إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/05/19

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الستون


اسطورة التغيير الفوقي
اسطورة التغيير الفوقي: القسم الستون
المبحث العاشر:
التغيير الراديكالي:
وهو مايطلق عليه عادة بالتغيير الجذري حسب الترجمة العربية للمصطلح الانكليزي،وهو عكس التغيير الفوقي تماما وخرافاته المعهودة! وغالبا ما تكون القاعدة الشعبية بداية الانطلاق الطبيعية له،وليس من الضروري ان يكون التغيير ايجابيا بل قد يكون سلبيا! وقد يؤدي الى تأسيس حكم فوقي في النهاية! اذا تم الانقلاب الداخلي على المبادئ التي بني عليها التغيير،اي ما يقابله فعل الردة في تأسيس الحكم الديني...
التغيير الراديكالي غالبا ما يكون العنف مصاحبا له بفضل قوة عاملين اساسيين وهما:عامل الانتقام في حالة افعال الماضي وعامل درجة قوة مقاومة الطبقات الفوقية له في حالة الحاضر والمستقبل،مما يعني انه اذا لم تكن هنالك مقاومة مستمرة للتغيير السلمي ولم يكن ايضا قمع واضطهاد،فأذن تكون الدوافع نحو التغيير الراديكالي ضعيفة بل ويكون العنف اقرب للوحشية الغير مبررة سوى بالجنون الذي تستدعي الضرورة مقاومته لغرض الحفاظ على السلم الاهلي والتدرج الهادئ في التغيير بأتباع الطرق والوسائل السلمية...
لن يكون التغيير الجذري الحقيقي الا بالثورة العنيفة! وحسب الظروف المناسبة (المكانية والزمانية)... ولكن ليس كل ثورة هي لغرض التغيير الجذري او لغرض اخلاقي بل ان هنالك الكثير من الثورات التي حدثت هي من جراء فعل غوغائي استغل بدقة من قبل مجموعات صغيرة للوثوب على السلطة...
الثورات الراديكالية قد تكون ضمن نطاق محلي وايضا ذو صبغة عالمية تتجاوز الحدود الدولية! وحسب المبادئ والشعارات والنوايا المرفوعة.
لا يشترط بالنوعين(المحلي والعالمي) النجاح ولكن يشترط بالتغيير الجذري النجاح! مما يعني ان صفة التغيير الجذري لا تكون ملاصقة للثورات الفاشلة حتى لو كانت النية صادقة وموجودة بالفعل لدى القائمين بها! بسبب ان صفة حدوث التغيير الجذري المراد منها قد انتهت ولم تطبق لان الثورة فشلت وبذلك يكون البحث هنا حول التغيير الجذري هو مختص فقط بالثورات الناجحة التي طبقت التغيير الجذري بغض النظر عن الصواب والخطأ في التطبيق لكون الحديث هنا مختص بالتغيير الجذري الشامل الذي يسلب الحكم القائم ويزيل الطبقات المتحكمة لصالح فئات وطبقات جديدة تعيش في قاع المجتمع والسلم الاجتماعي!...
الافضلية دائما في الحديث اولا حول الثورات الكبرى ذات الصفة العالمية من ناحية انتشار مبادئها خارج الحدود الدولية وتأثيراتها الهامة في البلاد الاخرى بل في العالم اجمع،وليس حول الثورات المحلية التي يكون مدى انتشارها ضيقا حتى ولو تطابقت بعض شعاراتها وافكارها مع الثورات العالمية الكبرى...
في الفكر السياسي وخاصة الغربي منها هناك شبه اتفاق ولو على جانب البحث التنظيري الموضوعي على ان الثورات الكبرى في العصر الحديث هي اربع ثورات وحسب ترتيبها الزمني:الثورات الامريكية والفرنسية والروسية والايرانية،وبالرغم من ان بعض فقهاء الفكر السياسي يضيف اليها الثورة الانكليزية السابقة على تلك الثورات الا ان تأثيرها خارج حدود انكلترا لم يكن ظاهرا مما ادى الى عدم الصاق صفة العالمية بها! او حتى ثورات اخرى.
تلك الثورات الاربعة الكبرى في العصر الحديث نجحت في الوصول الى الحكم ومن ثم تطبيق التغيير الجذري الا ان مبادئها وافكارها هي اممية اكثر منها محلية وتأثيرها وصل الى بقاع بعيدة عن مكان انتصارها،ومازال تأثيرها ايضا باقيا ولو على نطاق الافكار والمبادئ بالرغم من مرور فترة طويلة على انتصارها.
الثورة الوحيدة لغرض الاستقلال هي الثورة الامريكية ضد الاحتلال البريطاني عام 1776،بينما الثورات الاخرى هي كانت بالاساس ضد الاستبداد السياسي والفساد الناتج عنه والذي ادى الى ثورة شعبية عارمة ازاحت الحكم بالرغم من فقدانها لعدد كبير من انصارها مع الخصوم.
الثورة الامريكية لم يكن لها اعداء بحجم اعداء الثورات الثلاث الاخرى بسبب كونها بعيدة جغرافيا عن العالم القديم وكذلك كان تركيزها في البداية على بناء نظام سياسي حر يقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية في بلادها ثم الرغبة في نشرها بعد ذلك في انحاء العالم حتى ولو بالقوة المسلحة وهذه الصفة اي استخدام القوة او حتى الرغبة في ذلك هو العامل المشترك في تلك الثورات ايضا لان الرغبة في تحرير الشعوب المجاورة وفق مفاهيم وشعارات الثورة يستدعي منها فكريا واخلاقيا وانسانيا ان تقوم به،وبما ان النظم المجاورة لا تقبل بذلك خوفا على مصالحها الذاتية فأن الصدام سوف يكون ولو بطريقة دعم معارضي تلك البلدان وتبادل العداء المشترك!.
الثورة الامريكية بالرغم من شيوع مبادئها في انحاء العالم الا ان صيت الثورة الفرنسية قد طغى عليها بسبب الفارق الزمني الضئيل فيما بينهما،وكذلك تحرك الثورة الفرنسية خارج الحدود الدولية في فترة مبكرة جدا،بينما حصرت الثورة الامريكية نفسها ضمن مبدأ منرو الداعي الى الانعزال عن العالم ومشاكله وتقديم النموذج الامريكي على اساس مثاليته من خلال تطوير الداخل دون خوض الصراع مع الاخرين... وقد استمرت امريكا في السير على هذا المبدأ حتى اندلاع الحرب العالمية الاولى بالرغم من تدخلها المحدود مع الدول المجاورة وخاصة في نزاعاتها المستمرة مع اسبانيا والتي انتزعت بموجبه على سبيل المثال كوبا والفليبين وايضا المكسيك،وكانت نهاية الحرب العالمية الاولى وفشل المنتصرون في ارساء قواعد النظام العالمي العادل فقد قررت امريكا العودة الى انعزالها من جديد الذي لم يستمر طويلا بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية والتي ادت الى مشاركة امريكا فيها بقوة الى جانب الحلفاء لغرض ابعاد شبح الفاشية عن العالم الجديد من خلال التصدي الحازم لدول المحور.
الانتصار الكبير الذي حققه الحلفاء في عام 1945 كان يستدعي بناء نظام سياسي جديدة يختلف عن النظام السابق وللمحافظة عليه وتصحيح اخطاء مؤتمر فرساي وغيره في فرض التعويضات وتقسيم المستعمرات!... وبما ان بريطانيا وفرنسا لم يكونا آنذاك قادرين على تلك المهمة الجديدة بسبب الدمار والضعف اللذان خرجا به من تلك الحرب والتي اخرجت للعالم كتلة جديدة تدعى بالكتلة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق الذي اعتبر في حينه اكبر خطر يوجه ضد العالم الغربي الرأسمالي الذي تزعمته القوة الجديدة وهي الولايات المتحدة التي التزمت في فرض حالة التوازن مع الاتحاد السوفييتي والتصدي له اذا قرر الزحف نحو دول اوروبا الغربية، ونشر مبادئ الثورة الامريكية وخاصة المتعلقة بالحرية والديمقراطية التي اعتبرت من الاسباب الرئيسية لما وصلت اليه امريكا من قوة ونفوذ وتحضر تفوق به دول العالم الاخرى.
حالة الحرب الباردة بين المعسكرين ادت في زعيمتا الجانبين:امريكا وروسيا الى تفضيل المصلحة القومية لكلا منهما حتى ولو اصطدمت بمبادئ الثورة لكلا منهما! مما ادى الى دعم الانظمة السياسية الفاسدة والمستبدة الموالية والامثلة كثيرة بما لا يدع مجالا نهائيا للشك فيه!... وبالرغم من الادعاء الامريكي او السوفييتي بالرغبة في تطبيق نموذجيهما واعتباره نظاما مثاليا للبشرية جمعاء! فأن هذا الادعاء اصبح فارغا بمرور الزمن ولكن دون ان تزول مبادئ وافكار ثورتيهما بأعتبارها غير خاضعة للتطبيق الحقيقي مما ادى الى تمردات عديدة في معسكريهما معا من جانب دول اخرى تعلن صراحة ان نموذجها القائد قد انحرف كليا او جزئيا عن النظام الفكري،من قبيل الصين والبانيا ويوغسلافيا وتصادمهما المعروف مع الاتحاد السوفييتي، وايضا فرنسا الديغولية وبعض الحكومات الاشتراكية المنتخبة في بعض دول العالم الغربي ضد السياسات الامريكية الهادفة الى الهيمنة وفق مختلف الاساليب والدعوات التنظيرية!.
بعد انتهاء الحرب الباردة رسميا عام 1990، اخذت امريكا تدعو الى تطبيق نموذجها الذي انتصر وايضا دعا بعض مفكري الغرب الى تصحيح سياساتها ولو جزئيا والتي ظهرت في اثناء الحرب الباردة وخاصة دعم الفساد والطغيان وافشال العديد من الثورات التحررية وفق مختلف الذرائع لانه تسبب في تشويه صورة امريكا وظهور حركات واتجاهات فكرية وسياسية متطرفة في عدائها لامريكا وتعمل كل مافي وسعها في ضرب المصالح الامريكية! وقد برز هذا الرأي بعد احداث ايلول(سبتمبر)2001 التي كان من ابرز اسبابها الدعم الامريكي الواضح لاسرائيل والانظمة الاستبدادية في العالم الاسلامي ناهيك عن الاستنزاف القوي لثروات بعض حلفائها في العالم الثالث!مما ادى الى ظهور مراجعة شاملة والخروج بآراء جديدة وفق المبادئ والقيم الامريكية المستندة الى ثورة الاستقلال، وايضا لمصلحة امريكا وحلفائها،الا ان الزخم التنظيري والتطبيقي سرعان ما ضعف بسبب ان أثر السياسيات الامريكية الخاطئة في اثناء الحرب الباردة وما بعدها مازال في الذاكرة الجمعية للشعوب هذا ناهيك عن استمرارية الدعم لحلفائها الديكتاتوريين في العالم الثالث بالرغم من تشجيع بعضهم على تبني سياسيات جديدة تخفف من درجة التطرف ضدها! من خلال تشجيع استخدام الاساليب الديمقراطية في الحكم واحترام حقوق الانسان.

ليست هناك تعليقات: