إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/12/25

ثقافة الاستهلاك والادخار 2

ثقافة الاستهلاك والادخار:2
التطور الاقتصادي المثير في آسيا لم يكن فقط من قدراتها الذاتية!... فالخارج وبخاصة امريكا ساعدت كثيرا على استمرارية النمو الاسيوي ليس فقط من خلال الاستثمار في اسيا وهو عامل مهم جدا،بل لان الانتاج الضخم المتصف برخص الاسعار بسبب توفر الايدي العاملة الرخيصة،لا بد له من سوق ضخمة للتصريف وبما ان الشعوب الاسيوية مقترة على نفسها بشكل كبير لغرض تطوير نفسها،فأن التوجه نحو التصدير هو الهدف الامثل ولا توجد اسواق ضخمة قادرة على استيعاب ذلك الحجم الضخم من الانتاج بقدرة السوق الامريكية الضخمة ومن ثم بدرجة اقل بكثير السوق الاوروبية وبالتالي فأن الادخار العالي سوف لن يكون ذا اهمية اذا لم تكن هنالك درجة استهلاك موازية له لان تصريف الانتاج هو عمل طبيعي في مثل تلك الحالات ومن هنا فأن توقف الخارج عن استيراد السلع الاسيوية سوف يؤدي الى توقف عجلة نمو تلك البلدان ومن هنا فأن بقاء الاعتماد على الخارج هو وضع غير آمن بتاتا لان الظروف الخارجية ايضا تخضع لتقلبات وظروف متغيرة وبالتالي فأن الاعتماد على الداخل يجب ان يكون الهدف المثالي التالي!...صحيح ان اليابان دخلت تلك المرحلة منذ زمن طويل الا ان البلاد الاخرى وبخاصة الصين مازالت بعيدة عن دخول هذا الهدف!...
لذلك نرى ان هذه البلدان وبخاصة الصين واليابان بدلا من ان تقوم بأستثمار فوائضها المالية في داخل بلدانها فأنها تقوم بالاستثمار في امريكا وبخاصة دعم الميزانية الامريكية من خلال شراء سندات الدعم لان ذلك يؤدي الى استمرار الطلب الامريكي على الانتاج الاسيوي مما يؤدي الى بقاء عجلة الانتاج والتطور والادخار مستمرة!..
هذه المعادلة الجديدة تفرض سلوكا جديدا في التعامل بين الدول او الشعوب التي تمثلها وهي خلاصة تطبيق الفكر الانساني الداعي الى احلال ثقافة التعاون والسلام بين البشر بدلا من الحروب والنزاعات لانها تؤدي الى افلاس الجميع وامامنا تجارب الحربين الاولى والثانية وكيف ان الاطراف  في اوروبا ضعفت جميعها الى درجة الافلاس حتى مهد الى ظهور القوة الامريكية المهيمنة على الساحة الدولية.
وليس غريبا الان ان تقوم الصين بعرض المساعدة الاقتصادية على بلدان الاتحاد الاوروبي وهو شريك تجاري مهم لها،وايضا مستقبلا اي بلد في حالة متطورة من التعاون المشترك.
تراكم رؤوس الاموال الصينية وصل الى درجة خطيرة! فالاموال الحكومية فقط وصلت الى مايقارب 4 تريليون دولار دون ان تقوم الحكومة بالقيام بواجبها في انتشال طبقات مازالت معدومة او ان تقوم بالاستثمار وهناك اسباب وجيهة تتمثل في ان كبح النمو العالي والسيطرة عليه افضل من جعله اعلى لان ذلك يؤدي الى حصول ركود بسبب عدم قدرة الاسواق الدولية على استيعاب المزيد من الصادرات مع بقاء مستوى الادخار مرتفعا الى درجة عالية فاقت 50% في بعض الاحصائيات،وعليه فأن النمو العالي المتوازن مع بقاء بعض السلبيات افضل في نظرهم من ترك النمو بدون تحكم حتى ولو لاحت في الافق بعض الايجابيات.
ان بقاء نسبة الادخار العالية في اسيا وبخاصة الصين لكونها الاكبر حجما، على هذا المستوى فأنه سوف يؤدي الى انخفاض نسبة النمو اذا لم تصاحبها زيادة داخلية وخارجية في الطلب،ومن الضروري ان تقوم تلك الحكومات بتشجيع الاستهلاك وتخفيض الفوائد لان بقاء حالة من التوازن بين الادخار والاستهلاك افضل بكثير من ترك احد الطرفين يتفوق على الاخر بفارق كبير! وعليه فأن النسبة المعقولة للادخار هي بين 25%-45% وهي تحافظ على مستو متوازي من النمو الاقتصادي وتطور الاستهلاك والخدمات الخ...
ولبيان حالة النمو المدهش في الصين المستندة على مستوى الادخار الانتاجي العالي منذ انطلاقتها اواخر عام 1978 مع بعض الدول العربية وهي ان مستوى دخل الفرد في قطر والكويت كان عام 1978 يفوق دخل الفرد الصيني اكثر من 100 مرة!! اي 120 دولارا للصين واكثر من 12000$ للبلدين الخليجيين،بينما الحالة الان(2010) وبدون اضافة هونغ كونغ وماكاو الاعلى دخلا اللذان استرجعتهما الصين فأن دخل الفرد في قطر والكويت يفوق دخل الفرد الصيني بين 10-15 مرة! مع ملاحظة ارتفاع اسعار النفط لصالح البلدين مما يعني ان الفارق قد تقلص كثيرا ومن يدري فقد يأتي يوم يتفوق فيه متوسط دخل الفرد الصيني كما حدث سابقا مع اليابان!.
الحالة في العالم العربي:
مازالت دول العالم العربي تسير في طريق الفوضى! فلا هي من دول الادخار العالي ولا هي من دول الاستهلاك المؤديان معا الى الانتاج!.
فالارقام التي تصدر عادة من المنظمات الدولية والتي تذكر بعض البلاد العربية هي غير دقيقة لان العادة المتعارف عليها هي ان اغلب الاحصائيات العربية غير دقيقة لاسباب عديدة منها ضعف الاجهزة الحكومية ترسخ البيروقراطية مع ضعف التعاون مع القطاعات الشعبية التي تنظر عادة بعين الريبة والشك من طلب الارقام! هذا مع عدم وجود ثقافة وطنية حقيقية تقتضي بضرورة الكشف عن كل الارقام التي تختص مختلف المجالات.
فأذا كانت الصورة كذلك فعليه يكون ذكر الارقام المتداولة مع علامة تحفظ كبرى عليها!...فعند مراجعة ارقام البنك الدولي وغيره حول نسب الادخار للناتج المحلي الاجمالي فأن الارقام الموجودة تخالف الصادرة في نسب النمو الحقيقي التي غالبا ضئيلة جدا مما يعني ان الارقام ليست فقط غير دقيقة بل ايضا ان الادخار هو فقط لاجل الادخار الاستهلاكي وليس لغرض الادخار الانتاجي والذي يكون اغلبه عاده ادخار خدماتي سريع الربح وضعيف الفائدة على البلد ككل!.
المعادلة الوسطية المتعارف عليها هي ان العائد من الاستثمار هو الربع في المتوسط...معنى ذلك اذا وجدنا ان بلدا ما ينمو السكان فيه سنويا بمقدار 1% فعليه صرف 4% من دخله القومي فقط لغرض الحفاظ على المستوى الاقتصادي السائد،وبما ان البلاد العربية مرتفعة النمو السكاني فأن 3% هي النسبة الوسطية المنتشرة وقد ترتفع او تنخفض في بعضها، فلغرض الحفاظ على المستوى الاقتصادي ل 3% يجب ان يكون الاستثمار بحدود 12% من الدخل القومي السنوي، وبعض دول الخليج ينمو السكان فيها بمعدل اعلى بفضل الهجرة الخارجية اكثر من ذلك بكثير... فأذن يجب ان يكون مستوى الاستثمار فيها عالي جدا وهنا يتدخل عامل العوائد النفطية المساعد التي ينفق جزء كبير منها على الخدمات والتسلح مما يعني فقدانها في اضافة مالية جديدة للدخل القومي.
الادخار ليس كله موجه للاستثمار بل جزء كبير منه لغرض الانفاق المستقبلي او لحاجات اخرى غير استثمارية مثل السفر الى الخارج،وعليه فأن حاجة العالم العربي يجب ان تفوق نسبة 12% للحفاظ على مستواه الضعيف حاليا! والنسبة الوسطية في العالم هي بحدود 20% اما في العالم العربي فهي قريبة لهذه النسبة ارتفاعا او انخفاضا مما يعني ان النمو الحقيقي ضعيف جدا لان المتبقي وهو بحدود 8% هو لا يكفي سوى 1%-1.5% من النمو الاقتصادي السنوي لان هامش الادخار غير الاستثماري عالي جدا،وعليه في هذه الحالة اذا اراد العالم العربي ان ينمو بنفس مستوى الصين العالي البالغ اكثر من 10% فعليه ان ينفق كحد ادنى اكثر من 50% من دخله على الاستثمار وهي نسبة عالية من الصعب جدا ان يصل اليها في ظل الفوضى الاقتصادية والسياسية التي تشهد عليها مراقبة ظروف هذا العالم البائس الضعيف!.
التقاليد المتوارثة لدى شعوب العالم العربي هي تقاليد ايجابية تميل للادخار اكثر منها للاستهلاك بالرغم من ازدياد تلك النزعة في العقود الاخيرة وبخاصة لدى دول الخليج! وعدم الاستفادة من هذا التوجه المتوارث يعني ضياع فرصة ثمينة تتمثل في استغلال عوامل التقاليد الاجتماعية والبيئة لخدمة التطور الاقتصادي!.
ضعف الاعلان عن حجم الادخار لدى الشارع مرده الى انعدام الثقة مع مؤسسات الدولة التي لا تقوم بواجبها من الخدمات والاستثمار في مختلف فروع الانتاج مما يعني اضعاف لعامل الوطنية الذي يرتكز على عاملي الخدمة والخدمة المضادة،لان الوطنية ليست شعارا يمكن رفعه بسهولة بل هي واقع ملموس يحتاج الى بذل الجهود لتقوية الوشائج الوطنية التي من افروعها هي حالة دفع الضرائب برغبة داخلية ترتكز على القناعة التامة من خلال محاربة الفساد واحلال العدالة بين الجميع وكذلك تقديم الخدمات وتوفير مستقبل مشرق للاجيال اللاحقة.

ليست هناك تعليقات: