إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/08/11

حقا منطق غريب

حقا منطق غريب:
في سؤالي لاحد الاصدقاء حول قراءاته الحالية بعد ان كان قارئا سابقا...قال انه امتنع من القراءة بسبب كون المؤلفين لايعملون بما يكتبونه لنا خاصة في المؤلفات الدينية والاخلاقية التي تحتاج الى مثالية في ذهن القارئ للمؤلف ولو بصورة لاوعي! وبالتالي فأنه ليس مجبرا على تطبيق مايكتبونه،وأذن فالقراءة ليس جديرة اذا كان مايقرأه لايطبق على الجميع...المؤلفين والقراء!...تسلسل غريب في القياس على اسس واهية مبنية من اعذار لاتقوى على الصمود!...
في الواقع ان ذلك العذر مشاع بين عدد كبير من الناس!رغم انه من الناحية الشكلية قد يكون مقنعا للبعض ولكنه واهن البرهان في داخله الى درجة لو كان صحيحا لرأينا البشر مازالوا جالسين على التراب في داخل الكهوف ينتظرون صيد بعض الحيوانات لأكلها لان كل من يعمل لبناء الحضارة الانسانية يجب ان يكون مثاليا الى الجميع حتى يمكن العمل بما جاء!!...
لقد اشتهر عدد كبير من عباقرة البشر في شتى صنوف المعرفة،بسوء الاخلاق الا ان ذلك ليس مانعا قويا حتى يمكن لنا وضع خطوط حمراء لكل ما ينشرونه من علم ومعرفة لخدمة البشر،والبشر كما هو في الواقع خطاؤون الى درجة عالية من الحمق والمشاعية بحيث تجعل مثاليتهم محصورة بفئة قليلة من البشر يستحقون عليها مظاهر الاحترام والتبجيل والتقدير...وحتى تلك الفئة الصغيرة لم تسلم في حياتها ومماتها من التصفية الجسدية والمعنوية وتشويه تاريخها الناصع البياض الذي لاينكره الا المنكرون الاغبياء ومن والهم من اصحاب العقول التلقينية!...
في التاريخ نماذج كثيرة لاحصر لها من اصحاب المراتب العليا في الذكاء والعبقرية ولكن كانوا على درجة عالية من الانحراف الاخلاقي ...ففلاسفة اليونان القدماء ومنهم افلاطون على سبيل المثال اشتهروا بالشذوذ الجنسي،رغم ان مؤلفاتهم كانت تحث على عمل الفضائل بشتى صورها بغية بناء نموذج حضاري مثالي!...
وفي التاريخ الاسلامي الكثير من تلك النماذج التي تحتاج الى مجلدات لذكرها، ولانذكر هنا بعض مشاهير القادة في الدول الاسلامية وانحرافاتهم لانهم ليسوا ممن حمل راية العلم والمعرفة لينيروا البشرية بها لان مجال اختصاصهم محصور في الحكم وسلبياته المعروفة وبالتالي فأن عدم ذكرهم هنا اكثر جدوى واهمية لنا في الاختصار المفيد!...ولكن في العلوم المختلفة اشتهر الكثيرين بأنحرافاتهم الاخلاقية ...فمثلا المؤرخ والعلامة ابن خلكان كان يحب احد الغلمان!وابو الفرج الاصفهاني كان كذلك...هذا بالاضافة الى ان الكثيرين من العلماء كانوا مع الخلفاء في تأييد سيرتهم السيئة وتبريرها للرأي العام او مشاركين لهم في مجونهم!...
وفي الاقتصاد كان عباقرة الاقتصادين الاشتراكي والرأسمالي على نفس الدرجة من الانحلال الاخلاقي او عدم تطبيق ما يدعون اليه من مبادئ وقيم دالة على تقديس الاخلاق العامة...فعلى سبيل المثال كارل ماركس(1818-1883) كان الداعية الاول لتحرير العمال من العبودية واخذ حقوقهم من ارباب الاعمال حتى لو تم اللجوء الى القوة والعنف!بينما هو يستخدم في بيته الخدم ويعيش عالة على صديقه انجلز!...والاقتصادي الرأسمالي العبقري جون ماينارد كينز(1883-1946) الذي انقذ العالم بأطروحاته العلمية الرصينة،كان شاذا جنسيا في شبابه!وفي زمر اصدقاء السوء!...كذلك الاديب اوسكار وايلد الشاعر والروائي العبقري كان ايضا شاذا ومنحرفا حتى سجن!...وفي فرنسا كان فولتير وروسو من الامثلة المشهورة..
اما في عصرنا الحاضر...فالمآخذ على بعض رجال الدين والاخلاق والمفكرين هي كثيرة في سيرتهم البشعة!ولكن ذلك لايمنعنا بتاتا من اخذ ما تجود به لنا عقولهم واقلامهم...فالعبرة بقيمة الانتاج وهو الذي يجعلنا نحتاجه لبناء حياة مثلى في شتى فروعها...ولكن تبقى حياتهم الشخصية ملكا لهم مهما كانت سيئة!...نعم قد نشين ذلك ولكن لايمنع ذلك في اتباع افكارهم النيرة التي تخالف سيرتهم هم اولا!...
ليس عذرا ابدا ان نمتنع من التعلم او القراءة بحجة ان الاستاذ او المؤلف سيء الاخلاق او لايطبق ما يدعو اليه...والا لبقي اغلبية الطلاب بدون اساتذة !..وبقيت مكتباتنا تشكو من النقص الفادح في المؤلفات لاننا نحرق كل ما يكتبه لنا الفاسدون اخلاقيا!...
وتبقى هنالك شواذ في تلك القاعدة التي تهمل سيرة المبدعين،فمثلا في السياسة تختلف الامور والشخص الفاسد سوف يكون وجوده وعمله وبالا على المجتمع وبالتالي رفض مايقوم به واجب شرعي ووطني واخلاقي...ثم ان الشخص العامل في السياسة ليس مبدعا حتى نميزه عن الاخرين! بل ابداعه يرتكز في الاساس على خداع اكبر عدد ممكن من الناس في ابدع صورة لغوية ينطقها لسانه!...
لنأخذ الحكمة والعلم والمعرفة من الجميع ولو من افواه الفاسدين...اليس هنالك قولا شهيرا في اخذ الحكمة من افواه المجانين!...

ليست هناك تعليقات: