إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/05/04

اسس البنية التحليلية-السياسة نموذجا-الحلقة الحادية عشر

اسس البنية التحليلية
اسس البنية التحليلية:السياسة نموذجا -الحلقة الحادية عشر
ومشكلة عدم الحيادية في الصراعات الاقليمية هي من الخطورة الى درجة تجعل الموقف الفلسطيني ضعيفا في مواجهة اسرائيل،والاكثر غرابة هو انه لا توجد مراجعة نقدية ذاتية للمواقف السابقة بل على العكس مازال الاصرار على الخطأ هو ديدن الحركات المسلحة والاغلبية الشعبية وكلاهما منقسم على نفسه!وعليه فأن تغيير المواقف نحو الحيادية المطلقة والمحافظة على اكبر عدد من الحلفاء هي ضرورة مصيرية للنصر او للحصول على اكبر حجم من المكاسب في حالة الصراعات الدولية...
9- ضعف القيادة الفردية المتفردة في حالة الجزائر والتي كانت قيادة الثورة فيها جماعية بالرغم من بروز بعض الشخصيات النضالية...وفي الحقيقة ان اسلوب القيادة الجماعية هو الاكثر واقعية سواء في ادارة الصراعات او في حالة السلم،والسلبيات الموجودة في هذا النمط من القيادات هو اقل بكثير من السلبيات في القيادة الفردية التي تميل الى الديكتاتورية بمختلف صورها...
ولقد اثبت واقع التجربة الجزائرية نجاحا منقطع النظير بحيث تستحق ان تكرر التجربة مع بعض التعديلات التي تناسب كل البلاد الاخرى ،ولكن مع الاسف الشديد لم تستمر تلك التجربة بعد الاستقلال بل تحولت الجزائر الى دولة ديكتاتورية بفضل الانقلابات العسكرية وتدخل الجيش في السياسة... وفي المقابل سقطت الثورة الفلسطينية في مستنقع الفردية والتي تحولت نتيجة لعدم وجود دولة متكاملة الى ديكتاتورية صغيرة وفاسدة تشبه الى حد كبير الديكتاتوريات العربية!... فالثورة الفلسطينية في بداياتها كانت تضم قيادات جماعية بالرغم من بروز بعض الشخصيات فيها الا انها ومع وجود عدد كبير من الحركات المسلحة وخاصة بعد حرب 1967 فأن التحول النهائي نحو الفردية اخذ يظهر مع بروز عرفات كقائد حركة فتح ثم منظمة التحرير التي ضمت غالبية الحركات الفلسطينية عام 1969...وبذلك سقطت الثورة في مستنقع الفردية التي اصبحت تحت هيمنة رجل واحد صاحب شخصية متلونة وليس لها فكر ثابت وواضح ومعه زمرة من الاتباع الذين يتبعونه بأخلاص حتى وفاته عام 2004 !! مما يعني ان الدولة الفلسطينية حتى لو استقلت فأن عرفات سوف يصبح رئيسها مدى الحياة بما يمثله من صفات القادة العرب في الرغبة في التحكم والسيطرة والتنازل عن الاولويات عند الاحساس بالخطر او لغرض المكاسب الانية مع ضعف ثقافي واضح!... ولذلك لاحظنا سيرة عرفات منذ عودته الى فلسطين وحتى وفاته في كونها لا تختلف عن سيرة انظمة الحكم العربية،وقد حاول خلفه محمود عباس السير على نفس الاتجاه ولكن بأسلوب مختلف الى حد ما دون ان ينجح بسبب سحب البساط من قبل الحركات الاسلامية التي استغلت الضعف الواضح في الحركات العلمانية وترهلها مع تنازلاتها المهينة وفسادها!...
لم يكن عرفات شخصا مرغوبا فيه في غالبية الدول لانه كان يغير مواقفه بدون دراسة وتشخيص للمرحلة،وبالرغم من ذلك فأن سيطرته على شؤون الثورة الفلسطينية لم يكن سهلا الا بمعونة الدول العربية التي كانت تمول المنظمة بأموال ضخمة والتي كانت تحت تصرفه! مما جعله الاقوى في الساحة،وبالرغم من عدائه العلني لاسرائيل قبل اوسلو عام 1993 الا انه متقلب المواقف معها ولم يكن يشكل خطرا عليها والا لقتلته بسهولة كما قتلت غالبية القيادات الفلسطينية بل وصلت الى نائبه في تونس والذي كان اكثر مبدئية منه! فاسرائيل اذا احست بخطورة شخص ما معادي لها فأن الاغتيال هو وسيلتها المفضلة دون ان تجد من يقاومهما بنفس اسلوبها سواء من قبل الانظمة العربية او الحركات الفلسطينية!...
