إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/01/15

جوار الحربين

جوار الحربين:
الحرب الاخيرة في غزة،كانت وبالا على المحور السعودي-المصري-الاردني،بحيث سلب من تلك الدول اي قوة مادية او معنوية كانت تتمتع بها في مقابل المحور الاخر الذي تقوده سوريا وحلفائها مثل ايران وليبيا والمنظمات الراديكالية.
كان المحور الاول والذي يسمى بمحور المعتدلين في العالم العربي،داعما للحرب على حركة حماس سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة كما دعم من قبل الحصار القاسي على الشعب الفلسطيني في غزة،وهو في تصوره انه يمكن القضاء على تلك الحركة الغير خاضعة لتيار المعتدلين في العالم العربي بتلك الوسائل ،ولكن النتيجة جاءت معاكسة لمايريده هذا التيار فقد خرجت الامور من ايديهم من خلال قوة القمع الاسرائيلي والتي اثارت الجميع من خلال الوحشية المفرطة في سبيل القضاء على حماس والمنظمات الفلسطينية الراديكالية الاخرى،بينما حصل المحور الاخر والذي يوصف بالراديكالي او المتطرف على مكاسب كبيرة وخاصة في الجانب الشعبي نتيجة للتعبئة الاعلامية العالمية ضد الحرب في غزة،واصبح هذا التيار قويا ومؤيدا بشدة من قبل عدد كبير من الرأي العام العربي والعالمي،وبالتالي فأن اول نتائج الحرب في غزة هي الهزيمة الكبرى لتيار المعتدلين العرب،وخاصة فقدان التأييد الرسمي والشعبي على نطاق واسع،وقد تسبب تلك الهزيمة المعنوية الكبيرة آثار جانبية على استقرار المنطقة ككل،كما سوف تبقى نتائج تلك الحرب على هذا التيار فترة زمنية طويلة لن تنتهي الا بوفاة الرأسين الكبيرين له،عاهل السعودية ورئيس مصر كونهما على مشارف القبر نظرا لكبر سنهما!.
الاكثر تضررا في تلك الحرب،هو النظام المصري بلا شك كونه جار قطاع غزة،بينما الاقل تضررا هو الاردن كونه احجم عن المشاركة بفعالية في الحرب الاخيرة نظرا للواقع الديمغرافي الفلسطيني الذي يفرض عليه على الاقل الوقوف بحيادية او التظاهر بذلك!.
وقد كان قبول الدعوة القطرية لعقد القمة العربية الطارئة من جانب غالبية الدول العربية،بمثابة هزيمة كبرى للمحور السعودي المصري وحلفائهما،وانتصار للجانب الاخر ولو على نطاق معنوي.
جارين وحربين:
من خلال المقارنة بين حربي تموز 2006 بين حزب الله واسرائيل والجوار السوري للبنان،والحرب في غزة والجوار المصري لقطاع غزة،نكتشف فارق كبير بين الموقفين السوري والمصري،بل ان الفرق اصبح كبيرا بين هذين البلدين المجاورين للبنان وفلسطين،لدرجة اثار استغراب الجميع،ويمكن تلخيص ذلك بنقاط مختصرة:
1- دعمت سوريا موقف حزب الله والموالين له بقوة في حرب تموز 2006 ،وكان الدعم على اعلى المستويات الرسمي والشعبي،بينما في المقابل دعمت مصر الموقف الاسرائيلي بقوة سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة!،اما على النطاق الشعبي فرغم ضعفه الا انه بقي مواليا للفلسطينيين.
2- كانت الحدود السورية مع لبنان مفتوحة،قبل واثناء وبعد الحرب رغم ان العلاقات كانت متوترة بينهما بعد اغتيال الحريري عام 2005،وساعد فتح الحدود على عبور عدد كبير من اللبنانيين الى سوريا للبحث عن ملاذ آمن،بالاضافة الى استمرار التمويل العسكري والاقتصادي للمقاومة اللبنانية،هذا بالاضافة الى استمرار تدفق المواد المختلفة على لبنان.
في المقابل كانت مصر مشتركة وبقوة في الحصار الاسرائيلي على غزة! قبل واثناء الحرب،بل ان الحصار المصري كان اشد قسوة وضراوة من الاسرائيلي! حتى ان ابسط المواد الغذائية منعت من العبور الى غزة في عمل وحشي سوف يبقى وصمة عار ابدية في جبين النظام المصري الحالي.
كذلك لم تساعد مصر،حركة حماس وحلفائها سواء ماديا او عسكريا او حتى اعلاميا،بل كان موقفها مكشوفا للرأي العام العالمي بحيث اصبحت السفارات المصرية وفروعها عرضة للهجمات والاستنكار العالمي جنبا الى جنب مع السفارات الاسرائيلية!.
3-الدعم السوري كان مهما وضروريا لاستمرار المقاومة في لبنان وساعد على انهاء الحرب بسرعة كما ساعد على انزال خسائر كبيرة في الجانب الاسرائيلي،في المقابل كان موقف الفلسطينيين في غزة ضعيفا بدرجة كبيرة نظرا لوقوع قطاع غزة بين دولتين معاديتين(اسرائيل ومصر) وبالتالي فأنه من الطبيعي ان البلدين لايسمحان بتدفق الاسلحة على قطاع غزة،هذا بالاضافة الى الحصار الاقتصادي الخانق والفاقد لابسط قواعد احترام حقوق الانسان،وخاصة من حيث منع تدفق المواد الغذائية اوعدم السماح للمدنيين بعبور الحدود للبحث عن ملاذ آمن مما حشر مجموعة بشرية كبيرة(1.5مليون)في مساحة صغيرة جدا،ادى الى وقوع هذا العدد الهائل من الضحايا المدنيين!.
4- الدعم السوري الطبيعي والمنطقي للبنان،ساعد كثيرا على عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين،بالاضافة الى عودة النفوذ السوري ولو على نطاق شعبي واسع الى لبنان،وفي المقابل ضعف التأثير المصري على الفلسطينيين الى درجة اصبح يقارن بالموقف الاسرائيلي! بالاضافة الى ازدياد سوء العلاقات بين مصر والفلسطينيين والذي سوف يستمر الى فترة طويلة ولن يمحو تلك الصفحة بسهولة اي دعم مصري مستقبلا على العلاقات بين الجانبين.
5-الموقف من الحربين اديا الى تحسن شعبية النظام السوري في داخل سوريا،وادى الى اضعاف موقف المعارضة السورية،في المقابل ادى الموقف المصري،الى تدهور فظيع في سمعة النظام المصري داخليا وخارجيا،كما ادى الى ازدياد قوة المعارضة المصرية في الداخل والى ازدياد التذمر الشعبي على تلك المواقف المخجلة والتي يتصف بعضها بالبعد عن الانسانية،والقسوة الغير المبررة سواء مع الجانب الفلسطيني او مع تيارات الشعب المصري الداعمة لموقف الفلسطينيين.
6- كشفت تلك الحرب وبقوة عن مواقف النخب الثقافية العربية وخاصة في الجانب الاعلامي،فكما هو معروف ان الاعلام السعودي لايسمح بتاتا بأي انتقاد للمواقف الرسمية،وبالتالي فأن موقف غالبية الكتاب السعوديين متوقع تجاه كل ازمة دولية،بل حتى كتاب يوصفون بالليبرالية مثل تركي الحمد جاء مخيبا للامال،واصبحت تحليلاتهم للحرب ضعيفة جدا بل مضحكة في اغلب الاحيان كونهم لايريدوا المجاهرة بمعارضة الموقف الرسمي.
وفي المقابل كان موقف النخب الثقافية المصرية متوقعا،فالنخب المعارضة لموقف النظام المصري هي الاكثر عددا ولكن الاضعف اعلاميا ! بينما في جانب الحكومة بقي موقف كتابها يدافعون عن حكومتهم وبأسلوب مزيج من السخافة والتفاهة والعصبية الارتجالية المخالفة للعقل والمنطق.
اما موقف النخب الاردنية فهو بجانب الفلسطينيين على الاغلب،ويعود السبب بالاضافة الى كون الاغلبية في الاردن فلسطينية،الى وجود هامش كبير من الحرية الاعلامية يفوق مالدى مصر والسعودية.
وفي الختام نتيجة الصراع بين التيارين الرئيسيين في العالم العربي،هي ليست في صالح الجميع سواء حكاما او شعوبا،والمستفيد الوحيد هي اسرائيل التي تخرج من كل صراع مسلح منتصرة،مع او بدون دعم المعتدلين العرب المؤيدين لاقامة العلاقات معها.

ليست هناك تعليقات: