إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020/03/19

حروب أسعار النفط المتجددة !

حروب أسعار النفط المتجددة!
دائما تلعب السياسة بالاقتصاد وتديره كيفما شاءت الرغبات دون ادنى مراعاة لمصالح الشعوب الاساسية مثلما هو الحال في الفروع الاخرى،وما يجري الآن في مجال الطاقة النفطية هو جزء بسيط من تلك الحروب الاقتصادية التي تفوقت بمراحل على الحروب العسكرية!.
الحرب النفطية الان بين السعودية مدعومة من الإمارات وروسيا حول الاسعار وإغراق السوق الدولية بهذا المصدر الثمين للطاقة هو جنون بالفعل لأن الجميع سوف يخسر بما فيه الحليف الامريكي وحتى المستهلكين لن ينعموا بذلك الانخفاض بسبب أزمة فيروس كورونا الذي يضرب الاقتصاد العالمي بقوة!.
متوسط سعر برميل النفط عام 2019 هو حوالي 65 دولار بينما كان عام 2018 هو بحدود 73 دولار بينما الآن عام 2020 وفي ظل حرب الأسعار وإغراق السوق النفطية،فالاسعار وصلت إلى ادنى مستوى منذ عام 2014 بين 25-35 دولارا وهذا يعني فقدان حوالي نصف قيمته ومن يدري وفي ظل أزمة كورونا يكون اسوأ !.
فقدت شركة أرامكو السعودية من قيمتها السوقية خلال بضعة ايام اكثر من 400 مليار دولار كما أن الخسائر اليومية لقيمة النفط المنتج هي أكثر من 300 مليون دولار والحال كذلك مع روسيا وبنفس القيمة ايضا لتقارب إنتاج الطرفين!.
تعويض هذه الخسائر لن يكون سهلا للجميع!.
في الرسم البياني وحسب تقديرات البنك الدولي لاحتياجات البلدان العربية وإيران لسد العجز في الموازنة لعام 2019 تحتاج تلك الدول الى اسعار اعلى لتغطية ذلك العجز وفق حجم الإنتاج النفطي، ويمكن قراءة وتقدير حجم الكارثة الاقتصادية لكل بلد ناهيك عن بلاد أخرى في العالم في ظل حرب أسعار النفط !.
من تحليل هذا المخطط البياني ولمعرفة السبب لماذا إيران تحتاج لسعر 155 دولار للبرميل، وهي ان الانتاج انخفض بشكل كبير نتيجة للعقوبات الامريكية عليها وبالتالي تقدير ذلك الاحتياج يكون وفق حجم الإنتاج القليل الغير متكافئ لحجم السكان الضخم(83 مليون) !.وهذا الحال مشابه للجزائر أيضا(43 مليون) والتي تحتاج إلى 129 دولار!.
نتيجة للحرب في ليبيا فأن البلاد تحتاج الى 94$ للبرميل لان الانتاج قليل واذا ارتفع الإنتاج مثل حال الآخرين فإن الاحتياج سوف يكون حتما لسعر أقل،أما بالنسبة لدول الخليج فأن البحرين هي الأكثر احتياجا لسعر عال(95$) بسبب محدودية الإنتاج،والأقل في الاحتياج لسعر مرتفع هي قطر لحوالي 48$ .
سبب الاحتياج الكبير لأسعار مرتفعة لدول الخليج هو بسبب ارتفاع حجم السكان(مواطنين ووافدين ) مع استمرارية الإنفاق الضخم على الاستهلاك والدفاع والتورط بصراعات خارجية مكلفة مع تلبية حاجات التحالف مع الغرب وهذا الوضع سوف يستمر لفترة أطول إلا إذا حصل تغيير جذري في تلك السياسات!.
حاجة العراق الان هي سعر 62$ للبرميل مما يعني انخفاض حجم وارداته الى النصف تقريبا والاحتياطي المالي لن يكفي لفترة طويلة مثلما هو الحال لدى دول الخليج وبالتالي سوف يعود الى تقليص النفقات بشدة مثلما حدث بعد عام 2014 عندما انخفضت الأسعار بصورة كبيرة وأثناء الحرب المكلفة مع تنظيم داعش!.
تبقى حاجة الجميع الى التقليل من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل القومي!.
الجشع والانانية هو الذي يتحكم ببعض الدول المنتجة للنفط للهيمنة على سوق النفط العالمية ومنع الآخرين من الاستفادة من مواردهم النفطية لتلبية احتياجاتهم التنموية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولذلك مازلنا نرى حفنة صغيرة من الدول التابعة للغرب تتحكم بدون أدنى رادع لسياساتها الجنونية تلك!.
لا تتناسب مستويات انتاج النفط مع الاحتياجات الأساسية والتنموية للدول المنتجة ولذلك نرى فوائض هائلة من البترودولار للبعض و عجز مستمر للبعض الآخر رغم امتلاكها احتياطيات ضخمة مؤكدة او محتملة وساعد الغرب على ابقاء تلك المعادلة الغير عادلة خدمة لمصالحه الخاصة منذ زمن طويل!.
بعد شن السعودية وحلفائها لحرب أسعار النفط في 9 آذار 2020 ضد روسيا، والاسعار تتهاوى بشدة دون أدنى اعتبار لمصالح المنتجين الآخرين فضلا عن مصالحهم ايضا!.
فالإمارات الشريك الثاني في تلك الحرب والتي لا يتجاوز عدد سكانها الأصليين مليون نسمة وتنتج أكثر من 3 ملايين ب/ي منذ فترة طويلة، مع فوائض مالية تزيد عن تريليون دولار،لا تتردد في زيادة إنتاجها بحوالي مليون ب/ي مع الرغبة في زيادة أخرى في المستقبل!.
هذا التفكير اللاعقلاني والذي لا يتناسب مع حجم تلك الدولة و حاجاتها ،يزيد من حجم التوتر مع الآخرين سواء في مجال السياسة أو الاقتصاد ويزيد الضرر للجميع!.
الرغبة في مشاركة الثنائي السعودي/الإماراتي في حرب الأسعار ضد روسيا والمنتجين الآخرين لم تتضح بعد لدى الكويت وقطر واللذان ينتجان كميات كبيرة تفوق حاجاتهم الاساسية ايضا،ولكن من المؤكد أن تلك الدول تفقد الكثير من قيمة احتياطياتها النفطية للأجيال المقبلة واستنزافها يجري بصورة جنونية!.
مع أزمة فيروس كورونا المستمرة فأن السوق النفطية سوف تفقد نسبة كبيرة من حجمها بسبب توقف قطاعات واسعة من الاقتصاد العالمي عن العمل ولا يمكن التكهن بحجم ذلك التوقف الا بعد انتهاء تلك الأزمة والبدء في إجراءات التقييم الشاملة،ومع ذلك التوقف الحالي، يظهر فيضان من الإمدادات النفطية والتي لا يحتاجها الجميع في الوقت الحاضر من دول تخوض صراعا ليس من أجل البقاء بل من أجل الهيمنة على سوق تتسع للجميع!.
يبلغ إنتاج العراق الحالي من النفط حوالي 4.5 مليون ب/ي بعد التخفيضات خلال عام 2019 ويصدر من تلك الكمية يوميا 3.5 مليون ب/ي مما يعني أن الخسائر اليومية بعد اندلاع حرب أسعار النفط في آذار 2020 قد تجاوزت 180 مليون دولار أمريكي،وإذا استمر الحال لنهاية العام الحالي فأن مجموع الخسائر الكلية لقيمة الإنتاج سوف يتجاوز 54 مليار دولار،أما واردات العراق من التصدير فسوف تفقد حوالي 42 مليار دولار لتصل الى 88 مليون دولار يوميا او 2.7 مليار دولار شهريا من أكثر من 7 مليارات دولار قبل الانخفاض الحالي!.
الخسائر في العوائد النفطية للعراق لا تنحصر عليه بالطبع بل سوف تكون لجميع الدول المنتجة للنفط بما في ذلك التي بدأت تلك الحرب لغرض الهيمنة على سوق النفط العالمية!.
سوف تواجه العراق مصاعب اقتصادية كبيرة بسبب ذلك الانخفاض في سعر النفط وبالرغم أن لديه تجربة مع الانخفاض السابق عام 2014 الا ان ذلك سوف يؤدي الى استمرار الوضع الاقتصادي الصعب للبلاد بعد انتصارها في الحرب على داعش عام 2017 وتقليص النفقات الحربية !.
قطاع الغاز سوف يبقى معطلا بسبب كميات الحرق اليومية الضخمة وضعف الاهتمام الحكومي به كذلك ضعف قطاع السياحة وتعطله بسبب الاضطرابات الأمنية والشعبية وازمة فيروس كورونا!.
صادرات إيران النفطية لا تتجاوز حاليا 200 ألف ب/ي بعد الحظر الأمريكي وسطو حلفاءها على حصة إيران السوقية البالغة 4.5 مليون ب/ي والتي بلغت الآن 2.1 مليون ب/ي،مما يعني أن الخسائر الجديدة سوف تكون محدودة لأن الكميات المصدرة ضئيلة اساسا وسوف تبلغ الخسائر اليومية للتصدير حوالي 8 ملايين دولار!.
أما الخسائر بقيمة الإنتاج الكلي فإنها سوف تكون حوالي 80 مليون دولار يوميا!.
الضرر الرئيسي على إيران كان بانخفاض الإنتاج والتصدير منذ عام 2018 وما يحدث الان هو زيادة بسيطة على تلك الخسائر الكبيرة السابقة!.
خسائر القطاع النفطي الامريكي سوف تكون كبيرة لأن الإنتاج اليومي وصل الى حوالي 13 مليون ب/ ي مما يعني فقدانه حوالي 500 مليون دولار يوميا من قيمة الإنتاج بالمقارنة مع 2019 ولكن في نفس الوقت وفرت البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط 280 مليون دولار يوميا من جراء الاستيراد !.
مما يعني أن صافي الخسائر اليومية يمكن ان يصل بين 280-300 مليون دولار هذا بالنسبة للقطاع النفطي أما الفوائد للفروع الأخرى من الاقتصاد الكلي فذلك بحث آخر سوف تظهر الإحصائيات في المستقبل !.
يبقى المستفيد الأكبر من جراء حرب أسعار النفط التي تقودها السعودية وحلفاؤها ضد روسيا وبقية خصومها الاخرين وايضا ضد قطاع النفط الصخري الأمريكي هي الدول المستهلكة وعلى رأسها أوروبا واليابان والصين والهند ولكن الفوائد تتقلص حاليا بفعل تأثير فيروس كورونا المدمر على الجميع!.




ليست هناك تعليقات: