إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/06/25

الفراغ المفتوح

الفراغ المفتوح:
المرحلة التالية لما بعد الخروج من دائرة الطغيان والاستبداد الطويلة التي جعلت كل شيء محرم وممنوع،هي مرحلة الفراغ المفتوح بلا شك ولكن بدرجات مختلفة قد تصل في اعلى مراحلها الى درجة الفوضى العبثية التي يكون العنف احد ابرز معالمها مع ظهور مختلف الصراعات القومية والدينية والمذهبية الخ...وكل ذلك امرا طبيعيا تستدعيه المرحلة الانتقالية وليس حالة شاذة بل هي ضريبة لا بد من دفعها نتيجة لحالة الانفتاح والتجديد امام حالة الانفلات الشاملة نظرا لعدم استيعاب المتغيرات التاريخية للمرحلة الجديدة،ولكن التطور الزمني هو الذي يوجه الحالة للعودة الى المرحلة الجديدة واسسها المستحدثة.
حالة الرعب والخوف من المجهول هو امر شائع في العالم العربي الان بعد تحرير بعض البلاد من الاستبداد(تونس ومصر) والاخرى التي تناضل لاجل حريتها! وهذا الخوف ينشأ من حالة الفراغ المفتوحة والغير محدودة او معلومة الجوانب والاتجاهات وما تسببه من صعود بعض القوى المتطرفة او قوى الثورة المضادة!...ففي الحالة الثانية،يفترض واجب التصدي بحزم قاطع لتلك القوى المنهزمة والتي تحاول العودة الى النظام القديم او الالتفاف على النظام الجديد وافراغه من كل مقومات المشروع الحضاري الجديد.
الخوف من القوى المتطرفة له مشروعية نسبية من جراء صعود القوى الفاشية في اوروبا بعد الحرب العالمية الاولى واستغلالها لحالة الفراغ في ظل وجود انظمة ديمقراطية ضعيفة وتعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة وقد يكون الامر مشابها الان ولكن الظروف الدولية لا تسمح بتلك العودة الى تلك الحقبة التاريخية والتي كان الصراع بين القوى الكبرى على اشده،وعليه فأن الخوف من القوى المتطرفة لا يستدعي الوصول الى تلك الحالة اللاشعورية الا في حالة استخدام العنف كما في حالة العراق وحينها يكون الحديث مختلفا.
حالة الانقسامات السياسية في مرحلة الفراغ المفتوح هي الاخرى طبيعية لان الجميع راغب في المشاركة حتى ولو بصورة رمزية،وهي ليست دالة على انقسام البلاد بل دليل قوتها وحيويتها والرغبة الذاتية في تعويض ما فات من فقدانها لروحا المتعددة الثقافات والاتجاهات في العصور الماضية،وهذه المرحلة لن تطول بل سوف تتقلص الانقسامات الى ادنى درجة كما حصل في حالة اسبانيا بعد رحيل فرانكو عام 1975، فقد اعلنت الديمقراطية في البلاد عام 1977 وكانت النتيجة هي ظهور 270 حزب وحركة ومنظمة سياسية متناحرة،سرعان ما تقلص عددها ليصل بعد بضعة سنوات الى سبعة او ثمانية احزاب والرئيسية تحوز نصف هذا العدد! وكذلك الحالة في الجزائر بعد عام 1988 حيث وصل عدد الاحزاب الى ما يقارب المائة قبل اجهاض المشروع الديمقراطي بصورة كلية على يد العسكر!.
الانشغال في الدعوة الى مشاريع سياسية متعددة تقدم رؤى متعددة ووفق برامج  مختلفة هو الامر الصحيح والاكثر عقلانية ولانه سوف يجذب الناخبين والمؤيدين بدلا من الانشغال في ترهيب الاخرين من الحركات المنافسة الاكثر تنظيما،فالساحة للعمل وليس للصراعات الجانبية التي تضعف الجميع!.
حالة الخوف والرعب من حصول الاخوان المسلمين في مصر على اغلبية المقاعد النيابية في حالة حصول الانتخابات بصورة ديمقراطية هو امر غير مبرر على الاطلاق لانه هناك قوى منافسة قادرة على ردعهم في حالة الانقلاب وتحويل البلاد الى ديكتاتورية دينية والجيش مثال على ذلك،ولكن حصولهم على الاغلبية سوف يؤدي الى عملهم الدؤوب من اجل ادامة النصر النيابي في خدمة القضايا الاقتصادية والاجتماعية،وفي حالة نجاحهم كما في حالة حزب العدالة والتنمية في تركيا فأن الناخبين سوف يعيدون انتخابهم والعكس صحيح في حالة فشلهم،وعليه فأن على القوى المختلفة ان تكون مستوعبة لحالة المرحلة الجديدة التي تفرض المساواة بين الجميع لا ارهاب الاخرين بغية الحصول على بضعة اصوات اضافية!.
بعد سقوط جدار المعسكر الاشتراكي،فأن الشيوعيين السابقين والعاملين في الدولة هم الذين قادوا مرحلة اعادة التجديد والبناء مما يعني ان لديهم معارف ثقافية وبنى تنظيمية قادرة على بث الروح في المعارضة وجعلها تتعاون لبناء البلاد...صحيح ان الذين تولوا مقادير السلطة في اوروبا الشرقية اغلبيتهم من بقايا النظام السابق الا ان ذلك لم يؤثر على المسيرة الديمقراطية لان فرض الدستور وحماية المكتسبات الجديدة لا يستدعي تلك الاجراءات العقابية فضلا عن ان اغلبيتهم كانوا متورطين بسطاء في الانتماء وتحولوا الى المناهج الفكرية الاخرى بعد ان لمسوا حجم الفساد والطغيان والحرية اللامحدودة!.
وفي النهاية وبعد عدة دورات انتخابية تقلص نفوذهم الى ادنى مرتبة،وتقدمت الى الامام الكوادر الجديدة لتمارس دورها الطبيعي بدون عنف او حربا اعلامية، وهذه التجربة هي جديرة بالاهتمام لتقاربها مع الحركات الاحتجاجية السلمية العربية!.
ليس فقط بالنصر المؤقت نستطيع ان نحقق المنجزات ولكن بالصبر والعمل الجاد نستطيع حمايتها ورعايتها لكونها بلدا يعتمد على التكنولوجية وعلى الدول الاخرى...وليس صحيحا منع الطامحين وبقية الكوادر المتقدمة من الصعود بل هذا يؤشر الى مرحلة دلالة انحدار وسوف يؤدي الى توجه نحو التطرف والعنف!.



ليست هناك تعليقات: