إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/03/15

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الرابع عشر

التغيير من الداخل هو امل الجميع ولكن لايكون التغيير حقيقيا اذا كان يتزعمه قاتل او لص او فاسد،فهؤلاء لايرجى منهم ادنى فائدة ومن اصلاحهم شيء،وانما من كل لديه قدرة على الابداع والتغيير ولكن مع شروط النزاهة والتاريخ المستقيم والعيش خارج الاوساط الملوثة التي قد تلوث الانسان بصورة خارج ارادته مما يجعل من الصعب عليه الخروج من تلك الدائرة القاتلة والمميتة.
العالم يتطور بسرعة كبيرة في ظل التطور العلمي الهائل وخاصة في مجال الاتصالات،والبلاد التي تعيش في داخل انظمة مستبدة هي خارج ذلك العالم وخارج التطور،ولذلك وجب عليها الخروج من ذلك الكهف المظلم حتى لو كلفها الكثير في سبيل رفعتها،ولا يتم ذلك الا بالتغيير الجذري الشامل الذي لا يعطي حلول وقتية تزول بمجرد انتهاء وقتها،بل في حلول دائمية من خلال فرض القانون والديمقراطية واحترام الحرية الفردية والتي تؤدي بالضرورة القصوى الى حلول طبقات قيادية للمجتمع تكون مهمتها خدمة المجتمع،لا ان تجعل المجتمع يخدمها،وهذا لايتم الا بأزالة كل المعوقات الخطيرة التي تمنع حصول ذلك،وهو ينتج من الاطراف المتضررة،والتي كانت قابعة في قمة المجتمع والتي بدلا من ان تكون صورته الجميلة،نراها تكون الصورة القبيحة للشعب والتي تفعل اقبح الاعمال وتنسبها بالتالي لغيرها حتى يكون لها الديمومة في بقائها واستمراريتها.
احيانا يحتاج تغيير الشرائح الفوقية الى عنف وقسوة،ولكن يمكن التخلص من اخطاء التغيير في فرض الامن والقانون على الجميع مما يبعد العناصر المشاغبة عن مقاومة التغيير والرجوع الى الوراء،ويحطم كل المظاهر الفاسدة للشرائح الفوقية السابقة،ويتم ذلك من خلال آلية معينة تمنع حدوث الانفلات الامني وحالات الانتقام الجماهيري،وزرع الوعي وخاصة عن طريق التوجيه بترك الامور تجري بصورة طبيعية ولكن من خلال القانون الذي يساوي بين الجميع،وكذلك حراسة المكتسبات الجديدة والتي تحتاج الى حقبة زمنية ليست بالقصيرة حتى يتم تثبيت اسسها في المجتمع بحيث تكون مانعا قويا لخلق كل حالة استبداد جديدة تولد معها طبقات فوقية لاتهتم الا بسيطرتها على المكونات الاخرى وبشتى الوسائل...
البداية الحقيقية للتغير تكون انطلاقتها من الاطفال،سواء في حالة حدوث التغيير وهو متيسر للقيادات الجديدة التي تبغي التغيير الحقيقي،او قبل حدوث التغيير وهو صعب ولكن يمكن العمل سواء الفردي او الجماعي بقدر تيسر الامور بغرض انقاذ اكبر عدد ممكن من الاجيال الجديدة من مستنقع المسخ الاستبدادي الذي يحول الانسان الى عبد مطيع بأرادته او بدون ارادته لاهداف النظام وقياداته الفوقية،في الحالة الاولى يتم البدء من خلال مناهج التعليم وتحريرها من قوالب التلقين التي تحشو الادمغة الصغيرة بثوابت واسس غي اغلبه زائف او ماسخ للشخصية البشرية،وقد يكون ذلك في اطار ديني او مذهبي او فكري كأن يكون قومي او ماركسي او ليبرالي،وقد يسأل سائل هذه هي اغلب التيارات المعاصرة فما هو الذي بقي سليما وملائما للاطفال؟!...الجواب في الحقيقة ان تلك التيارات ليست بالضرورة هي خاطئة بل قد تكون في الكثير من اسسها سليمة وملائمة للفطرة الانسانية،ولكن المقصود هنا هو تحرير الفكر من القيود وتعليم النشء الجديد كيفية الاختيار الحر والعمل على بناء شخصياتهم السليمة الحرة وفق مناهج التعليم السليمة،بمعنى عدم العمل بمناهج التلقين دون تحريك عقول التلاميذ وجعلهم يناقشون الامور بكل حرية وشفافية،وتعليمهم حرية ابداء الرأي بدون خوف او نفاق وبالتالي يمكن لنا خلق جيل حر يراقب سلطاته العليا ويعمل على تغييرها اذا اساءت استخدام الصلاحيات الموكلة اليها،وهنا سوف تكون لدى هؤلاء بداية سليمة تكون الانطلاقة الحقيقية نحو النهضة الحضارية السليمة،وبغير ذلك فأن مشروع التغيير الحقيقي سوف يفشل من خلال استمرار حالة فقدان الوعي في الاختيار وانتشار ظواهر النفاق والكذب والسير كالاغنام وراء كل ناعق ينعق!.
لايتنافى تعليم الاطفال تلك المبادئ السليمة في التربية مع الاديان السماوية،بل هو تطبيق لاروع مبادئها وقيمها المغيبة وخاصة في احترام الانسان وخصوصياته والعمل على بناء القيم الفاضلة في المجتمع لغرض بناء اعظم حضارة يمكن للمرء ان يفتخر بها في ظل صراع الحضارات المستتر تحت مسميات مختلفة.
في الحالة الثانية وهي العمل على التغيير الحقيقي في ظل انظمة قمعية او شمولية،ففي الحقيقة العمل صعب بل ومحارب من قبل الجميع سواء الدولة او المجتمع الخائف من سطوتها او من خلال اللاوعي المسؤول عن افعاله،وهنا يمكن العمل على بناء نخب نموذجية من النشء الجديد وكل حسب قدراته،وكل حسب وظيفته،وطبعا الوظيفة الهامة هنا هي التعليم،من خلال تحرير الاطفال من كل القيود المفروضة عي تفكيرهم وتطلعاتهم المستقبلية نحو الحرية واحترام حقوق الانسان الاساسية،فعن طريق تلك النخب الحرة يمكن بناء قواعد شعبية حولها في المستقبل والذي سوف يؤدي ومن خلال العولمة ايضا الى تحرير قطاعات واسعة من الشعب من الخوف والنفاق والاستلاب الذاتي والعيش في كهوف الجهل والتخلف،وبالتأكيد سوف يؤدي ذلك الى حدوث تغيير فعلي قد ينهي سيطرة تلك النظم ومن يمثلها،او على الاقل يحجم مسؤولياتها الواسعة والغير محدودة.
من هنا تكمن اهمية الانطلاق من الاجيال الجديدة التي تعتبر ارض خصبة لكل الافكار والنظريات المختلفة،فلا ندع العابثون والمتخلفون وارباب السوابق الفكرية من الاستحواذ على تلك المناجم التي تنتج ذهبا لايقدر بثمن والذي يسمى بالانسان!...ان تعليم النشء الجديد على احترام الرأي والرأي الاخر، ونبذ التكفير والانغلاق الفكري واحكام العقل والمنطق في الاختيار،هي الوسيلة المثلى للقضاء على كل بؤر الفساد والانحراف في المجتمع سواء في الطبقات العليا او قاع المجتمع مرورا بطبقته الوسطى.
من خلال تلك النخب الجديدة يمكن لها من خلال امتلاكها الشجاعة الادبية والاخلاقية،من ان تقول للمستبد واعوانه في الطبقة العليا...قف! فقد حان وقوفك،ولامجال للسير في طريق وعر بنا!...تستطيع هذه النخب ان تقود ملايين المحطمين نحو الحرية والعدالة والمساواة،وان تقدم وبمنتهى الشجاعة قوافل الشهداء،ولاخوف من انقراضهم فالشعب الذي ينجب امثال هؤلاء لهو قادر بالفعل ان ينجب المزيد والمزيد،ولاحدود لذلك...
متى ما حصل التغيير فهو السبيل الوحيد نحو الانطلاقة الحقيقية لبناء حضارة انسانية حقيقية،وبغير ذلك فأن كل الاقوال والادعاءات تكون زائفة اذا ادعت ان البناء يمكن ان يقوم على نفس البناء الموجود سواء النظم الحاكمة الحالية،او حالة اللامبالاة وفقدان الوعي والعيش في الهامش الموجودة في شعوب العالم الثالث ومن ضمنها الشعوب العربية...ليست الحضارة الحقيقية في تخريج اكبر عدد ممكن من الخريجين او العمل على نشر الحرية الزائفة المبنية على التحرر من القيود الاخلاقية،او بناء اكبرعدد ممكن من المصانع ومصادر الانتاج الاخرى،فمعنى ذلك ان الانسان سوف يبقى كالعبد الذليل ولكن بياقة بيضاء تسر الناظرين ولكن في داخلها فراغ هائل من الجهل والتخلف والتعصب لافكار احيانا تكون في منتهى السخافة والضحالة ومخالفة لادنى قواعد العقل والمنطق،كلا! ليس ذلك هو التطور الحقيقي بل هو تطور زائف ويكاد يكون سهلا على ابسط الناس ان يراه ويلمسه من خلال وجود اعداد كبيرة من المتعلمين الذين لم يتجاوزوا سوى حاجز الامية الابجدية،بينما بقوا متقوقعين وخائفين من اجتياز حواجز الامية الثقافية والتقنية!!،والحضارة الحقيقية ليست في بناء كتل اسمنتية خالية من الروح الانسانية،بل الحضارة الحقيقية هى كتل روحية تنتج بصدق وتعمل من اجل غد افضل،ويمكن لنا مقياس بعض الدول العربية التي يكون دخل الفرد مرتفعا فيها من خلال انتاج النفط،ولكن رغم انتاجه منذ عقود طويلة من الزمن فأنها في حالة اعتماد عليه بدرجة انها سوف تنهار اقتصاديا اذا توقف الانتاج نهائيا!،بل يمكن رؤية الاتكال في العيش على الامم الاخرى!.
يمكن استعارة نماذج حية من الحضارة الانسانية المعاصرة في الدول الاخرى ولكن العمل يكون في تحويرها لكي تلائم البيئة الانسانية والطبيعية،والفروقات الانسانية بين الشعوب المختلفة ليست بدرجة كبيرة في مجال حقوق الانسان واحترام الحريات وسلوك الطريق الديمقراطي،بل العكس ان تلك المبادئ والقيم هي اساس مشترك وعظيم بين كافة الملل والنحل.
وفي الختام سوف نستعرض عدد من الامثلة الحية والتي وقعت في البلاد المختلفة،للاستدلال عن ان اكبر خرافة تسيطر على عقولنا فيما يتعلق بالرغبة في التغيير الحقيقي للمجتمعات الراكدة،في الاعتماد او تبني التغيير من خلال شرائح الطبقة الفوقية للمجتمع،فتلك هي خرافة قديمة يجب العمل على ازالتها من عقولنا المتعبة من معاناة قرون طويلة من الاستبداد ونتاجه القيم:الفساد! فاللص هو لص والمجرم هو مجرم والفاسد هو فاسد مهما لبس من ملابس جميلة ونظيفة مع تلميع للوجه القبيح وتزيين للاعمال الهمجية !...
من خلال تلك الامثلة والتي هي براهين كبرى،يمكن لكل اصحاب الرأي الحر والعقول النيرة،ان يعملوا بجد لانقاذ شعوبهم من خرافات واساطير كثيرة تعشعش في عقولهم وضمائرهم الميتة،ومن ابرز تلك الاساطير هي اسطورة التغيير الفوقي!...

ليست هناك تعليقات: