إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/04/18

المقارنة الاستدلالية

اصبحت المقارنة علما وفنا له قواعده واصوله ومناهجه،النظرية والعملية،العقلية والتجريبية لغرض استكشاف المجهول!...وهذا العلم او المنهج قد دخل مختلف فروع العلم والمعرفة نظرا لقيمته العالية في استكشاف الكثير من الحقائق الخافية ضمن بحر من المعارف المتراكمة والتي يحتار المرء في اختيار الافضل والادق من خلال الاستدلال الاقرب للعقل والمنطق والصواب والاكثر فائدة في شتى المجالات والابتعاد عن الخطأ او تجنبه على الاقل مع الاستفادة القصوى من التراكم المعلوماتي لفائدة التطوير الذاتي او الحضاري.
لا يمكن تصور علما ما بدون المقارنة بين مختلف المسائل الداخلة فيه او بين مختلف افرعه او بينه وبين العلوم الاخرى للوصول الى نتائج اخرى ذات قيمة عالية،ومن هنا نشأت علوما فرعية من اصولها الرئيسية، وتضخمت بمرور الزمن لتصبح احيانا دالة على الاصل او سائدة عليه!.
تلك المقارنة تظهر لنا الكثير من النتائج المختلفة بسبب مقارنة براهين ونتائج مختلف الطرق الاستدلالية للوصول الى ادق النتائج او الاستنارة بالمتقدم فعليا في المجالات المقارنة،كما يتم غالبا المزج بين المقارنات الموضوعة لاختيار الاكثر صوابا ودقة في زمن قصير من خلال اختيار الاقوى في اصول البحث ومنهجه وايضا النتائج الصادرة منه.
من هنا نشأت المقارنة الاستدلالية والتي شاعت كثيرا في التعريف بمختلف الاراء والقضايا الخلافية،وعن طريقها يمكن الاشارة الى الاكثر قربا من الدقة او النجاح من الفشل وعدمه!.
ففي علم الفقه المعروف بضخامته وثرائه المعرفي نتيجة لتعدد المدارس والاجتهادات الداخلة فيه،نشأ علم فرعي يسمى الفقه المقارن،لاستعراض مختلف قواعد واصول ومناهج المذاهب الاسلامية عن طريق المقارنة بينها من قبيل الطرق الاستدلالية او النتائج المختلفة، وايضا في السياسة شاع استخدامه وظهر علم السياسة المقارنة من خلال دراسة مختلف المدارس والمناهج السياسية وتوجهاتها الفكرية المختلفة،وكذلك في علم الاقتصاد المقارن والذي يدرس مختلف النظريات والنظم الاقتصادية المختلفة،وايضا ظهر علم الاجتماع المقارن وعلم النفس المقارن... الخ من التقسيمات الفرعية التي انتشرت بسبب التضخم المعلوماتي والمعرفي في جميع فروع العلم والمعرفة حتى اصبح التفرع وسيلة من وسائل السيطرة للتيسير في الاستيعاب والفهم والادراك!.
لكن ينبغي التنبه الى مسألة التشابك والتداخل الحاصلة بين مختلف العلوم والفنون والاداب والتي تؤدي الى نتائج مشتركة من قبيل ان المقارنة الاقتصادية تؤدي مباشرة غالبا الى المقارنة السياسية والعكس صحيح لان النتائج من الطرفين يؤديان بطبيعة الحال الى معرفة ايهم اكثر صوابا من عدمه في الادارة والمنهج والتطبيق!...فمثلا المقارنة بين الاقتصاد الياباني والعربي يبين ان المنهج السياسي والاقتصادي والثقافي لليابان افضل بكثير من المناهج المتبعة في العالم العربي لان التقدم الياباني هو معروف وشائع ولا ينحصر في مجال الاقتصاد فقط بل اشتراك عدد كبير من العوامل المؤثرة والتي صنعت تلك النتيجة الباهرة في ذلك التقدم ومن الواجب المتعدد الابعاد على النظم العربية سلوك الطريق نفسه والا اصبحت متعمدة في ابقاء حالة التخلف والجهل!... وهلم جرا على بقية المسائل!.
شروط الاستخدام:
ليست المقارنة متاحة للجميع في اغلب العلوم الدينية والانسانية،لان لها شروط واجبة الاتباع والتطبيق لغرض الوصول الى الحقائق ثم اتباعها لان تجاهل النتائج او عدم تصديقها سوف تكون المقارنة عبثا لا يستحسن الاقتراب منه حتى لا يضيع الوقت والجهد المبذول في عملية الاستدلال المقارن!.
من اهم الشروط هي: الموضوعية...وبالرغم من ان البشر يميلون لفكرة او مبدأ او وسيلة معينة الا انه هنالك بعضا منهم يتوسلون الى الموضوعية منهجا في الحياة للوصول الى الاصح والابتعاد عن الخطأ وبخاصة المتوارث الذي يقيد التفكير والحركة العقلية!.
الموضوعية المطلقة هي صعبة بلا شك ولكن الاختلاف يكون في مستوى درجات الموضوعية النسبية!...فكلما كان الانسان قريبا لها،فأنه سوف يكون عادلا في المقارنة والاستدلال من خلالها الى النتائج،والعكس صحيح ايضا،فالبعد عنها يؤدي الى فقدان النتائج الدقيقة او التغطية على الموروث المتعدد الابعاد والذي نحاول اثباته القسري!.
الشرط الثاني:هو المعرفة التامة المسبقة باطراف المقارنة جميعها والا لما استطاعنا المقارنة بينها!وكلما كانت المعرفة المتعددة الجوانب واسعة كلما كانت المقارنة افضل والنتائج اروع والعكس صحيح ايضا!.
المعرفة التامة يجب ان تكون مترسخة وقوية البرهان لان الجهل بالمقارن الاخر يؤدي الى نتائج خاطئة ينبغي الابتعاد عنها ولذلك لا تنجح المقارنة التي يتم معاملة احد الطرفين بتفضيل ناتج من تعصب وجهل ظاهرين وايضا من الضروري معرفة اسباب الاختلاف والتلاقي حتى يمكن الامساك بالخيط المؤدي الى الحقيقة او الجمع بين المختلفين انفسهم!...ومن ابرز الذين يخطأون في ذلك هم المتعصبون لفكرة او عقيدة ما لانه يتبعون مناهجهم بصرامة وتعصب ولا يبدون اي تساهل مع الاخر وايضا يتبعون احكامهم المسبقة على المقارن الاخر مما يعني ضعف ظاهري ينبغي الوقوف عنده والابتعاد عما يدعو له لان نتيجته السالكة معروفة وهي الاستدلال الخاطئ على اثبات ما هو معتقد بصحته المسبقة!.
الشرط الثالث:الشجاعة الادبية...او الروح الرياضية،اي اختيار الافضل والاقوى حتى لو كان ذلك على حساب ما معتقد به سابقا!...وهذا الامر ايضا قليل الحدوث ويشيع غالبا لدى المتحولين دينيا او مذهبيا وايضا المتقلبين سياسيا وفكريا! ولكنه ينتشر اكثر ضمن علماء الطبيعة الذين يستندون للتجارب المختلفة للوصول الى النتائج والادوات الدقيقة!.
غالبا ما يواجه هؤلاء(الفئة الاولى!) رفضا واسعا ومعاناة شديدة بسبب الاختيار الجديد وعدم احترام الاخرين لهم لجهة حرية الاختيار والارادة... والاختيار الجديد الناشيء من الشجاعة الادبية ليس معناه بالضرورة اختيار الطريق الصحيح والمنهج الادق بل قد يقع خللا في المقارنة الاستدلالية توقع المرء في مشاكل كبيرة وبالتالي يكون اختياره خاطئ لا محالة،وعليه فأن اجتماع الشروط الثلاثة سوف يؤدي لا محالة الى كشف الانوار الساطعة عن الحقائق المخفية!.
الشرط الرابع:هو الرغبة الصادقة في الاستفادة او التوفيق او التقريب بين المقارن،لان فقدان الصدق في تلك الرغبة معناه ان الهدف الحقيقي هو ابعاد المقارن الاخر عن الوجهة الصحيحة المراد لها وعدم الاعتراف بفضله واستقلاليته التي هي جزء من الاختلاف الكلي والجزئي بين الجميع.
الشرط الخامس:هو نوعية الادوات المعرفية المستخدمة وصلاحيتها لعملية المقارنة!...فلا ينبغي استخدام نفس القواعد والاصول المنهجية ضمن مختلف المسائل!...نعم قد يكون المشترك دالا على استخدام جزئي لنفس الادوات،اما الاستخدام الكلي فهو خاطئ تماما او بعيد عن الصواب بنسبة مختلفة،وعليه فأن لكل عملية مقارنة ادواتها المعرفية واستدلالاتها المتبعة التي ينبغي مراعاتها بشدة كي تكون الاستفادة قصوى!...ويستحسن الاستفادة من حالة التراكم المعلوماتي وتنوعها والخبرة في المقارنة والحرية التامة من دون التقيد بالطرق السابقة التي اتبعها الاسلاف فهي نتاج زمانهم!.
اذا المقارنة الاستدلالية هي علم وفن ينبغي الوصول اليه واتباع نتائجه وتوصياته وفق شروط مسبقة حتى يتم احداث التغيير المنشود من خلال تغيير الوضع الراكد الى وضع حركي يسمح بالتداول في حرية الاختيار او التطوير،وليس شرطا ان تكون المعرفة مطلقة ولكن المعرفة النسبية هي وسيلة ناجحة ايضا ويمكن اختيار الافضل من بديهيات او براهين قليلة!.
هذا التوجه العقلي يفيد الاغلبية التي تفتقد عادة للوسائل والمصادر المعرفية وايضا للاستيعاب والاستدراك لكونه معينا بسيطا لها في معرفة الحقائق او تغيير السلوك والرأي ضمن مختلف القضايا والمسائل والمشاكل وغيرها...والتبسيط في الاستعراض هو ايضا واجبا على المستخدمين لتلك الرياضة العقلية لان التعقيد يبعد نسبة كبيرة عن الاستيعاب والفهم وبالتالي فأن النتائج سوف تكون غير مؤثرة...نعم هنالك افرع صعبة وخاصة للمتخصصين في مجالاتهم ولكن الحديث يكون عادة للمواضيع ذات السمة الغالبة من الاشتراك والاثارة!.
هذا النوع من الاثارة العقلية والعلمية سوف يساعد على تطوير الذات ويساعد على تحريرها من القيود المفروضة!...اذا في هذه الحالة يكون عامل رئيسي من وسائل التحرير الذاتي التي يحتاجها الجميع!.


هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

منطقي جداً

جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يقول...

المقارنة الاستدلالية فن يبرز المواضيع التي يُقارن بينها. نحتاجه في جميع المجالات.
شكراً لك.

Unknown يقول...

رائع جدا ما كتبت هنا ..
تقبل مروري ..
وخالص تقديري ..
^^

الموسوعة الحرة يقول...

الفاضلة براديس...تحياتي الطيبة لحضورك الكريم...

الموسوعة الحرة يقول...

الفاضلة جواهر...تحية طيبة
اكيد ان المقارنة والمفاضلة يبينان لنا كيف تكون الاصول والفروع...دوائر الالتقاء والخلاف الخ...
علم وفن في نفس الوقت!!

الموسوعة الحرة يقول...

العزيزة بنك...تحياتي الطيبة للكلمات الرقيقة الدالة...
دمت بخير...