومنه المبغض وعلى درجات متفاوتة،وبالتالي نجد ان متابعة الفضائح وخاصة للسياسيين الذين يعتبرون بصورة عامة اكثر المشاهير كرها،هي من اكثر الامور متابعة من قبل الجمهور وقد ساعد تقدم وسائل الاعلام على نشرها بسهولة خاصة بالصورة او الصوت.
والفضائح لا تختص بنوع ما،بل هي جزء بسيط من الفساد الذي يقع فيه الانسان سواء برغبة منه او بدونها،وكلما كبر حجم مسؤوليات الانسان،ازدادت مراقبة الناس له باعتباره انه يحظى بشرف قيادتهم وبالتالي ثقتهم التي يجب ان تكون في العادة لافضل الناس اخلاقا ونزاهة في السيرة والسلوك،ولذلك تفرع الفساد الى طرق عديدة مع تقدم وسائل الحياة وتعقيداتها واتساع شبكات الاتصال الجماهيري،بالاضافة الى ذلك اصبحت اساليب الكشف ايضا اكبر تعقيدا واشد خطورة وهي تتزامن مع سهولة نشرها اعلاميا!.
والفساد الذي يلازم نظام شمولي وخاصة في سلوك رموزه القادة والاتباع،يكون الاكثر اثارة ومرارة للنفس!باعتبار ان هؤلاء لا يحبون مشاركة الاخرين لهم في السلطة السياسية والفكرية،ويحتكرون الحقيقة المطلقة ولا يقبلون النقد بتاتا،هؤلاء يكون اسهل من اندادهم في البلدان الديمقراطية وقوعهم في فخ الفساد،لانه ببساطة لاوجود لمعارضة حقيقية ممكن ان تراقبهم وتسلب منهم السلطة،فهم بالقوة قائمين ولا يخرجون من الحكم الا بالقوة ايضا!ولذلك يسترسلون الفساد وينعمون بملذات الحياة التي يمنعون غيرهم المشاركة بها.
من هذا المنطلق،تبرز لنا اهمية الوسائل الاعلامية التي تبرز فضائح هؤلاء الذين يدعون النزاهة والوطنية والاخلاق،ورغم ان الحياة الشخصية لهؤلاء هي من حقهم ولكن الانتقام منهم يكون في ادنى مستوياته اذا لم توجد الوسائل القوية التي تغيرهم من اماكنهم السلطوية،بل حتى في الانظمة الاكثر ليبرالية توجد مرقبة شديدة لهم على اعتبار انهم مخولون الحديث نيابة عن الشعب وقيادته التي تتطلب النزاهة الشديدة مع الاخلاص للوطن الذي يحتاج الى اخلاق عالية تكفل الوفاء بالالتزامات الداعية له.
من ابرز الوسائل الاعلامية هي الكتب بطبيعة الحال،ولذلك فأن كتب الفضائح وخاصة السياسية منها تكون الاكثر شهرة ومبيعا،وليست الكتب السياسية ذات الصبغة الفضائحية بدون قيمة على اعتبار انها تنشر الغسيل القذر للمذكورين فيها،بل على العكس انها ذات قيمة عالية وخاصة في ذكر الحقائق للتاريخ وللاجيال المحكومة والتي تتوق الى الحقيقة مهما كانت مرة وأليمة وخاصة التي تتعلق بالفترات العصيبة التي تكثر فيها الازمات والنكبات،وهي تعتبر مراجع ذات قيمة عالية لكتابة التاريخ وسيرة المشاهير ومتابعة اعمالهم ودراسة التأثيرات الجانبية للحياة السيئة لهم في اصدار القرارات المصيرية التي تخضع احيانا للمزاج العام لرأس الدولة،كما انها تعتبر من المصادر الرئيسية لتحليل الاحداث التي تمر بها والتي لها تأثير على الواقع المعاصر او حتى في المستقبل،وضرورة تجنب الاضرار الناجمة عنها.
ومن الخطأ الكبير تحميل اشخاص معينين مسؤولية نكبات حلت بأوطانهم من خلال طغيانهم والذي يؤدي الى الفساد الذي ينتشر بأوصال الدولة والمجتمع وما يسببه من اضرار كبيرة يجعل من الصعب على الاجيال الجديدة التخلص منها،بل هي ايضا مسؤولية اشخاص آخرين في الدولة عرفوا بالاختراقات وسكتوا عليها او استغلوها بغية ابقاء السيطرة على الامور في متناول ايديهم من خلال استخدام اشخاص فاسدين لا يتورعون عن ارتكاب الجرائم والحماقات وفي النهاية تحصل الكوارث التي لا يحسبها بدقة الا الظالعون في العلم والمعرفة،ونصيب المساكين البسطاء الشدة والقسوة والمعاناة. وكتب الفضائح السياسية تتضمن في الغالب معلومات هامة حول احداث اشترك فيها المفضوحون،وهذه المعلومات تقلب موازين الجرح والتعديل الى اقصى اتجاه بحيث يكون من الضروري تغيير الاحكام والتقييمات حول مرحلة ما،وبالتالي يمكن تجنب التاريخ المزيف الذي من الممكن ان يستمر فترات طويلة تهرم عليه الاحداث والذين يتشبعون بخرافاته واساطيره والتي تصبح مع الاسف جزء كبير من تركيبة الشخصية الوطنية،وبالتالي يجب مراجعة كل مرحلة تاريخية من خلال مراجعة الكتب والوقائع المنشورة من اناس اجبرتهم الظروف القاسية في الاشتراك بها والتي لم يكن لهم من نصيب سوى ممارسة الفساد بمختلف صوره وأساليبه القذرة.
قد يتجنب البعض هذا النوع من المعرفة لاسباب عديدة وقد يكون من اهمها عدم التصديق وابقاء الذاكرة على اتجاه معرفي واحد،كذلك اخرين ولاسباب اخلاقية او اسرية او حتى فكرية،فأنه يتجنب الخوض فيها فضلا عن محاولة التصدي لها اذا كان يعتقد بخلافها،واسباب اخرى كثيرة!.
والحقيقة ان تلك الاسباب ضعيفة وواهية وليست لها قيمة فكرية موضوعية حتى يمكن تبنيها الا اذا كانت صادرة من موقف يتسم بالشدة امام اناس يحاولون تزييف الوقائع وبالتالي تلك مهمة اخرى يجب على العقلاء والمؤرخون تمييزها والتدقيق في مكوناتها المعرفية من خلال اختبارات عديدة تحتاج الى شيء من الذكاء والنباهة والثقافة العالية حتى يمكن اصدار الاحكام النهائية عليها لكي يتسلمها المجموع العام والمنشغل بأمور الحياة البسيطة بشيء من الاطمئنان.
في تقديري وفي احيان كثيرة تكون كتب كشف الفساد السياسي من القوة والمتانة اذا كانت صادرة من اشخاص يمتلكون مقدرة بسيطة من الثقافة والخبرة في اساليب المكر والخداع ولكن الظروف اجبرتهم في المشاركة في الاحداث من قبيل دخول عاهرات في حياة شخصيات مشهورة،او رجال فاسدين جهلاء يستغلون فساد الكبار او العمل معهم،وهذا الانواع المنتشرة بين طبقات الشعب في الغالب تكون غير محصنة من الاعمال الغير اخلاقية او حتى الغير وطنية،ولكن من السهل الحصول على المعلومات المهمة منهم اذا تم الايقاع بمن يتستر عليهم او حمايتهم ممن يخافون منهم الانتقام،وبالتالي من الواجب الوطني استدراج هؤلاء لاستخلاص المعلومات منهم ونشرها على الملأ بغية تحصين المجتمع من آثار هؤلاء السيئة وتقديمهم للمحاكمة العادلة حتى يأخذوا جزائهم العادل.

الكتاب السابع
شاهدة على انحرافات صلاح نصر
تأليف:اعتماد خورشيد
الكتاب: يتالف من 320 صفحة في طبعته الرابعة 1988،والنسخة التي وقعت في يدي هي الكترونية من الانترنت ومن السهل تنزيلها من عدة مواقع من الانترنت وحجمها يزيد عن 20 ميغا بايت ولذلك يصعب ارسالها بالبريد الالكتروني او تنزيلها في المواقع ذات الحجم المحدود من التنزيل ولكن يمكن قرائتها بوضوح تام بالانترنت او من خلال تنزيلها على جهاز الكومبيوتر الشخصي.
