إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/02/16

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الرابع والخمسون

اسطورة التغيير الفوقي-القسم الرا
اسطورة التغيير الفوقي-القسم الرابع والخمسون
المبحث السادس:
جيوش القمع المتعددة!:
تلعب الجيوش في حالات حكم الطبقات الفوقية ،اعمالا مزدوجة ومشوهة في نفس الوقت!فهي بالاضافة الى عملها المعروف في الدفاع عن الوطن والذي هو مشوه بطبيعة الحال! فأن العمل الرئيسي في الحقيقة هو الدفاع عن الحكم للطبقات الفوقية ورجالاتها المعروفين الذين قد يختصرون انفسهم في شخص واحد يدعى الطاغية!... هذا يعني ان العمل الرئيسي المعروف للجيش يتحول الى عمل ثانوي وهو الدفاع عن الوطن وسيادته لخدمة سياسات الحكم سواء تستدعي الدفاع عن الوطن او الهجوم على الاخرين وحسب الرغبات المتغيرة! ولكن المهمة الرئيسية هي الدفاع عن الطبقات الفوقية بشتى السبل والاساليب التي تتجاوز الخطوط الحمراء لتصل الى حد ابادة اي مجموعة بشرية فضلا عن المعارضين وخاصة الابرياء الذين يكونوا على قاعدة مشتركة مع المعارضين بصيغ مختلفة كالرابطة الدينية والمذهبية والاسرية الخ...
عملية بناء القوات المسلحة في النظم الطبيعية وخاصة الفرع الرئيسي فيها:الجيش تتم وفق اساليب وطنية وانسانية تراعى فيها حقوق الانسان وحقوق الشعب مع المبادئ الدينية والاخلاقية،وهذه الطريقة هي التي تبعد الجيش عن التدخل في السياسة وكذلك تبعد السياسيين عن التدخل في شؤون القوات المسلحة وتبقي المهمة الوحيدة وهي الدفاع عن الوطن مع اعمالا اخرى تقتضيها الظروف الموضوعية من قبيل التدخل في حالات الطوارئ للكوارث الطبيعية او للحفاظ على الامن في حدود ضيقة لدعم الشرطة الوطنية...هذه الطريقة تؤدي الى بناء نفسي متين للمنتسبين بحيث يحافظون على وطنيتهم وانسانيتهم بالاضافة الى اخلاقيات المهنة العظيمة،ولذلك نرى ان المستوى الفكري والتقني في عمل افراد الجيوش التقليدية في النظم الديمقراطية هو في قمة الحرفية والاستقلالية مما يؤدي الى نتائج عظيمة تكمل عملية البناء الحضاري من خلال حراستها من اعدائها المتربصين بها...
في النظم الفوقية بمختلف انواعها تكون العملية مختلفة تماما الى درجة تجعل نتيجة العملية مختلفة عن نتائج النظم الطبيعية من خلال بناء جيوش تكون مهمتها الرئيسية هي حماية النظام وطبقاته العليا ويكون الجيش هو السيف الاقوى بيد الطبقات الفوقية والتي تهدد به كل الاعداد والمعارضين في الداخل والخارج،وبذلك تتحول البنية الهيكلية للجيوش الى بنية امنية بحتة ولكن بشكل مغاير للاجهزة الامنية...
الجيوش الموازية:
حتى ذلك البناء الجوهري المقارب شكلا ومضمونا للاجهزة الامنية هو في الحقيقة غير كاف للطبقات الفوقية! التي تبقى في حالة من التوجس والريبة من الجيوش بحيث لاتنفع معها حتى مراقبتها بشكل دقيق فتقوم بعمل جديد لا يوجد في النظم الديمقراطية وهو بناء جيوش اخرى موازية لها في كل شيء وتقوم بنفس عمل الجيوش مع مراقبة تامة لها وتكون اكثر اخلاصا ووفاءا من الجيوش التقليدية وجناحيها الاخرين:القوات الجوية والبحرية!...ولكن طريقة بناء الجيوش الموازية وهيكليتها تكون مختلفة عن الاجهزة الاولى في كون افرادها يتم اختيارهم بعناية ودقة من نفس مناطق واسر الطبقات الفوقية للحكم،بالاضافة الى تدريبهم بعناية وتركيز وتجهيزهم بأفضل التجهيزات مع توفير افضل سبل الرعاية وخاصة من ناحية الاجور والامتيازات التي تجعلهم في حالة مميزة عن بقية افراد القوات المسلحة مع غسيل مخ يحولهم الى مجرد اتباع مخلصين بلا عقل يسأل او حتى ادراك لطبيعة اعمالهم المنافية للوطنية والاخلاق برغم الشعارات التي تغسل ادمغتهم المتحجرة والتي تربط عادة الحكم وقياداته الحكيمة بالوطنية والاخلاق وتتهم الاخر بالتخريب والخيانة!...هذا يعني ان وجود امثال هؤلاء هو بمثابة تدمير للبنية الاجتماعية والعسكرية السليمة وتطلعاتها في ضرورة التغيير لكونهم طبقة مثالية للتدمير والسحق وعلى درجة عالية من الولاء الاعمى للطبقات العليا...
فكرة تشكيل الجيوش الموازية هي قديمة وليست وليدة العصر الحديث ،وهي تشكلت بفعل الخوف من انقلاب الجيوش على اصحابها لان تربية الجيوش في النظم الفوقية لا تكون وفق اسس وطنية وانسانية تقوم على احترام القانون وانما على اساس الحاجة والخوف والرعب من تعرضها الى خطر التغيير الخارجي او الداخلي، ولذلك نرى انه في العصور القديمة والتي غالبا ما تكون نظم ملكية،قد  قامت بتأسيس قوات اكثر موالاة واكثر خصوصية وتسمى احيانا بالحرس او تحت مسميات اخرى كثيرة ولكن مضمون عملها الرئيسي هو ان تكون حارسة للنظام من الجيوش التقليدية التي رغم تربيتها المشوهة فهي تبقى خطرا كبيرا على بقاء الحكم وديمومته مما يستدعي بناء عسكري يحد من خطورته وايضا مع المساهمة في الاعمال العسكرية المشتركة والتي تتطلب جهودا كبيرة وخاصة من قبل الاعوان الاكثر ولاءا !...
تختلف اعداد وامكانيات الجيوش الموازية بحسب حالات الدولة التابعة لها ولكن عددها غالبا ما يكون اقل بكثير من الجيش التقليدي الذي يكون منقسما في ولائه في العادة بينما جيوش الامن الموازية تكون متماسكة الى ابعد حد بفعل التركيبة القريبة لتركيبة الحكم الفوقي بالاضافة الى اعتمادها على التطوع بينما يغلب على الاولى عملية التجنيد الاجباري العشوائي...واذا كان النظم شمولية فأن الحزب الحاكم وآيديولوجيته هي التي تتحكم بالبناء الداخلي للجيوش الموازية وتكون في الحقيقة جيوشا حزبية موازية تقترب بصيغة او بأخرى من عمل المليشيات الشعبية،ولكنها تقوم بأعمال اكثر حدة وقسوة من عمل الجيوش الموازية الاخرى لان العقيدة الحزبية تقوم في الغالب بشحن نفسي لاتباعها تفوق ما لدى بقية النظم الفوقية من طرق للتحكم بالجيوش الموازية ويكون اساسه هو النظر الى الاخر على انه عدو وحشي يجب ابادته وسحقه مع قاعدته الشعبية حتى لو كان غير مسلح! ولنا في التاريخ العديد من التجارب على تلك التشكيلات العسكرية للجيوش الحزبية الموازية من قبيل فرق ال SS وفرق ال SA في النظام النازي الالماني ومليشيات الحزب الفاشيستي في ايطاليا اصحاب القمصان السوداء ! والجيش الاحمر في الاتحاد السوفييتي وقوات الفيتكونغ في فييتنام والحرس القومي لحزب البعث في العراق عام 1963 والجيش الشعبي بعد عام 1970 والجيش الشعبي الصيني وغيرها...
اما الجيوش الموازية الغير حزبية والتي تقوم بحماية النظام فهي اخف وطئة من المليشيا الحزبية ولكن تحتفظ بمواصفاتها المثالية في شدة الولاء مع انتماء اغلب افرادها للطبقة الحاكمة ومناطقها الجغرافية او يتم اختيارهم بعناية من صفوف الجيش ولنا الكثير من الامثلة النموذجية مثل الحرس الملكي في النظم الملكية والحرس الجمهوري في العراق قبل عام 2003 والحرس الوطني في السعودية والامن المركزي في مصر وقوات الدفاع  الشعبي في السودان الخ...
بالرغم من ان عملية بناء وهيكلية الجيوش في النظم الفوقية تخضع لاشرافها ووفق منهج ثابت يتلخص بضرورة الدفاع عن النظام والامن بالدرجة الاولى...الا ان نتائج عملية البناء تكون سيئة لانها ليست مبنية وفق الطرق التقليدية لمهنة العسكرية الاحترافية بل خارجة عن القواعد القانونية السليمة وبالتالي سوف نرى شيوع حالات الفساد تستشري بين صفوف افرادها وخاصة حالات المحسوبية واختيار غير الاصلح للمكان الحساس والذي يخضع دائما لقاعدة الولاء وهو يؤدي الى بروز ظواهر فرعية من قبيل القفزات في الرتب العسكرية والبقاء في المنصب العالي مدة طويلة ثم التنافس غير الشريف بين القادة بغية الحصول على مكاسب مادية!وانتشار ظاهرة اللامبالاة تجاه الكثير من القضايا وخاصة الاجتماعية والسياسية،مع بروز ظاهرة الرعب والخوف والتملق نتيجة للمراقبة الشديدة كون ان النظم الفوقية لا تثق بالجيوش التقليدية التي تتبع الاقوى في الغالب مما يعني سهولة تغيير الموالاة وخاصة لدى القوى الجديدة المتحكمة،بل قد يتم التحول بأتجاه الخصم وخاصة اثناء الحروب التي تتطلب قدرا كبيرا من الصمود!...ولنا مثالا مثاليا في الجيش العثماني اثناء الحرب العالمية الاولى عندما بدل الكثير من الضباط ولاءاتهم الى اعدائهم الانكليز خلال فترة قياسية برغم ان ذلك يعتبر خيانة لقسم الولاء للدولة والوطن!...ومن الطريف ذكره ان بعض هؤلاء المتحولون اصبحوا خلال سنوات عدة قادة سياسيون وعسكريون يشار اليهم بالبنان!...
لقد اصبح معروفا ان الداخل الى تلك الجيوش هو انسان مسلوب الارادة والكرامة ولذلك يقال للداخلين الجدد اتركوا كرامتكم خارج المعسكرات!حيث تبدأ سلسلة اجراءات قاسية للاذلال لا مبرر لها سوى سلب اي قدرة على مقاومة الاوامر بغض النظر عن نوعيتها ولذلك نرى اعمال همجية شائعة لتلك الجيوش والتي يقوم بها افراده دون ادنى خجل او حتى رفض صامت لها مما يعني وجود سجل اسود حافل بتلك الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية في تاريخ تلك الجيوش التي توصف بالباسلة والوطنية وصاحبة الشجاعة الفائقة!!...
لا يعارض قادة الجيوش في تلك النظم في الغالب اوامر السلطات العليا بقمع التمردات التي تحصل نتيجة لشدة القمع الاتي من الطبقات الفوقية،بالرغم من ان تنفيذ تلك الاوامر يتنافى مع الوطنية ومصلحتها الرئيسية بضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وشدة التماسك الاجتماعي فيه،الا ان الخوف والولاء للسلطة يتفوق على اية اعتبارات اخرى!وقد نلاحظ حصول بعض التمردات الصغيرة وخاصة من جانب الافراد البسطاء والذين يحاولون الفرار لكون عملية التمرد المسلح بحكم المنتحر! الا ان تلك الحوادث غالبا ما تكون تحت السيطرة ويتم قمعها بسرية ووحشية بالغتين حتى يكونوا عبرة للجميع في ضرورة الالتزام بالاوامر مهما كانت درجة مخالفتها للمصلحة الوطنية لان الاوامر بنظر مصدريها هي الوطنية بحد ذاتها وماعداها هو تخريب وخيانة!...
ولا تراعى المبادئ والاخلاق في قمع التمردات الداخلية بل على العكس تكون على درجة فظيعة من الوحشية الغير مبررة بل هي استمرار لمسلسل تاريخي رهيب في قمع الثورات الشعبية التي تتلخص مطالبها بتحسين الظروف او احقاق العدالة والحرية! وهو سلوك متوارث منذ بدء الخليقة! ويمكن لنا مراجعة التاريخ الاسلامي كمثال على الحالة المخزية في العالم الاسلامي منذ تأسيس الدولة الاموية الى بروز النظم السياسية المعاصرة بصيغتها المحدثة!،فأن هذا السلوك المدان من كافة الشرائع السماوية والارضية هو لم يتوقف بل اصبح مستمرا ولكن بطرق مستحدثة! ويمكن لنا مراجعة الاحوال السياسية والاجتماعية لكثير من الثورات الشعبية ثم مراجعة درجة القمع الوحشي لجيوش تلك النظم،نستنتج ببساطة شديدة ان الغالبية الساحقة من جيوش العالم الاسلامي في الوقت الحاضر لا تتردد في سحق التمردات وبأعلى من المتوقع ايضا اذا ما صدرت اليها الاوامر العليا مع اهمال كافة المحاولات السلمية لحل النزاعات!...
ونتائج التابعية المطلقة للحكم الفوقي هي سلسلة طويلة من الهزائم المنكرة سواء في ساحات المعارك الوطنية الخارجية او في قمع التمردات الداخلية،وتكون ادارة الصراع عادة من التسلسل الهرمي في الدولة والذي هو ينفذ الرغبات الفئوية والشخصية دون مراعاة المصالح الوطنية ولذلك تكون تلك الادارة فاشلة لكونها لا تراعي فنون ادارة الصراعات الدولية وبخاصة حجم القدرات الذاتية ولذلك نرى الكوارث المتتابعة على البلدان الخاضعة لحكم الفئات الفوقية!...
مشكلة الجيوش القمعية هي باقية مع بقاء النظم الفوقية وتزول بزوالها ولا سبيل لتغيير تلك الصورة مادامت القوى المتحكمة هي باقية في مواقعها بعد استحالة اصلاحها داخليا!...


ليست هناك تعليقات: