إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/04/08

الفوائد الجلية من الثورات البهية-1

اختلاف الطبائع البشرية هو سمة طبيعية للانسان وليست شاذة،ومعنى ذلك ان حصر الاراء ضمن بوتقة واحدة تحت ضغط قوة منفردة هو امر شاذ لا يستقيم ابدا مع القوانين الطبيعية للتطور البشري،وعليه فأن الامر سوف ينتهي الى الانفجار الداخلي كي يعود الاختلاف الناتج من التنوع الى الواجهة!...الخلاف الطبيعي هو المنزوع منه صفة العنف والابادة ونفي الاخر والغاء وجوده، ومن هنا يبدأ التطور في نقض النقيض في فكرة جديدة تنمو وتستمر الى ان يحين موتها الطبيعي لاستحالة البقاء!...نعم قد يكون هنالك هجين فكري بين القديم والجديد، تستمر معه الحياة وتتطور من خلال الاخذ بأيجابيات كل قديم الذي يتلائم مع كل عصر.
من هذا المنطلق نرى ان جميع الكيانات الشمولية وبالرغم من استخدام القوة والعنف المتلازمة لها فأنها تسقط عاجلا ام آجلا بعد ان تتأكل بفعل المتغيرات الحياتية بالرغم من المقاومة الشديدة التي تبديها تجاه محاولات كسر احتكارها للتحكم بالحياة!.
من تلك القراءة السابقة،نستخلص ان الاراء تختلف عن مدى الفوائد الجلية من الثورات البهية التي تجتاح العالم العربي منذ بداية 2011 ،فالبعض يرى ان لها فوائد عظيمة دون ان يكون لها سلبيات او يتجاهل وجودها او يستصغر من شأنها،والبعض الاخر يرى فقط السلبيات ويرفض رؤية الايجابيات مهما كانت ساطعة الانوار،كما هو حال وعاظ السلاطين ومثقفي السلطة والرعاع من الاتباع!.
اكيد ان الاعتقاد بالمطلق هنا هو امرا خاطئا!...فالفوائد مهما كانت فأن لها ثمنا باهضا تدفعه الشعوب وان لها اخطار جانبية،وبالتالي فأن الفوائد نسبية وان كانت عالية! والاستكانة والخضوع للانظمة الشمولية ايضا له فوائد ولكن ليست بذات اهمية وبالتالي ايضا هي نسبية ولكن لا تقارن بالاولى!.
فوائد الثورات
من خلال القراءة السريعة لحال الثورات العربية المعاصرة لانها خير مختبر نظري وعملي حديث للافكار والاراء والتوجهات والتقييمات التي صدرت في الماضي نتيجة للثورات القديمة حول محصلة الفوائد من القيام بالثورات لتصحيح الاوضاع واعادة الامور الى نصابها الطبيعي في التنوع والتعايش ضمن اطاره والحرية والتطور.
الفوائد هنا لاتساع حجمها ودخولها في كل مجالات الحياة لاي مجتمع ومحيطه،لا يمكن حصرها حتى بدراسات مستفيضة!... فالواقع يفرض صدور المزيد بمرور الزمن لانه من خلال الممارسة العملية تظهر العيوب والاخطاء التي يمكن تجاوزها بسهولة اكبر في حالة الانفتاح بينما عادة تكبر تلك الاخطاء والعيوب في حالة المجتمعات المنغلقة على ذاتها!وعليه يمكن اظهار الفوائد بصورتها الاجمالية واستخلاص الدروس والعبر منها لغرض بناء حضارة انسانية عالمية التوجهات وخالية من النقائص والعيوب!.
يمكن الاستضاءة بنور الثورات العربية البهية الان بعدة نقاط:
1-كسرت حاجز الرعب والخوف اللذان سيطرا على المجتمعات العربية منذ حوالي نصف قرن،بحيث مسخت شخصية الشعوب العربية واصبحت مطيعة الى درجة مرعبة من الانهزامية الذاتية والفراغ الفكري وضعف الشجاعة في مواجهة الاستبداد بما يمثله من فساد مستشري وقوة قاهرة!.
ليس من السهل تقييم حالة كسر الجدار الحديدي نظرا لتأثيراته السلبية السابقة على كل فئات المجتمع وبخاصة جعله في خانة التصنيف كأكثر المجتمعات فشلا في ادارة امورها!...كما ان كسر القيود وتحطيم الجدران المغلقة،حول الرعاع المنتسبين الى الاجهزة الامنية العربية بما معروف عنهم من غباء وهمجية وجبن وخوف من مواجهة الشعب،حولتهم الى مجرد جرذان هاربة من اي مواجهة حقيقية بالرغم من الصورة المزيفة كجلادين لا رحمة في قلوبهم التي طبعوها في النفوس خلال عقود طويلة!...نعم انهار جدار القمع بالرغم من التكاليف الضخمة التي صرفت عليه والتي تسببت في افقار الشعوب وأذلالها.
لقد اصبح المواطن البسيط هو نفسه صاحب المبادرة حتى في الدول التي لم تنطلق فيها شرارات الثورة واصبحت الاجهزة الامنية والعسكرية اكثر حذرا من تجاوزاتها الخطيرة على حقوق الانسان...نعم مازال بعضها يمارس دوره الاجرامي ولكن من شدة الخوف والرعب من المصير المجهول فأنها تكون احيانا اكثر اجراما نتيجة لفقدانها التفكير العقلاني الهادئ في ادارة الامور!.
لقد اعادت تلك الثورة حجم الحكام الى مستوى ادنى مما كان وجعلت اكثرهم فسادا وتسلطا يبذل الجهود من اجل الاستماتة في البقاء من خلال بذل الرشاوى للشعوب واصدار القوانين المخففة والوعد بأجراء الاصلاحات وهو الذي كان يسخر منها قبل فترة قصيرة!...
الحرية التي تنتصر في بلد ما،سرعان ما تنتقل شرارتها وآثارها الى البلاد المجاورة حتى وان لم تنتصر فيها ارادة الشعب!.
2- جعلت الحكام المعمرين راغبين في الخروج من الحكم بشيء من الكرامة بعد ان تمت اهانة البعض بشكل علني من قبل المجاميع الثائرة!...وللخروج من المأزق والحفاظ على شيء يسير من تاريخهم الاسود او التستر عليه! فأن رغباتهم في ترك الحكم وان كانت كاذبة! الا انها تنطوي على مدلولات كثيرة اهمها ان الغاء الشعب من الذاكرة واحتقار كل رغبة له في تحديد الصلاحيات والفترة الزمنية قد ضعف وان لم تنتهي بشكل نهائي! وعليه فأن البعض منهم بدأ في نقل السلطة ولو مستقبلا الى من يثق به او يحمل مواصفاته حتى لا تضيع مجهوداتهم العظيمة في التحكم بالشعب لفترة طويلة!...لقد الغت تلك الثورات مبدأ بقاء الحاكم الى الابد،بل ان بعض الممالك بدأ في تخفيف اجراءاته وصلاحياته ولو شكليا لغرض حماية العرش من الزوال المحتوم! لانه لا احد يقف محصنا من الطوفان الثوري.
ان فكرة بقاء الحاكم مدى الحياة قد اصبحت مسيطرة على العالم العربي بفضل الانهزام الذاتي امام جحافل الاستبداد لفترة طويلة،والثورات الحديثة سحقت او اضعفت تلك الفكرة ،ولكن من المهم الاستمرار بنفس الزخم الثوري حتى لا تضيع المجهودات والانتصارات الجزئية التي تحققت!.  

ليست هناك تعليقات: