إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/05/01

في سبيل عالم جديد

في سبيل عالم جديد:
عندما انتهت الحرب الباردة رسميا في عام 1990 بأنتصار المعسكر الرأسمالي ظهرت عبارات والفاظ ومصطلحات عديدة تواكب المرحلة الجديدة من التاريخ العالمي...ومن اشهر تلك المقولات هي النظام العالمي الجديد!وبالطبع حسب مفهوم القوى العالمية المنتصرة!وقد اختلفت التفسيرات حوله وان ركزت على سيادة الحرية الفردية واقتصاد السوق الحر وايضا نهاية نظام الاستقطاب العالمي المرتكز على قوى متعددة،والتحول نحو نظام القطب الواحد!مع قبول القيم الغربية بمجملها.
لكن الواقع الجديد المستند على حوادث اكثر من عقدين من الزمن،اظهرت ان اغلب تلك الالفاظ والمصطلحات لم تلائم الواقع العالمي الجديد بل جعلتها جوفاء خالية من الدقة بالرغم من استنادها الى براهين مستمدة من قراءة علمية ولكن تخمينية وليست يقينية!.
لقد ظهرت في العالم المعاصر بالطبع قيم ونظم جديدة تناسب الواقع الراهن المستند على تغييرات تكنولوجية بالغة الدقة وذات اثر عظيم في مجمل الحياة الانسانية،ولكن الغريب ان تلك الوقائع والمفاهيم الجديدة لم تؤثر بصورة فعالة على التركيبة القديمة للنظم الحياتية بل البعض منها أثر بصورة سلبية وولد نتائج كارثية!.
فقد ارتفعت حدة التوتر الدولي الى درجة مخيفة ولم يضع النظام العالمي الجديد اي قيود لانتشارها وتوسعها وظهرت من جراء ذلك عوامل جديدة كانت ضعيفة التأثير في الماضي!...فقد حل الصراع القومي والديني والمذهبي في المراتب الاولى بدلا من الصراع الاستعماري والطبقي والايديولوجي الذي ميز القرنين الماضيين!.
فبعد ان ابعدت اوروبا عنها الايديولوجيات القومية المتعددة من مناهجها الفكرية وساحاتها السياسية بعد ان تركت للجميع تاريخ دموي من الصراعات المختلفة في القارة،تحولت نحو الديمقراطية الليبرالية المنفتحة على الجميع والذي كسر الحدود السياسية وكانت النتيجة رائعة ومذهلة في نفس الوقت والتي تمثلت بالنهوض الاوروبي الجماعي الذي اهمل الماضي وتبعاته الى بناء مستقبل زاهر تنعكس ثمراته على الجميع...ولكن الجهد الاوروبي المشترك لم يوازيه جهد آخر منهم في دعم نفس التحول الديمقراطي الحر في العالم الثالث بل العكس استمر دعم الانظمة الديكتاتورية الفاسدة التي جعلت من نفسها حارسة للمصالح الغربية التي بقيت فوق الاعتبارات الانسانية والاخلاقية والظاهر ان العالم الغربي لم يتخلص من تبعاته استعماره للعالم الثالث!وكانت النتيجة في النهاية مروعة جعلت الغرب يراجع نفسه وان كانت المراجعة بطيئة وخجولة،فقد ظهر طوفان بشري لاجئ مع ظهور اعداء جدد يتمثل بمتطرفين يمارسون الارهاب المتعدد الجوانب كرد فعل على السلوك الوحشي لانظمتهم وداعميهم في الخارج! كما ان الغرب اهمل اغلب النداءات والدراسات والتي من بينها تقرير برانت عام 1980 القاضي بضرورة دعم العالم الثالث كوسيلة لدعم الازدهار الغربي ذاته واخراج العالم من الازمات المتعددة الناتجة من ضعف التنمية الاقتصادية والثقافية!والبدء بتأسيس عالم خال من الفقر والطغيان والفساد،لكن جهود المخلصين ذهبت سدى فقد رفض قادة القوى الكبرى الانصات ومن بينهم ريغان الذي رفض نتائج التقرير كما ان تاتشر رفضت حتى مجرد قراءته!!.
بعد رفض اوروبا لكل الايديولوجيات القومية التي سببت المآسي لها،انتقلت بصور متعددة ومثيرة للانتباه الى العالم الثالث لتمارس دورها البشع في التفريق بين البشر وفق اسس فكرية هزيلة مدعمة بقوى ارهابية انقلابية سلبت الحكم وحولته الى آلة ملذات جهنمية قاتلة تحت ستار كثيف من التزييف العقلي وتحت رعاية وعناية الامم الغربية!.
كان من المفروض من بناء النظام العالمي الجديد هو تقليص عدد الدول الوليدة الناشئة من الصراعات الداخلية من خلال الدخول الى بوتقة التكتلات الدولية الكبرى التي تزيح الحدود الجغرافية السياسية،ولكن النتيجة كانت عكسية بمقاييس مرعبة دلت على ان النظام الجديد هو ما هو الا منهج فكري تسلطي يؤسس لطريق التقسيم والفصل من المنهج القديم المسمى فرق تسد ولكن برداء عالمي مستحدث!...
الصراعات القومية والعرقية افرزت لنا دويلات جديدة فاقدة حتى لاسم مختلف عن اوطانها الاصلية ولو من اشتقاق لغوي!ومن يدري فقد يستمر التفريخ الدولي الى مالانهاية بدلا من الانحسار والوحدة! ولكن الغريب ان الغرب يبذل اقصى ما في وسعه لمنع اي انقسام داخلي من خلال نشر العدالة والحرية التي تخنق دعوات الانفصال!.
لقد اظهرت المذكرات السياسية والوثائق المسربة وبخاصة عن الفترة التي تلت الحرب الباردة ان النظام السياسي العالمي هو نظام منحرف بشكل لا يصدق،وتمارس فيه كافة اساليب البيع والشراء ضمن قواعد لااخلاقية او انسانية وتستباح فيه الشعوب بطريقة مقززة ودالة على سيادة شريعة الغاب والخداع!.
بعد مرور عقدين من الزمن وبعد دخول العالم مرحلة الربيع العربي،فأن مقولات النظام العالمي الجديد وفق منظور الرأسمالية الغربية قد سقطت بعد ان فقد شرعيته وحيويته من خلال النزاعات الدولية الدموية وانتشار الفساد والطغيان،واصبحت الحاجة ماسة لبناء عالم جديد يستمد حيويته من فكر انساني متعدد الاتجاهات والرؤى ويخضع لضوابط اخلاقية وقيم انسانية مشتركة لا يمكن التهاون بتطبيقها كما يؤسس الى منهج الوفاق الانساني الذي يرفض الحروب والحصار ومهادنة الطغاة كما يمهد الطريق لمشاركة الامم المستضعفة في بناء الحضارة الانسانية الجديدة التي تواجه مشكلات كبيرة يهدد بعضها بفناء البشرية برمتها!!.
ان الخروج من هذا المأزق الذي طال امده لا يكون الا بتحويل الصراعات الدولية والاقليمية والمحلية الى صراعات سلمية تنافسية في سبيل بناء حضارة عالمية جديدة خارجة من الوحول السياسية الفاسدة،وترتكز على اسس قوية لا يمكن النفاذ منها مجددا!...

ليست هناك تعليقات: