إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/08/02

المعارضة بين الواقعية والمثالية

المعارضة بين الواقعية والمثالية
المعارضة بين الواقعية والمثالية:4
مثالية المعارضة يجب ان لا تكون في طبيعة الاهداف والتكتيك الموصل لها اذا كانت تتعارض كليا مع الواقع،ولكن يجب ان تمتلك الحد الادنى من المثاليات في سلوكها اليومي في التعامل بينها وبين القاعدة والرأس الهرمي للدولة وايضا في داخل تنظيماتها بين الافراد والتابعين لها،ومن بين اهم تلك المثاليات الواجبة هي الصدق في القول والفعل في العمل المعارض.
الصدق ليس عملا مثاليا بل هو واجب على كل فرد،ولكنه في العمل السياسي هو مثاليا لشيوع الكذب والتدليس والانحراف والفساد!حتى اصبح الانتماء الى الوسط السياسي تهمة اخلاقية يعاقب عليها كل المنتمون من جانب اللامنتمون لها!...ولذلك ولتجنب عدم الصدق كليا او جزئيا يجب ان يراعى الواقع الى حد كبير من خلال عدم تجاوز المعقول في التنظير او العمل،ولكن قبل الخوض في تلك المعاني المثالية،يجب العودة الى فكر المعارضة التنظيري والذي اساسه طلب الحق والعدل والمساواة وتصحيح التشوهات المنحرفة التي وقعت في الدولة والمجتمع...الخ من المطالب العامة،ولذلك وجب احترام الذات قبل العمل بذلك النهج من خلال التطبيق على سلوك التنظيمات السياسية نفسها،فأذا وجدنا في البداية وقبل الخوض في التفاصيل الجزئية من انها تقع في مستنقعي الديكتاتورية الحزبية والوراثة السياسية وجب الابتعاد بقدر الامكان عنها حتى ولو كان العاملون مخلصون لان صراعهم لن يكون مع ملذاتهم وشهواتهم اذا تحولوا بأتجاه السلطة ذاتها!...هذا يعني انه هناك عدد كبير من التنظيمات السياسية في العالم الثالث ومنها بالخصوص العالم العربي قد وقعت فريسة لهذه الامراض المستعصية وعليها دفن نفسها بعد ان اصبحت جثثا هامدة في سوق المعارضة النقية التي لا شوائب عليها!... اما اذا ارادت البقاء فأن مكانها العمل في سوق المعارضة السوداء الذي لا يختلف في دقائقه عن سوق النخاسة الحكومية او المافيا الدولية!.
من هذا القول يكون ذكر بعض الاحزاب في لبنان مثلا هنا خير مثال والتي يتوارث السياسيون فيها اقاربهم المتحكمون اصلا بها حتى الممات وكأن تلك التنظيمات خالية من المعارضة الذاتية لتلك الحالات المرضية!...بينما علينا الاشادة بما تقوم به جماعة الاخوان المسلمون في مصر من تغيير دوري مستمر في قياداتها السياسية حتى تواكب العصر في ضرورة الرغبة في التغيير وهي ظاهرة حديثة ينبغي عليهم الاستمرار فيها... وهناك مثالا سابقا كان نموذجيا من خلال وجود قيادة جماعية له ولم يعرف عنه زعيما بحد ذاته وهو حزب الدعوة الاسلامية الذي له فروع عديدة في عدة بلدان اسلامية وبخاصة في العراق، ولكنه انحدر مع الاسف الشديد من هذا العمل المثالي من خلال اختياره المالكي امينا عاما له بعد ان اصبح رئيسا للوزراء عام 2006 مما ادى الى ضعف كبير في مستواه التنظيمي وخلل كبير في تطبيق رؤاه الفكرية بعد ان كانت تجربته القيادية الفريدة من نوعها والتي هي مثالا يحتذى به لان القيادة الجماعية غالبا ما تكون اقل سلبيات من القيادة الفردية والتي تمتاز بالضعف الشديد اذا انعدم فيها التغيير كل بضع سنين لان تجديد دماء الاحزاب السياسية وهي ظاهرة منتشرة في دول الغرب معناه تجديد في آراء الاحزاب وتحديثها المستمر لسلوكها ومنهجها حتى يلائم الواقع والعصر كذلك فأن الحركية الجدلية تكون عالية ضمن هذا النوع وهي ضرورة مثالية كي تقتدي بها كافة الحركات السياسية التي تصمد اذا تعرضت الى ازمات بفعل عوامل التحديات المصيرية المتعارف عليها في حال كون قياداتها جماعية او فردية مؤقتة تتغير كل مرحلة زمنية معينة، بينما تضعف او تنهار كل من يقع فريسة الديكتاتورية الحزبية والوراثة السياسية...والطريف في الامر ان بعض الاحزاب اللبنانية تجمع بين الحالتين مما يعني ان صفة المعارضة او الموالاة التي يكثر الحديث عنها هي صفات ليست واقعية الدقة الا بمقدار الصراع على السلطة ومكاسبها الانية!. كذلك وقعت في هذا المطب بعض الاحزاب العراقية العريقة او حتى الجديدة التي تأسست بعد عام 2003 واصبحت مقاربة في المضمون للاحزاب الحاكمة ولكن في الشكل تختلف قليلا لاختلاف الوجوه!.
ومن الامثلة السيئة هي ان غالبية الحركات السياسية الفلسطينية قد وقع في هذا المستنقع(الديكتاتورية الحزبية بالخصوص) وان كان بعيدا عن الوراثة السياسية،حتى ان غالبية الكوارث او الصراعات الداخلية تعود اليه ولكن ينبغي الاشارة الى التغيير في سلوك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي تغيرت قياداتها عدة مرات في العقد الاخير بعد ان ارتبطت زعامتها بجورج حبش لفترة طويلة.
فكر المعارضة التنظيري:
لا يمكن مطلقا لاي حركة معارضة ان تعمل بدون منهاج تنظيري لها يؤسس لها اهداف وبرامج للعمل السياسي وعلى اساسها يتم سلوك العمل المعارض، لانه بدون فكر واضح ومميز فأن الحركة المعارضة سوف تكون بلا معنى من خلال الفوضى الاتية من فكرها المسير لعملها اليومي،ومن خلال اهمية الفكر التنظيري لكل حركة سياسية سواء حاكمة او معارضة فأن الغالبية الساحقة قد اهتم كثيرا به ولكن الاخر قد اهمله الى حد كبير واعتمد في طرحه على وجود خلل في عمل السلطة ارتكزت مطالبه على دعوة التصحيح والتغيير واعتبر ذلك عملا تنظيريا بحذ ذاته!...وفي الحقيقة ان ذلك هو الحد الادنى من الفكر التنظيري المطلوب للتنظيم المعارض وهو بحد ذاته يعتبر منهج للسلوك الجديد الذي يقوم عليه اتباعه.
بعض الحركات السياسية المعارضة التي تكونت نتيجة لجهود مفكرين من مختلف الفروع وتأسست على نظرياتهم ومبادئهم الفكرية،هي كانت الاكثر قوة في العمل التنظيمي واكثر صلابة في ممارسة العمل وتحدي الصعاب كما انها الاقدر على طرح برامج فكرية وعملية لاصلاح كل خلل يقع في المجتمع او الدولة...ولوحظ ان تلك الحركات السياسية هي الاقدر ايضا على انجاب المزيد من المفكرين والباحثين من غيرها لان الفكر كلما كان عميقا ومؤثرا في طرحه واسلوبه فأن توليد المزيد من المفكرين على دربه يكون اعلى درجة بكثير من الحركات المعارضة الخاوية!...كما ان درجة الولاء للمبدأ تكون في اعلى درجاتها مما يساعد على التماسك التنظيمي ويؤدي في هذه الحالة الى شيوع حالة من ذوبان الفرد ضمن تلك الحركات او مناهجها الفكرية،وهذا يعني ان درجة الاخلاص والتضحية والفداء سوف تكون في اعلى درجاتها ومن الصعب كثيرا منع حدوثها او توقع صدها بمنهج فكري مضاد يساعد على سحب البساط من تحت اقدامها ويضعف دعايتها الاعلامية المستندة على فكر ومنهج قوي وقريب للطبقات الشعبية المختلفة.
اهم معوق لتلك الحركات التنظيرية هي البقاء متقوقعة ضمن حيز ضيق صادر من افق ثابت وقديم مما يعني ان التجديد ليس مرغوبا فحسب بل هو واجب للبقاء ضمن دائرة التاريخ والعمل المعاصر،وهذا يعني انه قد تجري بين الحين والاخر تغييرات عميقة او مراجعات ذاتية مستمرة في الفكر والعمل تواكب الواقع الملموس الذي هو متغيير دائما...وهذا التغيير ليس خروجا من النهج الاصلي بل هي ضرورة زمنية وحياتية طبيعية تفرضها! لان الافكار والنظريات قد تموت اذا تجاوزها الزمن لانه من غير المعقول البقاء عن فكر صادر منذ قرون دون ان تكون هنالك مراجعة وتحديث لكافة دقائقه بين الحين والاخر فالزمن ليس محصورا بفئة معينة من البشر دون اخرى كما ان الواقع الحياتي بمشاكله المعقدة والمتغيرة بأستمرار هي الاخرى ليست محصورة بنفس الحيز الزمني والذي ادى الى توليد تلك الافكار والنظريات،ولذلك رأينا ان الحركات الجامدة فكريا ومنهجيا وعمليا هي التي انهارت قبل غيرها اذا لم تضعف كثيرا في افضل الحالات! وهذا الواقع المفروض ليس حديثا بل هي سنة الحياة وطبيعتها مما يعني ان الواجب على كافة الحركات السياسية التي تتبع مناهج فكرية مختلفة عليها واجب الاجتهاد والتجديد لكي تطرح ذلك بأسلوب عصري جديد يلائم الاجيال المعاصرة، ولا يهم ان تبقى الافكار الاصلية موجودة ولكن بطرح مختلف وجديد تكون فيه لغة العصر المفهومة هي التي يكتب ويطرح وينقح بها حتى تستطيع مواجهة متطلبات الحياة القاسية والمتغيرة على الدوام! وايضا ان تضع استمرارية الفكر كأولوية قصوى في سلم الاولويات العملية وان لا تهمله حتى تتجنب فقدان المزيد من الاتباع وبخاصة المنظرين الجدد.

ليست هناك تعليقات: