إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/01/08

خارج المكان

خارج المكان!:
في حياة الانسان الكثير من التناقضات التي تظهر بشكل واضح ولا يمكن اخفائها! وقد يكون بعضها جزءا من تركيبته وبالتالي هي من ارادة ذاتية متأثرة بشكل او بآخر من عاملي البيئة او الوراثة،وقد تكون احيانا ناتجة من اللاوعي او ضعفه!...والاخر هو ليس من بنيته المركبة ولكن الظروف الزمانية والمكانية تفرض عليه بصورة او بأخرى التلون بالوان متعددة! وعندها يفقد القيمة الحقيقية المكتسبة من السيرة الذاتية النقية!.
في الحالة الثانية تظهر الاشكالية في خروج الانسان القسري من ذاته الحقيقية للظهور بحالة اخرى مصطنعة لا تختلف عن المحيط وتكون من الضرورات التي تفرضها حالة الزمان والمكان المتمثلة احيانا بالمناصب الهامة التي يحصل عليها!.
هذه الحالة اصبحت شائعة منذ قديم الزمان،والتاريخ يحمل لنا صور محزنة في وصول الكثير من اصحاب القدرات العلمية والادبية والدينية والاخلاقية الى اعلى المراتب الوظيفية والتي فقدت قيمتها الحقيقية عندما دخلت في معتركها وبالتالي تخليها عن الضرورات الحتمية وتبنيها المحظورات الوقتية والتي تفرضها مع الاسف الدوافع المعيشية التي  تتحكم بمصير الافراد والجماعات وتفقدهم احيانا جزءا من الكرامة الانسانية،وعندها تظهر الارادة الحقيقية الصلبة التي تقاوم اغراءات التلون والتطبع وتحاول نقل صفاتها وطبائعها الاصلية الى الواقع الجديد وقد تنجح وهي حالة نادرة،وقد تفشل وهي الحالة الشائعة!...
ومن الامثلة على حالة الخروج من الذات الملتزمة بضوابط اخلاقية او دينية الى اخرى مختلفة تماما ولا تعيرها ادنى اهتمام وبسرعة قياسية هي حالة الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان عندما كان يقرأ القرآن ومعروف عنه مسبقا التزامه الديني،عندما نقل اليه خبر انتقال الخلافة له،حينها اطبق الكتاب وقال هذا فراق بيني وبينك!،وتوعد بالويل من يذكره به او بالالتزام الديني!وهي علامة شؤوم على مصير البلاد التي حكمها بالحديد والنار...مهما كانت صور نقل تلك الحادثة فهي ليست غريبة على الانسان وهو كائن ذو اطوار غريبة تسترعي الانتباه بحيث جعلت الفروقات بين البشر ظاهرة الى ابعد مدى!.
هذه الحالة فرضت نفسها على الواقع الانساني بكافة مظاهره وبمختلف اتجاهاته وعلى مدار تاريخه ولسنا بحاجة لاستعراض الكثير من الامثلة التي ملئت صفحات التاريخ بأمثلة تثير الغثيان احيانا وبخاصة اذا كان المثال هو الانسان الوضيع اجتماعيا والمناضل في حياته لاجل فكرة او مبدأ،والذي ساعدته الظروف للتملك والتسلط وحينها تظهر بشاعته التي لا مثيل لها بحيث ابعدت الكثيرين عن الايمان بنفس الفكرة او المنهج او حتى اعتناق مبدأ العيش لغرض العيش فقط بغض النظر عن مقوماته واساليبه! ويمكن استحضار حالة ستالين الذي يمكن اعتباره مثالا نموذجيا غطى على غيره من الامثلة الاخرى!.
عودة الوعي!:
بعد فقدان الوظيفة المكانية بغض النظر عن حجم صلاحياتها المكتسبة،فأن ظاهرة عودة الوعي المتأخر هي تسترعي الانتباه ولكن مع شديد الاسف بعد فوات الاوان ولا تثير الانتباه او التقدير لكون صاحب الحالة قد استهلكه الزمان ولم يعد له نفس التاثير السابق بل ان الذاكرة تحمل له شواهد ووقائع ترفض عودة وعيه التي هي بمثابة الرغبة الخفية في التكفير عن حالة الذنب خاصة فيما لو حصلت خروقات كان من الممكن ايقافها وتعطيل حالة العمل بنزاهة وحرفية لاتقبل الجدال في تغييرها ولو بشكل رمزي!.
ان ظاهرة العودة الى الذات الحقيقية ليست مقتصرة على زمن دون اخر كما انها ليست خاصة بوظيفة معينة ضمن جهاز اداري لدولة ما،بل هي حالة موجودة في كل مكان او زمان وقد لا يعترف صاحب الحالة بذلك ولكن من خلال اصداره لمذكراته وكتبه التي يبرر بها اعماله او يحاول التنصل منها او من خلال عمله في مواقع اخرى تعيد له كبريائه المجروحة والتزامه الانساني الذي فقدهما من جراء عمله السابق...ومن خلال تلك المظاهر يحاول العودة الى دائرة الاضواء بغية الرغبة الصادقة في تغيير واقع كانت الفرصة سانحة له لتغييره او الرغبة غير الصادقة لمجرد البقاء في دائرة الاهتمام والحصول على مكاسب جديدة!.
على مشارف التسعين!:
اذا تجاوز الانسان مرحلة الكهولة،عندها لا يبقى له ادنى مبرر للخوف من فقدان الحياة او الجاه...فقد اخذ نصيبه الكافي من الحياة ولم يبقى له سوى الاستناد الى بدنه الضعيف المتهالك،لقول المحظور وعمل الممنوع وترك الموالاة التي تفقد صاحبها اية قيمة ادبية او اخلاقية! فالحياة بدون شجاعة او نكران للذات في سبيل الحق ولو بصورة جزئية فأنها سوف تفقد محتواها الحقيقي وتصبح خاوية تنتظر النهاية الحتمية في مقابر النسيان!.
وفي حالتين تسترعيان الانتباه وهما يبذلان الجهد ولكن من خارج المكان! هما حالة الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر(1924-) والوزير المصري والامين العام السابق للامم المتحدة بطرس غالي(1922-)...فحالة الرجلين اكثر اثارة للاهتمام لكونهما يحاولان بذل ما يمكن محو آثار المشاركة في وظائف سابقة لها سمعة سيئة او لم تحقق شيئا!.
بالرغم من ان حالة كارتر اكثر اهمية وهو المعروف عنه انه من اكثر الرؤساء الامريكيين التزاما من الناحية الاخلاقية على الاقل ولذلك فقد منصبه بعد دورة واحدة لكون الوسط السياسي الامريكي تطغى عليه مظاهر المصالح المادية والاتجاه اليميني المتطرف الذي استطاع بسهولة من عزله بحجة انه ضعيف ولا يقدر على ادارة امريكا زعيمة العالم الغربي بيد صلبة لا تقبل المساومة او الاستسلام!.
شارك كارتر في الكثير من الاعمال الانسانية في داخل امريكا وخارجها ودعا الى الوقوف على الحياد الايجابي في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي مما جعل اليمين المحافظ الموالي لاسرائيل يشن حملة شعواء حتى ان بعض العاملين معه قد ترك عمله مع كارتر بحجة انه تجاوز الكثير من المحظورات في داخل امريكا!...وبالرغم من ان حالة كارتر هي مشجعة فعلا وتستحق الاشادة الا انها جاءت بعد فوات الاوان لانه في خارج المكان وعلى مشارف التسعين من عمره مما يعني ان جهوده لن تكون لها القوة والقدرة على تغيير الواقع سوى انها بصيص امل لكل الراغبين في العودة الى ذواتهم الحقيقية المفقودة ولو في سن متأخرة!.
الحالة الاخرى الاقل اهمية! هي حالة بطرس غالي الذي فقد منصبه نتيجة لاصراره على نشر تقرير مذبحة قانا بالرغم من ان اخطاء المنظمة الكارثية الاخرى والتي جرت اثناء ادارته من قبيل استمرار حصار العراق اللاانساني وحرب البوسنة ومذابح رواندا وغيرها هي اكثر اهمية من الاصرار على نشر ذلك التقرير والتي حاول بعد ذلك ان يبررها بعدم قدرته في تغيير الكثير من القيود الموضوعة على من يتولى منصب الامين العام في اعلى هيئة اممية واكثرها فسادا وانحرافا في نفس الوقت!.
نشر بطرس غالي الكثير من الكتب والتي حاول من خلالها تسليط الضوء على المنظمة الدولية وقيادته لها وحالة الفساد المستشرية فيها وطرح العديد من الاراء لمحاولة اصلاحها من خارج المكان بالطبع!.
بالرغم من تولي بطرس غالي الكثير من المناصب الشرفية الاخرى في محاولة للتخفيف عن اهانة امريكا له في منعه من الاستمرار لفترة ثانية ومحاولته رد اعتباره،الا ان عمره الطويل الذي شارف على التسعين لم يمنحه الشجاعة مثل كارتر في قول الحق والاصرار عليه وتلك صفة غريبة فعلا !...فلا ادري على ماذا يحافظ عليه هذا الرجل وهو في هذه السن المتأخرة التي تمنح احيانا لصاحبها الحصانة من التعرض الى سوء من جانب بعض الانظمة الاستبدادية التي تراعي حالة السن !...فمن خلال لقاءه مع مراسل موقع ايلاف على الرابط التالي:
http://www.elaph.com/Web/news/2010/12/621216.html
فقد رفض الاجابة عن سؤال حول موقف المجلس الذي يرأسه لحقوق الانسان عن حالة التزوير في الانتخابات المصرية التي جرت اواخر تشرين ثاني(نوفمبر)2010!!..ولا ادري على ماذا كان يراقب مجلسه المذكور؟! هذا بالاضافة الى رفضه الاجابة عن حالة البرادعي ومدحه للحالة التي صورها بالديمقراطية!والتي تعيشها مصر حاليا تحت نظام ساهم في تكريس بقاءه ولا يحمل اي مقومات شرعية او دستورية حرة لبقاءه وكأنه شاب لا يحمل اي معرفة بحقيقة النظام المصري او يحاول العيش بفتاته!.
اذا لم تكن لدى الشخص الجرأة والشجاعة والحكمة وهو على مشارف التسعين،فمتى تأتي له؟ومن يدري فقد لا تأتي نهائيا كما حصل لكثيرون!.
وكما ان لكل شيء درجات...فأن للشجاعة ايضا درجات! واقلها اهمية هي عندما تكون في مرحلة متأخرة من حياة الانسان او في محاولة للتكفير عن ذنب مسبق!
الاتهام بالخرف والانحراف والكذب افضل من الاستمرار في صنع المآساة او الموقف الحيادي تجاهها!.
 
 
 
 

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

الا نلبس جميعنا عشرات الأقنعة في اليوم الواحد، غذ أن ذلك ليس حكرا على السياسيين سيدي الفاضل، جميعنا نخفي ذواتنا الحقيقية وراء أقنعة مصلة حسب الكان و الموقف