المؤلفة هي مصرية من مواليد 1935 ومتزوجة من احد رجالات الفن في مصر واخذت اللقب منه وهو احمد خورشيد،ولها منه عدة ابناء،تزوجت مجبرة من رئيس المخابرات المصرية صلاح نصر وهي لاتزال في عصمة الاول وحامل منه!.
كان كتابها هذا قد احدث ضجة كبيرة عندما صدر عام 1988 بحيث انه طبع اربع مرات خلال ثلاثة شهور! لان المادة المنشورة فيه ليست من الصعوبة على الفهم،بل هي سيرة فضائحية دسمة لنظام حكم عبد الناصرورجالاته،رغم انها حاولت مرارا تبرئته من كل ماجرى ولصقت ذلك بمراكز القوى الارهابية التي ترأست الاجهزة الامنية والعسكرية وبالخصوص في فترة الستينات لان علاقتها بدأت عام 1964 بمدير المخابرات المصرية وبالتالي فأن الفترة التي تغطيها كانت بين عامي 1964-1967 بينما الفترات الزمنية السابقة واللاحقة فهي مستبعدة من الكتاب ماعدا التي يخصها شخصيا،الا ان قارئ الكتاب وبدون اي حاجة لفطنة او نباهة يستطيع من خلال معلومات الكتاب ان يحكم على كل رجالات الانقلاب العسكري وعلى الاقل في تلك الفترة القصيرة باقصى الاتهامات من الخيانة العظمى الى الفساد والارهاب وهم يستحقون اقصى العقوبات ولكن مع الاسف الشديد يمكن القول وبمرارة انهم لم يحاكموا او تنفذ بهم العقوبات الملائمة لجرائمهم الوحشية ولكن حكم الله تعالى والتاريخ عليهم يختلف،والاكثر مدعاة للحزن والالم ان هنالك من يدافع عنهم او يحمل افكارهم الشاذة ويكرر اعمالهم القذرة بوعي او بدون وعي ويبررها!،وهذا القول لا ينطبق على رجالات الانقلاب العسكري في مصر فقط،بل على كل المستبدين في التاريخ والتي تبرر جرائمهم من قبل من يحمل لهم ودا ويرغب ان يكون نسخة محسنة مثلهم ولكن الظروف المعاصرة لحسن الحظ لا تسمح لهم بتكرار العمل نفسه!.
رغم اعتراف اعتماد خورشيد بمحدودية ثقافتها ومستواها التعليمي،الا ان المعلومات الواردة في متن الكتاب هي من الاهمية الى اقصى حد كونها شاهدة عيان على جرائم وحشية حولت بلدها مصر الى سجن رهيب يستمتع الطغاة بتعذيب شعبه حتى جاءتهم الصفعة الكبرى من عدوهم الحقيقي الذي حولوه الى صديق وحولوا احرار شعبهم الى اعداء دائمين لهم!.
مع الاسف الشديد الكثير من الاسماء الواردة في الكتاب ترمز بحرفين من الاسم واللقب وخاصة للمشاهير من الفن والسياسة والذين اما وقعوا ضحية لانياب الاشرار او اجبروا على خدمته او هم من العاملين في الدولة اساسا!،ولكن يستطيع العارف بالحقائق ان يميز بين الاسماء ويعرفها خاصة وان بعضها قد تم كشفه،ولكن حسب معرفتي ان بعض الفنانات مثل سعاد حسني قد تعرضت للاغتصاب والتي اظهرته في تمثيلها الراقي في الفلم الكبير الذي يحاكم تلك الفترة والمسمى الكرنك(1976)،وفنانات اخريات هربن بجلدهن خارج البلاد من صلاح نصر والزمرة التي معه ومن ابرزهن(فاتن حمامة ومريم فخر الدين وغيرهن)واخريات رفضن الخضوع من قبيل شادية ولبنى عبد العزيز،ومن الصحفيين مصطفى امين،ولكن الاكثر غرابة هو ذكرها لكاتبة مشهورة رمزت لها بحرفين وفي نهاية الكتاب وجدت اسمها الكامل وهي سنية قراعة،وكانت دهشتي كبيرة كونها كاتبة اسلامية او على الاقل اديبة وعملت مع اجهزة المخابرات اكثر الاعمال قذارة من تجسس الى قوادة علنية(استدرجت المؤلفة ومئات غيرها!) ثم في النهاية يبقى اسمها محفوظا ومحترما بين وسائل الاعلام الرصينة والتي نشرت لها مقالاتها الاسلامية ! حتى بعد كشف تلك الفضائح لها عام 1968 !! ثم اخيرا وبوقاحة طبعت لها مجلة العربي الكتاب رقم 75 الصادر بداية 2009 والذي يضم مقالاتها المنشورة في المجلة حول سيرة السيدات المسلمات في التاريخ الاسلامي وهي ابعد ما تكون عنهن قولا وفعلا!...ذلك من هوان الدهر ان لايجد الكثير من المبدعين نشر نتاجاتهم العلمية والادبية ويجد الوضاعون ذلك بسهولة،ولولا ثورة الانترنت والتي اعطت المجال والحرية للجميع لنشر كل نتاجاتهم الابداعية وتركت للقراء والمتابعين الحكم بينهن،اقول لولا ذلك لبقينا اسرى تلك العصور المظلمة وهي بحق جاهلية متوحشة ومتلونة لكل العصور والامم !!....(اذكر بسخرية مرة حادثة ذكرت في مجلة الموسم العدد23-24 الصادرة سنة1995 صفحة 422 في سيرة العلامة السيد رؤوف جمال الدين عندما كتب مقالا لمجلة العربي بغية مساعدة قريبه ماليا،فظهر المقال بعد بضعة شهور بالمجلة بأسم سنية قراعة وبشيء من التصرف!)....
بدأت المؤلفة كتابها(الفصل الاول) في الحديث عن اللقاء مع عبد الناصر في اكتوبر 1967 لمدة 6 ساعات متواصلة خصصتها للحديث عما شاهدته بالتفصيل عن جرائم وفساد صلاح نصر والزمرة التي كانت مشتركة معه في تلك الجرائم ،وتحدثت عن حالتها النفسية في مقابلته والاسباب الموجبة لذلك...
اقول:محاولة المؤلفة وآخرين تبرئة عبد الناصر وبعض اركان نظامه هي فاشلة بل هي ضحكا على الذقون،وبالمناسبة لولا هزيمة 1967 وما احدثته من هزة كبرى في مصر والعالم العربي،اجبرت النظام العسكري المصري على تحمل الهزيمة والتي نقلها الى بعض مراكز القوى فيه والتي اشتهرت بسوء السلوك والهمجية في محاولة مفضوحة للهروب من تحمل وزر الهزيمة !ولكن المسؤولية يشترك فيها الجميع دون استثناء للبعض منهم وللعلم ان مراكز القوى وما تقوم به من انتهاكات وحشية لحقوق الانسان والفساد الذي يغطيها،كان مقدرا له ان يستمر الى فترات زمنية اطول لولا النكسة ورغم ان الموجودين حاليا هم نسخة من اركان الفساد المصري الذي حكم البلد منذ 1952 ولكن وجوههم جديدة وحسب المتغيرات الزمنية!...وبالتالي فأن عبد الناصر لو كان حقيقة وطنيا ومخلصا لشعبه لحارب تلك الرموز السيئة قبل 1967 وهو يعلم علم اليقين ماذا تفعل بالشعب المسكين ،ولكن نظرا لكونه المستبد الاكبر منذ بداية المجازر الوحشية لنظامه عام 1954 وما تلاها من هزائم وانتهاكات لحقوق الانسان،فأنه يتحمل مثل البقية مسؤولية تلك الجرائم واذا ازالهم فمعناه انه ازال نفسه!،واذا كان قد فلت من العقاب الرسمي والشعبي في حياته وبعد مماته!! فأنه بالتأكيد لن يفلت من العقاب الالهي الذي لا محال سوف يتعرض له ولكل مستبد واعوانه في تاريخ المسيرة الانسانية،ولن يتأثر القضاء الالهي بالشعارات الزائفة والالفاظ الرنانة التي ينخدع بها الملايين!.
وفي صفحة 29 عبارة هامة لعبد الناصر قالها لاعتماد دون ان يحللها الكثيرون او حتى يقفوا عندها وهي ان عبد الحكيم وصلاح نصر كانا يصوران له ان البلد كلها تريد قتله وهما يحافظان عليه سالما!! فهل سأل نفسه لماذا تريد البلد قتله اذا كان بريئا او قائدا محبوبا! بل في الحقيقة هي فلتة لسان من فم طاغية مازال الكثيرون ورغم جرائمه وتفاهاته الفكرية يجلونه بل ويدعون لتيار يحمل اسمه!! الحقيقة المستخلصة من تلك العبارة ومن الحقائق الموجودة هي انه جلاد كالبقية ولكنه يجعجع بأستمرار ومستغلا ضعف الوعي الجماهيري والخوف المنتشر لديهم منه والفترة الزمنية المثالية التي ظهر بها والتي صادف فيها المد الثوري وسيطرة الاستعمار على اجزاء كبيرة من العالم.
لقد كان الجميع يعلم بالجرائم والانتهاكات والفساد المستشري في مصر ولذلك فمن المستحيل ان نصدق ان يكون اي مسؤولا في الدولة لا يعرف بتلك الانتهاكات ومنهم عبد الناصر ولذلك فهم يتحملون مسؤولية الخيانة العظمى لبلدهم وعلى الجميع محاكمة عناصر ذلك العصر الان حتى يكونوا عبرة لمن يريد ان يكون مثلهم في المستقبل ولتكن المانيا خير مثال لنا عندما حاربت رموز وفكر النازية ومنعته من العودة الى الحياة وبكل الوسائل المتاحة ولذلك نرى نهضتها الحضارية،بينما نرى الدول الاخرى ومن بينها مصر انها لم تفعل ذلك ولاسباب شتى ،وبالتالي البقاء في خانة الدول المتخلفة التي تعيش عصر الديكتاتوريات المتلونة حسب العصر الذي تعيشه وبأسماء شتى ولكن الجوهر واحد!..
وفي الفصول الاولى تحدثت بشيء من التفصيل عن المحاكمة التي جرت لبعض اركان السلطة الامنية والعسكرية والتي كان لها اليد الاولى في فرض السيطرة الارهابية على مصر،ولم تكن تلك المحاكمات المهزلة الا بعد حدوث هزيمة 1967 والتي من آثارها الجيدة انها اطاحت برؤوس كثيرين من المجرمين المتحكمين وان لم تصل الى الرأس الاكبر ولكن حطمت افكاره المريضة!والعجيب ان تلك المحاكمة فرضت حكمها الاكثر قسوة على صلاح نصر في قضية التآمر على عبد الناصر مع عبد الحكيم وبقية الزمرة وكان الحكم 25 سنة سجنا،بينما القتل والفساد والارهاب وقتل عشرات الالاف وانتهاك الحرمات وشرف الكثير من الفتيات كان فقط 15 عاما!!،هذه الجرائم التي لو ارتكب انسان بسيط جزءا بسيطا منها لحكم عليه بالاعدام!اما ذلك الكم الهائل من تلك الجرائم فضلا عن نوعيتها فأن الحكم من السخافة حتى في الدول الغربية التي تتبع قوانين تراعي كثيرا حالة المجرمين وتتسم عقوباتها بالسهولة النسبية بالمقارنة مع عقوبات العالم العربي فهي ايضا تراعي الضحايا وتحكم بعقوبات اشد قسوة على المجرمين،فما بال شخص سادي وشاذ وسارق وشيطان مثل صلاح نصر يحكم بتلك الاحكام الخفيفة ثم يأتي داعية اصلاح العهد الناصري،السادات فيطلق سراح الزملاء ومنهم صلاح نصر عام 1974 بعد ان قضوا في السجن 6 سنوات وذلك بمناسبة الذكرى الاولى لانتصار اكتوبر 1973 المزعوم!...سيرة الحكم العسكري في مصر مليء بالمخازي والجرائم وكذلك بالمجرمين الذين اذا ساء حظهم وقبض عليهم فأنهم محضوضون لانهم سوف يطلق سراحهم بعد فترة قصيرة ومن يدري لعله جراء حسن السيرة والسلوك لعتاة الاشرار الذين لم يتورعوا عن ارهاب شعبهم!...تلك المخازي والمهازل في المحاكم السياسية المصرية والتي مازالت مستمرة لوقتنا الحاضر،هي من اسباب انتشار الفساد والتخلف في هذا البلد،واذا كانت الشعوب الحرة التي تتحرر من قبضة جلاديها،تقوم بعد فترة قصيرة من التحرر بمحاكمة جلاديها وفضح جرائمهم في كل وسائل الاعلام،تكون الحالة في مصر معكوسة!ولذلك جاءت شهرة هذا الكتاب الذي لم يشرح بالتفصيل طرق الارهاب والتعذيب والانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان!
وبالتأكيد ان التستر على تلك الانتهاكات المريعة ولو بأطلاق سراح بعض المجرمين لم يتم الا برعاية كاملة من الرؤوس الكبيرة والتي تستحق نفس العقاب!.
في الكتاب بعض التفاصيل عن سيرة صلاح نصر وبعض مراكز القوى والعملاء وشيء من اساليب التعذيب والتنكيل،وبعض التفاصيل في غاية الدقة، ولكن الذي استوقفني هو عدد ضحايا الحملة الارهابية على الاخوان المسلمين وبالتأكيد شملت الكثير من الابرياء،حيث اذكر العدد كان 18 الف ضحية،وهي تقول ان العدد 119 الف ورغم ان الفارق كبير الا انه قد يكون الرقم من زوجها صلاح نصر وبالتالي يتبين لنا حجم الكارثة الارهابية التي قادها النظام العسكري الاستبدادي المصري ضد فئة هامة من المجتمع،ومازالت ذكريات تلك الحملة الوحشية مرسومة في اذهان الكثيرين،وأن اهملت وسائل الاعلام بمختلف تفرعاتها نشر تفاصيل تلك الحملات البشعة لكون ان المسبب الاكبر وهو الحكم العسكري انه مازال في السلطة ويمنع اي انتقاد الى ماضيه القذر لاعتباره انه يسلب منه شرعيته المزعومة! او يضعه على الاقل في موقف المتهم الذي يستحق اقصى العقوبات لارتكابه ابشع الجرائم.
ولم يستثني النظام اي فئة سياسية او طبقية من المجتمع،فكانت عدالته الاجرامية قد وصلت للجميع،وهي تذكر بعضا من ذلك في سطور قليلة من كتابها،ولم تذكر تفاصيل عمليات التعذيب والقتل والتي بقيت بصورة مؤكدة في مذكرات الناجين من التعذيب او ملفات النظام الامنية،ولكن الشيء المؤكد ان تلك الطغمة الارهابية التي اغفلت الامن القومي والبناء الاقتصادي،وانشغلت بجرائمها الوحشية،كان السبب الرئيسي في انكشاف ذلك في حرب 1967 والتي لو وقعت قبل ذلك بكثير لما تغير شيء،فقد كانت اكاذيب النظام تنتشر في عقول وقلوب البسطاء والممسوخين ولم يكن من الانظمة العربية من يقف لكشفها لان الجانب الاخر من المحافظين العرب كان ايضا منشغلا بالفساد والاجرام ولكن بصيغ وافكار مختلفة!.
ثم ذكرت في الفصل الحادي عشر بعض تفاصيل الصراع السري بين اركان النظام المصري واثر ذلك على البلاد،ولكن الظاهر ان الصراع كان بين الفئة التي تمسك بفروع اجهزة النظام العسكري والامنية من جهة وبين الجهة السياسية الحاكمة والتي بقيت اقرب الى عبد الناصر من الاولى،ولكن هذا الصراع انتهى تقريبا بعد هزيمة 1967 لان المتضرر الرئيسي هو من كان في الواجهة الميدانية واقصد بها القيادات العسكرية والامنية،بينما بقيت الجهة السياسية متمسكة بالحكم وحملت المسؤولية للجهة الاولى!...ولكن مصير الجهة السياسية انتهى بعد انقلاب السادات عليهم في منتصف آيار1971 عندما ازاحهم من مراكزهم في السلطة لينفرد بها لوحده! بعد ان اعتبرهم بقايا مراكز السلطة السابقة.
اغتيال الملك فاروق:
ذكرت المؤلفة وبالتفصيل في الفصل الثاني عشر،كيف جرى اغتيال الملك فاروق المنفي في ايطاليا بواسطة عملاء المخابرات المصرية وبالتعاون مع مدير المخابرات الايطالية وصديقته الايطالية عام 1965،وكان صلاح نصر ينتظر خبر الاغتيال في بيتها!وقد اباح لها بالتفاصيل وهي خرق لعمله السري!.
ان جريمة الاغتيال تلك كلفت الخزينة المصرية مليون دولار في ذلك الوقت!بينما دعاية النظام تبرز كيف دفع الملك سعود الى عبد الحميد السراج المسؤول السوري البارز ايام الوحدة مع مصر حوالي مليوني دولار وكيف سلمها الى عبد الناصر لينفقها في المشاريع العامة!هذا الاعلام والاعيبه.
هذه الجريمة التي وقعت لملك لم يؤثر على النظام منذ تركه البلاد هي وصمة عار في جبينهم،وسرقة كبيرة للمال العام وصرفه في غير محله واهدار الجهد الامني في امور ثانوية لاقيمة لها بينما الامن القومي متروك مما سبب كارثة 1967،هذا بالاضافة الى انه لحد الان لم يعاد له الاعتبار رسميا او حتى ذكر تلك الجريمة ومعاقبة المتسببين بها لان النظام العسكري مازال قائما وبالتالي من غير المنطقي ان يعري نفسه امام الاخرين!.
ثم في فصل اخر كشفت المؤلفة عن الاعيب صلاح نصر والنظام مع الملك السعودي المنفي سعود،وكيف تم ابتزازه ماديا وخداعه واستغلاله!.
وفي النهاية تذكر الحكم التافه على صلاح نصر والغرامة المالية التافهة عليه،مع براءة معاونيه!.
ايهما افضل:
هناك سؤال بسيط وهو ايهما افضل اسرائيل ام النظام المصري العسكري في احترامه لمواطنيه والدفاع عنهم؟!....
اسرائيل طاردت النازيين المتسببين بالمذابح ضد اليهود في كل بلاد العالم،وقبضت على من قدرت عليه وحاكمته بأقصى العقوبات وهي الاعدام،وبقيت تأخذ التعويضات المادية والمعنوية عن مقتل اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
بينما النظام العسكري المصري،وبعد كشف اغلبية الجرائم البشعة في زمن عبد الناصر،فأنه خلال حكمه وحكم خلفاءه من بعده،لم يتم تعويض الضحايا او اعادة الاعتبار لهم او معاقبة المجرمين القتلة باعدامهم او بوضعهم في السجن مدى الحياة،او كشف كل الحقائق للشعب! وكل ذلك مازال قائما لحد الان ومتسببا في خروج اجيال جديدة من القتلة والفاسدين،وبالتالي نتسائل ايهما افضل لابناء شعبه؟!...الجواب متروك للباحث المنصف عن الحقيقة المجردة من كل الدعايات والاكاذيب الرخيصة وتزييف التاريخ والعقول!.
وقد كانت نهاية المجرم صلاح نصر بشعة فقد اصيب بالعمى والشلل ثم توفي في عام 1982 بعد ان سجن مرة اخرى بسبب الدعوة المرفوعة ضده واعوانه من قبل المؤلفة التي فضحت في النهاية بعض الكتاب الانتهازيين.
الكتاب يحمل الكثير من الوقائع المؤلمة من الحقبة الناصرية السوداء،وهو ضروري للقراءة لمعرفة تلك الفترة حتي يتبين للجميع الاسباب الحقيقية للنكسة عام 1967 والمتسببين فيها بغض النظر عن مكانتهم في الدولة والمجتمع.

ليست هناك تعليقات: