إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/08/19

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الحادي والاربعون

7- استعراض نماذج:
الكثير من الدول الحالية هي امثلة نموذجية يمكن للجميع وضعها تحت المجهر العلمي ليتبين لنا انه لاتخلوا دولة تقريبا في العالم في فترات تاريخها من الحقب السوداء والتي من ضمنها التغييرات الفوقية ولذلك فأن الجميع قد دخل في مستنقع تلك الاساطير الفوقية الخرافية...ولكن هنا يجب الانتباه الى ان كل دولة لها خصوصيتها(نبتعد عن التصنيفات الاخرى كالاقليم او الحزب، باعتبار ان الدولة كيان سياسي يعتاد على التغيير الفوقي) والتي يجعلها مختلفة عن الاخرين وبذلك تكون مظاهر تلك الاساطير الكاذبة للتغيير مختلفة بين دولة واخرى،فنجد الشدة والتطرف في دولة ما ونجد التغيير المخملي في دولة اخرى! وكل ذلك يخضع لطبيعة الشعوب والفئات الحاكمة والتأثيرات الدولية عليها مع توفر ظروف موضوعية لتلك المتغيرات تجعلها مختلفة عن الاخرين...الجميع دخل في حقبات زمنية مختلفة من تاريخه في معمعة التغيير الفوقي ولكن المحظوظ من خرج منها بدون خسائر بشرية او مادية او بأقل كلفة! لان عادة التغيير او الصفة الملازمة له هي انها تجري بصراع مكشوف ظاهر او مستتر يحتاج الى معرفة عميقة وفي الحالتين يكلفان الكثير...حتى الدول الديمقراطية العريقة مرت بتلك الحقب المظلمة ويمكن لأي قارئ للتاريخ ان يكشف بسهولة مدى قسوة الصراعات بين الافراد والمجموعات على السلطة وفي اغلبيتها تنتمي الى الطبقات العليا للمجتمع ومن ركب معهم السفينة من القاع!...فأذا اراد الباحث ان يطبق النماذج الحالية والسابقة لاشكال الدول فسوف يستطيع بسهولة ان يبين حجم ونتائج تلك الاساطير للتغيير الوهمي وبذلك فأننا سوف نحتاج الى مجلدات ضخمة لمعرفة حقيقة كافة الاساطير للتغييرات الفوقية لجميع الدول وفي مختلف الحقب التاريخية...الشعوب جميعها تخضع للتغيير في طبيعة حياتها المستمرة وتلك هي سنة كونية ابدية لا يستطيع احد الوقوف بوجهها ثم اخضاعها بل حتى تحجيم التغيير ومهما حاول البشر ان يوقفوا زحفه او يعرقلوه بطرقهم المختلفة فأن النهاية الطبيعية سوف تكسر كل القيود والاغلال الموضوعة في حركة الشعوب التي تتوق للتغيير نحو حياة حرة كريمة خالية من النفاق والاستغلال ومظاهر التسلط والاستعباد...من طبيعة الشعوب الاختلاف وبذلك ينعكس ايضا وبصورة طبيعية على خضوعها للتغيير الفوقي لطبقات مجتمعها ،فهنالك شعوب تبذل الدماء وتقاوم حتى لو كلفها الكثير بغية القضاء على تلك التغييرات الفوقية وجعلها تغييرات كاملة للمجتمع بمختلف طبقاته،بينما نجد هنالك شعوب اخرى تمتاز بمقاومتها السلمية او السلبية ورغم ان ذلك يعطي صورة سلبية عن طبيعتها ولكن ذلك لايقلل من قيمة مقاومتها او صورة شخصيتها بين الامم كافة...نعم ان الافضلية النسبية للامم الحرة المتحررة من تلك الاغلال والتي تبذل ما في وسعها للتحرر من سيطرة تلك الفئات الفوقية ولكن شعوب المقاومة السلبية هي تقاوم بطريقتها التي تلائم وضعيتها او ناتجة من طبيعة مكونات شعبها وتاريخه وتقاليده والتي تكون مؤثرة بحيث تصبح جزءا من شخصيته...
الشعوب التي تكون مقاومتها سلمية وسلبية للفئات المتسلطة عليه وحتى لو كان هنالك احتلال خارجي فسوف تبقى تلك المقاومة له سلبية في الغالب وهي عادة تكون طويلة الامد وخسائرها البشرية اقل ولكن الخسائر المادية اكثر بحكم طول فترة الخضوع لتلك المظالم الداخلية والخارجية ويمكن رؤية ذلك على بلد متعدد الاعراق مثل الهند او اندونيسيا او تايلاند او مصر كنموذج عربي،بينما نرى المقاومة المستمرة حتى لو بالعنف من جانب شعوب اخرى وقد يكلفها الكثير من الخسائر ولكن تختصر الزمن للوصول الى غاياتها المرجوة مثل ايران والعراق وافغانستان والجزائر وفلسطين وغيرها...في النهاية تبقى تلك الاختلافات شيء طبيعي لاختلاف البشر بطبيعة تكوين شخصيتهم التي تؤثر فيها الظروف الموضوعية من خلال حقب زمنية طويلة...
نستعرض هنا سريعا بعض الدول كنماذج للتغيير الفوقي والتي يجعلها دائما بعيدة عن واقع بقية فئات الشعب والذين يمثلون في الغالب الاغلبية المسحوقة او مكتومة الصوت !...
أ- السعودية:
هي دولة محكومة بنظام قبلي ديني متشدد بتحالف اسرتين هما ال سعود وهم الذين تسلموا زعامة الدولة وتحكموا بمصيرها تبعا لظروفهم المختلفة والاسرة الثانية هم ال الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذين تسلموا الزعامة الدينية ومنحوا الشرعية الدينية للاسرة الاولى! وفق تحالف غريب حقا وفريد من نوعه بل يخضع غالبا للتناقض بسبب طبيعة النظام الايديولوجية المتشددة وسيرته السياسية المتعارضة مع ذلك النهج !...لا احد يجادل بكون الحكم السعودي هو ملكي مطلق لايحق لاي فرد من ابناء الشعب المساهمة فيه بل وحتى ابداء الرأي دون التعرض للانتقام الشديد،وهي صفة عامة في العالم العربي ولكن تزداد تلك الصورة بتشدد رهيب في السعودية التي كان من حسن حظ نظامها امتلاك البلاد لثروة بترولية ضخمة سهلت عليه قبول نموذج نظامه المختلف كثيرا عن النظم السياسية الحديثة،وهذا شيء طبيعي في عالم تحكمه المصالح وحسب اما مسائل حقوق الانسان والشعوب فتلك اشياء تخضع للمصالح وتقلباتها المتغيرة بأستمرار،بل هي ورقة ضاغطة ومربحة بنفس الوقت لمن يستخدمها بمهارة عند الحاجة!...
كل تغيير سياسي في المملكة السعودية هو فوقي بأمتياز بحيث لايحتاج الى بذل الجهد لاستنباط ذلك ! وبالتالي فأن ماجرى في تاريخه الحديث هو يقع ضمن هذه الفئة الصغيرة من المجتمع والمتمثلة بتلك الاسرة التي تسمي البلاد بأسمها! الطبقة السياسية الفوقية للمجتمع هي ضيقة وليست موسعة لتشمل فئات اخرى متحالف معها بل هي في يد اسرة مالكة ضخمة العدد الى حد عجيب تتحكم في كل المناصب الرئيسية في الدولة ولايحق لاي شخص ان ينتزع ذلك الحق بالحكم وفق تبرير تاريخي هزيل كون ان الحق في ادارة الدولة لاي فئة كانت في العالم ليست مبنية على الحق المطلق سواء دينيا او مدنيا لها دون الاخرين بل ان السيطرة جائت بالغلبة والقوة وليس عن طريق آخر، اما الاسرة الثانية فمجال حكمها هو مذهب الشعب ولايحق لها التدخل في مجال عمل الاولى برغم ان الاولى وهي الاسرة الحاكمة تدخلت كثيرا للتخفيف من قيود الثانية المتزمتة ووفق متطلبات المراحل السياسية المختلفة...
نعم هنالك تحالف من القوى القبلية وطبقات المجتمع الفوقية الثرية مع الاسرة الحاكمة الا ان لذلك حدودا حمراء لا يستطيع احدا القفز فوقها! وهي مقتصرة على التأييد وليس على المعارضة! ولهذا نجد ان نظام الحكم يرفض بصورة مطلقة اي حديث عن اي شكل من اشكال المشاركة الشعبية حتى لو كانت بصورة انتخابات بلدية جزئية تكون صلاحياتها محصورة في نطاق الاحياء الشعبية! رغم ان ذلك اي المشاركة الشعبية هو ضروري لاي نظام حكم سياسي بحيث يكون وسيلة لتقويم اخطائها وتصحيحها حتى يستمر الحكم في عمله لاطول فترة زمنية نظرا لوجود الحقيقية الابدية بأستحالة ثبات نظام سياسي او كيان سياسي الى الابد مهما حاول اصحاب العقول الضيقة التجاوز على تلك الحقيقة المطلقة!....
بقيت الصراعات على الحكم في السعودية منذ اعلان تأسيسها عام 1932 محصورة بيد امراء الاسرة وقد تكون تلك الصراعات مكشوفة للرأي العام ولكنها منحصرة في القصور وفي طي الكتمان في الغالب،ورغم ان فترة بداية الستينات كانت قد شكلت تحديات كبيرة للحكم من جانب بعض الامراء المتحررين والمتأثرين بالافكار الحديثة الداعية الى التحديث ومن ضمنها في المجال السياسي للحكم كالملكية الدستورية الا ان تلك الفترة القصيرة قد انتهت ولم تتجدد منذ ذلك الحين!رغم ان التغييرات الكبيرة في العالم بعد ذلك قد حطمت الكثير من القيود المفروضة من قبل نظم شمولية على شعوب بأكملها!.

ليست هناك تعليقات: