إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/01/23

تحرير العقول -القسم الثاني

تحرير العقولتحرير العقول:القسم الثاني
قد يكون تقييم العقائد بين فاسدة ومقدسة نسبي،بمعنى انه لا يوجد مقياس عالمي مطلق وموحد للعقل البشري يقيم على اساسه العقائد المزيفة من الحقيقية،او المدخلات الغير مقدسة في الاديان السماوية،فما هو مقدس للبعض هو غير للاخر،وماهو مطابق للعقل والمنطق هو للاخر اسطورة وخرافة تستدعي الاهمال....ولذلك نحن امام مشكلة حقيقية حول هذا المقياس الغير موجود لانه هو الحكم الفعلي بين ماهو يقيد العقل البشري ويربطه بقيم نشأت من خلال سيرته الطبيعية،او مع قيم محركة للعقل البشري ودافعة له لكي ينتج ويبدع حتى يجعل الكون في اروع صورة.
القواعد المنطقية هي مساعدة للعقل في احكامه وعن طريقها يمكن تثبيت اشارات ضوئية في طريق البحث العلمي المجرد،ولكن ليس كل شخص قادر على استخدام تلك القواعد في ظل الحياة المعاصرة والتي تتميز بالتعقيد المهلك الذي اصبح لايطاق بشكل اصبح الانسان يسير في اتجاهات لا يعرف مدى خطورتها عليه احيانا كثيرة وبذلك يصبح من الصعب مجاراتها واتباع قواعد سلوك متينة معقدة الفهم والاستيعاب فضلا عن التطبيق!،وبالتالي وجب علينا استخدام قواعد بسيطة يمكن ان تتلائم مع الغالبية العظمى من البشر،ولا يشترط ان يكونوا على درجة معرفية عالية،وانما الخضوع للمنطق العقلي المتسلسل والمتجرد من كل دوافع متحيزة هو الاساس السليم في تلك الحالة والتسليم بمخرجات تلك القواعد المنطقية يكون الهدف الاسمى في اتباع الحقائق السليمة التي يمكن ان تجعلنا في اروع صورة لانسان متكامل يحيا الحياة القصيرة وفق مبدأ التعايش السلمي والابتعاد عن كل ما يخرجها من فطرتها السوية وانزاله الى الحضيض الغريزي المهلك الوضيع.
العقل:المجال المفتوح
يمكن تشبيه العقل الانساني كمثل قرص صلب(هارد ديسك)كومبيوتري من عدة جوانب، ويمتاز بفراغه عند الولادة وسعته الضخمة ولكن المحدودة والتي تملأ بشتى النظم والقواعد الدينية والمدنية التي تكون منهجا له في تسير حياته النظرية والعلمية والتي يخزنها من خلال التعلم من مصادر مختلفة بالاضافة الى الفطرة الانسانية التي خلقه الله تعالى عليه...
رغم كون العقل يتركز عمله في دماغ الانسان الذي هو رغم صغره بالقياس الى احجام مادية او جسدية اخرى الا انه دقيق التكوين الى ابعد حدود ويضم كم هائل من الخلايا التي هي بمثابة الخزان للعقل والمعرفة الناتجة منه،وهي من دلائل القدرة الالهية العظيمة...قد يتصور البعض ان سعته غير كافية الا ان الواقع يدل عكس ذلك!ولعدة اسباب قد يكون اهمها ان عمر الانسان قصير ومهما حاول من اكتساب معرفة عالية خلال فترة حياته ولو وصلت الى اعلى المراحل فأن القدرة المستخدمة سوف تبقى محدودة النسبة رغم اهميتها البالغة،ولكن الاختلاف هنا يكون بين البشر وكلا حسب قدرته فقد نرى البعض صاحب قدرة عالية سواء كما ونوعا،بينما في المقابل نرى اخرون هم دون امتلاك تلك القدرة بكثير،ولكن بالرغم من ان حديثنا يتركز على الفئة الاولى والتي كلما ازدادت قدراتها الذهنية، قلت نسبتها من المجموع الكلي للبشر بتناسب عكسي بغيض!،فأن هذه الفئة هي التي يتركز عليها الجهد البشري وما نتج عنه من تقدم كبير في العلوم والاداب وهو عملية تراكمية حيث ان الانتاج المعرفي البشري لا يبدأ عادة من الصفر بل من اخر نقطة انتهى اليه التقدم البشري،فهل منا الان من مستخدم لكومبيوتر صنع منذ عقود خلت من الزمن؟!...وقد يكون استخدام المعارف النظرية للسابقين متعارف عليه ولكن ايضا من خلال نظرة حديثة مزودة بأحدث الوسائل النقدية التي توصل اليها الانسان وجعلته يتفحصها بدقة كبيرة...
من هذا المنطلق يتبين لنا ان العقل البشري هو يختزن اخر ما توصلت اليه العقول مجتمعة ولو من خلال معرفة عمومية وليست تخصصية،ولكن يستحيل ان نجد عقل انساني يختزن لوحده كل المعارف النظرية والعملية التي حصلت للبشر خلال الفترات الماضية خاصة في ظل اهمال ما يكون غير مفيدا او انتهى العلم من التوصل الى ماهو اكثر فائدة...
يحصل العقل البشري على منظومته النظرية والعملية من واقعه ومن جملة مايحصل عليه هو مجموعة القيم والمبادئ الدينية والاخلاقية والتي حصل عليها من خلال مصدرين رئيسيين هما السماء وما ترسله من فيض آلهي لتقويم المسيرة البشرية من الاخطاء التي تقع فيها بأستمرار،ومن الارض التي هي المصدر الثاني ،يتوصل العقل البشري الى استخلاص الحكمة والاخلاق والسلوك الانساني الرفيع الذي يكون متلائما مع الرسالات السماوية...
نرى ان العقل الانساني دائم التغيير في محتواه القيمي ولكن ليس في مجاله الكلي وانما بصورة جزئية، بمعنى ان القواعد العقلية والنتائج الصادرة منها هي في حالة تغير مستمر ولكن بصورة تدريجية لان المقاومة الموجودة لدى البشر لكل ماهو جديد هي مقاومة قاسية عنيفة يفقد فيها الانسان سلوكه السوي وتحصل معه كوارث لا تحمد عقباها وبالتالي فأن التغيير الذي يحصل بطريق سلمي هو برغم تأثيره القوي الا انه خلال فترة زمنية طويلة بينما يكون التغيير العنيف اسرع ولكن في نفس الوقت يرافقه محدودية تأثيره على المدى البعيد!...هنا يمكن ان نرى خلال فترات زمنية طويلة ان منظومة قيمية جديدة قد نشأت دون ان يعلم الانسان مدى تأثيرها عليه الا اذا عاش فترات زمنية فوق عمره الطويل،وفي حادثة اختفاء فتيان اهل الكهف وعودتهم الى الحياة من جديد وعدم قدرتهم على التكيف خير مثال على مقدار الاختلاف الحاصل بين الاجيال والذي من ضمنه الاختلاف في التفكير وما يتوصل اليه من نتائج كاملة تسير الحركة الانسانية وفق طرق واساليب جديد لا تخرج الى الواقع الا بعد خوض صراع طويل مع الافكار التي سبقتها...
اصبحت من خلال التجارب الانسانية العديدة والتي تأثرت بالاديان الى حد بعيد، مجموعة قيمية ثابتة تأخذ حيزا كبيرا في مجال العقل البشري الحالي بينما نجد ان القواعد السلوكية الجديدة التي يتم اكتشافها والتي تنتج لنا قيما جديد هي اصبحت لا تشغل الا حيزا ضئيلا جدا في العقل البشري الجديد وتضاف اليه لاحقا لكون ان القيم الاجتماعية والانسانية وخاصة الصادرة من الاديان السماوية الثلاثة هي في اعلى مراحلها التي تلائم الطبيعة الانسانية وفطرتها السليمة،اما ما يحصل احيانا من بروز قيم جديدة منافية للخلق السليم فهي قيم ناتجة من مناخ من الحرية المنفلتة التي تصل الى اعلى مراحلها في بقاع عديدة والتي لا تجد شيئا جديدا تضيف عليه سوى اللجوء الى تخريب القيم المثالية الثابتة التي تلائم البشر وعملية التخريب والبناء الفوضوي الجديدة تجد لذتها لدى شلة مسيطرة شلت حركة المجتمعات بطريقة تدريجية وباساليب عديدة بعضها غير طبيعي!...
من هنا نتبين ان للعقل مجالا مفتوحا يضم حيزا واسعا ورحبا لكل جديد ولكن وفق تنظيم متعارف عليه واذا حصلت اضافات مخالفة للمشهور فأنها تبقى في حيزها منعزلة عن القديم ولكن تتصارع معه بأستمرار في سبيل السيطرة على مجال مفتوح للجميع ويسع الجميع!...
قيم الخير دائما تكون مسالمة ونظرها لقوتها البنائية فأن الابتعاد عن العنف هو وسيلتها المفضلة بعكس الشر ومنظومته القيمية التي يكون بنائها ضعيفا ولكن تعتمد على العنف كوسيلة للتغطية على ذلك الضعف...

ليست هناك تعليقات: