إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/10/30

خلل الدقة

خلل الدقة:


قبل ظهور الانترنت والثورة المعلوماتية المصاحبة،كنا نعتمد على وسائل الاعلام المطبوعة في استلام المعلومات والتي لا تسمح الظروف في الغالب من التأكد من دقة المعلومات المكتوبة،خاصة اذا كانت المصادر الاخرى التي تورد نفس المعلومات ايضا مطبوعة وبذلك نقع احيانا في حيرة خاصة اذا تضاربت المعلومات حول موضوع ما،وقد نعتمد على بعضها دون الاخر دون التأكد من ايهما صحيحا! هذا قبل الانترنت فما بال اليوم مع وجود الانترنت وسهولة البحث عن معلومة ما ان يستمر العمل بنفس الخطأ،فتلك فضيحة لا يمكن التهاون معها ابدا لانه من السهل جدا على القارئ ان يتأكد من صحة المعلومة من خلال استخدام محركات البحث في الانترنت والتي تعطي المعلومات من خلال كم هائل من المصادر المتنوعة ومن مختلف اللغات،وسوف اذكر لاحقا مثالين قبل ظهور الشبكة المعلوماتية وبعده!...ومن خلال الخبرة نجد ان غالبية وسائل الاعلام العربية لا تتأكد من دقة المعلومات المطبوعة والتي تقوم بنشرها! رغم انه من المفروض ان يكون ذلك واجبا فرضيا لا يمكن الخلاص منه! بل نجد من الشائع انتشار الاخطاء المطبعية دون ان يكون هنالك مصحح لها في مجلات رصينة او تدعي الرصانة فما بالك في العادية!،ويكون من المخجل الذي لا تتورع وسائل الاعلام عن ذكره ونشره هو ان يقوم القراء بتصحيح ما تنشره(مجلة العربي مثالا!)...نعم اذا كان الخطأ نادرا فهو لاغبار عليه،اما ان يكون منتشرا فذلك من الاخطاء الفادحة التي لا يمكن غفرانها...هذا يؤدي الى ان الرسالة الاعلامية تكون مشوهة ولا تهدف الى نشر المعلومة الصحيحة مما يعني انه من الضروري التريث كثيرا والوقوف امام صحتها عند الاطلاع خاصة في ظل التدفق الكثيف للمعلومات حتى لو كانت المعلومة ليست ذات اهمية للقارئ كما يعتقد!...


المثال الاول:


في الثمانينات انتشرت موسيقى البيانو الهادئة العذبة للموسيقار العالمي ريتشارد كلايدرمان،ومازالت لحد الان في المقدمة نظرا لانها تلائم كل الاعمار ولاتختص بفئة ما،بل هي موسيقى عالمية يفهمها الجميع دون اي تعقيدات تذكر!...


لكن انظر للمعلومات التي قرأتها عنه في وسائل الاعلام العربية!...الاسم قلب الى غولدرمان واحيانا مشتقات اخرى بعيدة عن الاسم الحقيقي!،اما جنسية الموسيقار فتغيرت الى المانية!...وبقيت تلك المعلومات اضافة الى اخرى عنه باقية في الذاكرة لفترة طويلة،حتى قمت بالصدفة في الاطلاع على المزيد من المعلومات عنه باللغة الانكليزية،فوجدت المعلومات الاكثر دقة والتي تتناقض تماما امام ما نشر سابقا!.. وقد يكون من الطريف الذكر هنا ان جنسيته هي فرنسية!...في تلك المعلومات البسيطة تكون تلك الاخطاء فما بالك في المعلومات التي هي ذات اهمية كبيرة بالنسبة لنا خاصة في مجالات التاريخ والسياسة والاقتصاد!...


المثال الثاني:


قبل ايام اطلعت على اعداد من مجلة الجيل والتي تصدر في لبنان،وهي من المجلات القيمة ولكنها لا تشذ عن القاعدة في نشر المعلومات الخالية من الدقة!...


ففي العدد 4 نيسان 2009 وفي موضوع مثير حول جريمة بشعة قام بها شاعر مكسيكي منحرف قتل ببشاعة خطيبته ثم اكل جزءا من لحمها بغية كتابة كتاب عن غرائز آكلة لحوم البشر!...الموضوع نشر في الصفحات 58-65 مما يعني ان الموضوع مهم بحيث دعم بالكثير من الصور!...وبعد الانتهاء من قرائته المثيرة،ذهبت الى الانترنت كعادتي للرغبة الذاتية الملحة للحصول على المزيد من المعلومات التفصيلية ثم التأكد مما نشر!،فوجدت معلومات بالطبع اكثر وبمختلف اللغات،ولكن المثير ان الكثير من المعلومات في المجلة هي خاطئة او ناقصة،من قبيل ان الضحية شوهدت اخر مرة يوم 5-11-2007 بينما في الحقيقة قبل ذلك التاريخ بشهر،ثم ذكرت معلومات عن امرأة اخرى دون ان تذكر المجلة شيئا عنها ماعدا صورتها!تبين انها قتلت بنفس الطريقة!.. ولكن الاكثر غرابة ان الجاني الشاعر انتحر يوم 11\12\2007 بينما ذكرت المجلة على عهدة محررها المذكور اسمه انه انتحر يوم 18\3\2008 !! ولا ادري المغزى من ذكر تلك المعلومات الخاطئة دون التأكد من دقتها رغم ان تلك الدقة لا تحتاج سوى الى بضعة دقائق من البحث في الشبكة العنكبوتية ...


هذه الامثلة تنتشر بكثرة في وسائلنا الاعلامية دون ان تجد من يتصدى اليها او دون ان يجد العاملون العبرة في الحذر في نشر المعلومات الخاطئة او المظللة، واكيد الامثلة لاحصر لها،ذكرت اثنان للاختصار والمصادفة!...

المعايير النسبية في المقاييس الدولية

المعايير النسبية في المقاييس الدولية


تصدر سنويا عشرات التصنيفات الدولية التي تبين مقدار التفوق بين الدول او المؤسسات او الافراد، والتي تغطي مختلف المجالات في الحياة العملية والتي من بينها تصنيف الجامعات في العالم او حرية الصحافة او مقاييس حجم المؤسسات الاقتصادية الدولية الخ... وقد اصبحت تلك التصنيفات مثل الموضة في العصر الحديث بحيث تتنافس على اصدارها مختلف المؤسسات التي بعضها غير متخصص او على الاقل يهدف الى الشهرة من وراء نشرها وبمعايير احيانا ضعيفة او غيرمنطقية، وتكون نتائجها بالتالي خاطئة او فيها هامش كبير من الخطأ لايمكن الركون اليها بأي حال من الاحوال،والغريب في الامر ان بعض التصنيفات ازداد في بعض الفروع والنتائج الصادرة منها مختلفة!او احيانا نفس التقييم ولكن تختلف التسمية! وتفرح النتائج من يحصل على اعلى الدرجات وفي المقابل يهمل نتائجها من يحصل على ادنى المراتب او يذهب الى مقياس تصنيفي اخر يمنحه درجة اعلى يمكن ان يتباهى بها امام الجميع كما تفعل البنوك على سبيل المثال عندما تضع على واجهاتها نتائج تصنيفها من قبل الهيئات الحكومية والخاصة والتي هي احدى وسائل الدعاية الذكية والمجانية لها وتقوم بأستغلالها افضل استغلال ولكن لايعرف احدا بالضبط ماهية تلك الهيئات او طريقة الاختيار والتصنيف فيها والتي تم على اساسها اصدار النتائج التي تكون في بعض الاحيان دقيقة ومثيرة للاهتمام وفي البعض الاخر تكون مضحكة لا يقبلها اي عقل او منطق كونها بعيدة عن الواقع او قد تكون ناتجة من معايير قليلة لا تستوجب اصدار نتائج كاملة للوضع دون استخدام عدد اكبر من المعايير مع بذل اقصى ما في الوسع في تطبيق الموضوعية الحيادية من كل تأثيرات جانبية تكون مدمرة للصدقية المعرفية التي هي اقصى المنال البشري للتقدم والرقي...


وقد وفرت لنا الازمة المالية العالمية فرصة ذهبية لمعرفة دقة نتائج التصنيفات لكثير من المؤسسات والتي تبين عدم صدقية البعض منها عندما انهارت بفعل تلك الازمة التي كشفت الكثير من الحقائق الخافية على الحكومات والشعوب.


مقاييس ليست مطلقة!:


مادامت تلك المقاييس صادرة على يد مجموعة بشرية متخصصة وهم بمجموعهم خطاؤون في كل شيء كبقية البشر!... فأذن النتائج تكون غير صادقة بصورة مطلقة ولكنها تكون نسبية وهنا يقع الخلاف حول صوابية نسبية النجاح، بمعنى انه يمكن الحصول على نسبة عالية من الصدقية تكون ملائمة للواقع الملموس وقد تكون هنالك نتائج هزيلة بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع وتكون مستندة على معايير خاطئة او غير دقيقة او حتى لا اهمية لها في ظل اصدار كم هائل من النتائج التي تغطي مساحات شاسعة من اوجه مجالات الانتاج والخدمات،لانه من المستحيل التخلص من التحيز (وهي طبيعة فطرية بشرية لايمكن الخلاص منها مهما كان الجهاد النفسي ) او عدم الوقوع في الخطأ الغير مقصود بأي وسيلة كانت خاصة في ظل الحصول على معلومات متضاربة حول موضوع ما من قبيل الحصول على احصائيات مختلفة للانتاج او العوائد المالية أو حجم المدخر من الثروات ما شابه ذلك من الاحصائيات المتعلقة بموضوع البحث...


النتائج الصادرة هي جهد جماعي متناسق في عملية البحث ولكن يختلف كل فرد في رؤاه واجراءاته في الحصول على المعلومة او في تحليلها او في اصدار النتائج حسب الرؤية الشخصية التي تكون غالبا بالطبع متضاربة بين الباحثين،ولذلك فأن النتائج هي في النهاية حصيلة المجموع الكلي للاراء الصادرة من قبل الباحثين والذين يكونون في الغالب عاملون في مناطق مختلفة من العالم وتكون مجالات اختصاصاتهم سواء الشخصية او البحثية مختلفة فيما بينهم وبالتالي سوف يحصل لدينا كم هائل من المعلومات والتحليلات التي تخضع لادارة جماعية قد تختلف آرائها عن مصدر المعلومات والتحليلات وهنا نكون اما محظوظين في تطابق وجهات النظر او سيئ الحظ عندما يختلفون فيما بينهم تبع اختلاف تقييماتهم الشخصية التي تكون صادرة من اختلافات اساسية في المنهج والطريقة والخبرة الشخصية الى اخره من الاختلافات بين الباحثين في شتى بقاع العالم...


ورغم وجود معايير ثابتة للبحث الا ان الالتزام بها يختلف من شخص الى اخر وحسب اختلاف المعلومات او الخبرة او التحصيل الاكاديمي والمعرفي على سبيل المثال...


وتبقى في النهاية تلك التقارير والتصنيفات رغم نسبيتها في الدقة،ذات اهمية بالغة في تقييم الوضع الدولي بمختلف فروعه التي تعطي في النهاية توصيات مهمة للتعامل المستقبلي معها بغية الوصول الى الهدف النهائي وهو التطور الحضاري للمجتمع وبنيته التحتية والفوقية...


بداية دقيقة ونهاية نسبية!:


بداية التصنيفات العميقة والموضوعية والتي تصدر بعد بحث واستقصاء طويلين الامد هي كانت مع الاصدار السنوي لمجلة فوربس الاقتصادية الامريكية الشهيرة والتي بدأت بها منذ عقود طويلة وتكون اصداراتها كما هو معروف متخصصة في الامور المالية والاقتصادية للشركات والمؤسسات المالية الدولية ومن ضمنها التصنيف السنوي الشهير لحجم ثروات اثرياء العالم بغض النظر عن جنسياتهم ونوعية اعمالهم رغم ان العديد من حكام دول العالم خارج نطاق تلك التصنيفات بسبب السرية الكاملة في اعمالهم والرغبة في البقاء بعيدا عن متناول وسائل الاعلام حتى لا تسبب لهم احراجات مع شعوبهم التي تكون غافلة بوعي او بدونه عن تلك الانتهاكات الوطنية الكبرى!،ومازالت نتائج مجلة فوربس تحظى بالاهتمام والتقدير لكونها الرائدة في تلك المجالات مع الدقة في الحصول على المعلومات وتحليلها وتبويبها بغية اصدار نتائج في غاية الدقة والموضوعية،وعموما نتائج مجلة فوربس هي بالاساس لا تخضع لمعايير شخصية او آراء بل هي ارقام واقعية تحصل عليها رغم انها احيانا غير مطابقة للواقع بصورة مطلقة لكون الكثير من المؤسسات والاثرياء يخفون ارقام ومصادر ثرواتهم وبالتالي تكون النتائج احيانا نسبية ايضا ولكن عالية الدقة فيها دون الوصول الى المنى المثالية في الدقة المطلقية!...


تصنيفات فوربس مازالت في المقدمة لكونها الرائدة في هذا المجال وتعتمد على الموضوعية في نتائجها،وبالتالي تبقى محل اهتمام الجميع خاصة في مجالات اختصاص تلك التصنيفات العريقة وهي منشورة في موقعها الالكتروني وفي بقية وسائل الاعلام لمن يرغب في الاطلاع والدراسة ...


ولكن مع الاسف الشديد ان تلك البداية الرائعة في العمل ، تحولت الى نهاية بائسة في الوقت الحاضر من خلال الفوضى الضاربة في التصنيفات العديدة المتنافسة فيما بينها بدون وجود اي معيار يمنع الدخلاء على ذلك العمل المعرفي الجبار، ورغم وجود العديد من التصنيفات الدولية القيمة الا ان كثرة التصنيفات الغير موضوعية يجعل مجال الثقة مقيد الى حدود دنيا الا من لا يملك القدرة او الوقت الكافي للتفريق بين نوعية التصنيفات ومدى الجدي منها،وهنا تكمن المصاعب التي تزداد مع تعقيدات الحياة المختلفة...


امثلة نموذجية:


الكثير من التصنيفات هي غير خاضعة لقوانين واسس علمية او منطقية،بمعنى ان تصنيفات فوربس على سبيل المثال اذا صحت الارقام الواردة لمراسلي المجلة والتي تنشر بدون تغيير فهي تقع تحت خانة التصنيفات العلمية الموثوق بها،اما التصنيفات والتي تخضع لاراء وتقييمات الباحثين والمراسلين فهنا تكمن النسبية في الدقة،وقد تكون عالية او اقل درجة في الوثوق...ولنأخذ مثالين يمكن تبيان الفرق بين التصنيفين الغير خاضعين لمنهج ثابت لا يمكن القفز فوقه كالاحصائيات الدقيقة مثلا!...


في شهر تشرين اول(اكتوبر) من كل عام تصدر وبصورة متقاربة في التوقيت وقد يكون مصادفة،التقييم السنوي للجامعات في العالم سواء من قبل صحيفة التايمز البريطانية العريقة او من قبل غيرها،بالاضافة الى الاصدار السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود حول وضع الحريات الاعلامية في العالم...


من الملاحظ ان هنالك اختلاف كبير بين نتائج تقييم الجامعات في العالم نظرا لاختلاف المعايير المستخدمة في التقييمات وبالتالي فأن نسبية النتائج تكون واضحة للعيان بصورة لاتقبل النقاش او الاحتجاج عليها!...


من بين المعايير التي تثير جدلا في صدقيتها هو حصول خريجي اي جامعة في العالم على جائزة نوبل!...وهو مقياس خاطئ لكون الجائزة متحيزة في الكثير من المجالات بما لايقبل الجدل او الشك،واختياراتها تكون من خلال معايير تنطبق على الواقع في الغرب بصورة اكبر مما هو موجود في بقية بقاع الارض! وبالتالي فأن اعتماد نوبل كمقياس هو خطأ فادح سوف تنعكس نتائجه ونسبة الخطأ فيه على نتائج التصنيف،كذلك تقييم الحرية الاكاديمية يخضع هنا لاراء متعددة لاتنطبق احيانا على الواقع وبالتالي ايضا مقياس نسبي في صدقيته!،ايضا معيار حجم التمويل الحكومي رغم اهمية التمويل المالي للمؤسسات الاكاديمية ليس مؤثرا بصورة رئيسية في التقييم لكون الكثير من الدول النامية تنفق مبالغ طائلة على جامعاتها دون ان تحقق نتائج مرجوة! بينما هنالك جامعات تعتمد على التمويل الذاتي والفردي قد حققت نتائج باهرة وحصلت على اعلى الاوسمة في التقييم!...


من الامور التي تأخذ بالحسبان هي حجم الجامعات ونسبة الطلاب الاجانب فيها ونسبة توظيف خريجيها!او معدل عدد الطلاب لكل استاذ او حتى المعيار الحديث وهو حجم الدخول الى الموقع الالكتروني للجامعة! وغيرها من المقاييس الاخرى التي نراها في معظم الاحيان غير دقيقة او لا تعبر عن واقع حقيقي، وقد تتقارب النسب في التقييم بين عدد من الجامعات بحيث يصعب احيانا التمييز بين المتقدم منها عن المتأخر نظرا لوجود عدد هائل من الجامعات في العالم ،والاكثر غرابة في التصنيفات الدولية المختلفة هو خلوها من وجود اي جامعة عربية وبالتالي فأن هذا الاتفاق الغير متعمد بالطبع هو دلالة واضحة على مدى التدهور الحاصل في التعليم الاكاديمي في العالم العربي وفي مختلف جوانبه!...ولكن تبقى في النهاية وجود بعض المؤسسات العريقة لها شهرتها في مقدمة التصنيفات الدولية بحيث تكون باقية ومحافظة عليها لامد طويل في المستقبل...


هذا المثال هو يعطي صورة واضحة لمدى اختلاف الدقة في النتائج وان كان على الاغلب اكثر صدقية من المثال التالي:


الحريات الصحفية في العالم:


الحرية الاعلامية في اي بلد في العالم هو مقياس للتحضر بكل معنى الكلمة، والتضييق عليها ولمختلف الاسباب هو مقياس آخر للتخلف او التأخر عن سباق الركب الحضاري الدولي،ولذلك تكون نتائج الحريات الاعلامية مثيرة لاي بلد مهما كانت ظروفه مختلفة، والنتائج هنا تنحصر في محاربة الفساد بجميع انواعه والذي يكون عائقا رئيسيا امام تقدم اي بلد،وكذلك تطبيق القانون على الجميع دون استثناء من خلال كشف المستور والعلني في العمل الحكومي والخاص،وتبقى المهمة الاولى وهي محاربة الاستبداد والطغيان الناشيء من الحكومات واجهزتها المختلفة ومن الاحزاب السياسية والتجمعات القبلية وعصابات المافيا المختلفة.


يصدر التقييم السنوي ومنذ سنوات عدة عن منظمة مراسلون بلا حدود التي مقرها في باريس،واحيانا نتائجها تكون مثيرة بحيث لاتقبل مجال من الشك في نسبية صدقيتها او حجم دقتها خاصة انها صادرة من تقييمات الكثير من المراسلين الاقليميين في العالم ومن المنظمات المتعاونة معها في هذا المجال والتي تختلف وجهات نظرهم بالطبع عن غيرهم للحالات التي يصادفونها في مجال عملهم الاعلامي، والاكثر تأثيرا في اصدار النتائج في هذا التقرير هو الخضوع لرأي سياسي او فكري معين مما يسبب تأثيرا بالغا في خطأ التقييم الذي لا يراعي الاراء الاخرى والتي قد تعطي صورة مخالفة لما ينشر!...


التقييم يعطي صورة عن حجم الحريات الصحفية ولا يعطي نهائيا اي تقييمات اخرى كجودة الانتاج المعرفي والتحليلي من الصحافة والتي هي تشمل كل وسائل الاعلام بما في ذلك خدمة التدوين التي ظهرت اهميتها من خلال شبكة الانترنت خلال السنين القليلة الماضية...


من خلال الاطلاع على نتائج السنوات الماضية،يظهر لنا وبوضوح تام مدى الاختلاف في ترتيب الدول في التصنيف،وهو طبعا يظهر من خلال تقييم الفترة الزمنية الدورية لتحسن الوضع في بلد ما او بالعكس،ولكن الغريب في تقارير تلك المنظمة في القفزات الكبيرة في تحسن او سوء مرتبة دولة معينة والذي يكون سببه كما تقول المنظمة تقارير مراسليها والمنظمات التابعة والمتعاونة معها في هذا المجال والتي تنشر في موقعها الالكتروني ووسائل اعلامها الاخرى...ولكن عند الاطلاع على تلك التقارير يتبين لنا وبدون ادنى شك ان الرؤية التحليلية المبنية على اساسها تغيير وضع الدولة المعنية،هو لا يطابق بصورة كاملة تلك القفزة البهلوانية في الترتيب والتي تكون عادة في اثناء ازمات حادة مفاجئة كالانقلاب العسكري او وضع الاحكام العرفية تحت التنفيذ ! ولكن عندما يتعلق الامر من خلال وضع صحفي ما او تعرضه لاعتداء او سجن او اتهام وما شابه ذلك، فذلك لايبرر نهائيا اي قفزة تراتبية بأي شكل من الاشكال... نعم قد يكون هنالك تغير في الترتيب ولكن بصورة تدريجية ومن خلال مراتب قليلة وكذلك عند وضع التحسن ايضا يكون الحديث بنفس الوضعية في التقييم،ولنعطي مثالا بارزا في تصنيفي المنظمة لعامي 2008 وعام 2009 ...


المرتبة المعطاة لاسرائيل في عام 2008 هو 46 وقد قفز الى الرقم 93 مما يعني تدهورا هائلا في الحريات الصحفية فيها!...هذا القفز الذي يبرر في التقرير لما حدث في قطاع غزة ابان الحرب عليه في بداية عام 2009 والتي منعت وسائل الاعلام من تغطيتها او اتخذت اجراءات عقابية على بعض المراسلين بسبب خرق الاوامر...هذه الاسباب لا تعطي بتاتا اي مبرر لتلك القفزة الهائلة في التدهور والتي وضعت الدولة العبرية في مصاف اقل الدول منحا للحريات الصحفية داخل حدودها،بل هذا يعطي للمراقب مدى عدم دقة التقرير وصوابية ترتيب الدول فيه من خلال عدم اتباع منهج عقلاني في الاختيار وفق اسس سليمة وهادئة...نعم ان تلك الحرب وما رافقها من تقييد للحريات الصحفية هو تدهور للحرية الصحفية ولكن هذا مؤقت تبرره اسباب الحروب المعتادة للتغطية على الجرائم التي تتخللها ثم ان ذلك لايؤثر سوى بصورة قليلة على وضعية الحريات في الداخل مما يعني ان تغيير الرقم اذا صح الاول وهو 46 فأن مقدار التدهور يكون بدرجات قليلة وليس بمقدار يفوق 47 درجة في سنة واحدة!! تلك خرافة لايمكن تصديقها خاصة عندما نرى في التقرير ان غالبية الدول العربية وبعض الدول الاخرى التي تحكمها نظم مستبدة تفوق في المرتبة، اسرائيل! والحقيقة التي لايجادل بها اي شخص ان الحريات الصحفية الموجودة في داخل اسرائيل فقط طبعا الى الان تفوق بالجملة والتفصيل جميع الحريات الصحفية الممنوحة للاعلام العربي! ويمكن لغاية الان رؤية كيف تحاكم وسائل الاعلام الاسرائيلية جميع المسؤولين في الدولة وتخضع حياتهم الشخصية للمراقبة وتخضع الاجهزة الامنية كل مشبوه بتهمة الفساد كما جرى لرئيس الوزراء السابق اولمرت وكل ذلك بفضل ما تتمتع به وسائل اعلام الدولة العبرية وما تعرضه للرأي العام فيها وما لا تتمتع به وسائل اعلام الدول الاخرى الموجودة في مقدمة التصنيف!...


هذا يعطي لنا مثالا للخلل الموجود في التصنيف المشهور!...


المثال الاخر والذي يثير الانتباه هو وضع الكويت في مرتبة رقم 60 بعد تحسن طفيف وهذه المرتبة هي الاولى عربيا وقبل لبنان الذي تقدم قليلا!...هذا التقييم يخالف الواقع الذي يعرفه الجميع من كون الحريات الصحفية في لبنان هي الاولى عربيا ومن خلال تاريخ طويل وعريق ولا توجد قوانين تقيد تلك الحريات الا بصورة استثنائية ويساعد الوضع الطائفي على ذلك التنوع بمعنى عدم خضوع الجميع لفئة معينة، فالتنافس قائم على اشده بين الجميع،وبالتالي فأن تقديم الكويت عليها رغم انه فارق درجة الان وست درجات العام الماضي غير واقعي،لان واقع الصحافة والاعلام في الكويت هو مقيد بكل معنى الكلمة ولا تختلف عن الدول المجاورة لها،بمعنى ان وسائل اعلامها لا تستطيع مسائلة الامير وافراد اسرته فضلا عن بقية المسؤولين الاخرين ومن تكون له مكانة هامة في المجتمع كبقية الدول العربية الاخرى ويمكن ملاحظة تهديد الامير قبل صدور التقرير بفترة قصيرة بكونه مستعد لوضع البلاد تحت الاحكام العرفية اذا ساء استخدام الحريات البرلمانية والاعلامية في البلاد وبالتأكيد يقصد تعرضها للحكم الحالي ومسائلته او وصولها الى حالة الفوضى الغير واقعية لحجم البلاد وقدراتها! فتلك خطوط حمراء دائمية لا يجوز تجاوزها بتاتا! اما مانراه من حريات موجودة في الصحافة وبقية وسائل الاعلام فهي مؤشر معاكس الاتجاه لقانون الحرية الليبرالية المعروف:اعمل ما شئت دون التعرض للاخرين بسوء!...اما قانون الليبرالية الحالي في الخليج والذي تطبقه بأعلى درجة من الدقة وسائل اعلام الكويت ثم بعدها بفارق، قطر والسعودية، فهو القانون الجديد:اعمل ما شئت للاخرين دون التعرض بشيء لنفسك!...والمقصود لنفسك يعني الخاص والعام سواء حكومتك او ابناء شعبك الا في حالات استثنائية لبعض الاشخاص او الفئات المغضوب عليهم ! فهو كما نلاحظ قانون غريب وواقعي ولكنه غير مكتوب ويمكن رؤيته وتلمسه من خلال وسائل الاعلام المقروئة والمسموعة كمثال نموذجي عليه!. بمعنى انه يمكن لك ان تتعرض للبلاد والشعوب الاخرى بأي شيء حتى ولو كان تحقيرا وتكفيرا وسبا وشتما واستهزاء بالخصوصيات الشخصية للشعوب المخالفة لهم مع الحط من القيمة الانسانية وتحريف الحقائق والوقائع دون ان يكون هنالك رادع قانوني اوعرفي! فتلك بحق هي الحرية الصحفية الفريدة من نوعها والتي لاتمت للعمل الاعلامي والحريات بشيء!...وهذا هو تقييم منظمة مراسلون بلا حدود لتلك الحريات سواء في الكويت او في دول شبيهة بها مثل قطر(قناة الجزيرة تفعل ما تشاء دون الخوض في الداخل القطري!) وغيرها رغم انها وضعت السعودية المشابهة لهما في ادنى المراتب وبصورة شبه دائمية وذلك لا غبار عليه! ولكن احتجاج وسائل الاعلام السعودية والممولة منها ان الحريات الموجودة فيها مشابهة لما موجود في الكويت او قطر!،فذلك صحيح ولا نعلم لماذا تجاهلت المنظمة ذلك في تقريرها! ... كما ان الصحافة في الكويت هي لاتختلف عن اي قطاع انتاجي او خدمي من حيث كون الغالبية الساحقة للعاملين فيه من دول اخرى لاتحمل بصمات الدولة المختارة في التصنيف ولا نرى سوى رؤساء تحرير وبعض المدراء والكتاب الاخرين من الجنسية المحلية! وهم بالطبع قلة ضئيلة... ويمتاز غالبية الكتاب بكثافة الكم مع ضعف واضح في النوعية يتبين ذلك من خلال استخدام مفردات اللهجة المحلية الغير منتشرة في خارج البلاد بصورة مكثفة حتى انتشرت في البلاد مقولة: من ليست له مهنة فليعمل كاتب،على اعتبار مهنة لاتحتاج الى شيء! مما ادى الى محاولة الدولة اصدار قوانين من قبيل منع مشاركة موظفيها في ذلك السلك السهل!وقد جوبهت تلك المحاولة بمعارضة شديدة! كذلك تمنع وسائل الاعلام من نشر كل مايمس الدولة او الرأي العام السائد والتي تخالفهم حتى ان مجلة عريقة كالعربي والتي كانت شبه مستقلة بفضل رؤساء تحريرها السابقين من مصر والذي ساعد على نشر دعاية مشرقة للكويت في الماضي مثل عمل القنوات الفضائية الان، تحول بفضل رؤساء التحرير الاخيرين من الكويت، الى بوق اعلامي واضح للحكومة حتى اصبح معتادا وضع صور زعماء الاسرة الحاكمة فيها مع تواجد مادة النشر المؤيدة لهم وابعاد كل ما يعارض ذلك بطريقة تعيد الى الاذهان واقع الصحافة في الانظمة الشمولية من خلال تواجد صور زعمائهم على صدر الصفحات بصورة يومية والزيارات اليومية فيما بينهم!،وهذه الظاهرة موجودة في الصحف المحلية مما يعني ضعف واضح لا لبس فيه لا يستدعي وضع تلك الدولة في قائمة الدولة الاولى عربيا رغم تخلف المرتبة عالميا في الحريات الاعلامية ! ولعدة سنوات ولكنه الاكثر مقبولية بالنسبة الى لبنان،مما يعني ان التصنيف يحتوي على اخطاء فادحة لاتغتفر!...


وضع مصر وهي الدولة العريقة في ميدان الصحافة والاعلام ،هو بالتأكيد محزن لكونه بائس وفي ادنى المستويات وبصورة شبه دائمية (المرتبة 143 من 175 في التقرير ) ولا يساعد على تحسين صورة البلاد في الخارج ،وهذا نتيجة للحكم الاستبدادي الطويل والذي تميز بتقييده الحريات بصورة عامة مما يجعل الكثير من الكتاب والعاملين في السلك الاعلامي يتجهون الى بلاد اخرى خاصة دول الخليج والتي لا تستطيع بناء اعلام متميز دون الاستعانة بالخبرة الخارجية وخاصة المصرية واللبنانية، وبذلك يسود الاعتقاد ان كل ما تنشره وسائل الاعلام المصرية الحكومية هو غير مطابق للحقيقة بأي صورة كانت ولذلك تستمر الدولة بدعمه لكونه لايستطيع العيش بأستقلالية مادية،ومن يجازف في نشر كل ما يعارض النظام فمصيره الحصار والتشويه كما في الانظمة الشمولية الاخرى التي تنافس مصر في شدة القمع وليس في الحريات!...


وضع العراق ضمن المراتب المتدنية(145) هو غير واقعي لكون الحريات الاعلامية الموجودة فيه الان واسعة لدرجة وصلت الى حد الفوضى المفرطة! ولا ينافسها احد فيه ولكن لبنان فيه حرية منظمة الى حد ما مع افضلية في الاستقرار، ولكن وضعه في تلك المرتبة المتدنية هو جاء نتيجة لتدهور الوضع الامني فيه منذ عام 2003 وبذلك يمكن القول ان ذلك العامل رغم اهميته الكبيرة الا انه لايبرر بصورة كبيرة ذلك التقييم الذي يجب ان يلاحظ حجم الحريات الفوضوية بحيث اصبح تدخل فئات اخرى مسلحة امرا معتادا للحد من قدرته رغم الرفض الشعبي لذلك السلوك، ويمكن مشاهدة الحجم الكثيف لعدد وسائل الاعلام المختلفة والحريات في التعرض لاعلى المستويات في الدولة رغم جدية المخاطر الامنية التي هي طبيعية في نظام سياسي جديد بني على اعتاب حقبة سوداء طويلة من الديكتاتورية الشمولية، والغريب في تقرير سنة 2002 عندما كان النظام السابق موجودا،هو وضع العراق في مرتبة اكثر تقدما من الحالية رغم انعدام اي وجود للحريات مع شدة القمع الداخلي السري مما يعني ضعف واضح في التقييم ينبغي ملاحظتها واصلاحها في السنوات القادمة والا اهمل التصنيف واصبح بدون اي جدوى حتى في قراءته!...


تقييم الكثير من الدول يخضع ايضا لحالات العداء للنظام السياسي كما هو ملاحظ في حالة ايران من خلال استقراء وضع الحريات لحالات فردية من الاعتقال،ورغم ان ذلك يجعل وضعها في التصنيف متأخرا الا انه ليس بعد دول عديدة هي اسوأ بكثير من وضع الحريات الصحفية في ايران ولكنها تختلف في مدى علاقتها الوثيقة بالغرب او سرية اجراءاتها القمعية ويمكن ملاحظة ذلك في التصنيف!...


الملاحظ في التقرير هو اختصاص المراتب العليا في دول مستقرة لفترة طويلة في نظامها السياسي والاجتماعي،وهي اغلبيتها صغيرة ولا يوجد لديها احتكاك خارجي مع دول اخرى،وتمتاز بالالتزام بالليبرالية الفردية وتقاليدها العريقة ،ورغم ذلك فأنه ايضا خاضع للنقد والخطأ كما هو ملاحظ في حالة آيسلندا التي حصلت على المرتبة الاولى عام 2008 ثم المرتبة 9 في عام 2009 واكثر الظن انه يعود ذلك لشدة الازمة الاقتصادية المالية التي تعرضت لها،الا ان ذلك لا يبرر وضعها في تلك الدرجة لان الحريات الصحفية لم تتغير الا بصورة طفيفة جدا او في حالة الدانمارك التي حصلت على المرتبة الاولى واكثر الظن انها حصلت عليها لصمودها امام العالم الاسلامي من خلال تمسكها بحرية صحافتها في نشر الصور المعادية لنبي الاسلام محمد (ص) رغم ان ذلك ليس حرية مطلقة مادام هو يتعرض لعقائد الاخرين ومقدساتهم بينما في المقابل تمتنع او قد تخاف من طائلة القانون اذا تعرضت لحادثة تاريخية مثل انكار مذبحة الهولوكوست او التقليل من اعداد الضحايا فيها! رغم ان ذلك ليس بقدسية العقائد او حجم الحضور البشري في الحالتين،وهذا يجعلنا امام واقع مريب في التصنيف كونه يعتمد على عوامل ضاغطة مثل العداء السياسي او الديني او فردية مثل اعتقال صحفي واحد او اغتيال آخر مشبوه،فهي ليست من القوة التي يجعلها تمحو العوامل الاخرى والتي لم تتغير او تجعل المراتب التصنيفية تقفز بقفزات اقرب للبهلوانية الجنونية!...


بينما في حالة اخرى،نلاحظ في التصنيف ان الكثير من الدول الكبرى او ذات الحجم السكاني الكبير مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل وغيرها،هي في مراتب ادنى في التصنيف مما يعني ان الوضع الداخلي بما فيه الامن والتنوع البشري والرغبة في المحافظة على القوة مع السياسة الخارجية هو مؤشر كبير ومؤثرعلى وضع الحريات الصحفية في الداخل والتي هي جزء من الحريات العامة التي تقل كلما كانت تلك العوامل ضاغطة عليها .


في التصنيف اخطاء كثيرة وبعضها فادح! بحيث نرى دول كثيرة يكون وضع الحريات بصورة عامة ضعيف الى درجة متعارف عليها،وهي في مراتب اعلى من دول اخرى يشاع عنها انها دول ديمقراطية وتحترم الحريات الصحفية،ولكن كما هو ملاحظ اثر التقييمات الفردية والجماعية والتي تخضع لاهواء شتى في اصدار هذا التصنيف البعيد عن الموضوعية الى درجة كبيرة رغم انه يدعو الى نشر الحريات الصحفية في العالم والدفاع عن قضايا الصحفيين في كل مكان وهو جهد عظيم بلا شك وذو قيمة عالية يندر وجودها، الا ان ذلك لا يؤثر على بتاتا على اصدار هكذا تقرير غير واقعي او مشوه رغم بعض الجوانب الايجابية فيه!...


المحافظة على حيادية تصنيف ما وجعله ذو قيمة علمية وادبية رفيعة يجب ان تكون خارجة عن نطاق التقييمات الفردية او على الاقل تحد منها وتحاول مستقبلا تجاوز الاخطاء التي هي من السمات الطبيعية للعمل البشري وبدون الاخطاء رغم فداحتها غالبا،فأن البشرية لن تتطور نحو الافضل في كل شيء!...

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثامن والاربعون

التاريخ التركي الحديث احتوى على الكثير من التغييرات الفوقية التي قامت بها الطبقات المنتمية تحت لوائها وخاصة المؤسسة العسكرية...



حالات التغيير الفوقي التركية:


حاولت الكثير من المجموعات الدينية والعرقية والسياسية وخاصة اليسار تغيير تلك التشوهات الظاهرة في الحكم والشخصية التركية بعد الحكم الكمالي الذي استغل تحريره البلاد فعمل على قولبة المجتمع بقالبه الفكري الخاص به بقوة القمع والارهاب،الا ان تلك المحاولات من جانب القوى المناهضة رغم نعومتها احيانا جوبهت بقمع وحشي جعل الجميع امام حالتين:اما حمل السلاح والمقاومة العنيفة كما حدث للاكراد واليساريين،وهم بالطبع اقلية! او في حالة الاغلبية التي انقسمت بين مقاومة سلمية او تقبل للامر الواقع كما حدث لشعوب الكتلة الشيوعية القريبة من تركيا،منتظرين الفرصة المناسبة للتغيير سواء داخليا او خارجيا خوفا من السيف المسلط وارهابه الفكري!...


اول المحاولات الحقيقية للتغيير جاءت من مجموعة تنتسب اساسا للحزب الحاكم بعد رحيل اتاتورك،انشقت عنه عام 1945 لتكون حزبا جديدا اشترك في الانتخابات العامة التي حصلت في البلاد عام 1946 بعد بدء الانفراج السياسي الا انهم لم يحصلوا سوى على عدد محدود من المقاعد ،وكانت المجموعة بزعامة عدنان مندريس وجلال بايار،وكانت تحمل فكرا ومنهجا متحررا عن الفكر العلماني المتشدد في تركيا ورغم انهم ليسوا من اسلامي الفكر الا انهم كانوا يميلون الى الانفتاح والتغيير والسماح بالحريات العامة مع التواصل في سياسة التحالف مع الغرب للحافظ على البلاد من التمدد اليساري الذي اجتاح العالم ابان تلك الحقبة الزمنية.


في عام 1950 فاز حزبهم الجديد(الحزب الديمقراطي) بالاغلبية الساحقة في الانتخابات واصبح جلال بايار رئيسا للجمهورية واصبح عدنان مندريس رئيسا للوزراء،وعندها بدؤا العمل بأنتهاج سياسة تختلف عن التطرف القومي العلماني، وهي اساسا غير مهددة للحكم العلماني بل هي داعمة للحكم الديمقراطي من خلال السماح بأبسط الامور التعبدية من قبيل قراءة القرآن والآذان باللغة العربية والتخفيف من القيود على التدريس الديني وغيره،مع التركيز على التنمية الاقتصادية الى غيره من الاجراءات الضرورية للتحديث،وقد استمروا في حكم البلاد لثلاث فترات انتخابية حتى قام الانقلاب الدموي الاول عام 1960 بواسطة المؤسسة العسكرية الكمالية وبتحريض وتأييد من اتباعهم المدنيين في المجتمع والدولة! في نكران واضح لابسط مقومات الديمقراطية في ضرورة الحفاظ على الدستور والحكم المدني المنتخب شعبيا والذين هم غير اسلاميين اساسا! ،وبذلك فقد العلمانيون المسيطرون على تركيا كل احترام وتقدير بعد ان وضعوا على المحك الحقيقي في ضرورة التحكيم الشعبي،واثبتوا للجميع انهم استبدايون لايختلفون عن الكثير من الحركات القومية المتطرفة المعادية للتحضر الحقيقي برغم الادعاء بلبس لباسه!..


كان ذلك الاجراء التعسفي الفوقي الاول في تركيا الجمهورية،وكانت العودة الى الاجراءات القمعية الوحشية هي المؤشر الحقيقي لهمجية الحاكمين الجدد من الجنرالات،وكانت اولى اجراءاتهم هي اعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس وزملائه وسجن رئيس الجمهورية في محاكمات صورية سريعة فاقدة للشرعية مع صمت مطبق وتجاهل من قبل العالم الخارجي وخاصة الغرب الموالي!...


ورغم عودة الحكم المدني بعد بضع سنوات الا ان الانقلاب الثاني كان قد حدث عام 1971 وهو موجه بالاساس ضد اليساريين واغلبيتهم من الماركسيين والذين يريدون تغيير الحكم اليميني الى حكم اشتراكي يختلف بالطبع عن نهج الجيش!...


ولم يستمر طويلا حتى عاد الحكم المدني وعادت معه الصراعات المسلحة بين مختلف اجنحة الفكر السياسي في تركيا وخاصة بين القوميين الكماليين واليساريين بصورة رئيسية اما الاسلاميين فكانوا ضعفاء النفوذ بسبب الاجراءات القمعية الطويلة التي طبقت ضدهم،وقد تحول الصراع من سياسي الى دموي حتى وجد العسكر وهم حراس الحكم القومي الكمالي تلك هي فرصة ذهبية للقفز على الحكم من جديد فقاموا بانقلابهم الثالث عام 1980 والذي استمر لغاية عام 1983 وهو تاريخ عودة الحكم المدني ولكن بشروطهم وتحت سيطرتهم من خلال فرض دستور وقوانين لصالحهم ،مما جعل الحكم الحقيقي للبلاد باق بيد المؤسسة العسكرية التركية التي فرضت وصايتها على الشعب التركي من خلال تدخلاتها المستمرة في السياسة وكان من ابرزها اسقاط حكومة الاسلامي نجم الدين اربكان وعودة المدنيين الكماليين بدعم من الجيش،حتى سقوطهم المخزي في الانتخابات العامة عام 2002 والتي اوصلت البلاد الى حافة الانهيار بفضل الفساد المستشري بين صفوف القوميين العلمانيين بالاضافة الى نهجهم الديكتاتوري في الحكم والذي جعل الاغلبية تبتعد عنهم كثيرا بأتجاه الاحزاب الاسلامية المعتدلة واليسارية الاخرى...


حكم البلاد الاسلاميون الجدد منذ عام 2002 بزعامة اردوغان وغول ،وهم معتدلون وحذرون جدا في منهجهم العملي تجنبا لغضب المؤسسة العسكرية! ،وقاموا باجراءات جذرية مختلفة في حكمهم وخاصة في منح المزيد من الحقوق المدنية والدينية واتباع سياسيات اقتصادية جديدة اثمرت تقدما باهرا للبلاد والتي جعلها في خلال 3 سنوات فقط تتمكن من مضاعفة الدخل القومي!وكذلك في اتباع سياسة جديدة تجاه الجيران المسلمين تتمثل في اقامة افضل العلاقات وعلى كافة الاصعدة واخضاع تحالفها المطلق مع الغرب الى مصالحها الاستراتيجية مع العالم الاسلامي،وقد حققت تلك السياسات نفوذا هائلا لتركيا في العالم الاسلامي مع نجاح منقطع النظير في تمتين العلاقات،وكان من اهم ما تميز به قادة الحكم الجديد عن سابقيهم من الكماليين هو النزاهة والابتعاد عن كل مظاهر الفساد مما جعل الناخبون من مختلف الشرائح مستمرون في دعمهم...


لم تحقق الانقلابات العسكرية للعلمانيين الكماليين اي تغيير حقيقي في البلاد،بل دائما تكون كابحا رئيسيا لعجلة التطور،وقد اشتهروا في فسادهم المالي وتخبطهم في السياسات المختلفة وخاصة في الاقتصاد مع الاستمرار في نهج معاداة المحيط الاسلامي الذي هو الحاضنة الحقيقية لتركيا وليست اوروبا التي لها تراث معادي وطويل مع الاتراك،كذلك اشتهروا بقمعهم لمختلف القوميات وخاصة الاكراد والعرب والارمن وغيرهم،مع حرمانهم من ابسط حقوقه المدنية!...وكانت نتائج اعمالهم هي خلاصة الفكر الهزلي الذي يعتقدونه والذي يمتاز بالعنصرية والترفع على الاخرين وخاصة الشعوب التي حكمها الاتراك!...


من خلال التغيير السلمي الديمقراطي في تركيا،حققت البلاد تقدما في كافة الاصعدة وجعلت منها نموذجا جديدا رغم ان المؤسسة العسكرية والتي تمتاز بضخامة عدد افرادها وقسوتها ونفوذها،تشكل خطرا دائما على الديمقراطية في تركيا،مما يعني انه بدون عمل اي اجراءات لتغيير تلك المعادلة وتحجيم قوتهم الى المستوى الطبيعي في اوروبا ، فأنه يصبح الاستقرار الطويل الامد املا بعيد المنال ... بل مصيره مجهولا!...


2009/10/21

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع والاربعون

ان تحرير البلاد والشعوب من نير الاحتلال والاستعباد وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك هو امر يثير الاعجاب والاشادة به ايا كان مصدره،ويبقى في الذاكرة الحية الى الابد...لكن تحويل النصر الى اداة بغية عمل نصر مشوه آخر على عدو خرافي ويتمثل بالعقيدة الدينية والاجتماعية والفكرية لشعب ما هو الا تحول حقيقي الى احتلال واستعباد اخرين جديدين لاتقل اهميتهما عن الخطر الاول ولا يقلان تدميرا عنه،والعمل الاول لايبرر مطلقا القيام بالعمل الثاني ايا كانت المبررات وقوة الحجج المستندة لها!...



الافة الكبرى للحركات السياسية والعسكرية والفكرية والدينية هي انها بعد تاريخ طويل من الجهاد والنضال في سبيل الحرية والعدالة والمساواة والانتصار على القوى الاستبدادية والاجرامية بمختلف فروعها وطبقاتها،هي انها تتحول بعد وصولها الى السلطة،الى سلطة غاشمة جديدة تتحول الى دموية تأكل ابناء الثورة في البداية! لذلك قيل( ان الثورة تأكل ابنائها!)،ويتحول الحكم الى نوع جديد من الاستبداد المتمكن والمستحكم بالمصائر،يختلف عن الاول بالفكر والاسلوب،ويتحد معه في المضمون والنتائج الكارثية التي تنتهي في الغالب الى ديكتاتورية فردية او جماعية وحشية تكون سطوتها اشد قسوة على الشعوب من الاولى التي تصبح في النهاية اسيرة لها وتتمنى الذاكرة الحية العودة الى المربع الاول برغم مساوئه! والاكثر ألما وحزننا عندما تبدأ تلك الدكتاتوريات بالتحول الى وراثة سياسية حقيقية تتميز بالخواء الفكري والاخلاقي كما حصل في كوريا الشمالية وكوبا وبلاد العرب!...


تركيا الكمالية لم تشذ عن تلك القاعدة،بل كانت نموذجا مثاليا في الديكتاتورية العسكرية حتى اصبحت حجة رئيسية للاتحاد الاوروبي لرفضه الانضمام اليه رغم التوسلات الطويلة والمستهينة حتى بالكرامة الوطنية والشعور القومي والانتماء التاريخي العريق !،وبذلك استحقت النبذ الطويل والابعاد برغم تكرار تلك المحاولات المستمرة التي طال امدها.


عمل مصطفى اتاتورك ومؤيدوه وخلفائه وحماتهم ابناء المؤسسة العسكرية الاضخم عددا في اوروبا بعد روسيا! على الغاء اي صلة لتركيا بمحيطها المجاور العربي والشرقي!، وبماضيها العريق وتاريخها الطويل،وبعقيدتها الدينية التي هي حق شرعي وقانوني وانساني للشعوب،وذلك بأستخدام القوة والارهاب والقمع الوحشي الذي طال عددا كبيرا من الابرياء الذين لحد الان لم تعاد لهم كرامتهم المهدورة من خلال اعادة الاعتبار لهم! بينما مازال الجميع يركع بوعي او بدونه للقاتل الاله الذي تحول من وطني منتصر الى ديكتاتور جديد بقي في الحكم حتى وفاته في سن مبكرة بفضل شربه المفرط للكحول وفساد اخلاقه!...


ان الدعاوى الفارغة للكماليين تتلخص بكون الدولة العثمانية وارتباطها بالشرق المسلم وصولا الى كون طريقة الملبس والاكل واللغة وكتابتها والعبادة وغيرها من الامور الشخصية والتي هي من مرتكزات حقوق الانسان الرئيسية، سببا في تأخر تركيا عن الغرب المتفوق الذي لا يعير لتلك الاشياء اية اهمية ولا يرتبط بها بأي صلة!..


فأي علاقة بين التقدم والتأخر بين طريقة كتابة اللغة التركية بالحروف العربية وتغييرها الى اللاتينية؟! واي علاقة بين طريقة لبس الطربوش ومنعه؟! او منع رجال الدين من لبس زيهم التقليدي واجبارهم على الزي الغربي او قتلهم في ابادة جماعية في امتحانات مهينة للكرامة الانسانية والعقيدة الدينية او منع النساء من لبس الحجاب واجبارهم على السفور الفاضح؟!.. بطريقة تثير الاشمئزاز والاستنكار(تصل الى حد المنع من دخول المدارس والجامعات والمستشفيات للعلاج!) ،حتى في دول الغرب العلمانية البعيدة عن الدين ولكنها تقدس الحرية الشخصية وترى فيها خطا احمر لا يجوز ابدا تجاوزه لاتوجد تلك القضايا الشكلية الخلافية التي تثير الحساسيات وتشغل المجتمعات في التفكير بأسس عقلانية للتقدم والخلاص من المشاكل الرئيسية المعاصرة من قبيل مشكلة الفقر والجهل والمرض والتلوث البيئي وعمل الثورة التكنولوجية بعد الثورة الصناعية وغيرها...


فأية علاقة بين منع الاذان وقراءة القرآن باللغة العربية وبين التقدم المزعوم؟!.


ليست تلك فقط بل ايضا الاضطهاد المستمر للاقليات في البلاد سواء العرقية منها ام الدينية بقي مستمرا الى درجة حرمان الاقليات للتعبير عن شخصيتها الثقافية المتميزة عن الاتراك بل فرض عليهم اجراءات تتنافى مع حقوق الاقليات في العالم ومنها اعتبار بعضها تركي العنصر او الاصل رغم اختلافه الكبير عن الاتراك او منعهم من استخدام لغتهم الاصلية وثقافتهم المتوارثة ولبسهم التقليدي او شعائرهم الدينية !..


هذه الاجراءات ادت الى معارضة شديدة قمعت بوحشية وسببت الآما نفسية في الجسد التركي لكونها خرق فاضح لابسط حقوق الانسان المتعارف عليها عالميا.


ادعاءات اتاتورك والكماليين من بعده، لا قيمة لها امام العقل والمنطق وتخضع لبراهين فكرية ضعيفة الدلالة والسند ،اثبت الواقع والتاريخ خطأها ،لان اساس التأخر العثماني هو الاستبداد والفساد وهما صفتان انتقلتا بحكم الطريقة في التطبيق الى الكماليين! والتحجر، ولذلك بقيت تركيا متخلفة عن الغرب بعد اجراءات اتاتورك القمعية برغم مرور قرابة قرن تقريبا على ذلك التحول القسري بينما في تجارب كثيرة اخرى تحولت بلاد وبصورة اكثر ديمقراطية وملتزمة بالحفاظ على القيم الدينية والثقافية والتقاليد الاجتماعية والحرية الشخصية ،الى دول متحضرة ومتقدمة اقتصاديا وفي جميع المجالات الاخرى على تركيا وخلال فترة قصيرة رغم تخلفها في بداية النهضة يفوق التخلف العثماني جملة وتفصيلا!...وهناك مثالا بارزا ينير طريق الحرية العقلية امام عقول وقلوب من وقعوا فريسة التأثر بالتجربة الكمالية او التجارب المقلدة لها مثل التجربة البهلوية في ايران او التجربة البعثية او تجربة بورقيبة الى اخره من التجارب الفاشلة التي ملئت الدنيا ضجيجا تبين في النهاية انها عواءا فارغا لا قيمة له من اشخاص ضعيفي الثقافة والتعلم والفهم والادراك !...


والمثال البسيط هو المقارنة بين تركيا واليابان...


فالاولى انسلخت عن محيطها وشخصيتها حتى اصبحت حائرة بغية الرغبة في اللحاق بالغرب بسرعة!،بينما بقيت اليابان بلدا متمسكا بكل دقائق الشخصية اليابانية الاجتماعية بما في ذلك المخالفة للشعوب الاخرى التي تراها تخلفا واضحا لا لبس فيه،بالاضافة الى التمسك بكل القيم الدينية والتراثية قامت بالحفاظ على روابطها الوثيقة بجيرانها رغم هدفها الواضح في التنمية السريعة بغية التفوق على الغرب!،فكانت النتيجة ان الاولى رغم انها لم يلحق بها دمار في الحرب العالمية الثانية مثل اليابان كونها لم تدخل الحرب اساسا بفضل رشوة لواء الاسكندرونة عام 1938!،فأنها بقيت متخلفة الى درجة ان الدخل الفردي الياباني يفوق التركي بأكثر من 15 مرة!! ناهيك عن التقدم الاقتصادي الذي لاينكره الا سفيه لايفهم ! برغم ان العوامل المساعدة الموجودة للتطور في تركيا اكثر منها مما موجود في اليابان من قبيل توفر المصادر الطبيعية ومساحة البلاد الكبيرة وتوفر مصادر الطاقة الرخيصة لدى الجيران ووقوعها بالقرب من اقليم ثرية او متقدمة تستطيع بأستثماراتها تطوير تركيا! كل تلك العوامل المساعدة وغيرها بقيت غير مؤثرة في الحكم الكمالي! لغاية عام 2002 وهو فوز الاسلاميين المعتدلين في تركيا بالسلطة وبدأهم منهجا جديدا مختلفا عن السابق اعطى نتائج باهرة رغم المخاطر الداخلية المحيطة بهم وخاصة من جانب المؤسسة العسكرية الكمالية المعروفة بتقاليدها القاسية وتراثها الدموي والغرب المؤيد لها قلبا والمعادي لها في الظاهر كونه يفضلها على الاسلاميين بمختلف درجاتهم! ...


التمسك بالقيم المتوارثة في اليابان لم تكن كابحا لرغبتهم في التقدم بينما اصبح التحرر من القيم المتوارثة في تركيا كابحا ومعطلا رئيسيا لتقدمها! ...وبينما تركيا اهملت التخطيط العلمي السليم للتقدم وركزت على القضايا الدينية والاجتماعية وبقيت اسيرة الديكتاتورية العسكرية وهي القضايا الرئيسية الحازمة في اي رغبة حقيقية في التطلع الى بناء مستقبل زاهر،في المقابل اليابان لم تكن اسيرة تلك القضايا الهزلية التي تلهيها عن التقدم الحقيقي،ولكنها ركزت على البناء والتخطيط ببراعة مما ادى الى اتخاذها نموذجا مثاليا للامم الاخرى والتي كانت متأخرة عنها في تاريخ الانطلاق من قبيل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وماليزيا وغيرها فكان تلك الدول تمثل المرحلة الثانية من المجموعة الاممية الراغبة في التقدم مع الحفاظ على البناء المتوارث للشخصية الوطنية وقيمها المتميزة عن الاخرين ،وبذلك اصبحت نموذجا مثاليا للمرحلة الثالثة من دول اخرى راغبة في اللحاق من قبيل الفلبين وفيتنام والهند والصين وغيرها...بينما كانت النماذج المقلدة للنموذج التركي الممسوخ،تحصد نفس الفشل الذي حصده الاول دون النظر بعقل وروية لنتائجه والاكثر ألما ان اكثر النماذج المقلدة لتركيا هي في البلاد العربية !! ، بالاضافة الى افغانستان الشيوعية السابقة وايران البهلوية!...


لم تتخلص تركيا من الاستبداد الذي تحول من فردي(اتاتورك) الى جماعي عسكري منذ الانقلاب الاول عام 1960 الا منذ عام 2002 رغم انه مازال للمؤسسة العسكرية نفوذا قويا في الدولة والمجتمع يحاول السياسيون الاسلاميون القريبون من طريقة مهاتير محمد الناجحة في حكم ماليزيا، مكافحته وتقليص تدخله في امور الدولة والمجتمع!...


اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس والاربعون

ج- تركيا:


وهي احدى البلاد الهامة في الشرق الاوسط ،وهي وريثة ماتبقى من الامبراطورية العثمانية التي كانت تشكل مع البلاد العربية لقرون عديدة دولة واحدة تحت حكم سلاطين بني عثمان الذين يحكمون بأسم الخلافة الاسلامية، وكانت عاصمتها اسطنبول ( القسطنطينية سابقا)،وهي جزء من العالم التركي الذي يمتد من شرق الصين ومنغوليا الى اسيا الوسطى مرورا بشمالي ايران والعراق حتى البلقان،ويضم شعوب عديدة تنطق بالتركية بلهجاتها المختلفة وتنتمي الى جمهوريات مختلفة ترتبط برابطة اللغة والاصل...


يتكون شعب تركيا(75 مليون) من خليط غير متجانس من شعوب عديدة تعيش في تركيا الحالية، في حالة مشابهة للبلاد المجاورة مثل ايران والعراق وسوريا وغيرها،ولكن يشكل العنصر التركي اغلبية(70%) مع سيطرته الواضحة على الحكم والمجتمع،والاكراد(22%) والعرب(5%) والالبان (2%) وغيرهم من الشعوب المجاورة لتركيا،والاغلبية الساحقة يتبعون الديانة الاسلامية(98%)، وفق مختلف المذاهب،مع ملاحظة أن الاحصاءات السكانية وبصورة عامة في البلاد الاسلامية لاتعطي معلومات تفصيلة وبدقة حول الانتساب العرقي والمذهبي لاسباب عديدة!...


بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى عام 1918،سلخت منها كل البلاد المرتبطة بها وخاصة في العالم العربي والتي تقلصت ايضا خلال قرون سابقة بعد ان كانت اقوى الامبراطوريات على الارض!،الى ان دب المرض في اوصالها نتيجة الاستبداد والتخلف والتقوقع في داخلهما دون منح فرص للتغيير في عالم يتطور بأستمرار خاصة وانها تجاور القارة الاوروبية التي تحررت من قيود الاستبداد والتخلف والجهل،واصبحت اممها تتسابق في الميادين كافة ومنها ميدان السيطرة العسكرية على مختلف بقاع الارض،مما جعل الاصطدام مع الدولة العثمانية امرا لا مفرا منه بعد ان كانت تحاصر فيينا احدى اهم الحواضر في اوروبا في القرن السابع عشر،تحولت الدولة العثمانية الى ما يطلق عليه لاحقا بأسم الرجل المريض الذي يحاول الاستمرار في الحياة وهو مريض ولكن بدون ادوية ناجعة! فأخذت اقاليمها تسلخ عنها تباعا فكان فقدانها النهائي لامبراطوريتها الشاسعة التي لم يبقى منها بعد الحرب الاولى سوى ما يطلق عليه الان:تركيا!...وبذلك فقدت شمال افريقيا والخليج وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق والقوقاز وبلاد البلقان وشرق اوروبا! على مراحل عديدة...


نتيجة للاستبداد القاسي الممزوج بتخلف حضاري،لم تحاول الشعوب المنضوية تحت راية الخلافة العثمانية الدفاع عنها(ماعدا الشيعة في العراق الذين حاربوا الى جانبها ضد الغزو البريطاني رغم الاضطهاد الشديد الذي تعرضوا له لمدة اربعة قرون بسبب تلبية نداء الجهاد من علمائهم!) وهي اي الدولة العثمانية،كانت تمثل الوريث الشرعي للخلافة الاسلامية وفق المنظور السني لها وكانت تعتنق المذهب الحنفي لكونه يجيز الخلافة لغير القريشي! عكس المذاهب السنية الثلاث الاخرى مع بقية المذاهب الاسلامية الاخرى،ورغم ان العنصر التركي كان المتحكم بأمور البلاد الا ان الاستعلاء على بقية العناصر الاخرى لم يظهر بصورة واضحة الا من خلال انتشار الافكار القومية التركية المتأثرة بأوروبا والتي ادت بدورها الى انتشار الافكار القومية المضادة للشعوب الاخرى المحكومة!بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي،ولكن العناصر المنضوية تحت المؤسسة العسكرية ظلت متنوعة العناصر وحاربت الى جانبها الى النهاية،رغم ان بعضهم في فترة الاسر حول ولائه وبصورة غريبة لصالح المعسكر المنتصر في الحرب،بل بعضهم شارك في الثورات العربية في الحجاز وبلاد الشام،ولذلك بقيت نظرة العربي الخائن ماثلة في الفكر التركي وشائعة في الرأي العام رغم انها اخذت تضعف بمرور الزمن!... وفي المقابل بقيت النظرة الشائعة في الفكر العربي والتصور الشعبي حول الترك والدولة العثمانية انها دولة استعمارية غريبة عن العرب ومستبدة ومتخلفة لا تمت للخلافة الاسلامية بصلة،وايضا تلك النظرة بدأت منذ فترة قصيرة بالضعف دون ان تصل الى التلاشي،وقد يعود السبب الرئيسي الى تحسن العلاقات مع تركيا مع تولي الاسلاميين المعتدلين للسلطة منذ عام 2002.


بعد هزيمتها المنكرة في الحرب، دخلت جيوش الحلفاء اراضي الدولة العثمانية واصبحت البلاد ممزقة ولم يكن للسلطان وحكومته اي سيطرة على البلاد التي تقلصت وتشكل الاناضول القسم الاكبر منها،وكانت تلك الفرصة الذهبية لليونانيين اعداء الاتراك التقليديين للانتقام والاستحواذ على البلاد من جديد بعد ان ازالوا العثمانيين الدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية التي تحول اسمها الى اسلامبول ثم تحور الى الاسم الحالي اسطنبول!...ولم يكن بأستطاعة الدولة وبقايا اجهزتها التنفيذية الحفاظ على الامن في البلاد ومقاومة جيوش الحلفاء الغازية والتي احتلت معظم ارجاء البلاد،حتى ظهر الضابط المشهور مصطفى كمال(1881-1938) الملقب بأتاتورك اي ابو الاتراك ،وهو احد الضباط المشهورين بذكائهم وشجاعتهم في الحرب الاولى والذي قاد جيوش السلطنة المتهالكة الى عدة انتصارات في عدة اماكن وخاصة في شبه جزيرة غاليبولي عام1915 وغيرها من الجبهات الاخرى...تحرك هذا الضابط بمعية مجموعة من الضباط والجنود وقاد تمردا عسكريا عام 1919 واخذ يشن الحروب على جيوش الحلفاء الغازية ،واستطاع ان يجمع عدد كبير من بقايا الجيوش العثمانية تحت قيادته التي امتازت بالشجاعة والجرأة والتخطيط، فحقق الانتصارات المتتالية بحيث استطاع في بضع سنوات ان يطرد جميع القوات الاجنبية التي هزمت في جميع المعارك والتي آثرت ترك البلاد بعد تلك الهزائم المنكرة حتى عقدت اتفاقية لوزان مع الحلفاء عام 1923 التي انهت الحروب واسست لعلاقة متينة معه بعد الانسحاب الكامل!...وكان اهم الخاسرين في تلك الحرب هم اليونانيين الذين فقدوا كل بقايا عنصرهم الذي يعيش في البلاد منذ قرون عديدة،فطرد على اثرها اكثر من مليون ونصف يوناني والتي ردت اليونان بالمقابل بطرد نصف مليون تركي مقيمين في اراضيها(هذه الحروب دائما تترك بصماتها على الابرياء من المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى انتسابهم الاسمي للعنصر الفائز او المهزوم!) وكذلك الاقليات الاخرى مثل الارمن والاكراد وغيرهم...


بعد النصر الكبير الذي حقق الاستقلال للبلاد،لم يكتفي الضابط اتاتورك الذي اصبح رئيسا للوزراء،فقام بطرد الخليفة العثماني الضعيف وبقية افراد اسرته وقام بألغاء السلطنة العثمانية عام 1923،ثم تطور الامر بعد عام الى الغاء الخلافة الاسلامية بشكل رسمي،وتحولت البلاد الى الحكم الجمهوري...


كان اتاتورك والزمرة التي معه معادية بشكل سافر لكل ما يتعلق بالدولة العثمانية ،وبغباء وحقد كبيرين تطور الامر الى عداء دموي وارهابي وفكري للاسلام في ربط خاطئ بين الدين والخلافة العثمانية!بل وكل ما يتعلق بالدين من دقائق، وبذل اقصى الجهود لفصل الاتراك عن جذورهم الدينية والشرقية بطريقة قد يبررها ابناء ذلك الزمان في تصورهم الا ان ذلك الان وبعد مرور عقود طويلة من الزمن والتجارب الكثيرة والنتائج الصادرة منها،اثبتت ان ذلك ليس خطأ كبيرا فقط وانما جريمة اخلاقية وانسانية ودليل على ضعف ثقافي وفكري مع تخلف واضح في عقلية القائمين بها خاصة وانهم من العسكر الذين يكون تفكيرهم مختص بالامور الدفاعية والامنية اكثر مما هو في الامور الفكرية والتنظيمية ،ولذلك اثبتت التجارب العديدة فشلهم اي العسكر في ادارة شعوبهم في وقت السلم بعكس النجاح البارز في وقت الحرب الذي هو جزء اساسي من وظيفتهم وطبيعة تربيتهم ودراساتهم وتفكيرهم المتعلق بها!...


لقد تصور اركان النظام الكمالي في تركيا ان العلمانية هي السبيل الوحيد لتطوير تركيا واللحاق بالغرب المتفوق،وكان تفكيرهم حول العلمانية شاذا وتطبيقهم مشوها واكثر شذوذا ! وزاد ذلك من الامر سوءا خاصة في ظل استخدامهم لاقبح الوسائل واكثرها اجراما مما جعل نظامهم ارهابيا دمويا بكل معنى الكلمة برغم التضليل الاعلامي الطويل الذي مارسته الدولة التركية ومؤسستها العسكرية التي هي الحاكم الفعلي في البلاد منذ استيلاء ابنها البار مصطفى كمال اتاتورك على السلطة،بحيث اصبح هم تلك المؤسسة الهامة ان تطبق اراء وافكار ذلك الرجل واتباعه رغم وضوح فشلها وجهلها بالحقائق الفكرية والتنظيمية للتطور بدلا من التركيز على المهمة الرئيسية وهي حماية البلاد والامن القومي ،ولذلك بقيت تركيا بلدا متخلفا بكل معنى الكلمة رغم الامور الشكلية من التحرر الديني والاخلاقي الذي عملته بالقوة والارهاب بدعوى انه السبيل الوحيد للتطور! مما شجع على انتشار الفساد بكل ابعاده في صفوف السلطة واتباعها يساعدهم في ذلك القوة الاعلامية وآلة الدولة الاقتصادية والتي جعلت الجميع منذ بداية رحلة حياتهم الطويلة منذ الصغر وحتى انتهائها يسيرون بدرب العبادة المضحكة والمبكية في آن واحد لهذا الفكر الهزيل الذي يدعى الفكر الكمالي!! الذي لايختلف عن الفكر القومي بمختلف مدارسه المختلفة من غربية او عربية بأسسه الفكرية الضعيفة وفقرها التنظيري الى تطبيقاتها الدموية والتدميرية!!...

2009/10/16

خطوة في الاتجاه الصحيح

خطوة في الاتجاه الصحيح:


الحملة التي اطلقها مجموعة من الكوادر المثقفة الحرة من الشعب المصري ضد توريث ابن الديكتاتور العسكري الثالث،هي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح وتعبر عن وطنية والتزام ممزوجة بشجاعة تجاه الوطن الجريح،خاصة وان النظام المصري هو من اشرس الانظمة العربية واكثرها فسادا وتمرسا في مكافحة المعارضة وتمزيقها ايا كان نوعها! ويمكن رؤية المعارض الشجاع ايمن نور والذي حاول النظام الغاءه من الخارطة السياسية وتشويه تاريخه النضالي،كنموذج مثالي للصلابة الوطنية المصرية الجديدة التي تستحق ان تحكم البلاد وحسب الرغبة الشعبية ولفترات قانونية محددة...لذلك فأن تلك الزمرة المكافحة التي انطلقت وبذكاء في يوم تولي الحاكم لحكمه اللاشرعي الطويل ولتعبر وبتفاني مطلق في سبيل حرية الشعب،هو مجهود كبير ورائع بكل معنى الكلمة،لا يتصور قيمته الا من عرف مقدار الهلاك والدمار الذي يحدثه الاستبداد...واي استبداد اقوى واحط من الاستبداد العربي! ذلك الذي لايترك اي مجال للمواطنة الحرة في العمل من اجل بناء الوطن وسعادة شعبه عن طريق خدمته بأخلاص كامل ونزاهة مطلقة لامجال للفساد في النفوذ الى داخل العمل الوطني الشريف الذي يكون من ابرز سماته الايمان بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وبكل ما يتعلق بتلك القيم العالية من تفاصيل هامة تدخل في شتى فروع الحياة الطبيعية للانسان...


ان قيام الرموز الثقافية والاكاديمية المعارضة في تلك الحملة المعارضة للتوريث، هو تطبيق عملي طبيعي لما يفرضه العلم والمعرفة من واجب على الفرد المتمكن من جواهرهما النفيسة والتي تنير دروب الحياة بطريقة تعطي للانسان معنى مطلقا وصادقا لا مجال فيه لمسخه وتحويره الى صنم ناطق! ...تلك هي زكاة العلم والمعرفة: قول الحق ايا كان نوعه وتحت اي ضغط يمكن يهلك او يتعب القائل !...


من الواجب على القطاعات الشعبية في مصر مساندة تلك الكوادر المثقفة المتقدمة لصفوف المعارضة لنظامه المستبد...تكفي تجارب الستة عقود الماضية الفاشلة المتنقلة من اقصى اليسار المشوه الى اليمين الكاذب ،والتي تستطيع ان تخرس ألسنة السوء التي انطلق بعضا منها وبوقاحة دالة على تابعية انتهازية مطلقة في خدمة تلك العصابات الحاكمة...


من خلال تلك التجارب الوطنية يمكن لغير العارفين بكوامن الاشرار والانتهازيين ،ان يميزهم وان يغربلهم عن غيرهم من الاحرار،من خلال المشاركة في الصف الوطني او العمل في الصف الاخر المستحكم بكل مقدرات البلاد والتي توفر له حياة رغيدة له!...من لا تتوفر لديه المقدرة المعرفية في التمييز،اوجدت له الظروف الان القدرة للمعرفة المجانية البسيطة...فليركب البسطاء والمترددون سفينة النجاة المتينة ،ويتركوا سفينة الطغاة والفاسدين المتهالكة والتي مصيرها الغرق بكل تأكيد في بحار الظلمات...فطوبى للناجين من الطوفان!...

2009/10/13

المدونة الثانية

المدونة الثانية:


مرت فترة طويلة على المدونة، لم استطع خلالها اضافة الفايلات الحاوية للوحات الفنية او الصور او فايلات برنامج الورود او اي شيء من هذا القبيل...كان رد موقع مكتوب هو ان الحد الاقصى لحجم المدونة الواحدة هو 100 ميغا بايت!...وهو بالاضافة الى انه رقم متواضع فأنه غير صحيح لانني حذفت الكثير من الفايلات القديمة ذات الاحجام الكبيرة دون ان يؤثر في تغيير القيود المفروضة التي اصبحت عائقا رئيسيا في تطوير المدونات!...


تحديد الحجم بذلك الرقم المخجل اصبح الان دليلا واقعيا اضافيا على ضعف الموقع التقني ورغم وجود الكثير من المدونات الميتة او التي هي في حالة من الغيبوبة الطويلة! اي المدونات المتروكة لفترة طويلة والتي من المحتمل ان تأخذ حيزا في قدرة الموقع الخزينية،الا ان ذلك العدد الكبير لم يؤثر في منع انتشارها بهذا الشكل المفزع!وكأن الموقع يشجع على تلك الظاهرة الغريبة التي تضعف التدوين بلا شك،بل وتحفز الاخرين على سلوك طريقه الغريب!من خلال تحجيم المدونات المستمرة منذ فترة طويلة...


لم اجد فكرة لحل تلك المشكلة،افضل من بناء مدونة ثانية مكملة للاولى،تحمل نفس الاسم مع رقم اضافي حتى لا تبتعد عن المضمون والتابعية للمدونة الاولى،وتكون حاوية لكل الادراجات ذات الحجم الكبير،وتكون مستدرك لكل ما يفوتني اضافته في المدونة الاولى العتيقة!...


سوف تأخذ المدونة الاولى فقط اسم ورقم الادراج ولكن التحويل يذهب الى عنوان الثانية،والعكس ايضا...


عنوان الاولى...


http://freebook.maktoobblog.com/


عنوان الثانية....


http://freebook1.maktoobblog.com/





2009/10/11

بلا معايير موضوعية!

بلا معايير موضوعية!


في بداية شهر تشرين اول(اكتوبر)من كل عام،تمنح جوائز نوبل الستة لفروع العلم الرئيسية والادب والاقتصاد والسلام في العالم منذ مايزيد عن القرن من الزمان،وهي الجائزة الاشهر في العالم وتمتاز بقيمتها المعنوية مع القيمة المادية الكبيرة المصاحبة لها.


هذه الجائزة تخضع كغيرها من الجوائز الى معايير رئيسية تكون محل اجماع الكثيرين ومنها الهدف الرئيسي بلا شك وهو خدمة الانسانية في شتى فروع العلم والمعرفة وان تكون شاملة ونابعة من ضمير حي،ولا يشترط فيها جنسية او لون وتكون محايدة في الاختيار والذي يرتكز على اسس صارمة ومتوارثة في التمييز بين ماهو انساني ومفيد لصالح البشرية وبين ماهو اقليمي ضيق قد يكون اثره ضعيفا او معدوما وبالتالي تنتفي صفة الانتفاع الخيري الذي هو اساس الاختيار.


والجوائز الاخرى والتي تصدر من مختلف الدول،هي ايضا تسير على هذا النهج المرسوم لها نظريا!ولكن هل يكون التطبيق مطابق للتنظير؟!...هذا ما سوف نجيب عليه هنا في هذا المكان المختصر بغية اشباع الموضوع من بعض جوانبه لكونه كبير ومن الصعب الاحاطة الكاملة بدون دراسات شاملة...


في الحقيقة جائزة نوبل كبقية الجوائز الاخرى ومهما قيل عن حياديتها ومصداقيتها ،فهي تخضع لارادة البشر وميولهم الشخصية،ومهما حاول هذا الجمع من البشر ان يحافظ على حياديته،فهو واهم بالطبع! لان الانسان بطبيعته غير معصوم من الخطأ، وبالتالي سوف تنعكس تلك التقلبات والميول بصيغة او بأخرى على الاختيار السنوي للجوائز!...وعليه لا يستغرب الجميع من ان تلك الجائزة الشهيرة قد انحرفت عن مسارها مرات عديدة خلال تاريخها الطويل وبنفس الوقت ايضا بقيت امينة في الاختيار السليم لاشخاص آخرون هم بالفعل خدموا الانسانية بأبداعاتهم العلمية والادبية التي لاتعرف للحدود قيودا ولا للشكل او الجنسية مانعا!..


يبدأ الخطأ الاكبر عند الترشيحات السنوية،وهي احيانا ترتكز على ابداعات تكون منشورة باللغات الحية وخاصة الانكليزية وان تكون الشهرة مصاحبة لها وبالتالي فأن هذا التقييم هو خاطئ تماما لكون الكثير من الابداعات هي منحصرة ضمن نطاق اللغات المحلية والاقليمية والتي هي خارج نطاق ارادة الباحث او الاديب من خلال ضعف الامكانيات المتاحة له والتي تمنعه من نشرها باللغات الحية حتى تصل الى اكبر عدد من سكان المعمورة،وهذا يجعلنا امام معضلة كبيرة جدا تتمثل في كون الكثير من نتاجات اصحاب الابداعات الفكرية والعلمية ودعاة السلام في العالم وخاصة في العالم الثالث والذي ينتمي اليه عالمنا العربي هي في لغة واحدة ينطق بها صاحبها المبدع والذي هو لضيق الحال لايستطيع ان ينشرها في بلده فكيف به ان ينشره في بلاد الغرب الذي يتزعم التقدم العلمي والادبي منذ قرون خلت ويمتلك حق اصدار تلك الجائزة!بل حتى يعجز في نشرها بلغة عالمية تجمع بين مختلف اطياف البشر كاللغة الانكليزية،اذن يعجز المبدعون عن نشر الترجمات وهذا يحرمهم من الوصول الى الشهرة العالمية التي يستحقونها بصورة لا تقبل الشك مطلقا وحرمان البشرية من خدماتهم الجليلة... بينما في المقابل فأن الكثير من الذين ينشرون نتاجاتهم الابداعية بلغاتهم الاصلية الرئيسية المعتمدة في الغرب وخاصة الانكليزية يكونوا محظوظين في الوصول الى لجان التمحيص والغربلة والاختيار في مؤسسة جائزة نوبل! وهو ما يجعل المقارنة احيانا ظالمة بين المبدعين المغمورين والذين قد يتفوق العديد منهم على الذين تم اختيارهم على نفس الاسس المعمول بها سابقا ولكن منشورة بلغاتهم المعتمدة،والشرط الاخير يتحقق بسهولة ايضا من خلال وسائل الاعلام الحديثة والتي تدعم من تراه مبدعا شرط ان لا يتعارض مع سياستها في النشر بينما في الاعلام العربي فالصورة مقلوبة! فالاعلام مسيس وطائفي وعنصري الى درجة عجيبة وهو يركز على تلميع صور حكامه البشعة اما ان يدعم الابداع والمبدعين فذلك يأتي في الدرجة الثانية من الاهتمام هذا بالاضافة الى ان الدعم الحكومي للبحث العلمي والادبي هو ضئيل ولايقارن بتاتا بالدعم الحكومي في الغرب وبالتالي فأن مسألة ان يبرز مبدعي العالم العربي وتقديمهم الى العالم الخارجي هي بحكم المستحيل ولذلك نرى الكثيرين يبرزون بجهودهم الذاتية وعليه فأنه يحتاجون الى صبر طويل وعمر اطول!...نعم ان عدم النشر باللغات الحية من المشكلات الرئيسية في العالم العربي والذي يحتاج الى مراكز عديدة للترجمة والتي تحتاج الى تمويل حكومي كبير، هي من المفقودات في الوقت الراهن! ماعدا تجارب ضعيفة للقطاع الخاص ...كذلك عدم انتشار وسائل الاعلام العربية خارج حدود العالم العربي وانحصارها ضمن القيود السياسية والدينية والعرقية وحتى الجنسية! في ظل غياب ارادة جمعية واحدة وتخطيط سليم للمستقبل هو الذي جعله اعلاما وضيعا يبرر ولا يبدع!...


في جوائز نوبل للطب والفيزياء والكيمياء والتي هي علمية صرفة، تكون نسبة الخطأ او التحيز اقل من غيرها في كون شهرة المخترع قد انتشرت وبالتالي يتم فحص نتائج اعمالهم وفق اسس علمية مشددة تخضع لرقابة صارمة لامجال للتحيز والمحاباة ومن يدري لعل هنالك الكثيرين من المهملين والمنسيين هم خارج الترشيح لتلك الجوائز الثلاث.


اما الجوائز الثلاث الاخرى وهي الاداب والسلام والاقتصاد فهي اكثر شهرة من سابقاتها وفي نفس الوقت اكثر خضوعا للاهواء حيث يتم بسهولة التلاعب بالشروط الموضوعة وبالتالي تتضمن نسبة اكبر من الخطأ يمكن مشاهدتها من خلال التجارب الماضية...


جوائز عام2009:


الضجة الاخيرة المصاحبة لاختيار الرئيس الامريكي اوباما لجائزة السلام واختيار الاديبة الالمانية،الرومانية الاصل هيرتا مولر،هي لها مايبررها بالفعل!...فأوباما هو بالفعل كما هو ظاهر لنا انه ساعي لتحقيق السلام في العالم رغم القيود المشددة والمفروضة عليه في النظام السياسي الامريكي مما يجعل حركته بطيئة ومحدودة وتكون نتائجها ضعيفة كذلك فأن وجوده في الحكم ليس طويلا ،فبضعة شهور ليست كافية نهائيا سواء لاثبات النية او للدعوة لنشر السلام والاخاء وتطبيق تلك الدعوات وحصاد النتائج يحتاج الى فترة طويلة بلا شك كما لاحظنا ذلك من خلال اختيار الكثير من المؤسسات الدولية والرؤساء والشخصيات التي بذلت جهودا جبارة خلال عقود طويلة من الزمن وليس بضعة شهور كما هو في حالة اوباما الذي اعترف بعدم استحقاقه الجائزة وتبرعه بها للاعمال الخيرية رغم انه قبل بالاختيار، والاقوى في الظن انها منحت له تشجيعا له على الاستمرار في جهوده المبذولة وليس على حجم ونتائج جهوده السابقة!،اما بالنسبة لجائزة الاداب والتي هي الاشهر فقد كان الاختيار ضعيف باعتراف الالمان انفسهم او البلد الاصلي وهو رومانيا!...فالكاتبة غير مشهورة وكتاباتها ليس بقوة كتابات وابداعات الاخرين والذي ينتظرون نوبل منذ عقود طويلة من الزمن!بل حتى هيئة الناشرين الامريكيين والتي تتابع الترشيحات والاختيار بلهفة لكونها بداية الانطلاقة لعملها من خلال طباعة وتسويق نتاجات الاديب،اعلنوا وبصراحة انهم يجهلونها تماما مما يجعل نطاق عملها في السابق محدودا في القارة الاوروبية ولذلك فأن الاديبة هي مغمورة قبل الفوز بالجائزة وابداعاتها ليست منذ مدة طويلة او قوية بالمقارنة مع المرشحين الاخرين الذين تم استبعادهم بطريقة مريبة او للمحاولة من الفرار من الاختيار بين عدد من المرشحين العرب واسرائيلي...


اذا يلعب العامل السياسي وعامل التحيز للثقافة الغربية ولغاتها الحية دورا رئيسيا في الاختيار وهذا يعطي للجائزة ثغرات كبيرة في المصداقية ينبغي التنبه لها وعدم عد الجائزة مقياسا حقيقيا لقيمة المبدع...


تجارب سابقة:


الكثير من الاختيارات السابقة كانت ضعيفة بلا شك بل وحتى خاطئة! فأختيار السادات وبيغن لجائزة السلام لعام 1978 هو امر مخزي بحق فالاول ديكتاتور بأمتياز والثاني ارهابي بأعتراف الجميع من خلال تاريخه الدموي!وهذا الاختيار لاقيمة له حتى لو كان القصد التشجيع على السلام في المنطقة،او الفائزون الثلاث بجائزة السلام في عام 1994 وهم عرفات ورابين وبيريز،والثلاثة ايضا غير مؤهلين لتلك الجائزة فكريا واخلاقيا من خلال النظر الى سيرتهم الحافلة بالدماء والفساد قبل وبعد الحصول على الجائزة! ... اما ضمن اسماء جائزة الاداب فيظهر لنا اسم وينستون شرشل! الذي اخذها دون ان يستحقها عام 1953 والذي عرف عنه كرجل دولة دون ان يكون اديبا بارزا،وبذلك نرى عددا كبيرا من المثقفين لايقتنعون بأسماء الفائزين بل ويرفض بعضهم استلامه الجائزة! لان قيمة الفائزين الادبية هي التي تحدد وبصورة كاملة قيمته الفعلية قبل الدخول في ساحة المنافسة مع الاخرين في جوائز تميل مع الاهواء!...


اما الذين يستحقون الجوائز في العالم العربي فهم كثيرون ولكن غالبيتهم لم تنشر لهم باللغات العالمية الا بصورة محدودة،فالشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي ترجمت معظم ابداعاته الى اللغات الحية ورغم ذلك لم يرشح لها ! ورشح طه حسين مرتين ولم يفز بها !كذلك حرم منها شعراء وادباء كثيرون من قبيل احمد شوقي والجواهري والسياب ونازك الملائكة ومحمود درويش والطيب صالح وعبد الرحمن منيف وغيرهم ومازال اخرون ينتظرونها منذ فترة طويلة مثل اودنيس ...وهذا ليس مختص بالعرب فقط بل بكثير من المبدعين في العالم بل وحتى في الغرب فمثلا الكاتب البريطاني الشهير كولن ويلسون رغم شهرته العالمية منذ مايزيد عن النصف قرن فهو لم يفز بها وكذلك الاديب غراهام غرين والايرلندي جيمس جويس والزعيم الوطني غاندي لم يفز بجائزة نوبل للسلام رغم انه من المستحقين لها! والاديب الروسي الشهير تولستوي الذي يفوق بقيمته الادبية معظم من حصل على جائزة الاداب لم يحصل عليها !! ...وفي النهاية حرم كثيرون منها وربح اخرون لايستحقونها وكل ذلك غير خاضع بتاتا لاي معايير موضوعية يمكن الاشارة اليها، فالتحيز للحضارة الغربية ومشاهيرها ظاهرة للعيان بصورة لاتقبل النقاش ويمكن رؤية ذلك في ضعف الحضور من قبل عباقرة ومبدعي العالم الثالث...اذن يفرض علينا التقييم الموضوعي لجائزة نوبل، ضرورة الابتعاد عن التهويل الزائد او الاحتقار المطلق!...





العلامة الموسوعي

العلامة الموسوعي:


اصبح نادرا في هذا الزمن الذي يوصف بالمتقدم على السابق والذي لم تصل اليه البشرية الا من خلال التراكم العلمي لاسلافنا والذين نبخل حقوقهم وجهودهم ليس فقط من خلال عدم الاشادة بما انجزوه بل في عدم تكملة طريقهم بنفس النشاط والسعي والبذل في العطاء والتضحية بالذات من خلال ندرة من يطلق عليه لقب الموسوعي لندرة من يحوز ملكاتها المتعددة والتي تستحصل بشق الانفس،واذا اطلقت لاتطلق جزافا الا في حالات الادعاء العام الفارغ !...


اما لماذا صعب الان حيازتها بعد كل هذا التقدم في العلوم والفنون والاداب؟!...


السبب الرئيسي هو بمرور الزمن تتقدم العلوم والاداب بحيث تنفصل العلوم والاداب المشتركة عن بعضها البعض الى درجة اصبح العلم الواحد يضم علوم متفرعة وكل علم قائم بحد ذاته! وبذلك اصبح من شبه المستحيل الحيازة الكاملة للعلم الواحد والتخصص فيه! فما بالك في ان يكون الحائز مختصا بعدد كبير منها! بينما في الماضي كان سهلا الجمع بين العلوم والفنون بسبب بداية ظهورها كون البشرية في طور النمو والتوسع وبالتالي يكون من السهل حينها على العقل الواحد الجمع بينها رغم ندرتها ايضا الا ان التوسع في استحصال اكبر عدد من العلوم كان ومايزال منية الطالب المجد المجتهد،وحلما للكسول المبتعد!...لا اطيل!...لانه يوجد بين يدي تعريفا بعلامة موسوعي نادر في هذا الزمان حاز على علوم عدة مع تشرف الكثير من البقاع بحمله والاستفادة من علمه!...ولكن ما يزال هنالك الكثيرين يجهلونه كغيره من النوابغ الذين لايبتغون الا حمل العلم ونشره بين مريديه دون ان يكون لديهم رغبات آنية زائلة تكون حلما لمن يجهل القيم العلمية ولذتها الروحية التي لاتوصف بكلمة او بهمسة او....!


انه العلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي...العبقري الموسوعي من السعودية والذي يعيش في مدينة الدمام الان على ساحل الخليج....


ولد العلامة الفضلي في احدى قرى البصرة حيث كان والده احد كبار الفقهاء فيها،عام 1935 من عائلة علمية يلهث ابنائها وراء العلم اينما كان ولايهتمون اي حملة العلم ومريديه للقيود الجغرافية والسياسية التي لامكان لها الا في عقول وقلوب من يضع نفسه في موقف معادي للعقل والمنطق وما ينتج منهما من ابداع لامتناهي لخدمة الحضارة الانسانية المتعددة الجنسيات وبشكلها الرائع!...


رحل الى النجف الاشرف وتتلمذ على يد فطاحل وجهابذة العلوم الدينية والانسانية حتى حاز على درجاتها العليا،ثم رحل الى بغداد ليحصل على الماجستير في علوم اللغة العربية التي اصبح من الفطاحل النادرين المتمكنين من حيازة اسرارها،ولكنه لم يستمر في البقاء هناك بسبب الحملة الهوجاء لنظام البعث المقبور على العلم والعلماء فرحل الى السعودية بلده الاصلي عام 1971 واصبح استاذا جامعيا مرموقا في جدة،ولكنه غادرها الى القاهرة ليكمل مسيرته الاكاديمية والذي انتهى بحصوله على الدكتوراه بجدارة منتصف السبعينات من القرن الماضي،ليرجع الى جدة لممارسة دوره التعليمي في الجامعة والتي قدم لها خدمات جليلة،ثم تحول نهاية الثمانينات الى لندن للتدريس في الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية واصبحت كتبه فيها تدرس كمناهج تعليمية عالية المستوى ودقة المحتوى...ومازال لغاية الان رغم كبر سنه طالبا للعلم واستاذا للفضلاء،مع امتلاكه لمواصفات العالم النقي المثالي من تواضع وزهد وطيبة نفس واستقلالية ولم يحصل على تلك المكانة العلمية الرفيعة الا بواسطة صبره ومثابرته وتحمله لمختلف الظروف مع ذكائه المعهود عنه والذي هو ضرورة مكملة لامثاله حتى يبدعوا بما يحبون الابداع فيه ويخرجوا لنا درر عقولهم المكنونة في قالب ذهبي جميل...


تخصص في الكثير من العلوم ولذلك استحق لقب العلامة الموسوعي واضافة الى تخصصه كانت له مؤلفات تشهد له بكونها عالية الجودة ومكتوبة بلغة علمية رصينة مع اسلوب سهل وسلس للطالب والقارئ معا...فقد كان تخصصه الاول في علوم اللغة العربية وآدابها وكانت رسائله الاكاديمية حولها كما اشرف على العديد من الاطروحات الجامعية،ومن ابرز العلوم التي تخصص فيها هي النحو والصرف ومايتفرع منهما وكذلك البلاغة والعروض والادب العربي،وقد ترك آثارا علمية دالة على اعلمية فذة فيها قل نظيرها،اما العلوم الدينية فكانت علوم القرآن بمختلف فروعه،ثم الحديث الشريف واصوله،وكذلك علم الرجال،وعلم الكلام والعقيدة وله في كل هذه الحقول المعرفية العديد من المؤلفات القيمة،اما سيد العلوم الدينية وهو الفقه فقد كان بارعا الى درجة كبيرة في مبادئه واستدلالاته،وله عدة مؤلفات وبعضا منها في عدة مجلدات ضخمة،يستفيد منها جملة من المتخصصين بتلك المعارف ودارسيها،كذلك له باع طويل في اصول الفقه وقد ألف وحقق العديد من المؤلفات حوله...اما في الثقافة الاسلامية العامة فكانت له الكثير من الآثار المطبوعة والتي بينت مدى اتساع ثقافته الموسوعية.


اما العلوم العقلية من منطق وفلسفة فلا تغيب عن امثاله من النوابغ!هذا بالاضافة الى الكثير من المؤلفات المنهجية للصفوف النهائية في الجامعات والحوزات العلمية ومنها في اصول البحث العلمي وتاريخ العلوم وتحقيق التراث...وهو رغم كونه اديبا بارعا الا انه مقل من كتابة الشعر رغم تمكنه من ذلك وهذه صفة منتشرة بين صفوف الكثير من الفقهاء الذين يتمكنون من علوم العربية ويبدعون فيها ولكنهم مقلون في كتابة الشعر او ترديده!..


تمتاز آثاره المطبوعة والمخطوطة بعمق التحليل العلمي وموضوعيته وبساطة في الاسلوب والعرض مع جمال اللغة العربية المستخدمة بأسلوبه النثري البديع...


اختتم القول المختصر حول سيرته بأبيات شعر قيلت فيه،وهو اقل ما يقال فيه!..


هذا هو الفضلي تشهد فضله _______ حوزات شرع رادها ومعاهد


لا زال يتحفها بعلم وافر ________ يرقى به النائي ويسمو القاصد


وبخط الاجيال نهجا طالما_______ جهدت لتعتمه رؤى ومقاصد

2009/10/07

مختارات شعرية

مختارات شعرية:


عند قراءة الشعر وتذوقه...ايا كان نوعه،تميل النفس لبعضه وتميزه عن غيره كما تبتعد ولاسباب مختلفة عن البعض الاخر وحسب أهواء النفس ورغباتها ... احيانا تقع عيوننا على اشعار مكتوبة ومبثوثة في الكتب ومجلات التراث والثقافة،ونظرا لعذوبتها تصبح مثل الحلي على صدر كل مقروء سواء وسيلة مطبوعة او الكترونية... وبما ان المدونة هي وسيلة الكترونية للنشر وتفريغ ماهو محبب للنفس...وجدت انه من الضروري بين الحين والاخر ان ننشر بهارات النفس...اي الشعر...والاجمل ان يكون قليل ونادر النشر وقد يكون مجهول القائل!...


قرأت منذ فترة طويلة الابيات التالية وهي لابو العتاهية ولم استطع اضافة صورة معبرة عنها نظرا للعطل في المدونة والذي يمنعني من نشر الصور والملفات المختلفة...وهي في غاية العذوبة في التصوير على سعادة بساطة الحياة...


رغيف خبز يابس_______تأكله في زاوية


وكوز مائ بارد_______ تشربه من صافية


وغرفة ضيقة _______ نفسك فيها خالية


او مسجد بمعزل ______ عن الورى في ناحية


تدرس فيه دفترا_______ مستندا لساريه


معتبرا بمن مضى ______ من القرون الخالية


خير من الساعات في ____ فيء القصور العالية


تعقبها عقوبة ______ تصلى بنار حامية


فهذه وصيتي _____مخبرة بحالية


طوبى لمن يسمعها ____ تلك لعمري كافية









2009/10/04

القيمة الاعتبارية للانسان

القيمة الاعتبارية للانسان:


لا شك في ان اهم قيمة في الموجودات الحية في هذا الكون هو الانسان...ولكن قيمة هذا المخلوق تختلف من بلد لاخر!!...نعم والاختلاف هنا يخضع لعدة عوامل اهمها غنى الدولة،وقوتها العسكرية والسياسية وجبروتها في العالم،بالاضافة الى عامل مهم وهو خضوع نظامها السياسي لمذهب الديمقراطية الليبرالية الذي يعطي للانسان اهمية قصوى ويعتبره الهدف الاسمى الذي يستوجب النضال لاجله... وبدون تلك الشروط يكون سعر الانسان بخسا بل ولا قيمة له سواء في داخل بلده او في خارجه كما هو موجود في بلدان العالم الثالث !...


اطلاق سراح اسرى 20 من السجينات الفلسطينيات في السجون الاسرائيلية مقابل دقيقتين فقط من تسجيل شريط فيديو يظهر فيه الجندي الاسرائيلي الاسير يتحدث! هو دليل ملموس يبين لنا مقدار الفارق في الاهمية بين القيمة الاعتبارية للاسير الاسرائيلي في داخل دولته وبين القيمة الاعتبارية للاسرى الفلسطينيون سواء في داخل اسرائيل او في خارجها!...وهذه الصفة في وضاعة القيمة الاعتبارية للانسان الفلسطيني لاتنطبق على الفلسطينيين فحسب بل على الانسان في العالم العربي ككل وفي العالم الثالث بصورة اكثر شمولية! ماعدا بعض الشواذ التي لايعتنى بها كالعادة في تلك الظروف!...


بخس القيمة الاعتبارية للانسان هو دليل على مقدار تخلف دولة ما وبالتالي ينعكس سلبا في تخلف شعبها والذي لاتعيره حكومته الاهمية القصوى من خلال حرمانه من حقوقه المشروعة والتي من ابرزها حق الاختيار في الحكم وممارسة حريته الشخصية بما في ذلك حريته في العقيدة والعمل وحقوق وجوده في هذه الحياة والتي تعطي له اهميته بأعتباره كائنا متميزا عن بقية الكائنات الحية في هذا الكون المليء بالعجائب والغرائب!...نعم اختلاف الاسعار في قيمة الانسان مثل اختلاف سعر سلعة البترول ولكن الفارق بين اسعار المنتجين في داخل سوق البترول ليس كبيرا كما هو حادث في سوق الانسان التجاري!،فالامر هنا مريعا الى درجة تبعث على الغثيان والاشمئزاز في وصول قيمة الانسان الاعتبارية الى مستوى ادنى من الحيوانات او حتى السلع المادية البسيطة!...


يمثل الطغيان السياسي وطغيان الافكار المتطرفة احد اهم الاسباب في تدهور قيمة الانسان الاعتبارية وبالتالي فأن العلاقة هنا تكون طردية بمجال لايقبل الشك او المساومة وبعيدا عن الشرح التفصيلي الزائد!...


النتيجة المعروفة هي ليست هنالك اية قيمة اعتبارية للانسان في العالم العربي ! والفارق بين سعر الانسان بين مختلف الدول العربية ليس كبيرا حتى يمكن ان يذكر او يشاد به باعتباره انجازا عظيما!...فقيمة الانسان الاعتبارية في العالم الغربي كنموذج للتقدم،هي اكبر بكثير من قيمة الانسان العربي او الذي يعيش في داخل بلاد العالم الثالث!وهذا يمكن مشاهدته في بلادنا كمثال من خلال المعاملة اليومية السيئة لاجهزة الدولة مع المواطن البسيط وعدم اعطائه اي قيمة اعتبارية يمكن ان تجعله يعترض على ما يعتبره تجاوزا على حقوقه المشروعة...


قد يقول قائل بأن شعوب منطقة الخليج هي افضل من البلاد العربية الاخرى من ناحية وضع الانسان وقيمته المعتبرة التي تجعله كائنا حرا...هذا الرأي يستند على الوضع الاقتصادي لتلك الشعوب القليلة السكان والتي تنتج النفط بما يفوق حاجتها الطبيعية ولكن القيمة الاعتبارية للانسان لا تستند على الوضع الاقتصادي فحسب بل على جملة شروط كثيرة هي مفقودة هناك! وبالتالي فأن الفارق بينها وبين بقية اجزاء العالم العربي الاخرى هي ليست كبيرة كما يتصورها البعض! ويمكن ملاحظة فقدان الحريات السياسية كمثال بارز في هذه البلدان وبالتالي فأن تصور قيام مظاهرة معادية لتوجهات الدولة او الشيوخ فيها وبدون اي مضايقات او ابادة للمتظاهرين هو تصور خرافي لا مجال لتوقعه هنا!...وعليه فأن قيمة الانسان العربي لا تتناسب مع قيمة الانسان الاسرائيلي كنموذج مثالي هنا وبالتالي فأن احد اهم اسباب التقدم الاسرائيلي على العرب هو اخذهم بقيم الحضارة والليبرالية وتطبيقها بصورة عملية على شعبهم فوصلوا الى ما وصلوا من مراتب عالية،وفي المقابل لم يأخذ العرب سواء انظمة او مجتمعات اي مجال للتفكير فقط على ضرورة العمل في المستقبل البعيد على انتشال واقع قيمة الانسان وجعلها هدفا قيما بذاته! ولذلك خسروا انفسهم وشعوبهم ثم جيرانهم واعدائهم فاصبحوا بلا ادنى قيمة رغم امتلاكهم القدرات البشرية الهائلة مع مواردهم الاقتصادية الضخمة واخذت اللعنات تنصب على رؤوسهم!...


امثلة محزنة:


الكثير من الامثلة المحزنة والتي تثير الالآم تجاه ما يصدر من الحكام وبالتالي ينعكس ذلك على اجهزتهم الحكومية الخاضعة لهم بلا ادنى اعتراض! ويمكن تصور ضألة التفكير في عقول هؤلاء التي خضعت لهم البلاد العربية لحقب طويلة من الزمن!...ففي مصر ايام حكم عبد الناصر الذي كان يقول للمواطن المصري ارفع رأسك يا اخي فقد مضى عهد الظلم والاستعباد! ويقصد به الظلم في العهود السابقة،وكانت نتيجة رفع الرأس في تصوره هو اذلال فظيع للانسان المصري واخضاعه لديكتاتوريته المقيتة بحيث شعر بها المواطن السوري ففر بجلده بعد ثلاث سنوات من الوحدة القسرية مفضلا الانفصال على جحيم الوحدة! ومازال الانسان المصري الى الان لايستطيع رفع رأسه امام رجل الامن فكيف برأس النظام وزمرته...


وفي حالة العراق اثناء الحكم البعثي الثاني(1968-2003) وصلت قيمة الاعتبارية للانسان الى ادنى مستوى يمكن تصوره ويعود السبب الرئيسي الى تخلف الحاكمين ووحشيتهم،ولتبيان بسيط على مدى تخلف الحاكم وجهله وهمجيته،قبل حرب 1991 بقليل ذكر صدام في احدى مقابلاته الصحفية مع الاعلام الغربي والتي يستخدمها كوسيلة للدعاية، ان امريكا لا تستطيع ربح الحرب لكونها غير قادرة رغم ضخامة عدد سكانها على فقدان عشرة الاف قتيل بينما العراق لا تؤثر فيه فقدان مئة الف رغم قلة عدد سكانه ! ويقصد بذلك ان الشعب الامريكي لايقبل بهكذا حجم من الخسائر ولكن الشعب العراقي لا رأي له بالطبع يقبل مجبرا على ذلك،وهو بذلك يعطي للجميع درسا بليغا كون ان البشر في الغرب لهم قيمتهم المعتبرة والتي لاتقدر بثمن بحيث تسير سياسات حكوماتهم حتى في مجال الحروب المهمة لمصالحهم الاستراتيجية بينما في العراق وهو نموذج لبلدان العالم العربي، فأنه لا وجود لادنى قيمة للانسان !،فكانت النتيجة المؤقتة ان العراق هزم وبخسائر تفوق المئة الف قتيل ولم تخسر امريكا وحلفائها سوى بضع مئات،وكانت النتيجة الحتمية لهكذا نظام مارأيناه بعد سقوطه الحتمي في مقابره الجماعية التي ملئت البلاد طولا وعرضا واخرجت ملايين اخرى هاربة بجلدها منه في بلاد المهجر !... وفي اليمن الان ماتجري من عملية ابادة كبيرة في الجبال،يتبجح حاكمها بأنه مستعد لحربا طويلة تستمر لسنوات قادمة دون ان يعي حقيقة كلامه انه لا قيمة لانسان بلاده عنده!والا تجنب الحرب بكل وسيلة ممكنة...وفي مثال تكون فيه الاحزاب ومليشياتها لها القدرة على الحكم ففي اثناء الحرب الاهلية اللبنانية رأينا كيف تعامل القوى السياسية المختلفة سواء لبنانية او فلسطينية مع اعدائهم من بني جلدتهم فكانت ابادة الفلسطينيين في مخيماتهم في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وابادة المجموعات اللبنانية لبعضها البعض وهو ناتج خالص لتدهور قيمة البشر سواء لدى الانظمة او المجتمعات ككل والاحزاب السياسية هي نتاج لفكر وقيم وتقاليد تلك المجتمعات التي مازالت بأفعالها تعيش في القرون الوسطى التي اشتهرت بالحروب والهمجية البشرية!بينما في اقوالها تعيش في القرن الحادي والعشرون!.


مازال الانسان في داخل العالم العربي خائفا من ابداء رأيه بحرية خوفا على حياته من العذاب وسلب كرامتها او الفقدان الابدي لها! وبالتالي فأن قيمته تجاه نفسه سوف تكون معدومة والاخرون سوف يعاملونها على هذا الاساس،فأي نصر او تقدم ممكن ان يحدثه انسان مهزوم داخليا على اعدائه المفترضين الذين يترفعون عن كل ما يضعف كرامة وحرية انسانهم؟!...


اعادة الاعتبار لقيمة الانسان في العالم العربي يجب ان يكون الهدف الاول والاسمى للجميع... حكاما وشعوبا وبغير ذلك سوف نبقي على المعادلة الرياضية الجديدة التي دخلت التاريخ....


10 اسرى = دقيقة واحدة من فلم!....

2009/10/01

المشروع الثقافي العظيم

المشروع الثقافي العظيم:



لا يوجد مشروع ثقافي واسع وحالي للنشر بقدر ضخامة المشروع الذي تحاول غوغل Google القيام به من خلال نشر ملايين الكتب المطبوعة والمخطوطة الكترونيا وجعلها ضمن مكتبة رقمية عالمية قيل ان العدد وصل الان لحدود 10 ملايين كتاب! اغلبيتها لكتب خارج حقوق حفظ الملكية الفكرية، ومن المؤمل ان يصل لحدود 32 مليون!في حدود ثلاث سنوات على الاكثر اذا تم تخطي العوائق القانونية،وطريقة الترقيم هي بواسطة مكائن هائلة السرعة وذات تقنية عالية وهي اساسا قليلة العدد في العالم بحيث قدر انه خلال بضعة دقائق يتم ترقيم كتاب ضخم جدا !...هذا المشروع لا يغطي لغة معينة او بلد معين بل هو كوني في كل ابعاده ،حتى ان الكتب الرقمية المنشورة الان هي بأكثر من مائة لغة!واكيد العدد في تزايد مستمر مما يعني ان الفائدة سوف تعم على الجميع وبدون وجود اي عوائق مقيدة لها من الناحية اللغوية او السياسية او الفئة العمرية،بل هي مفتوحة للجميع بلا استثناء في ظاهرة ثقافية فريدة من نوعها،بل هي اشتراكية ديمقراطية لاوجود للفكر الماركسي في انشائها وجعلها ضمن حدود الصراع الطبقي او في تقييد الاستفادة منها لاسباب آيديولوجية!...


يقال ان الهدف النهائي للمشروع هو ترقيم كل الكتب الموجودة في العالم والمقدرة بحوالي 4.5 مليار كتاب ! تمثل نتاج الانسان الثقافي المتنوع،وبالتالي سوف تكون النتائج مذهلة على المدى المتوسط والبعيد،فهي بالاضافة الى تيسير الثقافة للجميع وتوفيرها بدون مقابل،فأن الجانب الاهم هو حفظ التراث الانساني من الضياع خاصة على عدد كبير من المخطوطات التي تنتظر النشر منذ الاف السنين!...


يواجه المشروع معارضة قوية من جانب الاوروبيين لاسباب مختلفة،وقد يقول قائل انها وسيلة امريكية جديدة للهيمنة!،ولكن هذا الرأي هو ضعيف ولا قيمة له امام نوعية المشروع وفوائده الجمة التي لاتحصى،بل من السخرية التذكير بأن الحكومة الامريكية هي من المعارضين له من الناحية القانونية كونه ينتهك حقوق نشر الكثير من الكتب ويؤدي الى هيمنة شركة غوغل على الشبكة الدولية!...


حقوق الملكية الفكرية من الامور التي اعتاد عليها الغرب منذ فترة طويلة ومازال العالم العربي غير معتني بها او لايعيرها اية اهمية في محاولاته المستقبلية لتشريع القوانين الجديدة!...ففي امريكا وبريطانيا على سبيل المثال تصل فترات الحماية الفكرية الى اكثر 70 عام وهم يجعلون وراثة الملكية الثقافية للابناء!مما يعني ان غالبية النتاجات الفكرية في القرن العشرين هي تحت الحماية القانونية وهو امر رائع ان يكون كذلك ولكن يبقى للمجتمع البشري ايضا حقوقا على المؤلفين وذريتهم!واكيد هنالك حلول وسط تجمع حقوق الطرفين وقد يكون من ضمنها هو منح مكافأت كبيرة لاصحابها او تيسير اثمانها او حتى دعم شرائها وهي خطوات تحقق المنافع المشتركة لجميع الاطراف،ولكن تحتاج الى ارادة دولية قوية لتحقيقها خاصة في ظل التضارب الصارخ بين المجتمعات التي تكون متطرفة في الاجراءات الحمائية وبلدان اخرى لا توجد لديها قوانين للحماية اساسا!مما يعني ان حقوق المبدعين في تلك البلدان مسحوقة بلا شك،وهو سيف مسلط على رقابهم بشكل دائم.


تعني الفترة الطويلة للحماية الفكرية ان حوالي 80%من الكتب الموجودة في امريكا والمقدر عدد عناوينها ب40 مليون كتاب! هي محمية بقوانين صارمة وبالتالي تحتاج غوغل وغيرها الى دعم بغية حل تلك الاشكالات المقيدة للابداع والاستفادة منه ،والاولى بالحكومات المعارضة للمشروع هي القيام بذلك المشروع بنفسها منذ زمن بعيد بدلا من تركه للشركات التجارية الخاصة،فالتقصير الحكومي العالمي واضح بلا شك وهو يعرقل الان من خلال قوانين معقدة ومحبطة للنشر الذي قد لايصل ليد الكثيرين ممن يعجزون على الاطلاع على تراث الانسانية الضخم وبالتالي فأن وسيلتهم الافضل هي النشر الالكتروني...


الاوروبيون ومن باب المنافسة مع الامريكيون،فقد بدأوا مشروعا موازيا يسمى اوروبيانا،يعرض التراث الاوروبي المشترك ويقدر ان ينتهي بحوالي 6 ملايين كتاب مع نشر عدد كبير من الاثار الفكرية السمعية والبصرية،ويمتلك المشروع الحصرية في عرض الكثير من النصوص الاصلية والتي لاتقدر قيمتها بثمن ملموس...ويبقى ذلك المشروع مكملا لمشروع غوغل وسوف يفيد الانسانية بأروع صورة وهي وسيلة لتحقيق السلام العالمي والتقارب بين البشر ناهيك عن التطور الثقافي الذي يكون مدخلا شرعيا لبناء حضارة انسانية متكاملة.


العالم العربي والمشروع:


لاشك في ان اللغة العربية سوف تكون حاضرة في ذلك المشروع الضخم،وكما هو معروف ان نسبة المساهمة الثقافية العربية ضمن الانتاج الفكري العالمي هي محدودة الى درجة تبعث على الخجل! وبالتالي فأن النشر الثقافي العربي للانتاج الضئيل هو اكثر ضئالة!وهذا يجعلنا نؤكد ان استفادة العرب لاتقل عن غيرهم من الشعوب الاخرى من ذلك المشروع الذي لم نجد حكومة عربية او شركة خاصة تنهض بمشروع موازي له رغم توفر الامكانيات المالية لبعض حكوماته سواء في الماضي او الحاضر بل وعلى يقين حتى المستقبل!.


مازال العرب من اقل الشعوب قراءة وبالتالي فأن هذا المشروع سوف يرفع عدد القراء خاصة الذين يبحثون عن نوعية معينة من الاصدارات الثقافية هذا بالاضافة الى وجود ملايين المخطوطات الثمينة التي تقبع في مكتبات او مخازن غير لائقة بها وهي تنتظر منذ الاف السنين النشر دون جدوى! وبالتالي فأن نشرها سوف ييسر للباحثين ومحبي الثقافة الذين تكون الامكانيات المادية للغالبية العظمى منهم دون المستوى الذي يجعلهم قادرين على الاقتناء،وعلى الاطلاع والاستفادة من تلك الكنوز المعرفية الضائعة.


عدم توفر قوانين الحماية الفكرية في العالم العربي،يجعلنا في خانة الاكثر تخلفا بحيث نعجز عن حماية حقوق المبدعين وبالتالي احباط من لديه الرغبة في المستقبل على الابداع والابتكار،وجعله خاضعا للظروف المعيشية القاسية او التي لاتدر عليه ربحا يوازي الجهد المبذول!ولذلك نرى الثراء الغير طبيعي للمبدعين في الغرب والفقر المخزي للمبدعين في العالم الثالث ومنه بالطبع العالم العربي!ويمكن رؤية الكثير من الامثلة الواقعية ففي الحالة الاولى يكون الانتاج الفكري هو وسيلة عمل مثالية لايحظى بها الا الحالمون والمجدون بينما في عالمنا الثالث هو وسيلة تدميرية للذات بحيث يكون الناشر غالبا صاحب الكتاب نفسه الذي يفقد مقدرته المالية في سبيل نشر ما ينتجه لا ان يحصل على عائد يوازي الجهد المبذول لاخراجه الى العلن!...


نحتاج الى مشاريع ثقافية ضخمة تسد النقص الواضح في عالم الطباعة والنشر او في شبكة الانترنت،وتوفر المال والقدرات البشرية ليس صعبا حتى يتم التغاضي عن التفكير في هكذا مشاريع،بل التجاهل غالبا ما يكون متعمدا ومن يريد اثبات العكس عليه البرهان عمليا وليس خطابيا....