إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/05/20

في سياحة الكتب 13

في سياحة الكتب 13:
تعدد القراءات وتنوعها هي ضرورة لاغنى عنها ولا يمكن تجاهلها بأي حال سواء للقارئ العادي او المتبحر ووفق مختلف المستويات...فهي من ناحية تكسر الروتين العقلي المدمر وتوسع في المدارك في مختلف الاتجاهات لتنتهي في مستودع لامثيل له في المواصفات والمزايا يقود صاحبه الى اعلى الدرجات القيمية ويصبح ذا مقدرة هائلة على الاستنباط والاستقراء.
لقد اصبح التداخل بين المعارف والعلوم الى درجة اصبح التصنيف عبئا لا يستطيع القيام به من يملك ملكة التعبئة والاخراج،كما ان هذا التداخل اصبح مؤشرا ليس فقط على استيعاب كامل بل وامتلاك قدرة هائلة على الانتاج والعطاء والابداع في اعلى المستويات التعريفية.
يمتلك العقل الانساني القدرة الفائقة على الاستيعاب المتنوع،وتحجيم وتقييد تلك القدرة هو ضرر وسوء تدبير وتطبع،وعليه فأن التنوع في القراءات يمنح الفرد المقدرة على المواجهة والتصدي للظروف المعاكسة وبطريقة يمكن ان تجنب صاحبها من الوقوع في المشاكل والخضوع للاخر مهما كانت درجته المعرفية،فالاستقلالية الموضوعية هي المنتهى والهدف الاسمى!.
الكتاب الاول: رحلة الارواح...دراسات لحالات
تأليف: د.مايكل نيوتن...ترجمة نبيلة يوسف الفقيه،والكتاب طبعة لبنان عام 2008 عن الاصل الصادر عام 1994 ويتألف من 312 ص من القطع المتوسط.
الكتاب علمي نادر في موضوعه يتناول بطريقة موضوعية انتقال الارواح من الاجساد بعد وفاتها عن طريق عمل التنويم المغناطيسي!...فمن الامور المحيرة لدى الانسان ان عليه ان يكبح شعور الخوف من الموت عنده ليحيا حياة طبيعية،ولو كان الموت نهاية كل شيء يخصنا لكانت حياتنا بلا معنى ولكن الايمان الديني او النفسي تجعلنا نحن البشر ندرك بوجود عالم آخر ابدي،ولذلك فأننا نشعر بصلة مع قوة عليا وحتى مع روح ابدية لاننا نملك روحا بلا شك،ولذلك السؤال يطرح نفسه اين تذهب بعد الموت؟وكيف تنتقل الى العالم الاخر؟...الخ من الاسئلة المحيرة التي يعجز الانسان عن وضع اجابات دقيقة ومطلقة...وهذا الكتاب هو وصف لعالم الروح،وهو يزودنا بسلسلة حالات واقعية تكشف بتفاصيل واضحة مايحدث لنا عندما تنتهي حياتنا على الارض...وطريقة المؤلف وهو دكتور امريكي في علم النفس العلاجي ومؤهل في التنويم المغناطيسي هي الحوار مع مرضاه بعد تنويمهم مغناطيسيا وطبعا بالاتفاق معهم،لدراسة حالاتهم المرضية او النفسية بعد خروج الروح من الجسد او من خلال سرد الذكريات الاليمة...والعينات الموجودة في ثنايا الكتاب هي متنوعة وتشمل مجموعة من البشر ليس بينهم رابط معين مما يعطي البحث قيمته العلمية الموضوعية،وبالنظر لكون المؤلف بأعترافه انه مشكك،ولذلك فأن بحثه المستمر هو للدلالة على وجود عالم آخر كذلك في حالة المعالجة النفسية التي ترتبط بحاجة المريض.
بالرغم من ان الحوارات المتداولة احيانا مملة نظرا لتكرارها الا ان المؤلف يذكرها نظرا لان الخفايا العلمية الدقيقة توجد من خلال الاتفاق العشوائي مما يعطي لها قوة مادية جسيمة،وعليه فأن الصبر على جفاف الموضوع رغبة في الحصول على معرفة علمية ولو بسيطة هي الدافع القوي لدى القارئ المتحمس لتلك المواضيع التي يختص بها عادة المحترفون بينما ينشغل الهواة في تداول المعلومات الخرافية الغير دقيقة كأحد وسائل التسلية!...البداية كانت بغير ذلك النهج!فهو كان يعالج البعض من آلامه حتى حدث الاكتشاف الهائل كما يصفه عندما نستطيع رؤية عالم الروح بعين الفكر عندما يكون الشخص واقعا تحت تاثير التنويم المغناطيسي بحيث يمكنه اعطاء تقرير عن الحياة في فترة مابين الانتقال على الارض!.
كيف الوصول الى الروح من خلال التنويم المغناطيسي؟...العقل مكون من ثلاث دوائر متحاضنة وفي ثلاثة احجام مختلفة القطر ومنفصلة عن بعضها فقط بواسطة طبقات الوعي العقلي...الطبقة الخارجية الاولى هي العقل الواعي والذي هو مصدر التفكير النقدي والتحليلي،اما الطبقة الثانية فهي اللاوعي، الذي ندخل عبره الى المخزن الذي يحمل كل الذكريات على الاطلاق،اما الطبقة الثالثة والتي هي الموقع الاساس للذكريات،فنطلق عليها الان أسم عقل الوعي الفائق،وهذا المستوى يكشف اعلى مركز للنفس،حيث يشكل تعبيرا لقوة عليا.
اما ما مدى صحة الحقائق التي تنكشف بالتنويم المغناطيسي؟ فيمكن القول ان الاشخاص الذين يقعون تحت تأثير التنويم المغناطيسي ليسوا حالمين ولا مهلوسين،لاننا عندما نحلم،يغيب التسلسل الزمني عن مشاهد الحلم،ولا الهلوسة تحدث خلال حالة غيبوبة موجهة لانه تخف لدى الانسان تموجات الدماغ في مرحلة الوعي الاولى ويستمر تغيير الموجات عبر مرحلة التأمل،ففي حالة التنويم ينقل الفرد الصور التي يراها والحوارات التي يسمعها في عقله غير الواعي،حرفيا وعندما يسأل الفرد لا يستطيع الكذب،ولكن من الممكن ان يفسر خطأ احيانا بعض الصور التي رآها في اللاوعي كما يحصل احيانا في حالة الوعي ذاته!وأثناء التنويم،يصعب على الاشخاص التفاعل مع اي شيء لا يؤمنون بأنه حقيقة.
التقاء الارواح فيما بينها هو نتيجة فعلية للتجارب التي اجراها على العينات،فبالرغم من حالات الاختلاف بين الاشخاص الا ان مساحة الالتقاء كبيرة بدرجة لا يمكن تغافلها وبخاصة رؤية الكثير ممن نحمل معهم ذكريات سواء اكانت فرحا ام ألما،كما ان الاقارب والاصدقاء يكونون على مقربة في الانتقال الى العالم الاخر خاصة في ظل الخوف من المجهول مما يخفف من حالة المسافر!.
يحمل الكتاب الكثير من العلوم والدروس والعبر كما يضع المؤلف في النهاية خاتمة بديعة على اكتشافاته العلمية الرصينة وبخاصة في المجال الروحي الذي كان يهمله في السابق!.
الكتاب قيم بلا شك وهو حصيلة تجارب تطبيقية من عالم كبير في علم النفس،وهو جدير بالقراءة والاقتناء والاستفادة من المعارف العلمية في نصوصه المختلفة.
الكتاب الثاني:شهادة صدام حسين للتاريخ.
تأليف:لجنة الاعداد والترجمة،والكتاب مطبوع عام 2010 في القاهرة ودمشق لدار الكتاب العربي! ويتألف من376 ص من القطع الكبير.
الكتاب حسب ما مذكور هو وفقا للاستجوابات السرية الامريكية ومحاضر المحاكمات التي اجراها الامريكيون مع الديكتاتور السابق بعد القاء القبض عليه.
من خلال قراءة النص الموجود في الغلاف الخلفي للكتاب يتبين الهدف الحقيقي من نشره مع ميول الناشرين ومستواهم الثقافي والادبي...فحسب قولهم ان صدام يشرح فيها تاريخه كقائد للعراق ويرد على اسئلة امريكية وقحة...والعبارة الاخيرة وردت بلون مختلف في الكتاب وكأنها فعلا حقيقة!وبعد البحث في الكتاب لم اجد اي سؤال وقح ابدا!! بل اسئلة بسيطة جدا ويمكن ان يسألها رجل الشارع بدلا من المحققين المحترفين،ولو كان هنالك تحقيق جدي وصارم مع صدام كما كان يفعله مع معارضيه سواء من قبل الامريكان او العراقيين المكبلين بقيود المراقبة الدولية لاكتشفنا الكثير من الاسرار المروعة التي يحملها هذا الديكتاتور الوضيع الذي لا يعرف غبائه ولا مستوى وضاعته الا من اقترب منه وهو مخالفا لسلوكه المشين!.
على الاكثر ان سلوك الامريكان في التحقيق مع صدام يدل على تجاهل واضح له ولكل من عمل معه! لانهم يعرفون الكثير من الحقائق التي هي بالاساس خافية على هذا الصعلوك الوضيع كغيره من الطغاة الذين رعتهم امريكا وحلفائها فترة من الزمن وعندما انتهى دورهم رمتهم في مزابل التاريخ ملعونين من قبل شعوبهم الجريحة،حتى بدون ادنى تعب لاستخلاص المزيد من الحقائق عن فترة حكمهم السابقة!..
الغريب في الكتاب ان صدر عام 2010 اي قبل حدوث الثورات العربية في القاهرة ودمشق من نظامين مختلفين في الاتجاه ولكن متشابهين في المنهج الديكتاتوري الفاسد!والمشترك الاخير هو الذي وحد النظامين مع بقية الانظمة العربية الاخرى في خندق واحد مع زميلهم صدام ونظامه البائد والدفاع عنه بالرغم من خلافاتهم العميقة والتي دفعت ثمنها الشعوب العربية المستضعفة!.
الكثير من الادعاءات الموجودة فيه يستخدمها فلول نظام صدام للتبرير للجرائم والفساد والانحراف في تاريخهم وسلوكياتهم ومن يسير على منهجهم المنحرف وعليه فمن السخافة حتى الرد عليها!... والغريب انها اصبحت مكررة مع فلول نظم ساقطة في العالم العربي مما يدل على المستوى المنحط للتربية والسلوك لاتباع تلك الانظمة التي انتهى عمرها المفترض منذ فترة طويلة!.
من المؤلم حقا ان نجد هذا الطاغية وأمثاله من الطغاة المطرودين ممن يقوم بالدفاع عنهم بوقاحة غير متناهية بينما لم نجد اشكالهم القبيحة تقوم بنفس الواجب القانوني والاخلاقي اثناء تعرض ضحاياهم الى الابادة والتعذيب!...ومن يدري فقد تكون تلك حسنة جديدة للتعرف على امثال هؤلاء الساكنين بين اظهرنا حتى ننبذهم ونحجر عليهم بعد ان فشلنا في اصدار قوانين صارمة كما فعلت اوروبا بعد الحرب الثانية في منع الاشادة والدعاية للافكار الفاشية والانظمة الراعية لها والتي تسببت في دمار القارة العجوز!...
الكتاب هزيل بشكل لا يصدق فالمعلومات الواردة فيه والتي ذكرت من قبل صدام متداولة في وسائل الاعلام حتى قبل سقوطه ولم يذكر شيئا جديدا ابدا يمكن حتى الاشارة اليه على انه كشف جديد يضاف للتاريخ، بل ان الموجود فعليا هو اكثر دقة وتفصيلا مما هو مذكور،ولكنه يبقى ضمن حالة دفاع المجرمين المحترفين عن جرائمهم الموثقة بوسائل بعيدة عن الحدث ذاته! وعليه فهو محاولة بائسة من قبل فلول هذا الديكتاتور في العالم العربي والمدعومين من قبل انظمتهم القمعية كوسيلة مشينة لابعاد شبح التغيير الفعلي كما حدث في العراق بعد عام 2003.
الكتاب لا يستحق ادنى اشارة للقراءة او الاطلاع بل يهمل،ومن يريد التأكد فالوثائق المنشورة فيه هي متداولة على شبكة الانترنت بل منشور اسرار اكثر قيمة بمراحل عديدة وبالتالي الاولى توفير الوقت والجهد لمطبوعات ونصوص اخرى اكثر دقة وموضوعية من تلك التفاهات المنتهية الصلاحية!.
لقد انتهى عصر الطغاة وتبرير جرائمهم بأي عذرا كان،وبدأ عصر الحرية والانفتاح واحترام الحقوق المدنية لكل فرد مهما كانت درجته ومستواه فالمقياس هو انسانيته المقدسة!...





هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

تدوينة مميزة جداً عرضا وتحليلاً..
خالص الشكر والتقدير لهذا الجهد الطيب

الموسوعة الحرة يقول...

تحياتي الطيبة لحضورك الكريم الدائم في المدونة التي تزداد تألقا بوجودك الكريم...