10-الفساد الذي استشرى بين صفوف القيادات الفلسطينية هو طويل بسبب ضخامة الاموال وانعدام الرقابة العربية او الفلسطينية ذاتها،وهذا الفساد وصل الى درجة خذلان قطاعات شعبية واسعة كان من المفروض ان تحول لهم لمساعدتهم على الصمود ثم العيش في ظروف طبيعية،وتورطت الكثير من القيادات بما فيها عرفات نفسه الذي استخدم صلاحياته والامكانيات التي تحت يديه في شراء الذمم او تصفية الخصوم!...بينما كان الفساد اقل بكثير في حالة الثورة الجزائرية والتي استخدم رجالاتها الاموال بعقلانية وبروح وطنية اكثر.
ان الفساد في الثورات هو عقبة ليس في طريق النضال،بل ايضا هو مشوه لروحية النضال واستمراريته من خلال افساد مناضليه بشتى الصور المعروفة،هذا بالاضافة الى تشويه الثورة بكاملها بحيث تصبح صورتها مثل حروب عصابات المافيا التي هي لاجل السلطة والنفوذ والمال!...
11- استمرارية الثورة الجزائرية دون انقطاعها هو ادى الى نصرها السريع من خلال مواصلة الضغط على فرنسا،وبالرغم من المفاوضات بين الطرفين الا ان الثورة بقيت مستمرة حتى تحقق الاستقلال التام عام 1962...
بينما توقفت الثورة الفلسطينية مرات عديدة بل ان سنوات التوقف اكثر من سنوات المقاومة! مما جعلها اقرب لحالة اللا حرب منها الى الحرب! بل ان الثورة التي بدأت عام 1965 كانت بمبادرة او مساهمة عربية بينما كانت الفترة من 1948 الى ذلك التاريخ خالية من الصراع المسلح! وبالرغم من ان الصراع توسع بعد عام 1967 الا انه سقط في وحل الحرب مع الاردن والحرب الاهلية في لبنان،وبعد خروج المنظمة عام 1982 من بيروت توقف الصراع ماعدا الصراع مع سوريا او بعض الصدامات المسلحة الاخرى! وبعد اندلاع الانتفاضة الاولى عام 1987 والتي لم تكن نزاعا مسلحا بل اقرب للتظاهرات العنيفة وهو ادى الى توقف الثورة بصورة شبه كاملة حتى مجيء اتفاقية السلام عام 1993 وعندها انتهى الصراع المسلح الرئيسي الا انه عاد عام 2000 مع انطلاق الانتفاضة الثانية والتي توقفت هي الاخرى بعد بضع سنين...وبالرغم من استمرارية الصراع الدموي الجزئي مع اسرائيل الا انه لا يرقى الى الثورة المسلحة المقاومة والمستمرة مما يعني ان قوة تاثير الثورة سوف يكون ضعيفا جدا ويسمح للخصوم بالتفوق والقدرة على تحقيق الاهداف!...ان عدم الفصل بين جناحي التفاوض والمقاومة ادى الى توقف المسارين بينما كانت الثورات المقاومة الناجحة تكون مستمرة في المسارين معا حتى تحقيق الاهداف المعلنة...
12- حجم التضحيات هو ضروري لنجاح كل ثورة والضغط الهائل على الاعداء يكون من خلال الاستمرار في المقاومة دون الاهتمام بمسالة حجم التضحيات الا اذا كانت مؤثرة بحق على واقع الشعب والثورة... وبما ان الثورة الجزائرية قدمت حوال عشر سكانها شهداء في سبيل الحرية والاستقلال حتى اشتهرت بثورة المليون ونصف المليون شهيد،فأن الثورة الفلسطينية لم تصل الى تلك المرحلة من حجم التضحيات! فالانتفاضات المستمرة والمدعومة بالماكنة الاعلامية العربية لم تصل الى درجة التضحية المؤثرة في اسرائيل او في الرأي العام العالمي! فخلال سنوات الانتفاضتين سقط بضعة مئات من الشهداء في كل واحدة بينما سقط ضحايا في اليوم الواحد في ثورة 1991 في العراق اضعاف ضحايا كل انتفاضة! وايضا يشمل الثورات الحديثة في بلاد صغيرة الحجم مثل اريتريا ونيكاراغوا والسلفادور وكوسوفو والبوسنة والهرسك او بلاد اكبر حجما مثل ايران وافغانستان...
ان التضحيات المستمرة منذ عام 1948 هي كبيرة الحجم لوجمعت ولكن لو قسمت على مدار الصراع لوجدنا انه بالمقياس الزمني تكون ضئيلة وغير مؤثرة مما يعني ان خسائر العدو تكون عادة اقل حجما في هكذا وضع، واغلب الضحايا هم ابرياء نتيجة للهجمات الاسرائيلية على المدنيين،وهذا معناه ان حجم الثورة بالقياس الى الثورات المحلية الاخرى هو ضئيل الا انه بالقياس الى حالة الخمول والكسل الموجودة لدى الشعوب العربية منذ نصف قرن فأنه يعتبر ثورة كبرى ولذلك نرى الاعلام العربي يفعل العجائب في التضخيم والتهويل!!...
13- توفر لدى الثورة الفلسطينية رصيد شعبي خارجي كبير يتمثل في انتشار الجاليات الفلسطينية،بينما كان ذلك ضعيفا في الحالة الجزائرية،ولكن مع الاسف الشديد فأن الانقسام الفلسطيني مع التدخل في شؤون البلاد الاخرى حرم فلسطيني الداخل وكذلك الحركات المسلحة من عمل لوبي فلسطيني يماثل في قوة اللوبي الصهيوني في العالم،بل العكس ساد وهو حالة استغلال تلك الجاليات ابشع استغلال وتحميلها المسؤولية في اقل خلاف مع القيادات الفلسطينية ويتمثل في اغلبه في طردها بأسوأ الظروف الغير انسانية كما حدث في الخليج وليبيا ولبنان وغيرها...
14- اسلوب المقاومة المسلحة كان في غالبيته خاطئا وخاصة في تركيزه على العمليات المسلحة في خارج فلسطين والجوار الى بلاد بعيدة ونوعية تلك العمليات هي اقرب للعمليات الارهابية منها للنضال المسلح من قبيل خطف الطائرات وتفجير الاماكن العامة والتي يذهب ضحيتها عدد كبير من الابرياء من البلاد الاخرى مما جعل ادى الى استغلال الموقف بذكاء من قبل اسرائيل والماكنة الاعلامية الغربية،ولم تتم مراجعة هذا النوع الا بعد مضي زمن طويل من ثبات فشلها،بينما سنحت فرص عديدة في القيام بهجمات مسلحة كبيرة اثناء فترة الفوضى في لبنان ولم يتم استغلالها بالشكل الامثل، هذا بالاضافة الى عدم وجود تعاون مع العرب والاصدقاء في بناء بنية عسكرية ومخابراتية محترفة للثورة رغم مضي عقود طويلة على انطلاقتها، كذلك بروز ارهابيين محترفين مثل ابو نضال قتلوا من ابناء جلدتهم اكثر مما قتلوا من اسرائيل! هذا بالاضافة الى ان عدد كبير من العمليات الانتحارية لم توجه ضد المواقع العسكرية والصناعية بل توجهت الى المدنيين...بينما كانت الثورة الجزائرية بعيدة عن تلك الاساليب وركزت على الداخل والعمليات الحربية الكبيرة وبذلت تضحيات كبيرة حتى تحقق النصر بفضل تلك الاسباب المتنوعة...
15- مع ترهل الثورة الفلسطينية،ترهلت معها القيادات واصبحت اقرب الى حالة البيروقراطية الادارية! بينما كان المفروض الاستفادة من الطريقة الاسرائيلية في بقاء القيادات العسكرية والامنية شابة دون ان يسمح لها بالاستمرار طويلا في مناصبها!...اما الثورة الجزائرية فقد تخلصت من مرض الترهل بفضل نجاحها السريع...
اسباب اخرى كثيرة بالطبع والتي من بينها الانغماس في مستنقع التعصب للهوية(الدينية والمذهبية والفكرية) والانغماس في الملذات الشخصية واللجوء الى اعداء الفلسطينيين وهم الغرب في حل القضية!!...الخ
المقارنة بين الثورات يسهل طريقة عملها واسباب نجاحها وفشلها وهذا جزء من عملية المقارنة الموضوعية للتحليل...   


ليست هناك تعليقات: