إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/04/13

اسطورة التغيير الفوقي -القسم السادس عشر

2- قطر:
من اكثر بلاد العرب أثارة وجدلا...وجدت فيها المتناقضات بشكل غير مسبوق خلال العقدين الاخيرين من الزمن!...
هو بلد صغير الحجم واقل بلاد العرب سكانا،لكنه يتعامل مع الاخرين بمنطق الدولة الكبرى التي لها مصالح في كل مكان تريد المحافظة عليها!...
تخالف وتصادق الاخرين في عدد كبير من القضايا المتناقضة في نفس الوقت!..
تدعو الاخرين الى توجهات حضارية وتمارس الضد منها في داخل سور بلادها!...
المكان الجغرافي لقطر هو على شكل شبه جزيرة صغيرة بشكل يشبه الاصبع الخارج من شبه الجزيرة العربية التي لا يختلف عن طبيعتها الجغرافية والديمغرافية من خلال الطبيعة الصحراوية القاسية ذات الصفة الحارة والشديدة الجفاف،وغالبية سكانها اصولهم من البدو الرحل الذين يتبعون المذهب الوهابي المتشدد المنتشر في بلاد نجد المجاورة.
كان عدد سكانها لايتجاوزون المائة الف نسمة عند الاستقلال عن بريطانيا عام 1971،ولكنهم كبقية الدول المجاورة ارتفع عدد سكانها بشكل كبير يفوق المعدلات الطبيعية جراء الهجرة من الخارج اليها فوصل عدد السكان الى الضعف بعد عقد من الزمن! مما يعني ان المعدل كان يزيد عن 7% بينما اقصى المعدلات الطبيعية المسجلة هو 3.5%،وهو ناتج من الطفرة النفطية التي غمرت منطقة الشرق الاوسط. تجاوز عدد سكانها حاجز 700 الف عام 2004،الا انه نتيجة للطفرة النفطية الهائلة بعد ذلك العام تضاعف عدد السكان الى 1.6مليون عام 2009 ! نتيجة للهجرة الخارجية وتبع ذلك انخفاض نسبة القطريين من 29% الى 15% وكل ذلك موجود في الاحصائيات الرسمية،والتي تشكل مشكلة بالغة الخطورة خاصة على صعيد الامن الوطني فيها،وهي لها فوائد واضرار جانبية ايضا...
يحكم قطر اسرة آل ثاني منذ منتصف القرن التاسع عشر،وكانت من المقرر ان تكون الامارة التاسعة في دولة الامارات الا ان المطالبة الايرانية بالبحرين ومحاولة قطر تزعم دولة الامارات التي جوبهت بالرفض من البقية،جعل في النهاية دولة الامارات تتشكل من سبع أمارات،واصبحت قطر دولة مستقلة.
منذ استقلالها عام 1971 جرى في قطر انقلابين ناجحين من قبل افراد الطبقة الفوقية الحاكمة،وكانت المحاولة الاولى عام 1972 من قبل الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني والد الامير الحالي وولي العهد حينها،ضد ابن عمه الامير الشيخ احمد بن علي الذي تنازل مجبرا له.
لم تجري تغييرات جذرية في السياسة الداخلية والخارجية بعد ذلك الانقلاب،وسارت البلاد في نموها الطبيعي كبقية دول الخليج الاخرى،ولكن بدون تحديث النظام السياسي الى مبادئ تستند الى الديمقراطية واحترام الحريات الفردية.
اما الانقلاب الثاني وهو الاكثر اثارة للجدل فقد كان في حزيران عام 1995 من قبل ابن الامير وولي عهده الشيخ حمد الذي استغل فترة وجود والده في خارج البلاد،فقام بأنقلابه مدعوما ببعض اجنحة الاسرة الحاكمة،والحجج كانت بالطبع هي لاغراض التجديد والتحديث،ولكن الاب المعزول بقي رافضا امارة ابنه وبقي في خارج البلاد،مدعوما ببعض المؤيدين الذين حاولوا ارجاع الامير المعزول من خلال محاولة انقلابية فاشلة جرى قمعها بقسوة.
في حالة قطر،جرت التغييرات الفوقية بمعزل عن القاعدة الشعبية ومشاركتها وبذلك فأن التغيير الجذري في الحكم لم يشعر به المواطن،وانما بقيت الامور على حالها ماعدا بعض التغييرات الشكلية التي عرفت بها عادة الانقلابات الفوقية.
تحسن الحالة الاقتصادية في البلاد يعود بالدرجة الاولى الى الانتاج الكبير للنفط والغاز الذي يفوق حاجة البلاد الفعلية نظرا لمحدودية عدد السكان،وبالتالي يؤدي الى عوائد نفطية ضخمة يستثمر الجزء الاكبر في خارج البلاد لان البيئة الاستثمارية في الداخل محدودة جدا،بالاضافة الى الانفاق الضخم على الخدمات ومشاريع البناء،مما يجعل البلاد باقية في اسر اقتصاد النفط والغاز لفترة طويلة قادمة رغم ان الانتاج بدأ منذ نصف قرن وهي فترة كافية للتنمية والخروج من قيود الاعتماد على مصدر واحد للدخل لايعرف احدا مدى استمراريته.
خلال الفترة بين 1972-1995 وهي التي حكمها الامير السابق بعد الانقلاب الاول،بقيت حالة الركود السياسي قائمة في سيطرة واضحة للامير واسرته الى درجة ان غالبية الاستثمارات الخارجية بأسمه وليست بأسم الحكومة القطرية او شعبها،وهي حالة مرعبة كشف الانقلاب الثاني عنها كأحد اسباب التغيير،خاصة في ظل هذا العصر الذي قيدت فيه مصاريف واملاك الاسر الحاكمة الى ادنى حد،كما انه رفض اجراء الانتخابات ومنح المزيد من الحريات السياسية كما نقل عنه ذلك (حسن العلوي) في احد مؤلفاته وكانت حجته الواهية له هي ان سكان البلاد قليلون فمن اين يأتي بالناخبين!! وهو منطق غريب ولا ادري كيف لم تأخذ به البلاد الديمقراطية الصغيرة الاخرى في العالم والتي بعضها اصغر كثيرا من دولة قطر! ،كذلك لم يخبرنا ايضا الامير السابق لماذا تطورت سياسيا البلاد الصغيرة التي خالفت رأيه الحكيم!،او من اين استمد تلك الفلسفة العجيبة في الحكم؟!.
بدأت حالة التمرد القطري على الواقع السياسي العربي في عهد الامير السابق خليفة وخاصة بعد خلاف قطر الحدودي مع البحرين والذي بقي الموقف العربي الرسمي الذي تتزعمه السعودية يميل اكثر نحو البحرين الاكثر موالاة لها،كذلك حدوث حالات النزاع الحدودي المسلح مع السعودية عام 1992 مما جعل الموقف القطري اكثر صلابة بوجه الطموحات السعودية في التمدد والهيمنة وتزعم دول الخليج الاخرى،وهو موقف اشتدت قوته بعد الانقلاب الثاني.
لم تجري خلال فترة حكمه تغييرات في التحالفات السياسية سواء مع الدول المجاورة او مع الدول الغربية،وكانت ايضا داعمة للمواقف الرسمية العربية اليمينية خاصة في الموقف المعارض للثورة الايرانية او التدخل السوفييتي في افغانستان بعد عام 1979،مع بقاء نفوذ المؤسسة الدينية الوهابية على اشده والتي تمثل في محاصرة التيار الليبرالي والقومي(حالة رجاء النقاش مثالا).
بعد انقلاب 1995 ضد الامير الوالد والذي اخذ حالة الاستغراب والاستهجان في تمرد الابن الاكبر ضد ابيه الذي بقي في الخارج مدعوم بالاموال الحكومية التي كانت في اغلبيتها مسجلة بأسمه والذي عارض طريقة العزل وحاول مع مؤيديه استرجاع الحكم حتى لو بنفس الطريقة الانقلابية،ولكن المحاولات فشلت جميعها،واصبحت البلاد تعيش حالة من الانفتاح على العالم الخارجي ولكن بنفس وسائل الاستبداد القديمة بأسلوب عصري جديد يتمثل في التغيير الشكلي!.
اخذت قطر تأخذ مكان في السياسة الاقليمية بأكبر من حجمها الطبيعي مما سبب لها وللاخرين الكثير من المشاكل كان من الممكن تجاوزها بأعتبارها دولة صغيرة الحجم ومن الضروري لها الاستمرار في البقاء على سياسة الحياد والابتعاد عن التدخل في صراعات الكبار والتي قد تأخذ اشكالا متطرفة في الحرب الباردة والساخنة في منطقة حساسة جدا مثل منطقة الشرق الاوسط ،ولكي تحافظ على حدودها في الخريطة السياسية واروع مثالين على ذلك سويسرا والنمسا ،ولكن الظاهر ان اللعب مع الكبار هي سياسة جديدة تمارسها قطر وعلى مختلف الاصعدة،مستغلة الحماية الغربية لها والتي لاتدوم الى الابد،بالنظر الى استحالة الثبات في المواقف السياسية كذلك ان جميع النظم في الشرق الاوسط جرى تكوينها من خلال التقسيم الاستعماري الغربي ولا يوجد اساس قوي متين لكل بلد يمكن ان يحميه من الزوال،لان النظم ديكتاتورية مستبدة تستغل اي فرصة للانقضاض على الجوار مادام الكل جرى تكوينه بنفس الطريقة فما المانع اذن من البقاء في حدود وهمية ثابتة لايعتقد بأحقيتها سوى المستفيدين منها وضعاف الوعي وجهاله.
التناقضات اخذت طابعا مثيرا خاصة بالنسبة للذين تهاجمهم السياسة القطرية،فبعد الحديث عن الانفتاح في كافة المجالات جرى اهمال الحديث عن الانفتاح السياسي الداخلي الذي بقي على ماهو عليه وبالتالي لم نرى حصول تغييرات جذرية في النظام السياسي الذي بقي قائما على نفس الاسس والاساليب القديمة،من حيث عدم وجود انتخابات عامة او وجود فصل للسلطات الثلاث او وجود السلطة الرابعة التي اخذت تشكل بعدا جديدا وصل الى قمة التناقضات القطرية من خلال تأسيس قناة الجزيرة الاخبارية عام 1996 وقنوات فضائية تابعة لها بالاضافة الى بقية وسائل الاعلام الاخرى من صحافة ومؤتمرات ومنتديات سياسية مختلفة يخصص اغلبها لمناقشة التطورات السياسية الخارجية وتحظى بدعاية اعلامية صاخبة،بينما في الواقع المحلي فمازالت قطر من اكثر تخلفا في الترتيب السنوي حول حرية الصحافة فيها،فقد جاءت قطر في ترتيب قائمة منظمة مراسلون بلا حدود المكونة من 169 بلدا في المرتبة 79 ! وهي مرتبة متأخرة تجعل المراقب يسخر من الدعاوى الفارغة لقناة الجزيرة حول وضع الاعلام والحريات في الدول الاخرى وهي مركزها في دولة مثل قطر مستوى الحرية الاعلامية متدن الى حدود مخزية،وهذا الامر ينطبق على السياسات الاخرى المتناقضة،فلطالما فاجئت وسائل الاعلام القطرية ومنها بالخصوص قناة الجزيرة الرأي العام العربي والعالمي في برامجها التي تهاجم الاخرين وسياساتهم المعادية لحقوق الانسان،وهم في نفس الوقت يتغافلون او يبتعدون عن الحديث عن الداخل القطري،وهذا التناقض اثير ولكن ليس بنفس حجم الهجمة الاعلامية القطرية على الاخرين.

ليست هناك تعليقات: