إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/07/15

الجفاف الفكري


الجفاف الفكري:
تمر احيانا على الانسان فترات يحس بأنه قد اصيب بجفاف فكري من خلال قلة او ندرة ما يفكر به او ما ينتجه من ابداعات ذاته المضطربة غالبا لكونها تعيش في زمن غير ثابت المعايير! وتلك بالطبع من سنن الحياة والتاريخ وليست حالة غريبة او نادرة الوقوع!...
الاضطراب في الحياة هو في الحقيقة مولدا مثاليا للافكار والاراء وبالرغم من كون بعضها متأثرا بالحالة الذاتية التي قد تبتعد عن الوسطية وتجنح للتطرف الذي يكون وليد الحالة الراهنة وهذا يبعدها احيانا عن الواقعية والدقة في المعاطاة مع الاحداث،الا انه في نفس الوقت ينتج طاقة جبارة تستطيع ان تسير الانسان نحو الافضل في تكيفه مع الحياة وما يحيط بها...الا ان تلك الطاقة هي مواد خام تحتاج الى تنقية وتكرير لكي تنتهي في النهاية الى منتجات نقية صالحة للاستخدام على اوسع نطاق لانه لا يمكن العمل بمحرك يستخدم مادة خام مليئة بالملوثات او مخلوطة بمواد اخرى قد تعيق العملية الانتاجية!...
الجفاف الفكري قد يصادف الكثيرون في فترة زمنية محددة وقد يقل تواجده في فترات اخرى!...وقد يكون فصل الصيف هو اكثر الفصول قلة للبعض بسبب ميل النفس الى عملية الترفيه الموسمية عن الذات مما يؤدي الى شيوع الكسل في ان يستمر في نفس قوة طرائق التفكير المعتادة او المستحدثة والتي تأتي عادة ايام فترة العمل والاحتكاك مع الاخرين،ولذلك فأن اول الاسباب الدالة على الجفاف الفكري هو الاصابة بمرض الخمول في الجسد او في الروح وقد يصيب احدهما او كلاهما وهو عادة مرض اجتماعي يصيب بعض ابناء الاثرياء الذين لا يتعبون انفسهم في صراعهم مع الحياة لتطويرها نحو الافضل بل يخلدون انفسهم نحو الراحة الدائمة التي تحاول العيش بما تيسر لها لانه لا وجود للصراع الوجودي للحصول على اشياء هي اساسا متوفرة لديهم سلفا، وبالتالي فأن هذا الخمول الفكري يبدأ عادة في الظروف المحيطة ويستمر من خلال تقليل المعروض لينتهي بجفاف فكري قد تستعصي حالته! اي انه مشابه للمرض العضوي الذي اذا اهمل استفحل امره لينتهي الى موت محتم...
لا سبيل للخلاص من تلك الحالة الناتجة عن الخمول والكسل الا بأستعادة النشاط بالتدريج لصعوبة العودة بنفس القوة والنشاط،ولكن يمكن الوقاية من الخمول من خلال الاستمرار على نفس النهج المعتاد الذي نسير عليه ولكن بخطى اقل للمحافظة على مستوى الاندفاع والتصدي لكل مشاكل الحياة وتعقيداتها المتزايدة بصورة رهيبة مما يجعل البعض يترحم على الماضي لبساطته بالرغم من الصعوبات الحياتية المتاحة آنذاك...
قد يكون الشعور بالجفاف الفكري من خلال الاحساس بعدم وجود جديد الافكار والاراء التي ينتجها عادة العقل البشري وبالتالي ضعف المتعة الروحية والفائدة الذاتية من طرح افكار وآراء غير جديدة او جديرة بالاهتمام ولا يشترط بهذا الاحساس ان يكون ضمن فترة الجفاف الفكري بل احيانا يأتي اثناء قمة النشاط البدني والفكري! وهذا الاحساس قاتل بلا شك ولكن تاثيره المميت لايأتي دفعة واحدة بل جرعات متعددة! وعليه تبرز عدة تساؤلات حول ماهية تلك الاحاسيس؟ومدى صدقيتها خاصة اذا علمنا ان الحياة هي منجم ثابت لا حدود لامكانياتها الغير متناهية؟!.
من خلال النظرة السريعة على تاريخ الفكر الانساني وما انتجه من ابداعات جبارة في مختلف الحقول خلال الحقب الزمنية الماضية،نرى انه هنالك الكثير من المتكررات في تلك الافكار والنظريات ولكن تأتي غالبا بلباس عصري جديد يختلف عن ازياء الماضي التي تلائم زمنه وقد تكون من خلال اضافة الحواشي والتعليقات مما يعني ان الجديد قد تكون نسبته ضئيلة بالمقارنة مع الاصل! وبالرغم من ذلك لا توصف تلك الحالة بنتائج انتهاء التفكير الانساني الدال على محدوديته والدوران حول نفسه في الكثير من القضايا! بل هي ابتكار وتطوير لما تم اختراعه،وكذلك على دلالة نسبية دقة المنتج الاصلي وعدم جعله مطلقا لكل الظروف.
توجد في داخلنا رغبة مجهولة في ان نرى نتاج الاخرين حتى ولو كان الاحساس بأنه ليس جديدا علينا! ويمكن رؤية مثال بارز من حياتنا البسيطة من خلال ذهاب مجموعة من الاصدقاء في سفرة ترفيهية لمكان محدد سلفا،فيأخذ البعض كاميرات شخصية للتصوير وقد يشتركون في تصوير نفس المناطق او الاشياء ولكن في النهاية تكون نتائج التصوير مختلفة بدرجة ما وتبقى الرغبة في رؤية صور الاخرين حتى ولو كانت متطابقة مع الصور الاخرى لانها منتجة من يد اخرى! وفي النهاية يكون الاختلاف البشري ظاهرا بين الصور المطبوعة ولو بدرجة بسيطة ناتجة عن اختلاف الخبرات والظروف المحيطة من خلال خبرة البعض التصويرية اكثر من غيرها او استخدامهم لكاميرات مختلفة الدرجة من الدقة والوضوح والتقنية ومعرفة ادق مراحل العملية التصويرية مع اختلاف اوضاع اخذ الصور او عدد المتواجدين في كل صورة الخ...
الافكار والاراء النظرية والعملية هي ايضا قريبة للمثال السابق وتكون صفة التقليد المذمومة ظاهرة اذا كانت متطابقة الى درجة عالية من الدقة ويتعدد التكرار مما يعني ابعاد النفس عن الرغبة في معرفة نسبة الاختلاف او الرغبة في التصديق،والاختلاف الذي قد يكبر بمرور الزمن يكون منتجا بطبيعة الحال لعدد غير محدود من الاراء والافكار...
الجفاف الفكري مثل الاحتباس الحراري الذي يصيب العالم المعاصر فهو يحتاج غالبا الى مساعدة الاخرين للخلاص منه لان تاثيراته المميتة سوف تصيب الجميع او آثاره الجانبية سوف تنقل الضعف والعدوى مما يعني الاصابة المتوقعة...

ليست هناك تعليقات: