إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/12/04

قرأت لك - الكتاب الرابع

قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(4)
المقدمة:
هناك اهمية بالغة للكتب التي يؤلفها في العادة أناس معارضون لحكوماتهم وتزداد اهمية كتبهم اذا كانت الحكومة مستبدة تمارس العنف ضد خصومها،كون ذلك شجاعة بالغة منهم تستحق الاحترام والتقدير والثناء البالغ لاحتمال تعرضهم لشتى انواع المضايقات اذا كانوا محظوظون!لان العادة هي الاغتيال او السجن اوالنفي لهم،وتكون كتب المعارضين مهمة لاحتوائها على نقد النظام الحاكم وكشف فضائحه المختلفة وهذه النوعية من الكتب مرغوبة للرأي العام لاسباب شتى من ضمنها حب الاستطلاع لدى البعض وخاصة من دول خارج النظام المنقود اوكره النظام ومحاولة معرفة جميع الحقائق المتعلقة به او تكون سهلة القراءة للجميع لان اللغة غير معقدة ولاتحتاج الى ثقافة عالية وانما هي لجميع الفئات والطبقات وليست مؤلفة لمجموعة متخصصين في مادة ما ولذلك دائما تكون مبيعات تلك النوعية من الكتب في اعلى سلم المبيعات ولا يحد من المزيد من المبيعات الا منع دخولها الى بلدانها .
كتب المعارضين تكون في قمة الاهمية اذا جاءت على شكل كتب تحليل ونقد للانظمة بشكل موضوعي مدعوم بالوقائع والارقام او تدعو للاصلاح والتغيير بطريقة علمية رصينة وخاصة اذا كان كاتبها اكاديمي او مفكر او مثقف ورغم اهمية تلك النوعية من الكتب الا ان مبيعاتها تكون قليلة بالمقارنة مع سابقاتها كون اللغة المكتوبة تتجه نحو طبقة المثقفين وتستخدم كلمات ومصطلحات نادرا ما تستخدم في الحديث اليومي لغالبية الناس،ولذلك فأن على الكتاب استخدام لغة مفهومة لاكبر عدد ممكن من الناس على قدر الاستطاعة،الا ان الاهمية الحقيقية تكون في طرحها على المستوى العالمي في وسائل الاعلام المختلفة وبلغات مختلفة،لانها بالتأكيد سوف تكون احد المصادر المهمة للدراسات والبحوث المختلفة،واتذكر في هذا المجال كتاب جمهورية الخوف الذي نشر عام1989م في اوج قوة النظام البعثي في العراق والذي كتب بلغة رصينة وكان كاتبه خائفا ايضا(كنعان مكية)الذي كتبه باسم مستعار(سمير الخليل)وقد بقي لفترة طويلة في الغرب احد المراجع المهمة عن الحكم البعثي في العراق الذي تميز بالتكتم الشديد عن ما يجري بالعراق وزاد من اهميته ترجمته الى اللغات الحية،وهناك الكثير من الكتب والدراسات الا انها لم تأخذ مكانها الطبيعي كونها لم تطبع في الغرب او تترجم الى لغات اخرى،ولذلك على كل الكتاب بذل اقصى جهد لنشر كتبهم في الغرب كون سوق الكتب ضخم جدا ويحافظ على حقوق الكاتب المادية والادبية ويستطيع طباعته الى لغات مختلفة.
تزداد حرية الكاتب المعارض في الغرب بمقدار يتناسب عكسيا مع دور دولته في الساحة الدولية او علاقاتها مع الغرب والتي تزداد في الغالب اذا كانت العلاقة استراتيجية ناشئة عن اهمية الدولة في المصالح الحيوية للغرب،والعكس صحيح ايضا لان الدول الكبيرة المستبدة تبقى تضغط على معارضيها في الخارج وقد تغتالهم او تختطفهم اما اذا كانت الدولة صغيرة فسوف تكون اجهزتها القمعية صغيرة ومكرسة للداخل وللمثال على ذلك تكون حرية المعارضين لانظمة بحجم العراق(سابقا تحت حكم صدام)والسعودية ومصر وسوريا وليبيا،ضئيلة لا تتناسب بحجم حرية المعارضين لانظمة صغيرة او ضعيفة مثل لبنان اوالكويت او اليمن،ولذلك نجد ان حجم الكتب والدراسات المؤلفة عن الانظمة الشمولية في خارج اوطانها اقل من الانظمة الاخرى وبالتالي تكون نظرة الغرب باعتباره هو المتحكم بالعالم الان،قاصرة او خاطئة تجاه الكثير من الامور،والتي تؤدي الى حدوث كوارث تمس حياة شعوب بأكملها وللمثال على ذلك الثورة التي حدثت في جنوب العراق بعد حرب الخليج عام1991م ونتيجة لضعف دورالمعارضة العراقية في الغرب وخاصة في المجال الثقافي وانعدام اي نفوذ لدى جماعات الضغط السياسية في الغرب،ادى ذلك الى عدم مساندة امريكا وحلفاءها للثوار في مواجهة الابادة الجماعية التي كان من السهولة منعها لو ارادت قوات التحالف حينها،ولكن انصياع الغرب لطلب الحكام العرب وخاصة في السعودية ومصر والاردن بضرورة مساعدة صدام لقمع الثورة الشعبية خوفا من سيطرة الشيعة على الحكم في العراق حتى لو كان حكمهم ديمقراطيا!وقد اصبح ذلك معروفا ولم يكف الحكام عن تلك الدعوات قبل تحرير العراق عام 2003م وبعده!،ولولا ذلك لامكن تجنب الدمار والمعاناة لشعب العراق وكان بالامكان ايضا السيطرة على الارهاب كون القاعدة والتكفيريين ليسوا بتلك القوة والنفوذ كما الان.
من الواجب على المعارضين لكل الانظمة المستبدة،نشر نتاجهم الفكري والثقافي في الغرب وبأي وسيلة كانت وخاصة في شبكة الانترنت التي تعبر الحدود وبكافة اللغات،لان سطوة حكامهم في داخل بلدانهم تمنع وصول اي شئ ينتج من المعارضة حتى ولو كان كذبا وافتراءا!لان ذلك (وهم محقون)يهدد امنهم واستقرارهم فقط.

الكتاب الرابع
مأزق الاصلاح في السعودية
في القرن الحادي والعشرين
مضاوي الرشيد

الكتاب:مأزق الاصلاح في السعودية في القرن الحادي والعشرين:تأليف الدكتورة مضاوي الرشيد،الطبعة الاولى في بيروت-لبنان،ويقع في182ص في طباعة انيقة ومن القطع الكبير.وللمؤلفة كتب اخرى ايضا بالاضافة للكثير من البحوث والمقالات وفي اغلبها عن وطنها الام السعودية.
ترجمة المؤلفة:د.مضاوي طلال محمد طلال الرشيد،استاذة علم الانثروبولوجيا الديني بجامعة لندن،وحفيدة اخر حكام اسرة الرشيد الحاكمة في حائل(1830-1921) ووالدها مقيم في باريس وهو معارض للنظام السعودي.
يتكون الكتاب من مقدمة وستة اقسام تحتوي عشرون فصلا،الا ان هذا الكتاب باعتراف المؤلفة يتكون من مجموعة مقالات كتبت عامي2003و2004 في جريدة القدس العربي الصادرة في لندن،وبعضها مستمد من ابحاث اكاديمية مفصلة عن التاريخ والمجتمع والدولة في السعودية . في بداية المقدمة تحليل لطيف ومنطقي حول ما تطلق عليه المؤلفة،هزتي 1967 و1991 بأعتبار الاولى كانت هزيمة لدول المواجهة مع اسرائيل والتي تعتبر قلب العالم العربي حينها،مصر وبلاد الشام والعراق،والتي تأثرت كثيرا فكريا واجتماعيا وسياسيا اكثر من المناطق التي تعيش على الهامش العربي ذلك الوقت ومنها السعودية بالطبع،التي ازدادت اهميتها منذ السبعينات لاسباب اقتصادية،وايضا لسبب لم تذكره المؤلفة هو مجئ السادات الذي لم يكن بوزن عبد الناصر لدى الشعوب العربية مما اضعف كثيرا دور مصر وساعد في انعزالها معاهدة الصلح مع اسرائيل،اضافة الى سيطرة حزب البعث في العراق وسوريا والصراع بينهما ودخولهما في صراعات جانبية مع ايران ولبنان .
استفادت السعودية من رمزيتها الدينية ايضا وعلاقتها الحميمة مع الغرب وبالخصوص امريكا الذي ظل يتعامل معها من مبدأ النفعية والبراغماتية،الا ان الضربة القاضية برأي المؤلفة كانت حرب1991 بين صدام والتحالف الغربي على ارض السعودية،والتي دفعت ثمنا باهضا ماديا ومعنويا من جرائها،ورغم امتلاكها لاكبر امبراطورية اعلامية الا انها لم تستطع تبرير ضعفها السياسي والعسكري ومن تداعياتها في رأيها:ان السعودية تخاطب شعبها الذي خطى خطوات كبيرة في التعليم والثقافة والانفتاح بمنطق قديم وهذا صحيح في رأيي حيث ان الدولة مازالت تمارس رقابة مشددة عليه خاصة في مجال الاعلام والثقافة التي تعتبرها احيانا معادية لفكر الدولة الايديولوجي . وثاني شئ هي العولمة التي تؤدي الى الانفتاح على الاخر،وعدم قدرة الدولة على استيعاب كل التيارات الاجتماعية والسياسية خلال العقود الثلاثة المنصرمة،وقد تطورت المواجهة الرئيسية سواء سلميا مع التيار الليبرالي وعنفيا مع التيار الديني المتشدد.ثم العلاقة مع الولايات المتحدة والتي تتعرض دوما للنقد من قبل جميع المعارضين،بالاضافة الى المؤسسة الدينية وخطابها الموالي دوما للسلطة مما سبب في خروج الكثير من العلماء والمتشددين عليها لاحقا مما سبب لاحقا مشاركة البعض في احداث سبتمبر 2001م،والتي سببت مع وضع المرأة المزري في السعودية تشوه سمعتها كثيرا في العالم وظهور مجموعات ضغط تحاول حث حكوماتها على محاربة السعودية او الضغط عليها لتغيير سياساتها.
في الفصل الاول تتحدث المؤلفة عن تحديات اليوم ومسؤوليات المستقبل،وتبدأ الحديث برفض الامراء عبد الله ونايف في كانون الثاني 2004م للملكية الدستورية باعتبارها خطرا على حكم الاسرة الحاكمة ولذلك تحتاج المعارضة الى استراتيجية جديدة للعمل السياسي . تتحدث عن مجموعة من الاساطير في رأيها حول الدولة السعودية،منها اي الاسطورة الاولى انها مجموعة دول على اعتبار انها دولة شخصيات اكثر من كونها دولة مؤسسات،بأعتقادي ان الدولة اذا كانت تعطي النفوذ لمجموعة صغيرة من الامراء،فليس معنى ذلك انها مجموعة دول،والملك له من النفوذ الغير محدود بحيث يستطيع الاطاحة بكل من يراه خطرا على حكم الاسرة،ولذلك فأن الاسرة السعودية رغم الصراعات الباطنة الا انها متحدة الى حد كبير بوجه كل من يحاول النيل من الاسرة وحكمها،وطريقة النظام هي منح الامتيازات المغرية لجميع افرادها مما يجعلهم قوة كبيرة يصعب اختراقها،كذلك ان العداء الخارجي والداخلي لهذه الاسرة لا يستثني احدا منها او على الاقل اغلبية افرادها،ولذلك الدولة مركزية تمنح الصلاحيات السياسية المحدودة لافرادها،ولكن صلاحيات اوسع في المجالات غير المهددة لامن الاسرة الحاكمة مثل البلديات والعقود التجارية وما شابه ذلك.
الاسطورة الثانية ان الدولة تعكس تحالفات قبلية،والحقيقة لاوجود لذلك لان القبيلة السياسية الوحيدة هي ال سعود الكبيرة العدد وبقية القبائل تم ترويضها وتفتيتها.الاسطورة الثالثة في رأيها هي دولة نجدية،لان نجد منقسمة ثلاث اقسام غير منسجمة والمعادية للحكم دوما هي نجد الشمالية وذات ميول نحو العراق وسوريا،اعتقد ان رأي المؤلفة يعود بالاساس لكونها منتسبة للقسم الشمالي،وانتسابها ذلك لايمنع كون ان الاقليم المسيطر هو نجد،على الاقل باعتراف غالبية سكان الاقاليم الاخرى،لان من المستحيل جمع النجديين تحت سلطة النظام ولذلك هناك العديد معارضين او غير مستفيدين وهذا قريب لحالة سيطرة الاقليات على الحكم مثل حالة الاقلية السنية في العراق قبل 2003م او الاقلية العلوية في سوريا لانه دائما هناك فئات تستأثر بالحكم ولكن تنتسب لاقلية معينة،ولكن بالشكل العام السيطرة في الدولة للنجديين ويمكن رؤية ان معظم حقول النفط والغاز في مناطق الاقلية الشيعية والحرمين في الحجاز،الا ان الثراء والنفوذ لسكان نجد ورغم ذلك فهناك معارضة مختلفة الاتجاهات في نجد.
الاسطورة الرابعة ان الدولة وهابية وتعلل د.مضاوي الرشيد كون الاتجاهات الدينية متنوعة ستجعل من الصعب على اي مؤرخ فكري سيواجه مشاكل في التعرف على جذور الافكار،وقد قسمت الاتجاهات الدينية الى ثلاث اقسام:الاول الرجعي المغلق المسيطر على المؤسسة الدينية والموالي بشدة للاسرة الحاكمة،والثاني الاسلام الحركي الاسلامي وهم على استعداد للتعاون مع الحكومة ولهذه الطبقة تأييد كبير في الطبقتين المتوسطة والدنيا المتعلمة التي يزداد اعضائها،اما القسم الثالث فهو التيار الجهادي والذي حمل افراده السلاح بوجه الحكومة ويطلق عليهم خارجيا بالارهابيين كونهم باعترافهم مسؤولين عن العنف الداخلي والخارجي.وفي الحقيقة ان الكثيرين يختلفون مع المؤلفة في هذه النقطة بالذات،كون ان الانقسام في الحركة الدينية الوهابية وهذا شيء طبيعي في كل التجمعات السياسية والاجتماعية والدينية،لايغير من كون النظام ذو صبغة سلفية متشددة ولا يقبل بمشاركة المذاهب والتيارات الاخرى سواء بالحكم او الحياة العامة،وهذا موجود في دول عديدة مثل ايران التي نظامها شيعي سياسي ولكن في الداخل انقسامات ومعارضة والاختلاف في الاراء والتوجهات وكذلك في النظم المحكومة بأحزاب او نخب عسكرية،كذلك ان خطاب الدولة الرسمي والديني هو محدد ضمن الاطار الوهابي السلفي والحركة الوهابية في العالم ترعى من جانب الحكومة سواء ماديا او معنويا،ولذلك ان الحديث عن ان الدولة بعيدة عن الاتجاهات الدينية او تعتمد المواطنة شبه العلمانية غير صحيح اطلاقا،التمييز مازال موجودا في داخل المملكة سواء دينيا او مذهبيا او مناطقيا لحساب فئات معروفة تعتمد السلفية المتشددة منهجا في الحكم والادارة ولا تقبل بغير ذلك مهما كانت الظروف،واذا لم تسمح الظروف الداخلية والخارجية فأن الخطاب يخف تدريجيا ويسمح للاخرين بالعمل المشروط الا ان ذلك وقتي وغير دائم فالغلبة في النهاية للتيارالسلفي المتشدد الغارق في عدائه وتكفيره للاخرين ولا يقبل بالجدال المتساوي والعادل بل من منظار فوقي ينظر للاخرين على انهم دونه، باعتبار ان الحقيقة المطلقة معهم والاخرون منحرفون او ضالين بدرجات مختلفة وحسب تفسيراتهم للدين.
وفي مكان ثاني تتحدث المؤلفة عن سيناريوهات المستقبل للتغيير،وفي رأيها ان القسم الاول من السعوديين يتبنون سياسة الانتظار باعتبار ان النظام قوي ومدعوم خارجيا وقادر على قمع اي حركة معارضة بوحشية،ورغم ان هناك اجماع على الاصلاح في الدخل الا انه لا يوجد اجماع على التغيير،اما القسم الثاني فهو التغيير الفجائي،مثل انقلابات داخل وخارج الاسرة الحاكمة الا ان الصعوبة تكمن بحجم العائلة الديمغرافي والانقسامات دخل الحركة الاسلامية بالذات،باعتبارها الاكثر قدرة على التغيير،وفي رأيها ان السنوات القادمة ستكون شديدة الاضطراب الا ان ذلك لا يؤدي الى نشوء النزعات المناطقية والمذهبية والقبلية،الا ان تصلب الحكومة في التعامل مع الضغط المجتمعي من اجل الاصلاح قد يفضي في النهاية الى تفكيك السعودية كما حصل في عدة بلدان.
في الفصل الثاني تتحدث المؤلفة عن تحول العائلة السعودية الحاكمة من اسرة صغيرة الحجم الى قبيلة يزيد تعدادها عن 7 الآف شخص وفي احصائيات اخرى الى ضعف هذا العدد وقد ادى ذلك التحول الى زيادة سيطرة الاسرة الحاكمة على المناصب السياسية ثم تعداه الى زيادة هيمنتها على الامور الاقتصادية وبالتاكيد لا تكون المنافسة الاقتصادية عادلة فالقبيلة الحاكمة بحكم موقعها السياسي تملك من راس المال ما لاتملكه اي فئة شعبية،وتحتكر الاقتصاد وان افسحت المجال للاخرين فهذا من باب الهبة . تبنت العائلة المالكة الحكم الوراثي العمودي الذي يؤمن انتقال السلطة من الملك الى ابنه مرة واحدة فقط،وهي برأي الكثيرين طريقة حكيمة للتوارث ورغم انه لايلغي بصورة تامة الصراعات الجانبية داخل الاسرة الا انه يقلصها الى ادنى مستوى ممكن،وبرأي المؤلفة انه توجد ثلاث اقطاب في داخل الاسرة الحاكمة وهي محور عبدالله ومحور نايف ومحور سلطان،ورغم ان الاخيرين من ام واحدة الا ان الاختلاف بينهما ضئيلا حيث يميلان للتشدد في كل شيء وسيطرتهما محكمة على الاجهزة الامنية،يسيطر الاول على الحرس الوطني والثاني على وزارة الداخلية واجهزتها والثالث على الدفاع وفروعه،والثلاثة باعتقادي لن يستمروا طويلا بحكم اعمارهم المتقدمة بحيث انه خلال السنوات القليلة القادمة سوف تنشأ محاور جديدة سوف يتزعمها احفاد عبد العزيز المؤسس،وبعضهم تجاوز الستين من العمر الان،وقد يكون من بينهم ابناء الثلاثة السابقون،وبرأيها ان الفروع الثلاثة متكاتفة ومتحدة تجاه الكثير من الامور ومنها الاصلاح،حيث اتحدت تجاه قهر مشروع الاصلاح،رغم ما يصوره الاعلام ان هناك خلافات بين المحاور السابقة المهيمنة،وهذا صحيح فالاسرة الحاكمة متحدة بوجه منافسيها،الا انه باعتقادي ان المملكة اذا تعرضت الى غزو شبيه بغزو الكويت او غزو العراق فأن الاسرة لن تقاوم بل سوف تكون اسرع الهاربين مع قادة المؤسسة الدينية!الا ان التوازن بين اعضاء الاسرة الحاكمة هو الذي يحفظ للاسرة توازنها ومن اهم الامور هي ان الذي لا يحتل منصبا سياسيا فانه سوف يحتل مناصب اخرى قد تكون ثانوية الا انها مهمة من الناحية المادية،وكما معروف ان الاسرة تهيمن على جميع فروع المجتمع وبالتالي يصعب التخلص من تلك الهيمنة بالطرق السلمية في ظل سيطرة العقلية البدوية وتحكمها.
وفي القسم الثاني الموسوم:مطبات ومتاهات على طريق الاصلاح،تبدأ المؤلفة بمقارنة رائعة عن ثلاث شخصيات متمردة في التاريخ السعودي المعاصر،ويتضمن شرحها تحليل عميق لحالة وجذور هؤلاء وحجم تاثيرها على المجتمع المحافظ،والشخصيات هم:اولا فيصل الدويش وهو زعيم قبلي تحدى السلطة عام 1927م عبر تجييش الاخوان،احدى القوى القبلية التي اوجدها مؤسس المملكة،وهي حركة متطرفة نشأوا وتربوا على مناهج الحركة الوهابية وافكارها،وقد كانوا يسعون وبحماسة منقطعة النظير للسيطرة على شبه الجزيرة والبلاد المجاورة،الا ان السيطرة البريطانية على البلاد المجاورة وانهماك بريطانيا في تقسيم البلاد الواحدة ورسم الحدود،حال دون ذلك،كذلك خضوع ابن سعود للبريطانيين وانتقاد سلوكه الشخصي وزيجاته العديدة،ادى الى تمرد الدويش واتباعه فاندلعت الحرب بين الجانبين،ولولا التدخل البريطاني الى جانب ابن سعود لما انتصر عليه وانتهى بتسليم بريطانيا ابن الدويش الى ابن سعود ووفاته في السجن بعد فترة قصيرة . الشخصية الثانية فهي جهيمان العتيبي حيث استولى مع انصاره المقدر عددهم ببضع مئات على الحرم المكي واحتجازه المصلين والحجاج،وكان العتيبي واعظا نشطا يركز جل اهتمامه كما تصفه على قضايا ذات صلة بالحاكم العادل،وبالعلاقات مع الكفار ويقصد الغربيين وكذلك معارضته ال سعود،وهو نتاج الدراسة الدينية المدعومة من الحكومة السعودية التي تغرس في نفوس وعقول النشء التطرف الذي يعارض العقل والحوار على اسس متساوية مع الاخر،وبالتالي يتحول الدارسون الى سلاح ضد الدولة التي يمارس الكثير من قادتها اعمال منافية للدين والاخلاق مما يجعل المعارضة الدينية تشتد ضدهم،وكالمعتاد من علماء المؤسسة الدينية الكبار منحو الفتاوى الدينية المناسبة للحكومة ليس فقط للقضاء عليهم بل بالاستعانة بالقوات الاجنبية مما ادى الى الاستعانة بالقوات الخاصة الفرنسية والتي سهلت اقتحام الحرم واستسلام المتمردين واعدام العتيبي بالسيف . الشخصية الثالثة المتمردة هي اسامة بن لادن،وهو من عائلة يمنية الاصل وبذلك ليس لها جذور قبلية داخل المملكة،وهو من عائلة شديدة الثراء،ساهم بصورة فعالة في الجهاد ضد الغزو السوفييتي لافغانستان منذ عام 1979م مدعوما من الحكومة السعودية وبالتنسيق والتعاون مع الامريكان،وتعود معارضته للحكم السعودي بعد عام 1990م بعد استدعاء القوات الاجنبية ومنها الامريكية للدفاع ضد غزو محتمل من قبل صدام تطور بعدها لتحرير الكويت،وهو مثل سابقيه نتاج الفكر السلفي المتشدد،وكنتيجة فعلية لهذا الفكر يمكن معرفة اعداد السعوديين المشاركين في الجهاد الافغاني وهو مقدر بخمسة وعشرين الفا او اكثرمن مجموع 80الف مشارك او خمسة عشر من ضمن تسعة عشر مشارك في احداث سبتمبر2001م وبالتالي لهم اهمية بارزة في نشر العنف في بلاد اخرى،وهو مثل سابقيه تشارك الحكومة السعودية،بلاد اخرى وخاصة امريكا في محاربته .
تذكر المؤلفة اوجه التشابه المذهلة بين الشخصيات الثلاثة السابقة،فثلاثتهم زهدوا في الحياة الرغيدة المريحة مؤثرين عليها حياة الزهاد والمطاريد،وثلاثتهم قاوموا اغراء الثراء والجاه،وثلاثتهم لا يعرفون الرحمة في التعامل مع خصومهم،ولم يتسن تدميرهم والقضاء عليهم الا بمساعدة قوى اجنبية(بريطانيا وفرنسا وامريكا) والاهم الثلاثة هم نتاج فكر ومؤسسات مدعومة من الاسرة الحاكمة،ورغم الفروقات الزمنية فيما بينهم الا ان غالبية الافكار مشتركة فيما بينهم وهو دليل على ان المناهج الفكرية المستندة على التشدد المذهبي ثابتة لم يطرأ عليها اي تغيير خلال قرن من الزمان . سيطرة الدولة السعودية على المقدسات الاسلامية في الحجاز وفر لها دعما وغطاءا روحيا وماديا في مجابهة الخصوم في الداخل والخارج،الا ان تلك الزعامة الروحية لم تترجم الى واقع طبيعي ينسجم مع تعاليم الاسلام كون الدولة لا تختلف عن بقية الدول في تحالفاتها مع الدول الاخرى وخاصة الولايات المتحدة والتي توفر الحماية والدعم لها في مواجهة الداخل والخارج،كما ان السياسة الداخلية والخارجية كثيرا ما تصطدم بتعاليم الاسلام السمحاء وبالتالي فأن مصلحة النظام هي فوق اي اعتبار وهو المقياس الطبيعي الذي تسير عليه الدولة كبقية الدول،والامثلة كثيرة منها الموقف من القضية الفلسطينية والسياسة النفطية ودعم الانظمة المستبدة الاخرى وغيرها،كما ان السلوك الشخصي للاسرة الحاكمة يتناقض تماما مع تعاليم الدين والمصلحة الوطنية،ولا نستغرب اشمئزاز الغرب الدائم من السلوك الشخصي لافراد الاسر الحاكمة وحواشيهم في الخليج،وامور اخرى كثيرة منها طريقة الحكم وتبذير الثروات الوطنية وتقييد الحريات الفردية ومنع كل اشكال المشاركة في الحكم والادارة وغيرها كل ذلك ادى الى معارضة شاملة ولجميع التيارات السياسية والاجتماعية ولمختلف طبقات وفئات الشعب يجعل كل ذلك هاجس الدولة الاكبر هو الامن الوطني وبالخصوص امن الدولة والاسرة الحاكمة،وخاصة من قبل اتباع التيار الديني المتشدد في تفسيره للاسلام والمتطرف في عدم قبوله للاخر مهما كان،وهؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع.
في الفصل الرابع من الكتاب،وتحت عنوان السعودية بين معارضتي الامس واليوم،تبرز المؤلفة الفرق بين معارضة الامس وتعني بها التيارات الليبرالية والمتضمنة لجميع التوجهات الفكرية من قومية باشكالها المختلفة ويسارية وديمقراطية،وبين معارضة اليوم الرئيسية المتمثلة بالتيار الاسلامي سواء الاصلاحي او الجهادي . بالنسبة لمعارضة الامس هيمنت على الساحة السياسية العربية تيارات علمانية مختلفة التوجهات،ولم يكن حينها التيار الاسلامي بارزا في الساحة،وبالطبع لم تختلف السعودية عن بقية شعوب المنطقة،فانتشرت فيها تلك التيارات السياسية المختلفة،وبما ان الدولة السعودية لا تسمح بأي معارضة داخلية فقد خضعت معارضة الستينات لتصفية شاملة منها الابعاد والسجن،وقد ساعد في عملية التصفية كون المعارضة مفتقدة لقاعدة شعبية عريضة في ذلك الوقت،حيث ظلت على شكل نخب فكرية مرتبطة بالعالم العربي دون ان تستطيع بسبب الاستبداد الداخلي ان تقيم اتصالات مع بقية افراد الشعب،ولا ننسى ان شعب المملكة حينها كان منغلقا بسبب القيود السياسية والاجتماعية وكانت نسبة الامية مرتفعة،مما يجعل الافكار والشعارات العادية اليوم،غريبة في ذلك الوقت من وضع دستور علماني الى المشاركة السياسية واحترام الحريات الفردية وفرض سلطة القانون على الجميع ومنح حرية الصحافة والتجمعات السياسية وغيرها،ومما ساعد في القضاء على تلك المعارضة كون الشعب في غالبيته بعيدا عن تلك المفاهيم فلا تركيبته الاجتماعية ولا ثقافته المحلية ولا خلفيته الدينية تستجيب لمثل هذه الطروحات التي جاءت في الاوقات غير المناسبة وبالتالي جرى القضاء في فترة السبعينات عليها بسرعة فائقة.والان وبعد غياب طويل يحاول هذا التيار اعادة صياغة نفسه ومن اهم مطالبه الملكية الدستورية واتساع المشاركة الشعبية واطلاق الحريات العامة،وهذا التيار الان راغب بالمشاركة مع السلطة اذا قبلت على مطالبه،وكما هو متوقع رفضت السلطة مبدأ الملكية الدستورية وبحجة معروفة وهي خصوصية البلد! ثم زج بعدد من دعاة الاصلاح في السجن . ان الحجج التي تسوقها الانظمة العربية لرفض المطاليب الاصلاحية اصبحت من السذاجة تصديقها ومن التفاهة مجرد ذكرها،والحجج معروفة:خصوصيات البلد(وكأن بلادنا من الفضاء الخارجي وشعوبنا اجناس غير بشرية!) والعمالة للخارج(هل طلب الاصلاح عمالة ام الاستمرار بالطغيان؟)وتقويض الامن الوطني والمصلحة العامة(انعدام الحريات والفساد هو المقوض الدائم للامن الوطني)او اسباب اخرى مثل مخالفة الدين!او الصراع مع اسرائيل(وجود الطغيان فائدة لاسرائيل) وغيرها من التفاهات التي لاتقنع طفلا صغيرا!.
اما معارضة اليوم الرئيسية فهي المعارضة الاسلامية السلفية،وهي طبعا تتألف من عدة تيارات من الجهادي الى الاصلاحي السلمي،وبالطبع حاربت الدولة هذا التيار المتشدد،وسجنت شيوخه وبعض اتباعه،ولكن فشلت في السيطرة عليه حيث كما هو معروف ان للتيار الديني اتباع كثر في المملكة ولهم امكانات مادية ومعنوية هائلة وبالتالي مازالت المواجهات المسلحة مستمرة وان خفت في السنوات القليلة الماضية.
وقد كتبت المؤلفة باسهاب عن الحركة الاسلامية للاصلاح والمنبثقة من لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية التي تأسست بداية التسعينات،ويتواجد رئيسها الدكتور سعد الفقيه في لندن مع شريكه السابق المسعري،وهو تيار سلمي لكنه يرفض شرعية النظام ولهم مؤيدين كثر في الداخل والخارج الا ان سطوة النظام الامنية والمالية تمنع المعارضة بكافة اشكالها من تغيير الحكم او على الاقل المشاركة فيه.
وفي الفصل الخامس عن صحوة ام صفعة للملكية الدستورية،تحدثت المؤلفة في تحليل منطقي للاحداث ومقارنتها مع اشهر الديمقراطيات في العالم وهي البريطانية،فقد رفض الحكم وخاصة وزير الداخلية المتشدد نايف مطاليب الملكية الدستورية لبعض النخب المثقفة،وفي تقديرها ان هناك صعوبات في تطبيق الملكية الدستورية في داخل السعودية،اولها هي الانفجار الديموغرافي للعائلة الحاكمة،فقد اصبحت على شكل قبيلة متشعبة وكل فرد يعتبر نفسه ملكا طليقا يتصرف كما يشاء له مصالح اقتصادية،ثانيا هي احتكار افراد العائلة المالكة اعلى المراتب في الدولة،فغالبية المناصب الهامة بما فيها العامة ايضا من نصيب الامراء فهل سوف تطبق الملكية الدستورية على الجميع؟وبالتاكيد من الصعب جدا اقناع اسرة بحجم قبيلة للتنازل عن مناصبها او امتيازاتها المعروفة،وفي النقطة الاخيرة تكمن الصعوبة في انعدام الثقافة التي تنتج الملكية الدستورية وهو واضح في الحاكم والمحكوم،فليس من السهولة اقناع حكام بالعقلية العربية البدوية بنوا حكمهم بالسيف والمال،التنازل عنه للغير بسهولة،كما ان الدولة لديها من الامكانات المادية الضخمة والقادرة على شراء قطاعات واسعة من المواطنين والحكومات الاخرى،كما ان باليد الاخرى السيف لمن يرفض،يعني هناك صعوبات جمة في تطبيق الملكية الدستورية في السعودية.
في الفصل السابع تتحدث المؤلفة عن ما هو معروف للجميع بأنه ليس للقيادة السعودية تصور للاصلاح،وتبدأ الحديث لتصريح الامير طلال لصحيفة كويتية،قال فيها ذلك واضاف الا ان الاصلاح سياتي.ان وجود مدارس عديدة للاصلاح تنتسب لجملة من المذاهب والتيارات الدينية والسياسية،لن يكون عائقا بوجه الاصلاح،اذ غالبا ما يتفق الجميع على جملة من المبادئ العامة،ويترك الباب مفتوحا لطرح الاراء الاخرى،الا ان الجميع يتفق مع جملة من القناعات حسب ما تذكرها وهي:أ-ان استمرارية الركود السياسي والمماطلة من قبل المسؤولين انما يوجج الغليان الداخلي ويشعل نار قد بدأ لهيبها يحتد. ب-الايمان الراسخ بحتمية التغيير السياسي كحل للازمة الحالية بكافة وجوهها. ج- ضرورة اطلاق بعض الحريات واهمها حرية الرأي والتجمع واستقلال القضاء. د- ضرورة حل قضية المساجين وخصوصا السياسيين منهم واصحاب الرأي والتصدي لانتهاكات حقوق الانسان.
من الخطا الاعتقاد ان انعدام او تأخر الاصلاح من قبل الدولة سببه تعددية الطروحات،وانما الرفض لاي تغيير لانه يقلص من صلاحيات الحكم الحالي واستفراده بالسلطة والقرار.ان تاريخ السلطة حافل بتهميش الشعب سياسيا واقتصاديا وتقليص حريته واخضاعه لحملات دعائية مدروسة قد خلق عداء مستشريا للسلطة في نفوس الكثيرين،وبالتالي ليس من الدولة الا خيار واحد هو الاصلاح للبقاء اطول فترة في الحكم.
وفي الفصل الثامن تتحدث المؤلفة عن انجازات التيار الاصلاحي ومن اهم النقاط هي تعريته للنظام في الداخل والخارج وخاصة محاربته للاصلاح،وكذلك فضح اسطورة الدور القيادي للدولة واثبت انه ليس هناك رؤية مشتركة يجمع عليها رموز الحكم،واثبتت ان تجربة التيار الاصلاحي في الداخل والخارج هو تحالف اسلامي وليبرالي وهو الخطر الاعظم بنظر السلطة،فعلى الرغم من محاولة السلطة خلق فجوة بينهما،نرى ان رفض الدولة الكامل لاي شكل من اشكال الاصلاح قارب بين الجميع،مما جعل المعارضة اكثر توحدا،كذلك نجاح الاصلاحيين في الداخل والخارج على ترويج لائحة من المطاليب المشروعة بنظر العالم ومنها التعددية السياسية والانتخابات وحرية الرأي وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية،ورغم ان التيار الليبرالي ايد وبقوة ذلك الا انه يدرك جيدا انه لن يفوز بالسلطة لفترة طويلة على الاقل،كون ان الغالب على العالم الاسلامي في هذه المرحلة هو التيارات الدينية،واستطاع التيار الاصلاحي ان يبني رصيدا معنويا كبيرا لرموزه،يتمثل في ازدياد شعبيتهم ومعرفة الناس بهم وهي نتيجة حتمية للجرأة والتضحية في سبيل المصلحة العامة،وكلما كان حجم الاضطهاد كبيرا كان تعاطف الشعب اكبر واثبات لصدق وطنية المعارضة بشتى رموزها،وقد ادى تصلب السلطة الى تخلي عدد من الاصلاحيين عن مبدأ ترميم البيت وازدياد العنف والتطرف لدى الكثيرين.
وفي القسم الثالث من الكتاب والمعنون،السياسة والدين،تحاول المؤلفة المقارنة بين حالة الحوزة الناطقة والصامتة لدى الشيعة،بالمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية،فهي في رأيها ناطقة وصامتة بنفس الوقت،والحقيقة ان المؤسسة الدينية الرسمية ماهي الا جزء من الدولة وهي التي تمنح الدولة في جميع الاحوال والظروف ما ترغبه من غطاء شرعي لجميع سياساتها،مهما كانت تلك السياسات التي قد تتعارض احيانا مع الكثير من النصوص الدينية،وكانت الطفرة النفطية بعد عام 1973م قد ادى الى اضعاف دور المؤسسة الدينية،حتى جاءت حرب 1991م التي جلبت معها مئات الالاف من الجنود الغربيين،سببا في تحرك بعض اجزاء المؤسسة الدينية معارضا استدعاء القوات الاجنبية الى البلاد،وفي اعتقادي ان المؤسسة الدينية قد نشطت قبل عقد من غزو الكويت وبالتحديد منذ عام 1979م حيث كان انتصار الثورة الايرانية والغزو السوفييتي لافغانستان،حيث كان الحدث الثوري الاول زلزالا تعرضت له المنطقة باعتبار ان ديكتاتورا سقط وعلى ايدي رجال الدين الشيعة الذين يعادونهم من قبل المؤسسة الدينية السعودية باعتبارهم مرتدين يجب استئصالهم،وكذلك الحكم السعودي باعتباره حكما تقليديا معادي للانظمة الثورية بمختلف اتجاهاتها،وبذلك برزت الحاجة للمؤسسة الدينية كي تعلن النفير العام لمحاربة الشيعة دينيا بعد محاربتهم سياسيا وعسكريا على ايدي الانظمة العربية،اما الحدث الافغاني فقد برز الخطر الشيوعي باعتباره فكرا الحاديا معادي للانظمة التقليدية،فكان اعلان بدء الجهاد وعلى مختلف الاصعدة وبأمكانات الدولة المادية الهائلة وبدعم غربي كامل.ورغم انتهاء حرب الخليج عام 1991م بسرعة الا ان آثارها استمرت وخاصة على الجانب الديني،مما ادى الى انشقاقات كبيرة في المؤسسة الدينية وتمرد عدد كبير من الرموز واتباعهم على السلطتين السياسية والدينية الموالية لها،ومازال الصراع والتمرد مستمر لحد الان،وكجزء من بروز التيار الجهادي العالمي وخاصة التكفيري المتطرف الذي هيمن على الساحة الاسلامية خاصة بعد بروز حركة طالبان الارهابية المتخلفة في افغانستان.
في الفصل الحادي عشر عن ضرورة تغيير الواقع قبل تغيير ثقافة الارهاب،تستعرض المؤلفة الخطاب الاعلامي للدولة وخاصة في تصوريها العنف في البلاد بانه ارهاب ودمار للمجتمع وتقويض للوحدة الوطنية وبالتالي فأن الافضل هو العيش تحت ظل الاسرة الحاكمة باعتبارها صمام الامان للجميع،وتعارض المؤلفة هذا النهج بقولها ان الثقافة باطيافها كافة وليدة واقع وليس العكس،كما انها تنمو وتترعرع بطريقة تعكس بيئة معينة ذات صفات اجتماعية وسياسية خاصة بها،وبذلك ان الواقع هو الذي يخلق الثقافة وليس العكس كما تزعم الدولة،ان ثقافة الارهاب ناتجة بالاضافة الى النهج الديني المتطرف،يعود في اغلبه الى حالة الازدواجية التي تمارسها الدولة السعودية،فمن ناحية تدعي مناصرة قضايا الاسلام والمسلمين وتفتخر بصرفها وكرمها على مثل هذه القضايا،ولكن في الجانب الاخر تتبنى سياسة موافقة على مشاريع الخارج التي ينظر اليها على انها معادية للمسلمين فهي على سبيل المثال تسخر كل طاقاتها وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي لخدمة مصالح الولايات المتحدة في جميع انحاء العالم،وتذكر ان الفجوة بين السياسة المعلنة والخفية اتسعت وفي الماضي كان من الصعب اكتشاف هذه الازدواجية وفضح التناقض،وفي الحقيقة ان السياسة السعودية معروفة للجميع منذ ايام لقاء الباخرة عام 1943م بين الملك عبدالعزيز والرئيس الامريكي روزفلت،وبالتالي ان التحالف القائم بين الدولتين غير خافي على احد فالسعودية محمية من قبل امريكا ومقابل ذلك فان السعودية تخدم المصالح الامريكية من جميع النواحي،وبالتالي فان الازدواجية في السياسة السعودية ليست خافية على الجميع،ولم تقف السعودية موقف معادي لامريكا لانها المدافع الاول عنها،اما انه يصعب التعتيم الان فلكون الثورة التكنولوجية الحديثة وخاصة في الاعلام والاتصالات جعلت من الصعب على الحكومة السعودية التغطية على ذلك في الداخل اما الخارج فهو مطلع على خفايا تلك العلاقة القوية بين الدولتين،ورغم ضخامة الاعلام السعودي سواء في الداخل والخارج،ومحاولته التغطية على تلك العلاقة الا ان التحالف القائم بين الدولتين هو استراتيجي طويل الامد لا تقف بوجهه قوة او ثقافة تستطيع تغييره وبالتالي ان المعادين للغرب عموما وامريكا واسرائيل خصوصا سوف يكونوا بشكل طبيعي معادين للسعودية،واي خلاف في ذلك فأن تبريره يكون صعبا للغاية،ومعروف عن السعودية خدمة المصالح الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية باتباعها سياسة نفطية تخدم بالدرجة الاولى الاقتصاد الغربي كما تشتري كميات كبيرة من السلع والمنتجات الغربية وخاصة العسكرية منها،رغم عدم قدرتها على استخدام تلك الاسلحة والدفاع عن امنها الداخلي والخارجي،بالاضافة الى الاستثمارت الضخمة في الاقتصاد الغربي والايداعات المالية في البنوك الغربية لتحريك الاقتصاد الغربي وتنشيطه على حساب المصلحة الوطنية والاسلامية.وفي باب آخر للازدواجية والتناقض تذكر المؤلفة ماتتمتع به العمالة الغربية من امتيازات ضخمة تتناقض مع الواقع السعودي المحلي،خاصة معيشتها في اماكن مرفهة وتحصل على اجور عالية،في ظل وجود بطالة عالية داخل المملكة.
ولتغيير الواقع يجب القضاء على حالة الازدواجية في الجانب الديني والسياسي والاقتصادي،لان الازدواجية هي التي تولد التطرف والعنف ولا سبيل للقضاء على ذلك الا بالانفتاح والعدالة والمساواة والقضاء على الازدواجية بين السياسة الدعائية والواقع المعلن.
في الفصل الثاني عشر تجيب المؤلفة عن سؤال مطروح هو لماذا تقيد امريكا والسعودية الجمعيات الخيرية الاسلامية،وتبدأ الاجابة بتفنيد الاعتقاد السائد بأن هناك ترابط بين العمل الخيري الاسلامي والارهاب خاصة من ناحية تمويل الارهابيين والذين يوجهون عملياتهم نحو الغرب،ورغم انه ليس هنالك اي ادلة على الدعم المزعوم الا انه بالتاكيد انه قد حصلت خروقات في هذا المجال خاصة في ظل تشعب السوق المالية العالمية،وطبعا يستغل المتطرفين وجود الجمعيات الخيرية او يقوموا بتأسيس جمعيات مزيفة يقوموا من خلالها بنقل الاموال وغيرها،الا ان المؤلفة تشير الى انه ليس هنالك محاكمات علنية لاثبات مسؤولية الجمعيات الخيرية،وتشرح بقولها ان امريكا تحارب العمل الخيري الاسلامي لانه يقوم على خلق اتصال مع الطبقات الشعبية المسلمة في مختلف انحاء العالم الاسلامي بالاضافة الى الجاليات المسلمة الموجودة في الغرب وبالتاكيد يخلق العمل الخيري وعيا ولحمة بين المسلمين على اختلاف اعراقهم واجناسهم،وقد جاء هذا العمل بعد ان كانت معظم الاعمال الخيرية الكبرى في العالم تدار من قبل الدول الغنية وخصوصا اوروبا وامريكا وخاصة المرتبطة بالنشاط التبشيري،ولطالما استخدمت تلك الدول المساعدات الاقتصادية كوسيلة للضغط على الدول الفقيرة لتغيير سياساتها بما يتلائم مع سياسات الدول الكبرى وبذلك اصبح العون الاقتصادي ذراعا للسياسة الامريكية الخارجية،وهي جزء من سياسة الترهيب والترغيب،وباستمرار عمل الجمعيات الاسلامية فأن نفوذ العالم الغربي يضعف كثيرا وخاصة في مجال السياسة والتبشير،وكجزء من عمل الحكومة السعودية للترويج لسياساتها ودعما لنفوذها في الداخل والخارج فقد سخرت العمل الخيري ودعمته بقوة وكذلك في التبشير للفكر الديني المتشدد السائد في السعودية،وهي تشبه في ذلك السياسة الغربية،وقد كان الطموح السعودي لقيادة العالم الاسلامي لا يواجه اي منافسة تذكر لغاية عام 1979م فبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران،ازدادت المنافسة مع ايران الطامحة لقيادة العالم الاسلامي والتي بدورها تدعم العمل الخيري الاسلامي الا انه ليس بحجم ضخامة الاموال السعودية او التسهيلات المقدمة للسعودية بحكم علاقاتها الوثيقة مع الغرب،الا ان العمل الخيري السعودي لم ينجح في كسب الولاء المتوقع بل على العكس ادى الى نتائج سلبية خاصة ضد السياسة السعودية الموالية للغرب،وقد بدأ الانقلاب لدى الجاليات المسلمة في الغرب بعد صمت السعودية تجاه قضية سلمان رشدي عام1989م ثم ازداد بعد حرب الخليج الثانية واستدعاء القوات الغربية في الجزيرة العربية فبدأ الشعور المعادي للسعودية بالانتشار حتى احداث سبتمبر2001م حيث اتهم الجميع من جاليات مسلمة الى حكومات غربية،الاسلام السعودي بأنه المسبب الرئيسي للاحداث كون غالبية المشتركين هم سعوديون ويحملون الفكر التكفيري المتشدد،وقد استجابت السعودية للمطاليب الامريكية بتقييد العمل الخيري الشعبي واقتصاره على العمل الخيري الحكومي،بعد ان ارتبطت مصالح الطرفين في تلك المسألة بعد ان وجد الجميع ان العمل الخيري المسيس يؤدي الى نتائج عكسية تكون عاقبتها شرا على من روجها.
وفي القسم الرابع المسمى متاهات العنف تذكر المؤلفة حوادث العنف واسبابها في مدينة ينبع مثلا وظاهرة قتل الاجانب اخذت بالانتشار في الداخل كتعبير عن روح الانتقام لزملائهم في خارج المملكة وقد سببت تلك الحوادث اضرارا بالغة سواء بسمعة البلاد او هروب المستثمرين والمقيمين ممن تحتاج اليهم البلاد،او عن توبة بعض شيوخ التكفيريين في السجون الا ان التائبين من الشيوخ تذكر عددهم ثلاثة فقط!ومحتمل الان يكون العدد اكبر ومن الافراد العاديين ربما اكبر بكثير،كون تغيير هؤلاء بالحوار والترغيب والترهيب يؤدي الى نتائج ملموسة،ومن الطبيعي ان الكثير من المساجين يرغبون بمغادرة السجون ولذلك يكون البعض منهم غير تائب ولكن لايرغب بالعودة الى العنف بسبب قوة الدولة او يغادر البلاد في اقرب فرصة،والحلول المطروحة لحل مشكلة التطرف الديني كثيرة منها حل مشكلة البطالة لدى فئة الشباب وايضا تغيير مناهج التدريس التي تشجع على الكره وعدم قبول الاخر واحلال مناهج الوسطية في كل شيء.
وفي الفصل السادس عشر وتحت عنوان،امريكا تفشل في لعبة القبائل في الخليج والجزيرة،تبدأ حديثها عن دعوات واشنطن للمجتمع الاكاديمي الى حل لغز العلاقة بين القبائل والاسلاميين وبخاصة التيار الجهادي،وتعدد اسباب ذلك،ان اهتمام امريكا بدأ بعد احداث سبتمبر2001م كون غالبية خاطفي الطائرات من قبائل الجنوب السعودي قرب الحدود مع اليمن،وهي مناطق ما تزال مهمشه،والسبب الاخر هو قبائل افغانستان وقتالها للقوات الغربية،والسبب الثالث هو قبائل المثلث السني في العراق،والسبب الرابع هو تصاريح شركة فينيل التي تسلح الحرس الوطني السعودي حيث اتهمتهم الشركة بمعرفة تفاصيل تفجير احد المجمعات السكنية في الرياض في آيار2003م.بالنسبة للسبب الاول قد يكون الفقر والتهميش او المصادفة قد جمعا جزء من الخاطفين في عملية تحتاج الى السرية وبالتالي يتعذر البحث في مناطق اخرى كون العدد لايتجاوز15 يعني ان المتطرفين منتشرين في جميع انحاء المملكة ولكن للتهميش دور كبير في تزايد اعدادهم،اما في النقطة الثانية عن قبائل الباشتون فهي تشكل مايقارب نصف سكان افغانستان وبالتالي يكون غالبية المقاومة المسلحة منهم كون عناصر طالبان ينتسبون في الغالب اليهم وبالتالي تشكل معرفة القبائل اهمية لكون بعضها معارض لا لكون القبائل هي المعارضة لان غالبية انتماءات الافغان هي للقبائل والكثير من سكان المدن يقاتلون،والكثير من القبائل في افغانستان هي موالية للسلطة او بعضها يحارب من اجل الاستحواذ على النفوذ والسلطة في انحاء البلاد المترامية.
السبب الثالث وهو الرأي الغالب لدى الكتاب العرب ومنهم المؤلفة كون المقاومة السنية في وسط العراق بتكويناتها القبلية فاجأت الامريكان بشدة المقاومة وكون المعلومات مغلوطة الى غير ذلك من الاستنتاجات الخاطئة لدى المؤلفة او من يأخذون بنفس رأيها،فالاحداث التي تلت صدور هذا الكتاب اي منذ بداية2007م اثبتت خطأ تلك الآراء فالقبائل السنية هي التي تصدت للمتطرفين السنة من القاعدة والبعثيين وغيرهم من المنظمات الارهابية لان اساس العنف هو فقدان الاقلية السنية لاحتكارها السلطة منذ تاسيس الحكم عام1921م وامتلاكهم للاسلحة والمال ودعم الدول العربية مكنهم من القتال واستدعاء المتطرفين التكفيريين من خارج العراق،ولم يتصدى الجيش الامريكي بقسوة تعادل قسوة الجيوش العربية مع التمردات المسلحة،كذلك لم يسمحوا للمتضررين الرئيسيين من العنف وهم الشيعة والاكراد وبقية الطوائف من التصدي بحزم للمتمردين السنة خوفا من الحرب الاهلية وتقسيم العراق او مشاركة الدول العربية في دعم السنة،كذلك ساعد في استمرار العنف التهاون الواضح من قبل مليشيات الاحزاب الشيعية في الدفاع عن المناطق الشيعية والتي كانت في حالة صراع داخلي ايضا فيما بينها،يضاف الى ذلك عدم وجود صلاحيات واسعة للحكومات العراقية المتعاقبة والضعف الواضح لدى قادتها في ادارة الدولة،كل ذلك ادى الى استمرارالعنف لفترة تزيد عن اربع سنوات الى ان جاءت الفرصة الملائمة للقبائل السنية التي تضررت كثيرا من استمرار العنف وفقدان النفوذ داخل الحكم الجديد،ادى الى انقلابها على الارهابيين بعد ان ثبت ضررهم على العراق وشعبه،وبالتالي ان منح القبائل المال والسلاح لمقاتلة المتطرفين هو ممكن بالاضافة الى تحسين ظروف معيشة افراد تلك القبائل وايجاد مختلف الوظائف لهم هو السلاح الرئيسي للقضاء على التطرف وايجاد الوسائل الشرعية الملائمة لدمج المحاربين السابقين.
في الفصل السابع عشر وهو اكبر الفصول في الكتاب والمعنون:هل تسمع الرياض أنين اطفال العراق؟والعنوان لا يدل على موضوع الفصل بتاتا!تبدأ الحديث عن قولها ان جملة من الاكاذيب كشفتها ما تدعوه المؤلفة بالمقاومة وخاصة في مدينة الفلوجة وبأن الاكذوبة الاولى هي الادعاء ان المقاومة يديرها قتلة وقطاع طرق جاؤوا من الخارج،وراي المؤلفة في هذا الفصل هو رأي غالبية الكتاب العرب في معارضتهم للغزو الامريكي وبلدانهم جميعها تقريبا هي تحت الغزو الامريكي الظاهر والمبطن!ان مقاومة الفلوجة والمناطق الاخرى هي معروفة لجميع العراقيين ولذلك نبذها غالبية العراقيين كونها اسوأ من مجموعة من القتلة وقطاع الطرق،ان العصابات الاجرامية التي قادت التمرد لعدة سنين تتكون من مجموعتين رئيسيتين هما اتباع وبقايا النظام البعثي السابق والذين فقدوا جميع الامتيازات والسلطة في فترة قصيرة،لا بل اصبحوا مطاردين من غالبية الشعب العراقي كونهم المسؤولين الرئيسيين عن جميع الجرائم التي وقعت في العراق منذ 9 شباط 1963 -الى 9 نيسان2003م ونظرا لطبيعة النظام الطائفية والعنصرية كون غالبية افراد السلطة ينتسبون لطائفة السنة العرب فمن الطبيعي هم الذين يقاومون التغيير الذي حدث في العراق وايضا مقاومتهم تكون في مناطقهم التي يشكلون الاغلبية فيها،اما بقية المناطق الاخرى التي يتواجدون فيها فقد مارسوا الاجرام بابشع صوره المعروفة،اما المجموعة الاخرى فهي المقاتلين الاجانب والذين يشكل العرب نسبة الاغلبية فيها كون العراق بلد ذو اغلبية عربية ومجاور لبلدان عربية اخرى تسهل مرور ارهابيها عن طريق الحدود،وطبعا جميع هؤلاء الاجانب من السنة المتعصبين الحاقدين على بقية طوائف العراق وخاصة الشيعة،وقد شكل الطرفان جبهة موحدة مارست ابشع انواع القتل والتدمير دون ان تتحرك الطوائف الاخرى لايقافهم حتى بدأت مقاومتهم بعد تفجير سامراء في22\2\2006م وعندها فقد هؤلاء مناطق كثيرة تواجدوا فيها،ثم جاء التناحر الداخلي بين تلك العصابات الاجرامية الذي سبب الكوارث لمن آوهم من السنة فجاءت الصحوات العشائرية لتعيد الطائفة السنية الى احضان العراق وطوائفه الاخرى بعد ابتعادها لسنين طويلة سواء في حالة الحكم او في حالة التمرد. وفي عناوين اخرى شرحت المؤلفة الخلفية التاريخية لموقف السعودية سواء من الحرب على العراق او الجوار العسر بين الجانبين،وقد اعترفت بدعم السعودية الكبير للنظام العراقي ابان الحرب مع ايران،وهو نتيجة لدفع صدام لشن الحرب نيابة عن دول الخليج والغرب ضد ثورة ايران الفتية ولاسباب متعددة منها الخوف من تلك الثورة واضرار امتدادها والعداء الاعمى للمذهب الشيعي،وقد اعترفت بتعاطف السعودية مع المعارضين السنة العراقيين ورفضها التعاون مع المعارضين الاخرين وكذلك رفض قبول اللاجئين الذين يشكل الشيعة الغالبية منهم،وقد جاء غزو الكويت عام 1990م لينهي التحالف المؤقت بين النظامين ونتيجة فعلية لسياسة اشعال الحروب بين الدول الاخرى والعيش الرغيد على مصائب الاخرين،ويجب ملاحظة ان كل ازمة عربية او شرق اوسطية تكون الفائدة العظمى للنظام السعودي من جراء ارتفاع اسعار النفط وضعف الاخرين اقتصاديا وعسكريا وسياسيا،وكانت حرب الخليج رغم فوائدها المادية الا انها مكلفة جدا للانظمة الخليجية وخاصة السعودية واكلت كل زيادة في اسعار النفط،بالاضافة الى اشتعال التمرد الديني المتطرف الذي مازال مستمرا في داخل وخارج السعودية،وبعد عام 2001م وبعد فوز بوش الابن برئاسة الجمهورية بدأ الخوف من ان ينتقم من النظام العراقي الذي هو رغم كل العداء مع السعودية يبقى الاقرب اليها كونه نظاما سنيا اضعف العراق كثيرا وجعل السعودية هي المستفيد الاكبر من وجوده و خاصة في مجال النفط بعد ان فقد العراق منذ عام 1980م حصته التصديرية من النفط لصالح السعودية كذلك عداءه الدائم لايران وشيعة العراق،فبدأت بفتح الحدود بين الدولتين واعادة تأهيل النظام دون ادنى اعتبار لمشاعر وآلآم الشعب العراقي،والخوف من سيطرة الشيعة والاكراد على الحكم في حالة اندلاع الحرب،كذلك السعي الدائم مع بقية انظمة الاجرام العربية لدى الادارة الامريكية لتغيير هدفها المعلن بالاطاحة بنظام صدام الديكتاتوري،فخاب سعيهم وفقدوا من باع وطنه لهم الى الابد.
ولذلك كان الموقف السعودي الدائم ضد الحرب وطبعا ليس الخوف على الشعب العراقي وهم من دعموا قتلته على مدار السنين السابقة،الا ان السعودية ليست لديها القدرة على التأثير في الجانب الامريكي خاصة بعد احداث سبتمبر،كما انها ظلت متوهمة ان امريكا لن تسقط صدام(وكلنا يتذكر مقولة الملك عبد الله المضحكة بقوله ان قلبه يقول له انه ليس هناك حرب!) والان بعد سقوط النظام بقي الموقف السعودي من حالة العداء مع جميع الحكومات العراقية المتعاقبة كون ان السنة فيها يمثلون بحجمهم الطبيعي او اكثر قليلا وكذلك كون تلك الحكومات لا ترضى بيع العراق لبقية الدول العربية،بل جعلت مصلحة العراق فوق كل شيء رغم حالات الفلتان الامني والفساد الناتج من الحروب واقامة حكومات جديدة منتخبة،بالاضافة الى محاولة العراق استثمار نفطه مما يسبب فقدان السعودية لنفوذها في السوق الدولية بالتعاون مع بعض البلدان المعارضة لسياسة السعودية النفطية الموالية للغرب على حساب مصلحتها الوطنية.وحول موقف المجتمع السعودي من الحرب فهو لا يختلف عن موقف الشعوب العربية،فهو ناتج من حالة العداء الدائم للولايات المتحدة نتيجة لسياستها في دعم اسرائيل الدائم وفي نفس الوقت تتحالف انظمة تلك الدول مع امريكا وتعيش شعوب تلك الدول على مساعداتها الاقتصادية او تسمح بالاستثمار في امريكا او تقليد الحياة الامريكية!! وهو تناقض مفضوح لانظمة وشعوب العالم العربي،بالاضافة الى حالة العداء الطائفي والعنصري لطبيعة الشعب العراقي المختلفة الى حد بعيد عن تكوين الشعوب العربية الاخرى من ناحية كون السنة فيها الاغلبية الساحقة،وقد ترجم رفض المجتمع السعودي للحرب باشتراك المتطرفين التكفيريين في التمرد السني وقيامهم بابشع الجرائم واكثرها ضررا للشعب العراقي الذي اصبحت لديه كراهية قوية لكل ما هو عربي وخاصة السعودي منهم خاصة بعد انتشار فتاوى الجهاد والتكفير من قبل المؤسسة الدينية في السعودية وكذلك خوف النظام السعودي من التغيير في العراق كونه داعما قويا للتغيير في داخل السعودية،وقد جاءت التوقعات متطابقة فحالة عدم الاستقرار الامنى انتقلت الى داخل السعودية وخاصة حالات التفجير والاختطاف،وتقوية المطالب باحداث اصلاح داخلي وتقوية وضع السكان الشيعة وازدياد المطالب بضمان الحرية الدينية والحقوق المتساوية،فجاءت مطالبات الليبراليون والاسلاميون وشيعة السعودية متقاربة في التوقيت والنوعية وهي نتيجة طبيعية لحالة التغيير الكبرى في المنطقة بعد زوال اعتى نظام ديكتاتوري في المنطقة مما ادى الى خوف الانظمة العربية على مستقبلها وتشجع النخب المثقفة في طرح مطاليبها الاصلاحية بعد ان وجدت ان الظرف الدولي يساعد ويشجع على ذلك،الا ان العنف المتزايد في العراق والمشكلات الاخرى في الشرق الاوسط جعل التوجه الدولي اقل اندفاعا مما كان بين الفترة بين 2001-2003 ولكن يبقى الامل في التغيير هاجس الشعوب المستضعفة والمحرومة مهما كانت الظروف الدولية ومهما كانت قسوة النظم المستبدة وتفننها في اذلال شعوبها بغية البقاء لاطول فترة في الحكم.
وفي الفصل الثامن عشر وضعت المؤلفة تسعة نقاط مشتركة بين امريكا والسعودية،وكانت المبادرة السعودية لارسال قوات عربية واسلامية للحلول محل القوات الغربية في العراق بعد تفشي الفوضى وانعدام الامن هناك قد فشلت بسبب الرفض العراقي من غالبية اطياف الشعب العراقي لكون تلك القوات سوف تساعد فئة وهم السنة وايضا تدعم انشاء حكم ديكتاتوري جديد في العراق،وكذلك رفض الدول المجاورة للعراق ودول العالم الغربي ايضا،وبعد الرفض المشترك لم تجروء السعودية على طرحها مرة اخرى،وفي رأي المؤلفة ان النظامين في امريكا والسعودية نشأ في عزلة عن العالم لفترة طويلة ولم تكسر تلك العزلة الا بعد ضغط مصالح الشركات في الاولى وفي الثانية بعد الطفرة النفطية الاولى وانفتاح المجال امامها بعد ضعف دول المنطقة الرئيسية(مصر والعراق وسوريا وايران وتركيا) وانشغالها بالحروب والتمردات المسلحة والاضطرابات والازمات الاقتصادية،ولم يخرج النظامان من العزلة الا بمقولات وايديولوجيات مبطنة حسب تعبيرها،حقوق الانسان ونشر الديمقراطية في الاولى،وخدمة الاسلام والمسلمين وزعامة الامة الاسلامية في الثانية،والتغلغل بنفس الطريقة اي عن طريق رأس المال وتشعباته الدولية.
يشترك النظامين في كونهما قائمين على الايدي العاملة المهاجرة وهي صحيحة الى حد كبير وخاصة في مجال الاستغلال،رغم تحسن ظروف عمال المهاجرين في امريكا في الوقت الراهن.وفي نقطة اخرى يستغل النظامين الدول الضعيفة كالتي تعاني من الفقر والازمات السياسية ولايجرؤان على مواجهة انظمة قوية تمتلك قوة موازية او كبيرة،وهذا ينطبق بصورة كبيرة على السعودية التي لا تستطيع مواجهة دول كثيرة في المنطقة عسكريا رغم ضخامة انفاقها الدفاعي،فهي ضعيفة جدا في مواجهة دول مثل ايران والعراق وسوريا ومصر وحتى دول ضعيفة مثل اليمن،ولذلك فهي تلجأ دائما لطرف ثالث في سبيل اضعاف كل الانظمة المنافسة لها وقد يكون الطرف الثالث القوى الغربية او النظام البعثي في العراق ولذلك فأن الكثير من النزاعات الساخنة في المنطقة نجد للسعودية يد فيها او على الاقل مشاركة فيها خدمة لمصالحها الخاصة.
من النقاط الهامة المذكورة هي اعتماد النظامين على الخطاب الديني من اجل تحقيق مكاسب سياسية،واعتمادهما على الاعلام لترويج نفوذهما،فالولايات المتحدة تمتلك من وسائل الاعلام مالاتملكه اي دولة في العالم ومنذ فترة طويلة بينما تملك السعودية امبراطورية اعلامية ضخمة في داخل وخارج العالم العربي وفي امريكا تكون غالبية وسائل اعلامها في الداخل،بينما العكس في السعودية بسبب طبيعة النظام وبنية المجتمع المتشددة والقبلية وكذلك الانتشار في الخارج يؤدي الى مشاركة كثيرين في الجهاز الاعلامي ويصل الى اكبر عدد من السكان.
وفي القسم السادس والاخير والمسمى الاستبداد والمرأة ويتكون من فصلين صغيرين من تسعة صفحات،اعتبره غير كافيا بالغرض ولا يتضمن شرحا وافية للمشاكل التي تعاني منها المرأة السعودية،وفي الحقيقة ان السعودية من اكثر دول العالم تخلفا في اعطاء الحقوق للمرأة ومازالت الدولة الوحيدة التي تمنع سياقة السيارة لاسباب في غاية التفاهة ورغم تطور التعليم الكمي وليس النوعي حيث جميع دول العالم العربي يعاني من تردي نوعية التعليم،الا اننا نلاحظ ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل(5%) وكذلك في المناصب العليا في الدولة وهو في الحقيقة يعود الى الدولة والمجتمع القبلي الغالب في السعودية،وفي رأي المؤلفة يعود الى عدة عوامل منها الاحادية السياسية وتعني بها انعدام المشاركة الشعبية في الحكم في جميع الدول العربية وهو يؤدي الى احتكار العنصر الذكوري في قيادة الدولة والمجتمع.
العامل الثاني هو تواجد اعداد كبيرة من العمالة الاجنبية وهي في غالبيتها عنصر ذكوري،وتمتاز بسهولة الاستخدام ورخصها مما يجعل من الصعب على المرأة منافسة العمالة الاجنبية،وفي فصل اخر تثير قضية تجنيد النساء السعوديات للعمل في اجهزة الدولة الامنية وخاصة في المجتمع الانثوي،وهي بالتأكيد خطوة لتثبيت النظام وقد سبقتها في ذلك انظمة الحكم العربية الاخرى دون ان تؤدي الى تطوير وضع المرأة اقتصاديا او معنويا،بل انها تزيد من المشكلات القائمة اساسا.
ان المراة السعودية وزميلاتها العربيات تواجه مشكلة البطالة بصورة كبيرة خاصة ان غالبية الخريجات لا يجدن اي معونة من قبل حكوماتهن او مجتمعاتهن مما يجعلهن يقعن فريسة لليأس والقهر والحرمان،وبما ان غالبية الدول العربية تسيطر على اقتصادياتها القطاع العام فأن مسؤولية الدولة تكون اكبر تجاه خلق فرص العمل والمساواة للمرأة،ويخطأ من يظن ان مجالات المرأة محدودة،بل العكس هناك مجالات كثيرة ومن الضروري تقييد فرص العمالة للاجنبي في مجالات عمل المرأة مثل التعليم والصحة والادارة بل هناك الكثير من القطاعات الانتاجية التي لاتحتاج الى قوة جسدية فوق طاقة المرأة،بالاضافة الى تشجيع منح المرأة اجازات طويلة الامد لخدمة اسرهن والسماح لهن الرجوع بدون معوقات تذكر،ان الحديث عن معاناة المرأة طويل وهناك الكثير من الدراسات والحلول لكن تبقى المشكلة الاعظم وهي عدم تطبيق الحلول او تجاهل المشاكل.
الخلاصة:
كتاب مأزق الاصلاح في السعودية للدكتورة مضاوي الرشيد،كتاب قيم يستحق القراءة والتعليق وهو نتاج امرأة اكاديمية مثقفة تعيش في العالم الغربي،وتتبع احدث الطرق العلمية في طرح المشاكل والحلول ويبقى اثر وتاريخ عائلتها المعارض للحكم السعودي ظاهرا في كتاباتها الا ان ذلك لا يمنع الجميع من متابعة نتاجها العلمي وهي تعطي صورة حسنة للمرأة العربية كونها مثالا للجد والاجتهاد في الدراسة والعمل ومثالا للتحرر الفكري والسياسي ونموذجا يحتذى به في العالم العربي يضاف الى امثلة عديدة من الوجوه النسائية البارزة في مختلف فروع العلم والمعرفة والسياسة والاقتصاد،وتبقى المشكلة الكبيرة في جهل الكثيرين في العالم العربي وخاصة النساء لتلك الوجوه البارزة وخاصة التي تعيش بعيدة عن اوطانها وتعاني من سياسة الحصار الفكري والسياسي الناتجة من المعارضة المستمرة للانظمة الحاكمة،ويبقى التقدير الكبير لدور تلك الرائدات ومنهن الدكتورة الرشيد في قلوب وعقول النخب المثقفة والباحثين عن العدل والحرية والمساواة.









ليست هناك تعليقات: