إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/09/02

تهافت المجالس الاقليمية العربية - القسم الثاني

الخلافات الحدودية بين دوله شكلت عائقا كبيرا في وحدة تلك الدول تحت مظلة واحدة،وهو عكس ماهو موجود في اوروبا التي تخلصت من آثار الحدود التدميرية واصبحت فقط موجودة على الخرائط السياسية بينما في الواقع العملي اصبحت دوله المختلفة تعيش في مجتمع متعولم واحد يضم شعوبا كثيرة مختلفة اشد الاختلاف عن شعوب العالم العربي او الشرق الاوسط بصورة خاصة ولكنها تعيش في حرية تكفل لها حق الاختيار وبالتالي اختيارها الافضل هو العيش بسلام مع الجيران ولكن بدون حدود مصطنعة!... والخلافات الحدودية هي نتيجة طبيعية لتقسيم خارجي لم يراعي الكثير من الخلافات التاريخية بل جعلها كقنبلة موقوتة بين دوله المختلفة،ومازالت الخلافات الحدودية تظهر على ارض الواقع لتسبب مشكلات كبيرة، لم تستطع اجهزة المجلس ان تحلها بل استندت في بعض الاحيان الى الحل الخارجي كما هو واقع بين قطر والبحرين والذي حلته محكمة العدل الدولية عام 2001 او الى القوة الاستعمارية البريطانية كما هو بين الامارات والسعودية والذي ظهر الخلاف مجددا حوله رغم الاتفاق بينهما على تحديد الحدود منذ عقود طويلة ! بالاضافة الى بين دوله ودول الجوار الجغرافي الاخرى ولاتوجد دولة واحدة من دوله تخلو من تلك المشاكل المستعصية على الحل النهائي العادل بسبب تراكمات تاريخية وسياسية مختلفة،وهو مسبب لكثير من الازمات التي يمكن ان تؤدي الى نتائج كارثية حتى بين دوله كما ظهر ذلك بين السعودية وقطر خلال فترة التسعينيات والذي تطور الى نزاع سياسي كان سلاح الاعلام احد وجوهه...
الخلافات الاقتصادية ايضا موجودة حتى جعلت من اهداف التجمع الطموحة خرافة بعيدة المنال على المدى المتوسط! ورغم التقارب بين طبيعة المنتج الوحيد لدوله وهو النفط مع قلة السكان وارتفاع المستوى المعيشي الذي يختلف بين اقصاه في الامارات ثم قطر والكويت والسعودية الى عمان والبحرين الاقل حظوظا بين دوله،ولكن الفارق ليس كبيرا الى درجة يمنع الانتساب الى مجلس احد ابرز اسسه الثراء النفطي الجامع بين دوله كما في محاولة اليمن في الانتساب!،ولكن طرق الادارة والتفاصيل في النظام الاقتصادي تبقى مختلفة الى درجة جعلت دوله لحد الان عاجزة عن اصدار عملة خليجية موحدة بل حتى في الاتفاق على مكان وجود البنك المركزي الموحد والذي كان اختيار الرياض مقرا له سببا في خروج الامارات من تجمعه!ثم قبلها عمان لاسباب غير واضحة المعالم!،وبالتالي فأن الهدف الاقتصادي الامثل المتمثل في وحدة اقتصادية ترتكز على عملة موحدة اصبح بعيدا عن الواقع المرجو له بسبب خلافات قد يراه البعض سطحية او تدل على عدم نضج سياسي يمكن له تمرير تلك الخلافات الجانبية الى الاتفاق على اهداف اكثر واقعية لخدمة شعوبه...
اما من ناحية الهدف الاساس من المجلس وهو التصدي لكل التحديات الخارجية، فهو ليس فقط خرافة غير واقعية بل اضحوكة طال امدها!...فدول المجلس عاجزة حتى بصورتها الجمعية من الوقوف امام دول الجوار الكبيرة رغم انفاقها الدفاعي والامني الضخم والذي يفوق دول كبرى عديدة!،بل ان اكبر دوله وهي السعودية ليست بقادرة على سحق التحدي الذي قد يظهر مستقبلا من جانب دولة فقيرة كاليمن فكيف بدول بحجم ايران والعراق!ولذلك استندت جميع تلك الدول على الحماية الخارجية وبالتالي اصبحنا امام امرا واقعا وهو تلاشي الهدف الاسمى في الدفاع الذاتي ولو بصورة جماعية لدوله،ولم تستطع تلك الدول ان تبني حتى قوة مشتركة يمكن ان يحسب لها حساب بل بقيت القوة اليتيمة الموحدة (درج الجزيرة) عاجزة عن الدفاع عن اصغر دوله بل وحتى منع نشوب النزاعات المسلحة التي قد تظهر على السطح بين اعضائه!...
طريقة عمل هيئات المجلس لاترقى الى مستوى عمل اجهزة الاتحاد الاوروبي وبذلك يمكن رؤية الخلافات المستمرة حول المناصب العليا واحيانا يتمسك فرد او دولة بالمنصب بطريقة اقرب الى عمل الجامعة العربية وهيمنة العنصر المصري على هيئاته ومناصبه المختلفة! وهنا يمكن معرفة ضعف ارادة الدول المنضوية السياسية في التنازل عن الكثير من صلاحياتها لتلك الهيئات التي تعمل عمل حكومة المركز ولو بصيغتها التشريعية، فالعمل الجمعي احد ابرز شروطه هو التنازل بصورة ارادية عن الكثير من الصلاحيات لصالح هيئات مشتركة بين العديد من الدول لتحقيق الفائدة القصوى من التعاون والتحالف.
مازالت دوله تنظر بريبة الى الدور السعودي الذي يريد الهيمنة الكاملة او على الاقل الاعتراف بدور الاخ الاكبر،وهو دور لايصل الى طريقة الهيمنة الامريكية على العالم الغربي،ولكن يختزن بداخله تراث طويل من الصراع القبلي والمذهبي الدموي الذي مازال يرفضه الكثيرون ولذلك نجد ان الخلاف حول هذا الدور هو موجود عند الجميع بلا استثناء ولكن يفرض الواقع والتحديات عدم البوح به!وهو يمتاز بتطرف الرفض من جانب دولة مثل قطر الى الخضوع شبه الكامل في دولة صغيرة تحتاج الى الدعم السعودي المستمر مثل البحرين ويمكن رؤية رفض الهيمنة حتى في الجوانب الاقتصادية والامثلة عديدة...هذا من ناحية المجلس الاقليمي المستمر اما من ناحية المجلسين الاخرين واللذان ولدا في يومين متتاليين في شباط 1989! فقد ولدا ميتين منذ البداية لاسباب كثيرة لاتخفى على احد،وقد يكون التسرع في التأسيس وبدون دراسة كاملة لبناء تكتل يجمع دوله مع انعدام الرغبة الصادقة في العمل المشترك بين دوله من اهم اسباب سقوطه المفضوح والمخزي...فالمجلس الذي تشكل بين العراق ومصر والاردن واليمن كان محاولة من قبل الديكتاتور صدام للهيمنة على دوله ومن ثم بقية العالم العربي،بينما كانت رغبة حسني مبارك هو العودة الى صفوف العالم العربي بعد مقاطعة كامب ديفيد والاستفادة من التناقضات العربية المستمرة في الهيمنة من جديد بينما بقي الاخران(الاردن واليمن) بدون اهداف معلنة سوى الاستفادة من وجود الاخوين الكبيرين المتصارعين!...وهذا المجلس كان يضم مجموعة من الدول الاكثر تخلفا نتيجة للفساد والصراعات الناتجة من الديكتاتورية المتحكمة في دوله وهو في الحقيقة كان محور الفقراء نتيجة لمحدودية الموارد الطبيعية في دوله ماعدا العراق،وكذلك للفاصل الجغرافي بين دوله يجعل من الصعب بناء تكتل اقتصادي يمكن ان يتطور بسرعة والسبب الاقوى في جمع قادته على هذا المجلس هو اتحادهم في الحرب المفروضة على ايران،ولذلك فأن اتحاد يجمع قادة بتلك الصفات مصيره الفشل الذريع مع ملاحظة هامة وهو انعدام المشاركة الشعبية بصورة شبه مطلقة ليس فقط في هذا المجلس بل في المجلسين الاخرين!وهذا يسبب ضعف قابلية البقاء والصمود في مواجهة الظروف الدولية القاهرة...وقد سقط المجلس في اول امتحان له بعد سنة ونصف نتيجة لاجتياح صدام للكويت ووقوف الملك الاردني والرئيس اليمني الى جانبه بينما قرر الرئيس المصري الاصطفاف مع الاخرين الاكثر قوة وثراء لاسباب انتهازية معروفة للجميع حصل بمقتضاها على الاجر الكامل! ولكنه بقي خارج المجلس الخليجي لاسباب عديدة معروفة.
اما المجلس الثالث والذي ولد بعد الثاني بيوم واحد فقط! فهو قد سقط منذ البداية في التناقضات المستحكمة بين دوله والتي بدأت منذ استقلال دوله،ويبقى النزاع المغربي - الجزائري هو الاكثر حدة بسبب الصراع على الصحراء الغربية بالاضافة الى محاولة القذافي تزعم الاتحاد المغاربي بعد ان فشل في فرض نفسه على العالم العربي،ولكن هذه المحاولة ايضا قد فشلت لاسباب عديدة اهمها الفارق السكاني الكبير بين ليبيا والاخرين رغم امتلاك الاولى للنفط مع التفكير الغير واقعي للقذافي في قيادته لليبيا،ولكنه لم ييأس فأدار و جهه صوب الدول الافريقية في محاولة لجمعها في تكتل قريب للاتحاد الاوروبي مع القفز على التناقضات الكبيرة بين دول القارة لتحقيق هذا الهدف الغير واقعي حتى في المدى البعيد،ورغم استفادته من اموال النفط الا ان طموحه قد اصابه اليأس بسبب رفض الدول الافريقية الكبيرة للقيادة الليبية له!...وبذلك يكون المجلس الثالث قد فشل في جميع الاهداف المعلنة...فرغم ان دوله متقاربة اقتصاديا وجغرافيا الا انه فشل حتى في وقف النزاع الصحراوي او حل المشاكل القائمة بين بقية دوله،فأنتهى التجمع بصورة رسمية ولم يبقى منه سوى الهيكل كمصير المجلس الثاني...فيما بقي المجلس الاول يصارع للبقاء رغم تحديات الصراعات الجانبية والانانية المفرطة والظروف الدولية!...
تلك المجالس الاقليمية وظروف نشئتها الغريبة،وهي لن تقدم اي جديد للعالم العربي سوى منجزات ضئيلة لاترقى لمستوى الذكر!..وتبقى الرغبة الصادقة المخلصة هي الحلقة الذهبية المفقودة في بناء تكتل سياسي واقتصادي بين دول العالم العربي،كما تبقى ظاهرة الصراعات الجانبية وانتشار الفساد وضعف المشاركة العربية التي ترقى الى مستوى الفضيحة،هي من اهم اسباب ذلك الفشل...
عمل التكتلات يحتاج الى ارادة سياسية واقتصادية وشعبية ترتكز على اسس فكرية قوية تستطيع الوقوف اما التحديات المختلفة وتؤسس لعمل جمعي يخدم شعوب العالم العربي التي تحكمه فروقات لا تصل الى فروقات شعوب اوروبا ولكن الاخيرة ومع توفر الارادة الحرة المستقلة بنت وحدتها بطريقة ذكية وشجاعة مع توفر قيادات متحضرة ومنتخبة لا تستطيع فعل شيء بدون موافقة ناخبيها وبالتالي بني الاتحاد على اسس محكمة في ارض صلبة ...فحقق تلك النتائج الباهرة.
ولم يكن كالمجالس الاقليمية العربية التي لاتتوفر فيها ابسط شروط البقاء والنمو مما سبب في موتها في مهدها دون ان تتطور لتضم الاخرين لها!...
تهافت تلك المجالس امرا مفرغا منه ولا يحتاج الى ادلة تفصيلية... والمشاكل القائمة تدحض كل ادعاء اعلامي بنجاحه...وهنا تفرض الضرورات عملية البدء ببناء تكتلات مستقبلية تكون مختلفة تماما تجارب الماضي الفاشلة...

ليست هناك تعليقات: