إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/05/02

اسس البنية التحليلية-السياسة نموذجا-الحلقة العاشرة

اسس البنية التحليلية
اسس البنية التحليلية:السياسة نموذجا -الحلقة العاشرة
المقارنة الشاملة هي ليست فقط للبحث والمناقشة بل ايضا متعة بحد ذاتها! ومن خلال المقارنة الشاملة يمكن استكشاف حقائق ويمكن استنباط احكام،بل واستقراء مستقبل ايضا مما يعني ان اهميته كبيرة لا يوجد شك فيها،وامامنا مثالا رائعا يجري تداوله بأستمرار كل حين وبشكل جديد ونقرأه دون ان يكون له دلالة على التطبيق في مجال المقارنة التحليلية للظواهر المتعددة!...
والمثال هو: دائما تصدر تقارير وبحوث علمية حول الامراض او الظواهر الاجتماعية او النفسية وغيرها من خلال عمل استبيان ودراسة ارقام ثم تحليلها وفق ما يتم الاتفاق عليه في البداية لكي يظهر لنا حقائق هي اصلا غير مكتشفة علميا ولكن من خلال الاحصاء والارقام الواردة يمكن التوصل الى تلك الحقائق او فرض حالة الانتباه لها،من قبيل ان المدخنين هم الفئة الاكثر تعرضا للامراض،او ان انفصال الوالدين له نتائج سلبية على سلوك اطفالهم في المستقبل،او ان القلق النفسي له آثار سلبية على العمل...الخ من الظواهر العديدة والمستحدثة يوميا والتي يتم التوصل عليها من خلال المقارنة والربط ثم يأتي بعد ذلك دراستها وفحصها وفق الاساليب العلمية حسب كل علم تمت به! ...اما في السياسة فالوضع مشابه بلا شك ويمكن لنا وضع امثلة تفصيلية تكون مساعدة في اوجه متعددة وعلى الاقل توسعا واستكشافا معرفيا مع تطوير القدرات الذاتية...
امثلة المقارنة التحليلية:
أ- في الثورات: توجد افرع عديدة للبحث في هذا الصنف من قبيل المقارنة بين الثورات المحلية والثورات العالمية،وبين الثورات الدينية والقومية والطبقية،وبين الثورات الفوقية والثورات الراديكالية،والثورات القديمة والثورات الحديثة،والثورات حسب اختلاف الامكنة،والثورات العفوية والثورات التدبيرية،والثورات السلمية والثورات الدموية،والثورات المتوقعة والثورات المفاجئة،والثورات النخبوية والثورات الشعبية،والثورات الناجحة والثورات الفاشلة...الخ من التصنيفات التي هي في مجال ضيق كما نرى فكيف يتم الاحاطة بهكذا تصنيفات ومقارنتها ثم تحليلها؟!...اكيد ان الامر صعبا خاصة في ظل فقدان او ضعف المعرفة التفصيلية التي تساعد على الفهم والادراك الشمولي ولكن يمكن ان يكون الفهم والادراك الجزئي اكثر سهولة ويسرا!..
ومن خلال الاشارة الاخيرة سوف يتم الاستعانة بالاختيار الجزئي كوسيلة للتوسع في الاختيارات الاخرى وكلا حسب وضعه واسلوبه مع الحرص الشديد على توخي الدقة في الاختيار والحذر من استنباط النتائج لان الخطورة تكمن في الاخيرة التي يراد التعميم والخداع من خلالها!!...
المقارنة بين ثورتين!:
توجد نماذج كثيرة تصلح لان تكون نموذجا مثاليا في المقارنة والتحليل،ولكن نختار هنا المقارنة بين الثورتين الجزائرية والثورة الفلسطينية،فمن خلال المقارنة يمكن لنا استنباط لماذا نجحت الاولى وفشلت الثانية،وايضا يمكن الاستعانة بأسباب نجاح الاولى في انقاذ الثانية من الفشل المستمر!او على الاقل تصحيحا لمساراتها المتعددة التي خرجت من السياق الطبيعي المطلوب!.
1-الثورتان هما في مكانين متشابهين الى حد ما وهو الانتماء الى العالمين العربي والاسلامي،اما الفترة الزمنية فقد بدأت الثورة الفاشلة قبل الثورة الناجحة،وطبعا هنا مقياس النجاح والفشل هو في نتائج الثورتين وليس في مضمونهما او الحكم على القائمين بها من الشعبين...فقد بدأت الثورة الفلسطينية عام 1936 اذا استبعدنا القلاقل قبل ذلك،بينما بدأت الثورة الجزائرية عام 1954 وايضا في اختيار التاريخ الاكثر شيوعا في الانطلاقة الشاملة مع استبعاد ما سبق!...
2-الجزائر بلد كبير جدا وفلسطين بلد صغير الحجم،والاولى تتنوع تضاريسها مما يساعد على الحركة في العمل والتنقل بالرغم من ان غالبية الاراضي صحراوية والبلد محاط ببلاد بعيدة نسبيا عنه سواء في المخالطة او المكان لكون الفواصل الحدودية الصحراوية مانعة لاي تداخل كبير...
بينما في فلسطين الارض في غالبيتها صحراوية وسهلية مستوية،مما يعني قلة تواجد التضاريس الصعبة التي تساعد على الاختفاء والانطلاق،كذلك محاطة ببلاد كانت موحدة معها وقريبة نسبيا منها في كل شيء بما في ذلك التعايش والاختلاط والتنقل وكذلك في وجود حالة التعاطف والمشاركة العملية،وهي امور تساعد على العمل والانطلاق وتعويض كل مزايا نجاح الثورة الاولى!...
3-وقوع الجزائر تحت احتلال فرنسي لمدة 132 عاما وكان قاسيا جدا خاصة في تدمير البنية الثقافية والدينية للشعب ومحاولة فرنسته وجعله نسخة مشوهة من فرنسا،مع اعتبار ان الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا،وفي الحقيقة اكثر تابعية! وهي امور تجعل الثورة عملا صعبا بل شبه مستحيل!...الا ان ذلك لم يمنع من ظهور الوعي المعاكس الذي تصدرته وساعدت على بعثه من جديد الكوادر الدينية والمثقفة والذي ظل كامنا في القلوب والعقول ولم تستطع فرنسا من استئصاله!...
بينما في المثال الفلسطيني يكون الامر اكثر سهولة لان الاحتلال بدأ عام 1918 ولم تقم بريطانيا بعمل مشابه لعمل فرنسا،الا في محاولة زرع اليهود في فلسطين خدمة لمصالحها الخاصة،والثورة تأخرت كثيرا حتى انطلقت ثم توقفت مرات عديدة،وايضا استمرت لفترات زمنية قصيرة !خاصة بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948...
4- لم تقم حروب اقليمية لدعم الثورة الجزائرية،بينما وقعت حروب اقليمية متعددة في حالة الثورة الفلسطينية والتي لوحظ غيابها شبه الكلي الا في حالة حرب لبنان عام 1982 والتي كانت موجه اساسا ضد التواجد الفلسطيني المسلح! والحروب عادة تكون عاملا مساعدا في نجاح ثورة ما...
5-سيطرة علماء الدين في الثورتين فقط في بداية العمل الثوري سواء من خلال اعادة الوعي الى الشعب والنهوض به لغرض المقاومة والثورة،الا انه لوحظ في الحالتين فقدان سيطرة التيار الاسلامي لقيادة الثورة وتحول القيادة الى الجانب العلماني الذي فشل في نجاح الثورة الفلسطينية مما اصبحت الانظار تتوجه للتيارات الاسلامية لقيادته من جديد والتي اصطدمت بالاخر حتى ولد الانقسام المشهور!...
6-الانقسام في داخل الثورتين موجود،ولكن اخذ منحى اكثر دموية في الجانب الفلسطيني،بحيث اصبح يفوق الصراع مع الجانب الاسرائيلي! وبشكل ملفت للنظر...والعملاء في الجانبين هما من الكثرة الا انه في حالة الجزائر اكثر وضوحا بحيث ترك البلاد مئات الالوف الى فرنسا بينما مازال العملاء الفلسطينيين يواصلون عملهم بكل وسائل الترغيب والترهيب ويعيشون بصورة علنية او سرية بين صفوف شعبهم ولهم دور كبير في اضعاف ثورتهم !...وفي الحالة الجزائرية كانت وحدة الكلمة خاصة في التفاوض مع فرنسا اكثر وضوحا خاصة في ظل التناسي المؤقت للخلافات وتأجيلها الى ما بعد الاستقلال! بينما اصبح الانقسام مؤثرا الى درجة سيطرة حركة فتح على التفاوض مع الجانب الاسرائيلي واضعاف مشاركة الاخرين وتقديم تنازلات عديدة ساعدت على ابعاد الحركة عن الواقع المحلي والاقليمي بينما قويت شوكة اسرائيل التي استغلت الموقف بذكاء لصالحها!.
7-التعاطف الدولي كان في جانب الثورتين،والعداء الغربي كان اكثر وضوحا في الجانب الفلسطيني وله يعود السبب الاكبر في ضعفها!...الا ان التعاطف الدولي ضعف كثيرا في حالة الثورة الفلسطينية نتيجة لاخطائها المتعددة وطريقة ادارتها بالاضافة الى طول فترة بقائها! بينما استغل الجانب الاخر في تدعيم علاقاته حتى مع الدول العربية والاسلامية...
8-الخطأ الاكبر في فشل الفلسطينيين والنجاح الاكبر في جانب الجزائريين يعود الى ان الجزائريين تجنبوا الوقوع في فخ التدخل في شؤون الاخرين والوقوف الى جانب احد ضد الاخر،بل حافظوا على ادامة افضل العلاقات مع الجميع حتى لو كانوا يختلفون معهم فكريا وعمليا وهو من اروع الامثلة على ضرورة الاستفادة من الدعم الخارجي،ويمكن تبيان ذلك في الاستفادة من مساعدات العراق ايام عبد الكريم قاسم وفي نفس الوقت الاستفادة من مساعدات مصر ايام عبد الناصر والجميع يعلم حالة العداء بينهما وكذلك الاستفادة من مساعدات الدول المجاورة والدول الشرقية والدول العربية المحافظة وكل ذلك ساعد في تقوية الثورة وموقف الثوار في مفاوضاتهم مع الجانب الفرنسي...
بينما كانت الحالة معكوسة تماما في حالة الفلسطينيين،فقد انقسمت حركاتهم السياسية بين الدول العربية وكأن الصراع هو ليس مع اسرائيل لان الجميع يعرف طبيعة حالة الصراع الداخلي العربي!...ولم يقف الامر عن هذا الحد فقد تدخلوا بشكل فاضح وعلني في الشؤون الداخلية للشعوب المجاورة مما جعل حالة رفضهم شائعة الى درجة تثير الحزن والالم...والغريب في الامر ان تلك العادة لا تقف عند حدود الحركات المسلحة بل هي شائعة في الوسط الشعبي الذي يتقبلها دون اعتراض مما جعل الغضب يشملهم في كل صراع ويتمثل في اسلوب الطرد الجماعي المشهور!...وهذا الامر ادى الى فقدان الدعم الشعبي والرسمي الى درجة ترك الفلسطينيين يواجهون اسرائيل لوحدهم بغض النظر عن حالات الصراخ والجعجعة العربية الفارغة التي لا قيمة لها!...والامثلة كثيرة من قبيل التدخل في شؤون الاردن ومحاولة السيطرة على الحكم مما ادى الى مجازر ايلول عام 1970 ثم الصراع مع سوريا ورفض الهيمنة او التعاون معها،ثم دخولهم الى لبنان والاخطاء الشنيعة هناك والتي تسببت في نشوب الحرب الاهلية عام 1975 وعداء المسيحيين والطوائف الاخرى،كذلك عدم استفادتهم من الثورة الايرانية التي ازاحت نظام الشاه الموالي للغرب واسرائيل والتي دعمت ثورتهم بقوة،فتدخلوا الى جانب النظام البعثي في العراق في حربه مع ايران ثم تطور الامر الى مشاركتهم في الصراع المذهبي وخاصة في الجانب الاعلامي!دون ان يعوا خطورة ذلك خاصة في ظل استمرار الصراع بين حزب الله واسرائيل!.. ثم دعمهم لصدام في غزو الكويت وهو البلد الذي ساندهم ماديا اكثر من صدام الذي اضعفهم بصورة مباشرة او غير مباشرة اكثر من اي حاكم عربي! بينما كان الاسلم لهم الوقوف على الحياد والعمل بأخلاص لحل النزاع،ثم تطور الامر الى دعم الطاغية صدام في كافة المجالات بصورة تنم عن غباء شديد وخاصة التنكر لجرائمه ضد غالبية الشعب العراقي المعروف في دعمه المستمر للفلسطينيين منذ نكبة 1948 دون ادنى محاولة جادة لتدارك الامر من خلال التفريق بين الطواغيت والشعوب مما ادى الى كره متبادل فقد من خلاله الفلسطينيون التعاطف والدعم العراقي الشعبي والرسمي وقد وصل الامر الى طردهم من العراق بعد عام 2003 ومشاركة بعض الارهابيين من اصول فلسطينية في الصراع المذهبي الداخلي،كذلك نزاعاتهم المستمرة مع الانظمة المصرية والعربية الاخرى مثل دول الخليج.
والمعروف ان ذلك سبب في تدهور الموقف الفلسطيني اكثر من اي سبب آخر خاصة على الجانب الادبي!.

ليست هناك تعليقات: