إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/12/18

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الحادي والخمسون

المبحث الثالث:



الخروج من القمقم:رعب وانتقام


تعيش الشعوب الخاضعة لنظم الطبقات الفوقية والتي لا تلتزم الديمقراطية كمنهج ثابت للحكم،في غيبوبة طويلة مستمرة ومنقطعة عن صور الحياة الحرة والتي تنكشف خلالها المشاكل الداخلية بشفافية مرئية في واقع لا يهرب الجميع منه بل على العكس يحاولون اصلاحه بغية العيش في رفاهية وعدالة،ولذلك يخضع الجميع تحت حكم الطبقات الفوقية المسيطرة سياسيا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا الى عبودية رهيبة قد لا يشعر بها المرء الا اذا خرج بلياقة عقلية كاملة وبسند ثقافي رفيع يجعله قادرا على كشف الزائف من الحقيقي من عالم لايخضع الى نفس الاساليب التضليلية،تلك الصورة القاتمة تزداد بشاعة اذا لاحظنا الكثيرين الذين تتسنى لهم الفرص في النفاذ بجلدهم من محرقة الشخصية المستقلة في عدم استعدادهم النفسي والبدني في تقبل الامر الجديد فيرجعون بأرادة مدمجة بلا وعي وتحت غطاء من التبريرات التي قد تكون غير واقعية الى مكان الاستلاب الانساني وبدون ادنى مقاومة!لكون الالة الوحشية وبصورتيها الناعمة والخشنة بأنتظاره حتى يتم البدء بغسيل المخ وفق منهاج ثابت من التغييب والسلب لكافة القيم الحرة.


الحقبة الزمنية الطويلة،دائما تجلب معها قيما اجتماعية جديدة يساعد الحكم على ترويضها وتطويعها لخدمة مصالحه الطويلة الاجل،ولذلك فأن اي خروج عن تلك الارادات القديمة يمثل حالة من الخروج عن المألوف والتي تجلب معها المتاعب اذا لم تخرجه من واقع الحياة نهائيا!...ولكن الملاحظ ان الاحتكاك مع الشعوب الاخرى وخاصة اثناء فترات العيش المشترك من قبيل العمل لفترة طويلة او الدراسة الخارجية،برغم اهميتها البالغة الا انها لاتجلب معها سلاح التغيير المنشود ويعود ذلك الى اسباب عديدة قد يكون ابرزها قوة الالة الحاكمة وشدة قسوتها بالاضافة الى الخضوع لقيم التربية التقليدية التي تحث على الطاعة العمياء وبالتالي تفوقها على القيم الجديدة المتعارضة معها مع ملاحظة ضعف الاستعداد النفسي والبدني وضعف المستوى الفكري لتقبل القيم الجديدة،ولذلك فأن العودة سوف تكون كمثل استيراد مواد مصنعة من المواد الاولية المصدرة سلفا... فهي جامدة بلا روح!.


التمرد لا يمكن تفسيره بشكل ظاهري كتقليد لبس ملابس او اكل طعام او ممارسات اجتماعية لا اخلاقية في التصور العام...بل التمرد الحقيقي هو الذي يدخل في المجالات المحرم دخولها على غير الحاكمين ومن ابرزها الفكري الذي يرفض العبودية الفكرية بصيغها المتعددة وتطبيقاتها اللامتناهية من البدع البشرية...


ولذلك فأن هذا التمرد يحمل مدلولات خطيرة على الفئات الحاكمة بمختلف توجهاتها التي ترى ان الدخول في مجالاتها الخاصة كدخول الشياطين الى الجنة!...


معنى ذلك ان التمردات الحقيقية بصيغتها الجمعية هي نادرة وعلاوة على ذلك فهي ايضا تخضع لندرة اخرى تتمثل في صعوبة نجاحها في التغيير والسيطرة والاستمرار وفق المبادئ الجديدة التي تختلف كليا عن القديم المستحكم...وحتى لو نجحت تلك التمردات النادرة فأن صعوبة التحكم بسلوكيات القائمين بها وفق الاصول الجديدة من التصورات المستحدثة هي مهمة صعبة للغاية يطلق عليها احيانا عبارة ان الثورات تأكل ابنائها... بل هي مقبرة الثورات الحقيقية!.


ان غياب مظاهر العنف والانتقام وظهور الخلافات العرقية والدينية والاجتماعية في المجتمعات الخاضعة لحكم الطبقات الفوقية هو ليس دلالة على نجاحها في طريقة الحكم التي تلائم مجتمعاتها الخاضعة لها...بل على العكس من ذلك! هو فشل فظيع لا يبتلي به الا من يورثه وفي داخله الرغبة في التغيير!...ويعود ذلك الى ان آلة القمع والارهاب والمصادرة الفكرية للحاكمين هي لا تدع مجالا لكل من يثير عليها سكون الحكم وهدوئه من خلال اثارة مايمكن الشعور به بظلم او مطالبة اجتماعية ملحة مع ملاحظة ان ذلك يكون مدعاة لمشاركة فئات مغيبة عن السلطات الفوقية وطبقاتها الهادئة...معنى ذلك ان قوة التسلط كافية لصد اي مؤثر معادي وقبره في مكانه وبدون اي ضوضاء او كشف لملابسات التصفية!...


ان التغطية الاعلامية للحكم ضرورية بما لايدع مجالا للشك في انه مفيد في تقطيع اوصال المشاكل الناتجة من الحكم وجعل الجميع يتصور بضألة حجم تلك المشاكل هذا اذا تمت معرفتها بحرية!...ويدخل هنا عاملي الكذب والتحريف بصورة قوية في اعطاء صور وهمية للوضع المستقر الذي يكون على شكل نار هادئة لا ترى وتحت رماد يمكن اطفائه بقبضة ماء!...حسب ادعائهم.


الفوضى والانتقام:


من البديهيات المرئية بعد خروج الشعوب من غيبوبتها الطويلة،هي تتلخص في ان المشاكل سوف تخرج من القمقم بصورة طبيعية ويراها الجميع بصورتها العنيفة في بداية الامر والذي يكون من القسوة بحيث يجعل التمني في العودة للماضي المؤلم امرا واقعيا تفرضه الظروف غير الملائمة للتغيير السلمي!...هي في الحقيقة مثل عملية جراحية ناجحة ولكن مؤلمة تكون مخلصة للورم الخبيث المستشري في الجسم،ومعنى ذلك ان الجسم بعد التعب سوف يستعيد نشاطه بالتدريج!...


من اولى الاعمال المتعارف عليها هي حالة الفوضى بفعل غياب الاجهزة الامنية المسيطرة ويتبع ذلك شيوع حالة مرعبة من الانتقام من كافة الفئات المتحكمة سابقا حتى يصل الى تعرض الكثير من الابرياء للابادة بفعل عشوائية عامل الانتقام وطرقه المرعبة...ومن خلال هاذين العاملين يرى الجميع الواقع الحقيقي الذي جرى التكتم عليه لفترة طويلة بغطاء سميك لا يمكن النفاذ منه!...


من ابرز مظاهر تلك المرحلة الضرورية!هي شيوع حالات الصراع العرقي والديني والاجتماعي والفئوي الى درجة يصعب احيانا الفصل بينها...وبالرغم من ان تلك المظاهر يصعب احيانا السيطرة عليها الا انها تكون كمثل عملية جراحية مستعجلة لازالة اورام خبيثة طال بقائها في الجسم!...حتى اننا نرى بعد ذلك يرجع الجسم الى حالته الطبيعية بعد استئصال تلك الزوائد المعيقة لحركته الطبيعية.


الامثلة عديدة جرت وقائعها في بقاع مختلفة حتى اصبحت قانونا ثابتا لا يمكن نكرانه او الابتعاد عن تطبيقه برغم قسوته الظاهرية!...لقد خضعت شعوب طويلة لاجراءات قاسية من الحكم الطويل لطبقات فوقية متسلطة ولكن بعد حدوث التغيير الراديكالي الذي يكون العنف مصاحبا له في العادة! فأن الحالة سوف تكون مستقرة بصورة اكثر وضوحا برغم ضبابيتها في العقد الاول من الزمن...


واخر الامثلة في التغيير الجذري هو الذي حدث في العراق وأفغانستان في الالفية الثالثة رغم ان مصدره خارجي،وفي العقود الاخيرة من القرن العشرين في ايران ونيكاراغوا وكوبا وغيرها او من خلال ذكر الثورات القديمة العالمية التأثير والتي اسست مجتمعات حديثة مثل ثورة الاستقلال الامريكية والثورتين الفرنسية والروسية...ولم يخرج التغيير السلمي في اوروبا الشرقية من تلك القاعدة المرعبة كما لاحظنا ذلك في يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي السابق ولكن البلاد المجاورة والتي خرجت ايضا بنفس الفترة ولم تخضع للعنف لانها بقيت تحت نفس حكم الطبقات السابقة ولكن بوجوه جديدة استطاعت السيطرة على الامور قبل خروج الامور من ايديها ولكن بنفس الاساليب المستخدمة سابقا!...


ان الصراعات التالية لمرحلة التغيير الجذري هي نتائج طبيعية لطريقة الحكم السابقة وبالتالي فأن الخروج من تلك القاعدة هي كمثل البقاء تحت رحمة اخطاء المراحل السابقة!...


تنشأ بعد ذلك قيما جديدة تحكم السلوك الاجتماعي بفعل التغييرات التي اصابت المجتمع وتبقى حالة الصراع مع القيم القديمة والتي يحاول مناصروها استخدام كافة الوسائل لافشال الجديدة بغية العودة الى السيطرة على الحكم من جديد ومن ضمنها الاستعانة بالخارج المتحالف معها!...والقيم الجديدة هي تفرض ارادتها في الغالب لكونها تمثل قيما جمعية لغالبية مستبعدة لا ترى في التغيير رغم فداحة الخسائر،الا انتصارا لها على اعدائها المتحكمين في السابق وتبقى بعد ذلك المهمة الكبرى المتمثلة في الاستمرار في التغيير حتى يصل المجتمع الى توازن طبيعي يخضع الجميع له في حكم خال من الطبقات الفوقية...














ليست هناك تعليقات: