إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/12/23

نهج الحكمة 2



مصادر الحكمة التدوينية:


منذ ان بدأت الحكمة تأخذ حيزها المعروف ضمن المعرفة الانسانية منذ القدم،بدأ معها تدوين الحكمة بمختلف فروعها والطرق المتبعة للسير على نهجها القويم...وكما هو معروف مدى تداخل الحكمة والفلسفة وبقية العلوم الكلامية ولذلك جاء التأليف جامعا لهم وبالتالي فأن التدوين وخاصة المطبوع منه هو الذي حفظ لنا خلاصة وعصارة الفكر الانساني الطويل ضمن مسيرته الطويلة وقد ترك لنا الاسلاف تراثا كبيرا يمثل الحكمة والفلسفة وبقية العلوم العقلية...


وبما ان الحكمة وفق المنظور الديني تختلف عن الحكمة وفق المنظور غير الديني، فأن الاول اي الديني هو الاكثر حجما لكون الاديان خير محفز للبشر على اتباع التعاليم الاخلاقية التي تهدف الى تهذيب البشر وفق منظومة اجتماعية مثالية بينما في الفلسفات الوضعية تقل تلك الدعوات رغم انها لاتغيب عنه!...


الديني ايضا ينقسم بأنقسام الاديان ولذلك فأن الحكمة الاسلامية تمثل مكانا عاليا ضمن الفكر الديني العالمي نظرا لما يمثله ذلك الفكر من تراث غني ناتج من مصادر معرفية تسير وفق اصول مختلف المدارس الفقهية والاخلاقية والادبية التي هي ناتجة من اختلاف التفسير والرؤى لتعاليم واهداف هذا الدين العظيم الذي يمثل بحجمه الفكري،الحيز الاكبر ضمن مدارس الحكمة في العالم...


خلال العصور المختلفة تطورت الافكار والاراء الى ان وصلت الى تلك الحالة المعاصرة من التقدم،والعلوم الكلامية والاخلاقية لا تشذ عن ذلك ولذلك فأن المصادر التدوينية المطبوعة والتي تمثل ثروة انسانية بلا شك،قد تطورت في الكم والنوع،وبالتأكيد فأن المصادر المتأخرة هي اكثر رقيا من المتقدمة نظرا لثراء تراكم المعرفة النظرية والتطبيقية وتراكم الخبرات البشرية مما يستوجب ايضا حصول تقدم في ظهور الابداعات الفكرية...


من اروع الانجازات المطبوعة في مجال الحكمة هو كتاب ميزان الحكمة... وهو موسوعة حديثية للعلامة محمد الريشهري(1946-)وقد طبعها للمرة الاولى عام 1984 وصدرت العديد من الطبعات المنقحة لها ومن ضمنها العربية بالطبع وضمت الطبعات الاولى 9 مجلدات من ضمنها مجلد مفهرس للمواضيع والاحاديث والشخصيات الخ...ونظرا لاتساع حجم المواضيع التي لم تدرج ضمن الموسوعة حسب رأي المؤلف،فقد بدأ مع مجموعة من المحققين في احد المراكز البحثية في توسعة العمل ليشمل فروع ومباحث جديدة للحكمة وخاصة الحوادث ذات العلاقة والواقعة في التاريخ الاسلامي ويقدر ان يصل حجم الموسوعة في نهاية ذلك العمل العظيم الى اكثر من 50 مجلدا كبيرا!...هذا الكتاب وكما هو مذكور في غلافه الاول هو كتاب اخلاقي ،عقائدي ،اجتماعي ،سياسي ، اقتصادي،ادبي ... يقسم حسب طبعة 1996 الى 564 عنوان رئيسي وحسب حروف الابجدية العربية ثم يتفرع الى عناوين فرعية ضمن كل منها تضم طائفة كبيرة الاحاديث المروية(عددها 23030) بسند قوي ومعتبر عن النبي(ص) وأهل بيته(ع) مسبوقة بآيات قرانية قصيرة وحسب سياق العنوان ومضمونه مع بعض البحوث المختصرة ايضا التي نراها في بعض ثنايا الكتاب...


طريقة تأليف الكتاب هي من البراعة بلا شك التي تتضمن طريقة التقسيم والتبويب للاحاديث الموثقة وخاصة ضمن تلك المواضيع التي تدرج على اساس الحكمة والتي هي ثروة فكرية تساعد على بناء علم اخلاقي رفيع المستوى،وهي جاءت ضمن مجهود تأليفي كبير خلال فترة طويلة شرح اسباب قيامه به في المقدمة...


ومن المصادر التدوينية المطبوعة هي كتب الحكمة والفلسفة للعلامة المحقق الطباطبائي(ت1981) صاحب تفسير الميزان الشهير والذي كان نموذجا مثاليا يندر وجوده لرجل الدين في تطبيق التعاليم الرفيعة المنصوص عليها فقد كان ذو روحانية نادرة قلما يصل اليها شخص في زماننا الحاضر، نذكر منها كتابيه بداية الحكمة،ونهاية الحكمة...وغيرها وهو صاحب مدرسة معرفية واخلاقية شهيرة خرجت الكثير من الافذاذ الذي ملئوا عالم الفكر والمعرفة بأطروحاتهم وانجازاتهم....


كما ان للعلامة كمال الحيدري الكثير من المؤلفات القيمة التي تشرح وباسلوب جميل جميع مباحث العلوم العقلية مع عدد كبير من الدروس المرئية والمسموعة والتي تشرح ادق معالم الحكمة واصولها...


طبعا نختصر هنا ذكر المزيد والا فأن لكل واحد من هؤلاء الفطاحل الافذاذ حديث قد يصل الى مجلدات كبيرة لا يتسع المجال هنا لذكر مقدمة عنهم فكيف عرضا لسيرتهم العطرة!...


يتبين لنا ايضا ان الجانب الاخلاقي يطغى على سيرة وسلوك القائمين بنشر وتدوين الحكمة وشروحاتها،هذا بالاضافة الى عملهم في شرح المباني المعرفية التي تختص بالجانب الفلسفي والعقائدي...


اما في التاريخ الاسلامي فقد برزت الحكمة والاهتمام بها من خلال انشاء الخليفة العباسي المأمون لبيت الحكمة في بغداد والذي كان بمثابة جامعة حديثة للعلوم العقلية والنقلية والتي بدأت اعمالها في ترجمة الكتب من الحضارات القديمة وبخاصة اليونانية ثم العمل على تطويرها وبما يناسب الحضارة الانسانية معتمدة على مصادر الثقافة الاسلامية العريقة...لقد ساهمت تلك المبادرة على تطور الحياة العقلية في العالم الاسلامي بحيث اصبح نموذجا عالميا للتعايش الخلاق بين مختلف الحضارات...


وقبل ذلك ساهمت الحضارات القديمة وبخاصة الحضارات اليونانية والهندية والصينية والمصرية في تأسيس وتطوير العلوم العقلية والتي هي اساس الحكمة والتي تعتبر اعلى مراحل الفلسفة وتطورها مع تدوين المنهج وتطبيقه على يد مؤسسيه بالدرجة الاولى بغية الحصول على مراتب روحانية سامية،ترفع الانسان من المستوى الوضيع الذي وصل اليه نتيجة لافعاله الشريرة،الى مستوى اخلاقي رفيع يجلب السعادة الابدية الى البشرية قاطبة...

ليست هناك تعليقات: