إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/01/22

الوسائل والغايات في تفجير الثورات 2


الانتحار وسيلة!:
الانتحار لاجل اشعال ثورة ما او التعبير عن حالة من الغضب الداخلي،ليس سوى وسيلة من وسائل تفجير الثورات،وما حصل في تونس هو حالة تضاف الى الحالات الاخرى...وبما ان عملية قتل النفس هو تعبير سلبي للمقاومة غالبا لا يؤدي الى الغرض المنشود منه! فأن عملية التقليد المشوهة لذلك العمل يدل على ضعف ارادة ذاتية ناتجة من ضعف شخصية تقوم بتقليد لعمل مناف للطبيعة الانسانية وجاء نتيجة لفعل طارئ وهي تتصوره شجاعة فائقة!... وهذا التقليد ناتج ايضا من ضعف وعي او ثقافي نسبي قادر على تشخيص الحالة بعموميتها او تبيان المصالح الفردية و الجماعية...ان التقليد للفعل الناتج حاليا لا يؤدي الى نفس النتائج لان تكرار الفعل يفقد جاذبيته واثره الفعال في النفوس كما يدل على ضعف ابداع وسائل اخرى قادرة على الجذب والعطاء...ان شخصية المقلد تكون فاقدة لاستقلاليتها وغير قادرة على توجيه فعلها نحو اعمال اخرى اكثر قوة او ادراك نتيجة العمل،ولذلك نرى فقدان قوة الاثر!.
عملية الانتحار الجماعي الشهيرة التي حدثت لما يقارب من الف شخص عام 1978 في غويانا لم تؤدي الى نتائج مؤثرة،كما ان الانتحار الذي قام به اتباع الديانة البوذية في الستينات لم يحدث اثرا كبيرا،فما بالك في التصميم على عملية قتل فردية بغية اثارة الاخرين كي يتحركوا وهم يعرفون مسبقا ان عمليات اخرى تحدث بين لحظة واخرى في اماكن مختلفة دون ان تؤثر فيهم، فالخوف والرعب وسلب استقلالية الافراد المستمرة منذ عقود طويلة تفوق احيانا التصور في سيطرتها على الانسان العادي، بل تشل حركته وتجعله خاضعا ومستكينا لقوة اكبر منه مرعبة من الخارج وخاوية جبانة من الداخل، لا تعطي له اي قيمة او احترام اذا خالف رأيها!.
ان انتشار اعمال حرق النفس لن يؤدي الى الغرض المنشود منه في اثارة المجتمعات الاخرى كما حدث مع الشعب التونسي،لان الطريقة التي جرت بها هي مختلفة وكذلك فأن الانظمة الاخرى قد اخذت احتياطياتها المسبقة لاحباط اي تأثير قد تحدثه عملية مماثلة،وعليه فأن البدء في ايجاد وسائل اخرى وبخاصة استعارة نماذج من التاريخ او ابتكار جديد قد يؤدي الى احداث تغييرات للاستفادة من زخم التأثير الاقليمي للثورة التونسية،هو ضرورة لا غنى عنها لأي عمل ثوري مستقبلي.
وسائل الاثارة الاخرى:
ليست الشجاعة محصورة بحرق النفس...كما ليست اثارة الثورة تنحصر بهذه الطريقة او تلك...بل هنالك بدائل عديدة على الاقل تكون الشجاعة حاضرة فيها كما انها تكون متوافقة مع المبادئ والقيم الدينية والانسانية والاخلاقية،وعليه تكون الاثارة اكبر واعم.
ليس هنالك قاموس موسوعي يحدد الطرق التي ينبغي ان تكون عليه الاثارة...فالامر يخضع لظروف المكان والزمان والاجتهادات الفكرية والشخصية،كما ان ابتكار طريقة جديدة يمكن ان تثير الانتباه افضل بكثير من تكرار طرق اخرى مثل حرق النفس!.
اذا كانت هنالك شجاعة لكل من تتوق نفسه لحرقها بغية التعبير عن ذاته او اثارة المحيط لغرض التأثير...فيمكن مثلا استغلال تلك الشجاعة في اعمال اخرى في ان يقوم بمظاهرة فردية مثلا ضد احد مراكز الاعتقال او التعذيب او القصور الرئاسية او القيام بأحتجاج فردي في مكان عام ضد شخص محسوب على النظام واستغلال وسائل الاتصال الحديثة كي تنقل خبر اعتقاله او تعذيبه او حتى قتله،وحينها يكون للامر صفة مؤثرة وتحدث فوضى اذا كانت الاعمال اكثر عددا،كما ينبغي الحذر من تشويه الحدث او تغيير مساره بما يؤثر على الغاية التي قامت من اجله.
كتابة الشعارات والمقالات وغيرها وبصورة علنية وبخاصة المعبرة عن الحال الفردي التي هي ايضا معبرة عن حال الملايين فأن ذلك العمل سوف يؤدي الى اثارة الفوضى ضد النظام كما ان الفضح العلني لازلام النظام واعوانه سوف يكون عملا شجاعا وقد يرعب اتباعه ويجبرهم على اتخاذ قرارات يندمون عليها لاحقا.
تدمير وتخريب الاملاك العامة والخاصة لن يكون مؤثرا فضلا عن انعدام صفة الوطنية ومخالف للدين او الاخلاق،وبالتالي فأن الابتعاد على الاعمال المشوهة للعمل الثوري هو ضرورة قصوى لأي بداية ثورية.
اكيد في وسائل اخرى تنشأ من افكار اخرى في عقول الذين يبحثون على فرص لاحداث تغيير في واقعهم.
الصدفة الموضوعية:   
ليس هنالك وسائل محددة للبدء بالثورة او جعلها مستمرة...فالصدفة الموضوعية هي المحرك الرئيسي في ذلك!...الصدفة تلك قد تكون نتيجة منطقية للتغييرات المحتملة في المجتمع وعليه فأن العمل الثوري المستمر قد لا يثمر بشيء وقد يستمر لعقود طويلة من الزمن حتى يحدث التآكل الطبيعي في النظم الحاكمة والتي حينها يبدأ الانحدار نحو الهاوية! وهنا وخلال فترة الانتظار الطويلة ،تلعب الصدفة دورها المؤثر في اشعال لهيب الثورات وهي كالجمرة تحت الرماد وهي تختصر الزمن بسرعة عجيبة، وغالبا ما تكون القوى السياسية المعارضة غير مستعدة لاستقبال فرصة الصدفة الثورية بسبب حالة التراخي او اليأس المؤقت التي تنتاب العمل السياسي الطويلة من حدوث التغيير المنشود،ولذلك نرى ان الثورات التي قامت نتيجة لحدوث شرارة ضمن ظاهرة الصدفة الموضوعية،قد فاجئت القوى السياسية والاجتماعية التي فقدت دورها بسبب الضربات الاستباقية الطويلة،مما ادى الى حصول حالة من الفراغ بسبب ضعف القيادة او الترويض لها مما يؤدي الى حصول اجهاض لعملية الشرارة في مهدها في الغالب كما حصل في بلاد عديدة او تنتصر اذا استطاعت ان تجد الارضية المناسبة وبخاصة قيام القوى المعارضة في ادارتها كما حصل في معظم الثورات الناجحة في التاريخ.
ما حصل في تونس وأدى الى انتصار الثورة التونسية،هو ليس بالضرورة انه يكون مطابقا في اماكن اخرى...نعم قد تؤدي الشرارة دورها في اماكن اخرى ولكن ليس بنفس الطريقة التي قامت على اثرها تلك الثورة.
ان اشعال الشاب التونسي محمد البو عزيزي لنفسه كتعبير عن وصوله لحالة من اليأس التام من الحصول على حقوقه التامة من الدولة،لم يكن عن تخطيط مسبق ولا عن دراية تامة لما يحدث من بعده بل ان الظروف التي ادت الى عمله هي نفسها التي حركت الجماهير الغاضبة في بلدته ثم انتقال ذلك الى المدن الاخرى،وقد ساعدت الوسائل الاتصال الحديثة على نقل الصورة والحدث وبشيء من المبالغة لان الاحداث المفاجئة دائما تحدث بغتة ويتم تضخيمها بشكل متعمد او غير متعمد حسب ظروف الحدث والمكان لاحداث اثره المرعب على الدولة واجهزتها القمعية!.
ان انتصار الثورة بعد ذلك من وراء الضغط الشعبي الذي لم يصل الى درجة الاستشهاد بأعداد غفيرة،بل ان العدد كان دون المائة! كما ان المساهمة الشعبية لم تصل الى درجة مشاركة الملايين ولكن لحظة فقدان سيطرة النظام الحاكم بسرعة مثيرة وتخلي القوى الخارجية والداخلية عن تأييدها له ساهم بشكل مؤثر في انتصارها المذهل!...
هذه الظروف لو تحققت في بلد آخر  وبخاصة في العالم العربي،فأن النتيجة الغالبة هي النجاح ولكن بسبب توفر ظروف مختلفة تكون النتائج المحتملة ايضا مختلفة ونبين بعضها بالاجمال:
اذا كان الشعب يتكون من قوميات واديان ومذاهب مختلفة فأن ظروف السيطرة عليه اسهل بكثير من الدول ذات القومية او الدين الاحادي او الثنائي كما هو حاصل في تونس او في بلاد مشابهة لها مثل مصر وليبيا وغيرها لانه يسهل استخدام فئة او طائفة في عملية السيطرة على البقية وحينها يكون تماسك السلطة اقوى بكثير...ثانيا ان النظام الحاكم لن يكون مستعدا للانحناء امام العاصفة او الهروب من المواجهة اذا قام شخص بحرق نفسه او سقط بضعة عشرات من الشهداء،لانه هنالك انظمة مستعدة لقتل الملايين في سبيل حكم الملايين الاخرى! والامثلة عديدة كما حصل ضمن النظم الشمولية الشيوعية او مع نظام البعث في العراق في ثورات عدة واخرها عام 1991 او في سوريا عام 1982 او في اندونيسيا عام 1965 او في مصر من خلال ثورات الاخوان المسلمين المتعددة او في السودان في حروب وثورات متعددة الخ...
كما ان شخصية الطاغية او طبيعة الفئة المتجبرة تكون حاسمة في عملية الثبات او الهروب من المواجهة...كذلك فأن الطبيعة النفسية والاجتماعية للفئات الثائرة هي الاخرى تحدد بوصلة المواجهة الثورية من خلال استمراريتها او خفوتها!.
وجود الوسائل التكنولوجية الحديثة ساعد كثيرا في نقل الصورة والصوت والحدث الى العالم الخارجي بسرعة فائقة كما ان تكوين المجاميع الاجتماعية التواقة لعملية التغيير قد ساعد في تطوير الاحداث،بينما في السابق كانت الانظمة الاستبدادية تقوم بدور فعال في عملية التغطية الاعلامية والتعتيم التام مع تشويه الاحداث الى ابعد مستوى وقد تصل الحالة الى توارث رأي السلطة من قبل الاجيال اللاحقة دون تبيان الحقيقة في عملية توارث اجتماعية بشعة...الامثلة بالطبع لا حصر لها!.

ليست هناك تعليقات: