إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/02/08

اسطورة التغيير الفوقي - القسم السادس

ان سيطرة العسكر على مقاليد الامور في البلاد،يحولهم الى طبقة سياسية جديدة تختلف حياتها عن السابق،وبما ان ملذات الحكم والنفوذ والسيطرة تأتي بعد الانقلاب،فأن من الصعب على أناس تربيتهم العسكرية الصارمة والتي تكون بعيدة في الغالب عن الممارسات الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وحريته،التنازل بسهولة عن تلك الغنائم التي يعتبرونها شرعية، ومهما كانت دوافعهم وغاياتهم فأننا نجد الغالبية العظمى تستمر في الحكم رغم المعارضة المدنية والتي تسحق بقسوة، وليس سهلا على العسكري المحترف تغيير طبعه خلال فترة قصيرة من الزمن ،والامثلة على ذلك في بلاد كثيرة وابرز مثال في العالم العربي هو مصر المحكومة من العسكر منذ ستة عقود تقريبا! والسودان وليبيا وتركيا وغيرها.
العسكر دائما يحتاجون الى مدنيين وخاصة من النخب المثقفة للحكم معهم خاصة في المناصب الخدمية،واحيانا يستخدمون من الطبقات الدنيا من المجتمع،بعض النخب المثقفة وذلك لتغيير الصورة السوداء عن حكم العساكر وجعل الحكم اكثر مقبولية من قبل المجتمع الدولي،ولكن ذلك لايغير من الامر شيئا بسبب النفوذ القوي لهم وبقاء المناصب السيادية تحت امرتهم،وهذا يمنحنا استنتاج بالغ الاهمية ان حكم العسكر لن يكون مدنيا بوجود دماء مدنية ضمنه،حتى لو كانت اغلبية المناصب للمدنيين.
تنازل العسكريين عن الحكم لن يكون سهلا،وان حدثت امثلة ولكن تبقى شاذة،ومن ابرز تلك الامثلة الشاذة تنازل الجنرال سوار الذهب عن الحكم بعد عام من انقلابه عام 1986،وايضا في موريتانيا عندما استولى العقيد علي عام 2005 على الحكم مؤقتا لحين اجراء الانتخابات عام 2007 والتي انتهت بأنقلاب آخر!.
رغم التغييرات الكبرى في العالم الا ان بعض البلاد التي اجبر العسكر على التنازل عن الحكم،مازالت لهم السيطرة الكبرى على البلد ولهم النفوذ الاقوى على سياساته الداخلية والخارجية،ومن ابرز الامثلة على ذلك تركيا وباكستان اللذان عانا كثيرا من سيطرة العسكر على البلاد لعقود طويلة من الزمن.
احيانا كثيرة نجد القادة العسكريين يأتون الى الحكم بطريقة ديمقراطية ولكن بعد تغيير بزتهم العسكرية،ورغم شخصياتهم المتسمة بالقوة والصرامة الا انهم يبقون خاضعون للدستور وينفذون القوانين بدقة ونزاهة،وتكون المراقبة الشعبية عليهم سيفا مسلطا كما على البقية للحفاظ على المكاسب الديمقراطية والحريات...ومن ابرز الامثلة على تسلم العسكريين بعد التقاعد او بعد ترك خدمتهم العسكرية،هو الجنرال آيزنهاور في امريكا الذي حكم بين عامي 1953-1961 وكذلك الجنرال فيدل راموس في الفلبيين(1992-1998) والرئيس الاندونيسي الحالي(2004-).
والخلاصة ان الامال المعقودة على التغيير الكلي للدولة والمجتمع نحو الافضل عن طريق استخدام احدى الطبقات الفوقية للمجتمع وهي الطبقة العسكرية،ماهي الا اسطورة زائفة اثبتت الوقائع والتاريخ مدى خطورتها وبشاعة نتائجها،وكانت النتيجة المحزنة هي فقدان لعقود طويلة من الزمن كان من الممكن توفرها لبناء البلاد وتنمية الديمقراطية والحرية بدلا من الانشغال في محاربة الاستبداد الجديد بلون عسكري يدعي الوطنية وحماية البلاد! والتي تسببت في وقوع عدد كبير من الضحايا الابرياء نتيجة للمقاومة الوطنية ضدهم.
اما الحلول المقترحة لحل مشكلة الانقلابات العسكرية:
تربية العسكر على احترام الديمقراطية وحقوق الانسان وحريته هو الاساس المتين لبناء قوات عسكرية محترفة تكون في خدمة الوطن وليست في خدمة الطبقات الفوقية له. تلك التربية ليس من السهل الحصول عليها في ظل تواجد الانظمة القمعية في العالم الثالث والتي تحرص دوله على ان يكون الاساس هو الطاعة العمياء للحاكم مهما كان سلوكه!!...ولكن يمكن العمل في الاتجاه الصحيح اذا سارت البلاد في طريق الديمقراطية الحقيقي،بل جعله من الاولويات الضرورية للحكم الجديد.
الشيء الاخر هو ابقاء حجم القوات المسلحة في حدود معقولة وقريبة للواقع خاصة في ظل وجود سلام دائم وضعف التهديدات الخارجية،ولهذا كلما كان حجم تلك القوات صغيرا كلما كانت سيطرة النظم الديمقراطية عليه محكما،ولذلك نرى ان انظمة مثل تركيا ومصر يحكمها العسكر بصورة او بأخرى،لا تواجه تهديدات خارجية،ولكن تحتفظ بقوات مسلحة ضخمة تمتص نسبة كبيرة من الدخل القومي مما يضيع الكثير من الاموال التي لو استثمرت في امور اقتصادية اخرى لكانت في صالح البلد،مما يضع علامات استفهام كبرى حول جدوى بقاء تلك الاحجام الضخمة المستهلكة والغير منتجة!.
من الامور الاخرى للسيطرة على القوات المسلحة وتحجيمها،هو تغيير الكثير من القوانين الداخلية في داخل تلك الاجهزة خاصة تلك التي تتيح للقادة العسكريين صلاحيات واسعة،فتقليص تلك الصلاحيات الى ابعد الحدود،وجعل فترة الخدمة في المناصب العليا محدودة بغية ضخ دماء جديدة شابة في المناصب العليا تعمل بكفاءة اعلى وتحافظ على عملها واخلاصها للوطن وتمتنع عن كل فعل غير قانوني خلال فترتها القصيرة،مع المراقبة الشديدة لعمل القوات المسلحة وخاصة في اثناء الخروقات القانونية.
من خلال الشرح السابق نستنتج ان التغيير من خلال طبقتين فوقيتين هو خرافة يجب الابتعاد عنه وعدم الركون الى تلك الوسيلة اذا كانت هنالك وسائل اخرى ممكن طرحها في العمل السياسي.

ليست هناك تعليقات: