إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/04/17

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع عشر

وقد برز التناقض في اقصى مداه بعد حرب الخليج الثالثة عام 2003م والتي اطاحت بنظام البعث في العراق،فقد هاجمت وسائل الاعلام القطرية ومنها الجزيرة التدخل الغربي في العراق والمعارضة العراقية في المنفى ودعت الى مقاومة الغزو،وفي نفس الوقت كان هجوم القوات الامريكية على العراق من خلال قاعدتيها الرئيسيتين في قطر!،في العيديد والسيلية، بل كان مركز القيادة الامريكية فيهما!نظرا لضخامتهما وتركز الاسلحة واجهزة القيادة فيهما ومن يدري فقد تستخدمهما امريكا ضد ايران التي تربطها مع قطر علاقات وثيقة(تناقض عجيب!).
واستمر التناقض بعد سقوط صدام في 9 نيسان 2003 من خلال الدعوة الى المقاومة،بل وتدخلت بشكل سافر في الشأن العراقي الداخلي من خلال دعم المتطرفين التكفيرين والبعثيين وخاصة عملياتهم الارهابية ضد ابناء الشعب العراقي الذي تنفس الصعداء برحيل عميد الطغاة الذي جثم على صدره لمايقارب الاربع عقود،ومنحت الجنسية واللجوء لعدد كبير من الارهابيين البعثيين في وقت كانت تمنع قبل ذلك من منح مجرد فيزا للعراقي البسيط!، وشنت حملة شعواء استهدفت بالدرجة الرئيسية الاغلبية الشيعية ثم الاقلية الكردية واتهامهما بشتى النعوت الفارغة الكاذبة وكان لوعاظ سلاطينها وعلى رأسهم القرضاوي نصيب كبيرفي تلك الحملات الاعلامية،بينما كان بالقرب منهم مراكز القوات الامريكية التي يتم عن طريقها ارسال الجنود والاسلحة الى العراق ومن السهل جدا مهاجمتها حتى لو كلاميا مما يؤدي الى احراج كبير لامريكا!!.
كان التعامل مع الغرب في السر ومهاجمته في العلن هي السياسة الوحيدة التي جمعت الانظمة الثورية العربية المزعومة مع الانظمة التقليدية المحافظة ومنها قطر،ولكن الخروج عن تلك القاعدة بشكل علني من خلال التعامل مع الغرب بصفة الحليف القوي والاستمرار في التهجم الاعلامي والدعوة الى المقاومة والمقاطعة والتحالف مع اليسار!،كانت من نصيب السياسة القطرية الجديدة المليئة بالمتناقضات المضحكة والمحرجة ايضا،فليس الشارع العربي من الغباء ان يكون اسيرا لاعلام كاذب وهو يرى وقائع بأم عينيه لاتحتاج الى ادلة مادامت موجودة في العلن وهي تناقض تلك الاكاذيب.
مازال العمل في سياسة التناقضات مستمرا وليس فقط على الواقع الاعلامي،فقطر تهاجم الاخرين في مجال حقوق الانسان،والداخل القطري مليئ بالانتهاكات السافرة لحقوق الانسان،فهي من جهة تبني اول كنيسة للمسيحيين في شبه الجزيرة العربية،الى المقيمين الاجانب على ارضها،وفي المقابل تحرم على الطائفة الشيعية الذين يشكلون نسبة 15% من سكانها ان يبنوا مراكزهم الدينية او حتى على الاقل يمارسوا طقوسهم الدينية البسيطة بحرية،ولذلك نجد ان عدد كبير يمارس الشعائر الدينية مثل الصلاة والطقوس الاخرى وفق المذهب الوهابي خوفا من الملاحقة او الاضطهاد او الحرمان من العمل وغيره وهي حالة شبيه في الدولة الوهابية الاولى المجاورة،السعودية!،وهذا ايضا يشمل حال المقيمين ايضا من الذين ينتسبون الى نفس المذهب،مما يجعلهم يمارسون التقية خوفا على مصادر رزقهم او حياتهم! ولكن لايترددون في انتاج اكاذيب حول الوضع الديني والمذهبي في البلاد المجاورة لهم،واذكر هنا تقرير الخارجية الامريكية حول ممارسة الحرية الدينية في الشرق الاوسط وجاءت فيه لبنان وسوريا والكويت متصدرة في الحرية الممنوحة ولم يتم ذكر قطر فيه او حتى حلفاء اخرين مثل مصر،بل وضعوا في خانة سوداء!.
كذلك سحبت الجنسية القطرية قبل سنوات من اكثر من 6 الاف مواطن بحجة انهم يحملون الجنسية السعودية او من اصول سعودية وهي سياسة بين الحين والاخر نسمع عنها في قطر او في دول الشرق الاوسط،بينما المعروف ان دول الخليج كبقية دول الشرق الاوسط تنتشر فيها نفس الاسر والقبائل نتيجة للتنقل والهجرة بين تلك البلاد وحتى البلاد الكبيرة المجاورة مثل العراق وبلاد الشام ومصر،ولكن توقفت الهجرة الى ادنى مستوياتها منذ بضعة عقود من الزمن ولذلك ليس غريبا عندما نرى وجود جنسيتين او عدم وجود جنسية في العائلة الواحدة فذلك شيء طبيعي وكل بلاد الدنيا تكونت من الهجرات البشرية الضخمة التي سوف تبقى مستمرة الى نهاية الدهر نتيجة للرغبة والفطرة الانسانية في النزوع نحو الافضل في كل شيء ومنها العيش والامان!...وهذه الحالة تمثل ايضا انتهاك صارخ لحقوق الانسان وخاصة نزع صفة المواطنة من مجموعات بشرية بهذا العدد الكبير في دولة عدد سكانها قليل جدا ،ولم نرى في قناتها الاعلامية الرئيسية مناقشة حول تلك القضية او قضايا اخرى مشابهة.
بينما في المقابل استمرت وسائل الاعلام فيها في مهاجمة الاخرين خاصة الذين يضطهدون الاقليات او التي تمارس الانتهاك السافر لحقوق الانسان وخاصة في حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية بصورة طبيعية،او التي تكون مصدر رئيسي لطرد مواطنيها الى خارج حدودها الدولية! ولا ادري تفسير لتلك الظاهرة الجديدة المتناقضة بشكل علني بين السياسة الداخلية والخارجية.
ومن تناقضات السياسة القطرية ان لديها تعامل مع اسرائيل وتقيم افضل العلاقات مع امريكا والغرب والزوار السياسيين الاسرائيليين بعضهم لديه تاريخ دموي صارخ مثل بيريز صاحب مجزرة قانا اللبنانية واستقبالهم الكريم استقبل بنفور لدى اغلبية الشعوب العربية،وفي المقابل تقيم علاقات جيدة مع ايران وسوريا وبقية المنظمات اللبنانية والفلسطينية الموالية لهما!،هذا مع وجود معارضة لدور مصر والسعودية بصورة رئيسية واللذان يقيمان علاقات جيدة ايضا مع الغرب! ولذلك نلاحظ استمرار الحرب الاعلامية بين الطرفين،ومن الغرائب ان تتفوق عليهما قطر في تلك الحرب،واعتقد ذلك ناتج من من شدة الاخطاء والسياسات الفاشلة للدولتين بالاضافة الى تدخلهما المستمر في البلاد الاخرى من خلال دعم مؤيديهما.
اما من ناحية السياسة الاقتصادية فقد بقيت على نفس المنوال ولكن بأنفتاحية اكثر من خلال دعم الاستثمار الخارجي ومحاولة منافسة موقع دبي في تصدرها في التجارة والاستثمار في الشرق الاوسط،ولكن تبقى السياسة النفطية والغازية دون تغيير من خلال الانتاج غير العقلاني لثروة وحيدة وناضبة وفوق احتياجات قطر الطبيعية بكثير. فالمعروف ان الاحتياطي النفطي القطري صغير الحجم(15 مليار برميل)ولكنها تمتلك ثالث اكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم(حوالي 900 تريليون قدم مكعب)،من خلال تقاسمها اضخم حقل للغاز في العالم مع ايران وهو حقل الشمال،وفي نفس الوقت تحاول الاستمرار في انتاج اكبر كمية ممكنة من النفط والغاز دون مراعاة وضع البلاد في المستقبل حيث لا وجود لموارد اخرى!،كذلك ان الفائض المالي الناتج منهما والذي يستثمر في الخارج وبالخصوص في الغرب،قد تعرض الى خسائر لم يكشف النقاب عنها كبقية الدول العربية خلال الازمة المالية العالمية الاخيرة،مما يجعل من الضروري الاعتماد على مصادر اخرى للدخل القومي والتخلي عن سياسة الانتاج الكارثية التي تناسب حجم دولة اكبر منها بكثير في عدد السكان.
لم اطلع على حجم المعارضة القطرية لتلك السياسات الخاطئة او المتناقضة خاصة الانتاج الغير واقعي للنفط والغاز،وهذا جزء من حالة انعدام الحريات في البلاد والتي تشكل حالة فريدة من نوعها لدولة صغيرة تحاول لعب دور رئيسي في المنطقة والعالم،وطرح نفسها كنموذج مثالي يمكن للاخرين الاقتداء به! ولكن تبقى تظهر بعض الهوامش الصغيرة من المعارضة التي لايمكن من خلال استخدام سياسة المال من اسكاتها خاصة في ظل ازدهار اقتصادي يعتمد في الاساس على الانتاج الهائل للثروة الهايدروكاربونية المقدر نضوبها خلال قرن من الزمن على ابعد تقدير!ولذلك فأن المعارضة هي قريبة للمعارضة في الدول الخليجية المجاورة التي يمكن اسكاتها بسياسة العصا والجزرة،ولكن الجزرة هنا تكون بكمية كبيرة تكفي لتمييع مواقف المعارضة وجعلها في حالة هامشية اقصى امكانياتها الحديث الهامس المتداول في الديوانيات البيتية! كما ان التقاليد البدوية والمحلية والانفاق المالي الضخم في شراء غضب الاخرين او تحسين حالتهم الاقتصادية في الخليج تحدد من امكانيات وتطلعات القوى المعارضة التي تبقى تنادي باصلاحات غالبا ما تكون شكلية او جزئية وبالتالي من النادر ان تجد معارضة خليجية تدعو الى تغيير جذري في الحكم ويكون لها برنامج حديث لبناء دولة عصرية تستند على قدرات شعبها بدلا من استدعاء العمالة الاجنبية واستغلالها بأوضاع مشينة.
وتبقى الاشارة الى بعض الايجابيات في السياسة القطرية والتي لايمكن للمرء نكراتها وهي طرح نفسها على شكل حكم محايد لحل النزاعات الاقليمية والدولية،وهو عمل تثنى عليه الدولة القطرية التي تساعد صفتها في كونها بلد صغير ليس له مصلحة في التدخل لصالح فئة دون آخرى وهي غير متوفرة لدى الدول الاقليمية الكبيرة في الشرق الاوسط،وقد ساعدها ذلك على حل المشكلة اللبنانية من خلال جمع الفرقاء فيها عام 2008 ومحاولتها حل ازمة دارفور بنفس الطريقة،هذا بالاضافة الى مشاكل اقليمية اخرى وحتى لو فشلت في ايجاد الحلول فذلك لايعود لها بل للاخرين المتحاورين على ارضها وتبقى محاولتها جهدا يشكر عليه بالطبع،وقد ادى كل ذلك الى تزايد النفوذ القطري وسحب البساط من الحليفين العجوزين(السعودية ومصر) اللذان غاضهما الدور القطري الذي اثبت هشاشة سياسة البلدين وضعفهما الواضح في رغم كونهما بلدين كبيرين لانها مرتكزة على اسس فوقية لايخضع النظام الاجتماعي في البلدين لها او حتى يستطيع ابداء الرأي حول جدواها،ولكن من ناحية اخرى اثبت ان للدول الصغيرة دور او نفوذ قد يتجاوز الكبار خاصة الذين يتمتعون بسياسة تخضع لمزاج الحاكم ورغبته المتغيرة،وليس كما هو حاصل في سياسة الدول الحرة التي تخضع لمؤسسات مختلفة ومن الصعب تغيير السياسة برغبة ومزاج ديكتاتور مستبد! بل تكون خاضعة لاجراءات طويلة.
التغيير الفوقي في قطر لايختلف عن الكثير من البلاد الاخرى،والتغيير الشكلي لايحل المشاكل الداخلية،ولا توفر الفوائض المالية اللجوء الآمن او ممكن ان تجلب افضل النظم السياسية والاجتماعية لانها ليست سلعة تباع وتشترى،بل انها قيم ومبادئ واسس انسانية تخضع لقوانين التطور الاجتماعي المعروف ببطئه وبخضوعه للرغبات الانسانية المتمثلة في الحرية والديمقراطية واحترام حق الانسان في الاختيار،وكل التفاف على ذلك مهما كانت طريقته محكوم عليها بالفشل سواء عاجلا ام آجلا،والتجارب الاخرى للدول المتقدمة يمكن الاستفادة منها في تطوير الاوضاع الداخلية لكل بلد والهامش الصغير في التغيير بين طرق النظم السياسية المختلفة هو يكون العادات والتقاليد الاجتماعية والتكوين الديني والمذهبي والعرقي لكل شعب واحترام الخصوصيات في ذلك بما يشترط عليها عدم التصادم مع الاخر ولكن الاساس يبقى هو العدالة واحترام حقوق الانسان والمساواة،ومنح الصلاحيات الواسعة لممثلي الشعب.

ليست هناك تعليقات: