إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/03/09

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الثالث عشر

تكون الطبقات الفوقية للمجتمع والتي تتحكم بكافة قدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية،لن يتم خلال فترة زمنية قصيرة،بل خلال فترات زمنية تمتد لاجيال عديدة،كما ان دخول موجات بشرية جديدة ضمن تلك الشرائح لن يكون سهلا ابدا،فالباب ليس مفتوحا لكل من هب ودب! الا اذا كانت هنالك قوة جبارة تمتلك من القسوة والتدمير تدخل على خط المواجهة لتكسر ذلك الباب المقفل للولوج داخل مخابئه السرية العتيقة.
القوة الجبارة لن تأتي بالتأكيد بصورة ديمقراطية،بل عن طريق الثورات والانقلابات والاستيلاء على الحكم بكل الطرق السرية والعلنية،وعن طريق ذلك تدخل موجات بشرية جديدة تستولي على مقدرات الدولة وتصبح رغم انف ابناء الطبقات العليا الاخرى من زمرة اعضائها،وتبقى هنالك فترة طويلة من حالة الشك والريبة والعداء بين الاعضاء القدامى والجدد،ينتهي بتكون طبقي جديد قد يزيد عدد افراده وايضا قد يقل من خلال عملية طرد كبرى للقدامى الذين يفقدون مكانتهم من خلال التجديد القسري او من خلال الهروب بالاموال والانفس الى خارج البنية الجسدية للدولة من خلال الهجرة او النفي،وهذا يؤدي في النهاية الى الوصول الى نتيجة حتمية جديدة يمكن الاستدلال عليها وجعل نصب اعيننا حولها وهي:
ان الطبقة الفوقية هي تشكيل بشري غير متجانس يتغير بمرور الزمن ولكن يحتفظ بغالبية ملامحه وصفاته التي تميزه عن بقية طبقات المجتمع الاخرى.
عملية قبول الاعضاء الجدد تكون فيها ممانعة كبيرة اذا كان الاعضاء الجدد من وسط وضيع من قبيل الفقر والجهل والتخلف،وتخف درجة الرفض والممانعة اذا كانوا على درجة اعلى من التحضر والثقافة.
وتبقى صفات الكره والاهانة والتحقير حتى لو من خلال الهمسات السرية،توجه الى الاعضاء الجدد القادمين من الوسط الوضيع وبالخصوص الذين يمارسون استبدادهم بقسوة ووحشية،ويبقى الرفض سريا حتى تتغير الظروف الى موجات بشرية جديدة.
في حالة المجتمعات الاكثر انفتاحا وديمقراطية،تخف كثيرا تلك الحالات ولكن يبقى للمال والجاه سطوته العليا في توجيه الطبقات العليا ولو من خلال عملية سلمية تكون بطيئة جدا.
الترابط المشترك بين الطبقات الفوقية يتجلى في شغور وظائف الدولة العليا فيما بينهم،وخاصة للذين يمتلكون من المؤهلات التي تجعلهم يحصلون عليها بدون مشقة او معوقات روتينية تذكر،كما تواجه الافراد العاديون.
هذا التعاون المصيري المشترك يساعد على تحقيقه وجود الروابط الاسرية القوية من خلال شبكاتها المعقدة اومن خلال المصالح المادية المشتركة،وهو ايضا يقوي التحالفات الموجودة اصلا ولكن تبقى اسسها مهزوزة بفعل العوامل السياسية والاقتصادية المتغيرة بالدرجة الاولى،والعوامل الشخصية المبنية احيانا على الرغبة الشخصية الطامعة والطامحة والتي لا يكبح جماحها احد الا الموت!.
الدخول الى تلك الطبقات من خلال العلاقات الشخصية او العمل ليس سهلا بقدر النفوذ من خلال رأس المال المتجبر الجبان الذي يلين اكبر الرؤوس ويجعلها مطيعة ومرنة!.
الروابط بين الطبقات الفوقية احيانا يكون عرقي من خلال مجموعة بشرية بحد ذاتها او من خلال الانتساب الى مجموعة دينية معينة تنتسب الى دين بحد ذاته تجد من الصعب التنازل عن امتيازاتها المادية والروحية التي تتعارض مع المجموعات الدينية الاخرى،وايضا هنالك الانتساب الى طائفة معينة بحد ذاتها وبنفس الصفات السابقة تبذل الجهود في ضرورة الاستمرار في تفوقها النوعي على بقية مكونات المجتمع،كذلك هنالك الانتساب الى الاكثرية في المجتمع وبغض النظر عن ماهيتها،او الانتساب الى الاقلية وهو الاخطر لكونها دائما محتاجة الى الدعم الخارجي الذي يساعدها على الاستمرار في الحكم وبغض النظر عن مصلحة الوطن واستقلاليته التي تحاول ربطها بها،وتخوين كل من يحاول الخروج من وصايتها.
من خلال العرض السابق نستنتج ان الامم المحكومة بنظم مستبدة وبمختلف الالوان والاشكال،تنتظر شعوبها التغيير الجذري للتخلص من تراكمات ذلك الاستبداد المقيد للتطور والمعيق للمسيرة الانسانية وخلاصة عملها المتمثل في الحضارة الانسانية،والتغيير كما نعرف يأتي احيانا من الخارج والذي قد يصطدم مع المكونات المختلفة للشعوب وخاصة المتضررة من عملية التغيير،وتحدث معها عمليات عنف منظمة قد تتطور الى حرب اهلية،وبالتالي ليست هنالك قوى خارجية بما فيها القوى الكبرى الاستمرار في دعم جهود التغيير الجذري نظرا للكلفة الهائلة وخاصة في الارواح والنفقات العسكرية،مما يضطرها الى الانسحاب القسري تاركا البلاد التي تستعصي عليهم الى حال سبيلها،وتقع الكارثة هنا اذا لم يكن بديل قوي يسيطر على الاوضاع وينظم الامن ويخضع المتمردين والخارجين على القانون،وفي تلك الحالة سوف تكون الفوضى هي الصورة النهائية للبلد وسوف تغرق في حرب اهلية لا يعلم مداها الا الله سبحانه،كما هو موجود لدينا في افضل مثال على تلك الحالة،في الصومال التي انسحب التدخل الخارجي منها بعد ان دخل البلاد تحت ضغط دولي لتخليصها من الحرب الاهلية والمجاعة،فأنسحب منها عام 1993 تحت ضغط بعض الجماعات المسلحة وقد استمرت منذ ذلك الحين الحرب الاهلية والفوضى والمجاعة! وهنا يكمن الحل في ضرورة استمرار التدخل الخارجي حتى بناء قوة داخلية منضبطة تستطيع فرض الامن والاستقرار في البلاد كما حصل بعد ذلك في افغانستان والعراق،ورغم الثمن الباهظ للتدخل الخارجي والذي يكون مكروه في الغالب لدى عدد كبير من خلال النظرة اليه على انه انتهاك للسيادة والقانون الدولي وطريقة جديدة للاستعمار.
في الحقيقة احيانا يكون التدخل الخارجي ضرورة تحتمها الظروف الموضوعية للبلاد التي تعاني من فوضى ومجاعة،ولكن للتخلص من التدخل الخارجي ،ينبغي حدوث تغيير داخلي جذري،اما القول ان العيش في كنف الطغاة خير من التدخل الخارجي،فتلك خرافة لامعنى لها،فالتدخل الخارجي عاجلا ام آجلا سوف يخرج سواء منتصرا او مدحورا،بينما السكون المميت تحت النظم المستبدة،هو في الحقيقة ضياع البلاد والاجيال في متاهات الخوف والجهل والاستغلال والفساد،ومع الاستبداد ينتشر الكره والحقد والعنف الذي يحتاج الى جهود مضنية وزمن طويل للتخلص منه حتى يمكن زرع المبادئ الانسانية من جديد.
وللجميع وخاصة انصار التغيير الداخلي،يتحتم البحث عن صيغة لتخليص البلاد والعباد من تراكم الاستبداد،وفي هذه الحالة يتم عقد الامال على وجود الاحرار المنقذين من تلك الازمات،ولكن من اي جهة او طرف او طبقة من المجتمع؟!..هل من الطبقات العليا وهي التي استمرت حقب زمنية طويلة تسير على منهاج ثابت!،منهاج الاستئثار بالسلطة ولكن بأشكال متعددة،بل يمكن القول هنا انه احد اهم الازمات في البلاد والتي يتم عن طريقها تزويد النظام بما يحتاج من قيادات وكوادر رئيسية؟.
ام من خلال المتضررين والمنعزلين عن التلوث الحكومي والذين يكونوا في الغالب من الطبقات الوسطى والفقيرة،وخاصة اصحاب الكفاءات العليا سواء المعرفية او المهنية والذين حافظوا على نزاهتم وتعففهم في زمن الفساد المستشري؟.
الجواب بكل تأكيد هو الثاني ...بعد ان استعرضنا في تحليل مطول عن شرائح الطبقات الفوقية،والطبيعة الاجتماعية والتكوينية لها،وتوصلنا من خلال طرح امثلة مختصرة كما سوف نطرح امثلة تفصيلية ايضا،الى نتيجة انه هناك اسطورة في الحديث المتداول تسمى ...اسطورة التغييرالفوقي...وخرافة ناتجة من ضياع فترات زمنية من التطبيقات الخاطئة،والتي سببت حصول كوارث هائلة على مدار التاريخ الانساني،وبالتالي ضرورة التخلص من تراكمات تلك الاخطاء في المستقبل من خلال تنظيف العقول من ترسبات الافكار المنحرفة والتي اثبت الزمن والواقع مدى خطأها ومدى الانهيارات الكبرى التي حدثت لشعوب بأكملها وتستدعي الوقوف طويلا وبدراسة عميقة لاستنتاج افضل الافكار والنظريات الجديدة حتى يمكن ان نطبقها في المستقبل،ويخطيء من يقول انه ليس هنالك افكار ونظريات جديدة لحل المشاكل البشرية،بالعكس ان العقل البشري قادر على ابداع المزيد والمزيد من الافكار والنظريات الجديدة وخاصة اذا ظهرت مشاكل جديدة تواجه المجتمع البشري،فهل من المعقول ان تتولد مشاكل جديدة ولا يولد معها حلول جديدة؟!..وهل يقف العقل البشري فقط عند توليد المشاكل ولايقف عن توليد الحلول ؟!...الجواب بكل تأكيد كلا...

ليست هناك تعليقات: