إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/12/11

الملتقى الشعري:دعم الابداع

الملتقى الشعري:دعم الابداع
عقد يوم 6\12\2008 الملتقى الشعري العراقي الثاني في استراليا،وقد حضره جمع كبير يتصدرهم السفير العراقي والملحق الثقافي،بالاضافة الى عدد كبير من الشعراء العراقيين ومن مختلف القوميات والتوجهات الفكرية،ومن شتى الولايات الاسترالية والتي هي على الاغلب من اماكن بعيدة جدا.
القصائد الشعرية والكلمات النثرية كانت بعدة لغات تمثل مجموعة من اطياف الشعب العراقي،فقد القيت باللغات العربية والكردية والسريانية،وقد تمت ترجمة معظم القصائد والكلمات الى اللغة العربية،واكثر الشعر الغير عربي هو قريب على الشعر الحر اذا ترجم اما في لغته الاصلية فالوضع يختلف بالطبع ومنها تأثيره لدى متكلمي لغته الاصلية.
اصبح هذا الملتقى مثل المهرجان السنوي للشعر العراقي في المهجر،واغلبية القصائد هي كانت وطنية سواء تتغنى بحب الوطن البعيد او برثاء الشهداء وخاصة الشخصيات الثقافية والدينية التي استشهدت هناك،ثم الغزل بأنواعه،ولم يخلوا المنتدى من الشعر الشعبي الفكاهي وخاصة باللهجة الجنوبية الاكثر شعبية وجمالا وتأثيرا بين اللهجات العراقية الرئيسية.
ومن خلال المهرجانات الشعرية الكثيرة يمكن القول بأن الشعر مازال يتصدر الفنون الادبية المكتوبة ومازال عشاقه ومتذوقيه بنفس الزخم والقوة رغم ان القراءة الشعرية المكتوبة تعاني مثل غيرها من القراءات الاخرى من هبوط عدد القراء،ولكن المهرجانات الشعرية والتي يلقي الشعراء نتاجاتهم الادبية بصورة مباشرة على الجمهور،مازالت في نفس القوة لكون الاستماع المباشر مع الشعور المشترك بين الشاعر والجمهور حول تأثير النص المقروء يكون في غاية القوة من التأثير والتفاعل الوجداني.
الشعراء كانوا من مختلف القوميات والاديان والمذاهب،وكانوا من فئات عمرية مختلفة وان كان للشعراء الكبار في السن النصيب الاوفر من المشاركات والذين لهم تجارب طويلة في الشعر بما فيها الاصدارات الشعرية المتعددة.
ولكن الملاحظ ان الحضور النسوي رغم تواجده مع الجمهور بنسبة كبيرة الا ان المنصة خلت من الشاعرات وقد انتبه الجميع لذلك،ومع ذلك كانت التوصيات بضرورة الحضور النسوي في السنوات القادمة.
كما كان الشعراء العلمانيين نصيب الاسد من المشاركات رغم ان ذلك لا يؤثر على جودة النصوص الشعرية المعروضة بل يزيدها تنوعا وجمالا،ولكن نصيبه الفعلي في الساحة الشعرية العراقية اقل مما هو موجود في الملتقى الشعري،وكان اغلبية هؤلاء ينتسبون للتيارات اليسارية التي سادت الساحة العراقية خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي.،وكانت فرصة ممتازة للتعرف على آثار تلك المرحلة الهامة من تاريخ العراق والدول العربية التي كانت في نفس التوجهات والتطلعات.وكان التفاعل مع الالقاء بارزا للعيان.
الشعر في العراق:
يحتل الشعر في العراق مكانة هامة جدا في المجتمع العراقي ولدى جميع الطبقات فيه،وتلعب القصائد الشعرية بمختلف انواعها دورا رئيسيا في اثارة مختلف القضايا الهامة والساخنة التي يعيشها المجتمع العراقي وكذلك المجتمعات العربية والاسلامية الاخرى.وفي وصف رائع لشاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري(1899-1997) حول حب الشعب العراقي للشعر بقوله انه لم يرى شعبا مثله يزحف زحفا للمشاركة في الملتقيات والمناسبات الشعرية والتي يتفاعل معها الجميع صغارا وكبارا.
والحقيقة المتعارف عليها لدى الجميع ان الشعر في العراق يمثل الصدارة وبدون منازع بالمقارنة مع بقية البلاد العربية الاخرى وبالاشارة مع بعض الفنون الادبية الاخرى التي تكون الريادة هي من نصيب بلاد اخرى مثل الرواية التي هي من نصيب مصر مثلا وهذا البروز يختلف بأختلاف اهتمام الشعوب وطبقاتها المثقفة بمختلف الفروع الادبية،كان ومازال العراق ومنذ العصور الاسلامية الاولى يتربع على كرسي الزعامة سواء كما او نوعا،حتى ان طه حسين(1889-1973) قال بعد رحيل احمد شوقي(1868-1932)ان امارة الشعر العربي انتقلت الى العراق كما كانت من قبل،رغم ان العراقيين بمختلف توجهاتهم سواء الدينية او الفكرية او السياسية لم يعترفوا اطلاقا بأمارة احمد شوقي للشعر العربي رغم قوة شاعريته كما هو معروف،بل لاحظت ذلك في المنهاج المدرسي للادب العربي خلال مرحلة الدراسة المتوسطة خلال حكم البعث البائد في العراق وهو المعروف عنه حربه الشعواء على الوطنية العراقية بكافة توجهاتها ومحاولته اذابتها بهمجية وقسوة بالغتين في بوتقة القومية العربية التي يحرص عليها شديد الحرص بحيث شوه التاريخ والمناهج لاجلها،والمنهاج المدرسي خلال تلك الحقبة البعثية يكتبه مؤلفون ينتسبون في الغالب لخطه الفكري ومعروف عنهم قوميتهم وطائفيتهم المتطرفة،ورغم ذلك فقد قالوها صريح العبارة ان تلك الامارة لاتمثل شيئا واقعيا ولاتعبر عن واقع الشعراء العرب واحجامهم الشعرية،بل هي الفاظ مجردة تطلق على مناصب غير موجودة،او القاب لاتمثل بالضرورة واقع.
ويعود ذلك لعدة اسباب اهمها ان الذين انتخبوا احمد شوقي كانوا من شعراء الصف الثاني ماعدا حافظ ابراهيم والذي انتخبه مضطرا،كذلك كانت اغلبية الذين انتخبوه هم من لبنان ولم يكن من بلد الشعر الاول العراق احد معروف عنه قد حضر المؤتمر،كذلك فأن مثل تلك الالفاظ او الالقاب الرنانة لم تطلق من قبل او بعد تلك الحادثة على زعيمي الشعر العربي بدون منازع وهما المتنبي والجواهري.
الشيءالاكثر الاهمية هو كون شعراء العراق اقل شهرة عربية او عالمية ويعود ذلك لاسباب عديدة،اهمها هو ضعف وسائل الاعلام العراقية ومحدودية انتشارها وخضوعها المستمر لانظمة استبدادية تحارب الابداع والمبدعين وتجد فيهم الخطر الاكبر على الحكم واستبداده،او قد يؤثر على شهرة الحاكم المستبد،خاصة كونه الاوحد والاعلم في كل شيء! لذلك تجد ان الانظمة المتعاقبة في العراق قد اهملت ان لم تكن قد حاربت الادب والادباء،وقائمة الشهداء تتضمن عدد كبير منهم،ومازال المثال المؤلم امامنا كيف ان احمد شوقي لا يعرف الشاعر الكبير الحبوبي وهو احد اساطين الفقه والادب في النجف،بينما يعرف شوقي،طلاب المدارس في العراق!.
بالاضافة الى ذلك عدم ترجمة الشعر الى اللغات الحية الرئيسية وخاصة الانكليزية،وهذا الضعف ليس مقتصرا على العراق فحسب بل على جميع الدول العربية التي تعاني من مشكلة النقص الشديد في ترجمة الادب العربي بمختلف فروعه الى اللغات العالمية مما يجعله محليا او اقليميا ومحدود الانتشار،مع العلم ان الشعر العربي هو الافضل عالميا وهناك عدد كبير من غير العرب ايضا هم من شعراء العربية وخاصة خلال العهود الاسلامية المزدهرة التي كانت تجمع عدة امم في دولة واحدة وكانت حينها اللغة العربية هي اللغة الاولى عالميا.
وضعف الوجود العالمي للاداب العربية الناشيء من التخلف العربي في كافة المجالات منذ فترة طويلة تمتد لقرون مضت والذي امتدت جذوره للثقافة،هو السبب الرئيسي لعدم انتشاره عالميا وعدم حصول معظم الادباء والشعراء العرب على اعظم الجوائز العالمية وخاصة جائزة نوبل للاداب والتي هي الاشهر عالميا،بينما نجد ان الكثير من الادباء والشعراء الذين حصلوا على تلك الجائزة هم دون مستوى الكثير من الادباء العرب،بل يكاد الفرق فاضحا كما هو في حالة حصول تشرشل على جائزة الاداب،بينما نجد ان عمالقة الشعر والادب العربي محرومين منها او من الشهرة العالمية،وهذا التقصير الواضح تتحمله الحكومات العربية بصورة اجمالية،والدراسات الاجنبية عن الشعراء العرب قليلة جدا،واذكر كمثال يتيم البياتي والذي عاش في اسبانيا فترة طويلة مما ساعد على ترجمة شعره الى اللغات الحية بينما نجد ان عيون الادب العربي لحد الان غير مترجمة!،والحل الوحيد هو انشاء مراكز للترجمة لنشر الادب العربي المطبوع سواء القديم او الحديث ولكافة اللغات العالمية الحية وانشاء مراكز بحثية وكراسي للتدريس في الجامعات العالمية او الدول الكبرى،وهي احدى الحلول الرئيسية لنشر اللغة العربية وآدابها،وهذا الامر لايكلف كثيرا كما هو معروف.
ثاني هذه الاسباب هو ان احد اهم مصادر الشعر في العراق هو المذهب الشيعي كون عدد كبير من الشعراء ينتسبون اليه نظرا لاغلبية السكان هناك هم من الشيعة وكون مكونات المذهب هي الملهم الاكبر لهم من خلال ابراز التراث الشيعي الضخم،وبما ان جميع الانظمة المتعاقبة منذ الخلافة الاموية ولغاية 2003م ماعدا فترات زمنية قصيرة كانت بمثابة هدنة! هي قد حاربت الشيعة لذلك نجد ان الحرب الشعواء قد وصلت الى كل المستويات الفكرية والثقافية وبمختلف فروعها وبالطبع ان الشعر والشعراء كان لهم نصيب الاسد في ذلك بأعتبارهم لسان حال الشيعة والمعبر عن اوضاعهم وتطلعاتهم وآمالهم، وعدد الشعراء من الضخامة بحيث تعجز كبريات الموسوعات المعرفية عن احصائهم،واذكر في هذا المجال موسوعة شعراء الطف للعلامة الشهيد السيد جواد شبر(1914-؟)والذي احصى اكثر من عشرة الاف شاعر! في عدة مجلدات ضخمة.
والموسوعة الكبرى في عالم التأليف للعلامة الكرباسي والمسماة(دائرة المعارف الحسينية)والتي تعتبر الاضخم في العالم لحد الان من ناحية الحجم والتي يعكف العلامة الشيخ الكرباسي على تأليفها من معتكفه في لندن منذ عام 1986،والتي وصلت لحد الان اكثر من 600 مجلد!خصص منها اكثر من 44 مجلد لسيرة الشعراء الذين نظموا في الامام الحسين(ع)وصحبه،ولذلك فأن اعداد الشعراء من الكثرة بحيث تعجز الموسوعات عن استيعابهم هذا بالنسبة للمعروفين من خلال شعرهم المنشور فقط،اما بالنسبة للشعراء الذين لم ينشروا اشعارهم فهم من الكثرة بحيث تكاد تكون كارثة بالنسبة لمحبي التراث والاداب كون عدد كبير منهم يقول الشعر ثم يتلفه او يهمل الحفاظ عليه او لايهتم لجمعه خاصة اذا كانوا من طلاب العلوم الدينية وهذه معروفة في العهود الماضية في المراكز العلمية الدينية والتي تعتبر الخزان الاكبر لللغة العربية وعلومها وآدابها،ولمن يريد ان يصل الى اعلى الدرجات الدينية فعليه ان يترك الادب بما فيه الشعر بأعتباره معطلا للدراسة او عائقا لها او قد يجد بعضهم انه يتناقض مع المكانة الدينية العالية التي تتمتع بحرص شديد على التقوى والشعر وما فيه من اصناف من بينها الغزل والرومانسية وغيره قد يتناقض مع الصورة الاجتماعية لرجل الدين!.ومع ذلك فقد برز عدد كبير من رجال الدين الذين يعتبرون من شعراء الصف الاول على مستوى العالم العربي ككل،ويحضرني هنا بعض اسمائهم آمثال الشيخ الفرطوسي(ت1983) وملحمته الشعرية الضخمة او الشيخ اليعقوبي(ت1965) جد المرجع الحالي في النجف،او السيد جمال الدين(ت1996)،او من الماضي البعيد الاخوين الشريف الرضي والشريف المرتضى خلال حكم الدولة العباسية.
ولذلك نجد ان الحوزات العلمية وخاصة في عاصمة العلم النجف الاشرف التي هي وريثة الكوفة في العصور الاسلامية الاولى بالاضافة الى بغداد والبصرة والموصل والناصرية والحلة وغيرها من المدن،هي مراكز لتجمعات الادباء ومنهم الشعراء،وهم من الدرجة الممتازة سواء كما او كيفا حتى ان الشاعر العربي سليمان العيسى قال في معرض رده على تكريم شاعر روسيا الشهير المعارض يوفيشنكو في منتصف السبعينيات من قبل الغرب،ان هنالك في النجف اكثر من مئة شاعر يفوقون شاعريته ولكن ليس ورائهم ما وراء يوفيشنكو من امكانات واعلام.
وقد حافظت المراكز العلمية الدينية على مركز الصدارة في تخريج الشعراء نظرا لكون علوم اللغة العربية هي الاساس في دراسة العلوم الدينية،كذلك ان مجاورة ضريح الامام علي(ع)الذي هو مدينة العلم بما في ذلك الادب والبلاغة والشعر يعطي الهام كبير لدارسي الادب بالاضافة الى الملحمة الحسينية والتي تعتبر الالهام الاول للشعراء في التعبير عن شاعريتهم،هذا بالاضافة الى الاحداث الوطنية والدينية والانسانية الاخرى التي تؤثر فيهم.
واتباع المذاهب الاسلامية الاخرى لايقلون بأي حال من الاحوال في اعداد شعرائهم ومكانتهم السامية في الادب العربي،واسماء شعرائهم تمتلئ بهم بطون الكتب الادبية وموسوعاتها منذ فجر الاسلام ولحد الان،والمكان هنا يعجز عن ذكر مجرد رقم لعددهم حتى ولو تقديريا بسبب ضخامة عددهم وطول الفترة الزمنية التي توزعوا عليها ومن ابرزهم الرصافي والزهاوي والعمري وغيرهم.
كذلك لا يخلو مكان في العراق من الشعر بل ان جميع القوميات والاديان والمذاهب الاخرى لهم نفس الاهتمام بالشعر مما يدل على ان للبيئة دورا هاما في تكوين شخصية الشاعر وتوسيع مداركه،وبما ان ارض العراق قد اصبحت مكان لاستيطان مختلف الاديان والمذاهب والقوميات،فقد كان ذلك عاملا رئيسيا في تنوع مصادر الادب وبمختلف اللغات واللهجات وخلال حقب زمنية طويلة جدا قد تصل الى اكثر من سبعة الاف سنة.
وكل المكونات الاثنية في العراق تمتلك عدد كبير من الشعراء وبما يتناسب وحجمهم السكاني ومنهم عدد من الطراز الاول،فالاكراد لهم تاريخ عريق في الاداب ويمتلكون تراث ضخم من الادب الكردي العريق والمتنوع بما في ذلك شعراء كرد لهم اصداراتهم الادبية التي تعتبر بحق من اروع النصوص الادبية في الشرق الاوسط وكذلك فأن تنوعهم الديني والمذهبي والعشائري ساعد كثيرا في تنوع وجودة مختلف نتاجاتهم الشعرية وباللغة الكردية،رغم ان عدم وجود الاستقرار والحروب المستمرة في مناطقهم لفترات طويلة جدا ساعد على ضياع جزء كبير من التراث الكردي او عدم وجود المال الكافي لاصداره او العناية بالمراكز الادبية والادباء كما تفعل ذلك عدد كبير من البلدان التي تدعم وبقوة طبقاتها المثقفة التي هي مركز ثقلها الاول في الحصول على موطئ قدم في ساحة الحضارة الانسانية.
الاقليات المسيحية الاخرى والتي تتحدث لغات عديدة في العراق مثل الآشوريون والكلدان والسريان والارمن وغيرهم عانوا من الاهمال كغيرهم،هم بقايا الحضارات القديمة في بلاد مابين النهرين وهم يتوزعون على مناطق مختلفة وينتمون الى مختلف المذاهب المسيحية ويتكلمون لغات ولهجات مختلفة،ومراكزهم الادبية وكتبهم المنشورة هي خير معبر عما وصلوا اليه من مكانة عالية في الشعر والادب بصورة عامة،بل ان الكثير منهم يكتب باللغة العربية ولا يختلفون عن غيرهم في شيء،واذكر في المكان العالم اللغوي الكبير صاحب مجلة لغة العرب الشهيرة،وهو الاب انستاس ماري الكرملي(1866-1947)الذي كان يعتبر احد اكبر اساطين اللغة العربية في العالم العربي.
بالاضافة الى الاقليات الاخرى والتي حافظت على تراثها الادبي خلال قرون عديدة.
وجود الاديان والمذاهب والاعراق المختلفة على ارض العراق والاحتكاك المتواصل مع الدول المجاورة ساعد كثيرا على بروز العراق وحلوله في مكانة عالية في الاداب وعلومها وهذا التنوع الجميل لا يوجد له مقارب في تكوينات البلاد العربية الاخرى والتي تتكون في غالبيتها من قومية ومذهب واحد غالب عليها،ماعدا سوريا ولبنان الذي يتسمان بالتنوع الاثني المشابه للعراق.
الاحداث الجسام التي مرت بالعراق ساعدت كثيرا على الهام الشعراء لوصف المعاناة والالام،والحزن والالم بحد ذاتهما يعتبران من المصادر الرئيسية في امداد الشعراء بالمادة الشعرية،بعكس الثراء والسعادة اللذان لا يعتبران حافزا لالهام الشعراء بل يعتبران عاملان رئيسيان لتدمير الانسان وكفاحه المستمر من اجل حياة حرة سعيدة كريمة،ولذلك نجد من النادر بروز شعراء او ادباء من الوسط الثري او من شعوب ثرية بالقياس الى شعوب تعاني الفقر والحرمان والاضطراب السياسي والتي تعتبر بيئة غنية لانتاج هؤلاء.
ساعدت الهجرة الكبيرة من العراق الى خارجه وخاصة الى دول الغرب في انتشار الادب العربي المهجري هناك والذي كان من نصيب اللبنانيين في الماضي،فخروج هذا العدد الضخم من السكان (اكثر من 4مليون) خاصة خلال الفترة من 1958-2003 يتضمن بالدرجة الاولى نسبة كبيرة من الطبقة المثقفة ومنهم الشعراء ساعد على اعادة تشكيل وتوزيع الخريطة المهجرية،كذلك اصبحت الغربة ومعاناتها من مصادر الالهام الجديدة لهم والتي برزت خلال ثنايا الاصدارات الادبية الكثيرة والتي تعبر عن حال وطن وشعب منكوب.
وقد توزعت خارطة الانتشار على عدد كبير من البلدان والتي نجد فيها جاليات عراقية كبيرة،وقد ساعدت الثورة التكنولوجية الحديثة وخاصة شبكة الانترنت على ازدهار الانتاج الادبي نظرا لكون العامل المادي هو المعوق الرئيسي في السابق على نشر ذلك الانتاج الفكري والادبي وكذلك الالتزام بقوانين وانظمة الدول التي يعيشون فيها،فمع مناخ واسع من الحرية يبرز الابداع في احلى صوره واكثرها بهجة وتنوعا.
رغم فقدان العراق خلال عقد من الزمن كبار شعرائه،الا ان الاجيال الجديدة تبشر بظهور مبدعين لا يقلون اهمية عما ظهر منهم في الماضي،خاصة وان الظروف الان تساعد على بروز اعداد غفيرة منهم يستمدون الالهام الشعري من مصادره المعروفة ليعوضوا الخسارة الجسيمة بفقدان شعراء كبار خلال العقد الاخير ومنهم الجواهري وجمال الدين وبلند الحيدري ونازك الملائكة والبياتي والوائلي وغيرهم.
ومازال هناك عدد من القامات الشعرية العملاقة تتزعم المسيرة الشعرية وتحافظ على استمرارية الزعامة العراقية للشعر العربي وخاصة التقليدي منه.
نحو استشراق المستقبل:
الادب هو هوية الشعوب الثقافية بلا شك،والشعر بجميع انواعه هو احد اهم العناصر الادبية،ولذلك فأن المحافظة عليه هو جزء من الحفاظ على الخصوصية الثقافية للشعوب وتراثها الضخم،وكذلك على اللغة القومية او لغات الاقليات وخاصة المرشحة للاندثار والتي هي كنز لا يقدر بثمن،لذلك نرى الدول الكبرى تتصارع في سبيل ابقاء لغاتها منتشرة في شتى البقاع من خلال دعم مراكزها الثقافية في العالم،والشعر هو احد حراس اللغة،بل يكاد يكون المستخدم الرئيسي للالفاظ المرشحة للاندثار،وبذلك يكون احد اهم العناصر الثقافية المعبرة عن احوال الامم وتراثها.
والانتشار الكثيف في مختلف دول العالم سواء اكانوا عراقيين او عربا،هو من النعم الالهية وبه يتم التعارف والتعاون والاختلاط مع الشعوب الاخرى،كذلك سوف يكون له تأثير كبير على الشعر والشعراء،مما يفتح آفاقا واسعة للشعر المعاصر،وبالاحتكاك المستمر مع انماط الشعر العالمي الحديث،تنتج لنا ازهار جميلة ملقحة من الشعر والادب العربي،وانتاج المهجر سوف يكون له وزن كبير بلا ريب،وسوف يحتل مساحة واسعة من الادب العربي،الذي سوف يتأثر به كثيرا.
وافضل وسيلة لدعم الشعر يكون بدعم الشعراء العاملون والنوابغ الجدد بصورة خاصة وامدادهم بكل ما يحتاجون اليه في سبيل نهضة ادبية كبرى تحقق للامة اهدافها وتطلعاتها في عودة الريادة الثقافية العالمية او على الاقل البقاء ضمن صنف الثقافات الاكثر تأثيرا في التاريخ الانساني،مع الاهتمام بأدب المهاجر والمنافي،والاجيال الجديدة التي نشأت هناك.
ويكون الدعم ماديا ومعنويا،من خلال اقامة مهرجانات الشعر والادب ومنتدياته وتخصيص الجوائز المادية والمعنوية للنوابغ والبارزين،وكذلك اقامة المراكز الادبية والفنية لخدمة الثقافة بمختلف انواعها ونشرها بين الناس دون نسيان اقامة مراكز الدراسات والبحوث الثقافية في دول العالم الاخرى وخاصة ضمن الجامعات العالمية من خلال اقامة ودعم كراسي اللغة والثقافة والادب.
هذا بالاضافة الى اقامة مراكز الترجمة ودعم نشراصداراتها بمختلف اللغات الحية وخاصة التي لها تأثيرا بارزا في الحضارة الانسانية.
هناك وسائل اخرى بالتأكيد لها اهميتها في دعم ونشر الثقافة وخاصة اللغة والادب ،والدعم المادي للثقافة بصورة عامة ليس بمستوى النفقات العسكرية مثلا بل ميزانية صغيرة تعتبر مؤثرة جدا،وبدون تلك الوسائل واهمال تطبيقها سوف يضع الادب العربي والشعر بصورة خاصة في خانة الدول الاكثر ضعفا في العالم في جميع النواحي،وسوف ينعكس ذلك سلبا على اللغة الكبرى:العربية.

ليست هناك تعليقات: