إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/08/04

المعارضة بين الواقعية والمثالية

المعارضة بين الواقعية والمثالية
المعارضة بين الواقعية والمثالية:5
الامثلة على وجود الحركات السياسية التي تمتلك تراثا ضخما من التنظير الفكري هي عديدة وفي جميع انحاء العالم،ومن ابرز الامثلة عليها هي الاحزاب والحركات التي تنتسب للمدرسة الماركسية بشتى مدارسها المختلفة والتي تغيرت الاجتهادات فيها بفعل عاملي المكان والزمان ولذلك نرى وجود الماركسية اللينينية في الاتحاد السوفييتي السابق،والماوية في الصين والحركات المسلحة في امريكا اللاتينية والتي من بينها ما يطلق عليه بالكاستروية في كوبا وايضا البقية المتفرعة من اللينينية مثل التروتسكية او الستالينية... الخ من هذه التفرعات التي لم يبقى منها الا القليل بسبب جمودها الجذري بالرغم من تحديثاتها المستمرة عن الاصل الفكري ولكن في التفاصيل الفرعية...
الاحزاب والحركات الليبرالية لها ايضا تراثا فكريا متميزا جاء بعد قرون من الاضطهاد والتخلف في اوروبا حيث بلاد المنشأ،ولم يقف الفكر الليبرالي على حفنة من المفكرين ينتسبون لشعب ما بل هي حصيلة جهود عدد كبير من المفكرين من بقاع مختلفة من العالم وعلى مدار قرون عديدة،وبالرغم من عدم انتساب الليبرالية لمفكر واحد الا ان بعضهم اشتهر كمفكرين بارزين لمذهب الليبرالية في السياسة والاجتماع والاقتصاد ومنهم لوك وكانت وروسو وفولتير وميل وغيرهم كثيرون...والفكر الليبرالي الممزوج بالديمقراطية هو السائد الان في الغرب وبقاع عديدة من العالم،كما ان له وجودا قويا في العالم العربي الا ان شدة التسلط الحكومي وصراع التيار الليبرالي الجانبي مع التيارات الدينية المعارضة وضعف النتاج الفكري المستقل الذي يراعي الخصوصية المحلية للشعوب الاسلامية ويتفاعل معها كان من الاسباب الرئيسية التي جعلته محصورا ضمن نطاق ضيق سواء في الحياة العامة او في الاعلام ويبقى تواجده في الساحة الثقافية،بينما نجحت الكثير من التيارات الليبرالية في دول العالم الثالث الاخرى من نقل التجربة الغربية وطرحها بأشكال تناسب مجتمعاتها دون المساس في الجوهر ويمكن اعتبار اليابان وكوريا الجنوبية وجنوب افريقيا ودول امريكا اللاتينية هي امثلة عامة على شيوع الفكر الليبرالي المنقح محليا.
اما المعارضة الدينية والمتمثلة بكافة التيارات الدينية في العالم وفق مختلف المدارس،فأن السائد منها هو الاسلامي بينما تتواجد تيارات اخرى باقل قدرة في الكم والنوع من قبيل اليهودية في داخل اسرائيل او المسيحية في بعض بلدان العالم الغربي او الهندوسية في الهند الخ...وهذه التيارات بمختلف فروعها هي صاحبة تراث ضخم مبني على تاريخ عريق من الفكر الديني بمختلف توجهاته من اليمين الى اليسار مرورا بمرحلة الوسطية، ومن اقصى حالات التطرف الى اقصى درجات السلم والمهادنة والتعايش السلمي بين بقية المكونات، وقد تتحول الى وسيلة لاشاعة الفكر الاستبدادي وفق مختلف الحجج والذرائع الهزيلة التي تنافي العقل والمنطق والفطرة الانسانية والواقع ايضا بل وتتناقض مع روح الدين الداعية الى تحرير الانسان وجعله مثاليا في اخلاقه وطباعه وسبل عيشه... الخ من الاهداف السامية المبثوثة في الكتب الدينية المقدسة وشروحاتها المتعددة!.
وبما ان السائد منذ قرن في تصدر عناوين المعارضة الدينية هي الاسلامية بالتحديد نظرا لقوة التيارات الدينية المستندة على تراث الاسلام الضخم في الحكم والفكر والمعرفة والمتداخل مع مختلف فروع العلوم والاداب مع ضعف التيارات العلمانية الاخرى وشيوع النظم الشمولية في البلاد الاسلامية والتي في اغلبيتها محاربا للتوجهات الدينية الاصيلة في الواقع رغم شيوع العكس في الظاهر! ولذلك فأن التوجه الطبيعي سوف يكون الى الدين الاسلامي الخالي من الشوائب والذي يرفض الاستغلال والظلم والطغيان ويحث على التحرر من عبودية الانسان الى عبودية الله تعالى، وعلى هذا الاساس فأن التوجه العام سوف يكون دينيا خاصة ايام الازمات والنكبات واشتداد الاضطهاد والفساد وفشل الاخرين في طرح حلول واقعية ومناهج فكرية جديدة تقف في وجه كافة التحديات .
ومع وجود مفكرين متبحرين في العلوم الدينية والمدنية،ينشطون في تقديم الفكر الاسلامي المتنوع الاتجاهات والذي فيه مرونة عجيبة لكل زمان ومكان بحيث يمكن رؤية الفكر الاسلامي الحر وخاصة في مجال الحكم والادارة والمعرفة العامة الغير خاضعة للتشويه من جانب بعض الوعاظ واشباه المفكرين والمثقفين اصحاب الفكر الاسلامي المنحرف الذي تدعمه النظم الحاكمة بمختلف اتجاهاتها والتي تبرر كل اعمالها من خلال تأويل النصوص الدينية وفق ما تقتضيه الحاجة دون ادنى اعتبار للدين وقدسيته التي لا تعترف بكل مايسيء الى الخالق او الخلق،وعلى هذا الاساس نشأت المعارضة الدينية الاسلامية كرد فعل طبيعي على سوء الاوضاع وتشويه الدين واستخدامه كأداة للتضليل والتخدير من قبل وعاظ السلاطين ودعاة القبول بأي شيء يمكن ان يطرحة الحاكم بأعتباره وليا للامر لا يجوز الخروج عليه واعتباره ظل الله تعالى في الارض والحريص على اعتبار نفسه وليا تقيا!.
ومن المؤسف هو شيوع الفكر المنحرف وسيادته على الفكر الاصيل النقي لكون اصحاب الثاني في الغالب معرضون للابادة والنفي والتشويه المستمر مما يعني نشوء اجيال عديدة على التربية المنحرفة التي تحول البشر الى عبيد لغيرهم!.
ليست المعارضة الدينية صائبة دائما والعكس صحيح ايضا نظرا لاختلاف الاجتهادات والرؤى الشخصية،ولذلك نرى وجود التكفيريين والارهابيين الذين يعتقدون بصوابية منهجهم الفكري دون ادنى اعتبار لكافة التيارات الاخرى او حتى احترام لقدسية حياة الانسان وحريته واعتبار انفسهم جزءا من المعارضة الاسلامية وممثلا رئيسيا للتحدث بأسمها،ولذلك وقعت في اخطاء كارثية ساعدت على تشويه الدين الاسلامي من قبل زعماء او اتباع ينعقون مع كل ناعق من خلال غسيل مخ رهيب يرفض المجادلة العقلانية او الحوار مع الاخر كي يتم تجنيب البلاد من مآسي الصراعات الدموية ونفي الاخر اللامنتمي اصلا للسلطة وأذنابها، والامثلة كثيرة كما هو معروف من قبيل منظمات القاعدة وطالبان في زمننا الحالي او جماعات التكفير المنتشرة وبعناوين مختلفة منذ بداية انتشار الاسلام قبل اربعة عشر قرن ولغاية الان والقوائم تطول الى درجة يصعب حصرها او احصاء الخسائر في الارواح وغيرها!.
ان معارضة الاخر المعارض شيء طبيعي وقد يصل الى حد ابادة احدهما اذا تسلم الحكم لانعدام القيود والصلاحيات المسموح بها،ولكن ابادة الاخر وسلب كل حقوقه الدينية او المذهبية او الانسانية فهو ماتقوم به تلك المنظمات المتطرفة والمجهولة التمويل او معلومية مصادر التثقيف الهزيلة التي تفسر الدين وفق هواها الذي يتعارض في احيانا كثيرة مع ابسط مقومات المناقشة العقلية وهي تنجح بسهولة مع البسطاء الذين لا يمتلكون مقومات الرد والصد ومناقشة الادلة وخاصة من جوانب عقلية ومنطقية لان بعضها هزيل الى درجة يصبح التعامل خطرا والتجاهل اكثر خطورة لان شيوع الفكر الارهابي او الجاهلي بمختلف اتجاهاته في المجتمع ومستخدما كل وسائل الترغيب والترهيب هو معناه اخضاع المجتمع الى زمر جاهلة وحاقدة لا يهمها الدين الا بغرض الاستفادة منه وتبرير اعمالهم بطريقة مثيرة بحيث تجد لكل عمل اجرامي يقومون به تأويلا وتفسيرا لبعض النصوص الدينية التي يجري اخضاعها بطريقة مهينة!.
الفكر الاسلامي السياسي ضخم وقديم ويحمل بصمات مفكرين من مختلف البقاع وعلى مدار قرون عديدة، ومن ناحية المعارضة الاسلامية واصولها الفكرية تبرز آثار بعضهم تجاوز بعضهم مجتمعاتهم المنغلقة وزمانهم المتخلف عنهم بكثير ونذكر بعضا منهم من قبيل سيد قطب وحسن البنا ومحمد عبده والمودودي في المدرسة السنية،والسيد محمد باقر الصدر والمطهري والامام الخميني والامام موسى الصدر والعلامة السيد فضل الله وغيرهم من ممثلي المدرسة الشيعية.  

ليست هناك تعليقات: